السيرة النبوية بين إشكالية الحدث والقصص الشعبية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 851047 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 387024 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 228 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28465 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60104 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 854 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-11-2020, 07:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي السيرة النبوية بين إشكالية الحدث والقصص الشعبية

السيرة النبوية بين إشكالية الحدث والقصص الشعبية
وليد بن عبدالعظيم آل سنو


مدخل:
غاية الشيطان الكبرى هي إضلالُ العباد، وإفساد دينهم، ولذلك كان أصلُ الضلال في الأرض إنَّما نشأ في هذين: إمَّا اتخاذ دين لم يشرعه الله، أو تحريم ما لم يحرمه الله.

فإنَّ أعمال الخلق تنقسِم إلى عباداتٍ يتَّخذونها دينًا، ينتفعون بها في الآخرة، أو في الدُّنيا، وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم.

فالأصلُ في العبادات:
أن لا يشرع منها إلاَّ ما شرعه الله.
والأصلُ في العادات: "أنْ لا يحظر منها إلا ما حَظَره
الله"[1]، وكلا الأمرين مَنفذ من منافذ الشيطان للغَواية والضلال.

والبدعة أحبُّ الأعمال مطلقًا إلى الشيطان، ولذلكَ فإنَّ الحرصَ على البدعة إنَّما يأتي من جهة: "مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع، وفوات سلوك الصراط المستقيم، وذلك أنَّ النفس فيها نوع من الكبر، فتحب أن تَخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري - رحمه الله -: "ما ترك أحدٌ شيئًا من السنة إلاَّ لكِبْرٍ في نفسه"، فينسلخ القلب عن حقيقة الاتباع للرسول، ويصير فيه من الكبر وضَعْفِ الإيمان ما يفسد عليه دينه أو يكاد، وهم يَحسبون أنَّهم يحسنون صنعًا"[2].

وكذلك: "لأنَّ القلوبَ تستعذبُها، وتستغني بها عن كثيرٍ من السنن، حتى تَجدَ كثيرًا من العامة يُحافظ عليها ما لا يُحافظ على التراويح والصلوات الخمس"[3]، "فجميع المبتدعات لا بد أن تشتملَ على شرٍّ راجح على ما فيها من الخير؛ إذ لو كان خيرها راجحًا، لما أهملتها الشريعة"[4].

جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّه قال: "وكم من مُريدٍ للخير لن يصيبه!"، قاله لأقوامٍ يُسبحون ويكبرون ويهللون ويحمدون، ويعدون ذلك بالحصى، ولما نهاهم، قالوا: ما أردنا إلا الخير[5].

ومن أفعال الشر التي أُريد بها في ظاهرها خيرًا: المواسم والأعياد، وأهمها الاحتفال بمولد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تلك المسألة التي تنازع فيها الغُلاة من الصوفية وغيرهم من أصحاب الأهواء مع أهل العلم والفضل من أهل السنة والجماعة.

يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "والوجه الثاني في ذمِّ المواسم والأعياد المحدثة: ما تشتمل عليه من الفساد في الدين، واعلمْ أنَّه ليس كل واحد - بل ولا أكثر الناس - يُدْرِك فسادَ هذا النوع من البدع، ولا سيما إذا كان من جنس العبادات المشروعة، بل أولو الألباب هم الذين يُدركون بعضَ ما فيه من الفساد"[6].

أصنام الحلوى والعجوة:
منذ عقود مضت رسخ في وجدان الكثرة الكاثرة من الناس أنَّ السيرة النبوية إنَّما هي الاحتفال بالمولد النبوي، مع ارتباط ذلك بأصنامِ الحلوى التي يُحضرها الوالدُ لتُؤكَل.

فقد بلغ من سخافة الجاهلية القديمة أنْ صنعوا أصنامَهم من العجوة، ثم عبدوها، فلمَّا جاعوا أكلوها، وفي الجاهلية المعاصرة صنعوها لأولادنا من الحلوى؛ لتذكرهم بأمجادهم الماضية.

"ونَوَدُّ أنْ ننبه ها هنا إلى مسألة شرعية، وهي صُنع أصنام من الحلوى على هيئة حصان للولد، و"عروسة" للبنت؛ لتُؤكل يوم المولد، والذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أنَّ هذا لا يَجوز ويُمنع الصبي من أكلها، فالذي أدخل هذه الأصنام في الأمة المحمدية إنَّما هم أولاد بني القداح العبيديين الشيعة، الذين يُطلَق عليهم (الفاطميون)، وقد ظهر لنا ضلالتهم، وأنَّهم من فرقة الإسماعيلية الباطنية، ولهم مقالات وأفعال كفرية يريدون بذلك عَوْدة الأوثان للأمة الإسلامية، فهم ليسوا أهلاً للاقتداء والتأسي".

ثم تأتي الموالد تِبَاعًا، كاحتفال ليلة النصف من شعبان - تلك الليلة التي أُنزل فيها القرآن، كما قرر ذلك بعض (دكاترة) إذاعة القرآن الكريم المصرية بلا خجلٍ وبلا استحياء - هكذا طوعًا أو كرهًا، ورغم أنف الآية.

ومن البلايا المضحكات:
أنَّ خطيبًا مفوهًا وقف في ليلة الاحتفال بمولد الرسول؛ ليصف بُطولته - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشجاعته، فقال: إنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - (سوبرمان مسلم) - وكانت مغامرات (سوبرمان) تملأ قريتي، كما تملأ عالم أطفال المسلمين - ومعلوم أن الخطيب المفوه قد زجَّ بكلمة (مسلم)؛ ليفرق بين (السوبرمان المسلم)، و(السوبرمان الكافر)، فإذا بالمصلين يطلقون صيحات الإعجاب، وترديد الصلاة والسلام على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك الرجل الخارق للعادة.

هذا الربط القصصي المتسق مع الذوق الشعبي العام للجماهير، مع وجود الموروث الثقافي الضحل الغائر في الوجدان - يُعَدُّ قراءةً نفسيةً تعويضية لحقيقةِ السيرة الغائبة في واقع الناس ودُنياهم، كما نلجأ تمامًا للنكتةِ؛ احتجاجًا على وضع غير مفهوم، وغير مقبول إن فهم.

فهذا الربط الشعبي في وجدان الناس هو المفهوم الذي عَلِقَ بأذهانِهم عن السيرة النبوية - التي هي التجسُّد الشخصي للنبي في حياة العامة - حتى كادوا لا يعرفون عنها سوى عطر الذكرى ورحيق الماضي، هذا الربط الذي يُقدَّم لهم عن طريق "الأغنيات والأناشيد" - من الجهات الصوفية الرسمية - التي يتغنَّى بها أولئك الماجنون والماجنات، وهؤلاء الشعراء ذوو الكلام الركيك[7].

يقول الأستاذ محمد الغزالي: "إنَّ المسلمين الآن - إلا من رحم ربك - يعرفون عن السيرة قُشورًا خفيفة، لا تحرك القلوب، ولا تستثير الهمم، وهم يعظمون النبي وصحابته عن تقليدٍ موروث، ومعرفة قليلة، ويكتفون من هذا التعظيم بإجلال اللسان أو بما قَلَّت مَؤونته من عمل، ومعرفة السيرة على هذا النحو التافه تساوي الجهل بها.

إنه من الظلم للحقيقة الكبيرة أنْ تتحول إلى أسطورة خارقة، ومن الظُّلم لفترة نابضة بالحياة والقوة أنْ تعرض في أكفان الموتى.

إنَّ حياة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليست بالنسبة للمُسلم مسلاة شخص فارغ، أو دراسة ناقد مُحايد، كلاَّ إنَّها مصدرُ الأسوةِ الحسنة التي يقتفيها، ومَنْبع الشريعة العظيمة التي يَدين بها، فأيُّ حيف في عرض هذه السيرة؟! وأيُّ خلط في سرد أحداثها؟! إساءة بالغة إلى حقيقة الإيمان نفسه"[8].

وللأسف الشديد تحولت السيرة النبوية بكلِّ بهائها وجلالها في حس عوامِّ المسلمين، بل عند بعض مَن ينتسب إلى أهل العلم - خاصة المؤسسات الدينية كالأزهر والأوقاف مثلاً - مُجرد الاحتفال بمولده، حتى صار الاحتفالُ بالمولد هو الحقيقة الجوهرية للسيرة النبوية.

والصحيحُ أنَّه لا علاقةَ بينهما الْبَتَّة، إنَّما هو بدعة صوفية، وحيلة شيطانية مارقة، وأنَّ هذه المسألة مما لَبَّس به إبليسُ لإغواء بني آدم وإضلالهم، استغلَّها أعداؤنا وشجعوا عليها، وأعانوا هؤلاء المتصوفة على فعلها والمداومة عليها.

أيديولوجية النصارى الدينية تجاه الأمة الإسلامية، وتسهيل فعل المنكرات:
لنسمع قول اللورد كرومر - أول معتمد بريطاني في مصر - لكوكبة المستشرقين، الذين كانوا يعملون في مصر: "إنَّ مُهِمَّةَ الرجلِ الأبيض الذي وضعته العنايةُ الإلهية على رأسِ هذه البلاد (يقصد مصر) أنَّه يَجب أنْ يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي، كالاحتفالات الدينية، وما شابه ذلك".

وتأمل هذه الحادثة التي يقصها المؤرخ الكبير الجبرتي - رحمه الله - في كتابه "مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس": إنَّه لما دخل الفتى الصليبي الحاقد[9] نابليون مصر ألغى الصوفيةُ الاحتفالَ بالمولد.

قال الجبرتي: "في سنة 1213هـ في ربيع الأول، سأل صاري عسكر عن المولد النبوي، ولماذا لم يعملوه كعادتهم؟ فاعتذر الشيخ البكري بتوقُّف الأحوال، وتعطُّل الأمور، وعدم المصروف، فلم يقبل (أي: نابليون) وقال: لا بُدَّ من ذلك - أي: لا بد من عمل المولد - وأعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرنسية معاونة، وأمر بتعليق تعاليق، فعلقوا حبالاً وقناديل، واجتمع الفرنسيون يومَ المولد، ولعبوا ودقوا طبولهم، "ودبادبهم، وأرسل الطبلخانة؛ أي: موسيقا الجيش"، وأحرقوا حراقة في الليل، وصواريخ تصعد في الهواء ونفوطًا".

والسؤال الذي يدور في الأذهان: ما هدف الفرنسيين من ذلك؟
يقول الجبرتي - رحمه الله -: "ورخص الفرنساوية ذلك للناس؛ لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع، واجتماع النِّساء، واتِّباع الشهوات، والتلاهي وفعل المحرمات".

وهذه أيديولوجية خاصة تُمارس على هذه الأمة؛ لأنَّ غيرَها من الأمم تعيش على الباطل، فليس هناك أيُّ مسوغ لتسهيل فعل المحرمات.

أقوال العلماء في المولد:
يقول الشيخ رشيد رضا - رحمه الله -: "فالموالد أسواقُ الفسوق، فيها خيامٌ للعواهر، وخانات للخمور، ومراقص يجتمع فيها الرِّجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات العاريات، ومواضع أخرى لضروب من الفُحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس.

إنَّ المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنَّه يُرضي غيره ممن اتَّخذوهم أندادًا، وصاروا كالإباحيِّين في الغالب، فلا عجب إذا عمَّ فيهم الجهل، واستحوذ عليهم الضعف، وحرموا ما وعد الله المؤمنين من النصر؛ لأنَّهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين، ولم يكن في القرن الأول شيء من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها، ولا في الثاني، ولا يشهد لهذه البدع كتابٌ ولا سنة، وإنَّما صارت إلينا بالتقليد أو العدوى من الأمم الأخرى؛ إذ رأى قومنا عندهم أمثالَ هذه الاحتفالات، فظنُّوا أنَّهم إذا عملوا مثلها يكون لديهم عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم، فهذا النوع من اتِّخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخُّر المسلمين وسقوطهم فيما سقطوا فيه".

ويصف كريستوفر هيرولد تلك الموالد التي رآها رأي العين، فيقول: "وتحولت شوارع القاهرة إلى سوق ليليَّة، بينما سار الألوف في مراكب يحملون المشاعل والشموع الكبيرة، وينشدون أغاني كلها نشاز، ترافقها موسيقا أكثر نشازًا، ويتصايحون ويحدثون ضجيجًا شنيعًا.

وقد ظهر الدراويش عند المساء، والشعب يُجل هؤلاء المتعصبين الذين يطلقون شعورهم، ويسيرون عراة تقريبًا، ثم بدؤوا يهتزون في حركة عنيفة أفرادًا وجماعات ذات اليمين وذات اليسار، ورافق حركتهم التلوي العنيف، واستمرت إلى أن خارت قواهم، ولم يكن شيء من الأشياء محظورًا عليهم، وكانت النسوة يتبركن بالاتصال بهم"[10].

يقول الدكتور عبدالقادر الطويل - حفظه الله -: "وبمرور عابر على ما يقولونه ويتشدقون به من الملامح الشخصية والصفات البدنية والخلقية، ويَملؤون أفواههم بالمعجزات المادية، ويوهمون القارئ والسامع بأنَّهم قالوا كل شيء عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّهم وضعوه بذلك في درجة العظمة، وارتفعوا به لدرجة القداسة، ونسوا جميعًا أو تناسَوا قول الله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

ويعني ذلك كله أنَّ علاقتنا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم تكن علاقة إعجاب بشكله الجميل، أو بوسامته أو ما صاحب مولده من معجزات حسية، وما صاحب ذلك من قصص وحكايات يتفيهق بها المحدثون، ويتشدق الخطباء ويُثيرون بها عواطف الناس، وينالون بها مصَّ شفاه الدهماء والبسطاء، وينالون إعجابهم.

والحقيقة إذا كنا نريد أن نتذكر وأن ننتفع بالذكرى كما وجهنا القرآن الكريم أن نقتدي، وأن نتأسى بالجانب العملي والسلوكي برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهذا هو الجانب الذي أُمِرْنَا بالاهتداء والاقتداء به، ولم نؤمر بالتغزُّل في شكله أو بانتحال القصص التي تنتزع إعجاب السامعين، وأمامنا الجوانبُ العملية الحية التي نتخذ منها العبرة، ونستخلص منها العِظَة؛ حتى نستطيعَ أنْ نأخذ من ماضينا لحاضرنا، وأنْ تكون حياته النموذجَ المجسم الذي ننظر إليه، فنرى الصورة التي لا يصلح غيرها لبناء أمة وقيامها، والتي نستطيعُ من خلال تأمُّلنا لها ودراستنا لأوضاعها أنْ نعدل الحاضر في الماضي لهذه الصورة، وفي القرآن الكريم وفي سيرته - عليه الصلاة والسلام - للدارس المتأمِّل وللقارئ البصير تكمُن مواطن الذكرى النافعة، التي يحسن إبرازُها وتجسيدها أمام القارئ والمستمع؛ لِيُعالج نفسَه وأوضاع مُجتمعه في ضوء السلوكيَّات العملية لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[11].

ويقول فضيلة الشيخ الدكتور محمود شلتوت - رحمه الله -: "جرت سنة المسلمين بعد قرونِهم الأولى أن يَحتفلوا في شهر ربيع الأول من كلِّ عام بذكرى ميلاد الرسول محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان لهم في الاحتفال بهذه الذكرى أساليبُ تَختلف باختلاف البيئات والبُلدان... وتُتْلَى قصة المولد الشريف بما أودع فيها من الأوصاف الخلقية، والأوضاع التي كان عليها وقتَ ولادته - عليه الصلاة والسلام - وتلك ذكراهم لميلاد الرسول... هكذا جرت سنةُ المسلمين بعد قرونهم الأولى.

وما كان المسلمون الأولون يفكرون في تَعيين زمن خاص يُذكِّرون فيه الناسَ بعظمةِ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن طريق الاحتفالات التي تقام أو المقالات التي تكتب، أو الأحاديث التي تُذاع؛ ذلك أنَّهم كانوا يرون عظمتَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليست من جنسِ العظمات التي يُخشى عليها النسيان، أو التلاشي في صحف الأيام؛ حتى تحتاج في بقائها إلى تذكير الناس بها وتنبيهِ وعيهم إليها، وليست من جنسِ العظمات التي تألفها الأممُ في نوابغها وأفذاذها، تكون في ناحيةٍ من نواحي الحياة، كانتصار في معركة، أو فتح لحصن، أو سبقٍ إلى اختراع مادي، أو كشف نظرية علمية في السماء أو في الأرض، أو زعامة أمة، أو إقليم.

وإنَّما كانوا يرونها - كما هي في الواقع - أنَّها عظمة خالدة بخلود آثارها في العالم، تنمو وتَمتد وتسري بقوتها الذاتيَّة في جوانبه شرقًا وغربًا، وتنطلق أشعتها على مجاهيل الكرة الأرضية، فتنبضُ لها القلوب، وتتحرك لها العقولُ، وتنشرح بها الصُّدور، وتَمتلئ بروعتها وبساطتها النفوسُ، وترسم هي لهم سُبُل السير وراءها، فيكشفون للناس عن جوهرها ومصدرها وعن نظمها في الحياة، كانوا يرونَها خالدة بأَثَرها هكذا، وخالدة بكتابها الخالد الذي يهدي الإنسانَ في الحياة إلى التي هي أقوم: في عقيدته، وفي خلقه ونظم حياته، وروابطه العائليَّة والمدنية والإنسانية، وفى علاقتها بالكون أرضه وسمائه، وفي تَمتعه بلذائذ الحياة الطيِّبة، وفي تضامُنه مع إخوته بني الإنسان، وفي عمارة الدُّنيا وفي أمنها واستقرارها، وفي بلوغها أقصى ما قدر لها من كمال.

كانوا يرونها هكذا خالدة، وهكذا عامة، وكان ذكراها لديهم في ترسم خُطاها، والجد في نشرها، وفتح قلوب الناس لها، والعمل على انتفاعِ الإنسانية بها، وبذلك ركَّزوا حياتَهم في تقليب وجوهها، والاقتباس من نصها وروحها؛ لما يكفل للإنسانية أن تحتفظ بمكانتها في صفحة الترتيب الكوني لهذا العالم، وتلك كانت ذكراهم لعظمة محمد، كانت حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم أقلامًا من نور ترسم خطوطها في جميع الآفاق، تفتح القلوب، وتنير العقول، وتُحيي الضمائر، هذه عظمة محمد، وتلك ذكراها عند المسلمين الأولين، ولكن لما ضعُفت النفوس، وتفتحت للناس منابع الشهوة والهوى، وناءت القلوب بحمل الأمانة، هان على الناسِ تقديرُها، واستبدلت بها غيرها من صور العظمات الخاصَّة، وصارت تلك العظمات هي المحراب الذي نتجه إليه، والغرض الذي نسعى جهدنا في الحصول عليه، وأقفرت قلوبنا وحياتنا من جوهر العظمة المحمدية، وصرنا لا نذكرها، ولا يلمع بريقها إلا حيث يوافينا من كل عام هلالُ ربيع أو يقال لنا: هذا شهر ربيع، شهر المولد النبوي الكريم، فنهرع إلى هذه المظاهر نقيمها، وتلك الكلمات نؤلفها حفاوة بحق الذكرى وبحق الانتساب.
قال الله: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10][12].

هذا ما فعله المسلمون بسيرةِ نبيِّهم، احتفال باهت بقلوب مزيفة، وعقول خاوية خربة تَدَّعي الحب، والحب لا يكون بهذه المظاهر الفارغة المعنى، الخاوية من المضمون، وما أظنُّ أنَّ هذه الاحتفالات التي يُقيمها المبتدعة إلاَّ من تلبيسِ إبليس، فهذا التقديسُ الروحي من قبل هؤلاء إنَّما يتجه إلى الأشخاص أكثر مِمَّا يتجه إلى الرسالة، فنراهم ينصرفون إلى مُمارسة الطقوس التي تمثِّل الإخلاص للنبيِّ، والاحتفال بذكراه وزيارة قبره، بينما لا نجد مثل هذا الاهتمام بممارساتِهم لواجبات الرسالة والتزاماتها التي أمر بها النبي.

وقد تدرج هذا الوضع إلى مرحلة إنشاء نوعٍ من أنواع المدح النبوي الذي يتغزل فيه المادح بحسن النبيِّ وجماله، ويقف ليثبت فيه وجده ولوعته وشوقه، كما يتغزل أيُّ حبيب بحبيبه تمامًا، وظنوا أنَّ هذا التغزُّل يُغنيهم عن مُقتضيات القيام بحقِّ الرسالة، وحق الرسول؛ اعتقادًا منهم أنَّهم قاموا بهذين الحقين حينما احتفلوا به، وفي مثل هذه الاحتفالات يوجد نوعٌ من الانفصام الوجداني، وعدم التوازُن بين حبِّ النبيِّ "الشخص"، وحُبِّ النبيِّ "الرسول"، وحُبِّ "الرسالة" من جهة أخرى؛ لأنَّك لا تشعر بالرسالة في ظلِّ هذا الانفصام إلاَّ من خلال الجانب الذاتي، الذي يُثير الحبَّ المنفصل عن حبِّ الرسالة.

والأمر كما قال الإمام أبو الوليد الباجي - رحمه الله -: "إنَّ هذا الاحتفالَ بدعةٌ أحْدَثها البَطَّالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكَّالون".
فهؤلاء لا يحبون النبي على الحقيقة التي أرادها النبي، بل لا يتبعون في هذا الحب طريقَ سلف الأمة، إنَّما افتعلوا الحبَّ افتعالاً.

يقول الإمام المحدث: محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: "ولا تغتر بما عليه بعضُ الضالين المغرورين من المتصوفة واللاهين، الذين اتَّخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، ونشيدًا ونغمًا[13]، يزعمون أنَّهم بذلك يرضون محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما يُسمونه بالأناشيد الدينية، ويُكثرون منها في أذكارهم واجتماعاتِهم التي يعقدونها في بعض الأعياد البدعية، كعيد المولد ونحوه، فإنَّهم والله لفي ضلال مبين وعن الحق متنكبين، كيف لا وهم قد خلطوا الدين الحق بالهوى الباطل، وقلدوا المغنيِين الماجنين في موازينهم وأنغامهم الموسيقيَّة، ويلتزمون في كل ذلك طرائقهم المميتة للقلوب الصَّادة عن ذكر الله وتلاوة القرآن؟!"[14].
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.57 كيلو بايت... تم توفير 1.98 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]