حديث عن التعليم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         6 كواكب وسابعهم القمر في خط مستقيم – اصطفاف الكواكب ظاهرة فلكية نادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الثبـــات وأسبــابه.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 67 - عددالزوار : 9650 )           »          هذا الدين هو دين أهل العزة والكرامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          فضيلة الشيخ أ. د. ناصر العقل متحدثاً عن التكفير المذموم التكفــير فتنة هذا العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          أخطاء الواقفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 90 - عددالزوار : 22469 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 236 - عددالزوار : 29080 )           »          ما تحرمش نفسك من التسالي فى العيد.. أنواع مختلفة من السناكس الدايت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          4 نصائح لخسارة الوزن الزائد بخطوات سهلة بعد فتة ولحمة العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-06-2021, 01:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,561
الدولة : Egypt
افتراضي حديث عن التعليم

حديث عن التعليم (1)


د. محمد بن لطفي الصباغ






إن نهضةً في التعليم تقوم في أمتنا اليوم، ويؤسِفني أن أقرِّر أنها نهضة في عدد الطلاب لا في الكيف، وهي على أي حال نافعة، فالتحرر من الأمية كسب كبير، الأمل في المستقبل كبير، فلنحمد الله ولنُتابِع العمل.

وهناك ازدياد في عدد المدارس والطلاب في كل مستويات التعليم، وهذا ليس غريبًا على هذه الأمة التي تقرأ في كتابها المنزَّل من عند الله قولَه تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، وكانت هذه الآيات أول ما نزل من القرآن.

نعم لقد كنا أمة أميَّة، وأكرمنا الله بهذا الرسول وبتلك الرسالة، فأدخلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ميدان العلم من أوسع أبوابه، ولم تمضِ حِقبة طويلة حتى صِرنا أساتذة الدنيا، ونبَغ فينا علماء كبار نشروا العلم والمعرفة، فكان من جرَّاء ذلك أن تحقَّقت لهذه الأمة العزةُ والسيادة، والقوة والسعادة.

وُجِدت الكتاتيب في وقت مبكِّر، وقامت حلقات العلم في المساجد، وأُنشِئت المدارس، وقامت الجامعات المجانيَّة، تفتح أبوابها لكل راغب، وكانت الجامعة تُدعى مدرسة، وما زالت مبانيها قائمة في مصر والشام، فهناك في دمشق زقاق يدعونه (زقاق المدارس)، وقامت مدارس عدة في سفح جبل قاسيون، وسُمِّيت تلك البقعة بالصالحية[1]، أقامها آل قدامة أقاموا عددًا كبيرًا من المدارس، وأهمها المدرسة العمرية، والمدرسة الضيائيَّة، وقد ذكر أستاذنا شاكر مصطفى تفصيلات مهمَّة عن هاتين المدرستين، فذكر أن هناك وقفًا لخبز يُفرَّق فيها كل يوم ألف رغيف، وهو مستمر طوال السنة، ولها وقف للأطعمة اليوميَّة، ولها وقف على قمصان كل سنة لكل نازل، إلى آخر ما ذكر، وفيها مكتبة ضخمة.

وهذه الجامعات لا يَصدُّ طالبَ العلم عنها صادٌّ، بينما نرى اليوم صعوبات كثيرة تواجِه من يريد الالتحاق بالجامعة، فهناك النفقات الكبيرة التي يجب توافُرها لدى الطالب، وهناك شكليات القَبُول، وصعوبة تَجاوز الحدود المصطنعة التي أقامها المستعمر الكافر.

وكانت مواهب الإنسان وقدراته ومَلَكاته واستعداداته هي التي ترشِّحه للاستمرار والنجاح، أما الذين قَصُرت بهم مواهبهم وقدراتهم فيتركون يأخذون ما يأخذون، ولا يعدمون نفعًا مهما قلَّ.

وكان عدد الطلاب المقبِلين على مجالس العلم كبيرًا، ذكَر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد[2] قال: قال يحيى بن أبي طالب: سمعتُ يزيد بن هارون في المجلس ببغداد، وكان يقال: إن في مجلسه سبعين ألفًا، ويزيد هذا وُلِد سنة 118هـ وتوفي سنة 206هـ.

فقدِّر أيها القارئ الكريم هذا العدد الضخم من طلبة العلم الذين يَحضُرون هذا المجلس في بلد كبغداد، وفيها من أساطين العلم العدد الجم الغفير.

ويغلِب على ظني أن العدد المذكور جيء به للدلالة على كثرة الطلاب، وليس المراد به العدد الرقمي والله أعلم، وفي "تاريخ بغداد" و"أدب الإملاء والاستملاء" أخبار كثيرة تدلُّ على كثرة الطلاب في تلك الأيام.

وليس الأمر مقصورًا على بغداد، بل هناك المدن الكثيرة التي كان يشع منها نورُ العلم والمعرفة كالبصرة والكوفة ومكة والمدينة ودمشق والأندلس وبخارى، وغيرها من مدن العلم ومراكزه، وفي هذه البلاد كلها مجالسُ على غِرار مجلس يزيد بن هارون، إن ذلك ليَدُل على كثرة الإقبال على طلب العلم في هذه الأمة.

وهؤلاء الطلاب يُقبِلون على العلم للعلم؛ ومن أجل ذلك نبغ أصحاب المواهب يُبدِعون ويتركون للأجيال المقبلة زادًا وفيرًا قيمًا من المعرفة والفكر.

وأما العامة، فلم يكونوا بمنأى عن العلم، لقد كانوا يتلقَّون في الكتاتيب مبادئ القراءة والكتاب والحساب والأحكام الفقهيَّة في العبادة والمعاملات، وإذا ختم أحدهم القرآن، قام الشيخ بإعداد احتفال مناسب، وذهب بالطلاب كلهم إلى بيت هذا الطالب، يُردِّدون في الطريق الأناشيد الدينية، وقام ولي الطالب بإكرام الطلاب بحسب قدرته المالية، وعمَّت الفرحة الأسرة، ثم يَنصرِف الطالب إلى الحياة العملية، وفي الغالب يكون في عمل أبيه، فيتدرَّب مع أبيه في العمل حتى يُتقِن المهنة، وقد يبقى مع أبيه وقد يَستقِل بالعمل وحده.

ومن الملاحظ الآن أن معظم الطلاب يتَّجِهون إلى التعليم العام، وقليل منهم من يتَّجِه إلى التعليم المهني، إلى المدارس الصناعية والزراعية والتجارية ونحوها، إن التحاق بعض الطلاب بالتعليم المهني يُلبِّي حاجة المجتمع في مجالات الصناعة والزراعة والكهرباء والسباكة ونحوها من جِهة، ويُحقِّق فائدة عظمى للطلاب الذين لا ميل لديهم للدراسة العلميَّة من جِهة أخرى، إننا نخشى بعد حين أن يخرج التعليم العام أجيالاً من الخريجين لا مكان لهم في وظائف الدولة، وتنتشر البطالة وتزداد، إن هذا الواقع يحتاج إلى مزيد من الدراسة والنظر.

إن التعلُّم لتحصيل العلم وللعمل به ولنشره كان هو السائد في تاريخنا في الماضي الأغر في أمتنا، أما الآن، فقد أضحى التعلم لتحصيل الشهادة ثم بلوغ الوظيفة، هذا ما آل إليه التعليم المعاصر في الغالب، يحفظ الطالب المعلومات ويَختزِنها ليوم الامتحان، فإذا انتفتِ الحاجة إليها، سرعان ما تأخذ طريقَها إلى النسيان، وكثيرًا ما يكون الحفظ مجرَّدًا عن الفَهْم، وذلك يكون أدعى إلى سرعة ذَهابها.

إن علماءنا المتقدمين كانوا واثقين بأنفسهم، مُعتزِّين بثقافتهم، ونَتَج عن هذا نبوغ أصحاب المواهب والطاقات.

ونحن نحتاج اليوم أن يكون ذلك الواقع قائمًا في علمائنا المعاصرين، وذلك بأن يكونوا واثقين بأنفسهم وبقدرتهم على أن يأتوا بالنافع للناس في مجالات العلم النظريَّة والعملية، وبأن يتحرَّروا من الانبهار بما وصل إليه الآخرون، ومن العبوديَّة الفكرية التي تسرَّبت إلى بعضهم.

ويجب أن يُوفَّر لهم التكريم من قِبَل الدولة، والاحترام والتعاون من قِبَل زملائهم المثقَّفين.

نسأل الله أن يوفِّقنا لما يرضيه، والحمد لله رب العالمين.


[1] انظر: كتاب أستاذنا د. شاكر مصطفى (آل قدامة والصالحية) من حوليات كلية الآداب في الكويت سنة 1402 (1982).


[2] تاريخ بغداد 14: 346 وانظر تهذيب التهذيب؛ لابن حجر 11: 368.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-07-2021, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث عن التعليم

حديث عن التعليم (2)


د. محمد بن لطفي الصباغ






أودُّ في هذه الكلمة أن أَعرِض مشاهد من الإقبال على مجالس العلم التي كانت لأجدادِنا في سابق الأيام، عندما كانت أوربا تتخبَّط في دياجير الجهل، ولا عجب في ذلك؛ لأن حياتنا في تلك الحقبة الميمونة كانت تقوم على الإسلام، وهو دين العلم.

1- حدَّث محمد بن يعقوب الأصم قال: قال يَحيى بن أبي طالب: سمعتُ يزيد بن هارون في المجلس ببغداد، وكان يقال: إن في المجلس سبعين ألفًا[1] (ويزيدُ هذا وُلد سنة 118هـ، وتوفي سنة 206هـ).

هذا خبر تَذكُره كتب المصادر، ومثله كثير، مجلس واحد من مجالس العلم يضمُّ الجمَّ الغفير من طلبة العلم الذين يكتبون ما يُمليه الشيخ.

وكانت هناك وظيفة الاستملاء يقوم بها عدد من الطلاب الأذكياء الذين يتمتَّعون بسرعة الفهم، وجهورية الصوت، يُبلِّغون الطلبة الذين لا يَصِلُ إليهم صوت الشيخ مُباشَرة، ما أشبههم بمُكبِّرات الصوت في عصرنا.

2- قال أبو بكر أحمد بن جعفر: لما قدِم علينا أبو مسلم الكجي، أملى الحديث في رحبة غسان، وكان في مجلسه سبعة مُستملِين، يُبلِّغ كل واحد منهم صاحبه الذي يليه، ويَكتُب الناس عنه قيامًا بأيديهم المحابر[2].

3- كان مجلس عاصم بن علي في رحبة النخل التي في جامع الرصافة، وكان يضمُّ عِشرين ألفًا ومائة ألف، وأن هذا العدد الضخم كان يضطرُّ عاصمًا إلى أن يجلس على السطح، وينتشر الناس في الرحبة وما يليها، فيَعظُم الجمع جدًّا.

قال راوي الخبر: حتى سمعتُه يومًا يقول: حدثنا الليث بن سعد، ويُستعاد، فأعاد أربع عشرة مرة، والناس لا يسمعون.

وكان من حرص بعض الطلبة أن أحدَهم - وهو هارون المستملي - كان يركب نخلة معوجة ويَستملي عليها[3].

4- أما مجالس العلم التي يَصِل عدد الطلاب فيها إلى عَشرة آلاف، فهي كثيرة، وأخبارها أكثر من أن تُحصى.

وهذا العدد الجمُّ الغفير كلهم من طلبة العلم الذين يُسجِّلون ما يَسمعون ومعهم أقلامهم ومحابرُهم وكراريسهم، قال أبو الفضل الزهري: لما سمعتُ من جعفر الفريابي - رحمه الله - كان في مجلسه من أصحاب المَحابر ممَّن يَكتُب حدود عشرة آلاف إنسان[4].

5- وكانت معظم هذه المجالس تُعقَد في المساجد والبيوت، وكثيرًا ما كانت المساجد والبيوت تضيق عن استيعاب هذه الأعداد الكبيرة، فيلجأ الشيخ إلى الشوارع والساحات العامَّة.

حدَّث محمد بن حبيب البصري قال: كنا نَحضُر مجلس أبي إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي للحديث، فكان يجلس على سطح له، ويَمتلئ الشارع بالناس الذين حضروا لسماع الحديث، ويبلِّغ المستملون عن الهجيمي.

قال: وكنتُ أقوم في السَّحر، فأجد الناس قد سبقوني وأخذوا مواضِعَهم، وحُسب الموضع الذي يجلس الناس فيه وكسِّر، فوجد مقعد ثلاثين ألف رجل[5].

وفي هذا الخبر ما يدلُّ على الحرص الشديد الذي كان يتحلَّى به محمد بن حبيب؛ حيث كان يقوم من السحر، فيجد أن الناس قد سبقوه.

6- كذلك ما حدَّث به جعفر بن درستويه قال: كنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المديني وقت العصر اليوم لمجلس الغد، فنقعد طول الليل؛ مخافة ألا نَلحق من الغد موضعًا نسمَعُ فيه[6].

7- وقد أصبح طلب العلم شرفًا يسمو بصاحبه إلى أعلى المراتب، فكم من مولى عاديٍّ ارتفع نجمه في سماء المجتمع حتى أصبح في دنيا الناس شيئًا مذكورًا يشار إليه بالبنان!

كان ابن عباس - رضي الله عنهما - يرفع أبا العالية على سريره وقريش أسفل منه، ويقول: هكذا العلم؛ يَزيد الشريف شرفًا، ويُجلِس المملوك على الأسرَّة[7].

بل كان بعض الخلفاء يشتهي أن يكون ممَّن يطلب العلم.

قال محمد بن سلام الجُمحي: قيل للمنصور: هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تَنله؟ قال: بقيَت خصلة؛ أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث، فيقول المُستَملون: مَنْ ذكرت رحمك الله؟

قال: فغدا عليهِ النُّدماء، وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر، فقال لهم: لستم بهم، إنما هم الدنسة ثيابُهم، المتشقِّقة أرجلهم، الطويلة شُعورهم، بُرُدُ الآفاق، ونقلةُ الحديث[8].

8- قال قاسم بن مروان الوراق[9]:
والعلمُ زَينٌ وتشريفٌ لصاحبِهِ
أتتْ إلينا بذا الأنباءُ والكتُبُ

والعلمُ يرفعُ أقوامًا بلا حسبٍ
فكيف من كان ذا علمٍ له حسَبُ؟

فاطلُبْ بعلمِك وجهَ اللهِ محتسبًا
فما سوى العلمِ فهو اللهوُ واللعبُ


9- وازنَ سلفُنا بين العلم والمال، وانتهوا إلى تفضيل العلم؛ حتى قال قائلهم:

العلمُ زَينٌ وكنز لا نَفادَ له
نعم القرينُ إذا ما عاقلاً صَحِبَا

قد يَجمعُ المرءُ مالاً ثم يُسلَبُه
عمَّا قليلٍ فيَلقى الذلَّ والحربَا

وجامعُ العلم مَغبوطٌ به أبدًا
فلا يُحاذِرُ فَوتًا لا ولا هرَبَا

يا جامعَ العِلمِ نعم الذُّخرُ تَجمعُه
لا تَعدِلنَّ به درًّا ولا ذهَبا[10]


10- حدَّث يحيى بن أكثم قال:
قال لي الرشيد يومًا: ما أنبل المراتب؟
قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين.

قال: فتَعرِف من أنبل مني؟
قلت: لا.

قال: لكني أعرفه، رجل في حلقة يقول: حدثنا فلان عن فلان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
قلت: يا أمير المؤمنين، هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووليُّ أمر المسلمين؟

قال: نعم! ويلك! هذا خير مني؛ لأن اسمه مُقترِن باسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يموت أبدًا، نحن نموت ونفنى، والعلماء باقون ما بقي الدهر[11].

11- حدَّث أشعث بن شُعبة المصيصي قال:
لمَّا قدم هارون الرشيد الرقة أشرفَت أمُّ ولدٍ لهارون من قصرٍ كانت تقيم فيه، فرأت الغبرة قد ارتفعت، والكلام قد انقطع، والسكون قد ساد، وانجفل الناس.

فقالت: ما هذا؟
قالوا: عالم خراسان يُقال له: عبدالله بن المبارك.

فقالت: هذا واللهِ المُلكُ لا ملك هارون الذي لا يَحمده الناس إلا بالسوط والخشب[12].

12- وقد بلغ من إكرام الخلفاء للعلماء الحادثة الآتية:
جاء في "البداية والنهاية"؛ لابن كثير: أن الخليفة هارون الرشيد استدعى إليه أبا معاوية الضرير محمد بن خازم؛ ليسمع منه الحديث، قال أبو معاوية: ما ذكرتُ عنده في حديثٍ رسولَ الله إلا قال: صلى الله على سيدي، وإذا سَمعَ حديثًا فيه موعظة، يَبكي حتى يبلَّ الثرى، وأكلتُ عنده مرة ثم قمتُ لأغسل يدي، فصبَّ الماء عليَّ وأنا لا أراه، ثم قال: يا أبا معاوية، أتدري من يصب عليك؟ قلت: لا، قال: أنا، فدعا له أبو معاوية الضرير، فقال: إنما أردتُ تعظيم العلم[13].

وبعد؛ فهكذا كان طلاب العلم، وهكذا كان يُكرَم العلماء، رحم الله تلك الأرواح الطاهرة، والعبقريات الفذة، التي أعطت مثلاً للإنسانية في تحصيل العلم والتفوق فيه، والحمد لله رب العالمين.


[1] أدب الإملاء (ص: 16).

[2] أدب الإملاء (ص: 96).

[3] أدب الإملاء (ص: 16 - 17).

[4] أدب الإملاء (ص: 17).

[5] أدب الإملاء (ص: 18).

[6] أدب الإملاء (ص: 112 - 113).


[7] لمحات في علوم القرآن؛ لمحمد بن لطفي الصباغ (ص: 138).

[8] أدب الإملاء (ص: 19).

[9] جامع بيان العلم وفضله (1: 56).

[10] جامع بيان العلم وفضله (1: 58).

[11] أدب الإملاء (ص: 20).

[12] أدب الإملاء (ص: 22).

[13] البداية والنهاية (14: 31)، طبعة هجر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.29 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.16%)]