التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام

الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-07-2019, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي

التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي


د. محمد الجندي








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد أضحتِ المصارف الإسلامية علاَمةً بارزة من علامات العصر، وسمةً مميزة للنشاط الاقتصادي الطاهر، وما زالت الدراسات النظرية والمؤسسات العلمية تُعنى بشؤون الأمة الإسلامية ونهضتها اقتصاديًّا واجتماعيًّا.
ولقد أعطى المسلمون ثقتَهم للمصارف الإسلامية، وتزاحموا على أبوابها؛ للإعراب عن التقدير والولاء، وللحث على المزيد من الشرعية والطهارة لهذا الصرح المهم من أساسيات الدولة.
وفي الوقت الحاضر، انتشرتْ في المصارف الإسلامية معاملاتٌ معتمدة على صيغة التورق، وقد تعاظَمَ مقدار التورق في المصارف، حتى صار - بلا منازع - الصيغةَ الأساس - من ناحية الحجم - للعمل المصرفي الإسلامي في بعض البلدان، ويحاول هذا البحث دراسةَ التورق من الناحية الفقهية، مع عرض للتطبيقات المصرفية المعاصرة، وعما إذا كانت موافقة للشرع الإسلامي.
وقد جاء هذا البحث في مبحثين:
تضمن المبحث الأول الكشفَ عن حقيقة التورق، ثم ذكرتُ فيه الحكم الشرعي للتورق، أما المبحث الثاني، فقد عرضت فيه التطبيق المصرفي المعاصر للتورق، ثم قمت باستنباط حكمه الشرعي.
المبحث الأول: حقيقة التورق وحكمه
المطلب الأول: حقيقة التورق
التورُّق: طلب الورِق، وهي الفضة والدراهم، ومثله في الطلب التفقُّه، والتعلُّم، والترفُّق، قال في "تاج العروس": الورق: الدراهم المضروبة كما في "الصحاح"، وقال أبو عبيدة: الوَرق: الفضةُ، كانت مضروبةً كالدراهم أو لا[1].
ومن ذلك قوله - تعالى -: ï´؟ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلى المَدِينَةِ ï´¾ [الكهف: 19].
قال ابن كثير: "أي: فضَّتكم هذه، وذلك أنهم كانوا استصحبوا معهم دراهمَ من منازلهم لحاجتهم إليها، فتصدقوا منها، وتبقَّى منها"[2].
فأصل التورُّق طلبُ النقود من الفضة، ثم تحوَّل المفهوم إلى طلب النَّقد، سواءٌ أكان فضةً، أم كان ذهبًا، أم كان عملةً ورقية، فبقِي أصل اللفظ، وصار التوسُّع في مدلوله تبعًا للتوسع في مفهوم النقد.
تعريف التورُّق شرعًا:
لم يذكُر الفقهاء تعريفًا للتورق، وإن كان هذا المصطلحُ قد شاع عند الحنابلةِ دونَ غيرهم من أهل العلم، ومرادُهم به: "أن يشتريَ المرء السلعة نسيئةً، ثم يبيعَها نقدًا لغير البائع بأقلَّ مما اشتراها به؛ ليحصل بذلك على النقد"[3].

مثالُ ذلك: أن يشتري سلعة بثمن مؤجَّل، ثم يبيعَها لآخر نقدًا، ويحصل على ثمنها الحال؛ لحاجته إلى النقود اليوم.
والأشهر أن تسمى هذه المعاملةُ زرنقةً، قال في "الزاهر": "وأما الزرنقة، فهو أن يشتريَ الرجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم يبيعَها من غير بائعها بالنقد، وهو جائز عند جميع الفقهاء"[4]. وقال في "الفائق": "الزرنقة: العِينة، وهي أن يبيع الرجل شيئًا بأكثرَ من ثمنه سلفًا"[5].
وفي "النهاية": "الزرنقة وهي العِينة، وذلك بأن يشتريَ الشيء بأكثرَ من ثمنه إلى أجل، ثم يبيعَه منه أو من غيره بأقلَّ مما اشتراه"[6].

التورق والعينة:
للعِينة في كلام الفقهاء معانٍ كثيرةٌ، فهي قد تعني البيعَ بثمن مؤجَّل، كقول صاحب "المغني": وقد روي عن أحمد أنه قال: "العِينة: أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة"، وقال: "أكره للرجل ألاَّ يكون له تجارة غيرَ العينة لا يبيع بنقد"[7].
ومن معانيها: بيعُ ما لا يملك الإنسان، كقول ابن رشدٍ الحفيدِ: "وقد يدخل في هذا البابِ إجماعُ الفقهاء على منْع بيع الرجل شيئًا لا يملكه، وهو المسمى عينة"[8]، وقد يسمى التورق نفسُه عينةً، كقول السرخسي: "وصورة العِينة أن يشتري عينًا بالنسيئة بأكثر من قيمته ليبيعَه بقيمته بالنقد، فيحصل على المال"[9]، وقال في "لسان العرب": "والعَيْن والعِينة: الربا، وعيَّن التاجر: أخذ بالعينة أو أعطى بها، والعينة: السلف"، وغير ذلك من المعاني.

لكن معناها في لغة أكثرِ الفقهاء، إنما تقع إذا باع لرجل سلعةً بثمن معلوم، إلى أجل معلوم، ثم اشتراها منه بأقلَّ من الثمن الذي باعها به، وقد يسمي البعضُ هذه الصيغة "العينة القبيحة"؛ للتفريق بينها وبين سائر المعاني.
فالعينة تفترق عن التورُّق في أنها تقع بين طرفين: بائع ومشترٍ، يبيع للبائع الأول، متواطئينِ على عقدَين: بيع عاجل، وآخرَ آجلٍ في صفقة واحدة.
أما التورق، فهو عقدان منفصلان، فيهما ثلاثة أطراف، عقد بيع آجل وآخر ناجز، يقول ابن القيم - رحمه الله - في التفريق بينهما: "إن أعاد السلعة إلى بائعها، فهي العينة، وإن باعها لغيره، فهي التورق"[10].

وقال الزرعي في "حاشية ابن القيم": "فإن قيل: فما تقولون إذا لم تعُد السلعة إليه؛ بل رجعت إلى ثالث، هل تسمون ذلك عينةً؟ قيل: هذه مسألة التورق؛ لأن المقصود الورق"[11].
جمهور الفقهاء على منع العينة؛ لأنها حيلة إلى القرض بزيادة، والشافعية على جوازها، قال النووي في "روضة الطالبين": "فصل: ليس من المناهي بيع العينة... وهي أن يبيع غيرَه شيئًا بثمن مؤجَّل، ويسلمه إليه، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقلَّ من ذلك الثمن نقدًا"[12]، وفي "المجموع" عن الرافعي: "لأن الاعتبار عندنا بظاهر العقود، لا بما ينويه العاقدان؛ ولهذا يصحُّ بيعُ العينة"[13].

تاريخ التورق:
عرَف المسلمون التورق - وإن لم يسمَّ بهذا الاسم - منذُ القديم، فقد ورد في "الفائق": "وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تأخذ الزرنقة، وعن عبدالله بن المبارك - رحمه الله - قال: "لا بأس بالزرنقة"[14]، وفي "غريب الحديث" للخطابي: "قال أبو سليمان في حديث علي أنه قال: لا أدعُ الحجَّ ولو أن أتزرنق... ويُروى عن عائشة أنها كانت تأخذ الزرنقة"[15]، وعن الأزهري: "وروِي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كنت تأخذ من معاوية عطاءها عشرة آلاف درهم، وتأخذ الزرنقة مع ذلك، وهي العينة الجائزة"[16]، كما نُسِب لعمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - كلامٌ في التورق، مما يدلُّ على أنه كان معروفًا في زمنه[17].
المطلب الثاني: حكم التورق
عرض آراء المذاهب:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، إلى جواز التورق، وحُكي عن ابن المبارك أنه قال: "لا بأسَ بالزرنقة"[18]، ونقِل عن إياس بن معاوية أنه رخَّص في التورق[19]، وذكر أبو منصور الأزهري أنه جائز عند جميع الفقهاء، ثم قال: "وروِي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تأخذ من معاوية عطاءها عشرة آلاف درهم، وتأخذ الزرنقة مع ذلك، وهي العينة الجائزة"[20].

وخالف في ذلك ابنُ تيمية، وذهب إلى كراهة التورق[21]، وهي رواية عن أحمد[22]، وحُكي عنه أنه اختار حرمته[23]، وهي رواية عن أحمد أيضًا، وقد ارتضى ابن القيم مذهبَ شيخه بحظْر التورق، وأنه منهي عنه مذموم[24]، وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال: "التورق آخِيَةُ الربا"[25]؛ أي: أصله[26].
وبيان مذاهب الفقهاء في هذه المسألة كما يلي:
أولاً: مذهب الحنفية:
أجاز فقهاء الحنفية التورقَ، وذكروه ضمن حديثهم عن العِينة، يؤكد ذلك:
أ- قال الزيلعي - في معرض كلامه عن العينة وشروط فسادها -: وشرطنا أن يكون الشراء من مشتريه أو من وارثه، أنه لو باعه المشتري من رجل، أو وهبه لرجل، أو أوصى لرجل، ثم اشتراه البائع الأول من ذلك الرجل، يجوز؛ لأن اختلاف سبب الملك كاختلاف العين"[27]، وقد نقل خاتمة المحققين في مذهب الحنفية ابنُ عابدين في حاشيته "رد المحتار" كلامَ الزيلعي وارتضاه[28].
ب- وجاء في "شرح العناية على الهداية" في نفس المعرض: "بخلاف ما إذا باعه من غيره؛ لأن الربح لا يحصل للبائع، وبخلاف ما إذا اشتراه البائع بواسطة مشترٍ آخرَ؛ لأنه لم يعد إليه المستفاد من جهته، لأن اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان"[29].
ج- وقال الكاساني: إذا باع رجل شيئًا نقدًا أو نسيئةً، وقبضه المشتري، ولم ينقد ثمنه، لا يجوز لبائعه أن يشتريَه من مشتريه بأقل من ثمنه الذي باعه منه عندنا... ولو خرج المبيع من ملك المشتري، فاشتراه البائع من المالك الثاني بأقلَّ مما باعه قبل نقد الثمن، جاز؛ لأن اختلاف سبب الملك بمنزلة اختلاف العين، فيمنع تحقيق الربا"[30].
وعلى ذلك، فنصوص الحنفية في مدوناتهم المعتمدة صريحةٌ في جواز التورق؛ لأن الربح فيه لا يحصل للبائع الأول، فقد نصُّوا على صورته وأجازوه، وإن لم يسموه تورقًا - وهو المقصود - بل إنها صريحة أيضًا في أن من باع سلعة بثمن مؤجل، فباعها المشتري من شخص ثالث، ثم اشتراها البائع الأول من الشخص الثالث بثمن معجَّلٍ أقلَّ مما باعها به قبل نقد الثمن من المشتري الأول، فذلك جائز شرعًا؛ لانتفاء الذريعة إلى الربا في ذلك، ولا يُنفى أن جواز هذه الصورة مبني على جواز التورق في مذهبهم.
ثانيًا: مذهب المالكية:
لم ينصَّ المالكية صراحةً على حكم مسألة التورق، ولم يذكروا صورتها المعروفة على التحديد في مدوناتهم، غير أن نصوصهم المتكاثرة في مسألة "بيوع الآجال" - وهي أن من باع سلعة بثمن مؤجل، فلا يجوز له أن يشتريَها من المبتاع بثمن معجَّل أقلَّ مما باعها به - تفيد جوازُه، حيث إنها قيَّدت الحظْر والتحريم - أو شرطت لثبوته - أن يكون البائع الأول هو المبتاعَ، وعلَّلت المنع بأيلولة هاتين البيعتين المتقابلتين وإفضائهما إلى أن يُقرض شخصٌ آخرَ مبلغًا من المال ليستوفيَ منه أكثرَ من ذلك المبلغِ عند حلول الأجل؛ نظرًا لرجوع السلعة إلى بائعها الأول، وهذا القيد، أو الشرط، أو المعنى غيرُ متحقق في مسألة بيوع الآجال.
بيان:
يجوز بيع السلعة من غير بائعها مطلقًا[31]؛ أي: حتى لو كان البيع بثمن معجل أقلَّ مما اشتراها به نسيئةً، ما دام أنه لغير البائع الأول، وهي مسألة التورق.
ويؤكد ما بيَّنتُه النصوصُ الفقهيةُ الآتية:
أ- قال أبو عمران الفارسي الصنهاجيُّ في كتاب "النظائر في الفقه" فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم ابتعاها من فورِه بثمن أقلَّ منه نقدًا من المبتاع منه: "إن البيع الثانيَ باطل؛ لأنه ذريعة إلى الربا، وكأن السلعةَ لما رجعتْ إليه، كأنها لم تخرج قطُّ من يده، وإذا لم تخرج من يده، كان ذِكر البيع فيها ذريعةً إلى دفع قليل في كثير من نوعه إلى أجل، وهو الربا"، ثم قال: "ونحن نقول في قياس ذلك؛ لأنه بيع يتذرع به إلى الربا المحظور، لم يجز، كما لو قصد إليه، ولها شرائطُ، وهي أن يكون البائع الأول هو المبتاعَ، وأن يكون البيع الثاني قريبًا من الأول، وأن تكون السلعة واحدة، وأن يكون الثمن المدفوع أقلَّ لا أكثرَ من المتأخر، والعلة هي صورة الربا مع هذه الشرائط"[32].
فمقتضى الشرط الأول أن المبتاع إذا كان غيرَ البائع الأول، فلا حظرَ في ذلك، وهي مسألة التورق.
ب- وجاء في "الشرح الصغير" للدردير: "يمنع من البيوع ما أدَّى لممنوع يكثر قصدُه للمتبايعين، ولو لم يقصد بالفعل كسلفٍ بمنفعةٍ؛ أي: كبيعٍ أدَّى إلى ذلك، كبيعه سلعةً بعشرة لأجَلٍ، ثم يشتريها بخمسة نقدًا أو إلى أجلٍ أقلَّ، فقد آل الأمرُ إلى رجوع السلعة لربِّها، وقد دفع قليلاً وعاد إليه كثيرًا"[33]، وقال الصَّاوي في حاشيته عليه: "شروط بيوع الآجال: أن تكون البيعة الأولى لأجل، والمشتري ثانيًا هو البائعَ أولاً أو وكيلَه، والمباع ثانيًا هو المباعَ أولاً، والبائع الثاني هو المشتريَ أولاً أو وكيلَه، والثمن الثاني بصفة الثمن الأول، وتعجيل الثمن الثاني كلِّه أو تأجيل كلِّه"[34].
ج- وجاء في "المقدمات الممهدات" لابن رشدٍ: ومن الحكم بالذرائع: البيوعُ التي ظاهرُها الصحة، ويتوصل بها إلى استباحةِ الربا، وذلك مثل أن يبتاع الرجل سلعةً من رجل بمائة دينارٍ إلى أجَل، ثم يبتاعها بخمسين نقدًا، فيكونان قد توصَّلا بما أظهراه من البيع الصحيح إلى سلفِ خمسين دينارًا في مائةٍ إلى أجل، وذلك حرام لا يحلُّ ولا يجوز"[35]، فتحصَّل من ذلك كلِّه جوازُ التورُّق في مذهب المالكية.
ثالثًا: مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى جواز التورُّق[36]، وصرَّح بذلك أبو منصور الأزهريُّ في كتابه "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" الذي أودعه المزنيُّ في "مختصره"، فقال: "وأما الزرنقة، فهو أن يشتريَ الرجل سلعةً بثمن إلى أجل، ثم يبيعَها من غير بائعها بالنقد، وهذا جائز عند جميع الفقهاء"[37]، وهذا يفيد جواز التورق في مذهب الشافعي؛ لأن الأزهريَّ - مع إمامته في اللغة - كان رأسًا في الفقه على مذهب الإمام الشافعي كما ذكر مترجموه، ومنهم ابن السبكي الذي قال عنه في كتابه "طبقات الشافعية": "كان إمامًا في اللغة، بصيرًا بالفقه، عارفًا بالمذهب"[38]، ولا بدَّ أن يكون مراده بعبارة "جميع الفقهاء" سائرَ أهل العلم، أو جميعَ فقهاء الشافعية، وهو حُجة في النقل عنهم والعزو إليهم.
ويؤكد ذلك ويوضحه قولُ الإمام الشافعي في "الأم": فإذا اشترى الرجل من الرجل سلعةً، فقبَضَها وكان الثمن إلى أجل، فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقد أقلَّ أو أكثرَ مما اشتراها به، أو بدينٍ كذلك، أو عرض من العروض، ساوى العرضُ ما شاء أن يساويَ، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل، ألا ترى أنه كان للمشتري في البيعة الأولى إن كانت أمَةً أنه يصيبها، أو يهبها؛، أو يعتقها، أو يبيعها ممن شاء غير بيعة بأقل أو أكثر مما اشتراها به نسيئة؟ فإذا كان هكذا، فمن حرمها على الذي اشتراها؟! وكيف يتوهم أحد، وهذا إنما تملكها ملكًا جديدًا، وكيف إن جاز هذا على الذي باعها لا يجوز على أحد لو اشتراها؟[39].
رابعًا: مذاهب الحنابلة:
لقد نص الإمام أحمد على جواز التورق، وعلى ذلك أصحابه، وهو القول المعتمد في المذهب، وقد نص على جوازه ابنُ مفلح في "الفروع"، وبرهان الدين ابن مفلح في "المبدع"، وابن النجار الفتوحي في "معونة أولي النهى"، والبهوتي في "كشاف القناع"، و"شرح المنتهى"، والرحيباني في "مطالب أولي النهى"، وغيرهم[40].
جاء في "الإنصاف" للمرادوي: فائدةٌ: لو احتاج إلى نقدٍ، فاشترى ما يساوي مائةً بمائة وخمسين، فلا بأس، نص عليه، وهو المذهب وعليه الأصحاب، وهي مسألة التورق[41].
وبناءً على ذلك؛ نصَّت (م234) في مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد: "يصح التورق، وهو أن يشتري الشيء نسيئةً بأكثر من قيمته ليبيعه ويتوسع بثمنه".
أدلة المجيزين:
1- ذهب الجمهور إلى جواز التورق؛ لعموم قوله - تعالى -: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾ [البقرة: 275]، ووجه الاستدلال بذلك: أن الله - تعالى - أحلَّ جميع صور البيع، إلا ما دلَّ دليلٌ على تحريمه، حيث جاءت الآية الكريمة بلفظ العموم في كلمة "البَيْع": ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ï´¾، والعموم في ذلك مستفادٌ من (الألف واللام) الدالة على استغراق جميع أنواع البيع وصِيَغه، إلا ما دلَّ الدليل على تخصيصه من العموم بتحريمٍ أو كراهةٍ.
والتورق من البيوع المشمولة بالعموم في الحِل، فيبقى على أصلِ الإباحة والحلِّ، وأنه نوع من البيوع المباحة بنص الآية الكريمة؛ إذْ لا دليل على تحريمه من نصٍّ صريح من كتاب الله - تعالى - ولا من سنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا من عمل الصحابة - رضي الله عنهم.
2- كما استدلوا على الإباحة والجواز بما في "الصحيحين" وغيرهما عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - استعمل رجلاً من خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أكلُّ تمرِ خيبرَ هكذا؟))، قال: لا والله يا رسول، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تفعلْ، بعِ الجَمْعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جنيبًا))[42].
ووجه الاستدلال بهذا الحديث: إجازة هذا المخرج للابتعاد بواسطته عن حقيقة الربا وصورته، إلى طريقة ليس فيها قصد الربا ولا صورته، وإنما هي عقدُ بيع صحيح، مشتملٌ على تحقيق شروط البيع وأركانه، وانتفاء أسباب بطلانه أو فساده، ولم يكن قصد الحصول على التمر الجنيب، والأخذ بالمخرج إلى ذلك، مانعًا من اعتبار الإجراء الذي وجه إليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فدل ذلك على جواز البيوع التي يتوصل بها إلى تحقيق المطالب والغايات في البيوع، إذا كانت بصيغة شرعية معتبرة، بعيدة عن صيغ الربا وصوره، ولو كان الغرض منها الحصول على السيولة للحاجة إليها.
3- عدم صحة قياس التورق على العِينة؛ وذلك لانتفاء علة تحريم العينة - وهي كونها ذريعةً إلى القرض الربوي - فيه؛ إذ في العينة عندما يسترجع البائع سلعته تكون كأنها لم تخرج من يده قطُّ، ويكون وجودها في البيع كعدمها، ويكون توسطها عبئًا، ويؤول الأمر إلى دفع مبلغ من المال لآخر في أكثر منه من نوعه إلى أجل، وهو ربا النسيئة.
أما في التورق، فإنه لا يحصل للبائع شيء؛ لأن السلعة لا تعود إليه أصلاً؛ بل تنتقل بعقد مستقلٍّ إلى مشترٍ جديد، لا علاقة لشرائه بالبيع الأول.
وعلى ذلك؛ يكون قياس البائع في مسألة التورق، على المقرض بالربا حيلة في العينة - قياسًا مع الفارق، ولا وجهَ لصحَّته.
أما تحمل المتورق بعض الخسارة في عملية التورق؛ نظرًا لكون الثمن الذي يشتري به السلعة نسيئةً أكثرَ من الثمن الذي يبيعها به نقدًا لطرف ثالث، فذلك مأذون به شرعًا؛ إذ نصَّ جماهير الفقهاء على أن الأجل يأخذ قسطًا من الثمن في بيع النسيئة[43]؛ إذ لا يسلم الحاضر في الغائب - أي المؤجل - إلا ابتغاء ما هو أعلى من الحاضر في القيمة، وهو الزيادة كما ذكر الشاطبي[44]، وقال الشوكاني: بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء، هو الجواز"[45]، وأساس ذلك - كما قال الكاساني -: أنه "لا مساواة بين النقد والنسيئة؛ لأن العين خير من الدين، والمعجل أكثر قيمة من المؤجل"[46].

4- كما استدلوا على جواز ذلك بما أخَذَ به جمهور أهل العلم، من أن الأصل في المعاملات الحلُّ، وأن الأصل في العقود والشروط الإباحة، إلا ما دلَّ الدليل على حرمته، ومما يدخل في ذلك بيوع التورق، وهذا يعني أن القائل بجواز التورق لا يُطالَب بدليل على قوله؛ لأن الأصل معه، وإنما المُطالَب بالدليل مَن يقول بحرمة التورق؛ حيث إنه يقول بخلاف الأصل، فعليه بالدليل على تخصيص عموم الجواز بالتحريم.
وقد قال بجوازه مجموعة من أهل العلم:
قال في "الإنصاف": "وهو المذهب وعليه الأصحاب"[47] اهـ.
وقال في "الروض المربع": "ومن احتاج إلى نقدٍ، فاشترى ما يساوي مائةً بأكثر؛ ليتوسع بثمنه، فلا بأس، وتسمى مسألة التورق"[48] اهـ.
وقال في "كشاف القناع": "لو احتاج إنسان إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين مثلاً، فلا بأس بذلك، نصَّ عليه، وهي - أي هذه المسألة - تسمى مسألةَ التورق، من الوَرِق، وهي الفضة"[49] اهـ.
وصدَر بجوازِه قرارُ مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسةَ عشرةَ، وبه قال جمهور العلماء؛ لأن الأصلَ في البيوع الإباحةُ؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾، ولم يظهر في هذا البيع ربًا، لا قصدًا، ولا صورةً؛ ولأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لقضاء دين، أو زواج، أو غيره[50].
وجاء فيه: "جواز هذا البيع مشروطٌ بأنه لا يبيع المشتري السلعةَ بثمنٍ أقلَّ مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بواسطة، فإنْ فعل، فقد وقع في بيع العينة المحرَّم شرعًا؛ لاشتماله على حيلة الربا، فصار عقدًا محرَّمًا" اهـ.
وصدرت بجوازه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية، وبعد أن ذُكر في الفتوى صورة المسألة، جاء فيها ما نصه: "وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء"[51].
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" ما نصُّه: "جمهور العلماء على إباحته، سواء من سماه تورقًا، وهم الحنابلة، أو لم يسمِّه بهذا الاسم، وهم من عدا الحنابلة؛ لعموم قول الله - تعالى -: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعامله على خيبر: ((بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا))، ولأنه لم يظهر فيه قصدُ الربا ولا صورته.
وكرهه عمر بن عبدالعزيز ومحمد بن الحسن الشيباني، وقال ابن الهمام: وهو خلاف الأولى، واختار تحريمَه ابنُ تيمية؛ لأنه بيع المضطر، والمذهب عند الحنابلة إباحتُه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن التورق لا يجوز؛ لأن القصد من التعامل به الحصول على النقد، حيث إنه يؤول إلى شراء دراهمَ زائدةٍ، وأن السلعة واسطة غير مقصودة.
وممن قال بعدم جوازه: عمر بن عبدالعزيز، ومحمد بن الحسن الشيباني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا لم يكن للمشتري حاجةٌ في السلعة؛ بل حاجته إلى الذهب أو الورق، فيشتري السلعة ليبيعها بالعين الذي احتاج إليها، فإن أعاد السلعة إلى البائع، فهو الذي لا شك في تحريمه، وإن باعها لغيره بيعًا تامًّا، ولم تعد إلى الأول بحال، فقد اختلف السلف في كراهته، ويسمونه التورق، وكان عمر بن عبدالعزيز يكرهه ويقول: "التورق آخية الربا"، وإياس بن معاوية يرخص فيه، وعن الإمام أحمد روايتان".

وقال ابن القيم: "التورق هو كمسألة العينة سواء، ولأن هذا يتخذ وسيلةً إلى الربا".
وقال - رحمه الله - في موضع آخر: عن أحمد فيه روايتان، وأشار في رواية إلى أنه بيع المضطر، وكان شيخنا - رحمه الله - يعنى شيخَ الإسلام ابن تيمية - منع من مسألة التورق، وروجع فيه مرارًا وأنا حاضر، فلم يرخصْ فيها، وقال: المعنى الذي لأجله حُرِّم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرِّم الضررَ الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه"[52].

ويستخلص من حجج القائلين بتحريم التورق ما يلي:
أولاً: أنه مسلك اضطراري، لا يأخذ به إلا مكرَهٌ عليه، أو مضطر إليه، وقد نهى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن بيع المضطر[53].
ثانيًا: حقيقته وأيلولته إلى الربا؛ حيث إن غرض طرفي التعامل به الحصولُ على نقد بنقد زائد مؤجل، والسلعة بين النقدين وسيلة لا غايةٌ، فهو منطبق على قول بعض الفقهاء: درهم بدرهمين بينهما حريرة.
ثالثًا: أن الغرض من التعامل به الحصول على النقد، والسلعة وسيلةٌ وليست غايةً، فهو يشبه العينة التي قال جمهور أهل العلم بتحريمها، حيث إن الغرض والوسيلة إلى الحصول على النقد فيهما واحدة.
ويمكن مناقشة هذه الحجج والرد عليها بما يلي:
أولاً: القول بأن التورق لا يأخذ به إلا مضطرٌّ، وقد نهى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن بيع المضطر - قول فيه نظر، ولا تظهر وجاهة الاستدلال عليه بحديث النهي عن بيع المضطر؛ لأن الاستدلال به استدلال في غير محلِّه؛ حيث إن حقيقة التورق ظهورُ الرغبة من صاحبها في الحصول على نقدٍ يغطي به حاجته إليه، سواء أكانت الحاجة مما تقتضيها مصلحته في الاكتساب، أم مما تقتضيها حاجته في شؤون حياته من شراء مسكن، أو سيارة، أو زواج، أو غير ذلك، وهذا لا يعد اضطرارًا إلى الحصول على النقد، وإنما هي الرغبة في الحصول عليه لتغطية الحاجة به، والرغبة حاجة وليست ضرورة، وحصوله على النقد لا يُتصوَّر إلا بإحدى طرق أربع، هي:
أ- حصوله على مَن يهب له ذلك المبلغ، والحصول عليه بهذه الطريقة أمرٌ مستبعد في الغالب.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-07-2019, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي

التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي


د. محمد الجندي






ب- وجود من يقرضه ذلك المبلغ قرضًا حسنًا، وهذا كذلك غير متيسِّر في الغالب، لا سيما إذا كان محتاجًا إلى مبلغ كبير؛ لتوسيع نشاطه التجاري، أو لمضاعفة نشاطه الصناعي، أو الزراعي، أو نحو ذلك.
ج- لجوءه إلى المصارف الربوية لأخْذ حاجته من النقود بالتعامل الربوي، وهذا محرَّم ولا يجوز.

د- تحصيل حاجته من النقود بطريقة التورق، وهذا أمر متيسِّر، وقال جمهور أهل العلم بجوازه، ولم نرَ أحدًا منهم قال بتقييد الجواز بحاجةٍ ملحةٍ، أو اضطرارٍ، أو تخصيصه لفئة معينة دون الأخرى، أو لأحوالٍ خاصة، فرغبته في الحصول على المبالغ حاجةٌ وليست ضرورةً، فلا يشمله النهيُ عن بيع المضطر، وفي الأمر نفسه - بالرجوع إلى شرح هذا الحديث - لم نرَ أحدًا منهم ذكر أن بيع التورق من بيوع الاضطرار، وأن النهي يشملُه، فسقط بهذا القول أن بيع التورق من بيوع الاضطرار المنهيِّ عنها.
قال المناوي: "نُهي عن بيع المضطر"؛ أي: المضطر إلى العقد، بنحو إكراهٍ عليه بغير حق، فإنه باطل، أو إلى البيع لنحو دين لزمه أو مؤونة ترهقه، فيبيع بالوكس للضرورة، فينبغي أن يعان ويمهل، أو يقرض إلى ميسرة، أو يشترى منه بالقيمة"[54].
وقال الخطابي: "بيع المضطر يكون من وجهين: أحدهما، أن يضطرَّ إلى العقد من طريق الإكراه عليه، فهذا فاسد لا ينعقد، والوجه الآخر أن يضطر إليه لدين يركبه، أو مؤونة ترهقه، فيبيع ما في يده بالوكس من أجل الضرورة، فهذا سبيله في حق الدين والمروءة ألاَّ يبايع على هذا الوجه، و ألاَّ يفتات عليه بماله"[55].
وقال ابن تيمية: "فإن كان المشتري مضطرًّا، لم يجز أن يباع إلا بقيمة المثل، مثل أن يضطر الإنسان إلى شراء طعام لا يجده إلا عند شخص، فعليه أن يبيعه إياه بقيمة المثل، فإن أبى أن يبيعه إلا بأكثر، فللمشتري أخذُه قهرًا بقيمة المثل، وإذا أعطاه إياه، لم يجب عليه إلا قيمة المثل، وإن باعه إياه إلى أجل، باعه بالقيمة إلى ذلك الأجل، ويأخذ قسطًا من الثمن"[56].

وقال أيضًا: "وكذلك المضطر الذي لا يجد حاجته إلاَّ عند هذا الشخص، ينبغي له أن يربح عليه مثلَ ما يربح على غير المضطر؛ فإن في السنن أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن بيع المضطر، ولو كانت الضرورة إلى ما لا بد منه، مثل أن يضطر الناس إلى ما عنده من الطعام واللباس، فإنه يجب عليه ألاَّ يبيعَهم إلا بالقيمة المعروفة بغير اختياره، ولا يُعْطُوهُ زيادةً على ذلك"[57].

ولو سلَّمنا - جدلاً - بمنع بيع المضطر، فإن المعنى الذي من أجله مُنع بيعُ المضطر غيرُ متحقق في التورق؛ وذلك لأن المضطر في النظر الفقهي، إما أن يكون بائعًا، وإما أن يكون مشتريًا، وللاضطرار معنيان كما ذكر الفقهاء:
أحدهما: الإكراه، وعلى ذلك يكون المحظور إكراه المرء على بيع ما عنده، أو على شراء ما عند الغير، وهذا المعنى خارج عن محل النزاع.
الثاني: أن يضطر شخص إلى طعام أو شراب، أو دواء أو لباس، أو غير ذلك، ولا يجد ذلك إلا عند رجل بعينه، فيبيعه ما يدفع ضرورته بأكثر من قيمته السوقية بكثير؛ أي: بغبن فاحش، أو أن يضطر شخص إلى بيع سلعته من أجل الحصول على نقد يلزمه، لشراء ما هو مضطر إليه من طعام أو شراب، أو لباس أو دواء، أو نحو ذلك، ولا يجد من يشتريها منه، فيبتاعها منه شخص بأقلَّ من قيمتها بكثير، وهذه العلة - أي مبايعة المضطر إلى البيع أو الشراء بوكس وظلم - منتفية في التورق الذي نتكلم عنه، ذلك:
أ- أن المتورق عادةً يشتري السلعة من شخص بالنسيئة ليبيعها بالنقد، فإنه يشتريها بقيمتها السوقية إلى الأجل المضروب، أو بغبن يسير، وذلك سائغ شرعًا، ولا تثريبَ عليه في شرائه السلعة نسيئةً بأكثر من قيمتها السوقية نقدًا، اعتبارًا للأجل، ولا حرج شرعًا على بائعه في ذلك.
ب- وأن المتورق عندما يبيع تلك السلعة التي اشتراها نسيئةً لشخص ثالث لا علاقة له بالبائع الأول، بقيمتها السوقية نقدًا، أو بغبن يسير، وهي - عادة - أقل من الثمن الذي اشترى به مؤجلاً، فذلك سائغ شرعًا للبائع المتورق وللمشتري الجديد على السواء.
هذا هو الأصل والجاري في الواقع في حالات التورق وتطبيقاته المعاصرة في الأعم الأغلب، وإليه ينصرف قول المجيزين.
ثانيًا: القول بأن حقيقة التورق وأيلولته إلى الربا؛ حيث إن غرض طرفي التعامل الحصول على نقد بنقد مؤجل، والسلعة واسطة بين النقدين، وهو منطبق على قول بعض أهل العلم: درهم بدرهمين وبينهما حريرة.

هذا قول فيه نظر، ولو أردنا أن نطبق عليه حال من احتاج إلى نقد، وسلك في سبيل تحصيله مسالكَ الحصول عليه من بيوع المرابحة، أو المشاركة المتناقصة، أو بيوع السلم، أو غير ذلك من وسائل الحصول على الاستزادة من النقود مما هو جائز شرعًا - لقلنا بمنع ذلك؛ لأن قصده الحصولُ على النقد بواسطة السلع ثم يبيعها، وهذا لا يقول به أحد.
ثم إن تطبيق بيع التورق على مسألة "درهم بدرهمين وبينهما حريرة"، تطبيق مع الفارق؛ ذلك أن الحريرة لا تساوي قيمتُها الدرهمَ الزائد، وإنما جيء بها للتحليل، أما التورق فالراغب في النقد يشتري سلعةً بثمن مؤجل هو مثل الذي تباع به على آخر بيعًا مؤجلاً، ثم إن مشتريَها يبيعها في السوق بثمن مثلها حالاًّ، فظهر بهذا الفرقُ بين المسألتين.
ثالثًا: أما القول بأن الغرض من التعامل بالتورق الحصولُ على النقد، والسلعةُ وسيلةٌ وليست غايةً، فهو يشبه العينة التي قال الجمهور بتحريمها، فلا يخفى أن جميع وسائل التجارة - من بيع وشراء، ومشاركة ومرابحة، وغير ذلك من آليات الاستثمار - الغرض من استخدامها، وممارسة التجارة عن طريقها: الحصولُ على النقود والاستزادة منها، والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، كما لا يخفى أن التورق يختلف عن العينة؛ حيث إن العينة معناها رجوع السلعة على من باعها، حيث إنه لم يبعها إلا باعتبار رجوعها إليه، وحصوله على رغبته في أن تكون المائة مائةً وعشرين مثلاً دون فوات سلعة عليه، فضلاً عن أن هاتين البيعتين - بيعة البائع على المشتري، وبيعة المشتري على البائع - بيعتان في بيعة واحدة، وقد نهى - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن بيعتين في بيعة واحدة، وفسرها بعض المحققين من أهل العلم، ومنهم ابن القيم - رحمه الله - بأنها العينة بخلاف التورق، فإن السلعة التي باعها البائع على الراغب في الشراء تورقًا لن ترجع للبائع، حيث إن شرطَ بيع التورق ألا يبيع المشتري السلعة على من باعها عليه، فإن باعها عليه، فهي العينة المحرمة.

فلم يبقَ في حجج القول بتحريم التورق إلا القصدُ؛ قصدُ المشتري النقدَ دون السلعة، وهذا القصد لا يعتبر سببًا في القول بالتحريم؛ فقد وجَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عامِلَه لتحقيق قصد الحصول على الجنيب من التمر، بأن يبيع الجمع ويشتريَ بثمنه جنيبًا، ولم يكن هذا القصدُ مانعًا من صحة هذا التصرف والأخذ بهذا المخرج الصحيح للحصول على تحقيق الرغبة.

وقد أفاض ابن القيم - رحمه الله - في الحديث عن الحيل المباحة والمخارج في "إعلام الموقعين"، حتى ضرب للمخارج مثلاً هو التورق، قال - رحمه الله -: "وإنما الحيل شيء يتخلص به الرجل من الحرام ويخرج به إلى الحلال، فما كان من هذا ونحوه فلا بأس به، وإنما يكره من ذلك أن يحتال الرجل في حق الرجل حتى يبطله، أو يحتال في باطل حتى يوهمَ أنه حقٌّ، أو يحتال في شيء حتى يُدخلَ فيه شبهةً، وأما ما كان على السبيل الذي قلنا به فلا بأس به"[58]، ثم استدل على ذلك بقوله - تعالى -: ï´؟ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ï´¾ [الطلاق: 2]، وضرب لذلك أمثلة، منها قوله: "وكذلك الرجل تشتد به الضرورة إلى نفقة ولا يجد من يقرضه"، فذكر من الوسائل لهذا الرجل - وسماه مخرجًا - التورق[59].
يمكن القول إذًا: إن التورق مخرج لمن احتاج إلى النقد، ولا يجد من يهبه إياه، أو يقرضه بدون ربا، فيعمد إلى شراء سلعة بالأجل، ويبيعها بالنقد.
الرأي الراجح:
لقد ظهر لي بعد النظر والتأمل في أدلة الفريقين: أن حجج جمهور الفقهاء المجيزين للتورق صحيحةٌ قوية، سالمة من الإيراد عليها، بخلاف أدلة المانعين، فإنها ضعيفة، ولا يصح الركون إليها أو الاعتماد عليها، وإن سعْيَ أربابها بكل سبيل إلى تخريج حظْر التورق على قاعدة سد الذرائع - ليس إلا ضربًا من الغلو، ولما كانت حاجة الناس قائمةً على المال، مع عدم وجود طريق آخر - غالبًا - كالقرض الحسن والسَّلَم، فإنني أرجح بيع التورق، بشرط الحاجة، وعدم تضمينه محاذيرَ شرعيةً.
فبالتورق يمكن سدُّ حاجة الناس على نحوٍ لا يرهقهم غالبًا، وبخاصة بعد أن صار للناس مواردُ ثابتةٌ في هذا الزمان تمكِّنهم من الوفاء بما عليهم من حقوق.

هذا فضلاً عن الترفع عن الحاجة إلى الناس، وما يتبعها من تعرض للمسألة والمنَّة، مما ينافي آداب الشريعة، والترفع عنه بالمرء أجمل، ولمروءته أكمل.

المبحث الثاني: التطبيقات المعاصرة للتورق (التورق المصرفي المنظم)
المطلب الأول: حقيقة التورق المصرفي المنظم
ذكرنا في المبحث الأول صيغة التورق التي عرَفها الناس واشتهرتْ بينهم، وكانت مناط فتوى العلماء في القديم، هي صيغة التورق الفردي؛ تبدأ العملية وتنتهي بصورة شبه عفوية، وبدون ترتيبات مسبقة أو إجراءات مقنَّنة، كما أنها تتم في خضم عمليات البيع والشراء التي تقع في الأسواق، حتى لا تكاد تعرف بضاعة المتورق من باقي ما يقع من مبادلات في الأسواق، ونتكلم في هذا المبحث عن التورق المصرفي المنظم.
حقيقة التورق المصرفي المنظم:
لقد اتَّجه كثير من المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة إلى التعامل بالتورق المصرفي المنظم، كبديل شرعي للقرض الربوي المحظور الذي تقدمه البنوك التقليدية من جهة، وكبديل عملي منسق مبرمج للتورق الفردي غير المنظم، الذي يكلف المتورق - عادة - خسائرَ ماليةً فادحة، وكثيرًا من المشقة والعناء من جهة أخرى، بحيث يقوم على نفس قاعدة التورق الشرعية وآليته، غير أنه يجري وفق منظومةٍ تعاقدية أفضلَ، تكفل حصولَ العميل على السيولة النقدية المطلوبة في الوقت المرغوب، من غير تعرض للمتاعب والصعوبات والخسائر الفاحشة التي تكتنف عمليةَ التورق الفردي عادة، وذلك عن طريق شراء المصرف المتخصص للعميل سلعةً أو أكثر من سوق السلع الدولية - التي تتسم أسعارها بتحرُّكات ضئيلة محدودة تقيه مخاطر تقلبات الأسعار الحادة من غيرها - ثم بيعِها نقدًا لطرف ثالث بالنيابة عن العميل بعد ثبوت ملكيتها له؛ بغية توفير النقد المطلوب للعميل.
ومع أن صيغ الاتفاقات التي تبرمها المؤسسات المالية الإسلامية للتورق، لا تخلو من الاختلاف في بعض الجزئيات أو التفصيلات، لكنها في الجملة تتفق على بناء وتركيب المنظومة التعاقدية للعملية على النسق الآتي:
أولاً: يقوم المصرف بشراء الكمية المطلوبة من السلعة أو السلع الدولية، وفق المواصفات المحددة التي يرغب فيها العميل نقدًا.
ثانيًا: بعد تملك المصرف وقبضه للسلع التي اشتراها قبضًا حكميًّا، يقوم ببيعها بثمن معلوم مؤجل بحسب نظام التقسيط المتفق عليه بينهما.
ثالثًا: عقب ذلك يوكل العميل المصرف في بيع ما امتلكه من السلع بثمن نقدي معجل لطرف ثالث لا علاقة للمصرف به.
رابعًا: يقوم المصرف ببيع تلك السلع لحساب موكله العميل، على النحو المرسوم، ويوفر له ثمنها المقبوض لينتفع به.
ومن الجدير بالتنبه له في هذا المقام: أن من أهم سمات وخصائص "التورق المصرفي المنظم" كونَه معاملةً مستحدثة، وصفقة تمويلية مستجدة، وإن كانت مبنية في جوهرها وأساسها على مسألة التورق الشرعي، ينضوي تحتها مجموعة عقود ووعود مترابطة متوالية، لا تقبل التفكيك والتغيير الهيكلي، يجري التواطؤ المسبق بين المصرف والعميل على إنشائها وإبرامها على نسق محدد، متتابع الأجزاء، متعاقب المراحل، يهدف إلى تحقيق غرض تمويلي محدد، اتجهت إرادة الطرفين وقصدهما إليه.
وبتتبُّع هذه المسألة لم نجد للفقهاء المعاصرين قولاً بتأثير ذلك في الحكم على المرابحة، أو المضاربة، أو الاستصناع، في عمل المصارف، وكذلك القروض المصرفية لم يخرجها عن حكم الربا المحرَّم كونُها مؤسسية لا فردية.
إن المصرف شخصية اعتبارية لا طبيعية، وقد انتهى أمرُ الناس إلى القول بأن العقود التي تبرم ويكون من أطرافها شخصية اعتبارية لا تختلف في أحكامها وشرائط صحتها بين الشخصيات الطبيعية، فلا يتغير حكمه إذا انعقد وكان من أطرافه شخصية اعتبارية.
يمكن القول عندئذٍ: إن التفريق في الحكم بين الفردي والمؤسسي، لم يُثِر إشكالاً حتى الآن، وهي مسألة يتَّسع نطاقها ليؤثر في معاملات كثيرة، وليس التورق فحسب.

التواطؤ وأثره في صيغة التورق المصرفي:
التواطؤ والمواطأة: اتفاق الرغبتين على أمر واحد[60]، ومنها ما ورد في الحديث في قول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأصحابه في مسألة ليلة القدر: ((أرى رؤياكم قد تواطأتْ في السبع الأواخر))[61]؛ أي: اتَّفقت.
التواطؤ في المعاقدات: هو الاتفاق على إبرام غير عقد، أو عقدين فأكثر في اتفاقية واحدة، وهي إن كانت عقودًا مستقلة عن بعضها البعض عند الدخول فيها، إلا أن غرض الطرفين في المعاملة لا يتحقَّق إلا باجتماع هذه العقود في منظومة واحدة.
والتورق المصرفي - كسائر المعاملات المصرفية - إنما هو صيغة مؤسسية؛ ولذلك فإن فيها ترتيباتٍ لها طريق مرسوم، تؤدِّي - إذا سار عليه أطرافها - إلى نتيجة معروفة، وهي حصول عميل البنك على النقود، وهو غرضه النهائي.
وقد قيل في الاعتراض على التورق المصرفي: إن هذا تواطؤٌ تجتمع فيه عقود، وإن التواطؤ ذريعة إلى التوصل إلى المحرَّم.
لكن يستدل من كلام الفقهاء عن التواطؤ في المعاملات: أن التواطؤ الممنوع إنما هو ترتيبٌ الغرضُ منه إخفاءُ حقيقة معاملة معينة ممنوعة، وإظهارها بوجهٍ آخرَ مباح، وذلك كأنْ يشترط في العقد الأول شرطًا يغيِّر طبيعته، أو يلزم طرفَيه بعقد آخر لاحقٍ متعارِض معه، ومن أمثلة الترتيبات التي تدخُل في باب التواطؤ المُفسِد للعقود: ما ذكره صاحب "الشرح الكبير" في باب الجعالة، قال: "من سمع قائلاً يقول: من يأتني بعبدي الآبق، فله كذا، فأتاه به من غير تواطؤ، فإنه يستحق الجعل"[62]، فاشترط فيه عدم التواطؤ؛ لأن العقد بهذه الصورة جعالة ليس على السامع التزام بعمل، لكن إذا وقع بينهما التواطؤ، صار ملتزمًا بالعمل، فانقلبت إجارةً، واستحقَّ الأجرةَ بالعمل، سواء انتهى عمله إلى أن يأتيَه بعبده الآبق أم لا، هذا مثال على تغيير التواطؤ لطبيعة العقد، فالعقد حقيقته الإجارة لا الجعالة، فلزم أن ينضبط بأحكامها، فتغيَّرت حقيقة العقد بسب التواطؤ.
ومنها ما جاء في "مواهب الجليل": "عن الرجل يدفع إلى الرجل المال، فيقيم في يديه أيامًا، ويتجهز بذلك يريد سفرًا، فيلقى صاحب المال فيقول له: هل لك أن أخرج معك، فأخرج ذهبًا آخر مثل الذي أعطيتك، ونشترك جميعا؟ قال مالك: ما أرى أمرًا بينًا وما يحضرني فيه مكروه، قال سحنون: وهو الربا بعينه، قال محمد بن رشد: لأن مالكًا إنما خفف ذلك على السلامة من التواطؤ على ذلك قبل أن يتجهز بالمال"[63].
كأنه بالتواطؤ قد أصبح أجيرًا يستحق أجرَ المِثل، ولكن يكون بإظهار العقد على صفة المضاربة، قد استأجره على عمله معه بجزء من ربح المال، فهو غرر، فكأن التواطؤ غيَّر طبيعة هذا العقد، هذا مثال آخر للتواطؤ الذي يغيِّر من حقيقة العقد.

فهل بالتورق المصرفي من التواطؤ ما يؤدي إلى الفساد؟ مثل هذا يقتضي القول بأن التورق المصرفي - مع أن ظاهره البيع - فإن حقيقته أنه من العينة الممنوعة، أو أنه قرض بزيادة، والراجح أنه بيع كسائر البيوع، وإن أكثر عمليات الشراء تنتهي بالبيع مرات ومرات، حتى تصل إلى مستهلكها النهائي.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-07-2019, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي

التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي


د. محمد الجندي



والتطبيق الصحيح للتورق المصرفي يتطلب انفصالَ أجزائه عن بعضها البعض، وعدم اشتراط بعضها في بعض، فإذا اشترى العميل من البنك سلعةً بالأجل، فهو بالخيار؛ إن شاء باعها ليحصل على النقد، وإذا رغب في الاحتفاظ بملكيتها، أو قبضها، أو توكيل طرف آخر غير البنك، فيجب أن يكون كلُّ ذلك متاحًا له، كل ذلك يدلُّك على أن التواطؤ - الذي هو اشتراط عقد في عقد، أو إظهار عقد على غير حقيقته - غيرُ موجود في التورق المصرفي، في التطبيق الصحيح له.
المطلب الثاني: صيغ التورق المصرفي
تعتمد البنوك التي تتيح التورق لعملائها عدةَ صِيغٍ، تختلف اختلافاتٍ غيرَ جوهرية، وهي على الوصف الآتي[64]:
أ- الصيغة الأولى: صيغة الأمر بالشراء والمرابحة:
وصِفتُها أن ينتظر البنك الأمرَ من عميله بالشراء، فإذا أمره بشراء سلعةٍ معينة، ووعَده بشرائها منه مرابحةً، قام البنك بالشراء من السوق سلعة بالوصف والقدر المذكور في طلب العميل، ثم يبيعها بعد تمام تملكه لها (بالإيجاب والقبول والقبض الحكمي) إلى عميله بالآجل، بثمن يمثل ما قامت به السلعة، مضافًا إليه ربحٌ متَّفق عليه، ويكون الثمن مقسطًا، ثم يقوم العميل في حال رغبته في ذلك ببيعها إلى طرف ثالث - كما هو الحال في السيارات - أو بتوكيل البنك ببيعها في السوق إذا كانت سلعة تتداول في الأسواق الدولية، ثم توريد ثمنها في حسابه لدى البنك.
وتسير البنوك على صيغة الأمر بالشراء والمرابحة في العمليات الخاصة بتمويل الشركات، إلا أن بعضها يتبع الطريقة نفسها حتى في تمويل الأفراد[65].
ب- الصيغة الثانية: صيغة الشراء المسبق والبيع مرابحة:
وفيها يقوم البنك في أول كل أسبوع بشراء كمية - بالجملة - من سلعة معينة مخزونة في مستودع موثَّق بشهادات صادرة من الجهة المخوَّلة بذلك، ثم يقوم بعدَ تمام تملُّكه لها ببيع وحدات، أو كميات صغيرة من هذه السلعة لعملائه الذين يتقدمون بطلب الشراء منه خلالَ أيام الأسبوع، وهو يبيع إليهم مرابحةً بثمن مؤجل يتحدد بما قامت به السلعة على البنك، مضافًا إليه الربح المتفق عليه مع العميل، ثم يجري من العميل التوكيل للبنك بالبيع في السوق، وتوريد الثمن في حسابه.
ج- الصيغة الثالثة: صيغة البيع مساومة:
وهي تشبه الصيغة السابقة، عدا أن البيع يكون مساومةً لا مرابحةً، وفيها يقوم البنك في أول أيام الأسبوع بشراء كمية من السلع المخزونة في مستودع كما أسلفنا، وبعد أن تصبح ملكًا للبنك بالإيجاب والقبول الحكمي، يعرضها على عملائه، وهو يبيع إليهم وحداتٍ أو كمياتٍ صغيرةً منها بيعَ مساومةٍ؛ إذ لا يخبرهم بما قامت به السلعة عليه، وإنما يبيعها بثمن يضمن ربحه، ويكون ثمنًا مؤجلاً مقسطًا على مدة متفق عليها، ثم يجري من العميل التوكيل للبنك بالبيع إلى طرف ثالث في السوق، وتوريد الثمن في حسابه.
السلع التي تستخدمها البنوك في عملية التورق:
كل سلعة يجوز شراؤها تصلح للتورق، ولكن ليس الأمر كذلك في التورق المصرفي؛ فالسلع التي تصلح للتورق هي تلك التي تتمتَّع بالسيولة؛ أي: إن لها سوقًا كثيرةَ التداول، وتتسم باستقرار نسبي لسعرها في المدى القصير؛ لذلك فإن السلع التي استخدمتها البنوك وعملاؤها في التورق هي بصفة أساسية:
1- السيارات:
كان الناس يشترون السيارة من البنوك بالمرابحة، ثم يبيعونها في المزاد؛ ليحصلوا على ثمنها النقدي، ونظرًا إلى أن للسيارات أسواقًا فيها متعاملون كُثر، لم يكن عسيرًا على من اشترى السيارة أن يبيعها في وقت قصير، وبثمن نقدي لا يختلف كثيرًا عن ثمنها النقدي عند بائعها الأول، ولما كثرت عمليات التورق في السيارات، تخصص في تجارتها مؤسسات ومعارض للسيارات، تبيع وتشتري وتتوسط بين البنك وعملائه في ذلك، فصار للتورق سيارات تدور بين مشترٍ وآخر، ويجري تداولها عشرات المرات حتى تنتهي إلى من يشتريها؛ لأنه يريدها للاستعمال لا للتورق.
2- أسهم الشركات:
معلوم ما تتوافر عليه أسواق الأسهم من سيولة وسرعة في الإجراءات؛ ولذلك تستخدم البنوك هذه الأسواق مع عملائها لغرض التورق، فتبيع إلى عميلها أسهمًا بثمن مؤجل، ثم بعد استقرار ملكه عليها يبيعها في السوق ليحصل على ثمنها النقدي.
3- السلع الدولية:
يقصد بالسلع الدولية المواد الأولية الأساسية، مثل: النحاس والحديد والألمنيوم ونحو ذلك، التي يكون لها بورصات عالمية، يجري فيها تداول كميات السلع المخزونة في مستودعات تصدر شهادة مخزون.
مستودعات السلع حلقة مهمة في عمليات إنتاج السلع في الدول الغربية وتسويقها، وهي تنهض بدور مهم في توفير السيولة للمنتجين، وأكثرُ عمليات التورق اليومَ في السلع الدولية؛ لما تتميز به من سيولة وسهولة في الإجراءات.
4- السلع المحلية:
وتسعى بعض البنوك إلى تطوير عمليات في السلع المحلية التي تتوافر على الصفات المذكورة - كما سبق بيانه - مثل وجود أسواق نشطة، واستقرار نسبي في الأسعار، ونحو ذلك، ومن هذه السلع التي تتَّجه البنوك المحلية إلى استخدامها في التورق محليًّا: الأسمنت، وزيوت الطعام، والمشروبات الغازية، ومنتجات البلاستيك الخام.
ولا تختلف السلع المحلية عن الدولية إلا بوجود نظام المستودعات الذي سبق الإشارة إليه، وإن كانت تتميز عليها في أن تكاليف قبض السلعة والاحتفاظَ بملكيتها أقلُّ أو أيسرُ من السلع الدولية.
صيغة البيع وصفة القبض في عمليات التورق:
السلع التي هي محل البيع في التورق تكون مخزونةً في مستودعات عامة، ليست تابعة للبنك، وفي كثير من الأحيان في أماكن بعيدة عن مقرِّ ذلك البنك، وقد ذكرنا في مكان آخر طريقةَ عمل هذه المستودعات، والبيع الذي يُجريه البنك هو بيع موصوفٍ غائب، ولكنه موجود، فليس موصوفًا في الذمة، والبيع فيه إنما يكون على الصفة، وجمهور الفقهاء على جواز بيع الغائب على الصفة[66]، ويكون المشتري بالخيار إذا جاء المبيع على غير الوصف[67]، وعندما يشتري البنك السلعة في بورصة السلع، فإنها تكون موثقة بشهادة صادرة عن صاحب المستودع، وتتضمن هذه الشهادة وصف السلعة، وتحديد وزنها وكميتها، ونحو ذلك مما له أهمية في الثمن، وفي كثير من الأحيان يكون لوحداتها أرقام تسلسلية، وعلى ذلك يكون انتقال الملك فيها من البائع إلى البنك بالإيجاب والقبول الناقل للملك، والقبض فيها قبضٌ حكميٌّ؛ إذ يتحقق بقبض البنك لتلك الشهادات التي تجعلُ من حاملها مالكًا للسلع التي تمثلها، وتخوله التصرف بالمعدِن المبيع المعيَّن فيها تصرفَ الملاَّك، ثم البنك يبيع إلى عميله بيعًا على الصفة مشروطًا بمكان التسليم، فإذا كان المعدِن موجودًا في سنغافورة، اشترط عليه التسليم في ذلك المكان، وكلُّ ذلك جائز لا بأس به[68].
لا تبيع البنوك إلى عميلها السلع إلا بعد حصول الملك لها بالشراء من السوق، وتوثيق ذلك بالطريق المعتاد في أسواق السلع، وحصول الإيجابِ والقبول والقبض الحكميِّ المتمثل في قبض الشهادات.
إن الخلاف في مسألة القبض معروف لا يحتاج إلى بسط هنا، والتطبيقات المصرفية للتورق تأخذ بالرأي القائل بالقبض الحكمي؛ أي: انتقال الضمان بمجرد العقد إذا تعينت السلعة محل البيع.
وقال الدمنهوري في "الفتح الرباني" عن الإمام أحمد: "والمبيع المعين يدخل في ضمان المشتري بمجرد العقد وإن لم يقبضه"، وقال: "والمبيع المعين يجوز التصرف فيه قبل القبض"[69].
وقد ورد مثل ذلك في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق" للكَوْسَج[70]، قال إسحاق: رجل اشتري دابة ولم يرَها، فضاعتْ أو ماتت قبل أن تُدفع إليه، فعلى مَن الضمان؟ قال: الضمان على المشتري؛ لأن ما كان من الحيوان والعروض، وكل شيء لا يُكال ولا يُوزن، فهلَك قبل أن يقبضَه المشتري، فهو من مال المشتري، وذلك أن له أن يبيع ما أراد من ذلك قبل قبضه"، والمقصود هو العين، فإذا تعيَّن المبيع انتقل الضمان بمجرد العقد.

وفي "الكافي" لابن قدامة":وعن أحمد، أن المنع من البيع قبل القبض يخص المطعوم؛ لاختصاص الحديث به، وما ليس بمطعوم من المكيلات والموزونات يجوز بيعُه قبل القبض، وعنه أن المنع يختص بما ليس بمتعيَّن، كقفيز من صبرة، ورطل زيت من دَنٍّ، وما بيع صبرة أو جزافًا جاز بيعه قبل قبضه، وهو قول القاضي وأصحابه"، ثم قال: "وهو المذهب"[71].
وقال الونشريسي في "عدة البروق": "وإنما لا ينتقل الضمان إلى المشتري في المكيلات والموزونات إلا بالكيل والوزن، وينتقل في غيرها بالعقد الصحيح؛ لأن المبيع إذا كان مكيلاً أو موزونًا لا يتميز عن ملك البائع إلا بالكيل والوزن، ولا يعلم مبلغ ما باع، بخلاف العبد والثوب مثلاً، فإنهما يتميزان بذاتيهما وإبرامهما"[72].
وقد سئل ابن تيمية - رحمه الله - في "الفتاوى" عن امرأة لها ملك غائب عنها، ولم تره، وعلمته بالصفة، ثم باعته لمن رآه، فهل يصح هذا البيع؟ فأجاب: "الحمد لله، إذا علمتْه بالصفة صح بيعُها"[73].
والسلع التي هي محل البيع في التطبيق الصحيح للتورق المصرفي، يجري اختيارها من صنف السلع القابلة للتعيين على صفة سبائك[74]، ذات أرقام تسلسلية أو نحو ذلك، وقد ذكر المرداوي - رحمه الله - في "الإنصاف" أن الضابط في مسألة ما يجوز بيعه قبل القبض هو التعيين[75]، فغيرُ المتعين يتعلق به حقُّ تَوْفِيَةٍ، كـ: بعتُك هذا القطيعَ كلّ شاة بدرهم، مثل ذلك لا يجوز بيعهُ قبل قبضه، أما المتعين فيجوز التصرف فيه قبل القبض.
والبنوك في التورق تبيع السلع على الوصف، لكنها قابلة للتعيين بحكم كونها ذاتَ أرقام متسلسلة، وتصدر بها شهادات مخزون موثقة من جهات حكومية، ونحو ذلك.
وكالة البنك عن العميل في التورق المصرفي:
قامت صيغ التطبيق المصرفي للتورق على توكيل العميل، الذي اشترى سلعة بالآجل من البنك، يقوم ببيعها نيابةً عنها إلى طرف ثالث، ويقوم بتوريد ثمنها في حسابه.
الوكالة جائزة، ويمكن أن تكون الوكالة خاصة، كما يمكن أن تكون عامة، ولا تخرج الوكالة المذكورة بصفة عامة عن معنى الوكالة المعروف، وعن صيغتها المجمع على جوازها، لكنَّ في هذه الوكالة جديدًا، وهو أنها جزء من منظومة من الإجراءات غرضُها التورق[76].
وقد اختلف التطبيق المصرفي من ناحية توكيل البنك على طريقتين:
الأولى: وفيها ينص على أن العميل بالخيار، إن شاء وكَّل البنك، وإن شاء قبض السلعة بنفسه في مكان التسليم المشروط في العقد، وإن شاء وكّل طرفًا آخر، وإذا رغب احتفظ بها بدون بيع، وعند ذلك عليه دفعُ مصاريف المستودع، وينص على هذه الخيارات بوضوح تامٍّ في استمارة الطلب، وفي عقد البيع الذي يبرمه البنك مع العميل، ولا يقوم العميل بتوكيل البنك إذا كانت تلك رغبته، إلا بعد تمام البيع عليه، عندئذٍ يقوم بتوقيع الوكالة المذكورة، وهي وكالة بلا أجرٍ، مقتضاها قيامُ البنك - نيابةً عنه - ببيع السلعة إلى طرف ثالث غيرِ مَن اشتراها منه، وقبضِ ثمنها ثم توريدِه في حسابه.
والثانية: قبول التوكيل منه عند تقديمه طلبَ الشراء، وقبلَ حصول الملك له، فتكون الوكالةُ هي "على اعتبار ما سيقع" من بيع وتملك للسلعة في المستقبل، فهي وكالة معلقة على أمر سيقع في المستقبل، وهو شراء السلعة من البنك، والغرض من استعجال الوكيل تقصيرُ الإجراءات، والتأكدُ من أن منظومة الإجراءات المعتمدة تسير على الطريقة المخطط لها، ولا يستبعد أن العميل الذي يرفض توكيل البنك لن يجاب طلبه إلى الشراء.
قرار المجمع الفقهي الإسلامي بشأن التورق المصرفي:
اتَّخذ المجمع الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرارًا في دورته السابعةَ عشرةَ، المنعقدةِ في الفترة 19 - 23 / 10 / 1424هـ، الموافق 13 - 17 / 12 / 2003م في مكة المكرمة بشأن التورق المصرفي[77].
وقد كان المجمع قد اتخذ قرارًا في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة بتاريخ 11 رجب 1419هـ، الموافق 31 / 10 / 1998م في مكة المكرمة بشأن التورق، انتهى فيه إلى القول بجواز التورق[78].
وقد اعتمدت التطبيقات المصرفية على قرار المجمع في دورته الخامسة عشرة، إلا أن المجمع في دورته السابعة عشرة، المنعقدة في الفترة 19 - 23 / 10 / 1424هـ، الموافق 13 - 17 / 12 / 2003م في مكة المكرمة، قد أوضح أن قراره السابق اشترط لصحة التورق أن يكون بمعاملات حقيقية وشروط محددة، ثم أضاف: "فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل، تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضًا حقيقيًّا، وتقع في ضمانه"، وعلى هذا ملاحظات، منها:
أ- أن القرار المشار إليه في الدورة الخامسة عشرة بشأن التورق، لم ينصَّ على مثل هذه الشروط.
ب- سبق للمجمع الفقهي الإسلامي أن اتخذ قراره ذا الرقم 7 في الدورة الحادية عشرة، المنعقدة في رجب 1409هـ/ فبراير 1989م، بشأن الصرف، ونصَّ فيه على ما يلي:
"يعد القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدالَ عملةٍ بعملة يعطيها الشخص للمصرف، أو بعمله مودعة فيه"، فالقيد في الحساب قبض حكمي كافٍ لصحة المصارفة، مع أن النصوص القطعية عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تشترط أن يكون يدًا بيد، بينما أن شراء السلع في التورق لا يصح إلا بالقبض الحقيقي، والحال أن أكثر الفقهاء يكتفون بالقبض الحكمي للسلع عدا الطعام، والتطبيقات المصرفية للتورق تأخذ بالرأي القائل بالقبض الحكمي؛ أي: انتقال الضمان بمجرد العقد إذا تعينت السلعة محل البيع.
المطلب الثالث: استنباط الحكم الشرعي للتورق المصرفي
للتعرف على الحكم الشرعي للتورق المصرفي المنظم، الذي عرضنا حقيقته وخصائصه، يجب مراعاةُ المبادئ الآتية:

المبدأ الأول:
التورق المصرفي المنظم، معاملة جديدة مستحدثة؛ ولهذا فإنه يخضع في تكوينه - العاقدان، والصيغة، والمحل، وآثاره - إلى القواعد الشرعية العامة في التعاقد، وبمراعاتها يعتبر صحيحًا لازمًا ويجب الوفاء بمقتضياته، ما لم يخالفْ دليلاً شرعيًّا معتبرًا؛ لعموم قوله - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ï´¾ [المائدة: 1]؛ إذ للناس في مجال المعاملات المالية - التي تتوقف عليها معايشهم، وتتوفر بها مصالحهم - أن يستحدثوا من العقود - في حدود المبادئ الشرعية وأصولها - ما تدعو إليه حاجاتُهم، وتحْملُهم عليه مصالحهم، دون أن يَلحقَهم حرجٌ بهذا الاستحداث؛ لأن العقود ما شُرعت إلا لتكون وسيلة لسد الحاجات، وسبيلاً إلى تحقيق المصالح[79].
المبدأ الثاني:
من المقرر شرعًا أن تعامُل الناس بعقد أو معاملة، على صورة معينة تقليدية جرى بها العرف - لا يصلح وحدَه دليلاً على أن أيَّ خروج عن صورته المألوفة، أو أيَّ خلاف لوضعه - محظورٌ شرعًا؛ لأنه إذا كان من شروطه ما أوجب الشارع مراعاتَه، ووقع الخروج أو الخلاف في هذا النوع من الشروط، فإن حظْر الشارع للانحراف عنه حينئذٍ مردُّه لمخالفة ما أوجب الشارع مراعاته، وألزم الناس باتباعه.
أما إذا كان الخلاف فيما لم يرد فيه إيجاب، ولا إلزام شرعي للناس باتباعه، وإنما كانت مراعاته في التعامل والتمسك به بحكم العادة وعُرف الناس فيه، وقد سكت الشارعُ عن حُكم مخالفته، فإن الخلاف حينئذٍ يكون انحرافًا عن أمرٍ سكت عنه الشارع، ولم يبيِّن حكم مخالفته، والحكمُ في مثله الإباحة؛ تطبيقًا لمبدأ الإباحة الأصلية فيما سكت عنه الشارع[80].
وعلى ذلك؛ لا حرج شرعًا - من حيث المبدأ - في تطوير التورق الفردي غير المنظم، إلى تورق مصرفي منظم، يحقق الغرض المنشود منه بتكلفة أقل، وبدون مشقة وعناء؛ فالشريعةُ - كما قال ابن تيمية -: جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومطلوبها ترجيح خير الخيرَيْنِ إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعًا، ودفع شرِّ الشرَّين إذا لم يندفعا جميعًا"[81].
المبدأ الثالث:
يجب أن يراعى في التورق المصرفي المنظم الضوابطُ الشرعية العامة للجمع بين العقود والوعود في معاملة واحدة، يجري التواطؤ بين طرفيها على إبرامها على نسق محدد، متتابع الأجزاء، متلاحق المراحل، وفقًا لشروط تحكمها كصفة واحدة لا تقبل التفكيك والتجزئة، تهدف إلى أداء وظيفة واحدة، وبلوغ غرض معين، اتجهت إرادة العاقدين وقصدُهما إلى تحقيقه، وهي خمسة[82]:
الضابط الأول:
ألاَّ يكون الجمع محلَّ نهيٍ في نص شرعي، كالجمع بين بيع وسَلَف[83]، والجمع بين بيعتين في بيعة[84]، وصفقتين في صفقة[85].
الضابط الثاني:
ألاَّ يكون الجمع حيلة ربوية، وذلك كما في التواطؤ على العينة، أو عكسها، أو على الحيلة إلى ربا الفضل.
الضابط الثالث:
ألاَّ يكون ذريعةً إلى الربا، وذلك كما في الجمع بين البيع والقرض، أو التواطؤ على دفع المقترض للمقرض هدية أو زيادة على مقدار القرض.
الضابط الرابع:
ألاَّ يكون الجمع بين عقدين فأكثر بينهما تناقض أو تضادٌّ في الموجبات والأحكام، كالجمع بين صرف دراهم بدنانير وإقراض تلك الدنانير لبائعها، وكما في الجمع بين صرف وجعالة ببدل واحد، أو بين سَلَمٍ وجعالة ببدل واحد[86].
الضابط الخامس:
أن يكون كل جزء من أجزاء المعاملة - أي: العقود، والوعود، والشروط - صحيحًا مشروعًا بمفرده؛ وذلك لأن الأصل الشرعي هو جواز اجتماع العقود والوعود المختلفة في معاملة واحدة، إذا كان كل واحد منها جائزًا بمفرده، ما لم يكن هناك دليلٌ شرعيٌّ حاظر، فعندئذٍ يمتنع بخصوصه استثناء؛ إذ الأصل قياس المجموع على آحاده، فحيث انطوت المعاملة (الصفقة) على عدة عقود ووعود، كلُّ واحد منها جائزٌ بمفرده، فإنه يحكم على المجموع بالجواز، وعلى ذلك نصَّ جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في مواطنَ عديدة، منها:
أ- قول الكاساني في معرض استدلاله على جواز شركة المفاوضة: "ولأنها مشتملة على أمرين جائزين، وهما الوكالة والكفالة؛ لأن كل واحدة منهما جائزة حالَ الانفراد، وكذا حالة الاجتماع"[87].
ب- ما جاء في "المقنع" وشرحه "المبدع": "وإن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة، صح؛ لأن كل واحد منها يصح منفردًا، فصح مع غيره"[88].
ج- وقول ابن القيم الجوزية: "لا محذور في الجمع بين عقدين، كل منهما جائز بمفرده، كما لو باعه سلعة وأجَّره داره شهرًا بمائة درهم"[89].
د- وما جاء في "أسنى المطالب": "فصل: وإذا جمع في صفقة بين عقدين مختلفي الحكم، كبيع وإجارة، أو بيع وسَلَم، أو بيع ونكاح، صحَّ كل منهما؛ لصحته منفردًا، فلا يضرُّ الجمع، ولا أَثَرَ لاختلاف الحكم في ذلك... وتقييدُهم العقدَين باختلاف حكمهما لبيان محل الخلاف، فلو جمع بين متفقين، كشركة وقراض، كَأَنْ خلَط ألفين له بألف لغيره، وقال: شاركتك في أحدهما، وقارضتك على الآخر، فقبل، صحَّ جزمًا؛ لرجوعهما إلى الإذن في التصرُّف"[90].
المبدأ الرابع:
يعتبر التواطؤ المسبق بين المصرف والعميل على إبرام اتفاقية التورق المصرفي المنظم، بعقودها ووعودها الجائزة شرعًا - ملزمًا للطرفين؛ لأن المواطأة - في حقيقتها - اتِّفاق بين طرفين على إجراء عقود، وإنجاز وعود، فيما يستقبل من الزمان، وهذا الاتفاق يعتبر بمثابة الشرط المتقدم على العقد، في القوة الملزمة، والأحكام المترتبة؛ ولأن الشرط المتقدم كالمقارن في الصحة ووجوب الوفاء، على الأرجح من أقاويل الفقهاء، ما دام أن العقد قد اعتمد عليه وابتنى، واتفقت إرادة العاقدين على الالتزام به؛ اعتبارًا لجريان العرف التجاري والمصرفي على كون المواطأة المتقدمة على المنظومات العقدية المستحدثةِ واجبةَ المراعاة، وملزمة للطرفين؛ نظرًا لقيام المعاملة وابتنائها على نظام مترابط الأجزاء، صُمِّم ووُضع لأداء وظيفة محددة باجتماع ذلك المزيج من العقود والوعود في صفقة واحدة، حيث إن ذلك العرف غير مصادم لنص شرعي، وعلى ذلك فإنه يحكم شرعًا بلزوم مراعاته[91].
المبدأ الخامس:
وجوب التفرقة بين الحيل الباطلة المذمومة، التي تقوم على التوسل بالعقود والتصرفات المشروعة إلى مقصود محرَّم خبيث، وذلك بأن يظهر المرء تصرُّفًا أو عقدًا مباحًا يريد به محرمًا، مخادعةً وتوسلاً إلى فعل ما حرَّم الله واستباحة محظوراته، وبين المخارج الشرعية المحمودة، التي تقوم على التوسل بالعقود والتصرفات الجائزة إلى مقصود حَسَنٍ مشروع؛ بغية الخروج من الضيق والحرج والوقوع في المأثم، والوصول إلى فعل ما أحلَّ الله، وترك ما نهى عنه[92]، وقد نبَّه إلى ذلك الشاطبيُّ بقوله: "الحيل التي تقدم إبطالُها، وذمَّها النبي، منها ما هدم أصلاً شرعيًّا أو ناقَض مصلحةً شرعية، فإن فرضنا أن الحيلة لا تهدم أصلاً شرعيًّا، ولا تنقض مصلحة شهد الشرع باعتبارها، فغير داخلة في النهي، ولا هي باطلة"[93]، وقال محمد الطاهر بن عاشور: "التحيل - أي: المذموم شرعًا - ما كان المنع منه شرعيًّا، والمانع الشارع، أما السعي إلى عمل مأذون بصورة غير صورته، أو بإيجاد وسائله، فليس تحيلاً، ولكنه يسمى تدبيرًا، أو حرصًا، أو ورعًا"[94].

ومعيار التفرقة بين النوعين مبنيٌّ على النظر إلى مآلات الأفعال، والتعديل على مقاصد التصرفات وأغراض المكلفين منها، فما كان منها مشروعَ المآل، موافقًا لمقاصد الشارع في أحكامه، كان حلالاً طيبًا، وما كان منها محظورَ المآل، أو مناقضًا لمقاصد الشريعة، كان محظورًا خبيثًا، وفي ذلك يقول ابن القيم: "فالحيلة معتبرة بالأمر المحتال بها عليه، إطلاقًا ومنعًا، ومصلحةً ومفسدةً، وطاعةً ومعصيةً، فإن كان المقصود أمرًا حسنًا، كانت الحيلة إليه حسنة، وإن كان قبيحًا، كانت الحيلة إليه قبيحة"[95].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-07-2019, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي

التورق وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي


د. محمد الجندي





الحكم الشرعي للتورق المصرفي:
بناء على ما تقدم؛ فقد ظهر لي أن حكمَ التورق المصرفي المنظم، إذا وقعتْ سائر عقوده على الوجه الشرعي - المشروعيةُ، بشرط أن تباع السلعة التي يشتريها العميل المتورق لشخص ثالث لا علاقة للمصرف به، وألاَّ تؤول المعاملة بأيِّ وجه من الوجوه إلى رجوع السلعة إلى بائعها بثمن معجل أقلَّ مما باعها به نسيئة؛ وذلك نظرًا:
أ- لتوافر الأركان وشروط الصحة في جميع العقود والوعود المجتمعة في المعاملة؛ إذ الأصل الشرعي قياس المجموع على الآحاد في الحكم بجواز العقود والالتزامات المتعددة في صفقة واحدة، مع انتفاء الدليل الشرعي الحاظر.
ب- وكون هذه المنظومة التعاقدية المستحدثة ليست محلَّ نهيٍ في نصٍّ شرعي، وليست حيلةً ربوية، ولا ذريعةً إلى الربا أو الحرام، كما أنه ليس هناك تناقض أو تضادٌّ في الموجبات والأحكام بين عقودها ووعودها المتعددة.
ج- وأنها مخرج شرعيٌّ محمود؛ لحصول المحتاج إلى السيولة المالية على طلبته، بمنأى عن القرض الربوي وذرائعه والحيل إليه، وذلك عرض صحيح مشروع، يتضمن مصلحة معتبرةً، مأذونًا بها شرعًا.
د- وأن هذه المعاملة لا تؤول ولا تفضي إلى فعل محظور، أو مخالفة لمقصد من مقاصدِ الشارع الحكيم فيما أحلَّ وحرَّم.
هـ- وأنها لا تعدو أن تكون صيغةً مطورة محسنة لمسألة التورق، التي ذهب جماهير الفقهاء إلى جوازها، وقامت الأدلة والبراهين المعتبرة على مشروعيتها، لا تختلف عنها في المفهوم والقصد والآلية، فيَسْري عليها حكمها الشرعي بالحلِّ والجواز؛ لانتفاء الفارق المؤثر.
أما إذا كان الشخص الثالث - أي: مشتري السلعة من العميل المتورق - وكيلاً عن البائع (المصرف) في شرائها، أو مشتريًا لحسابه بمواطأةٍ لفظيَّةٍ، أو عرفية، أو نحو ذلك، فلا يجوز عندئذٍ هذه المعاملةُ[96]؛ لأنها تكون عِينة في الحقيقة، وإن كانت تورقًا صورةً، والأصل الشرعي - كما قال ابن القيم -: "أن الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها، دون ظواهر ألفاظها وأفعالها"[97].
وإن من المقرر فقهًا أن العينة ليست إلا حيلةً ربوية محظورة؛ لأن البيع الأول فيها إنما عُقد ليُفسخ وتعود السلعة لبائعها، والعقدُ - كما يقول ابن القيم -: "إذا قُصِدَ به فسْخُه، لم يكن مقصودًا، وإذا لم يكن مقصودًا، كان وجوده كعدمه، وكان توسطه عبثًا"[98]، بخلاف التورق، فإن البيع الأول فيه إنما عقد ليمضيَ وتنقطع علاقة البائع بالسلعة تمامًا، كما هو مقتضى عقد البيع وموجبه شرعًا، فافترقا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
نتائج البحث:
1- التورق مصطلح فقهي، جرى استعماله على ألسنة فقهاء الحنابلة دون غيرهم من أهل العلم، ومرادهم به: أن يشتري المرء سلعةً بالنسيئة، ثم يبيعها لغير بائعها نقدًا بأقلَّ مما اشتراها به؛ ليحصل بذلك على النقد، وهذا المفهوم الاصطلاحي مستمدٌّ من المعنى اللغوي للكلمة، وهو: سعي المرء بكلفة ومشقة للحصول على النقد؛ نظرًا لاشتقاقها من (الورق) الذي يعنى في أصل الوضع الدراهمَ الفضية، التي هي مقصود المتورق وغرضه، ثم تُوسِّع في مدلول الكلمة حتى شمِلت تحصيلَ مطلق النقود على ذلك النحو.
ويستعمل الشافعية مصطلحَ "الزرنقة" بدل التورق، أما بقية الفقهاء فقد عرَفوا مفهوم التورق، وتكلموا عنه في معرض كلامهم عن "العينة" أو "بيوع الآجال"، ولكن من غير إطلاقِ تسميةٍ خاصة عليه.
2- وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة في المذهب، إلى جواز التورق، وخالفهم في ذلك ابنُ تيمية، وذهب إلى كراهته وهي رواية عن أحمد، وحُكي عنه أنه اختار حرمته، وهي رواية ثالثة عن أحمد، وقد ارتضى ابن القيم مذهبَ شيخه ابن تيمية بحظر هذه المعاملة.
3- وظهر لنا بعد النظر والتأمُّل في أدلة الفريقين، ومناقشتها بإنصاف وتجرُّد: أن حجج جمهور الفقهاء المجيزين للتورق صحيحةٌ قوية، سالمة من الإيراد عليها، بخلاف أدلة المانعين، فإنها ضعيفة واهية، لا تصمد أمام النقد العلمي النزيه عن التقليد والتعصب، ولا يصح الركون إليها، أو الاعتماد عليها.
4- أما عن التطبيقات المعاصرة للتورق، فقد بينَّا توجُّه كثير من المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة إلى التعامل بالتورق المصرفي المنظم، كبديل عملي منسق مبرمج للتورق الفردي، الذي يكلف المتورق عادةً خسائرَ ماليةً فادحة، وكثيرًا من المشقة والعناء من جهة أخرى، وأنه يقوم على قاعدة التورق الشرعي وآليته، غير أنه يجري وفق منظومة تعاقدية مستحدثة أفضل، تكفل حصول العميل على السيولة النقدية المطلوبة في الوقت المرغوب، من غير تعرض للصعوبات والخسائر البالغة التي تكتنف عمليةَ التورق الفردي عادة، وذلك عن طريق شراءِ المصرف للعميل سلعة أو أكثر من سوق السلع الدولية - التي تتسم أسعارها بالثبات النسبي؛ لتقيه مخاطر التقلبات الحادة في أسعار غيرها - ثم بيعِها نقدًا للطرف الثالث بالنيابة عن العميل بعد ثبوت ملكيتها له؛ بغيةَ توفير النقد المطلوب له.
5- وقد تبين لنا بعد المناقشة المستفيضة للتورق المصرفي المنظم أن حكمه الشرعي - إذا وقعت سائر عقوده ووعوده على الوجه الشرعي - هو الجواز والمشروعية، بشرط أن تباع السلعةُ أو السلع التي يشتريها العميل لشخص ثالث، لا علاقة للمصرف به، وألاَّ تؤول المعاملة بأي وجه من الوجوه إلى رجوع السلعة إلى بائعها بثمن معجل أقل مما باعها به نسيئة.
مراجع البحث
♦ الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية، البعلي، مط/ السنة المحمدية بمصر سنة 1369هـ.
♦ الإرشاد إلى معرفة الأحكام، لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، ط/ مكتبة المعارف، الرياض، سنة 1400هـ.
♦ أساس البلاغة، للزمخشري، ط/ دار المعرفة، بيروت، سنة 1982م.
♦ أسنى المطالب على روض المطالب، لزكريا الأنصاري، وحاشية الرملي عليه، مط/ الميمنية، مصر، سنة 1313هـ.
♦ إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، مط/ السعادة، مصر، سنة 1374هـ.
♦ إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لابن قيم الجوزية، مط/ السنة المحمدية، مصر، سنة 1358هـ.
♦ الأم، للإمام الشافعي، مط/ الأميرية، بولاق، مصر، سنة 1324هـ.
♦ أمناء الشريعة ورسائل أخرى، للشوكاني، ط/ دار النهضة العربية، مصر سنة 1976م.
♦ الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي، ط/ وزارة الشؤون الإسلامية، الرياض، سنة 1419هـ.
♦ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني، مط/ الجمالية، مصر، سنة 1327هـ.

♦ بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ط/ مكتبة لينة، دمنهور، مصر، سنة 1416هـ.
♦ البيان شرح المهذب، للعمراني، ط/ دار المنهاج، بيروت، سنة 1421هـ.
♦ تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي، مط/ الأميرية، بولاق، مصر، سنة 1313هـ.
♦ تحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي، وحاشية الشرواني عليه، مط/ الميمنية، مصر، سنة 1315هـ.
♦ تهذيب مختصر سنن أبي داود، لابن قيم الجوزية، مط/ السنة المحمدية، مصر، سنة 1369هـ.
♦ حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي على المنهاج، مط/ دار إحياء الكتب العربية، مصر، سنة 1394هـ.
♦ رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين، مط/ الأميرية، بولاق، مصر سنة 1272هـ.
♦ الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، للأزهري، ط/ وزارة الأوقاف، الكويت، سنة 1399هـ.
♦ السنن الكبرى للبيهقي، ط/ حيدر آباد، الدكن، الهند، سنة 1344هـ.
♦ سنن النسائي (المجتبي)، مط/ المصرية، القاهرة، سنة 1348هـ.
♦ شرح الزرقاني على مختصر خليل، مط/ محمد مصطفى، مصر، سنة 1307هـ.
♦ الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوي عليه، ط/ الإمارات، مصر، سنة 1319هـ.
♦ شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، ط/ مصر، (د.ت).
♦ صحيح مسلم بن الحجاج القشيري، ط/ دار إحياء الكتب العربية، مصر، سنة 1374هـ.
♦ طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي، مط/ عيسى البابي الحلبي، مصر، سنة 1964هـ.
♦ عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي، لابن العربي، مط/ الصاوي، مصر، سنة 1353هـ.
♦ الفروع لابن مفلح المقدسي، ط/ مؤسسة الرسالة، بيروت، ودار المؤيد، الرياض، سنة 1424هـ.

♦ الفروق، للقرافي، مط/ دار إحياء الكتب العربية، مصر، سنة 1344هـ.
♦ فيض القدير على الجامع الصغير، للمناوي، مط/ مصطفى محمد، مصر، سنة 1356هـ.
♦ القاموس المحيط، للفيروز آبادي، ط/ مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1496هـ.
♦ قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، للدكتور نزيه حماد، ط/ دار القلم، دمشق، سنة 1412هـ.
♦ القواعد النورانية الفقهية، لابن تيمية، مط/ السنة المحمدية، مصر، سنة 1370هـ.
♦ القوانين الفقهية، لابن جزي الغرناطي، ط/ الدار العربية للكتاب، تونس، سنة 1982م.
♦ كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي، مط/ الحكومة، مكة المكرمة، سنة 1349هـ.
♦ المبدع على المتن، لبرهان الدين ابن مفلح، ط/ المكتب الإسلامي، دمشق، سنة 1400هـ.
♦ المبسوط، للسرخسي، مط/ السعادة، مصر، سنة 1324هـ.
♦ مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد، للقاري، ط/ تهامة، جدة، سنة 1400هـ.
♦ المجموع شرح المهذب، للنووي، مط/ التضامن الأخوي، مصر، سنة 1348هـ.
♦ مجموع فتاوى ابن تيمية، ط/ السعودية، الرياض، سنة 1398هـ.
♦ المحلى، لابن حزم الأندلسي، مط/ المنيرة، مصر، سنة 1350هـ.
♦ مختصر الفتاوى المصرية، لابن تيمية، للبعلي، مط/ السنة المحمدية، مصر، سنة 1386هـ.
♦ مختصر سنن أبي داود، للمنذري، مط/ السنة المحمدية، مصر، سنة 1369 هـ.
♦ المدخل الفقهي العام، لمصطفى الزرقا، مط/ الجامعة السورية، دمشق، سنة 1952م.
♦ مسند الإمام أحمد بن حنبل، مط/ الميمنية، مصر، سنة 1313هـ.
♦ المصباح المنير، للفيومي، مط/ الأميرية، بولاق، مصر، سنة 1324هـ.
♦ مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، للرحيباني، ط/ المكتب الإسلامي، دمشق، سنة 1381هـ.
♦ معالم السنن، للخطابي، مط/ السنة المحمدية، مصر، سنة 1948م.
♦ معونة أولي النهى في شرح المنتهى، لابن النجار الفتوحي، ط/ دار خضر، بيروت، سنة 1416هـ.
♦ المغرب في ترتيب المعرب، للمطرزي، ط/ حلب، سنة 1402هـ.
♦ مغنى المحتاج على المنهاج، للخطيب الشربيني، مط/ مصطفى البابي الحلبي، مصر، سنة 1377هـ.
المغني، لابن قدامة المقدسي، ط/ هجر، مصر، سنة 1410هـ.
مقاصد الشريعة الإسلامية، لمحمد الطاهر بن عاشور، ط/ الشركة التونسية للتوزيع، سنة 1978م.
المقدمات الممهدات، لابن رشد الجد، ط/ دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة 1408هـ.
الموافقات في أصول الشريعة، للشاطبي، ط/ المكتبة التجارية الكبرى، مصر، (د.ت).
مواهب الجليل على مختصر خليل، للحطاب، مط/ السعادة، مصر، سنة 1329هـ.
الموطأ، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، مط/ دار إحياء الكتب العربية، مصر، سنة 1370هـ.
♦ النظائر في الفقه المالكي، لأبي عمران الفارسي، ط/ دار البشائر الإسلامية، بيروت، سنة 1421هـ.
♦ النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مط/ مصطفى البابي الحلبي، مصر، سنة 1357هـ.
♦ نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للشوكاني، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403هـ.

أعمال المؤتمرات:
أ- الدورة الخامسة عشرة لمجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، حكم التورق في الفقه الإسلامي، تطبيقات التورق واستخدامه في العمل المصرفي الإسلامي، علي محيي الدين القرة داغي.
ب- مؤتمر دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، جامعة الشارقة، كلية الشريعة، خلال 26 - 28/ 2/ 1423هـ.
- بحث في التأصيل الفقهي للتورق في ضوء الاحتياجات التمويلية المعاصرة، عبدالله بن سليمان المنيع.
ج- البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة:
- التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، عبدالله بن محمد السعيدى.
- التورق كما تجريه المصارف، دراسة فقهية اقتصادية، محمد علي القري.
[1] الزبيدي، "تاج العروس" (23/6601)، الرازي، "مختار الصحاح" (ص: 299).

[2] "تفسير ابن كثير" (3/ 77).

[3] "الإنصاف" (11/19)، "المبدع" (4/ 49)، "كشاف القناع" (3/ 175)، "شرح منتهى الإرادات" (2/58).

[4] "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي"، لمحمد بن أحمد الأزهري الهروي (ص: 216).

[5] "الفائق في غريب الحديث"، للزمخشري (2/108).

[6] "النهاية في غريب الحديث"، لابن الأثير (2/273).

[7] "المغني" (4/127، 128)، "بداية المجتهد" (2/110).

[8] "بداية المجتهد" (2/110).

[9] "المبسوط" (11/211).

[10] "إعلام الموقعين" (3/ 128).

[11] "حاشية ابن القيم" (9/249).

[12] "روضة الطالبين" (3/416).

[13] "المجموع شرح المهذب" (9/261).

[14] "الفائق في غريب الحديث" (2/ 108).

[15] "الفائق في غريب الحديث" (2/ 204).

[16] "الزاهر"، للأزهري (1/216).

[17] في قوله - رحمه الله -: التورق آخية الربا.

[18] "النهاية"، لابن الأثير (2/301)، "المغرب" للمطرزي (1/364).

[19]"تهذيب مختصر سنن أبي داود"، لابن القيم (5/ 108)، "بيان الدليل"، لابن تيمية (ص: 119).

[20] "الزاهر"، للأزهري (ص: 216).

[21] "مجموع فتاوى ابن تيمية" (29/302، 442، 446)، "مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 327).

[22] "مجموع فتاوى ابن تيمية" (29/302، 442، 446)، "القواعد النورانية الفقهية" (ص: 121)، "التهذيب"، لابن القيم (5/108)، "الإنصاف" (11/195)، "المبدع" (4/49)، "معونة أولي النهى" (4/67).

[23] "الاختيارات الفقهية" (ص: 129)، "الفروع" (6/316)، "المبدع" (4/49)، "الإنصاف" (11/ 195).

[24] "إعلام الموقعين" (3/ 182، 212)، "التهذيب" لابن القيم (5/108)، وانظر "مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 327)، مجموع فتاوى ابن تيمية (29/303، 434).

[25] "إعلام الموقعين" (3/182)، "التهذيب" لابن القيم (5/108).

[26] كما قال ابن تيمية، "مجموع الفتاوى" (29/434)، "مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 327).

[27] "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (4/55).

[28] "رد المحتار" (4/114).

[29] "شرح العناية"، للبابرتي (6/69).

[30] "بدائع الصنائع" (5/199).

[31] "القوانين الفقهية"، لابن جزي (ص: 277).

[32] "النظائر في الفقه" (28/29).

[33] "الشرح الصغير" (3/117).

[34] "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (3/118).

[35]"المقدمات الممهدات" (2/39).

[36] وكذلك جواز العينة، حيث قال النووي في "الروضة" (3/416): "ليس من المناهي بيع العينة، وهو أن يبيع غيره شيئًا بثمن مؤجل ويسلمه إليه، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك نقدًا، وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدًا، ويشتريه بأكثر منه إلى أجل، سواء قبض الثمن الأول أم لا، وسواء صارت العينة عادة له غالبة في البلد أم لا، هذا هو الصحيح المعروف في كتب الأصحاب"، وقد حكى ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/200)، والطحاوي في "اختلاف العلماء" (3/114)، وغيرهم عن الإمام الشافعي إباحة العينة.

[37] "الزاهر" (ص: 216).

[38] "طبقات الشافعية الكبرى" (3/64).

[39] "الأم" (3/69)، ومبنى قول الشافعي هو ما قرَّره في موطن آخر من كتابه "الأم" (3/65)، ونصُّه: "قال الشافعي: أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحًا في الظاهر، لم أبطله بتهمة، ولا بعادة بين المتبايعين، وأجزته بصحة الظاهر، وأكره لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد البيع"، ويلاحظ أن هذه الكراهة إذا كانت تتناول مسألة العينة عنده، فإنها لا تشمل التورق؛ نظرًا لصحة ومشروعية قصد المشتري فيه.

[40] "معونة أولى النهى" (4/67)، "المبدع" (4/49)، "مطالب أولي النهى" (1/61)، "الفروع" (6/316)، "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (2/158)، "كشاف القناع" (3/175).

[41] "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (11/195).

[42] الحديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري في: باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، من كتاب البيوع، وباب الوكالة في الصرف والميزان من كتاب الوكالة؛ "صحيح البخاري" 3/102، 129، ومسلم في: باب بيع الطعام مثلاً بمثل، من كتاب المساقاة؛ "صحيح مسلم" 2/1215، كما أخرجه النسائي في: باب بيع التمر بالتمر متفاضلاً، من كتاب البيوع؛ "المجتبي" 7/238، والإمام مالك في: باب ما يكره من بيع التمر، من كتاب البيوع؛ "الموطأ" 2/623، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/283): "وظاهر الحديث أنه أمر بعقدين مستقلين لا يرتبط أحدهما بالآخر".

[43] "مجموع فتاوى ابن تيمية" (92/994)، "المغني" لابن قدامة (6/432)، "الزرقاني على خليل" (5/176).

[44] "الموافقات" (4/42).

[45] رسائل الشوكاني المطبوعة باسم "أمناء الشريعة" (ص: 822)، وانظر: "نيل الأوطار" (5/152) وما بعدها.

[46] "بدائع الصنائع" (6/187).

[47] (4/237).

[48] (4/388).

[49] (3/186).

[50] وقد نص القرار على ما يلي: إن بيع التورق هذا جائزٌ شرعًا، وبه قال جمهور العلماء؛ لأن الأصل في البيوع الإباحة؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾، ولم يظهر في هذا البيع ربا، لا قصدًا ولا صورة؛ ولأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لقضاء دين، أو الزواج، أو غيرهما.

[51] جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (فتوى رقم 19297): "مسألة التورق: هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع بثمنها، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور الفقهاء، وبالله التوفيق".

[52] "إعلام الموقعين" (3/22).

[53] "تهذيب سنن أبي داود" (5/108).

[54] "فيض القدير" (6/332).

[55] "معالم السنن" (5/47).

[56] "مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 326).

[57] "مجموع فتاوى ابن تيمية" (29/300).

[58] "إعلام الموقعين" (3/ 194).

[59] "إعلام الموقعين" (3/ 195).

[60] "لسان العرب" (3/916).

[61] أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه، ابن القاسم قال: حدثني مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر))؛ "السنن الكبرى" (4/ 383).

[62] "الشرح الكبير" (4/ 68).

[63] "مواهب الجليل" (6/ 68).

[64] "صور العينة في المصارف الإسلامية، وحكمها في الشريعة الإسلامية"، فيصل عباس الرشيدي، رسالة ماجستير، كلية دار العلوم - جامعة المنيا، 1427 هـ/ 2006م، (ص: 207) وما بعدها.

[65] محمد علي القري، "التورق كما تجريه المصارف الإسلامية (دراسة فقهية اقتصادية)"، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة (ص: 30)، السنة السابعة عشرة، العدد السابع والستون.

[66] "بداية المجتهد" (1/ 897).

[67] عند الحنفية، المرجع السابق، نفس الصفحة.

[68] "التورق كما تجريه المصارف الإسلامية"، د. محمد العلي القري، مرجع سابق (ص: 36).

[69] "الفتح الرباني" (ص: 311)، و"الإنصاف" للمرداوي (4/ 466).

[70] "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (ص: 569).

[71] "الكافي في فقه الإمام أحمد" (2/ 2).

[72] "عدة البروق" (ص: 420).

[73] "الفتاوى"، لابن تيمية (29/221).

[74] قال في "مختار الصحاح": سبك الفضة أذابها، والفضة سبيكة، وجمعها سبائك.

[75] "الإنصاف"، للمرداوي (4/45).

[76] "التورق كما تجريه المصارف الإسلامية"، د. محمد العلي القري، مرجع سابق (ص: 37).

[77] القرار الثاني بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة 19 - 23/10/1424هـ الموافق 13 - 17/ 12/ 2003م - قد نظر في موضوع "التورق كما تجربه بعض المصارف في الوقت الحاضر"، وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصارف بعمل نمطي، يتم فيه ترتيب بيع سلعة - ليست من الذهب أو الفضة - من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف - إما بشرط في العقد، وإما بحكم العرف والعادة - بأن ينوب عنه في بيعها لمشترٍ آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.
وبعد النظر والدراسة قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد؛ للأمور الآتية:
1- أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشترٍ آخر، أو ترتيب من يشتريها - يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعًا، سواء أكان الالتزام مشروطًا صراحة، أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2- أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3- أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه، وهي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل، وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، الذي سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه، بمعاملات حقيقية وشروط محددة بيَّنها قراره؛ وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصَّلَت القول فيها البحوث المقدمة، فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل، تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضًا حقيقيًّا، وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف، الذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدَّم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانيًا: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرَّمة؛ امتثالاً لأمر الله - تعالى - كما أن المجلس إذْ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة، دون اللجوء إلى معاملات صورية، تؤول إلى كونها تمويلاً محضًا بزيادة ترجع إلى الممول، والله الموفق.

[78] القرار الخامس: بشأن حكم بيع التورق: إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419هـ/ 31/ 10/ 1998م - قد نظر في موضوع حكم بيع التورق، وبعد المناقشة والتداول، والرجوع إلى الأدلة والقواعد الشرعية وكلام العلماء في هذه المسألة، قرر المجلس ما يأتي:
أولاً: أن بيع التورق هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد (الورق).
ثانيًا: أن بيع التورق هذا جائز شرعًا، وبه قال جمهور العلماء؛ لأن الأصل في البيوع الإباحة؛ لقول الله - تعالى-: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾، ولم يظهر في هذا البيع ربا، لا قصدًا ولا صورة؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لقضاء دَين، أو زواج، أو غيرهما.
ثالثًا: جواز هذا البيع مشروطٌ بألاَّ يبيع المشتري السلعةَ بأقل مما اشتراها به لبائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإنْ فعلَ، فقد وقع في بيع العينة المحرَّم شرعًا؛ لاشتماله على حيلة الربا، فصار عقدًا محرمًا.
رابعًا: أن المجلس - وهو يقرُّ ذلك - يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله - سبحانه - لعباده من القرْض الحسن من طيب أموالهم، طيبة به نفوسهم؛ ابتغاء مرضاة الله، لا يتبعه منٌّ ولا أذى، وهو من أجلِّ أنواع الإنفاق في سبيل الله - تعالى - لما فيه من التعاون والتعاطف والتراحم بين المسلمين، وتفريجِ كرباتهم، وسدِّ حاجاتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون والوقوع في المعاملات المحرمة، وإن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن والحثِّ عليه كثيرةٌ لا تخفى، كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء، وحسن القضاء، وعدم المماطلة.

[79] "المدخل الفقهي العام"، للزرقا (1/571).

[80] "التورق في الفقه الإسلامي"، د. نزيه حماد، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 74، السنة 19 (ص: 48)، المملكة العربية السعودية.

[81] "المسألة الماردينية"، لابن تيمية (ص: 63).

[82] انظر: بحث "اجتماع العقود المتعددة في صفقة واحدة" ضمن كتاب: "قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد"، للدكتور نزية حماد، ص 249 - 274.

[83] حيث روى أبو داود الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد الشافعي ومالك: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نهى عن بيع وسلف"؛ قال الترمذي: حديث حسن صحيح ("مختصر سنن أبي داود"، للمنذري 5/144، "عارضة الأحوذي" 5/241، "الموطأ" 2/657، "مسند أحمد" 2/178، "مرقاة المفاتيح" 2/323، "نيل الأوطار" 5/179).

[84] حيث روى أبو داود والترمذي والنسائي ومالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نهى عن بيعتين في بيعة"؛ ("مختصر سنن أبي داود" 5/98، "الموطأ" 2/663، "عارضة الأحوذي" 5/239، "سنن النسائي" 7/295، "القبس" 2/842، "نيل الأوطار" 5/152).

[85] حيث روى أحمد والبزار والطبراني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نهى عن صفقتين في صفقة"؛ ("مسند أحمد" 1/198، "نيل الأوطار" 5/152، "فتح القدير" 6/81، "مجمع الزوائد" 4/84).

[86] قال الشهاب الرملي: "حيث يؤدي ذلك إلى تناقض الأحكام؛ لأن الثمن لا يلزم تسليمه عند عقد الجعالة إلا بفراغ العمل، ومن جهة الصرف والسلم يجب تسليمه في المجلس، وتنافي اللوازم يقتضي تنافي الملزومات"؛ "حاشية الرملي على أسني المطالب" (2/45)، وأساس هذا الضابط كما قال القرافي في "الفروق" (3/143): "إن العقود أسباب؛ لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها بطريق المناسبة، والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين، فكل عقدين بينهما تضاد لا يجمعهما عقدٌ واحد".

[87] "بدائع الصنائع" (6/58).

[88] "المبدع"، لبرهان الدين ابن مفلح الحنبلي (5/43)، وانظر "المغني" (7/137).

[89]"إعلام الموقعين" (3/354).

[90] "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري الشافعي (2/45)، "مغنى المحتاج" (2/41، 42)، "روضة الطالبين" (3/429)، "حاشيتا قليوبي وعميرة" (5/188).

[91] انظر: "قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد"، د/ نزيه حماد (ص: 270) وما بعده، "الموافقات" (2/286)، "المعيار"، للونشريسي (6/63)، "مجموع فتاوى ابن تيمية" (29/17)، "المجلة العدلية"، م 37،36.

[92] "المغني"، لابن قدامة (6/116)، "إغاثة اللهفان" (1/339، 2/86)، "إعلام الموقعين" (3/252).

[93] "الموافقات" (2/387).

[94] "مقاصد الشريعة الإسلامية"، لابن عاشور (ص:110).

[95] "إغاثة اللهفان" (1/385).


[96] "المغني" (6/263)، "الفروع" (6/315)، عقد الجواهر الثمينة (2/450).

[97] "إعلام الموقعين" (3/107).


[98] "إعلام الموقعين" (3/240).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 170.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 167.15 كيلو بايت... تم توفير 3.28 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]