29-12-2020, 07:53 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة :
|
|
هل وجدت بطلك؟ (خاطرة في قصة أهل موسى عليه السلام)
هل وجدت بطلك؟ (خاطرة في قصة أهل موسى عليه السلام)
د. أسعد بن أحمد السعود
لعلَّ في قصة أهل موسى أعظمَ القَصصِ، وأجملها، وأطيبَها.
لم يرَها موسى أبدًا، ولم يرفع طرْفَه إليها ليرى شيئًا منها.
لم يكلِّمها... حتى يقع فيه ما يقع.
وهو الشابُّ الوحيد الطريد الغريب.
﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ [القصص: 23]؛ إنها الفراسة التي أودعها ربُّ العزة فيه، وهو الذي ما فتئ يُنجد البسطاء المظلومين.
(ألم تكن نَجْدَتُه قبل وقت قصير لابن طائفته سببًا في حالته هذه التي يعيشها الآن؟!)
والفراسة لم تدفعه لسؤاله المرأتين: ما قصتكما؟!
بل قالها حكمة ربانية لما رأى من تعبٍ وضعفٍ، وشرودٍ وقلة حيلة في مُحيَّاهما!
﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ [القصص: 23].
وجاءه الردُّ بالثقة نفسها، ولم تُحرَجَا أبدًا منه:
﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23].
سبحان الله! وتولَّى إلى الظلِّ، ودعا ربَّه الذي يراه، وهو بعينه وهو لا يعلم:
﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24].
اللهم نحن الفقراء إليك، اللهم ارزقنا من خيرِكَ الذي لا ينضب، واكفنا من شر خلقك،آمين.
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25]، هي راعية أغنام تقضي وقتها كله، طول يومها وعرضه وحيدةً في البراري، قويةً جَلْدة، لكنها فتاة غضَّة في ريعان صباها.
فتراها مع الرِّعاء الذين يسقُون، خجلى لا تُزاحمهم، ضعيفةً لا تُدافعهم، بل يُكلِّلها الحياء من مخالطتهم، فلا تأخذ دَور السقي حتى يفرغوا تمامًا من سقيهم جميعًا!
فلما جاءتْ موسى، وقد رأته من قبل، ورأتْ قوَّته الظاهرة في أخذ دور السقي، كيف نهل الماء الكثير، وسقيه للأغنام بكل يُسرٍ، وبهذه السرعة، ولم يطلب منهما شيئًا أو أجرًا لقاء عمله لهما، انصرف ولم يكلِّمهما أبدًا.
لقد انصرف يشكو إلى ربِّه حاله وهمَّه الذي لا يعلمه أحد... سبحان الله!
لقد تكلَّلت بالحياء إذ جاءته وحيدة...
ربما وهي الحصيفة؛ لتُبعد الظنَّ في نفس هذا الغريب القويِّ من أي أمرٍ قد يرتاب به.
جاءتْه وربما المكان أصبح خاليًا مُوحِشًا من أي أحد يعرفها، ومن أي مرتاد للبئر.
جاءت وهي تُحصِّن نفسها بالحياء الذي هو سلاحها الربانيُّ، وتُحصِّن أختها وأباها الشيخ الكبير في غيابها عنهما.
لقد جاءت تحمل الأمانة؛ الأمانة التي حمَّلها إياها أبوها الشيخ؛ لتعادل بها أمانة النجدة التي أبداها هذا الرجلُ الغريب، وأمانة السقي وإزالة الخطب من أذى الرعاء، والتأخير في العودة للبيت قبل المغيب.
وفي مجلس الأب الشيخ الكبير:
تبادلا التعارُف، وكلٌّ منهما قصَّ للآخر موجزًا عن حالته.
جاء النُّطْق الربانيُّ بالحُكْم: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ [القصص: 26].
لقد وقع في نفس الأب الشيخ الكبير ما وقع، وقرأ رسالة ابنته الحصيفة الأمينة، وترجمها في الاستجابة السريعة لطلبها الخفيِّ.
ومن أجل العدْل والإنصاف، ومن أجل ألَّا يترك (حزًّا أو ضغينةً) في نفس إحدى ابنتيه إذا ما وقع الاختيار على واحدة منهما؛ قال الأب الشيخ الكبير كلمته العادلة، ورمى الغريب بحقِّ الاختيار:
﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ [القصص: 27]، فاختر إحداهما!
سبحان الله!
الأب الشيخ الكبير يخطب الغريبَ، ويُخيِّره؛ حتى لا يحز ويولِّد الشقاق بين ابنتيه.
إنها الحصافة والحلم والأخلاق، إنه الحقُّ الناصع.
قليلًا ما يحدُث هذا، ولا دَور أو ذكر للأم هنا أبدًا.
سبحان الله وبحمده.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|