فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خطة إيمانية شاملة أعمال اليوم والليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          قصة زواج موفق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          القوامة وأثرها في استقرار الأسرة والمجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ماذا أفعل مع طفلي العنيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          لأن عقلك يستوعب أكثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أذكياء ولكن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لحياة زوجية هادئة تعلمي فن الحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أخطاء في تربية الأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وسائل التوفيق بين الزوجة والوالدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-09-2023, 07:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي

فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (1)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فمن أفضل تفاسير العلماء المتأخرين: تفسير العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، رحمه الله، الموسوم بــ: "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان "، وقد أثنى عليه العلماء؛ قال العلَّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من أحسن التفاسير؛ حيث كان له ميزات كثيرة منها: سهولة العبارة ووضوحها...تجنب الحشو والتطويل...تجنب ذكر الخلاف...السير على منهج السلف في آيات الصفات...دقة الاستنباط...ومنها أنه كتاب تفسير وتربية على الأخلاق الفاضلة، وقال: أفضل التفاسير...كتاب جيد وسهل ومأمون، وقال: أشير على كل مريد لاقتناء كتب التفسير ألَّا تخلو مكتبته من هذا التفسير القيم، وقال: أنصح بالقراءة فيه، وقال: تفسير الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله جيد وخصوصًا في استنباط الفوائد من الآيات.


وتفسير الشيخ رحمه الله يوجد به الكثير من الفوائد، وقد يسَّر الله الكريم فانتقيت بعضًا منها، ورتبتها على الموضوعات، والتزمتُ أن تكون فوائد مختصرة، فلا تزيد أي فائد عن ثلاثة أسطر، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.


وهذا الجزء الأول من الفوائد عن: محبة الله عز وجل، التوكُّل على الله والاعتماد عليه، معية الله جل وعلا لعبده، الإحسان، الإيمان.


محبة الله عز وجل:
﴿ الْوَدُودُ [البروج: 14] الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء، فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواصِّ خلقه التابعة لذلك لا يشبهها شيء من أنواع المحابِّ.


محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعًا لها كانت عذابًا على أهلها.


محبة الله للعبد، هي أجل نعمة أنعم بها عليه، وأفضل فضيلة، تفضل الله بها عليه، وإذا أحب الله عبدًا يسَّر له الأسباب، وهوَّن عليه كل عسير، ووفَّقه لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه، بالمحبة والوداد.


من لوازم محبة العبد لربه، أنه لا بد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا، في أقواله وأعماله، وجميع أحواله؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31].


من لوازم محبة الله للعبد أن يكثر العبد من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل.


من لوازم محبة الله معرفته تعالى، والإكثار من ذكره، فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدًّا؛ بل غير موجودة وإن وجدت دعواها، ومن أحب الله أكثر من ذكره.


إذا أحبَّ الله عبده قبل منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل.


لا شيء ألذ للقلوب ولا أحلى من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له يكون ذكرها له.


كل فعل مدح الله فاعله، دلَّ ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه.


علامة المحبة ما ذكره الله؛ أن يجتهد العبد في كل محل يقربه إلى الله، وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله، والنصح فيها، وإيقاعها في أكمل الوجوه المقدور عليها، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب.


التوكُّل على الله والاعتماد عليه:
النفس أمَّارة بالسوء؛ ولكن مَنْ توكَّل على الله كَفاهُ ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه.


﴿ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2]؛ أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم، ودفع مضارِّهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن الله تعالى سيفعل ذلك.


لا خاب من توكَّل عليه، وأمَّا من توكَّل على غيره فإنه مخذول، غير مدرك لما أمل.


بالتوكل يحصل كل مطلوب، ويندفع كل مرهوب.


* العبد ينبغي له ألَّا يتَّكِل على نفسه طرفة عين؛ بل لا يزال مستعينًا بربِّه، متوكلًا عليه، سائلًا له التوفيق، وإذا حصل له شيء من التوفيق، فلينسبه لموليه ومُسديه، ولا يعجب بنفسه؛ لقوله: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 88].


يدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شرَّ الشيطان، ولا يبقى له عليهم سبيل.


ما فات أحدًا شيءٌ من الخير إلا لعدم صبره، وبذل جهده فيما أريد منه، أو لعدم توكُّله واعتماده على الله.


أعظم مساعد للعبد على القيام بما أمر به، الاعتماد على ربه، والاستعانة بمولاه، على توفيقه للقيام بالمأمور؛ فلذلك أمر الله تعالى بالتوكُّل عليه، فقال: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [الشعراء: 217].


كل عمل لا يصحبه التوكُّل فغير تام، وهو أي: التوكل: الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد، ودفع ما يكرهه مع الثقة به تعالى.


معية الله جل وعلا لعبده:
من كان الله معه فهو المنصور، وإن كان ضعيفًا قليلًا عدده.


من كان الله مولاه وناصره، فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه، فلا عزَّ له، ولا قائمة تقوم له.


الله مع المتقين المحسنين بعونه، وتوفيقه، وتسديده، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي، وأحسنوا في عبادة الله بأن عبدوا الله كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه.


الإحسان:
الإحسان في كل عبادة: بذل الجهد فيها، وأداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.


كلما كان العبد أكثر إحسانًا، كان أقرب إلى رحمة ربه، وكان ربه قريبًا منه برحمته، وفي هذا من الحث على الإحسان ما لا يخفى.


﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا [النحل: 30] في عبادة الله تعالى، وأحسنوا إلى عباد الله، فلهم ﴿ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [النحل: 30] رزق واسع، وعيشة هنية، وطمأنينة قلب، وأمن، وسرور.


استحضار العبد رؤية الله له في جميع أحواله، وسمعه لكل ما ينطق به، وعلمه بما ينطوي عليه قلبه من الهم والعزم والنيات، يعينه على مرتبة الإحسان.


﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الأنعام: 84] في عبادة الله، المحسنين لخلق الله، يعطيهم علمًا وحكمًا.


﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات: 80] في عبادة الله، ومعاملة خلقه، أن نفرج عنهم الشدائد، ونجعل لهم العاقبة، والثناء الحسن.


الإيمان:
كلما قوي إيمان العبد تولَّاه الله بلطفه، ويَسَّره لليُسْرى وجنَّبَه العُسْرى.


الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين وعداوتهم.


كل ثواب عاجل وآجل فمن ثمرات الإيمان، فالنصر والهدى والعلم والعمل الصالح والسرور، والأفراح، والجنة وما اشتملت عليه من النعيم، كل ذلك سبب عن الإيمان.


الإيمان إذا خلطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره ولم يَبْغِ به بدلًا.


عدم الإيمان هو الموجب لعقد الولاية بين الإنسان والشيطان.


من نقصت طاعته لله ورسوله...نقص إيمانه.


ليس الإيمان بالتمني والتحلي؛ ولكنه ما وقر في القلوب وصدَّقَتْه الأعمال.


الله يعطي الدنيا مَنْ يُحِبُّ ومَنْ لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين إلا مَنْ يُحِبُّ.


الإيمان يزيد وينقص، وينبغي للمؤمن أن يتفقد إيمانه ويتعاهده، فيجدده ويُنمِّيه، ليكون دائمًا في صعود.


الإيمان الصادق يمنع صاحبه من الإقدام على المُحرَّمات.


الإيمان، واحتساب الأجر والثواب، يُسهِّل على العبد كل عسير، ويُقلِّل لديه كل كثير، ويُوجِب له الاقتداء بعباد الله الصالحين، والأنبياء والمرسلين.


المؤمن مهتدٍ بالقرآن متبعٌ له، سعيدٌ في دُنْياه وأُخْراه.


ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه ويُنمِّيه، وإن أولى ما يحصل به ذلك تدبُّر كتاب الله تعالى والتأمُّل لمعانيه.


المؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به، أو أخبر به رسوله، سواء شاهده، أو لم يشاهده، وسواء فهمه وعقله، أو لم يهتدِ إليه عقلُه وفهمُه.


العبد لا ينبغي له أن يكون آمنًا، على ما معه من الإيمان، بل لا يزال خائفًا وجلًا، أن يبتلى ببلية، تسلب ما معه من الإيمان، وألَّا يزال داعيًا بقوله: ((يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّتْ قلبي على دينك))، وأن يعمل ويسعى في كل سبب يُخلِّصه من الشر.


ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق، منشرح الصدر، مطمئن النفس، ويحرص أن تكون مغنمًا، ولا تكون مغرمًا.


المؤمنون يحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل الله وإحسانه، وبِرِّه وامتنانه.


الله يدافع عن الذين آمنوا، فإنه بحسب ما مع العبد من الإيمان، تحصل له النجاة من المكاره.


ينبغي للعبد أن يتملَّق إلى الله دائمًا، في تثبيت إيمانه، ويعمل الأسباب الموجبة لذلك، ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة.


من كان مؤمنًا به، تقيًّا، كان له وليًّا، فأكرمه بأنواع الكرامات، ودفع عنه الشرور والمثلات.


من دخل الإيمان في قلبه، وكان مخلصًا لله في جميع أموره، فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه، وصدق إخلاصه، من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي، ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه.
العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت، ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك على أن استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف إيمانه.
آيات الله وعبره وأيامه في الأمم السابقة، يستفيد بها ويستنير المؤمنون، فعلى حسب إيمان العبد تكون عبرته.


كل من سلك طريقًا في العلم والإيمان، والعمل الصالح، زاده الله منه وسهَّله عليه، ويسَّره له، ووهب له أمورًا أُخَر لا تدخل تحت كسبه، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه، كما قاله السلف الصالح.


الذين آمنوا...الله يدفع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم بسبب إيمانهم كل شر من شرور الكفار، وشرور وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحملونه، فيُخفِّف عنهم غاية التخفيف.


حكمتُه لا تقتضي أن كل من قال: "إنه مؤمن" وادَّعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميَّز الصادق من الكاذب، والمُحِقُّ من المبطل.


الذين آمنوا وعملوا الصالحات...إذا أصابهم الخير والنعمة والمحابُّ، شكروا الله تعالى، وخافوا أن تكون نِعَم الله عليهم استدراجًا وإمهالًا، وإن أصابتهم مصيبة في أنفسهم وأموالهم وأولادهم صبروا، ورجوا فضل ربهم، فلم ييأسوا.


من يزعم أنه مؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك مُوادٌّ لأعداء الله، مُحبٌّ لمن نبذ الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي، لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئًا، ولا يصدق صاحبها.


مما يدعو المؤمن أيضًا إلى معاداة الكفار، أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحق، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة.


أهل الإيمان أهدى الناس قلوبًا، وأثبتهم عند المزعجات والمُقْلِقات؛ وذلك لما معهم من الإيمان.


السعداء هم: المؤمنون المتقون.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-09-2023, 07:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي

فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (2)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الجزء الثاني من الفوائد المختصرة من تفسير العلامة السعدي رحمه الله عن: التقوى، الصلاة، القرآن الكريم، السعادة، العقل والعقلاء، سنن الله، الذنوب والمعاصي.


التقوى:
أخبر تعالى أنه مع المتقين؛ أي: بالعون والنصر والتأييد والتوفيق، ومن كان الله معه حصلت له السعادة الأبدية.


الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى...أن الصائم يُدرِّب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطِّلاع الله عليه.


المتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية، والآيات الكونية.


من لم يلزم التقوى تخلَّى عنه وليُّه، فوكله إلى نفسه، فصار هلاكه أقرب إليه من حبل الوريد.


الزاد الحقيقي المستمر نفعُه لصاحبه في دُنْياه وأُخْراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائمًا أبدًا، ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين.


تقوى الله وسيلة إلى حصول العلم.
المتقون في أعلى الدرجات، متمتعون بأنواع النعيم والسرور، والبهجة والحبور.
لباس التقوى يستمر مع العبد، ولا يبلى ولا يبيد، وهو جمال القلب والروح.
الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا، والآخرة.
امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة، وعلامة الفلاح.
المعونة من الله، تنزل بحسب التقوى، فلازموا على تقوى الله، يُعِنْكُم وينصركم على عدوِّكم.
ينبغي ذكر ما أكرم الله به أهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى.


كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر، وأن عاقبة أهلها أحسن العواقب؛ لقوله: ﴿ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90].


ينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية؛ وهو التقوى.
من لم يتق الله يقع في الآصار والأغلال التي لا يقدر على التخلُّص منها والخروج منها، واعتبر ذلك في الطلاق، فإن العبد إذا لم يتَّقِ اللهَ فيه بل أوقعه على الوجه المُحرَّم كالثلاث ونحوها، فإنه لا بُدَّ أن يندم ندامة لا يتمكَّن من استدراكها، والخروج منها.


الصلاة:
إقامة الصلاة، إقامتها ظاهرًا، بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها، وإقامتها باطنًا بإقامة روحها؛ وهو حضور القلب فيها، وتدبُّر ما يقوله ويفعله منها.


الصلاة ميزان الإيمان، وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته، وتتم، وتكمل.
من أخلص في صلاته ونسكه استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله وأقواله.


الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاء ومنكر أكبر من عبادة غير الله، ومن منع حقوق الله، أو سرقها بالمكاييل والموازين.


الصلاة... من أفضل الأعمال...وهي ميزان للإيمان وشرائعه، فبإقامتها على وجهها، تكمل أحوال العبد، وبعدم إقامتها تختل أحواله الدينية.


إذا ضيَّعوا الصلاة التي هي عماد الدين، وميزان الإيمان، والإخلاص لرب العالمين، التي هي آكد الأعمال، وأفضل الخصال، كانوا لما سواها من دينهم أضيع، وله أرفض.


من يداوم على الصلاة من غير خشوع، أو على الخشوع من دون محافظة عليها، فإنه مذموم ناقص.


الخشوع في الصلاة...حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرًا لقربه فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته متأدبًا بين يدي ربه، مستحضرًا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس.


ينبغي للعبد ألَّا يأتي الصلاة، إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها.


الصلاة... من استحضر فيها قرب ربه، خشع وذل، وأكملها، وبتكميلها يكمل سائر عمله، ويستعين بها على جميع أموره.


وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المُتمِّم لأركانها وشروطها وخشوعها يستنير قلبه، ويتطهَّر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تنعدم رغبته في الشر.


الله تعالى إنما خلق العباد لعبادته، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة.
العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم.
خصَّ الصلاة بالذكر وإن كانت داخلة في العبادة لفضلها وشرفها، وتضمُّنها عبودية القلب واللسان والجوارح.
الاستغفار والعبادة، وخصوصًا الصلاة، مُكفِّرات للذنوب، فإن الله رتَّب مغفرة ذنب داود على استغفاره وسجوده.
من أفضل أنواع الإحسان في عبادة الخالق صلاة الليل، الدالة على الإخلاص، وتواطؤ القلب واللسان.
أمره الله بالصلاة خصوصًا، وبالذكر عمومًا؛ وبذلك تحصل للعبد مَلَكةٌ قويةٌ في تحمُّل الأثقال، وفعل الشاقِّ من الأعمال.


القرآن الكريم:
تدبُّر كتاب الله مِفْتاحٌ للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير، وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب، وترسخ شجرته.


القرآن العظيم...اشتمل...الأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشرٍّ، فالناس في ظُلْمة إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.


كتاب الله...أشرف الكُتُب وأجلها، وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة.


لا شيء أعظم بركة من هذا القرآن، فإن كل خير ونعمة وزيادة دينية أو دنيوية، أو أُخْروية، فإنها بسببه، وأثر من العمل به.


أحسن الكلام لفظًا، وأصدقه معنًى، وأبينه تفسيرًا، فكل من أقبل عليه، يسَّر اللهُ عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهَّلَه عليه.


الحكمة من إنزاله ليتدبَّر الناس آياته، فيستخرجوا عِلْمَها، ويتأملوا أسرارها، وحكمها، فإنه بالتدبُّر فيه والتأمُّل لمعانيه وإعادة الفكر فيها مرةً بعد مرةٍ، تُدرك بركته وخيره.


تدبُّر القرآن...من أفضل الأعمال.
القراءة المشتملة على التدبُّر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
لا أنفع للعبد من التفكُّر في القرآن والتدبُّر لمعانيه.


سنن الله:
من حكمته ورحمته وسنته الجارية، أنه يمحو الباطل ويزيله، وإن كان له صولة في بعض الأوقات، فإن عاقبته الاضمحلال.


سنته الجارية التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل أن من قام بدينه وشرعه لا بُدَّ أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها، ومن السيادة آلتها.


سنة الله... أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.


سنته في الأولين والآخرين ألَّا يعاجلهم بالعقاب؛ بل يستدعيهم إلى التوبة والإنابة، فإن تابوا وأنابوا غفر لهم ورحمهم، وأزال عنهم العقاب، فإن استمروا على ظلمهم وعنادهم، وجاء الوقت الذي جعله موعدًا لهم أنزل بهم بأسَه.


﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ [الأحزاب: 38] إنَّ مَن تمادى في العصيان، وتجرأ على الأذى، ولم ينته منه، فإنه يعاقب عقوبة بليغة.


السعادة:
عنوان سعادة العبد، إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان.


عنوان سعادة العبد أن يكون شاكرًا لله على نعمه الدينية والدنيوية، وأن يرى جميع النعم من ربه فلا يفخر بها ولا يعجب بها؛ بل يرى أنها تستحق عليه شكرًا كثيرًا.


الإيمان الصحيح، والعمل الصالح، عنوان على سعادة صاحبه، وأنه من أهل الرحمن، ومن الصالحين من عباد الرحمن.


التوبة أصل لسعادة الدنيا والآخرة.


العقل والعقلاء:
العاقل يرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه، فتفضيله عليه يقتضي منه الشكر لربِّه، والرحمة لعباده.


من أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه، دلَّ على عدم عقله وجهله خصوصًا إذا كان عالمًا بذلك.


لا يعترض على أحكام الله إلا سفيهٌ جاهل معاند، وأما الرشيد المؤمن العاقل، فيتلقى أحكام ربِّه بالقبول والانقياد والتسليم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب: 36].


بحسب عقل العبد، يكون قيامه بما أمر الله به.


خاصية العقل النظر للعواقب، وأما من نظر إلى عاجل طفيف منقطع، يفوت نعيمًا عظيمًا باقيًا فأنَّى له العقل والرأي؟!


المؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة بترحة الأبد، فحُبُّ الدنيا وإيثارها على الآخرة رأسُ كُلِّ خطيئة.


العاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم.


العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشر، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس، وإن كان معصيةً ضارًّا لصاحبه.


ليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس.


العاقل...يقول لنفسه: قدِّري أنك قد مِتِّ ولا بُدَّ أن تموتي، فأي الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرف هذه الدار والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة، أم العمل لدار أكلها دائم، وظِلُّها ظليل؟ فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه، وربحه من خسرانه.


يتعين على العاقل البصير أن يحرص ويجتهد في حفظ باطنه من الأخلاق الرديئة، واتصافه بالأخلاق الجميلة.


ينبغي للعاقل أن يوازن بين لذات الدنيا ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
بحسب عقل العبد، يؤثر الأخرى على الدنيا، وأنه ما آثر أحد الدنيا إلا لنقص في عقله.


ليتذكر أولو العقول حالة أيوب، ويعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضرِّ، فإن الله تعالى يثيبه ثوابًا عاجلًا وآجلًا، ويستجيب دعاءه إذا دعاه.


أهل العقول الزكية الذكية...يؤثرون الأعلى على الأدنى، فيؤثرون العلم على الجهل، وطاعة الله على مخالفته، وأن لهم عقولًا ترشدهم للنظر في العواقب بخلاف مَنْ لا لُبَّ له ولا عقل، فإنه يتخذ إلهه هواه.


أدب العبد عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير.


المعاصي والذنوب:
المعاصي يجر بعضها بعضًا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير، ثم ينشأ عنه الذنب الكبير، ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر، وغير ذلك، فنسأل الله العافية من كل بلاء.


العقوبة على الذنب قد تكون بزوال نعمة موجودة.
عاقبة المعاصي الندامة والخسارة.


للذنوب عقوبات عاجلة وآجلة، ومن أعظم العقوبات: أن يُبْتلى العبد ويُزين له ترك اتباع الرسول، وذلك لفسقه.


المعاصي تدع الديار العامرة بلاقِع.


من أعظم العقوبات...أن يكون الذكر الذي أنزله الله على رسوله الذي فيه حياة القلب والروح، وسعادة الدنيا والآخرة، وفلاح الدارين، أن تكون لمثل هذا زيادة غيٍّ إلى غيِّه، وطغيان إلى طغيانه، وكفر إلى كفره؛ بسبب إعراضه عنها، ورده لها، ومعاندته إيَّاها.


كثير من الناس يخفى عليه كثير من المعاصي، وخصوصًا معاصي القلب؛ كالكبر، والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر.


النهي عن قربان الفواحش أبلغ من النهي عن مجرد فعلها، فإنه يتناول النهي عن مقدماتها، ووسائلها الموصلة إليها.


المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق.
المعصية تؤثر في البقاع، كما أثرت معصية المنافقين في مسجد الضرار، ونهي عن القيام فيه.


نقص المكاييل والموازين من كبائر الذنوب، وتخشى العقوبة العاجلة على من تعاطى ذلك، وأن ذلك من سرقة أموال الناس، وإذا كانت سرقتهم في المكاييل والموازين موجبى للوعيد، فسرقتهم على وجه القهر والغلبة من باب أوْلَى وأحْرَى.


الحذر من شؤم الذنوب، وأن الذنب الواحد يستتبع ذنوبًا كثيرة.


ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حوله وقوته؛ لقول يوسف عليه السلام: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف: 33].


ليحذر العباد عقوباته بأهل الجرائم، فإن أخذه أليم شديد... فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه.


شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل.


تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم بالعذاب من فوقهم أو من أسفل منهم بالخسف أو غيره، وإما في حال تقلبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم.


النهي عن قربان الزنا أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" خصوصًا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داعٍ إليه.


المعاصي تمنع العبد من رحمة الله، وتغلق أبوابها كما أن الطاعة أكبر الأسباب لنيل رحمته.
الزجر البليغ عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها.


التحذير من الذنوب، فإنها ترين على القلب وتغطيه، شيئًا فشيئًا، حتى ينطمس نوره، وتموت بصيرته، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقًّا، والحق باطلًا، وهذا من أعظم عقوبات الذنوب.


عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام لقوية شديدة، وهو للظالمين بالمرصاد.
من يعصيه يمهله قليلًا ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.


سمَّى الله الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكًا؛ لأنه لا ينفع المنفق بما أنفق، ولا يعود إليه من إنفاقه إلا الندم والخسارة.


إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المُحرَّمة، قال لها: هبك فعلت ما اشتهيت، فإن لذته تنقضي، ويعقبها من الهموم، والغموم، والحسرات، وفوات الثواب، وحصول العقاب، ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها.


فاز وربح من طهَّر نفسه، ونقَّاها من الشرك، والظلم، ومساوئ الأخلاق.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-10-2023, 05:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي

فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (3)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الجزء الثالث من الفوائد المختصرة من تفسير العلامة السعدي رحمه الله عن: الدعاء، والعلم والعلماء، والتعامل مع الناس، والدعوة إلى الله عز وجل.

الدعاء:
من دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع ولم يمنع مانعٌ من إجابة الدعاء؛ كأكل الحرام ونحوه، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصًا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء؛ وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية والإيمان به.

من آداب الدعاء: الإخلاص فيه لله وحده، وإخفاؤه وإسراره، وأن يكون القلب خائفًا طامعًا، لا غافلًا، ولا آمنًا، ولا غير مبالٍ بالإجابة.

الإقبال على الدعاء... وإحضار له بقلبه، وعدم غفلة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ.

الذي يؤمن يكون شريكًا للداعي في ذلك الدعاء.

الدعاء بتلف مال من كان مالُه سببَ طغيانه وكفره وخسرانه، خصوصًا إن فضَّل نفسه بسببه على المؤمنين، وفخر عليهم.

هل يجيب المضطر الذي أقلقته الكروب، وتعسَّر عليه المطلوب، واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء؛ أي: البلاء والشر...إلا الله وحده؟

الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته؛ لأنه لا يدعو إلا لمَنْ يُحبُّه.

العلم والعلماء:
الربانيون...العلماء العاملون المعلمون الذين يربون الناس بأحسن تربية، ويسلكون معهم مسلك الأنبياء المشفقين.

العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات، خصوصًا العالم العامل المعلم، فإنه يجعله الله إمامًا للناس بحسب حاله، ترمق أفعاله، وتُقتَفى آثاره، ويُستضاء بنوره، ويمشي بعلمه في ظلمة ديجوره.

علم القرآن أجلُّ العلوم وأبركها وأوسعها، وبه تحصل الهداية إلى الصراط المستقيم، هداية تامة، لا يحتاج معها إلى تخرُّص المتكلفين، ولا أفكار المتفلسفين، ولا لغير ذلك من علوم الأولين والآخرين.

علم القرآن...أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق، وهو العلم النافع، الذي إذا طلبه العبد أُعين عليه.

إذا تكلم العالم عن مقالات أهل البدع، فالواجب عليه أن يُعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، وأن يُبيِّن ما فيها من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق، وبعدها منه.

من تعلَّم علمًا، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه، فإن انتشار العلم عن العالم من بركته، وأجره الذي ينمي.

إذا سئل المفتي وكان السائل في حاجة أشد لغير ما سأل عنه، فإنه ينبغي أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب عن سؤاله، فإن هذا علامة على نصح المعلم وفطنته، وحسن إرشاده وتعليمه.

ينبغي للمسئول أن يدلَّ السائل على أمر ينفعه مما يتعلق بسؤاله ويرشده إلى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه، فإن هذا من كمال نصحه وفطنته وحسن إرشاده.

في هذه القصة العجيبة الجليلة...فوائد فمنها: فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.

التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب؛ لقول موسى عليه السلام: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]، فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا؟ وإقراره بأنه يتعلَّم منه.

تعلم العالم الفاضل للعالم الذي لم يتمهر فيه ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.

العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطريق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك فإما أن يكون ضارًّا، أو ليس فيه فائدة.

من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، فإنه ليس بأهل لتلقِّي العلم.

أمره تعالى أن يسأله زيادة العلم...فإن العلم خير، وكثرة الخير مطلوبة، وهي من الله، والطريق إليها: الاجتهاد، والشوق للعلم، وسؤال الله، والاستعانة به، والافتقار إليه في كل وقت.

المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنَّى ويصبر، حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه، المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر إلى السؤال وقطع كلام مُلقي العلم فإنه سبب للحرمان.

المسئول ينبغي له أن يستملي سؤال السائل، ويعرف المقصود منه قبل الجواب، فإن ذلك من سبب إصابة الصواب.

تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم، نهي عن سؤال المعروف بالجهل، وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك.

الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، ويسأله أن يهديه الصواب من القولين، بعد أن يقصد بقلبه الحق، ويبحث عنه، فإن الله لا يخيب من هذه حاله.

من جدَّ واجتهد في طلب العلم الشرعي فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمورٌ إلهيةٌ خارجة عن مدرك اجتهاده، ويتيسَّر له أمر العلم.

طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله؛ بل هو أحد نوعي الجهاد الذي لا يقوم به إلا خواصُّ الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى ردِّ نزاع المخالفين للحق ولو كانوا من المسلمين.

التعليم الفعلي أبلغ من القولي خصوصًا إذا اقترن بالقول، فإن ذلك نور على نور.

كلما كان العبد أعظم علمًا وتصديقًا بأخبار ما جاء به الرسول، وأعظم معرفة بحكم أوامره نواهيه، كان من أهل العلم الذين جعلهم الله حجَّةً على ما جاء به الرسول.

كلُّ من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي... وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داعٍ إلى خشية الله.

طريق العلم الصحيح الوقوف مع الحقائق، وترك التعرض لما لا فائدة فيه، وبذلك تزكو النفس، ويزيد العلم.

لذة أهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا.

لا يبادر المتعلم المعلم قبل أن يفرغ المعلم من المسألة التي شرع فيها، فإذا فرغ منها سأله عما أشكل عليه.

ينبغي للمعلم استعمال الإخلاص التام في تعليمه، وألَّا يجعل تعليمه وسيلةً لمعاوضة أحد من مال، أو جاه، أو نفع.

أعلى مراتب العلم: اليقين، وهو: العلم الثابت الذي لا يتزلزل، ولا يزول.

ينبغي الإقبال على طالب العلم المفتقر إليه...أزيد من غيره.

المعلم مأمور بحسن الخُلُق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام، والتحنُّن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده وإكرامًا لمن يسعى في نفع العباد والبلاد.

التعامل مع الناس:
معاملة الناس فيما بينهم على درجتين إما عدل وإنصاف واجب، وهو أخذ الواجب وإعطاء الواجب، وإمَّا فضل وإحسان؛ وهو إعطاء ما ليس بواجب، والتسامح في الحقوق، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة ولو في بعض الأوقات.

العفو ترك المؤاخذة مع المسامحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممَّن تحلَّى بالأخلاق الجميلة، وتحلَّى عن الأخلاق الرذيلة، وممَّن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمةً بهم، وإحسانًا إليهم...وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم.

ينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية، والصدقة، والدعوة، واللطافة بالأقوال، والأفعال، وعدم أذيته بقول أو فعل.

القول السديد لين الكلام ولطفه في مخاطبة الأنام، والقول المتضمن للنصح والإشارة بما هو أصلح.

لما كان لا بُدَّ من أذية الجاهل، أمر الله تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه، وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله فلا تؤذِه، ومن حرمك فلا تحرمه، ومن قطعك فصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه.

ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين، والدعاء له، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة وسكون لقلبه.

من أساء إليكم في أبدانكم، وأموالكم، وأعراضكم، فتسمحوا عنه، فإن الجزاء من جنس العمل، فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه.

العبد عليه أن يلتزم أمر الله ويسلك طريق العدل ولو جُني عليه، أو ظُلِمَ، واعتُدي عليه، فلا يحلُّ له أن يكذب على من كذب عليه، أو يخون من خانه.

من أساء إليهم بقول أو فعل لم يقابلوه بفعله؛ بل قابلوه بالإحسان إليه، فيعطون من حرمهم، ويعفون عمَّن ظلمهم، ويصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنُّك بغير المسيء؟!

إذا أساء إليك أعداؤك بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة...ومن مصالح ذلك: أنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه ورجوعه بالتوبة عما فعل، ويتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوَّه الشيطان، ويستوجب الثواب من الرب.

هل يليق بمؤمن بالله ورسوله ويدَّعي اتباعه والاقتداء به، أن يكون كلًّا على المسلمين شرس الأخلاق، غليظ القلب، فظ القول، فظيعه؟ وإن رأى منهم معصية، أو سوء أدب، هجرهم، ومقتهم، وأبغضهم، لا لين عنده، ولا أدب لديه، ولا توفيق.

إذا أساء إليك مسيء من الخلق خصوصًا من له حق كبير عليك كالأقارب والأصحاب، ونحوهم، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فصِلْهُ، وإن ظلمك فاعْفُ عنه، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله بل اعْفُ عنه، وعامِلْه بالقول اللين.

النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته، وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟! فإذا صبر الإنسان نفسه وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا تفيده شيئًا ولا تزيد العداوة إلا شدة، هان عليه الأمر.

مما يهيج على العفو أن يعامل العبد الخلق بما يجب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فليعفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله فليسامحهم.

شرط الله في العفو: الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورًا به.

الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات؛ بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات.

لا يصدر منك كلام للسائل يقتضي رده عن مطلوبه بنهر وشراسة خلق؛ بل أعطه ما تيسَّر عندك، أو ردَّه بمعروف وإحسان، ويدخل في هذا السائل للمال والسائل للعلم.

المخالطة بين الأقارب والأصحاب، وكثرة التعلقات الدنيوية المالية، موجبة للتعادي بينهم، وبغي بعضهم على بعض، وأنه لا يرد عن ذلك إلا استعمال تقوى الله، والصبر على الأمور بالإيمان والعمل الصالح، وأن هذا من أقلِّ شيء في الناس.

الدعوة إلى الله عز وجل:
لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصدَّه اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين، وخصوصًا إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره؛ بل يطمئن بذلك، ماضيًا على أمره، مقبلًا على شأنه.

إذا كان أولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل، فأهل الحق أوْلَى بذلك.

كل مفسد عمل عملًا واحتال كيدًا أو أتى بمكر، فإن عمله سيبطل، ويضمحلُّ، وإن حصل لعمله رواج في وقت ما، فإن مآله الاضمحلال، والمحق.

الباطل من المحال أن يغلب الحق، أو يدفعه، وإنما يكون له صولة وقت غفلة الحق عنه، فإذا برز الحق وقاوم الباطل قمعه.

مما ينشط العاملين أن يذكر لهم من ثواب الله على أعمالهم ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم...وأن يذكر في مقام الترهيب العقوبات المترتبة على ما يرهب منه؛ ليكون عونًا على الكف عما حرم الله.

المأمور بدعاء الخلق إلى الله عليه التبليغ، والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسدّ طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبِهَا ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك مُضعف للنفس، هادم للقوى.

من تكملة دعوة الداعي وتمامها، أن يكون أول مبادر لما يأمر غيره به، وأول منتهٍ عمَّا ينهى غيره عنه؛ كما قال شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [هود: 88]، ولقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2].

المصلحون الذين قصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى، وهي أعمال ووسائل نافعة مأمور بها، فإن الله يصلح أعمالهم ويرقيها، وينميها على الدوام.

من الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبُداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتمَّ، وبالرفق واللين.

أمرنا الله باتِّباع مِلَّة إبراهيم، فمن اتباع مِلَّته سلوك طريقه في الدعوة إلى الله بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة والانتقال من رتبة إلى رتبة وعدم السآمة منه، والصبر على ما ينال الداعي من أذى الخلق بالقول والفعل ومقابلة ذلك بالصفح والعفو.

الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم، قال الله لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين، وسعة الصدر وانشراحه عليهم.

من تيسير الأمر أن ييسر للداعي أن يأتي جميع الأمور من أبوابها، ويخاطب كل أحد بما يناسبه، ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبوله.

لا ينبغي أن يثنيك عن الدعوة شيء؛ لأنك ﴿ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 67]؛ أي: معتدل، موصل للمقصود، متضمن علم الحق والعمل به، فأنت على ثقة من أمرك.

الداعي إلى الله...يحتاج إلى لسان فصيح يتمكن به من التعبير عمَّا يريده ويقصده؛ بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام من ألزم ما يكون؛ لكثرة المراجعات، ولحاجته إلى تحسين الحق وتزيينه بما يقدر عليه؛ ليحببه إلى النفوس، وإلى تقبيح الباطل لينفر عنه.

من الدعوة إلى الله: الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله، وسُنَّة رسوله، والحث على ذلك بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك: الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الناس، ومقابلة المسيء بالإحسان.

من الدعوة إلى الله: تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله... ومن ذلك: الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم والعوارض والمصائب بما يناسب الحال.

ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه، والناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس عنه؛ قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وقال شعيب: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [هود: 88].

إنما كان السكوت عن المنكر مع القدرة موجبًا للعقوبة؛ لما فيه من المفاسد العظيمة، منها: أن مجرد السكوت فعل معصية وإن لم يباشرها الساكت، فإنه كما يجب اجتناب المعصية، فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.

المعصية مع تكررها وصدورها من كثير...وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم الله حلالًا؟! وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقًّا؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-10-2023, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي



فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (4)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الجزء الرابع من الفوائد المختصرة من تفسير العلامة السعدي رحمه الله، عن: الزكاة والصدقة، المواعظ، ذكر الله عز وجل، الاستغفار، القلوب، الخير، الظلم، الهوى، التوبة، الصبر.


الزكاة والصدقة:
العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله.


الزكاة تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة، وتنفع أخاه المسلم، وتسد حاجته، ويبين بها أن العبد يُؤثِر محبة الله على محبته للمال، فيخرج محبوبه من المال، لما هو أحب إليه، وهو طلب مرضاة الله.


الصدقات يجتمع فيها الأمران: حصول الخير، وهو: كثرة الحسنات والثواب والأجر، ودفع الشر والبلاء الدنيوي والأخروي، بتكفير السيئات.


الإنفاق في طرق الإحسان...خير وأجر وثواب عند الله؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً [البقرة: 274] الآية، فإن الله يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله، وإن الله ينيلهم الخيرات ويدفع عنهم الأحزان والمخاوف والكريهات.


المراد بالقرض الحسن هو ما جمع أوصاف الحسن من النية الصالحة وسماحة النفس بالنفقة، ووقوعها في محلها، وألَّا يتبعها المنفق منًّا ولا أذًى، ولا مبطلًا ومنقصًا.


ينبغي للعبد ألَّا...ينفق إلا وهو منشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده، ولا يتشبه بالمنافقين.


النفقة الطيبة...من كرم الله تعالى...سماها قرضًا، والمال ماله والعبيد عبيده، ووعد بالمضاعفة عليه أضعافًا كثيرة، وهو الكريم الوهَّاب، وتلك المضاعفة محلها ومواضعها يوم القيامة، يوم يتبين كل إنسان فقره، ويحتاج إلى أقل شيء من الجزاء الحسن.


المواعظ:
مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق.


إذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرًّا إلى شره، كان تركه هو الواجب؛ لأنه إذا ناقض المقصود كان تركه هو المقصود.


ينبغي أن تذكر القصص التي فيها إيقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجر.


من ليس من أهل الإيمان فلا تنفعهم المواعظ، وأنواع التذكير.


ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهما ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي أن يقرن بالحكم بيان مأخذه ووجهه، ولا يلقيه مجردًا من الدليل والتعليل.


الموعوظ والمنصوح ولو كان كبير القدر، جليل العلم، إذا نصحه أحد أو وعظه، لا يغضب، ولا يشمئز؛ بل يبادر بالقبول والشكر، فإن الخصمين نَصحا داود فلم يشمئز، ولم يغضب.


المتكلم في العلم من محدث ومعلم وواعظ...كلما حدث موجب أو حصل موسم أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك.


إن كان التذكير يزيد في الشر أو ينقص من الخير لم تكن مأمورًا به؛ بل هو منهي عنه.


ذكر الله عز وجل:
على من علَّمه الله ما لم يكن يعلم: الإكثار من ذكر الله، وفيه الإشعار أيضًا بأنالإكثار من ذكره سبب لتعليم علوم أخرى؛ لأن الشكر مقرون بالمزيد.


الذكر لله والإكثار منه من أعظم مقويات القلب.


الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب الفلاح والظفر بالأعداء.


ذكر الله تعالى وملازمته، لا يكون إلا من مؤمن، ممتلئ قلبه بمحبة الله وتعظيمه.


الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بهما، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله.


من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها: الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار، خصوصًا طرفي النهار، مخلصًا خاشعًا، متضرعًا متذللًا، ساكنًا، متواطئًا عليه قلبه ولسانه بأدب ووقار.


الصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر.


أكثر من ذكر الله، وتسبيحه، وتحميده، والصلاة؛ فإن ذلك يوسع الصدر، ويشرحه، ويعينك على أمورك...واستحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار.


ذكره تعالى أجل المقاصد، وبه عبودية القلب، وبه سعادته، فالقلب المعطل عن ذكر الله معطل عن كل خير، وقد خرب كل الخراب.


ذكر الله فيه معونة على جميع الأمور، يسهلها، ويخفف حملها.


يأمر تعالى المؤمنين بذكره ذكرًا كثيرًا....وأقل ذلك أن يلازم الإنسان أوراد الصباح والمساء، وأدبار الصلوات الخمس، وعند العوارض والأسباب، وينبغي مداومة ذلك في جميع الأوقات، على جميع الأحوال.


ذكر الله.....عبادة يسبق بها العامل وهو مستريح، وداعٍ إلى محبة الله ومعرفته، وعون على الخير، وكف اللسان عن الكلام القبيح.


ذكر الله تعالى مُسلٍّ للنفس، مؤنس لها، مُهون للصبر.


لما كان الاشتغال بالتجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله، أمر الله بالإكثار من ذكره.


الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح.


الاستغفار:
للاستغفار بالأسحار فضيلة وخصيصة ليست لغيره؛ كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران: 17].


في الأمر بالاستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة والخير، فائدة كبيرة، وذلك أن العبد لا يخلو من التقصير فيما أمر به، إما ألَّا يفعله أصلًا، أو يفعله على وجه ناقص، فأمر بترقيع ذلك بالاستغفار، فإن العبد يذنب آناء الليل والنهار.


ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة أن يستغفر الله عن التقصير ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة ومَنَّ بها على ربه وجعلت له محلًّا ومنزلةً رفيعة، فهذا حقيق بالمقت ورد الفعل؛كما أن الأول حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أُخَر.


القلوب:
ثبات القلب أصل ثبات البدن.


طهارة القلب سبب لكل خير، وهو أكبر داعٍ إلى كل قول رشيد، وعمل سديد.


القلب صلاحه وفلاحه وسعادته بالإنابة إلى الله تعالى في المحبة، وامتلاء القلب من ذكره، والثناء عليه، وأعظم ما يحصل به هذا المقصود: الصلاة التي حقيقتها أنها صلة بين العبد وبين ربه.


﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة: 13]؛ أي: غليظة لا تجدي فيها المواعظ، ولا تنفعها الآيات والنذر، فلا يرغبهم تشويق، ولا يزعجهم تخويف، وهذا من أعظم العقوبات على العبد، أن يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيد معها الهدى والخير إلا شرًّا.


العمى الضار في الدين عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات.


القلب السليم، معناه: الذي سلم من الشرك، والشك، ومحبة الشر، والإصرار على البدعة والذنوب، ويلزم من سلامته مما ذكر اتصافه بأضدادها، من الإخلاص، والعلم، واليقين، ومحبة الخير، وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله.


الإنابة، إنابة القلب وانجذاب دواعيه، لمراضي الله تعالى، ويلزم من ذلك عمل البدن بمقتضى ما في القلب، فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة، ولا يتم ذلك إلا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة.


إذا كان قلب العبد سليمًا سلم من كل شر، وحصل له كل خير، ومن سلامته: أنه سليم من غش الخلق وحسدهم.


الألسن مغارف القلوب، يظهر فيها ما في القلوب، من الخير والشر.


القلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل الله وتناطق بالحكمة ولا ينبغي الغفلة...فإنها سبب لقسوة القلب وجمود العين.


أصل الثبات: ثبات القلب وصبره ويقينه عند ورود كل فتنة.


الخير:
من نوى الخير، واقترن بنيته الجازمة، وسعى فيما يقدر عليه، ثم لم يقدر، فإنه ينزل منزلة الفاعل التام.


علامة الخير، وزوال الشدة، إذا تعلق القلب بالله تعالى تعلُّقًا تامًّا، وانقطع عن المخلوقين.


الأمر بالاستباق إلى الخيرات، قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها.


قوله: ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ راجع إلى السابق إلى الخيرات؛ لئلا يغتر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق الله تعالى ومعونته، فينبغي له أن يشتغل بشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه.


الظلم:
الله تعالى يملي للظالم، حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال.


سمى ظلم النفس ظلمًا؛ لأن نفس العبد ليست ملكًا له، يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى، قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل بإلزامها الصراط المستقيم، علمًا وعملًا، فيسعى في تعليمها ما أمر به.


العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنعهم الحقوق الواجبة، وُلِّي عليهم ظَلَمة يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه، ولا محتسبين.


كل ظالم وإن تمتَّع في الدنيا بما تمتع به فنهايته فيه الاضمحلال والتلف.


إذا ظهر الظلم فلم يُغيَّر فإن عقوبته تعُمُّ الفاعل وغيره، وتُتَّقى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وألَّا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن.


أخذ الظالمين بأنواع العقوبات،...لعبرة ودليل على أن أهل الظلم والإجرام لهم العقوبة الدنيوية، والعقوبة الأخروية.


التحذير من الركون إلى كل ظالم، والمراد بالركون الميل والانضمام إليه بظلمه، وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم. وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظَّلَمة، فكيف حال الظلمة؟! نسأل الله العافية من الظلم.


الله يُملي للظالم ويمهله، ليزداد إثمًا، حتى إذا أخذه لم يفلته ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] والظلم ههنا يشمل الظلم بين العبد وربه، وظلمه لعباد الله.


الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم...فليحذر هؤلاء الظالمون من حلول عقاب الله، ولا يغتروا بالإمهال.


عاقبة الظلم: الدمار والهلاك.


لا تجدون مجرمًا قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شرُّ عاقبة، وقد أحلَّ الله به من الشرِّ والعقوبة ما يليق بحاله.


الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.


الهوى:
العبد ينبغي له إذا رأى دواعي نفسه مائلة إلى حالة فيها هوى، وهي مضرة له، أن يذكرها ما أعَدَّ الله لمن نهى نفسه عن هواها، وقدم مرضاة الله على رضا نفسه، فإن في ذلك ترغيبًا للنفس في امتثال أمر الله، وإن شقَّ ذلك عليها.


لا ينبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه تابعًا لهوى نفسه الدنيوي، وغرضه الفاسد؛ بل الذي ينبغي أن يكون لمرضاة ربه.


الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه، حتى يرى الحق باطلًا، والباطل حقًّا، وإما أن يعرف الحق ويتركه لأجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وُفِّق للحق، وهدي إلى الصراط المستقيم.


اتباع الهوى وإخلاد العبد إلى الشهوات يكون سببًا للخذلان.


ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى، ويجعله منه على بالٍ، فإن النفوس لا تخلو منه، بل يجاهد نفسه، بأن يكون الحق مقصوده، وأن يلقى عنه وقت الحكم كل محبة أو بغض لأحد الخصمين.


لا يستوي من هو على بصيرة من أمر دينه علمًا وعملًا، قد علم الحق واتبعه، ورجا ما وعده الله لأهل الحق، ومن هو أعمى القلب، قد رفض الحق وأضله، واتبع هواه بغير هدى من الله، ومع ذلك يرى أن ما هو عليه هو الحق، فما أبعد الفريقين!


التوبة:
توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد.


من أشبه آدم بالاعتراف، وسؤال المغفرة، والندم، والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب، اجتباه ربُّه وهداه، ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، لا يزال يزداد من المعاصي فإنه لا يزداد من الله إلا بُعْدًا.


الله...ذو مغفرة واسعة، ورحمة عامة، يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة، والصفح عن جرائمهم، وقبول توباتهم، فلا ييأسنَّ أحد من رحمته ومغفرته ولو فعل من الذنوب والإجرام ما فعل.


من تاب إليه تاب عليه، ولو تكررت منه المعصية مرارًا.


فليستحِ المجرم من ربه، أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع الحالات، ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل، وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر. فليتُب إليه، وليرجع إليه في جميع أموره، فإنه رءوف رحيم.


لا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا.


من ظلم نفسه بمعاصي الله، وتاب وأناب، فبدَّل سيئاته حسنات، ومعاصيه طاعات، فإن الله غفور رحيم، فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته، فإنه يغفر الذنوب جميعًا، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.


لا تيأسوا...وتقولوا قد كثرت ذنوبنا،...فليس لها طريق يزيلها...فتبقون بسبب ذلك مُصرِّين على العصيان، متزودين بما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53].


الصبر:
احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها بذلك، واستمر ولا تضجر.


ترغيب عظيم للزوم الصبر بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله كلما وَنَت وفترت.


هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيَّه وصفيَّه يعقوب عليه السلام، حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف...ثم ازداد به الأمر شدة حين صار الفِراق بينه وبين ابنه الثاني، شقيق يوسف، هذا وهو صابر لأمر الله، محتسب الأجر من الله.


الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين.


الصبر الجميل الذي لا يصحبه تسخُّط ولا جزع ولا شكوى للخلق.


إن العابدين...إذا رأوا ما أصاب أيوب عليه السلام من البلاء، ثم ما أثابه الله بعد زواله، ونظروا السبب وجدوه الصبر.


درجة الإمامة في الدين لا تتم إلا بالصبر واليقين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24].


مما يعين على الصبر...أن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع، بل سيجده كاملًا، هان عليه ما يلقاه من المكاره، وتيسَّر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير.


أيوب...ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه الله تعالى.


لما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة الله والإكثار من ذكره أمره الله بذلك، فقال: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الإنسان: 25]؛ أي: أول النهار وآخره، فدخل في ذلك الصلوات المكتوبة، وما يتبعها من النوافل والذكر والتسبيح والتهليل والتكبير في هذه الأوقات.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 31-10-2023, 04:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي

فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (5)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الجزء الخامس من الفوائد المختصرة من تفسير العلامة السعدي رحمه الله، عن: حقيقة الدنيا، العذاب، نعم الله على عبده، الابتلاء والمصائب، الحياة الزوجية وتربية الأبناء، خصال وأخلاق مذمومة، خصال وأخلاق طيبة.


حقيقة الدنيا:
حقيقة الدنيا: إنها لعب ولهو، لعب في الأبدان، ولهو في القلوب، فالقلوب لها والهة، والنفوس لها عاشقة، والهموم فيها متعلقة، والاشتغال بها كلعب الصبيان.


ما مقدار عمر الإنسان القصير جدًّا من الدنيا، حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها، فيجعل سعيه وكده، وهمه، وإرادته، لا يتعدى الحياة الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار، المشحونة بالأخطار.


فوالله ما آثر الدنيا على الآخرة، من وقر الإيمان في قلبه، ولا من جزل رأيه، ولا من عُدَّ من أولي الألباب.


العبد ينبغي له أن يدعو نفسه ويشوِّقها لثواب الله، ولا يدعها تحزن إذا رأت زينة أهل الدنيا ولذاتها، وهي غير قادرة عليها؛ بل يسليها بثواب الله الأخروي وفضله العظيم.


الحث والترغيب على الزهد في الدنيا، خصوصًا الزهد المتعين، وهو الزهد فيما يكون ضررًا على العبد، ويوجب له الاشتغال عما أوجب الله عليه، وتقديمه على حق الله، فإن هذا الزهد واجب.


الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ستذهب عن أهلها، ويذهبون عنها، وسيرث الله الأرض ومن عليها ويرجعهم إليه، فيجازيهم بما عملوا فيها، وما خسروا فيها أو ربحوا، فمن عمل خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ نفسه.


من الدواعي للزهد أن يقابل العبد لذَّات الدنيا وشهواتها بخيرات الآخرة، فإنه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه إلى إيثار أعلى الأمرين.


الغالب أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويُوسِّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب.


من عرف الدنيا وحقيقتها جعلها معبرًا، ولم يجعلها مستقرًّا، فنافس فيما يقربه إلى الله، واتخذ الوسائل التي توصله إلى دار كرامته، وإذا رأى من يكاثره وينافسه في الأموال والأولاد، نافسه بالأعمال الصالحة.


من آثر الدنيا على الدين، فقد خسر الخسارة الحقيقة، من حيث يظن أنه يربح.


العذاب
أشد ما يكون من العذاب أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة؛ ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.


اعتصم يوسف بربه...فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد.


ينبغي للعبد إذا ابتُلي بين أمرين: إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية، أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة.


﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ [طه: 127] من عذاب الدنيا أضعاف مضاعفة ﴿ وَأَبْقَى [طه: 127] لكونه لا ينقطع، بخلاف عذاب الدنيا فإنه منقطع، فالواجب الخوف والحذر من عذاب الآخرة.


﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 19]؛ أي: موجع للقلب والبدن...فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله؟!


نِعَم الله على عبده:
القرآن...أعظم نعمة، ومِنَّة، وفضل تفضَّل الله به على عباده.


ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال، أن يعترف بنعمة الله عليه، وألَّا يزال ذاكرًا حاله الأولى ليحدث لذلك شكرًا كلما ذكرها.


﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل: 18] فضلًا عن قيامكم بشكرها.


نِعَمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات من جميع أصناف النِّعَم، مما يعرف العباد ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن يُحْصَى.


﴿ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت: 67] يجحدونها، ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به، هل هذا إلا من أظلم الظلم، وأفجر الفجور، وأسفه السفه؟!


اعتبار بحال الذي أنعم الله عليه نعمًا دنيوية فألهته عن آخرته وأطغته، وعصى الله فيها، أن مآلها الانقطاع والاضمحلال، وأنه وإن تمتع بها قليلًا فإنه يحرمها طويلًا.


حال الخلفاء الصالحين إذا منَّ الله عليهم بالنِّعَم الجليلة ازداد شكرهم، وإقرارهم، واعترافهم بنعمة الله؛ كما قال سليمان عليه السلام، لما حضر عنده عرش ملكة سبأ، مع البعد العظيم، قال: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل: 40].


أهل التجبُّر والتكبُّر، والعلو في الأرض...النعم الكبار تزيدهم أشرًا وبطرًا؛ كما قال قارون لما أتاه الله من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، قال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص: 78].


العبد ينبغي له أن يتدبَّر نِعَم الله عليه...ويقيسها بحال عدمها، فإنه إذا وازن بين حالة وجودها وبين حالة عدمها تنبَّه عقله لمواضع المِنَّة بخلاف من جرى مع العوائد.. وعمي قلبه عن الثناء على الله بنعمه...فإن هذا لا يحدث له فكرة شكر ولا ذكر.


من نِعَمه على عباده الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، أن يجعل لهم ودًّا؛ أي: محبة وودادًا في قلوب أوليائه وأهل السماء والأرض.


من أكبر نِعَم الله على عبده أن يكون إمامًا يهتدي به المهتدون، ويمشي خلفه السالكون.


من أعظم نِعَم الله على عبده، وأعظم معونة للعبد على أموره، تثبيت الله إيَّاه، وربط جأشه وقلبه عند المخاوف، وعند الأمور المذهلة، فإنه بذلك يتمكن من القول الصواب، والفعل الصواب.


من أكبر نِعَم الله على عبده أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم والفصل بين الناس، كما امتنَّ الله به على عبده داود عليه السلام.


من أكبر نِعَم الله على عبده: أن يهب له ولدًا صالحًا، فإن كان عالمًا، كان نورًا على نور.


لا أعظم من نعمة الدين التي هي مادة الفوز والسعادة الأبدية.


النعم الدينية والدنيوية؛ أي: أثنِ على الله بها، وخصَّها بالذكر إن كان هناك مصلحة؛ وإلا فحَدِّث بنِعَم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله داعٍ لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن.


﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر: 8] الذي تنعمتم به في دار الدنيا هل قمتم بشكره وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به على معاصيه، فينعمكم نعيمًا أعلى منه وأفضل، أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على معاصي الله، فيعاقبكم على ذلك.


رغد الرزق والأمن من الخوف من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله.


الابتلاء والمصائب:
العزة لله جميعًا، فإن نواصي العباد بيده، ومشيئته نافذة فيهم، وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين، ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين، وإدالة العدو عليهم إدالة غير مستمرة، فإن العاقبة والاستقرار للمؤمنين.


﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 173] وهذه بشارة عظيمة لمن قام بأمر الله، وصار من حزبه وجنده، أن له الغلبة، وإن أديل عليه في بعض الأحيان، لحكمة يريدها الله تعالى، فآخر أمره الغلبة والانتصار، ومن أصدق من الله قيلًا.


الكافرون بربهم...الله لهم بالمرصاد وله تعالى الحكمة البالغة في عدم معاجلتهم بالعقوبة التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم وتزودهم من طاعته ومراضيه ما يصلون به المنازل العالية، واتصافهم بأخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها.


من رحمته بعباده المؤمنين أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس، لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم.


الابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير يخرج خبثها وطيبها.


الله يبتلي أولياءه بالشدة والرخاء والعسر واليسر؛ ليمتحن صبرهم وشكرهم، ويزداد بذلك إيمانهم ويقينهم وعرفانهم.


الله حكيم يُقيِّض بعض أنواع الابتلاء ليظهر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة.


الله تعالى يجعل المحن والعقبات الشاقة بين يدي الأمور العالية والمطالب الفاضلة.


يخبر تعالى أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم، وأموالهم، وأولادهم، وفيما يحبون ويكون عزيزًا عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو الله عنه أكثر، فإن الله لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون.


جميع ما أصاب العباد فبقضاء الله وقدره، وقد سبق بذلك علم الله وجرى به قلمه ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته...فإذا آمن أنها من عند الله فرضي بذلك وسلَّم أمره، هدى الله قلبه، فاطمأنَّ ولم ينزعج عند المصائب كما يجري لمن لم يهْدِ الله قلبه.


من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره؛ بل وقف مع مجرد الأسباب أنه يخذل، ويكله الله إلى نفسه، وإذا وكل العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلا الهلع والجزع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد قبل عقوبة الآخرة.


الغنى والفقر والسعة والضيق ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد؛ ليرى من يقوم بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثوابَ الجزيلَ، ومن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل.


الحياة الزوجية وتربية الأبناء:
على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكَفِّ الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما.


الرأي الحسن لمن استشار في فِراق زوجه أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن إصلاح الحال، فهو أحسن من الفرقة.


﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: 2]؛ أي: على وجه المعاشرة الحسنة، والصحبة الجميلة، لا على وجه الضرر، وإرادة الشر والحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه لا يجوز.


﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: 2] أي: فراقًا لا محذور فيه، من غير تشاتم ولا تخاصم، ولا قهر لها على أخذ شيء من مالها.


لما كان الطلاق قد يوقع في الضيق والكرب والغم، أمر تعالى بتقواه، ووعد من اتقاه في الطلاق وغيره أن يجعل له فرجًا ومخرجًا.


إذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه المشروع؛ بأن أوقعه طلقة واحدة في غير حيض ولا طُهْرٍ أصابها فيه، فإنه لا يضيق عليه الأمر؛ بل جعل الله له فرجًا وسعة يتمكن بها من الرجوع إلى النكاح إذا ندم على الطلاق.


وقاية الأهل والأولاد بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيمن تحت ولايته وتصرُّفه.


صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.


النفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد التي فيها محذور شرعي، ورغَّبَهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته...وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية.


الأولاد عند والديهم مُوصًى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية فلهم جزيل الثواب، وإما أن يُضيِّعوها فيستحقوا بذلك الوعد والعقاب، وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهما عليهم.


خصال وأخلاق مذمومة:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا [النساء: 36]؛ أي: معجبًا بنفسه، مُتكبِّرًا على الخلق، ﴿ فَخُورًا [النساء: 36] يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله.


النهي عن العجلة، والتسرُّع لنشر الأمور، من حين سماعها، والأمر بالتأمُّل قبل الكلام، والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيقدم عليه الإنسان، أم لا فيحجم عنه؟


﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ [القلم: 10]؛ أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذَّاب، ولا يكون كذابًا إلا وهو ﴿ مَهِينٍ [القلم: 10]؛ أي: خسيس النفس، ناقص الحكمة، ليس له رغبة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة.


السرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال أن يعجز عمَّا يجب عليه من النفقات.


﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ [التوبة: 79]؛ أي: يعيبون، ويطعنون...واللمز محرم؛ بل هو من كبائر الذنوب، في أمور الدنيا، وأما اللمز في أمر الطاعة فأقبح وأقبح.


﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ [لقمان: 18] أي: لا تُملهُ وتعبس بوجهك للناس تكبُّرًا عليهم وتعاظُمًا.


السخرية، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، مُتحلٍّ بكل خُلُقٍ ذميمٍ، مُتخلٍّ من كل خُلُق كريم.


﴿ هَمَّازٍ [القلم: 11]؛ أي: كثير العيب للناس والطعن فيهم بالغيبة والاستهزاء، وغير ذلك.


﴿ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم: 11]؛ أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهو: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإيقاع العداوة والبغضاء.


﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ [القلم: 13]؛ أي: غليظ شرس الخلق قاسٍ، غير منقاد للحق، ﴿ زَنِيمٍ؛ أي: دعِي ليس له أصل ولا مادة ينتج منها الخير؛ بل أخلاقه أقبح الأخلاق.


﴿ وَيْلٌ [الهمزة: 1]؛ أي: وعيد ووبال وشدة عذاب، ﴿ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1]؛ أي: الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهَمَّاز: الذي يعيب الناس ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللمَّاز: الذي يعيبهم بقوله.


البخل يقصف الأعمال، ويخرب الديار، والبر يزيد في العمر.


الحاسد: هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب؛ فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده...ويدخل في الحاسد، العاين؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس.


خصال وأخلاق طيبة:
الصفح الجميل؛ أي: الحسن الذي سلم من الحقد، والأذية القولية والفعلية، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة؛ كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة.


﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ [الفرقان: 63]؛ أي: خطاب جهل ﴿ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63]؛ أي: خاطبوهم خطابًا يسلمون فيه من الإثم، ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله، وهذا مدح لهم بالحلم الكثير، ومقابلة المسيء بالإحسان، والعفو عن الجاهل، ورزانة العقل.


﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ [الفرقان: 72]؛ وهو الكلام الذي لا خير فيه، ولا فيه فائدة دينية، ولا دنيوية ككلام السفهاء، ونحوهم ﴿ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72]؛ أي: نزَّهُوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه، فإنه سَفَه...فربأوا بأنفسهم عنه.


﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63]؛ أي: ساكنين متواضعين لله، وللخلق، فهذا وصف لهم بالوقار، والسكينة، والتواضع لله، ولعباده.


﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان: 72]؛ أي: لا يحضرون الزور؛ أي: القول والفعل المُحرَّم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المُحرَّمة، أو الأفعال المُحرَّمة.


في قوله: ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ [الفرقان: 72] إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره، ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.


القوة والأمانة خير أجير استؤجر من جمعهما، القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان ينبغي اعتبارهما في كل مَن يتولَّى للإنسان عملًا بإجارة أو غيرها، فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد أحدهما.


الحياء من الأخلاق الفاضلة، وخصوصًا في النساء.


﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب: 32]؛ أي: في مخاطبة الرجال... وتتكلَّمْن بكلام رقيق.


﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33]؛ أي: اقررن فيها؛ لأنه أسلم وأحفظ لكُنَّ.


﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33]؛ أي: لا تكثرن الخروج مُتجمِّلات أو متطيِّبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى.


﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب: 59]؛ أي: يغطِّين بها وجوههن وصدورهن.


وصف الله إسماعيل بالحلم، وهو يتضمَّن الصبر، وحسن الخلق، وسعة الصدر، والعفو عمَّن جنى.


﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9]؛ أي: من أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميَّزوا عَمَّن سواهم: الإيثار؛ وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحابِّ النفس، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على شهوات النفس.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 31-10-2023, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي

فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (6)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الجزء السادس من الفوائد المختصرة من تفسير العلامة السعدي رحمه الله، عن: الربا، الجهاد، العبادة، الإنسان، آيات الله، المنتفعين بآيات الله، البصر والفرج، الشورى، الشيطان، رقائق.

الربا:
أخبر تعالى أنه يمحق مكاسب المرابين، ويربي صدقات المنفقين، عكس ما يتبادر إلى أذهان كثير من الخلق، أن الإنفاق ينقص المال، وأن الربا يزيده، فإن مادة الرزق وحصول ثمراته من الله تعالى، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته وامتثال أمره.

أكبر الأسباب لاجتناب ما حرم الله من المكاسب الربوية تكميل الإيمان وحقوقه، خصوصًا إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإن الزكاة إحسان إلى الخلق ينافي تعاطي الربا الذي هو ظلم لهم وإساءة عليهم.

الجهاد:
لو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب لما تخلَّف عنه أحد؛ ولكن عدم العلم اليقيني التام هو الذي فتر العزائم، وزاد نوم النائم، وأفات الأجور العظيمة.

الكفار ﴿ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ [الأنفال: 65]؛ أي: لا علم عندهم بما أعَدَّ الله للمجاهدين في سبيله، فهم يقاتلون لأجل العلوِّ في الأرض والفساد فيها وأنتم تفقهون المقصود من القتال أنه لإعلاء كلمة الله، وإظهار دينه، والذب عن كتاب الله وحصول الفوز الأكبر عند الله.

الجهاد في سبيل الله ذرة سنام الدين، به يحفظ الدين الإسلامي، ويتسع، وينصر الحق، ويخذل الباطل.

البلدان التي حصلت فيها الطُّمَأْنينة بعبادة الله، وعمرت مساجدها، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها، من فضائل المجاهدين وبركتهم، فبذلك دفع الله عنها الكافرين.

لولا دفع الناس بعضهم ببعض، لاستولى الكفار على المسلمين، فخربوا معابدهم، وفتنوهم عن دينهم، فدَلَّ هذا على أن الجهاد مشروع لأجل دفع الصائل والمؤذي ومقصود لغيره.

العبادة:
العبادة الشاقة على النفس لها فضل ومزية ليست لغيرها، وكلما عظمت المشقة عظم الأجر.

في الاشتغال بعبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشهيات.

العبادات إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشر الذي لا لُبَّ فيه، والجسد الذي لا روح فيه.

كل خير يوجد في الدنيا والآخرة فإنه من آثار عبادة الله وتقواه.

معرفته وعبادته هما اللذان خلق اللهُ الخلق لأجلهما، وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده، وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح، وسعادة دنيوية وأخروية، وهما أشرف عطايا الكريم لعباده، وهما أشرف اللذات على الإطلاق.

تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله؛ بل كلما ازداد العبد معرفة بربِّه كانت عبادته أكمل.

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح: 7]؛ أي: إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء... ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا، وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين.

الإنسان:
الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر، فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه، ووفَّقَه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم.

الإنسان كفور للنِّعَم إلا من هدى الله فمَنَّ عليه بالعقل السليم، واهتدى إلى الصراط المستقيم.

الإنسان...جاهل ظالم...إلا من وَفَّقَه الله، وأخرجه من هذا الخُلُق الذميم إلى ضده، وهم الذين صبروا أنفسهم عند الضراء فلم ييأسوا، وعند السراء فلم يبطروا، وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبَّات.

الإنسان...الله إذا أذاقه منه رحمة؛ كالصحة والرزق والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط، فلا يرجو ثواب الله، ولا يخطر بباله أن الله سيردها، أو مثلها، أو خيرًا منها.

الإنسان...الله إذا أذاقه...رحمة بعد ضراء مسَّتْه، أنه يفرح ويبطر، ويظن أنه سيدوم له ذلك الخير...وذلك يحمله على الأشر والبطر والإعجاب بالنفس، والتكبُّر على الخلق، واحتقارهم، وازدرائهم، وأي عيب أشد من هذا؟!

شر ما في الإنسان أن يكون شحيحًا بما أمر الله به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحًا بجاهه، شحيحًا بعلمه ونصيحته ورأيه.

الإنسان لجهله وظلمه إذا رأى نفسه غنيًّا طغى وبغى، وتجبر عن الهدى، ونسي أن لربه الرُّجْعى، ولم يَخَف الجزاء؛ بل ربما وصلت به الحال إلى أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو غيره إلى تركه.

آيات الله جل وعلا:
من آيات الله العجيبة أنك لا تجد داعيًا من دُعاة الكفر والضلال إلا وله من المَقْت بين العالمين، واللعنة، والبغض، والذم، ما هو حقيق به، وكُلٌّ بحسب حاله.

﴿ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [مريم: 10]، وهذا من الآيات العجيبة، فإن منعه من الكلام مدة ثلاثة أيام، وعجزه عنه من غير خرس، ولا آفة؛ بل كان سويًّا لا نقص فيه، من الأدلة على قدرة الله الخارقة للعوائد.

المنتفعون بآيات الله عز وجل:
المنتفعون بالآيات: كل صبار على الضراء، شكور على السراء، صبار على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقداره، شكور لله على نعمه الدينية، والدنيوية.

كلما كان العبد أعظم إنابة إلى الله كان انتفاعه بالآيات أعظم؛ لأن المنيب مقبل إلى ربه قد توجهت إرادته وهماته لربه، ورجع إليه في كل أمر من أموره؛ فصار قريبًا من ربه، ليس له هَمٌّ إلا الاشتغال بمرضاته، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة.

أهل الإعراض والغفلة، وأهل البلادة وعدم الفطنة...ليس لهم انتفاع بآيات الله؛ لعدم وعيهم عن الله، وتفكرهم بآياته.

﴿ وَمَا يَتَذَكَّرُ [غافر: 13] بالآيات حين يذكر بها ﴿ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر: 13] إلى الله تعالى بالإقبال على محبته، وخشيته، وطاعته، والتضرع إليه، فهذا الذي ينتفع بالآيات، وتصير رحمة في حقه، ويزداد بها بصيرة.

البصر والفرج:
من حفظ فرجه وبصره، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم،...فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ومن غضَّ بصره أنار الله بصيرته.

العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع دواعي الشهوة، كان حفظه لغيره أبلغ؛ ولهذا سَمَّاه الله حفظًا.

البصر والفرج إن لم يجتهد العبد في حفظهما، أوقعاه في بلايا ومحن.

الشورى:
المستشار مؤتمن، يجب عليه إذا استشير في أمر من الأمور أن يشير بما يعلمه أصلح للمستشير، ولو كان له حظ نفس، فتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه.

﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159]؛ أي: في الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر.

المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب فليس بمَلُومٍ.

الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير.

الشيطان:
كل راكب وماشٍ في معصية الله فهو من خيل الشيطان ورجله.

﴿ يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ [مريم: 44]؛ لأن من عبد غير الله فقد عبد الشيطان؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس: 60].

﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان: 29] يزين له الباطل، ويقبح له الحق، ويعده الأماني، ثم يتحلَّى عنه، ويتبرَّأ منه.

أي وقت من الأوقات أحسست بشيء من نزغات الشيطان؛ أي: من وساوسه، وتزينه للشر، وتكسيله عن الخير، وإصابة ببعض الذنوب، وإطاعة له ببعض ما يأمر به، ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200]؛ أي: اسأله مفتقرًا إليه أن يعيذك ويعصمك منه.

الشيطان...أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويثبطهم عن الخير، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال، يوسوس، ثم يخنس؛ أي: يتأخَّر عن الوسوسة، إذا ذكر العبد ربه.

رقائق:
من سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى درجة، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل...ونفع مُتعدٍّ وقاصر.

من عفوه ومغفرته أن المؤمن لو أتاه بقراب الأرض خطايا، ثم لقيه لا يُشرك به شيئًا، لأتاه بقرابها مغفرة.
قال بعض السلف: أهل الجنة نجوا من النار بعفو الله، وأدخلوا الجنة برحمة الله، واقتسموا المنازل وورثوها بالأعمال الصالحة، وهي من رحمته؛ بل من أعلى أنواع رحمته.

﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ [التوبة: 72] يحله على أهل الجنة، ﴿ أَكْبَرُ [التوبة: 72] مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم، ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضا رب الأرض والسموات أكبر نعيم الجنات.

البشارة في الدنيا، فهي الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الحسنة، وما يراه العبد من لطفه به وتيسُّره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق.

البشارة في الآخرة، فأولها: البشارة عند قبض أرواحهم...وفي القبر، ما يبشر به من رضا الله تعالى، والنعيم المقيم، وفي الآخرة تمام البُشْرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم.

نار جهنم...مثوى الحسرة والندم، ومنزل الشقاء والألم، ومحل الهموم والغموم، وموضع السخط من الحي القيوم، لا يُفتَّر عنهم من عذابها، ولا يرفع عنهم يومًا من أليم عقابها، قد أعرض عنهم الرب الرحيم، وأذاقهم العذاب العظيم.

يعطي الله أهل الجنة كل ما تمنَّوه عليه حتى إنه يُذكرُهم أشياء من النعيم لم تخطر على قلوبهم، فتبارك الذي لا نهاية لكرمه، ولا حَدَّ لجوده.

أي حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن الرجوع ليستأنف العمل، ولا سبيل له إلى تغير حاله بالعود إلى الدنيا؟

مشهد يوم القيامة...يشهده الأولون والآخرون، أهل السموات وأهل الأرض الخالق والمخلوق الممتلئ بالزلازل والأهوال.

جنة الفردوس نُزُل وضيافة لأهل الإيمان والعمل الصالح، وأي ضيافة أجَلُّ وأكبر وأعظم من هذه الضيافة، المحتوية على نعيم للقلوب والأرواح والأبدان...فلو علم العباد بعض ذلك النعيم علمًا حقيقيًّا يصل إلى قلوبهم لطارت إليه قلوبهم بالأشواق.

﴿ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم: 58]؛ أي: خضعوا لآيات الله، وخشعوا لها، وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة ما أوجب لهم البكاء والإنابة.

يوم الحسرة...يُجمَع الأولون والآخرون في موقف واحد ويسألون عن أعمالهم، فمن آمن بالله واتبع رسله سعد سعادة لا يشقى بعدها، ومن لم يؤمن بالله ويتَّبِع رسله شقي شقاء لا يسعد بعده، وخسر نفسه وأهله فحينئذٍ...يندم ندامة تنقطع منها القلوب.

﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا [مريم: 68]؛ أي: جاثين على ركبهم من شدة الأهوال، وكثرة الزلزال، وفظاعة الأحوال، منتظرين لحكم الكبير المتعال.

فسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، وبعض المفسرين يرى أن المعيشة الضنك عامة في دار الدنيا، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه من الهموم والغموم والآلام التي هي عذاب معجل وفي دار البرزخ وفي دار الآخرة لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقيدها.

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون: 99] يخبر تعالى عن حال من حضره الموتى من المفرطين الظالمين، أنه يندم في تلك الحال، إذا رأى مآله، وشاهد قبيح أعماله، فيطلب الرجعة إلى الدنيا.
الحسرة كل الحسرة أن يمضي على الحازم وقت من أوقاته وهو غير مشغول بالعمل الذي يُقرِّب لهذه الدار.

لينظر العبد لنفسه وقت الإمكان، وليتدارك الممكن قبل ألَّا يمكن، وليُول من ولايته فيها سعادته، وليُعاد من تنفعه عداوته وتضره صداقته.

البرزخ: هو الحاجز بين الشيئين، فهو هنا: الحاجز بين الدنيا والآخرة، وفي هذا البرزخ، يتنعَّم المطيعون، ويُعذَّب العاصون من ابتداء موتهم واستقرارهم في قبورهم إلى يوم يبعثون؛ أي: فليُعدوا له عُدَّته، وليأخذوا له أُهْبته.

كما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش، فالروح والقلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح.

﴿ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ [الشعراء: 189] أظلَّتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين لظِلِّها غير الظليل، فأحرقهم بالعذاب، فظلوا تحتها خامدين، ولديارهم مفارقين، وبدار الشقاء والعذاب نازلين.

يا أيها المحب لربه، المشتاق لقربه ولقائه، المسارع في مرضاته، أبشر بقرب لقاء الحبيب فإنه آتٍ، وكل ما هو آتٍ قريب، فتزوَّد للقائه، وسر نحوه مستصحبًا الرجاء، مؤملًا الوصول إليه.

جنات المأوى؛ أي: الجنات التي هي مأوى اللذات، ومعدن الخيرات، ومحل الأفراح، ونعيم القلوب والنفوس والأرواح، ومحل الخلود، وجوار الملك المعبود، والتمتُّع بقربه، والنظر إلى وجهه، وسماع خطابه.

الناس...الموفق منهم الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرَّع له، ويسأله ألَّا يكله إلى نفسة طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا حريٌّ بالإعانة التامة من ربِّه وإلهه.

الدار التي تستحق المدح على الحقيقة التي يكرم الله فيها خواصَّ خلقه، ورضيها الجواد الكريم لهم نُزُلًا، وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء.

كل حالة قُدِّر إمكان الصبر عليها، فالنار لا يمكن الصبر عليها، وكيف الصبر على نار قد اشتدَّ حَرُّها، وزادت على نار الدنيا بسبعين ضعفًا، وعظم غليان حميمها، وزاد نتن صديدها، وتضاعف برد زمهريرها، وعظمت سلاسلها وأغلالها.

كل من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه يكون الفرار إليه.

لا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة، وما فيها من الأنهار المتدفقة، والغياض المعشبه، والمناظر الحسنة، والأشجار المثمرة، والطيور المُغرِّدة، والأصوات الشجية المطربة، والاجتماع بكل حبيب، والأخذ من المعاشرة والمنادمة بأكمل نصيب.

﴿ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ [الطور: 20]؛ أي: نساء جميلات من جمالهن وحسنهن أنه يحار الطرف في حسنهن، وينبهر العقل بجمالهن، وينخلب اللب لكمالهن ﴿ عِينٍ؛ أي: واسعات الأعين، حسانها.

﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ [ق: 33]؛ أي: من خافه على وجه المعرفة بربِّه، والرجاء لرحمته، ولازم على خشية الله في حال غيبه؛ أي: مغيبه عن أعين الناس، وهذه هي الخشية الحقيقية، وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم، فقد يكون رياء وسمعة.

سمَّى الله الرجوع إليه فرارًا؛ لأن في الرجوع إلى غيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحابِّ والأمن والسرور والسعادة والفوز.
﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات: 50]؛ أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبُّه ظاهرًا وباطنًا، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الذكر.

الويل: كلمة جامعة لكل عقوبة وحزن وعذاب وخوف.

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: 10، 11]؛ أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات.

﴿ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ [الواقعة: 46]؛ أي: وكانوا يفعلون الذنوب الكبار، ولا يتوبون منها، ولا يندمون عليها؛ بل يُصرُّون على ما يسخط مولاهم، فقدموا عليه بأوزار كثيرة غير مغفورة.

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا [النازعات: 1] وهم: الملائكة التي تنزع الأرواح بقوة، وتغرق في نزعها حتى تخرج الروح، فتجازى بعملها ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا [النازعات: 2] وهي الملائكة أيضًا تجتذب الأرواح بقوة ونشاط، أو النشط يكون لأرواح المؤمنين، والنزع لأرواح الكفار.

من يخشى الله هو الذي ينتفع بالآيات والعبر، فإذا رأى عقوبة فرعون، عرف أن من تكبَّر وعصى وبارز الملك الأعلى، يعاقبه في الدنيا والآخرة، وأما من ترحَّلت خشية الله من قلبه، فلو جاءته كل آية لا يؤمن بها.

قال بعض السلف: من أراد أن ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين فليتدبَّر سورة: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1].

﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق: 9]؛ أي: تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر، على صفحات الوجوه، ففي الدنيا ينكتم كثير من الأشياء، ولا يظهر عيانًا للناس، وأما يوم القيامة، فيظهر برُّ الأبرار، وفجور الفُجَّار، وتصير الأمور علانية.

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8]، وهذا فيه الترغيب في فعل الخير ولو قليلًا، والترهيب من فعل الشر ولو كان حقيرًا.

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 15] حقيقة هم ﴿ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ [الزمر: 15] حيث حرموها الثواب، واستحقت بسببهم وخيم العقاب ﴿ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر: 15]؛ أي: فرق بينهم وبينهم، واشتد عليهم الحزن، وعظم الخسران.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 31-10-2023, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي

فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (7)

فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الجزء السابع من الفوائد المختصرة من تفسير العلامة السعدي رحمه الله، عن: فوائد متفرقات.


متفرقات:
من معاني اللطيف: الذي يسوق عبده إلى الخير، ويعصمه من الشر بطرق خفية لا يشعر بها، ويسوق إليه من الرزق ما لا يدريه، ويريه من الأسباب التي تكرهها النفوس ما يكون ذلك طريقًا إلى أعلى الدرجات، وأرفع المنازل.


اللطيف...الذي يسوق إلى عباده الخير، ويدفع عنهم الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد...خبير بسرائر الأمور وخبايا الصدور وخفايا الأمور.


الشاكر والشكور من أسماء الله...الذي يقبل من عباده اليسير من العمل ويجازيهم عليه العظيم من الأجر الذي إذا قام عبده بأوامره...أعانه على ذلك، وأثنى عليه وجازاه في قلبه نورًا وإيمانًا وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطًا، وفي جميع أحواله زيادة بركة.


السكينة...تكون على حسب معرفة العبد بربه، وثقته بوعده، وبحسب إيمانه وشجاعته.


* تعبير الرؤيا داخل في الفتوى؛ لقوله للفتيَينِ: ﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [يوسف: 41]، وقال الملك: ﴿ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي [النمل: 32] وقال الفتى ليوسف: ﴿ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ [يوسف: 46] الآيات فلا يجوز تعبير الرؤيا من غير علم.


علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده....ومن العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه.


لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل، إذا كان في ذلك مصلحة، ولم يقصد العبد الرياء، وسلم من الكذب؛ لقول يوسف عليه السلام: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55].


لا تذم الولاية إذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله، وحقوق عباده، وأنه لا بأس بطلبها، إذا كان أعظم كفاءة من غيره، وإنما الذي يُذَمُّ إذا لم يكن فيه كفاية، أو كان موجودًا غيره مثله، أو أعلى منه، أو لم يرد بها إقامة أمر الله.


أهل الدين الصحيح...إذا كان ربهم واحدًا، ورسولهم واحدًا، ودينهم واحدًا، ومصالحهم العامة متفقة، فلأي شيء يختلفون اختلافًا يُفرِّق شَمْلَهم، ويُشتِّت أمْرَهم.


الداء الذي يعرض لأهل الدين الصحيح أن الشيطان إذا أعجزه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية سعى في التحريش بينهم وإلقاء العداوة...فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك، ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض وعداوة بعضهم لبعض.


ينبغي للعبد إذا رأى محلًّا فيه فتنة وأسباب معصية أن يفرَّ منه...غاية ما يمكنه.


من فَرَّ بدينه من الفتن سلَّمَه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله، وجعله هدايةً لغيره، ومن تَحمَّل الذلَّ في سبيله وابتغاء مرضاته، كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب.


أمر برد كل ما تنازع الناس فيه، من أصول الدين وفروعه، إلى الله والرسول؛ أي: إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله، فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما أو إيماء أو تنبيه أو مفهوم أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه.


إذا حصل بحث في أمر من الأمور، ينبغي أن يُولَّى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يتقدَّم بين يديه، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ.


الخوف يوجب قلق القلب وخوفه، وهو مَظِنَّة لضعفه، وإذا ضعف القلب ضعف البدن.


الحزن قد يعرض لخواصِّ عباده الصدِّيقين، مع أن الأولى إذا نزل بالعبد أن يسعى في ذهابه عنه، فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة.


من فوائد قصة يوسف: أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، فإنه لما طال الحزن على يعقوب، واشتد به إلى أنهى ما يكون، ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب، ومَسَّهم الضر، أذن الله حينئذٍ بالفرج...فتَمَّ بذلك الأجر، وحصل السرور.


إن مع العسر يسرًا، وإذا اشتد الكرب، وضاق الأمر فرَّجه الله ووسَّعه.


الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله، ولا يتم له مقصوده.


الصلح بين من بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء خيرٌ من استقصاء كل منهما على كل حقه؛ لما فيه من الإصلاح، وبقاء الألفة، والاتصاف بصفة السماح.


قوله: ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 88]، هذان الأصلان كثيرًا ما يذكرهما الله في كتابه؛ لأنهما يحصل بمجموعهما كمال العبد، ويفوته الكمال بفوتهما أو فوت أحدهما؛ كقوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]، وقوله: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود: 123].


بهذين الأمرين تستقيم أحوال العبد، وهما: الاستعانة بربه، والإنابة إليه؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود: 123]، وقال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].


العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم، واتهام عقله، والإقرار لله بالحكمة.


من اتبع هداه، حصل له الأمن والسعادة الدنيوية، والأخروية، والهدى، وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب.


الجازع حصلت له المصيبتان فوات المحبوب وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان وفاته الصبر والرضا والشكران.


أليس من القبيح بالعباد أن يتمتعوا برزقه، ويعيشوا ببره، وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه، أليس ذلك دليلًا على حلمه وصبره، وعفوه وصفحه، وعظيم لطفه؟ فله الحمد أولًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا.


الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس، هو الرضا الحقيقي.


الإلقاء باليد إلى التهلكة...يدخل تحت ذلك أمور كثيرة، فمن ذلك:...الإقامة على معاصي الله، واليأس من التوبة، ومنها: ترك ما أمر الله به من الفرائض التي في تركها هلاك للروح والبدن.


﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ [آل عمران: 37] وهو محل العبادة، وفيه إشارة إلى كثرة صلاتها.


المقصود الأعظم من سياق القصص أنه يحصل بها العبرة.


كل من تطلَّع وتشوَّف إلى ما حضر بين يدي الإنسان ينبغي أن يعطيه منه ما تيسَّر.


أحسن ما حدَّت به الكبائر، أن الكبيرة ما فيه حدٌّ في الدنيا، أو وعيدٌ في الآخرة، أو نفي إيمان، أو ترتيب لعنة، أو غضب عليه.


﴿ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ [النساء: 38]؛ أي: ليروهم، ويمدحوهم، ويعظموهم.


كل من لم يقم بما أمر الله به، وأخذ به عليه الالتزام، كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب، والابتلاء بتحريف الكلم، وأنه لا يوفق للصواب، ونسيان حظ مما ذكر به، وأنه لا بد أن يُبتلى بالخيانة، نسأل الله العافية.


من يقاتل ويصبر على نيل عِزِّه الدنيوي إن ناله، ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية والأخروية، والفوز برضوان الله وجنَّتِه.


لا ينبغي للإنسان أن يتجنَّب الطيبات، ويحرمها على نفسه؛ بل يتناولها مستعينًا بها على طاعة ربه.


﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام: 11]، وهذا السير المأمور به سير القلوب والأبدان، الذي يتولَّد منه الاعتبار، وأما مجرد النظر من غير اعتبار، فإن ذلك لا يفيد شيئًا.


المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر.


أهل الحق هم الأقلون عددًا، الأعظمون عند الله قدرًا وأجرًا.


من انشرح صدره للإسلام؛ أي: اتَّسَع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنَّتْ بذلك نفسه، وأحَبَّ الخير، وطوَّعَت له نفسه فعله، متلذِّذًا به، عير مستثقل فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ومنَّ عليه بالتوفيق.


القياس إذا عارض النص فإنه قياس باطل؛ لأن المقصود بالقياس أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص يقارب الأمور المنصوص عليها، ويكون تابعًا لها، فأما قياس يعارضها، ويلزم من اعتباره إلغاء النصوص، فهذا القياس من أشنع الأقيسة.


﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169] في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وشرعه.


﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ [الأعراف: 170]؛ أي: يتمسَّكون به علمًا وعملًا، فيعملون ما فيه من الأحكام والأخبار التي علمها أشرف العلوم، ويعملون بما فيها من الأوامر التي هي قرة العيون، وسرور القلوب، وأفراح الأرواح، وصلاح الدنيا والآخرة.


قدم تعالى أعمال القلوب؛ لأنها أصل لأعمال الجوارح، وأفضل منها.


النصر بيد الله، ليس بكثرة عدد، ولا عُدد.


الله إذا ثبت المؤمنين، وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم، ومنحهم الله أكتافهم.


ليس الرزق مقصورًا على باب واحد، ومحل واحد؛ بل لا ينغلق باب، وإلا وفتحت أبواب كثيرة، فإن فضل الله واسع، وجوده عظيم، خصوصًا لمن ترك شيئًا لوجه الله الكريم، فإن الله أكرم الأكرمين.


انحراف الإنسان في ماله، إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعًا؛ بل لا ينال منه إلا الضرر المحض؛ وذلك كإخراج الأموال في المعاصي التي لا تُعين على طاعة الله، وإخراجها للصَّدِّ عن سبيل الله، وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات.


العوائد المخالفة للشرع، مع الاستمرار عليها، يزول قبحها عن النفوس، وربما ظَنَّ أنها عوائد حسنة.


العبد حقيقة هو المتعبِّد لربِّه في كل حال، القائم بالعبادة السهلة والشاقة، فهذا العبد لله على كل حال.


لو أعطى الأغنياء زكاة أموالهم على الوجه الشرعي لم يبق فقير من المسلمين، ولحصل من الأموال ما يسد الثغور ويجاهد به الكُفَّار وتحصل به جميع المصالح الدينية.


الاستهزاء بالله ورسوله كفر مخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة.


﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة: 67] حصر الفسق فيهم؛ لأن فسقهم أعظم من فسق غيرهم، بدليل أن عذابهم أشد من عذاب غيرهم، وأن المؤمنين قد ابتُلوا بهم؛ إذ كانوا بين أظهرهم، والاحتراز منهم شديد.


من أطاع الله، وتطوع بخصلة من خصال الخير، فإن الذي ينبغي هو إعانته، وتنشيطه على عمله.


﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]؛ أي: تُطهِّرهم من الذنوب، والأخلاق الرذيلة، ﴿ وَتُزَكِّيهِمْ؛ أي: تنميهم وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي، والأخروي، وتنمي أموالهم.


الكافر لا ينفعه الاستغفار، ولا العمل ما دام كافرًا.


﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة: 108] الطهارة المعنوية: كالتنزُّه عن الشرك، والأخلاق الرذيلة، والطهارة الحسية؛ كإزالة الأنجاس، ورفع الأحداث.


فسرت السياحة بالصيام، أو السياحة في طلب العلم، وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته، والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أن المراد بالسياحة: السفر في القربات؛ كالحج، والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك.


﴿ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة: 118]؛ أي: تيقنوا وعرفوا بحالهم أنه لا ينجي من الشدائد، ويلجأ إليه، إلا الله وحده لا شريك له، فانقطع تعَلُّقهم بالمخلوقين، وتعَلَّقوا بالله ربهم، وفَرُّوا منه إليه.


تنبيه...لفائدة مهمة، وهي أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة، من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها.


الحَثُّ والترغيب على التفكير في مخلوقات الله، والنظر فيها، بعين الاعتبار، فإن بذلك تنفسح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك تهاوُن بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة.


المكروه إذا وقع بالإنسان، تبين ذلك في وجهه، وتغيَّر، وتكدر.


لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء أو رده، قبل أن يحيط به علمًا.


الحكمة -والله أعلم- بكونه ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، أن الذرية والشباب أقبل للحق، وأسرع له انقيادًا، بخلاف الشيوخ ممن تربَّى على الكفر، فإنهم بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة، أبعد عن الحق من غيرهم.


الجزاء من جنس العمل، فمن بخس أموال الناس، يريد زيادة ماله، عُوقِب بنقيض ذلك، وكان سببًا لزوال الخير الذي عنده من الرزق؛ لقوله: ﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ [هود: 84] فلا تتسببوا إلى زواله بفعلكم.


النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها.


إذا أراد الله أمرًا من الأصول العظام قدَّم بين يديه مقدمة، توطئة له، وتسهيلًا لأمره، واستعدادًا لما يرد على العبد من المشاق، ولطفًا بعبده، وإحسانًا إليه.


الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وأمارات تدل عليه، قد يعلمها العباد، وقد لا يعلمونها.


كل خائن لا بُدَّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بُدَّ أن يتبين أمره.


﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187] عواقب الأمور، ودقائق الأشياء، وكذلك أهل العلم منهم يخفى عليهم من العلم وأحكامه ولوازمه شيء كثير.


الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه... وبحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه.


﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا [يوسف: 91]؛ أي: فضلك علينا بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وأسأنا إليك غاية الإساءة، وحرصنا على إيصال الأذى إليك، والتبعيد لك عن أبيك، فآثرك الله تعالى ومكَّنَك مما تريده.


ينبغي للعبد البعد عن أسباب الشر، وكتمان ما يخشى مضرته؛ لقول يعقوب ليوسف: ﴿ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5].


العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية، فإن أولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في أول الأمر مما هو أكبر أسباب النقص واللوم، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح، والسماح التام من يوسف ومن أبيهم ومن الدعاء بالمغفرة والرحمة.


يوسف... جماله الباطن، العفة العظيمة عن المعصية، مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها.


كما أن على العبد عبودية لله في الرخاء، فعليه عبودية له في الشدة، فـ " يوسف" عليه السلام، لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجن استمر على ذلك، ودعا الفتيَينِ إلى التوحيد، ونهاهما عن الشرك.


العباد... يعصونه فيدعوهم إلى بابه، ويجرمون فلا يحرمهم خيره وإحسانه، فإن تابوا إليه فهو حبيبهم؛ لأنه يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب.


إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية فانتقلوا إلى طاعة الله غيَّر الله عليهم ما كانوا عليه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة.


الله وحده... الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء والخوف والرجاء والحب والرغبة والرهبة والإنابة؛ لأن ألوهيته هي الحق، وألوهية غيره باطلة.


خسر في الدنيا والآخرة من تجبَّر على الله، وعلى الحق، وعلى عباد الله، واستكبر في الأرض، وعاند الرسل وشاقهم.


من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم، فلا سبيل إلى القنوط إليه؛ لأنه يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئًا كثيرًا.


﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99]؛ أي: الموت.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 31-10-2023, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي

فوائد مختصرة من تفسير العلامة السعدي (8)

فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الجزء الثامن من الفوائد المختصرة من تفسير العلامة السعدي رحمه الله، عن: فوائد متفرقة.


الله تعالى إذا أراد أن يهلك قرية، زاد شرهم وطغيانهم، فإذا انتهى أوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه.


ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله، وقتله شر قتله.


﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [آل عمران: 137] بأبدانكم وقلوبكم، ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران: 137] فإنكم سترون من ذلك العجائب، فلا تجد مكذبًا إلا كان عاقبته الهلاك.


الذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف عنكم ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، ولكن كثيرًا من الناس يظلمون أنفسهم، ويحمدون نعمة الله عليهم إذا نجَّاهم من الشدة، فإذا صاروا في حال الرخاء أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة.


ليس الزهد الممدوح هو الانقطاع للعبادات القاصرة؛ كالصلاة والصيام والذكر ونحوها؛ بل لا يكون العبد زاهدًا زهدًا صحيحًا حتى يقوم بما يقدر عليه من الأوامر الشرعية الظاهرة والباطنة، ومن الدعوة إلى الله وإلى دينه بالقول والفعل.


الكاذب يكذب، ولا يفكر فيما يؤول إليه كذبه، فيكون في قوله من التناقض والفساد ما يوجب ردَّه بمجرد تصوره.


كل من كذب بالحق، فإنه في أمر مختلط، لا يدري له وجه ولا قرار، فترى أموره متناقضة مؤتفكة، كما أن من اتَّبَع الحق وصدَّق به قد استقام أمره، واعتدل سبيله، وصدَّق فِعْلُه قِيلَه.


تثبَّت في كل ما تقوله وتفعله...فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عمَّا قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يُعِدَّ للسؤال جوابًا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له، وكفِّها عمَّا يكرهه الله تعالى.


من تولَّى تربية الإنسان في دينه ودنياه، تربية صالحة غير الأبوين، فإن له على من ربَّاه حق التربية.


﴿ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 102]؛ أي: يهديهم إلى حقائق الأشياء، ويبين لهم الحق من الباطل، والهدى من الضلال.


القول الحسن داعٍ لكل خلقٍ جميلٍ، وعملٍ صالحٍ، فإن من ملك لسانه، ملك جميع أمره.


من هداه الله فإنه عند النِّعَم يخضع لربه، ويشكر نعمته، وعند الضرَّاء يتضرَّع ويرجو من الله عافيته، وإزالة ما يقع فيه، وبذلك يخف عليه البلاء.


لم يزل الله يُري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، ما يتبين به الحق من الباطل، والهُدى من الضلال.


من رحمته بمن طلب الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك.


المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب، أو التي لا فائدة فيها، إما أن يكون الخصم معاندًا، أو تكون المسألة لا أهمية فيها، ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها...فإن في كثرة المناقشات فيها...تضييعًا للزمان، وتأثيرًا في مودة القلب بغير فائدة.


فضل الله لا تحيط به الأوهام والعقول، ولا ينكره إلا ظالم جهول.


العبد ينبغي له إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده أن يضيف النعمة إلى موليها ومسديها، وأن يقول: "ما شاء الله، لا قوة إلا بالله" ليكون شاكرًا، متسببًا لبقاء نعمته عليه؛ لقوله: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف: 39].


أي ظلم أعظم من ظلم من اتخذ عدوَّه الحقيقي وليًّا، وترك الولي الحميد؟!


استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعًا.


تعليق الأمور المستقبلة التي من أفعال العباد بالمشيئة، وألَّا يقول الإنسان للشيء: "إني فاعل ذلك في المستقبل"، إلا أن يقول: "إن شاء الله".


العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته.


المبغض لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام مَنْ أبغضه.


﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم: 2، 3] ناداه نداء خفيًّا ليكون أكمل وأفضل، وأتم إخلاصًا.


الشيب دليل الضعف والكبر، ورسول الموت، ورائده ونذيره.


﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم: 4] توسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه، وهذا من أحب الوسائل إلى الله؛ لأنه يدل على التبرِّي من الحول والقوة، وتعلُّق القلب بحول الله وقوته.


من رحمة الله بعبده أن يرزقه ولدًا صالحًا، جامعًا لمكارم الأخلاق، ومحامد الشيم.


الأسباب جميعها لا تستقل بالتأثير، وإنما تأثيرها بتقدير الله، فيرى عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية؛ لئلا يقفوا مع الأسباب، ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها.


﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم: 31]؛ أي: في أي مكان، وأي زمان، فالبركة جعلها الله في تعليم الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله، فكل من جالسه أو اجتمع به نالته بركته، وسعد به مصاحبه.


من بركة الشام أن كثيرًا من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله اختارها مهاجرًا لخليله، وفيها أحد البيوت الثلاثة المقدسة، وهو بيت المقدس.


من كان في الضلالة بأن رضيها لنفسه وسعى فيها، فإن الله يمده منها ويزيده فيها حبًّا عقوبة له على اختيارها على الهدى، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام: 110].


له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى، من حسنها: أنه أمر العباد أن يدعوه بها؛ لأنها وسيلة مقربة إليه، يحبها ويحب من يحفظها، ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبَّد له بها؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180].


الصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله، كما أن الفساد سبب لحرمانه الخير.


من فوائد الجليس الصالح والقرين الصالح أنه مبارك على قرينه.


صحبة الأخيار ومجاهدة النفس على مصاحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء، فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يُحْصى.


من سلطه...على العباد من الملوك وقام بأمر الله، كانت له العاقبة الحميدة والحالة الرشيدة، ومن تسلَّط عليهم بالجبروت، وأقام فيهم هوى نفسه، فإنه وإن حصل له ملك مؤقت، فإن عاقبته غير حميدة، فولايته مشئومة وعاقبته مذمومة.


الجهاد في الله حق جهاده، هو القيام التام بأمر الله، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك، من نصيحة وتعليم وقتال وأدب وزجر ووعظ، وغير ذلك.


سمى الاستئذان استئناسًا؛ لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة.


البصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكُّر وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم.


الفلاح: الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، ولا يفلح إلا من حكَّم الله ورسوله، وأطاع الله ورسوله.


نور الإيمان والقرآن أكثر وقوع أسبابه في المساجد.


السيد وولي الصغير مخاطبان بتعليم عبيدهم، ومن تحت ولايتهم من الأولاد العلوم والآداب الشرعية؛ لأن الله وجَّه الخطاب إليهم، بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ [النور: 58] الآية، فلا يمكن ذلك إلا بالتعليم والتأديب.


الزينة على الأنثى ولو مع تستُّرها، ولو كانت لا تُشتهى، يُفتنُ فيها، ويوقع الناظر إليها في حرج ﴿ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور: 60].


معرفة أحكامه الشرعية على وجهها يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها أجل المعاني، وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل، فكما استعمل عقله للعقل عن ربه، وللتفكُّر في آياته التي دعاه إليها، زاده من ذلك.


حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأدب الكامل، والتعجب في موضعه، وألَّا يبلغ بهم الضحك إلا التبسُّم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جُلُّ ضحكه التبسُّم، فإن القهقهة تدل على خفة العقل، وسوء الأدب.


عدم التبسُّم والعجب مما يتعجب منه يدل على شراسة الخلق والجبروت، والرُّسُل منزَّهون عن ذلك.


﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ [النمل: 20] دلَّ هذا على كمال عزمه وحزمه، وحسن تنظيمه لجنوده، وتدبيره بنفسه للأمور الصغار والكبار، حتى إنه لم يهمل هذا الأمر، وهو: تفقُّد الطير، والنظر هل هي موجودة كلها، أم مفقود منها شيء؟ وهذا هو معنى الآية.


﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ [النمل: 42] وهذا من ذكائها وفطنتها لم تقل: هو؛ لوجود التغير فيه والتنكير، ولم تنف أنه هو؛ لأنها عرفته، فأتت بلفظ محتمل للأمرين، صادق على الحالين.


من أعظم آثار الجبار في الأرض، قتل النفس بغير حق.


الله تعالى إذا أراد أمرًا هَيَّأ أسبابه، وأتى بها شيئًا فشيئًا بالتدرُّج، لا دفعة واحدة.


العبد إذا عمل العمل لله تعالى، ثم حصل له مكافأة عليه، من غير قصد بالقصد الأول، فإنه لا يُلام على ذلك.


الأوامر والنواهي يحتاج المكلف فيها إلى جهاد؛ لأن نفسه تتثاقل بطبعها عن الخير، وشيطانه ينهاه عنه، وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه كما ينبغي، وكل هذه معارضات تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد.


لو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة لما اختص بذلك الحمار الذي علمت خسته وبلادته.


الأنعام...سخَّرها الله لمنافعكم...تستدلون بها على كمال قدرة الله...حيث أسقاكم من بطونها المشتملة على الفرث والدم فأخرج من بين ذلك لبنًا خالصًا من الكدر سائغًا للشاربين للذَّته، يسقي ويغذي، فهل هذه إلا قدرة إلهية لا أمور طبيعية.


ترى العبد الضعيف الذي يُفوِّض أمره لسيده [أي: الله عز وجل] قد قام بأمور لا تقوم بها أمة من الناس، وقد سَهَّل الله عليه ما كان يصعب على فحول الرجال، وبالله المستعان.


الأسباب تنفع، إذا لم يعارضها القضاء والقدر، فإذا جاء القضاء والقدر، تلاشى كل سبب، وبطلت كل وسيلة ظَنَّها الإنسان تُنْجيه.


الأسوة الحسنة في الرسول صلى الله عليه وسلم...وهذه الأسوة الحسنة إنما يسلكها ويُوفَّق لها من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف الله، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم.


فسرت الحكمة بالعلم النافع، والعمل الصالح.


ينبغي للعبد إذا رأى من نفسه...أنه يهش لفعل المحرم فليعرف أن ذلك مرض فليجتهد في إضعاف هذا المرض، وحسم الخواطر الردية، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر، وسؤال الله العصمة والتوفيق.


كلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه.


شكر الله تعالى حافظ للنعمة، دافع للنقمة.


من أسباب قصر العمر، الزنا، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، ونحو ذلك، مما ذكر أنها من أسباب قصر العمر.


﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 17]؛ أي: رجَّاع إلى الله في جميع الأمور، بالإنابة إليه، بالحب والتألُّه، والخوف، والرجاء، وكثرة التضرُّع، والدعاء، رجَّاع إليه، عندما يقع منه بعض الخلل بالإقلاع، والتوبة النصوح.


الله تعالى يمدح ويحبُّ القوة في طاعته، قوة القلب والبدن، فإنه يحصل منها من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها، ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوة، وأن العبد ينبغي له تعاطي أسبابها وعدم الركون إلى الكسل، والبطالة المخلة بالقوة، المضعفة للنفس.


لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق لسوء أدب الخصم، وفعله ما لا ينبغي.


الحكم بين الناس مرتبة دينية، تولَّاها رُسُلُ الله، وخواصُّ خلقه.


الحكم بين الناس وظيفة القائم بها الحكم بالحق، ومجانبة الهوى، فالحكم بالحق يقتضي العلم بالأمور الشرعية، والعلم بصورة القضية المحكوم بها، وكيفية إدخالها في الحكم الشرعي، فالجاهل بأحد أمرين: لا يصلح للحكم، ولا يحلُّ له الإقدام عليه.


كل ما شغل العبد عن الله فإنه مشئوم مذموم فليُفارقه وليُقبل على ما هو أنفع له.


﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [البقرة: 243] بسبب جهلهم وظلمهم ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13] الذين يُقِرُّون بنعمة ربهم، ويخضعون لله ويحبونه، ويصرفونها في طاعة مولاهم.


إن ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ [الزخرف: 67] يوم القيامة المتخالِّين على الكفر والتكذيب ومعصية الله ﴿ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [الزخرف: 67]؛ لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير الله، فانقلبت يوم القيامة عداوة ﴿ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67] للشرك والمعاصي، فإن محبتهم تدوم وتتَّصِل بدوام من كانت المحبة لأجله.


قصَّ الله على عباده نبأ الأخيار والفُجَّار ليعتبروا بهم، وأين وصلت بهم الأحوال.


الضيف يكرم بأنواع الإكرام بالقول والفعل....وإبراهيم هو الذي خدم أضيافه، وهو خليل الرحمن، وسيد من ضيَّف الضيفان.


من خاف من أحد لسبب من الأسباب، فإن عليه أن يزيل عنهُ الخوف، ويذكر له ما يؤمن روعه، ويسكن جأشه، كما قالت الملائكة لإبراهيم لما خافهم: ﴿ لَا تَخَفْ [هود: 70].


كان النصارى ألين من غيرهم قلوبًا، حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام.


من وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله كان وبالًا عليه.


﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، وظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعيَّن على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى.


متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب اتِّباعها، وتقديمها على غيرها، كائنًا من كان.


الفقه كل الفقه أن يكون خوف الخالق ورجاؤه ومحبته مقدمةً على غيرها، وغيرها تبعًا لها.


المتخذ للكافر وليًّا عادم المروءة...فكيف يُوالي أعدى أعدائه الذي لا يريد له إلا الشر، ويخالف ربه ووليَّه الذي يريد به الخير، ويأمره به ويحثه عليه؟!


موالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه...من أعظم الجهاد في سبيله، ومن أعظم ما يتقرَّب به المتقربون إلى الله، ويبتغون به رضاه.


﴿ وَاللَّهُ قَدِيرٌ [الممتحنة: 7] على كل شيء، ومن ذلك: هداية القلوب وتقليبها من حال إلى حال.


ينبغي للعبد المُقبِل على عبادة الله وقت دواعي النفس لحضور اللهو، والتجارات والشهوات، أن يذكرها بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رِضاه على هواه.


قال: ﴿ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 254] ليدل ذلك على أنه تعالى لم يُكلِّف العباد من النفقة ما يعنتهم ويشق عليهم؛ بل أمرهم بإخراج جزء مما رزقهم ويسَّره ويسَّر أسبابه، فليشكروا الذي أعطاهم بمواساة إخوانهم المحتاجين.


﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7]؛ أي: أخلصه وأصوبه.


﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 182] فنمدهم بالأموال والأولاد، ونمدهم في الأرزاق والأعمال، ليغتروا ويستمروا على ما يضُرُّهم، وهذا من كيد الله لهم، وكيد الله لأعدائه متين قوي، يبلغ من ضررهم وعقوبتهم كل مبلغ.


الانقطاع إلى الله، والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وما يقرب إليه، ويوفي من رضاه.


كلما وُجِد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه حتى لو دخل العسر جُحْر ضَبٍّ لدخل عليه اليسر فأخرجه كما قال تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق: 7] وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا)).


الإيثار عكس الأثرة، فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة؛ لأنها من خصال البخل والشُّح.


أكثر الخلق منحرفون عن شكر المُنْعِم، مشتغلون باللهو واللعب، قد رضوا لأنفسهم بأسافل الأمر...فردَّهم الله في أسفل سافلين؛ أي: أسفل النار...إلَّا مَنْ مَنَّ الله عليه بالإيمان، والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة العالية.


الإنسان...كثير الحب للمال، وحُبُّه لذلك هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على رضا ربِّه، وكلُّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة.


"سورة الفلق" هذه السورة تضمَّنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا، ودلت على أن السحر له حقيقة، يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه، ومن أهله.


الوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس؛ ولهذا قال: ﴿ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس: 6].


من عاش على شيء مات عليه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 266.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 261.39 كيلو بايت... تم توفير 4.93 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]