الغزل المباح..في سلة النفايات

[فاديا]

كم نحن مقصرون في التشكرات والاحترام لهذه الاداة التي نهملها ( بل ونخجل من وجودها )
رغم انها اكثر الادوات عملا في جوانب حياتنا ، فهي صمام الامان من الخلل الذي قد يطيح بنا من كثرة الموجودات التي استهلكناها ونصر ( بكسل آدمي ) على استبقائها ..

لولا سلة المهملات لكنا نسبح الآن في فوضى لا نهاية لها، لا نميز فيها من ابن من ؟ ولا مع من هربت الشغالة ؟.-.كما قالت ذات يوم جدتي- !

انها تخلصنا من كراكيبنا وتجعلنا نشعر بنوع من النضارة والحيوية والخفة والرغبة في عمل المزيد والجميل .

ولو اننا اعطينا سلة النفايات حقها لطليناها بأثمن ما يمكن ووضعناها في صدارة البيت تقديرا لها على الترتيب الذي تخلقه لنا ولمواقع اقدامنا في المنزل دون ان نتعثر ونصاب بالكدمات الزرقاء والحمراء ، او الكسور الطارئة .

كما انها تخلصنا من القوى الجاذبة للحشرات والمخلوقات غير المستحبة الزاحفة والطائرة، التي تشدها بقايا الطعام والشراب وبقايا الحلويات وبقايا الأشياء ، وتضمن لنا الوقاية من شرها

فها انا اضع كل اوراقي التي اتخيل انها تعيث بمكتبي فوضى في سلة المهملات العتيدة ، ويحدث أحيانا ان افقد بعض اوراق الملاحظات المدونة المهمة في العمل ولكني اعرف في النهاية اين اجدها ! اكيد ....(وضعتها عفوا في سلة المهملات )، وهذا يوفر علي رحلات البحث هنا وهناك ،
وهكذا اجد التعامل اليومي ( من والى ) مستمرا بيني وبينها طوال وقت العمل ...

العتب الوحيد على سلة المهملات كان عندما مرضت ذات مرة واضطررت الى استعمال انواع كثيرة من الادوية التي سببت لي الضيق بسبب اعراضها الجانبية ، فحملت كيس الادوية بعدما نفد صبري والقيت به -بلا أسف- في الحاوية الكبرى للمهملات في آخر الشارع حتى لا اضطر الى استخدامها مهما حصل ، وحدث انني القيت فيما القيت جواز سفري مع مجموعة الادوية والذي لولا الفوضى العارمة ما تصادف وجوده في خزانة الادوية .

وبعد البحث المضني ، خطرت ببالي – متأخرة - سلة المهملات ، فعادة ما اجد الاشياء المهمة التي لا اتمكن من العثور عليها هناك !
فكرة الحل الوحيد تبدو هذيانا ....كيف اتصور الآن العراك مع قطط الحاوية لاستخلاص جواز السفر منها ، ولا جدوى من شرح مشكلتي للقطط على اية حال... كما من الصعب التسلل والبحث في الحاوية في هذه الساعة المتأخرة - هل جننت ؟ هذا ما سيقوله من يراني واولهم القطط نفسها !

أعدت البحث في اجزاء البيت ثانية ، وفيما لا يقبل الجدل ، احتمال وجوده في الحاوية 95%
الطريقة المنطقية الوحيدة للحل ، هي انتظار السيارة الناقلة في الصباح وتكليفهم بالبحث قبل نقل موجودات الحاوية الى المحرقة الكبرى .

غريب ان ما يكون ما يشغلنا ويستولي على تفكيرنا امر معين ، ثم بلحظة واحدة – وبحادث قدري – نجد كل تفكيرنا انتقل فجأة الى التفحص والترقب في ايجاد حل لمشكلة طارئة لم نتخيل يوما ان نفكر بها بكل هذا التركيز!
وهكذا قضيت الليل افكر بطريقة تشغلني عن النوم حتى لا تفوتني السيارة الناقلة التي تحضر مبكرا جدا.


نجحت محاولة انقاذ جثة جواز السفر خاصتي من الحرق صبيحة اليوم التالي بانتشاله من بين اكوام الأكياس والاواني الفارغة والمكسورة ، كلها اشياء ميتة لا داعي لها - حمدت الله انني لا ازال على قيد الحياة ! وشعرت حقا ان لوجودي الحي على كوكب الأرض – معنى هام -









***





في بيوتنا، يميل البعض الى الاحتفاظ وتخزين امور ليس لها اهمية على امل ان يأتي يومها الذي نادرا ما يأتي ، وغالبا ما لا يأتي....



اكثر ما يكون هذا واضحا في مستلزمات المطبخ ، حيث في مناسبات معينة ، ( فرح ..وفاة )
تخرج هذه الفضيات من توابيتها لإعادة تلميعها للقيام بدورها على اكمل وجه ثم تعود لبياتها الأبدي في قبورها الى اشعار آخر .. عزاء آخر ، اذ من الصعب ان يقوم احد افراد الاسرة بتناول طعامه في صحن عمره اكثر من ثلاثين سنة

يقال ان هذا يدل على صراع قديم مع الفقر والحاجة وويلات الحروب، انتقلت عدوى الخوف على شكل جينات وراثية من رؤوس الابوين الى الأبناء ..
ويقول علماء النفس ان هذا نوع من الفراغ العاطفي والروحي نميل فيه الى شغل كل حيز من حولنا ما دام داخلنا فارغا ...
وآخرون يصفونه بنوع من البخل وعدم قبول التنازل عن المقتنيات بلغت ما بلغت من القدم...

ولربما هو خلل عميق في الايمان ...
نحن لا نثق ابدا ان علينا التخلص بأقرب وقت مما لا نستعمله ، او على الاقل مما زاد عدده بشكل لا داعي له
لأننا نخاف ان نشعر بالندم ان جاء يوم واحتجناه فيه ،
ولا نؤمن ونقتنع ان علينا الاحتفاظ بقدر طاقتنا ونتصدق بالبقية ونتوكل على الله الكفيل بإيجاد مخرج لنا وتعويضنا اذا ( دارت الأيام ) وأصبحنا بحاجة الى ما استغنينا عنه قبل مدة ...


تحرر من القيود التي تربطك بأشياء لا داعي لها ، تصدق بها ، فهذا يترك لديك شعور حسن
او تخلص منها ان كانت بلا فائدة، حتى تتمكن من ان تركز تفكيرك بما تحتاج اليه !



عقلنا ايضا ... كركيب ذاكرتنا ... بحاجة الى توضيب !


لا تتردد في تقليم شجرة ذاكرتك بشكل دوري
تخلص من الافكار التي تتعبك ولن يجديك التفكير بها خيرا- والقي بها في الدرج المهمل من ذاكرتك
وتوقف عن الثرثرة الذهنية بلا طائل ، حول امور اتعبك التفكير بها، فأنت لن تجبر الأشياء على الحدوث
نقي ذهنك من الشوائب والاعشاب المتطفلة
افكارك الجميلة التي لم تستطع تنفيذها أهدها وتصدق بها الى من يتوفر لديه الامكانيات لتحويلها الى صورة حية
والق ما لا تحتاج اليه من افكار ومجادلات في سلة المهملات ليتسنى لك التفكير فيما تستطيعه وما هو متوفر لديك

ذاكرتك لا تحتاج الى نصب تذكارية تلمعها وتتحسر عليها كل يوم
ذاكرتك بحاجة الى ( سلة مهملات ) لتلقي بها كل ما مضى ويعيق حركتك دون أسف ولا ندم .

وان حصل وفقدت اشياء مهمة خلال عملية تنظيف ذهنك من امور عالقة ، ... فلا مانع من زيارة سلة مهملات الذاكرة لتبحث عما فقدته، فقط ..اياك ان تقضي وقتا طويلا هناك....حتى لا تطارد اشباحا من ماض مات ولن يعود .

[قطرات الندى]

كما عودتينا دائما
صاحبة القلم المبدع
رائعة جدا فى كل مشاركة
بارك الله فيك...

[فاديا]

شكرا لردك ومتابعتك اختي الكريمة قطرات الندى

[حمامة الاقصى]

جميل جدا

يسلموا

[ورد جوري]

جميل جدا,,
دعوة طيبة للتجديد والتنقية

بوركتِ وبورك قلمك اديبتنا الفاضلة
في حفظ الله ورعايته

[ام الشفاء]

كل الكلمات تقف عاجزه عن وصف قلمك المتميز ،
فاديا مشرفه المواضيع المتميزه تستحقي مثل هذا اللقب
مش قادره احكيلك هذا الموضوع اروع موضوع كتبتيه لاني كل مره لما انتهي من قراءه موضوع بقلمك اقول بيني وبين نفسي هذا اروع موضوع للاديبه فاديا...هنيئا لك

[فاديا]

احسن الله اليكم اخواتي الفاضلات واشكركم على المشاركة والمرور