إلى كل المرابطين(في فلسطين خاصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         منيو إفطار 19 رمضان.. طريقة عمل الممبار بطعم شهى ولذيذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          جددي منزلك قبل العيد.. 8 طرق بسيطة لتجديد غرفة المعيشة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          لمسات بيانية الجديد 12 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 637 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 270 )           »          معنى حديث «من ستر مسلماً ستره الله..» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ركعتا تحية المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم صيام من دخل بعض الماء إلى جوفه دون قصد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام

الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-01-2015, 02:08 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي إلى كل المرابطين(في فلسطين خاصة)

بسم الله الرحمن الرحيم.

من السنن الإلهية في النصر والهزيمة


إن لله - عز وجل - سُننًا في هذا الكون لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، وكما أن له سننًا في الكون ونظامه وأفلاكه؛ فله سنن في الأمم ونصرها وأخذها، وقد قصَّ الله علينا من أخبار الأمم في ذلك ما فيه العِبرةُ والموعظة الحسنة؛ للفت الانتباه إلى أسباب النصر للأخذ بها، وأسباب الهزيمة للابتعاد عنها.
وفي أحداث سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتصار الإسلام على الكفر والطغيان؛ معتبَرٌ ومدَّكَر لمن تأمل ذلك، واعتبر به، وشرحُ ذلك في القرآن الكريم أمرٌ يطول ولا يناسبه مقال في ملحق؛ بل يحتاج إلى تآليفَ مستقلةٍ، ولعلي أكتفي من ذلك بمثالين في كتاب الله - عز وجل - بهما يتضح المعنى الذي أرمي إليه، وأذكِّر به:
أولهما: قصة الملأ من بني إسرائيل.
وثانيهما: قصة الأحزاب.
قال - تعالى -: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[البقرة:246].
فهؤلاء الملأ قد سألوا نبيَّهم أن يولي قيادتَهم مَن يقاتلون تحت لوائه؛ لاسترداد الحقوق المغصوبة؛ (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فأراد نبيُّهم الاستيثاق من هذه الرغبةِ، وهل هي رغبة تدفعها عزيمةٌ، أم خطرة تدفعها ثورةُ غضب وحماس؛ سرعان ما تتلاشى أمام أول ابتلاء يكشف حقيقتها؛ (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا)؟ فردَّ القومُ باستفهامٍ إنكاري تعجبيٍّ ممن يتهمهم في صدق نيَّتهم في القتال لاسترجاع الحقوق المغصوبة من الديار والذرية: (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)، ورغم هذا التأكيد فإن أغلب القوم قد سقط عند أول اختبار وهو كتْبُ القتال، وفرضُه عليهم، وأمرُهم به؛ (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) الآية.
وهذا يؤكِّد لنا أن الأماني الكاذبة لا تردُّ حقًّا مغتصبًا؛ بل لا بد في جيل النصر من الصدق مع الله صدقًا لا تزحزحه عواصفُ التهديد، ولا زلازلُ الأخذ والتشريد؛ فصدقُ الإيمان هو أساس استرداد الحقوق المغصوبة، لا العواطفُ العارمة، والثورة لأجل النفس والوطن، وقد كان الكف عن القتال في صدر الإسلام أشدَّ على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأمر به؛ لأنهم يرَوْن الموتَ أهونَ عليهم من حياة الذل والضيم، والتشريد والاستضعاف؛ ولكن الإسلام كان يربِّيهم على الغضب لله لا لأنفسهم، حتى إذا خلصتْ نفوسُهم لله أذن لهم في القتال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)[الحج:39-40]، ومع ذلك وُجد في القوم من ودَّ أنْ لو أخِّر الإذن والأمر بالقتال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ)[النساء:77].
فالابتلاء الأولي لهؤلاء وأولئك كان باختبار الصدق مع الله في الأمنية والعزيمة.
والابتلاء الثاني للقوم كان في الزعامة والتصدر: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة:247]، فهذا هو الابتلاء الثاني وهو الابتلاء في الزعامة والصدارة، وهو ابتلاءٌ سقط فيه كثيرٌ من هؤلاء، وسقط فيه أبو جهل عندما رفض الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خشيةَ أن يذهب بنو هاشم بشرف النبوة فقال: "كنا وبنو هاشم كفرسي رهان؛ طعموا فأطعمنا، وسقوا فسقينا، ورفدوا فرفدنا، حتى إذا تحاكت الركب، قالوا: منا نبي، فمن أين لنا ذلك؟!"؛ إنها المنافسة وحميَّة الجاهلية، فالملأ من بني إسرائيل - مع أنهم هم الذين سألوا بعث ملِكٍ يقاتلون العدوَّ تحت رايته؛ تحركت في نفوسهم شهوةُ الزعامة والتصدر عند بعثه فيهم، فحصلت الفرقة والتصدع الذي لا يتحمَّله جيشُ النصر في حالٍ هو فيها أحوج ما يكون إلى الوحدة والالتحام (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال:46]، فالمسلمون اليومَ مطالبون بالترفُّع عن الخلافات البينية، والرغبات الشخصية، وتنازع المناصب والتصدر؛ للوقوف صفًّا واحدًا أمام أعدائهم.
وقد ردَّ النبيُّ على الملأ من بني إسرائيل بما يقتضي رأْب الصدع، واتحاد الكلمة، ببيان استحقاق طالوت للقيادة وجدارته بها: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فاصطفاء الله كافٍ في التسليم لهذا القائد، فكيف وقد بيَّن لهم نبيُّهم سببَ الاصطفاء بما يكشف عن حاجة المرحلة من وجود قائدٍ عالم قوي، يحجزه علمُه عن التهور والمواقف المستعجلة وغير المحسوبة، وتأبى عليه قوتُه وشجاعته الخنوعَ للذل والاستهانة، مهما كان حجم العدو في عدته وعتاده؟!
وتلك - واللهِ - أهمُّ سمات القائد الناجح؛ فما أحوجَ المسلمين اليوم للقائد الذي يتَّصف بالعلم والحكمة، والقوة والشجاعة! القائد الذي يأبى عليه علمُه وحكمته وضْعَ الأمور في غير مواضعها، مما يعود على الأمة بنتائج لا تحمد عقباها، كما تأبى عليه شجاعتُه وقوته قبولَ الذل، والاستكانة لاستكبار العدو وجبروته، وما اعترض به القوم من أن هذا القائد لم يؤتَ سَعةً من المال اعتراضٌ في غير محله؛ لأن المرحلة أحوج إلى قائد عالم شجاع منها إلى غنيٍّ قد شغله سرفه واستثمار ثروته عن النظر في مصالح الأمة، وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة!
ولله درُّ الإيادي، وما أحوجَ الأمةَ إلى الأخذ بما أشار به على قومه حين قال - وقد أقبل عليهم عدو لا قبل لهم بمثله -:
أَبْلِغْ إِيَادًا وَخَلِّلْ فِي سَرَاتِهِمُ *** إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ إِنْ لَمْ أُعْصَ قَدْ نَصَعَا
يَا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كَانَتْ أُمُورُكُمُ *** شَتَّى وَأُحْكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فَاجْتَمَعَا
مَا لِي أَرَاكُمْ نِيَامًا فِي بُلَهْنِيةٍ *** وَقَدْ تَرَوْنَ شِهَابَ الحَرْبِ قَدْ سَطَعَا
فَاشْفُوا غَلِيلِي بِرَأْيٍ مِنْكُمُ حَسَنٍ *** يُصْبِحْ فُؤَادِي لَهُ رَيَّانَ قَدْ نَقَعَا
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمُ *** رَحْبَ الذِّرَاعِ بِأَمْرِ الحَرْبِ مُضْطَلِعَا
لاَ مُتْرَفًا إِنْ رَخَاءُ العَيْشِ سَاعَدَهُ *** وَلاَ إِذَا عَضَّ مَكْرُوهٌ بِهِ خَشَعَا
وَلَيْسَ يَشْغَلُهُ مَالٌ يُثَمِّرُهُ *** عَنْكُمْ وَلاَ وَلَدٌ يَبْغِي لَهُ الرِّفَعَا.
إنها دعوة إلى رصِّ الصف، وتقليد الأمر من تقتضيه المرحلة، وطي الخلافات ونسيانها.
واختبار ثالث اختُبر به الملأ من بني إسرائيل: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ)[البقرة:249]، وهذا ابتلاء آخر قُصد منه اختبار القوم في صدق عزمهم، وقوة عزيمتهم، فابتُلوا بنهر عذْب بعد شدة عطش، وأُمروا ألاَّ يشربوا منه إلا رشفًا يطفئ حرارةً ولا يروي ظمأ؛ ليعلم: أأمر الله أحب إليهم، وأعظم في نفوسهم، أم الماء العذب على الظمأ؟
وبعض المسلمين اليوم - كإخوتنا في فلسطين - مبتلَوْن بما هو في معنى ذلك؛ من حصارٍ ظالم قد منعهم الدواءَ، والطعام، والشراب، والكساء؛ لكنهم مبتلَون: أذلك أحب إليهم، وأعظم في نفوسهم، فيرضخون لرغبات العدو، فتفتح المعابر بكل ما يشتهى، أم أمر الله أعظم في نفوسهم فيكتفون من ذلك برشف يبلُّ الظمأَ، ويبقي على الحياة، ولا يتنازلون عن واجبهم المقدس؟
واختبار رابع لا يصمد أمامه إلا من صدَقَ مع الله حين يحتدم الصراع: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)[البقرة:249 -252].
وذلك ابتلاء رابع تحصل به تصفيةُ الصف وتمييزُه من الدخلاء وضعاف النفوس، الذين لا يصبرون أمام منظر تطاير الأشلاء، وقطف الرؤوس، والأمر جدٌّ لا مجال فيه لمترددٍ، ولا جبان رعديد يخشى الناس أكثر من خشية الله، ويرغب فيما عندهم أكثر مما عند الله "وعند صليل السيف يصدق الابتلاء"، فيشتاق المؤمن إلى ما عند الله من نصر أو شهادة (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)[التوبة:52]، فعند الالتحام يخرج المنافقون من الصف، ويكثُر كلامُهم ولغطهم ومعاذيرهم؛ لأنهم لا يستحقون هذا النصرَ، ولا شرف المشاركة فيه، وتلك سُنةُ الله في الأولين والآخرين.
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحاصَر في الأحزاب، فيثبت الصادقون، وتكثر معاذير المنافقين والدخلاء، حوصرت المدينة وكانت النتيجة ثباتَ أهل الإيمان في الميدان، بعد أن ميِّز صفُّهم من كل دخيل لصيق؛ يُظهِر الإيمانَ، ويبطِن الكفرَ والعصيان، فقد رمت الجزيرة المدينةَ عن قوس واحدة، ونقض اليهود العهدَ، فأصبح المسلمون بين عدوٍّ مجاور، وغازٍ أحكم الحصارَ عليهم من كل منفذ (إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)[الأحزاب:10].
إنه الزلزال الذي ميَّز الصفَّ من الدخلاء، فتسلل المنافقون وأرجفوا، وأساؤوا الظن بالله ورسوله، وتركوا الميدان لأهل الإيمان (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا)[الأحزاب:12-15].
ولَّى المنافقون وتركوا الميدان لأهل الإيمان الذين صبروا وصابروا، وبذلوا أقصى ما في وسعهم رغم شدة البرد، والجوع، والحصار، وأحسنوا الظن بالله ورسوله (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب:22]، فكانت النتيجة تدخُّل العناية الإلهية: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)[الأحزاب:9]، وانهزم العدوُّ هزيمةً لم يَعُدْ للهجوم بعدها؛ بل كان المؤمنون هم الذين يهاجمونه، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تغزوَكم قريش بعد اليوم)).
وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة! وأشبهَ حصارَ غزةَ بحصار الأحزاب الذي كانت النتيجة فيه لأهل الإيمان الذين ثبتوا في الميدان! فليحقق إخوتنا في فلسطين الصدقَ مع الله، وحسن التوجه إليه، وليصبروا؛ فإن النصر قريب - بإذن الله -، وليكثروا من دعاء الطائفة المنصورة: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[البقرة:250]، فالصابر موعود بالنصر والفلاح؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران:200].
وتقابل هذه السُّنة في نصر أولياء الله سُنة الله في أخْذ الظالمين المتكبرين، وقد طغى أعداء الأمة وتكبرَّوا وتجبروا، فأوشكوا بذلك أن تحل بهم سنة الله في أخذ الظالمين (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء:16].
إنها رسالة أبعثُ بها إلى إخوتنا المرابطين في فلسطين؛ ليتذكروا بها سُنةَ الله في النصر والهزيمة؛ ليزدادوا صبرًا إلى صبرهم، وتعلُّقًا بالله، وتوكلاً عليه، كما أبعث بها إلى كل مؤمن؛ لتثلج صدره، وتبعث في روحه الأمل، ويوقن بأن النصر لأولياء الله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)[النور:55].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

م ن


__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين.


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.75 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]