أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة - الصفحة 9 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا ذبابة . .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          خذوا ما آتيناكم بقوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فمهل الكافرين أمهلهم رويدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          لا تشغلنكم مصيبة عن دينكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الله يصنع لدينه.. فلا تحزنوا ولا تبتئسوا ولا تتباءسوا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 822 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850185 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386318 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #81  
قديم 19-02-2020, 02:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



الحديث السادس

132- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما فرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر".

قال البخاري: باب فضل الجمعة [19] وذكر الحديث.

قال الحافظ: ومناسبته للترجمة من جهة ما اقتضاه الحديث من مساواة المبادر إلي الجمعة للمتقرب بالمال فكأنه جمع بين عبادتين بدنية ومالية، وهذه خصوصية للجمعة لم تثبت لغيرها من الصلوات.

قوله: (من اغتسل يوم الجمعة) وفي رواية من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وعبد الرزاق "فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة".

قال الحافظ: (وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر، وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة، والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه، وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم، وعليه حمل قائل ذلك حديث: "من غسل واغتسل" المخرج في السنن على رواية من روى غسل بالتشديد)[20].

قوله: (ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) أي تصدق بها متقربا إلي الله، وفي رواية "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد ويكتبون الأول فالأول فمثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي كبشا ثم كالذي يهدي دجاجة ثم كالذي يهدي بيضة فإذا خرج الأمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر، والمراد بالبدنة البقر ذكرا كان أم أنثى.

وقال الأزهري: البدنة لا تكون إلا من الإبل، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم، وقال إمام الحرمين: البدنة من الإبل، ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعا من الغنم.

وقوله: (راح) أي ذهب وسار وفي رواية عند عبد الرزاق غدا، وفي رواية المتعجل إلي الجمعة كالمهدي بدنة ولأبي داود من حديث علي مرفوعًا: "إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلي الأسواق، وتغدو الملائكة فتجلس على باب المسجد فتكتب الرجل من ساعة والرجل من ساعتين" الحديث.

قال الحافظ: فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب، وقيل: النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلي أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال، فيسمى الذاهب إلي الجمعة رائحا وإن لم يجيء وقت الرواح، كما سمي القاصد إلي مكة حاجا. وقد اشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلي الجمعة وقال أحمد: هذا خلاف حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. انتهى.

قوله: (في الساعة الأولي) قيل: إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وقيل أول التبكير طلوع الشمس.

والمراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر فالنهار اثنتا عثرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك، وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وهي غير الساعات التعديلية المعروفة الآن.

قال الحافظ: (وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعًا: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة" وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات، وقيل المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلي الزوال وأنها تنقسم إلي خمس، وقال أيضا ليس في شيء من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من أول النهار، فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره، ويكون مبدأ المجيء من أول الثانية فهي أولى بالنسبة للمجيء ثانية بالنسبة للنهار، وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال فيرتفع الإشكال) ا هـ.

وقد وقع في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور.

قوله: (إذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها ولمسلم فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر.

قال الحافظ: (ووقع في حديث ابن عمر صفة الصحف المذكورة أخرجه أبو نعيم في الحليلة مرفوعًا بلفظ: "إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور" الحديث، وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة، والمراد بطي الصحف طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلي الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعا، ورقع في رواية ابن عيينة عن الزهري في آخر حديثه عند ابن ماجه: "فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء لحق الصلاة" قال وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليه، وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما، وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدي، واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك)[21]. انتهى.

تتمة:
عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا آتاه إياها، والتمسوها آخر ساعة بعد العصر". رواه النسائي وأبو داود.

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول في ساعة الجمعة: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة" رواه مسلم وأبو داود.

فال أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى لها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر ويرجي بعد زوال الشمس.

وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره" رواه أحمد والترمذي وصححه.

وعن وهب بن حذيفة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "الرجل أحق بمجلسه وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه" رواه أحمد والترمذي وصححه. وبالله التوفيق.

الحديث السابع

133- عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- وكان من أصحاب الشجرة- قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به.

وفي لفظ: كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع فنتتبع الفيء.

قوله: (عن سلمة بن الأكوع: وكان من أصحاب الشجرة- رضي الله عنه-)، أورده البخاري في باب غزوة الحديبية ولفظه: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثم ننصرف. وليس للحيطان ظل نستظل به.

وقال البخاري: باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس[22]، وكذلك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث - رضي الله عنه- وذكر حديث عائشة- رضي الله عنها- كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلي الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم، وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس".

قال الحافظ: (باب وقت الجمعة أي أوله إذا زالت الشمس، جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده، قال واستدل البخاري بقوله: "راحوا" على أن ذلك كان بعد الزوال لأنه حقيقة الرواح ولا يعارض هذا ما تقدم عن الأزهري أن المراد بالرواح في قوله: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " الذهاب مطلقا لأنه إما أن يكون مجازا أو مشتركا، وعلى كل من التقديرين فالقرينة مخصصه وهي في قوله: "من راح في الساعة الأولى" قائمة في إرادة مطلق الذهاب، وفي هذا قائمة في الذهاب بعد الزوال لما جاء في حديث عائشة المذكور حيث قالت: "يصيبهم الغبار والعرق" لأن ذلك غالبا إنما يكون بعد ما يشتد الحر، وهذا في حال مجيئهم من العوالي، فالظاهر أنهم لا يصلون إلي المسجد إلا حين الزوال أو قريبا من ذلك، وعرف بهذا توجيه إيراد حديث عائشة في هذا الباب- إلى أن قال- قوله: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس" فيه إشعار بمواظبته - صلى الله عليه وسلم- على صلاة الجمعة إذا زالت الشص. أما رواية حميد التي بعد هذا عن أنس "كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة" فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار، لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض، وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإيراد [23] انتهى.

وقال البخاري أيضاً: باب قول الله تعالى: ï´؟ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ï´¾ [الجمعة: 10] وذكر حديث سهل بن سعد قال كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون أصول السلق عرقه وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك " وفي رواية" ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة[24].

قال الحافظ: (واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن أبي شيبة: "باب من كان يقول الجمعة أول النهار" وأورد فيه حديث سهل هذا وحديث أنس وعن ابن عمر مثله وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم.

قال الحافظ: وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة، ثم ينصرفون فيتداركون ذلك. بل ادعى الزين بن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة)[25].

قال النووي: (قوله في حديث جابر: (كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم نرجع فنريح نواضحنا) وفسر الوقت بزوال الشمس. وفي الرواية الأخرى: (حين تزول الشمس)، وفي حديث سهل: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) وفي حديث سلمة: (كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء) وفي رواية: (ما نجد للحيطان فيئا نستظل به). هذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة، وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق، فجوزاها قبل الزوال، قال القاضي: وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيء إلا ما عليه الجمهور، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلي ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها. فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها.

وقوله: (نتبع الفيء)، إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانه، وفيه تصريح بأنه كان قد صار فيء يسير، وقوله: وما نجد فيئا نستظل به، موافق لهذا فإنه لم ينف الفيء من أصله وإنما نفى ما يستظل به وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به [26] انتهى.

قال الموفق: (مسالة: وإذا زالت الشمس يوم الجمعة صعد الإمام المنبر.
مسألة: قال: وإذا زالت الشمس يوم الجمعة صعد الإمام المنبر.

المستحب إقامة الجمعة بعد الزوال لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك قال سلمة بن الأكوع: "كنا نجمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفيء" متفق عليه وعن أنس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس" أخرجه البخاري.

ولأن في ذلك خروجا عن الخلاف فإن علماء الأمة اتفقوا على أن ما بعد الزوال وقت للجمعة وإنما الخلاف فيما قبله ولا فرق في استحباب إقامتها نقيب الزوال بين شدة الحر وبين غيره فإن الجمعة يجتمع لها الناس فلو انتظروا الإيراد شق عليهم، وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعلها إذا زالت الشمس في الشتاء والصيف على ميقات واحد)[27].

قال في الاختيارات: (وتجب الجمعة على من أقام في غير بناء كالخيام وبيوت الشعر ونحوها وهو أحد قولي الشافعي وحكاه الأزجي رواية عن أحمد ونقل ابن النظر العجلي عن أحمد ليس على أهل البادية جمعة لأنهم ينتقلون فأسقطها عنهم وعلل بأنهم غير مستوطنين.

وقال أبو العباس في موضع آخر: يشترط مع إقامتهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل القرية ويحتمل أن تلزم الجمعة مسافرا له القصر تبعا للمقيمين، وتنعقد الجمعة بثلاثة: واحد يخطب واثنان يستمعان وهو إحدى الروايات عن أحمد وقول طائفة من العلماء وقد يقال بوجوبها على الأربعين لأنه لم يثبت وجوبها على من دونهم، وتصح ممن دونهم لأنه انتقال إلي أعلى الفرضين: كالمريض بخلاف المسافر فإن فرضه ركعتان، ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود ويجب في الخطبة أن يشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوجب أبو العباس في موضع آخر الشهادتين وتردد في وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم- في الخطبة.

وقال في موضع آخر: ويحتمل وهو الأشبه أن تجب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم- فيها ولا تجب مفردة لقول عمر وعلي: الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك - صلى الله عليه وسلم- وتقدم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم- على الدعاء لوجوب تقديمه على النفس، وأما الأمر بتقوى الله فواجب، أما معنى ذلك وهو الأشبه من أن يقال الواجب لفظ التقوى، ومن أوجب لفظ التقوى فقد يحتج بأنها جاءت بهذا اللفظ في قوله تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ï´¾ [النساء: 131] وليست كلمة أجمع لما أمر الله من كلمة التقوى، قال الإمام أحمد في قوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204] أجمع الناس أنها نزلت في الصلاة.

وقد قيل في الخطبة: والصحيح أنها نزلت في ذلك كله، وظاهر كلام أبي العباس أنها تدل على وجوب الاستماع، وصرح بأنها تدل على وجوب القراءة في الخطبة لأن كلمة إذا إنما تقولها العرب فيما لا بد من وقوعه لا فيما يحتمل الوقوع وعدمه لأن إذا ظرف لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط غالبا والظرف للفعل لابد أن يشتمل على الفعل وإلا لم يكن ظرفا.

وقال: رفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم- قدام بعض الخطباء مكروه أو محرم اتفاقا لكن منهم من يقول: يصلي عليه سرا، ومنهم من يقول: يسكت، ودعاء الإمام بعد صعوده لا أصل له، ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة وهو أصح الوجهين لأصحابنا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما كان يشير بأصبعه إذا ودعا وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استشفى على المنبر.

ويقرأ في أولى فجر الجمعة آلم السجدة وفي الثانية ï´؟ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ï´¾ [الإنسان: 1] ويكره مداومته عليهما وهو منصوص أحمد وغيره، ويكره تحري سجدة غيرها والسنة إكمال السجدة وï´؟ هَلْ أَتَى ï´¾ وصلاة الركعتين قبل الجمعة حسنة مشروعة ولا يداوم عليها إلا لمصلحة ويحرم تخطي رقاب الناس.

وقال أبو العباس في موضع آخر: ليس لأحد أن يتخطى الناس ليدخل في الصف إذا لم يكن بين يديه فرجة لا يوم الجمعة ولا غيره لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى، وإذا فرش مصلى ولم يجلس عليه ليس له ذلك ولغيره رفعه في أظهر قولي العلماء وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزى بالعيد وصلى ظهرا جاز إلا للإمام، وهو مذهب أحمد.

وأما القصاص الذين يقومون على رؤوس الناس ثم يسألون فهؤلاء منعهم من أهم الأمور فإنهم يكذبون ويتخطون الناس ويشغلون الناس يشغلون عما يشرع في الصلاة والقراءة والدعاء لاسيما إن قصوا أو سألوا والإمام يخطب فإن هذا من المنكرات الشنيعة التي ينبغي إزالتها باتفاق الأئمة، ينبغي لولاة الأمور أن يمنعوا من هذه المنكرات كلها فإنهم متصدون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)[28].

تكملة:
وروي البيهقي من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث بن سعد فقال: كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة، فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة. وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم.

وعن طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض". رواه أبو داود وقال طارق بن شهاب قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يسمع منه شيئا[29].

قال الموفق في "المقنع": ولا تجب على مسافر ولا عبد ولا امرأة ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يجز له أن يؤم فيها.

وقال: (وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز أن يكون العبد والمسافر إماما فيها ووافقهم مالك في المسافر، وحكي عن أبي حنيفة أن الجمعة تصح بالعبيد والمسافرين لأنهم رجال تصح منهم الجمعة)[30].

وقال ابن مفلح: (وتجوز في أكثر من موضع لحاجة كخوف فتنة أو بعد أو ضيق لئلا تفوت حكمة تجميع الخلق الكثير دائما.

وقال أيضاً: وأن غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة فنص أحمد يجوز اتباعهم قاله ابن عقيل)[31] انتهى.

تنبيه:
محل ذلك إذا أمن وقوع المفسدة من تشاحن وتباغض، وغير ذلك.

الحديث الثامن

134- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: ï´؟ آلم * تنزيل ï´¾ والسجدة، وï´؟ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ï´¾.

قال البخاري: باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة وذكر الحديث وفي رواية عند مسلم لم تنزيل في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية هل أتى على الإنسان[32].

قال الحافظ: (وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته - صلى الله عليه وسلم- على ذلك أو إكثاره منه، بل ورد من حديث ابن مسعود التصريح بمداومته - صلى الله عليه وسلم- على ذلك، يديم ذلك، وكأن ابن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب: ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا، وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب، فإن الصيغة ليست نصا في المداومة لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك إلى أن قال وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة، فقيل لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض، قال القرطبي: وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث. وقيل لخشية التخليط على المصلين، ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط، لكن صح من حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم- قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم فيها، أخرجه أبو داود والحاكم، فبطلت التفرقة. ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض، قال ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلي وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات، وقيل: إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلي ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة، لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة)[33].

كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.

وعن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يقولون قد بليت، قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. رواه الخمسة إلا الترمذي.

وعن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح ألم تنزيل وهل أتى على الإنسان وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.

عن النعمان بن بشير قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة ï´؟ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ï´¾ [الأعلى: 1] ï´؟ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ï´¾ [الغاشية: 1] قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين. رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.

تتمة:
قال في الاختيارات: (قال أبو العباس: والذي تبين لي أن سجود التلاوة واجب مطلقا في الصلاة وغيرها وهو رواية عن أحمد ومذهب طائفة من العلماء ولا يشرع فيه تحريم ولا تحليل هذا هو السنة المعروفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعليها عامة السلف. وعلى هذا فليس هو صلاة فلا يشترط له شروط الصلاة بل يجوز على غير طهارة كما كان ابن عمر يسجد على غير طهارة واختاره البخاري لكن السجود بشروط الصلاة أفضل ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا لعذر فالسجود بلا طهارة خير من الإخلال به لكن قد يقال أنه لا يجب في هذه الحال.

كما لا يجب على السامع ولا على من لم يسجد قارئة، وإن كان ذلك السجود جائزا عند جمهور العلماء، والأفضل أن يسجد عن قيام وقاله طائفة من أصحاب أحمد والشافعي.

وسجود الشكر لا يفتقر إلي طهارة: كسجود التلاوة ووافق أبو العباس على سجود السهو في اشتراط الطهارة.

ولو أراد الإنسان الدعاء فعفر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فهذا سجود لأجل الدعاء ولا شيء يمنعه وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم آية فاسجدوا" وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات فالمكروه هو السجود بلا سبب ومن البدع أن من صلى الصبح أو غيرها من الصلوات سجد بعد فراغه منها وقبل الأرض وذكر غير واحد من العلماء أن هذا السجود من المنكرات، وأما تقبيل الأرض ونحو ذلك مما فيه السجود مما يفعل قدام بعض الشيوخ وبعض الملوك فلا يجوز بل لا يجوز الانحناء كالركوع أما إذا أكره على ذلك بحيث أنه لو لم يفعله يحصل له ضرر فلا بأس وأما إن فعله لنيل الرياسة والمال فحرام)[34] انتهى والله الموفق.


[1] فتح الباري: (2/ 399).

[2] فتح الباري: (2/ 486).

[3] فتح الباري: (1/ 487).

[4] فتح الباري: (2/ 399).

[5] المغني: (3/ 453).

[6] فتح الباري: (2/ 356).

[7] فتح الباري: (2/ 357).

[8] فتح الباري: (2/ 358، 361).

[9] فتح الباري: (2/ 407، 408).

[10] فتح الباري: (2/ 411، 412).

[11] فتح الباري: (2/ 401).

[12] إحكام الأحكام: (1/ 334).

[13] فتح الباري: (2/401).

[14] شرح النووي على مسلم: (6/149).

[15] إحكام الأحكام: (1/ 334).

[16] فتح الباري: (2/ 406).

[17] فتح الباري: (2/ 413).

[18] فتح الباري: (3/ 346).

[19] فتح الباري: (2/ 366).

[20] فتح الباري: (2/ 366).

[21] فتح الباري: (2/368).

[22] فتح الباري: (2/ 386).

[23] فتح الباري: (2/ 387).

[24] فتح الباري: (2/ 327).

[25] فتح الباري: (2/ 428).

[26] شرح النووي على مسلم: (3/230).

[27] المغني: (2/144).

[28] الفتاوى الكبرى: (5/ 354).

[29] سنن أبى داود: (1/ 412).

[30] المغني: (2/195).

[31] الفروع: (2/82).


[32] فتح الباري: (2/ 377).

[33] فتح الباري: (3/ 295).

[34] الفتاوى الكبرى: (5/ 340).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #82  
قديم 19-02-2020, 02:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





صلاة العيدين

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث الأول
135- عن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة.

والأصل في صلاة العيد الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: ï´؟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ï´¾ [الكوثر: 2] وقال: ï´؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ï´¾ [الأعلى: 14، 15].

قال البخاري: باب الخطبة بعد العيد[1].

وذكر حديث ابن عباس قال: شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة"، ثم ذكر حديث ابن عمر قال ثم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر- رضي الله عنهما - يصلون العيدين قبل الخطبة، وذكر حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة الحديث"، وذكر حديث البراء بن عازب قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر" الحديث.

قوله: (يصلون العيدين قبل الخطبة) فيه دليل على مشروعية تقديم صلاة العيد قبل الخطبة.

قال البخاري: باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين[2].

وكذلك النساء ومن كان في البيوت والقرى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذا عيدنا أهل الإسلام.

وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية فجمع أهله وبنيه وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم، وقال عكرمة يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام، وقال عطاء إذا فاته العيد صلى ركعتين.

الحديث الثاني
136- عن البراء بن عازب - رضي الله عنه- قال: خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأضحى بعد الصلاة، فقال: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك فبل الصلاة فلا نسك له". فقال أبو بردة بن نيار- خال البراء بن عازب: يا رسول الله، إني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي. فذبحت شاتي، وتغذيت قبل أن آتي الصلاة، فقال: "شاتك شاة لحم" قال: يا رسول الله، فإن عندنا عناقا هي أحب إلي من شاتين أفتجزي عني؟ قال: "نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك".

قال البخاري: باب الأكل يوم النحر[3].

وذكر حديث أنس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم من ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال هذا يوم يشتهى فيه اللحم وذكر من جيرانه بالحق، والنبي - صلى الله عليه وسلم - صدقه، قال وعندي جذعة أحب إلي من شاتي لحم فرخص له النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه أم لا" ثم ذكر حديث الباب.

قوله: (ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له). وفي رواية: ومن ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد أتم نسكه وأصاب سنة المسلمين.

قوله: (وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي)، وفي حديث أنس فقام رجل فقال هذا يوم يشتهي فيه اللحم وذكر هنة من جيرانه، وقوله: هنة أي حاجة إلى اللحم.

قوله: (شاتك شاة لحم) أي ليست أضحية بل هو لحم ينتفع به.

قوله: (فإن عندنا عناقا هي أحب إلينا من شاتين) وفي رواية فإن عندنا عناقا لنا جذعة هي أحب إلي من شاتين.

قال الحافظ: (فيه أن المفتي إذا ظهرت له من المستفتي أمارة الصدق كان له أن يسهل عليه حتى لو استفتاه اثنان في قضية واحدة جاز أن يفتي كلا منهما بما يناسب حاله)[4] انتهى.

وقال ابن القيم: وتختلف الفتوى باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان.

قوله: (فتجزئ عني) أي تقضي ومنه قوله تعالى: ï´؟ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ï´¾ [البقرة: 48] وفي الحديث إن الجذع من المعز لا يجزي في الأضحية وهو قول الجمهور.

قال الحافظ: (وفي حديث أنس والبراء من الفوائد تأكيد أمر الأضحية، وأن المقصود منها طيب اللحم وإيثار الجار على غيره، وجواز إخبار المرء عن نفسه بما يستحق الثناء به عليه بقدر الحاجة، وقال إن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعم جميع المكلفين حتى يظهر دليل الخصوصية، وفيه أن الإمام يعلم الناس في خطبة العيد أحكام النحر. وفيه جواز الاكتفاء في الأضحية بالشاة الواحدة عن الرجل وعن أهل بيته، وبه قال الجمهور، وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وقع على وفق الشرع.

وفيه جواز أكل اللحم يوم العيد من غير لحم الأضحية، وفيه جواز الأكل يوم النحر قبل الصلاة، وفيه كرم الرب سبحانه وتعالى لكونه شرع لعبيده الأضحية مع ما لهم فيها من الشهوة بالأكل والادخار ومع ذلك فأثبت لهم الأجر في الذبح، وفيه دليل على مشروعية الصلاة يوم العيد قبل الخطبة وأن ما ذبح قبل الصلاة لا يجزي عن الأضحية) [5] انتهى ملخصا.

وقال ابن دقيق العيد: (وفيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتض الأمر لم يعذر فيها بالجهل وقد فرقوا في ذلك بين المأمورات والمنهيات فعذبوا في المنهيات بالنسيان والجهل كما جاء في حديث معاوية بن الحكم حين تكلم في الصلاة)[6].

قال الحافظ: وفيه جواز الإمام وتكليمه وهو يخطب.

قال ابن بطال: أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلي قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة[7].

وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصوم يوم يصومون، والفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون". رواه الترمذي أيضًا.

وقال الخطابي في معنى الحديث: إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض لا شيء عليهم من وزر أو عيب وكذلك في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة ليس عليهم إعادة؛ انتهى.

الحديث الثالث
137- عن جندي بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه- قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح وقال: "من ذبح فبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم فليذبح فليذبح باسم الله".

قال البخاري: باب من ذبح قبل الصلاة أعاد.

وذكر حديث أنس وحديث جندي بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال: "من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ومن لم يذبح فليذبح" ثم ذكر حديث البراء.

قال الحافظ: (قوله: (ومن لم يذبح فليذبح) في رواية أبي عوانة: "ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله" وفي رواية لمسلم: "فليذبح بسم الله" أي فليذبح قائلا بسم الله أو مسميا، والمجرور متعلق بمحذوف، وهو حال من الضمير في قوله: "فليذبح" وهذا أولى ما حمل عليه الحديث وصححه النووي، ويؤيده ما في حديث أنس "وسمى وكبر")[8].

قال الحافظ: (قوله: فلا يذبح حتى ينصرف" تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة، وإنما شرطوا فلا الخطيب لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة، فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية، سواء صلى العيد أم لا، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي ونقل الطحاوي عن مالك والأوزاعي والشافعي: لا تجوز أضحية قبل أن يتبع الإمام، وهو معروف عن مالك والأوزاعي لا الشافعي، قال القرطبي: ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها إلى أن قال وقال أحمد وإسحاق: إذا فرغ الإمام من الصلاة جازت الأضحية، وهو وجه للشافعية قوي من حيث الدليل وأن ضعفه بعضهم، قال ويحتمل أن يكون قوله: "حتى ينصرف" أي من الصلاة، كما في الروايات الأخر. وأصرح من ذلك ما وقع عند أحمد من طريق يزيد بن البراء عن أبيه رفعه: "إنما الذبح بعد الصلاة" ووقع في حديث جندي عند مسلم: "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى" إلى أن قال وأورد الطحاوي ما أخرجه مسلم من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نحر فأمرهم أن يعيدوا" قال ورواه حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: "أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة" وصححه ابن حبان. ويشهد لذلك قوله في حديث البراء "أن أول ما نصنع أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر" فإنه دال على أن وقت الذبح يدخل بعد فعل الصلاة، ولا يشترط التأخير إلى نحر الإمام. ويؤيده - من طريق النظر- أن الإمام لو لم ينحر لم يكن ذلك مسقطا عن الناس مشروعية النحر، ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلي لم يجزئه نحره، فدل على أنه هو والناس في وقت الأضحية سواء. وقال المهلب: إنما كره الذبح قبل الإمام لئلا يشتغل الناس بالذبح عن الصلاة.

قوله: فليذبح على اسم الله. وقد استدل به ابن المنير على اشتراط تسمية العامد دون الناسي)[9] انتهى والله أعلم.

الحديث الرابع
138- عن جابر- رضي الله عنه- قال: شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى الله تعالى، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، وقال: "يا معشر النساء، تصدقن، فإنكن كثر حطب جهنم" فقامت امرأة من سطة النساء، سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ فقال: "لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير". قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن.

قال البخاري: باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني عطاء عن جابر بن عبدالله قال سمعته يقول ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.

قال: وأخبرني عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له إنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر إنما الخطبة بعد الصلاة.

وأخبرني عطاء عن ابن عباس وعن جابر بن عبدالله قالا: ثم لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى.

وعن جابر بن عبدالله قال سمعته يقول ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس بعد فلما فرغ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نزل فأتي النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء صدقة قلت لعطاء أترى حقا على الإمام الآن أن يأتي النساء فيذكرهن حين يفرغ قال إن ذلك لحق عليهم وما لهم أن لا يفعلوا؟[10].

قال الحافظ: قوله: "باب المشي والركوب إلى العيد، والصلاة قبل الخطبة، وبغير أذان ولا إقامة" في هذه الترجمة ثلاثة أحكام: صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها. انتهى.

قوله: (فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة) وفي رواية لمسلم عن جابر قال: "لا أذان للصلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء" وقال مالك في الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول: "لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم" وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا.

قوله: (فقامت امرأة من سطة النساء) أي من وسطهن في المجلس (سفعاء الخدين) الأسفع والسفعاء من أصاب خده لون يخالف لونه الأصلي من سواد أو خضرة أو غيره.

والحديث يدل: على عدم مشروعية الآذان والإقامة لصلاة العيد.

قال ابن دقيق العيد: (وكأن سببه تخصيص الفرائض بالأذان تمييزا لها بذلك عن النوافل وإظهارا لشرفها، قال وهذه المقاصد التي ذكرها الراوي- من الأمر بتقوى الله والحث على طاعته والموعظة والتذكير: هي مقاصد الخطبة) [11] انتهى.

قوله: (لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير)، وفي حديث أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلي المصلى فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار" فقلن وبم يا رسول الله قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل" قلن: بلى قال: "فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن بلى قال "فذلك من نقصان دينها".
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #83  
قديم 19-02-2020, 02:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



قوله: (فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن) وفي رواية قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر، قال: لا ولكن صدقة يتصدقن حينئذ، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه- قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - كأني انظر إليه حين يجلس بيده ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال فقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ï´¾ [الممتحنة: 12] ثم قال حين فرغ منها: آنتن على ذلك؟ قالت: امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها نعم، قال: فتصدقن، فبسط بلال ثوبه ثم قال: هلم لكن فداء أبي وأمي فيلقين الفتح والخواتيم في ثوب بلال، قال عبد الرزاق: الفتح الخواتيم العظام كانت في الجاهلية.

قال الحافظ: (وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن، ويستحب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد، ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة، وفيه خروج النساء إلى المصلى، وفيه جواز التفدية بالأب والأم، وملاطفة العامل على الصدقة بمن يدفعها إليه. واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافا لبعض المالكية، قال وفيه أن الصدقة من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك، وفيه بذل النصيحة والإغلاط بها لمن احتيج في حقه إلى ذلك، والعناية بذكر ما يحتاج إليه لتلاوة آية الممتحنة لكونها خاصة بالنساء. وفيه جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج، وفيه مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعز عليهن من حليهن مع ضيق الحال في ذلك الوقت دلالة على رفع مقامهن في الدين وحرصهن على امتثال أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرضي عنهن)[12].

وقال أيضًا: (وفي الحديث أن جحد النعم حرام، وكذا كثرة استعمال الكلام القبيح كاللعن والشتم، وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على فاعلها لقوله في بعض طرق الحديث: "بكفرهن"، وهو كإطلاق نفي الأيمان، وفيه أن الصدقة قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين، وفيه أن العقل يقبل الزيادة والنقصان، وكذلك الإيمان، وليس نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك وفيه مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعه فيما لا يظهر له معناه، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما)[13] انتهى وبالله التوفيق.

الحديث الخامس
139- عن أم عطية- نسيبة الأنصارية- قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين.

وفي لفظ: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البكر من خدرها، حتى تخرج الحيض، فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته.

قال البخاري: (باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى.

حدثنا محمد هو ابن سلام قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن حفصة قالت: "كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة غزوة وكانت أختي معه في ست قالت كنا نداوي الكلمة ونقوم على المرضى فسألت أختي النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج قال "لتلبسا صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين" فلما قدمت أم عطية سألتها أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت بأبي نعم وكانت لا تذكره إلا قالت بأبي سمعته يقول يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى قالت حفصة فقلت الحيض فقالت أليس تشهد عرفة وكذا وكذا"[14].

قال الحافظ: العواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربت، أو استحقت التزويج، أو هي الكريمة على أهلها، أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة وكأنهم كانوا يمنعون العواتق من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد، ولم تلاحظ الصحابة ذلك بل رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قوله: (وذوات الخدور) جمع خدر، وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه، قال الحافظ: وبين العاتق والبكر عموم وخصوص وجهي.

وقوله: (وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين).

قال ابن المنير: الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال. فاستحب لهن اجتناب ذلك، وفيه أن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد، وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب، وغير ذلك، وقال الجلباب قيل هو: المقنعة أو الخمار أو أعرض منه وقيل الثوب الواسع يكون دون الرداء وقيل الإزار وقيل الملحفة وقيل الملاءة وقيل القميص. انتهى.

قال ابن عباس: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن، في حاجة أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة".

قال ابن دقيق العيد: (وفيه إشارة إلى أن البروز إلى المصلى هو سنة العيد)[15].

قال الحافظ: (وفي هذا الحديث من الفوائد جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت بإحضار الدواء مثلا والمعالجة بغير مباشرة، إلا إن احتيج إليه عند أمن الفتنة. وفيه أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما أذن لهن فيه.

وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة ومشروعية عارية الثياب، وفيه استحباب خروج النساء إلي شهود العيدين سواء كن شواب أم لا وذوات هيآت أم لا، وقد اختلف السلف في ذلك، قال والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محاصر ولا تزاحم الرجال في الطرقات ولا في المجامع) [16]انتهى والله أعلم.

تتمة:
قال في الاختيارات: (وهي فرض عيني وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد، وقد يقال بوجوبها على النساء وإذا قلنا من شرطها الاستيطان وعدد الجمعة فيفعلها المسافر والعبد والمرأة تبعا ولا يستحب قضاؤها لمن فاتته منهم وهو قول أبي حنيفة ويستفتح خطبتها بالحمد لله لأنه لم ينقل عن الذي - صلى الله عليه وسلم - أنه افتتح الخطبة بغيرها.

والتكبير في عيد الأضحى مشروع باتفاق وكذا مشروع في عيد الفطر عند مالك والشافعي وأحمد وذكر الطحاوي ذلك مذهبا لأبي حنيفة وأصحابه والمشهور عنهم خلافه والتكبير فيه هو المأثور عن الصحابة- رضي الله عنهم - والتكبير فيه أكد من جهة أمر الله به والتكبير أوله من رؤية الهلال وآخره انقضاء العيد وهو فراغ الإمام من الخطبة على الصحيح والتكبير في عيد النحر أكد من جهة أنه يشرع أدبار الصلاة وأنه متفق عليه وعيد النحر أفضل من عيد الفطر ومن سائر الأيام.

والاستغفار المأثور عقيب الصلوات وقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام هل يقدم على التكبير والتلبية أم يقدمان عليه كما يقدم عليه سجود السهو؟ بيض لذلك أبو العباس، والذي يدل عليه كلام أحمد في أكثر المواضع وهو الذي تدل عليه السنة وآثار السلف أن الاجتماع على الصلاة أو القراءة وسماعها أو ذكر الله تعالى أو دعائه أو تعليم العلم أو غير ذلك نوعان: نوع شرع الاجتماع له على وجه المداومة وهو قسمان: قسم يدور بدوران الأوقات: كالجمعة والعيدين والحج والصلوات الخمس، وسبب يتكرر بتكرر الأسباب: كصلاة الاستسقاء والكسوف والآيات والقنوت في النوازل.

والمؤقت فرضه ونقله إما أن يعود بعود اليوم وهو الذي يسمى عمل اليوم والليلة: كالصلوات الخمس وسننها: الرواتب والوتر والأذكار والأدعية المشروعة طرفي النهار وزلفا من الليل وإما أن يعود بعود الأسبوع: كالجمعة وصوم الاثنين والخميس وإما أن يعود بعود الشهر: كصيام أيام البيض أو ثلاثة أيام من كل شهر والذكر المأثور عند رؤية الهلال وإما أن يعود بعود الحلول: كصيام شهر رمضان والعيدين والحج.

والمتسبب ماله سبب ليس له وقت محدود: كصلاة الاستسقاء والكسوف وقنوت النوازل.

وما لم يشرع فيه الجماعة: كصلاة الاستخارة وصلاة التوبة وصلاة الوضوء وتحية المسجد ونحو ذلك، قال والنوع الثاني: ما لم يسن له الاجتماع المعتاد الدائم: كالتعريف في الأمصار والدعاء المجتمع عليه عقب الفجر والعصر والصلاة والتطوع المطلق في جماعة والاجتماع لسماع القرآن وتلاوته أو سماع العلم والحديث ونحو ذلك فهذه الأمور لا يكره الاجتماع لها مطلقًا ولم يسن مطلقًا بل المداومة عليها بدعة فيستحب أحيانًا ويباح أحيانًا وتكره المداومة عليها وهذا هو الذي نص عليه أحمد في الاجتماع على الدعاء والضراعة والذكر ونحو ذلك والتفريق بين السنة والبدعة في المداومة أمر عظيم ينبغي التفطن له)[17] انتهى.

قال البخاري: باب الحرب والدرق يوم العيد. وذكر حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل علي النبي (وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجامع ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فاقبل عليه رسول الله فقال: "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا. وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحرب، فإما سألت رسول الله (وإما قال: "تشتهين تنظرين؟"، فقلت: نعم.

فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: "دونكم يأبني أرفده"، حتى إذا مللت قال: "حسبك؟ "، قلت: نعم. قال: "فأذهبي". وفي رواية: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث- قالت وليستا بمغنيتين- فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله: وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا[18].

قال الحافظ: (ولا ينكر في العيد مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس. وقال أيضا: الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة وعلى الحداء ولا يسمى فاعله مغنيا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح، قال القرطبي: قولها ليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه.

قال الحافظ: ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه قال وأما التفافه - صلى الله عليه وسلم - بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتض أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم قال وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة وأن الإعراض عن ذلك أولى وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين قال واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكه لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على أبي بكر سماعه بل أنكر إنكاره واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك) [19] والله أعلم.

قولها: وكان يوم عيد يلعب فيه السودان.

قال الحافظ: وفي رواية النسائي من طريق أبي سلمة عنها دخل الحبشة يلعبون فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم فقلت نعم إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا. ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتكلمون بكلام لهم فقال ما يقولون قال يقولون محمد عبد صالح، وروي السراج من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال يومئذ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني بعثت بحنيفية سمحة، واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب قال عياض وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلي المحاسن والاستلذاذ بذلك، ومن تراجم البخاري عليه باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة)[20].

وقال الحافظ أيضا: (واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو وفي الحديث جواز النظر إلي اللهو المباح وفيه حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - مع أهله وكرم معاشرته وفضل عائشة وعظيم محلها عنده)[21].

فائدة:
قال الحافظ: (وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك)[22]. وبالله التوفيق.


[1] فتح الباري: (2/ 453).

[2] فتح الباري: (2/ 474).

[3] فتح الباري: (2/ 447).

[4] فتح الباري: (2/ 448).

[5] فتح الباري: (2/ 448).

[6] إحكام الأحكام: (1/342)

[7] فتح الباري: (2/ 457).

[8] فتح الباري: (10/ 20).

[9] فتح الباري: (10/ 20).

[10] فتح الباري: (2/ 451).

[11] إحكام الأحكام: (1/ 345).

[12] فتح الباري: (2/ 468).

[13] فتح الباري: (1/ 406).

[14] فتح الباري: (1/ 423).

[15] إحكام الأحكام: (1/ 347).

[16] فتح الباري: (2/ 470).

[17] الفتاوى الكبرى: (5/ 356 ).

[18] فتح الباري: (1/ 441).

[19] فتح الباري: (1/ 442).

[20] فتح الباري: (1/ 443).

[21] فتح الباري: (1/ 549).

[22] فتح الباري: (2/ 446).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #84  
قديم 19-02-2020, 02:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك







(صلاة الكسوف)


الحديث الأول

140- عن عائشة - رضي الله عنها - أن الشمس خسفت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث مناديا ينادي: "الصلاة جامعة". فاجتمعوا. وتقدم، فكبر وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات.


الكسوف والخسوف شيء واحد وكلاهما قد وردت به الأخبار وجاء القرآن بلفظ الخسوف قال الله تعالى فإذا برق البصر وخسف القمر وصلاة الكسوف ثابتة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

قال في "الفروع": تسن حضرا وسفرا والأفضل جماعة في جامع.

قولها: (فبعث مناديًا ينادي الصلاة جامعة)؛ أي: احضروا الصلاة في حال كونها جامعة.

قال البخاري: باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف[1].

وذكر حديث ابن عمر - رضي الله عن -، قال: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نودي إن الصلاة جامعة.

قال الحافظ: (قوله: نودي كذا فيه بلفظ البناء للمفعول وصرح الشيخان في حديث عائشة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعث مناديا فنادى بذلك، قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام)[2].

قولها: (فاجتمعوا وتقدم فكبر. وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات).

قال البخاري: باب الجهر بالقراءة في الكسوف[3].

حدثنا محمد بن مهران قال: حدثنا الوليد قال: أخبرنا ابن نمر سمع ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها -، جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخسوف بقراءته فإذا فرغ من قراءته كبر فركع، وإذا رفع من الركعة قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري، عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها -، أن الشمس خسفت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث مناديا بالصلاة جامعة، فتقدم فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات.

وأخبرني عبد الرحمن بن نمر سمع ابن شهاب مثله.

قال الزهري: فقلت ما صنع أخوك ذلك عبد الله بن الزبير ما صلى إلا ركعتين مثل الصبح إذ صلى بالمدينة قال أجل إنه أخطأ السنة.

تابعه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير، عن الزهري في الجهر.

قال الحافظ: أي سواء كان للشمس أو للقمر انتهى.

وعن محمود بن لبيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما كذلك فافزعوا إلى المساجد". رواه أحمد.

الحديث الثاني

141- عن أبي مسعود، عقبة بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، فإذا رأيتم منهما شيئا فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم".


وفي حديث المغيرة بن شعبة قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله".

ولأحمد والنسائي وابن ماجه عن النعمان بن بشير، قال: انكشفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج فزعا يجر ثوبه، حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي حتى انجلت، ثم قال: "إن أناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك" الحديث.

قال الحافظ: (وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض وهو نحو قوله يقولون مطرنا بنوء كذا قال الخطابي كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر فأعلم النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه اعتقاد باطل وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما. ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما وفيه ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه من الصفقة على أمته وشدة الخوف من ربه"[4].

قوله: (آيتان).

قال الحافظ: (أي علامتان من آيات الله الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته ويؤيده قوله: ï´؟ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ï´¾ [الإسراء: 59][5].

قوله: (يخوف الله بهما عباده).

قال الحافظ: (فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر وقد رد ذلك عليهم ابن العربي وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى حيث قال: فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف، ومما نقض ابن العربي وغيره أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين فقال هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله أم كيف يظلم الكثير بالقليل ولاسيما وهو من جنسه وكيف تحجب الأرض نور الشمس وهي في زاوية منها لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفا، وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة، وهو ما أخرجه أحمد والنسائي و ابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ: أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله وأن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له. وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال إنها لم تثبت فيجب تكذيب ناقلها، قال: ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول الشريعة، قال ابن بزيزة: هذا عجب منه كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم الشريعة مع أنها مبنية على أن العالم كري الشكل وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك والثابت من قواعد الشريعة أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم وهو ثابت من حيث المعنى أيضا لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته ويؤيده قوله تعالى: ï´؟ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ï´¾ [الأعراف: 143].

قال الحافظ: (ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلي الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت، وقال: هي أخوف لله منا وقال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله يخوف الله بهما عباده وليس بشيء لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عن ذلك وقدرته حاكمة على كل سبب فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالي)[6] انتهى والله أعلم.

قوله: (وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته).

قال الحافظ: (يجب تكذيب من زعم أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياة أحد. قوله: فإذا رأيتم منهما شيئا فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم، أي إذا رأيتم كسوف الشمس والقمر)[7].

قال الحافظ: (وفيه دليل على مشروعية الصلاة في كسوف القمر وفيه جواز صلاة الكسوف في كل وقت لتعليق الصلاة بالرؤية وهي ممكنة في الأوقات المكروهة وغيرها وفيه الأمر بالصلاة والدعاء والتضرع إلى الله حتى ينكشف الكسوف) [8] وبالله التوفيق.

الحديث الثالث

142- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الركعة الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس فحمد الله.

وأثنى عليه ثم قال: "إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله لا تنخسفان لموت أحد. ولا لحياته. فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا". ثم قال: "يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله سبحانه من أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم فليلا ولبكيتم كثيرًا".

وفي لفظ: فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات.

قولها: (خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقام فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس)، وفي رواية: خسفت الشمس فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه.

قولها: (فأطال القيام)، وفي رواية: قام فأطال القيام، وفي حديث ابن عباس: فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى.

قولها: (ثم قام فأطال القيام)، في رواية: ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد.

قال الحافظ: (صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها بل كل ما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه وبهذا المعنى رد الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها.

قولها: (ثم انصرف وقد تجلت الشمس) وللنسائي ثم تشهد وسلم.

قوله: (فخطب الناس).

قال الحافظ: فيه مشروعية الخطبة للكسوف قال واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة بخلاف ما لو انجلت قبل أن يشرع في الصلاة فإنه يسقط الصلاة والخطبة فلو انجلت في أثناء الصلاة أتمها على الهيئة المذكورة عند من قال بها.

قولها: (فحمد الله وأثنى عليه) زاد النسائي في حديث سمرة وشهد أنه عبد الله ورسوله.

قوله: (والله ما من أحد أغير من الله سبحانه من أن يزني عبده أو تزني أمته) غيرة الله ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما ومنه قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ï´¾ [الرعد: 11] وقال ابن دقيق العيد: أهل التنزيه في مثل هذا على قولين إما ساكت وإما مؤول على أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية فهو من مجاز الملازمة، وقيل لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام)[9].

قال الحافظ: (ويؤخذ من قوله يا أمة محمد أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه.

قوله: (لو تعلمون ما أعلم) أي من عظيم قدرة الله وانتقامه من أهل الإجرام.

قوله: (لضحكتم قليلا) أي لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا.

قال الحافظ: وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة، والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها، قال وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدم المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف والزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله، وفيه الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما، وفيه تقديم الإمام في الموقف وتعديل الصفوف والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة وبيان ما يخشى اعتقاده على غير الصواب واهتمام الصحابة بنقل أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقتدي به فيها ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة وصورة عقاب من لم يذنب والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربه على خوف عرجاء، وفي الكسوف إشارة إلي تقبيح رأى من يعبد الشمس أو القمر وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى: ï´؟ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ï´¾ [فصلت: 37] على صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا سبحانه وتعالي)[10] انتهى والله أعلم.

قال البخاري: باب خطبة الإمام في الكسوف[11]. وقالت عائشة وأسماء خطب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر الحديث.

قال الحافظ: (اختلف في الخطبة فيه فاستحبها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث قال ابن قدامة لم يبلغنا عن أحمد ذلك وقال صاحب الهداية من الحنفية ليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة)[12].

وقال البخاري أيضاً: باب قول الإمام في خطبة الكسوف أما بعد[13].

وذكر حديث أسماء قالت فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تجلت الشمس فخطب فحمد الله بما هو أهله ثم قال أما بعد.

قال الحافظ: (وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة)[14] انتهى والله أعلم.

الحديث الرابع

143- عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: خسفت الشمس على زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد فقام فصلى بأطول قيام، وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: "إن هذه الآيات التي يرسلها الله تعالى لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره".


قال البخاري: باب الذكر في الكسوف[15].

رواه ابن عباس، - رضي الله عنهما- وذكر الحديث.

قوله: (فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة) أي خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ï´¾ [النحل: 77] وقال تعالى: ï´؟ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ï´¾ [الأعراف: 187].

قال الحافظ: قوله: هذه الآيات التي يرسل الله ثم قال: "ولكن يخوف الله بها عباده" موافق لقوله تعالى: ï´؟ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ï´¾ [الإسراء: 59] واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلي الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك. قال: وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء)[16].

قال أحمد بن حنبل: يصلي في الزلزلة كصلاة الكسوف، وذهب الشافعي وغيره إلى أنه لا يسن التجميع وأما صلاة المنفرد فحسن لأنه لم يروى أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتجمع إلا في الكسوف. والله أعلم.

قال في الاختيارات: (ويجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ولو نهاراً وهو مذهب أحمد وغيره وتصلى صلاة الكسوف لكل آية كالزلزلة وغيرها وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد وقول محققي أصحابنا وغيرهم ولا كسوف إلا في ثامن وعشرين أو تاسع وعشرين ولا خسوف إلا في إبدار القمر والتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كمسألة اليمين به، والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته والصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - وبدعائه وشفاعته مما هو فعله أو أفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع إجماعاً وهو ين الوسيلة المأمور بها في قوله: ï´؟ اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ï´¾ [المائدة: 35]، وقصد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة باتفاق الأئمة، وقول القائل: أنا في بركة فلان وتحت نظره إن أراد بذلك أن نظره وبركته مستقلة بتحصيل المصالح ودفع المضار فكذب وإن أراد أن فلاناً دعا لي فانتفعت بدعائه أو أنه علمني وأدبني فأنا في بركة ما انتفعت به من تعليمه وتأديبه فصحيح، وأن أراد بذلك أنه بعد موته يجلب المنافع ويدفع المضار أو مجرد صلاحه ودينه وقربه من الله ينفعني من غير أن أطيع الله فكذب)[17] انتهى وبالله التوفيق.


[1] فتح الباري: (2/ 43).

[2] فتح الباري: (2/ 533).

[3] فتح الباري: (2/ 49).

[4] فتح الباري: (2/ 528).

[5] فتح الباري: (2/ 528).

[6] فتح الباري: (2/ 537).

[7] فتح الباري: (2/ 554).

[8] فتح الباري: (2/ 528).

[9] فتح الباري: (2/ 530).

[10] فتح الباري: (2/ 531).

[11] فتح الباري: (2/ 43).

[12] فتح الباري: (2/ 534).

[13] فتح الباري: (2/ 49).

[14] فتح الباري: (2/ 547).


[15] فتح الباري: (2/ 48).

[16] فتح الباري: (2/ 546).

[17] ( 1/442)










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #85  
قديم 19-02-2020, 02:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





الاستسقاء

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث الأول
144- عن عبدالله بن زيد بن عاصم المازني قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة.

وفي لفظ: أتى المصلى.

صلاة الاستسقاء عند الحاجة إليها سنة مؤكدة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها وكذلك خلفاؤه - رضي الله عنهم -.

قوله: (خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي) وفي رواية في حديث عائشة عند أبي داود قالت: شكا الناس إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر الحديث.

قال الحافظ: (والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين قال ونقل ابن قدامه الإجماع على أنها لا تصلي في وقت الكراهة)[1].

وقال البخاري: باب الاستسقاء وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء، وذكر الحديث ولفظه عن عباد بن تميم عن عمه قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتى وحول رداءه[2].

قال الحافظ: (وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: يبرزون للدعاء والتضرع وأن خطب لهم فحسن ولم يعرف الصلاة هذا هو المشهور عنه ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك، وحكي ابن عبد البر الإجماع على استحباب الخروج إلي الاستسقاء والبروز إلى ظاهر المصر)[3].

قوله: (فتوجه إلي القبلة يدعو وحول رداءه).

قال البخاري: باب تحويل الرداء في الاستسقاء، وذكر الحديث عن عبدالله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين قال أبو عبدالله كان ابن عيينة يقول هو صاحب الأذان ولكنه وهم لأن هذا عبدالله بن زيد بن عاصم المازني مازن الأنصار[4].

قوله: باب تحويل الرداء في الاستسقاء.
ترجم لمشروعيته خلافا لمن نفاه ثم ترجم بعد ذلك لكيفيته وقال وذكر الواقدي أن طول ردائه - صلى الله عليه وسلم - كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر كان يلبسهما في الجمعة والعيدين ووقع في شرح الأحكام لابن بزيزة ذرع الرداء كالذي ذكره الواقدي في ذرع الإزار والأول أولى. انتهى.

ولابن ماجه قلب ردائه جعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين وعند أحمد وحول الناس معه ولمسلم لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه.

قوله: (ثم صلى ركعتين).
قال الحافظ: (واستدل به على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس المذكورين، لكن وقع عند أحمد في حديث عبدالله ابن زيد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة، وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه حيث قال: فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا إقامة والمرجح عند الشافعية والمالكية الثاني، وعن أحمد رواية كذلك، ورواية يخير ولم يقع في شيء من طرق حديث عبدالله بن زيد صفة الصلاة المذكورة ولا ما يقرأ فيها، وقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيهما سبعا وخمسا كالعيد وأنه يقرأ فيهما بسبح وهل أتاك وفي إسناده مقال لكن أصله في السنن بلفظ ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد فأخذ بظاهره الشافعي فقال يكبر فيهما)[5].

قال الحافظ: (ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة فلذلك وقع الاختلاف وقال القرطبي يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة لمشابهتها بالعيد وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة).

قال البخاري: باب كيف حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهره إلي الناس [6] وذكر الحديث.

قال الحافظ: (الظاهر أنه لما لم يتبين من الخبر ذلك كأنه يقول هو على التخيير لكن المستفاد من خارج أنه ألتفت بجانبه الأيمن لما ثبت أنه كان يعجبه التيمن في شانه كله ثم إن محل هذا التحويل بعد فراغ الموعظة وإرادة الدعاء[7] انتهى.

قوله: (جهر فيهما بالقراءة).
قال البخاري: باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء وذكر الحديث وقد ترجم له أيضا الدعاء في الاستسقاء قائما وترجم له في الدعوات باب الاستسقاء وترجم له أيضا باب صلاة الكسوف ركعتين، قال البخاري: وذكر الحديث ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما دعا وأراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه، وقال أيضا الاستسقاء في المصلى وذكر الحديث[8].

قال الحافظ: (وقد استثنى الخفاف من الشافعية مسجد مكة كالعيد) [9] انتهى.
قال ابن بطال: أجمعوا على أن لا أذان ولا إقامة للاستسقاء والله أعلم.

فائدة:
عن ابن عمر في حديث له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لم ينقص قوم المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولا يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا". رواه ابن ماجه.

الحديث الثاني
143- عن أنس بن مالك أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من ببت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء، انتشرت ثم أمطرت، قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر" قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس.

قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدرى.

قوله: (أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة) وفي رواية أتى رجل أعرابي من أهل البادية وقوله من باب كان نحو دار القضاء.

قال الحافظ: (هي دار عمر بن الخطاب وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه.
قوله: هلكت الأموال في رواية هلكت الماشية هلك العيال هلك الناس قوله وانقطعت السبل المراد بذلك أن الإبل ضعفت عن السفر لقلة المرعى.

قوله: (فادع الله يغيثنا)، وفي رواية: فاستسق ربك.
قوله: (فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه)، زاد النسائي: ورفع الناس أيديهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعون، وفي رواية: فنظر إلي السماء، ولابن خزيمة: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه)[10].

قوله: (اللهم أغثنا).
قال الحافظ: أعاده ثلاثا لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا دعا ثلاثا.

قوله: (فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة)، القزع قطع من السحاب رقاق، وفي رواية: قال أنس: وإن السماء لفي مثل الزجاجة.

قوله: (إذا طلعت من ورائه سحابة).
قال الحافظ: كأنها نشأت من جهة البحر، قوله مثل الترس أي مستديرة ولأبي عوانة: فنشأت سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليه، وفي رواية: فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع، وفي رواية: حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته.

قوله: (فلا والله ما رأينا الشمس سبتا)، المراد به الأسبوع كما يقال جمعة، وفي رواية فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وفي رواية فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا.

قوله: (ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة)، ولأبي عوانة: فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى.

قال الحافظ: (وهذا يقتضي الجزم بكونه واحدا، فلعل أنسا تذكره بعد أن نسيه أو نسيه بعد أن كان تذكره، ويؤيد ذلك رواية البيهقي في الدلائل من طريق يزيد: أن عبيدا السلمي قال: لما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة وفيه خارجة بن حصن أخو عيينة قدموا على إبل عجاف فقالوا يا رسول الله أدع لنا ربك أن يغيثنا فذكر الحديث وفيه فقال: "اللهم أسق بلدك وبهيمك وانشر بركتك اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء" وفيه قال: فلا والله ما نرى في السماء من قزعة ولا سحاب وما بين المسجد وسلع من بناء فذكر حديث أنس بتمامه وفيه قال الرجل يعني الذي سأله أن يستسقي لهم هلكت الأموال.

قوله: (هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا)، وفي رواية: تهدمت البيوت وغرق المال، ولابن خزيمة: واحتبس الركبان، وفي رواية: فأدع لنا ربك أن يحبسها عنا فضحك، وفي رواية: فتبسم لسرعة مقالة ابن آدم.

قوله: (اللهم حوالينا ولا علينا)، المراد به صرف المطر عن الأبنية والدور.
قوله: (اللهم على الآكام والظراب) الحكام الهضاب، وقيل: ما ارتفع من الأرض، والتراب جمع ظرب هو الجبل المنبسط ليس بالعالي.

قوله: (فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس)، وفي رواية: فانجابت عن المدينة أنجياب الثوب، وفي رواية: فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينا وشمالا يمطرون أي أهل الضواحي ولا يمطر أهل المدينة، ولأحمد: فتقور ما فوق رءوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل، وفي رواية: فما يشير بيده إلي ناحية من السحاب إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة، وفي رواية: وسال الوادي وادي قناة شهرا.

قال البخاري: باب الاستسقاء في المسجد الجامع [11] وذكر الحديث.

قال الحافظ: (وقد ترجم له المصنف بعد ذلك من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة الاستسقاء، وترجم له أيضا الاستسقاء في خطبة الجمعة، فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة، قال وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة وفيه القيام في الخطبة وأنها لا تنقطع بالكلام ولا تنقطع بالمطر وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم وترك الابتداء بالسؤال ومنه قول أنس كان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه فترجى الإجابة عنده وفيه تكرار الدعاء ثلاثا وإدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء، وليس في السياق ما يدل على أنه نواها مع الجمعة وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء والاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة، وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلي استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وإبقاء النفع ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة، وفيه أن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل وإن كان مقام الأفضل التفويض - صلى الله عليه وسلم - لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بما وقع لهم من الجدب وأخر السؤال في ذلك تفويضا لربه ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه في ذلك بيانا للجواز، قال وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر تعجبا من أحوال الناس، قال وفيه جواز الدعاء بالاستصحاء للحاجة)[12].

تتمة:
عن أنس أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون.

عن ابن عمر قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فذكر الحديث، وفيه فخطب الناس عمر فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله وفي حديث آخر: أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس.

قال الحافظ: (ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه وعن الشعبي قال خرج عمر- رضي الله عنه- يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا ما رأيناك استسقيت فقال لقد طلبت الغيث بمجاريح السماء الذي يستنزل به المطر ثم قرأ: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ [نوح: 10-11] ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ [هود: 3] رواه سعيد بن منصور، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى، قال: "اللهم اسق عبادك، وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت " رواه أبو داود، وعن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: "اللهم صيبا نافعا". رواه أحمد والبخاري والنسائي.

وعن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحسر ثوبه عنه حتى أصابه، فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا قال: "لأنه حديث عهد بربه". رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خرج سليمان يستسقى فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلي السماء تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم". رواه أحمد وصححه الحاكم [13] وبالله التوفيق.


[1] فتح الباري: (2/ 499).

[2] فتح الباري: (2/ 32).

[3] فتح الباري: (2/ 492).

[4] فتح الباري: (2/ 34).

[5] فتح الباري: (2/ 34).


[6] فتح الباري: (2/ 38).

[7] فتح الباري: (2/ 514).

[8] فتح الباري: (2/ 38).

[9] فتح الباري: (2/ 500).

[10] فتح الباري: (2/ 502).


[11] فتح الباري: (2/ 34).

[12] فتح الباري: (2/ 501).

[13] فتح الباري: (2/ 497).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #86  
قديم 24-02-2020, 02:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




صلاة الخوف

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث الأول

144- عن عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما- قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، وقضت الطائفتان ركعة، ركعة.

صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة.

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 101- 102]، قال مجاهد: سبب نزول هذه الآية عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال: لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت الآية بين الظهر والعصر. رواه أحمد وأصحاب السنن.

قال الخطابي: (قلت: صلاة الخوف أنواع، وقد صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أيام مختلفة وعلى أشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة والأبلغ في الحراسة وهي على اختلاف صورها متفقة المعنى)[1].

قوله: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف في بعض أيامه التي لقي فيها العدو) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله يصلي بنا، فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو، وركع بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصلي فجاؤوا فركع بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين.

قال الحافظ: (ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معا وآثر تخريج حديث ابن عمر لقوة شبه الكيفية التي ذكرها فيه بالآية).

قوله: (فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا)، وفي رواية: ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل.

قال الحافظ: (أي فقاموا في مكانهم ولمالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون.

قال الحافظ: وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، وقضت الطائفتان ركعة ركعة وفي رواية فقام كل واحد منهم فركع لنفسه)[2].

قال الحافظ: (وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه: ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا صراع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، قال: وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، قال: واستدل به على عظم أمر الجماعة بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها ولو صلى كل امرئ منفردا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، وقد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة ورجح ابن عبد البر هذه الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها لقوة الأسنان لموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه، وعن أحمد قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز ومال إلي ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة وكذا رجحه الشافعي ولم يختر إسحاق شيئا على شيء وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر- إلى أن قال- قال صاحب الهدي أصولها ست صفات وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من اختلاف الرواة)[3] ا هـ.

قال الحافظ: وهذا هو المعتمد.

وقال البخاري: باب صلاة الخوف رجالا وركبانا، راجل قائم.

حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي، قال: حدثني أبي قال: حدثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياما وزاد ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا[4].

قال الحافظ: (قوله باب صلاة الخوف رجالا وركبانا. قيل مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها بل تصلى على أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية قوله راجل قائم يريد أن قوله رجالا جمع راجل والمراد به هنا القائم ويطلق على الماشي أيضا وهو المراد في سورة الحج بقوله تعالى يأتوك رجالا أي مشاة، وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا، إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا، وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه وصف صلاة الخوف ثم قال: فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم، أو ركبانا مستقبلي القبلة، أو غير مستقبليها.

قال مالك: قال نافع لا أرى عبدالله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)[5].

قال الحافظ: (وإن كانوا أكثر من ذلك أي إن كان العدو والمعنى أن الخوف إذا أشتد والعدو إذا كثر فخيف من الإنقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان فينتقل عن القيام إلا الركوع وعن الركوع والسجود إلي الإيماء إلي غير ذلك وبهذا قال الجمهور ولكن قال المالكية لا يصنعون ذلك حتى يخشى فوات الوقت)[6] انتهى.

قال الخرقي: (وإن خاف وهو مقيم صلى بكل طائفة ركعتين وأتمت الطائفة الأولى بـ" الحمد لله" في كل ركعة والطائفة الأخرى تتم بـ"الحمد لله" وسورة في كل ركعة)[7].

قال الحافظ: (وصلاة الخوف في الحضر قال بها الشافعي والجمهور وعن مالك تختص بالسفر والحجة للجمهور قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ ﴾ [النساء: 102] فلم يقيد ذلك بالسفر)[8]. والله أعلم انتهى.

الحديث الثاني

145- عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.

الرجل الذي صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هو سهل بن أي حثمة.

قوله: (عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة ذات الرقاع صلاة الخوف).

قال البخاري: (وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان فنزل نخلا وهي بعد خيبر لأن أبا موسى جاء بعد خيبر. وفي حديث أبى موسى فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا وفي حديث جابر أنه صلى صلاة الخوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغزوة السابعة غزوة الرقاع)[9].

قال الحافظ: (المراد الغزوات التي وقع فيها القتال والأولى منها بدر والثانية أحد والثالثة الخندق والرابعة قريظة والخامسة المريسيع والسادسة خيبر فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد الموازي)[10].

قوله: (إن طائفة صفت مع الإمام وطائفة وجاه العدو) إلي آخره، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.

قال الحافظ: (فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة صلاة الخوف كيفيات حملها بعض العلماء على اختلاف الأحوال وحملها آخرون على التوسع والتخيير وما ذهب إليه مالك من ترجيح هذه الكيفية وافقه الشافعي وأحمد وداود على ترجيحها لسلامتها من كثرة المخالفة ولكونها أحوط لأمر الحرب مع تجويزهم الكيفية التي في حديث ابن عمر قال وحمل الجمهور حديث سهل على أن العدو كان في غير جهة القبلة فلذلك صلى بكل طائفة وحدها جميع الركعة وأما إذا كان العدو في جهة القبلة فعلى ما في حديث ابن عباس أن الإمام يحرم بالجميع ويركع بهم فإذا سجد سجد معه صف وحرس صف إلي آخره ووقع عند مسلم من حديث جابر صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة انتهى. ومقتض حديث سهل أن الطائفة الأولى تتم لأنفسها مع بقاء صلاة الإمام وتتوجه للحراسة فارغة من الصلاة ومقتض حديث ابن عمر أن الطائفة الأولى تتوجه للحراسة مع كونها في الصلاة[11].

قوله: (ثم سلم بهم) ظاهره أنه انتظرهم في التشهد ليسلموا معه فالطائفة الأولى أحرموا معه والأخرى سلموا معه.

قوله: (الرجل الذي صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو سهل بن أبى حثمة).

قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات عمن شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف أن طائفة صفت معه الحديث.

ثم قال حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوست عن سهل بن أبي حثمة قال يقوم الإمام مستقبل القبلة وطائفة منهم معه وطائفة من قبل العدو وجوههم إلا العدو فيصلي بالذين معه ركعة ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويجدون سجدتين في مكانهم ثم يذهب هؤلاء إلي مقام أولئك فيركع بهم ركعة فله ثنتان ثم يركعون ويسجدون سجدتين[12].

قال الحافظ: (قوله: عمن شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف قيل إن اسم هذا المبهم سهل بن أبي حثمة وهذا هو الظاهر من رواية البخاري ولكن الراجح أنه أبوه خوات بن جبير لأن أبا أويس روى هذا الحديث عن يزبد بن رومان شيخ مالك فيه فقال عن صالح بن خوات عن أبيه أخرجه بن منده في معرفة الصحابة من طريقه وكذلك أخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه.

قال الحافظ: ويحتمل أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة فلذلك يبهمه تارة ويعينه أخرها[13].

الحديث الثالث

146- عن جابر بن عبدالله الأنصاري - رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف، فصففنا صفين خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي - صلى الله عليه وسلم -ركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع فرفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه - الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى - فقام الصف المؤخر في نحر العدو. فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلمنا جميعا. قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائكم.

ذكره مسلم بتمامه. وذكر البخاري طرفا منه، وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع.

قال ابن دقيق العيد: (هذه كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة فإنه تتأتى الحراسة مع كون الكل مع الإمام في الصلاة وفيها التأخر عن الإمام لأجل العدو)[14].

قال البخاري: باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف[15].
وذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنه-، قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام الناس معه فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا.

قال الحافظ: قوله باب يحرس بعضهم بعضا في الخوف.

قال ابن بطال: محل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون والحالة هذه بخلاف الصورة الماضية في حديث ابن عمر وقال الطحاوي ليس هذا بخلاف القرآن لجواز أن يكون قوله تعالى ولتأت طائفة أخرى إذا كان العدو في غير القبلة وذلك ببيانه - صلى الله عليه وسلم - ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة، والله أعلم.

قال الحافظ: (ولم يقع في رواية الزهري هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا، وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن شيخه عبيدالله بن عبدالله بن عتبة فزاد في آخره ولم يقضوا وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة وفي الباب عن حذيفة وعن زيد بن ثابت عند أبي داود والنسائي وابن حبان وعن جابر عند النسائي ويشهد له ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وبالاقتصار في الخوف على ركعة واحدة يقول إسحاق والثوري ومن تبعهما، وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف، وقال الجمهور قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد وتأولوا رواية مجاهد هذه على أن المراد به ركعة مع الإمام وليس فيه نفي الثانية، وقالوا يحتمل أن يكون قوله في الحديث السابق لم يقضوا أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن والله أعلم فائدة لم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب وقد اجمعوا على أنه لا يدخلها قصر واختلفوا هل الأولى أن يصلي بالأولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس)[16].

وعن جابر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربع، وللقوم ركعتان. متفق عليه. وللشافعي والنسائي. عن الحسن عن جابر: أن النبي؟ صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم، ثم صلى بآخرين ركعتين ثم سلم.

قال الحافظ: (وقع القصد إلي جهة نجد في عدة غزوات وروى جابر قصتين مختلفتين في صلاة الخوف) [17]انتهى.

وعن الحسن عن أبي بكرة قال: صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف، فصلى ببعض أصحابه ركعتين ثم سلم، ثم تأخروا وجاء الآخرون وكانوا في مقامهم، فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فصار للنبي - صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان ركعتان. رواه أحمد والنسائي. قال أبو داود: وكذلك المغرب ليكون للإمام ست ركعات وللقوم ثلاث. انتهى.

قال الشوكاني: (وهو قياس صحيح عن أبي هريرة قال: صليت مع رسول الله؟ صلاة الخوف عام غزوة نجد، فقام إلي صلاة العصر فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلي القبلة، فكبر فكبروا جميعا الذين معه والذين مقابل العدو ثم ركع ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه والآخرون قيام مقابلى العدو، ثم قام وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوهم وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا وسجدوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما هو، ثم قاموا فركع ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد ومن معه ثم كان السلام فسلم وسلموا جميعا، فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ولكل رجل من الطائفتين ركعتين ركعتين. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. عن ثعلبة بن زهدم قال كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقام فقال أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف فقال حذيفة أنا فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا. رواه أبو داود والنسائي[18].

قال الشوكاني: (وقد أخذ بكل نوع من أنواع صلاة الخوف الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة من أهل العلم، والحق الذي لا محيص عنه أنها جائزة على كل نوع من الأنواع الثابتة وقد قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا إلا صحيحا)[19].

قال البخاري: باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء[20].

وقال الوليد: ذكرت للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط وأصحابه على ظهر الدابة فقال كذلك الأمر عندنا إذا تخوف الفوت.

واحتج الوليد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ثم ذكر حديث ابن عمر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا لما رجع من الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا منهم.

قال الحافظ: (أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبيد الله بن أنيس إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي سفيان الهذلي قال فرأيته وحضرت العصر فخشيت فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء وإسناده حسن)[21] انتهى والله أعلم.


[1] معالم السنن: (1/ 269).

[2] فتح الباري: (2/ 429، 430).

[3] فتح الباري: (2/ 431).

[4] فتح الباري: (2/ 431).

[5] فتح الباري: (2/ 431).

[6] فتح الباري: (2/ 432).

[7] فتح الخرقي: (1/34).

[8] فتح الباري: (7/ 421).

[9] فتح الباري: (5/ 144).

[10] فتح الباري: (7/ 419).

[11] فتح الباري: (7/ 424).

[12] فتح الباري: (5/ 145).

[13] فتح الباري: (7/ 422)

[14] إحكام الأحكام شرح عملي الأحكام: (1/ 245).


[15] فتح الباري: (2/ 18).

[16] فتح الباري: (2/433).

[17] فتح الباري: (7/ 428).

[18] نيل الأوطار: (2/ 196).

[19] نيل الأوطار: (4/ 2).

[20] فتح الباري: (2/ 19).

[21] فتح الباري: (2/ 437).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #87  
قديم 24-02-2020, 02:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





كتاب الجنائز (1)


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث الأول

147- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا.

الحديث الثاني

148- عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي، فكنت في الصف الثاني أو الثالث.

الجنائز: جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها وقيل بالكسر للنعش، وبالفتح للميت.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره".

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر ينزل به فإن كان لابد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي" متفق عليه. وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل". رواه مسلم، وروى أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، وعن أم سلمة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: "أن الروح إذا قبض تبعه البصر". فضج ناس من أهله فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون". ثم قال: "اللهم اغفر لأبى سلمة وارفع درجته في المهديين وأخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره، ونور له فيه".

قال في الاختيارات الفقهية[1]: (واختلف أصحابنا وغيرهم في عيادة المريض وتشميت العاطس وابتداء السلام والذي يدل عليه النص وجوب ذلك فيقال: هو واجب على الكفاية.

وعرض الأديان عند الموت على العبد ليس أمراً عاماً لكل أحد ولا هو أيضاً منفياً عن كل أحد بل من الناس من لا يعرض عليه الأديان ومنهم من يعرض عليه وذلك كله عين فتنة المحيا التي أمرنا أن نستعيذ في صلاتنا منها ورقت الموت يكون الشيطان أحرص ما يكون على إغواء بني آدم وعمل القلب من التوكل والخوف والرجاء وما يتبع ذلك والصبر واجب بالاتفاق ولا يلزم الرضا بمرض وفقر وعاهة وهو الصحيح من المذهب والصبر تنافيه الشكوى والصبر الجميل تنافيه الشكوى إلا المخلوق لا إلي الخالق بل هي مطلوبة بإجماع المسلمين قال الله تعالى: ï´؟ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ï´¾ [الأنعام: 42]، إلي غير ذلك من الآيات، وينبغي للمؤمن أن يكون خوفه ورجاؤه واحدا فأيهما غلب هلك صاحبه، ونص عليه الإمام أحمد لأن من غلب خوفه وقع في نوع من اليأس ومن غلب رجاؤه وقع في نوع من الأمن من مكر الله وتعتبر المصلحة في عبادة الداعي ولا يشهد بالجنة إلا لمن شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - أو اتفقت الأمة على الثناء عليه وهو أحد القولين وتواطؤ الرؤيا لتواطئ الشهادات ومن ظن أن غيره لا يقوم بأمر الميت تعين عليه وقال القاضي وغيره في فرض الكفاية. انتهى.

قوله: (نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - النجاشي في اليوم الذي مات فيه) وقال ابن المرابط: النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والإستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام. انتهى.

وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي. أخرجه الترمذي وابن ماجه.

وعن ابن عون قال: قلت لإبراهيم أكانوا يكرهون النعي قال: نعم، قال: ابن عون كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس أنعى فلانا قال ابن عون.

قال ابن سيرين: لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه. أخرجه سعيد بن منصور.

قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، الثانية دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره، الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم.

قال ابن دقيق العيد: (ويحمل النعي الجائز على ما فيه غرض صحيح مثل طلب كثرة الجماعة تحصيلا لدعائهم وتتميما للعدد الذي وعد بقبول شفاعتهم في الميت كالمائة مثلا)[2].

قوله: (وخرج إلي المصلى فصف بهم وكبر أريعا). وفي حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي، فكنت في الصف الثاني أو الثالث. وفي رواية في حديث جابر قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"قد توفى اليوم رجل صالح من الحبش فهلموا فصلوا عليه: قال: فصففنا فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن صفوف"، وفي رواية:"فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة".

قال الحافظ: (وفي الحديث دلالة على أن للصفوف على الجنازة تأثيرا ولو كان الجمع كثيرا لأن الظاهر أن الذين خرجوا معه - صلى الله عليه وسلم - كانوا عددا كثيرا وكان المصلى فضاء ولا يضيق بهم لو صفوا فيه صفا واحدا ومع ذلك فقد صفهم، وهذا هو الذي فهمه مالك بن هبيرة الصحابي فكان يصف من يحضر الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف سواء قلوا أو كثروا، ويبقى النظر فيما إذا تعددت الصفوف والعدد قليل أو كان الصف واحدا والعدد كثير أيهما أفضل، وفي قصة النجاشي علم من أعلام النبوة لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة، قال: واستدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف، وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك، وعن بعض أهل العلم إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة. حكاه ابن عبد البر.

قال الحافظ: وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن قصة النجاشي بأمور منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة عليه لذلك ومن ثم قال الخطابي لا يصلي على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه واستحسنه الروماني من الشافعية فيه ترجم أبو داود في السنن الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر) [3]انتهى.

وقال البخاري: باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد[4].

وذكر حديث أبي هريرة في قصة النجاشي وحديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن اليهود جاؤوا إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل منهم وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريبا من موضع الجنائز عند المسجد.

قال ابن رشيد: لم يتعرض المصنف لكون الميت بالمصلى أولا لأن المصلي عليه كان غائبا وألحق حكم المصلي بالمسجد بدليل ما تقدم في العيدين من حديث أم عطية ويعتزل الحيض المصلى فدل على أن للمصلى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه ويلحق به ما سوى ذلك.

قال الحافظ: (ثم أورد المصنف حديث ابن عمر في رجم اليهوديين وحكي ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من ناحية جهة المشرق.

قال الحافظ: فإن ثبت ما قال وإلا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيدين والاستسقاء لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم وسيأتي في قصة ماعز فرجمناه بالمصلى، ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز والله أعلم، واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد ويقويه حديث عائشة ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور، وقال مالك لا يعجبني، وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث وحملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز اتفاقا وفيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد زاد في رواية ورضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك)[5].

قال البخاري: باب التكبير على الجنازة أربعا[6].

وقال حميد: صلى بنا أنس - رضي الله عنه - فكبر ثلاثا ثم سلم، فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم. وذكر حديثي أبي هريرة وجابر.

قال ابن المنذر: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع وفيه أقوال أخر[7].

الحديث الثالث

149- عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعد ما دفن، فكبر عليه أربعا.

قال البخاري: باب الإذن بالجنازة[8].

وقال أبو رافع، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألا كنتم آذنتموني ". وذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، ولفظه: قال: مات إنسان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلا فلما أصبح أخبروه، فقال: "ما منعكم أن تعلموني" قالوا: كان الليل فكرهنا - وكانت ظلمة - أن نشق عليك فأتي قبره فصلى عليه.

قوله: مات إنساني اسمه طلحة بن البراء بن عمير البلوي حليف الأنصار، روى حديثه أبو داود مختصرا والطبراني من طريق عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن حسين بن وحوح الأنصاري أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقال: "إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا" فلم يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - بني سالم بن عوف حتى توفي، وكان قال لأهله لما دخل الليل إذا مت فادفنوني ولا تدعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أخاف عليه يهودا أن يصاب بسببي، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره فصف الناس معه ثم رفع يديه فقال: "اللهم الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليها"[9].

قال البخاري: باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز. وذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبر قد دفن ليلا فقال متى دفن هذا قالوا البارحة قال أفلا آذنتموني قالوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك فقام فصففنا خلفه قال ابن عباس وأنا فيهم فصلى عليه.

قال البخاري: باب سنة الصلاة على الجنائز. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى على الجنازة". وقال: "صلوا على صاحبكم". وقال: "صلوا على النجاشي" سماها صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود ولا يتكلم فيها وفيها تكبير وتسليم.

وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهرا، ولا يصلي عند طلوع الشمس، ولا غروبها ويرفع يديه.

وقال الحسن: أدركت الناس وأحقهم على جنائزهم من رضوهم لفرائضهم، وإذا أحدث يوم العيد، أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم، وإذا انتهى إلى الجنازة وهم يصلون يدخل معهم بتكبيرة.

وقال ابن المسيب: يكبر بالليل والنهار والسفر والحضر أربعا.

وقال أنس - رضي الله عنه -: التكبيرة الواحدة استفتاح الصلاة. وقال: ï´؟ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ï´¾ [التوبة: 84] وفيه صفوف وإمام.

حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة عن الشيباني، عن الشعبي قال: أخبرني من مر مع نبيكم - صلى الله عليه وسلم - على قبر منبوذ فأمنا فصففنا خلفه فقلنا يا أبا عمرو من حدثك قال ابن عباس - رضي الله عنهما-[10].

وقال البخاري أيضاً: باب الدفن بالليل. ودفن أبو بكر- رضي الله عنه - ليلا.

وذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما-، قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على رجل بعد ما دفن بليلة قام هو وأصحابه وكان سأل عنه فقال من هذا فقالوا فلان دفن البارحة فصلوا عليه[11].

قال الحافظ: (قوله: باب الدفن بالليل، أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من منع ذلك محتجا بحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر أن يقبر الرجل ليلا إلا أن يضطر إلي ذلك. أخرجه ابن حبان، لكن بين مسلم في روايته السبب في ذلك ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض وكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا فزجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلي ذلك، وقال: "إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه" فدل على أن النهي بسبب تحسين الكفن، وقوله: حتى يصلي عليه، مضبوط بكسر اللام أي النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا سبب آخر يقتضي أنه إن رجي بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره وإلا فلا وبه جزم الطحاوي، واستدل المصنف للجواز بما ذكره من حديث ابن عباس ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - دفنهم إياه بالليل بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره وأيد ذلك بما صنع الصحابة بأبي بكر وكان ذلك كالإجماع منهم على الجواز[12] انتهى.

قال في الاختيارات: (وتستحب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ولا تجب وهو ظاهر نقل أبي طالب ويصلي على الجنازة مرة بعد أخرى لأنه دعاء وهو وجه في المذهب واختاره ابن عقيل في القنوت، وقال أبو العباس في موضع آخر ومن صلى على الجنازة فلا يعيدها إلا لسبب مثل أن يعيد غيره الصلاة فيعيدها معه أو يكون هو أحق بالإمامة من الطائفة التي صلت أولاً فيصلي بهم، ويصلى على القبر إلى شهر، وهو مذهب أحمد، وإذا صلى على جنازة وهي على أعناق الرجال وهي واقفة فهذا له مأخذان الأول استقرار المحل فقد يخرج فيه ما في الصلاة في السفينة وعلى الراحلة مع استيفاء الفرائض وإمكان الانتقال وفيه روايتان والثاني اشتراط محاذاة المصلي للجنازة لو كان أعلى من رأسه وهذا قد يخرج فيه ما في علو الإمام على المأموم فلو وضعت على كرسي عال أو منبر ارتفع المحذور الأول دون الثاني.

قلت: قال أبو المعالي: لو صلى على جنازة وهي محمولة على الأعناق أو على دابة أو صغير على يدي رجل لم يجز لأن الجنازة بمنزلة الإمام، وقال صاحب "التلخيص" وجماعة: يشترط حضور السرير بين يدي المصلي ولا يصلي على الغائب عن البلد إن كان صلى عليه وهو وجه في المذهب، ومقتض اللفظ أن من هو خارج السور أو ما يقدر سوراً يصلى عليه، لكن هذا لا أصل له فلابد من انفصاله عن البلد بما يعد الذهاب إليه نوع سفر وقال القاضي وغيره: أنه يكفي خمسون خطوة، وأقرب الحدود ما يجب فيه الجمعة لأنه إذا كان من أهل الصلاة في البلد فلا بعد غائباً عنه، ولا يصلى كل يوم على كل غائب لأنه لم ينقل يؤيده قول الإمام أحمد: إذا مات رجل صالح صلي عليه واحتج بقصة النجاشي، وما يفعله بعض الناس من أنه كل ليلة يصلي على جميع من مات من المسلمين في ذلك اليوم لا ريب أنه بدعة، ومن مات وكان لا يزكي ولا يصلي إلا في رمضان ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليه عقوبة ونكالا لأمثاله لتركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على القاتل نفسه وعلى الغال والمدين الذي ليس له وفاء ولا بد أن يصلي عليه بعض الناس وإن كان منافقا كمن علم نفاقه لم يصل عليه، ومن لم يعلم نفاقه صلي عليه ولا يجوز لأحد أن يترحم على من مات كافراً ومن مات مظهرا للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجراً لأمثاله عن مثل فعله كان حسناً ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما، وترك النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل الشهيد والصلاة عليه يدل على عدم الوجوب، أما استحباب الترك فلا يدل على تحريم الفعل)[13] انتهى والله أعلم.


[1] ( 1/443).

[2] إحكام الأحكام شرح عملي الأحكام: (1247).

[3] فتح الباري: (3/ 187).

[4] فتح الباري: (2/ 111).

[5] فتح الباري: (3/ 199).

[6] فتح الباري: (2/ 64).

[7] فتح الباري: (3/ 202).

[8] صحيح البخاري: (2/92).

[9] فتح الباري: (3/ 118).

[10] فتح الباري: (2/ 109).


[11] فتح الباري: (2/ 113).

[12] فتح الباري: (3/ 207).

[13] الاختيارات الفقهية: (1/ 444).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #88  
قديم 24-02-2020, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



( كتاب الجنائز 2 )

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث الرابع
150- عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة.

قولها: (سحولية) نسبة إلي سحول قرية باليمن وفي رواية من كرسف وهو القطن.

قال البخاري: باب الثياب البيض للكفن[1]. وذكر الحديث.

قال الحافظ: (أورد فيه حديث عائشة كفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض الحديث وتقرير الاستدلال به أن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل قال الترمذي وتكفينه في ثلاثة أثواب بيض أصح ما ورد في كفنه.

قولها: (ليس فيها قميص ولا عمامة) وعن الشعبي إزار ورداء وفيه استحباب التكفير في ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا[2].

وقال ابن دقيق العيد: (فيه جواز التكفين بما زاد على الواحد الساتر لجميع البدن وأنه لا يضايق في ذلك ولا يتبع من رأى من منع منه من الورثة)[3].

قال الحافظ: (ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجزئ ثوب واحد يصف ما تحته من البدن)[4] انتهى.

قال البخاري: باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص وذكر حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: أعطني قميصك أكفنه فيه الحديث، وحديث جابر- رضي الله عنه- قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه[5].

قال الحافظ: (والمعنى أن التكفين في القميص ليس ممتنعا سواء كان مكفوف الأطراف أو غير مكفوف أو المراد بالكف تزريره دفعا لقول من يدعي أن القميص لا يسوغ إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة أو كان غير مزور ليشبه الرداء وأشار بذلك إلي الرد على من خالف في ذلك إلى أن التكفين في غير قميص مستحب ولا يكره التكفير في القميص)[6] انتهى والله أعلم.

الحديث الخامس
151- عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفيت ابنته زينب فقال: " اغسلنها بثلاث أو خمس أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني". فلما فرغنا آذناه. فأعطانا حقوه فقال: "أشعرنها إياه، تعني إزاره".

وفى رواية "أو سبعا" وقال: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" وأن أم عطية قالت: وجعلنا رأسها ثلاثة قرون.

قولها: (دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفيت ابنته زينب)، وفي رواية للنسائي: ماتت إحدى بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلينا فقال: "اغسلنها" قولها: فقال: "اغسلنها بثلاث أو خمس أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك".

قال الحافظ: (قال النووي: المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجن إلي زيادة فخمسا، وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاث مستحبة فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترا حتى يحصل الانقاء والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن).

وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع، وقال ابن المنذر: بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك، وقوله: إن رأيتن ذلك معناه التفويض إلا اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي، قوله: "بماء وسدر" قال ابن العربي: هذا أصل في جواز التطهر بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق.

قال القرطبي: يجعل السدر في ماء ويخضخض إلا أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسلة.

وعن أحمد يغسل في كل مرة بالماء والسدر وعن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية فيغسل بالماء والسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور رواه أبو داود.

قال الحافظ: والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندويه.

قوله: (واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور) هو شك من الراوي.

قال الحافظ: (ظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور قيل الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع اسراع الفساد إليه وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك وهذا هو السر في جعله في الأخيرة.

قوله: (فإذا فرغتن فآذنني أي أعلمنني).

قولها: (فأعطانا حقوه) الحقو في الأصل معقد الإزار وأطلق على الإزار مجازا وفي رواية فنزع من حقوق إزاره والحقو في هذا على حقيقته، قوله اشعرنها إياه أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها، عن ابن جريج قال قلت لأيوب قوله أشعرنها تؤزر به، قال ما أراه إلا قال ألففنها فيه. أخرجه عبد الرزاق، وروى الجوزقي عن أم عطية قالت: فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي)[7].

قال الحافظ: (وهذه الزيادة صحيحة الإسناد وقال ولا يكره القميص للمرأة على الراجح عند الشافعية والحنابلة.

وفي الحديث جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل، وعن ليلى بنت قانف الثقفية قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس عند الباب معه كفنها تناولناها ثوبا ثوبا. رواه أحمد وأبو داود.

قوله: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) ليس بين الأمرين تناف لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا، قال الزين بن المنير: والحكمة في الأمر بالوضوء تجديد أثر سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل، واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت.

قوله: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون) أي ضفائر، وفي رواية: نقضنه ثم غسلنا ثم جعلنه ثلاثة قرون. قال الحافظ: وفيه حجة للشافعي ومن وافقه على استحباب تسريح الشعر قال وفائدة النقض تبليغ الماء البشرة وتنظيف الشعر من الأوساخ)[8].

وقد ترجم عليه البخاري بعدة تراجم فقال: باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر. وحنط ابن عمر- رضي الله عنهما- ابنا لسعيد بن زيد وحمله وصلى ولم يتوضأ. وقال ابن عباس- رضي الله عنه- المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا. وقال سعد لو كان نجسا ما مسسته. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن لا ينجس. ثم ذكر الحديث وقال باب ما يستحب أن يغسل وترا. وقال باب يبدأ بميامن الميت. وقال باب مواضع الوضوء من الميت. وقال باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل. وقال باب يجعل الكافور في آخره. وذكر الحديث في كل باب وقال أيضا باب نقض شعر المرأة. وقال ابن سيرين لا بأس أن ينقض شعر الميت. وذكر الحديث وقال أيضا باب كيف الإشعار للميت. وقال الحسن الخرقة الخامسة تشد بها الفخذين والوركين تحت الدرع. ثم ذكر الحديث وقال أيضا باب هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون. وقال باب يلقى شعر المرأة خلفها[9]. وذكر الحديث.

قال الحافظ: (وفي حديث أم عطية من الفوائد غير ما تقدم في هذه التراجم العشر تعليم الإمام من لا علم له بالأمر الذي يقع فيه وتفويضه إليه إذا كان أهلا لذلك بعد أن ينبهه على علة الحكم)[10] انتهى والله أعلم.

الحديث السادس
152- عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته- أو قال: فأوقصته- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا".

وفي رواية: "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه". الوقص: كسر العنق.

قوله: (فوقصته- أو قال: فأوقصته) القعص القتل في الحال، ومنه قعاص الغنم وهو موتها.

قال الحافظ: يحتمل أن يكون فاعل وقصته الوقعة أو الراحلة بأن تكون أصابته بعد أن وقع قال والأول أظهر.

قوله: (وكفنوه في ثوبين) وفي رواية في ثوبيه، وللنسائي: في ثوبيه الذي أحرم فيها، قال المحب الطبري: إنما لم يزده ثوبا ثالثا تكرمة له كما في الشهيد حيث قال زملوهم بدمائهم.

قوله: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)، وللنسائي: فإنه يبعث يوم القيامة محرما، قال ابن بطال: وفيه أن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رجي له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل.

قوله: (لا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه.

قال البيهقي: فيه دليل على أن غير المحرم يحنط كما يخمر رأسه وأن النهي إنما وقع لأجل الإحرام.

قال النووي: (الحنوط بفتح الحاء ويقال له: الحناط بكسر الحاء، وهو أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة لا تستعمل في غيره)[11].

قوله: (ولا تخمروا وجهه).

قال الحافظ: (اختلف في ثبوتها وهي قوله ولا تخمروا وجهه، وقال ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث قال منصور: ولا تغطوا وجهه وقال أبو الزبير ولا تكشفوا وجهه، وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ: ولا تخمروا وجهه ولا رأسه.

وقال النووي: يتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطى رأسه.

قال الحافظ: قال ابن المنذر في حديث ابن عباس إباحة غسل المحرم الحي بالسدر خلافا لمن كرهه له وأن الوتر في الكفن ليس بشرط في الصحة وأن الكفن من رأس المال لأمره - صلى الله عليه وسلم - بتكفينه في ثوبيه ولم يستفصل هل عليه دين يستغرق أم لا وفيه استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه وأن إحرامه باق وأنه لا يكفن في المخيط، وفيه التعليل بالفاء لقوله فإنه وفيه التكفين في الثياب الملبوسة، وفيه استحباب دوام التنبيه إلى أن ينتهي الإحرام وأن الإحرام يتعلق بالرأس لا بالوجه)[12].

قال الحافظ: (كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب واستحباب دوام التلبية في الإحرام وأنها لا تنقطع بالتوجه لعرفة وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا)[13].

وقال البخاري: باب المحرم يموت بعرفة.

ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدى عنه بقية الحج[14].

قال الحافظ: (يعنى لم ينقل ذلك وذكر الحديث)[15].

تتمة:
قال البخاري: باب الكفن من جميع المال، وبه قال عطاء والزهري وعمرو بن دينار وقيادة. وقال عمرو بن دينار الحنوط من جميع المال، وقال إبراهيم يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية. وقال سفيان أجر القبر والغسل هو من الكفن.

حدثنا أحمد بن محمد المكي، حدثنا إبراهيم بن سعد عن سعد، عن أبيه، قال أتي عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه- يوما بطعامه فقال قتل مصعب بن عمير، وكان خيرا مني- فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، وقتل حمزة أو رجل آخر خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ثم جعل يبكي، وقال أيضا: باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه، أو قدميه غطى رأسه.

وذكر حديث خباب- رضي الله عنه- قال هاجرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، إذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر[16].

قال الحافظ: (وقد يستفاد منه أنه إذا لم يوجد ساتر البتة أنه يغطى جميعه بالإذخر فإن لم يوجد فبما تيسر من نبات الأرض)[17].

تتمة:
قال في الاختيارات الفقهية[18]: (روى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الميت يبعث يوم القيامة في ثيابه التي قبض فيها" أخرجه ابن ماجه في "صحيحه" وغيره وحمله أبو سعيد الخدري على أن الثياب التي يموت فيها العبد يبعث فيها وقال طوائف من أهل العلم كأبي حاتم وغيره المراد بذلك يبعث على ما مات عليه من العمل سواء كان صالحاً أو سيئاً ورجح أبو العباس هذا بان الذي جاء في الحديث أنه يبعث على ما مات عليه رواه أبو حاتم في "صحيحه" وقال: الأحاديث الصحيحة تبين أنهم يحشرون عراة). انتهى.

[1] فتح الباري: (2/ 95).
[2] فتح الباري: (3/ 135).

[3] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: (1/ 248).

[4] فتح الباري: (3/ 141).

[5] فتح الباري: (2/ 96).

[6] فتح الباري: (3/139)

[7] فتح البارز: (3/ 129).

[8] فتح الباري: (3/133).

[9] فتح الباري: (2/93).

[10] فتح الباري: (3/134).

[11] شرح النووي على مسلم: (4/ 276).

[12] فتح الباري: (3/ 138).

[13] فتح الباري: (4/ 55).

[14] صحيح البخاري: (3/22)

[15] فتح الباري: (4/ 64).

[16] صحيح البخاري: (2/97).


[17] فتح الباري: (3/142).

[18] (1/445)








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #89  
قديم 24-02-2020, 02:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





(كتاب الجنائز 3)

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث السابع

153- عن أم عطية الأنصارية - رضي الله عنها - قالت: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا.

قال البخاري: باب اتباع النساء الجنائز [1]، وذكر الحديث.

قال الحافظ: (قال الزين بن المنير فصل المصنف بين هذه الترجمة وبين فضل أتباع الجنائز بتراجم كثيرة تشعر بالتفرقة بين النساء والرجال وأن الفضل الثابت في ذلك يختص بالرجال دون النساء لأن النهي يقتضي التحريم أو الكراهة والفضل يدل على الاستحباب ولا يجتمعان وأطلق الحكم هنا لما يتطرق إليه من الاحتمال ومن ثم اختلف العلماء في ذلك ولا يخفى أن محل النزاع إنما هو حيث تؤمن المفسدة.

قولها: (نهينا عن إتباع الجنائز) وفي رواية: كنا نهينا عن إتباع الجنائز وعند الإسماعيلي نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.

قال الحافظ: (وفيه رد على من قال لا حجة في هذا الحديث لأنه لم يسم الناهي فيه لما رواه الشيخان وغيرهما أن كل ما ورد بهذه الصيغة كان مرفوعا وهو الأصح عند غيرهما من المحدثين. ويؤيد رواية الإسماعيلي ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية قالت لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جمع النساء في بيت ثم بعث إلينا عمر فقال إني رسول رسول الله بعثني إليكن لأبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا الحديث وفي آخره وأمرنا أن نخرج في العيد العواتق ونهانا أن نخرج في جنازة.

قوله: (ولم يعزم علينا).

قال الحافظ: أي لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات فكأنها قالت: كره لنا إتباع الجنائز من غير تحريم. قال القرطبي: ظاهر سياق حديث أم عطية أن النهي نهي تنزيه وبه قال جمهور أهل العلم.

وقولها: (ولم يعزم علينا) أي أن لا نأتي أهل الميت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته.

قال الحافظ: وفي أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظر نعم هو في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى فاطمة مقبلة فقال من أين جئت، فقالت: رحمت على أهل هذا الميت ميتهم فقال لعلك بلغت معهم الكدي، قالت: لا. الحديث أخرجه أحمد والحاكم وغيرهما فأنكر عليها بلوغ الكدي وهي المقابر ولم ينكر عليها التعزية)[2] انتهى والله أعلم.

الحديث الثامن

154- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".

قال البخاري: باب السرعة بالجنازة.
وقال أنس - رضي الله عنه - أنتم مشيعون وامش بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها. وقال غيره قريبا منها[3]. وذكر الحديث.

قال الحافظ: (قال الزين بن المنير مطابقة هذا الأثر للترجمة أن الأثر يتضمن التوسعة على المشيعين وعدم التزامهم جهة معينة وذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي وقضية الإسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوي عليه ومحصله أن السرعة لا تتفق غالبا إلا مع عدم التزام المشي في جهة معينة فتناسبا، وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - مرفوعا الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها أحرجه أصحاب السنن.

قوله: (أسرعوا بالجنازة) أي بحملها إلى قبرها، وقيل: المعنى بتجهيزها فهو أعم من الأول، قال القرطبي: والأول أظهر)[4].

قال الحافظ: (نقل ابن قدامة أن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء، وشذ ابن حزم فقال بوجوبه والمراد بالإسراع شدة المشي وعلى ذلك حمله بعض السلف، وهو قول الحنفية قال صاحب الهداية: ويمشون بها مسرعين دون الخبر، وفي المبسوط ليس فيه شيء مؤقت غير أن العجلة أحب إلي أبي حنيفة، وعن الشافعي والجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد، ومال عياض إلى نفي الخلاف، فقال: من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل، والحاصل أنه يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلا شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم، قال القرطبي: مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن ولأن التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال.

وعن ابن عمر، يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلي قبره" أخرجه الطبراني بإسناد حسن، ولأبي داود من حديث حصين بن وحول مرفوعا: "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ". الحديث.

قوله: (فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه) ولمسلم: قربتموها إلى الخير.

قوله: (وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم).

قال الحافظ: وفيه استحباب المبادرة إلي دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم نبه على ذلك ابن بزيزة، ويؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين)[5]. انتهى والله المستعان.

الحديث التاسع

155- عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: صليت وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها، فقام وسطها.

قال البخاري: باب الصلاة على النفساء وسنتها، وذكر الحديث ثم ذكر حديث ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت تكون حائضا لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابني بعض ثوبه.

قوله: صليت وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها، وفي لفظ: أن امرأة ماتت في بطن أي بسبب بطن فصلى عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -[6].

قوله: (فقام وسطها).

قال الحافظ: (بفتح السين في روايتنا وكذا ضبطه ابن التين وضبطه غيره بالسكون وللكشميهني فقام عند وسطها)[7].

قال البخاري: باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها [8] وذكر الحديث.

قال الحافظ: (أي في مدة نفاسها أو بسبب نفاسها والأول أعم من جهة أنه يدخل فيه من ماتت منه أو من غيره والثاني أليق بخبر الباب فإن في بعض طرقه أنها ماتت حاملا قال الزين بن المنير وغيره المقصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة بخلاف شهيد المعركة)[9].

وقال البخاري أيضاً: باب أين يقوم من المرأة والرجل[10]. وذكر الحديث.

قال الحافظ: (وفيه مشروعية الصلاة على المرأة، فإن كونها نفساء وصف غير معتبر وأما كونها امرأة فيحتمل أن يكون معتبرا فإن القيام عليها عند وسطها لسترها وذلك مطلوب في حقها بخلاف الرجل)[11] والله أعلم.


[1] صحيح البخاري فتح الباري: (2/99).

[2] فتح الباري: (3/145).

[3] صحيح البخاري: (2/100).

[4] فتح الباري: (3/ 183).

[5] فتح الباري: (3/184).

[6] صحيح البخاري: (1/90).

[7] فتح الباري: (1/ 429).

[8] صحيح البخاري: (1/446).

[9] صحيح البخاري: (2/111).

[10] فتح الباري: (3/ 201).

[11] فتح الباري: (31/ 201).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #90  
قديم 24-02-2020, 03:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





(كتاب الجنائز 4)

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث العاشر

156- عن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصالقة والحالقة والشاقة. قال - رضي الله عنه -: الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة.

قال البخاري: باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة.

وقال الحكم بن موسى، حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبدالرحمن بن جابر أن القاسم بن مخيمرة حدثه قال: حدثني أبو بردة بن أبي موسى- رضي الله عنه - قال وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال أنا برئ ممن برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة والحالقة والشاقة. ولمسلم فأقبلت امرأته أم عبدالله تصيح برنة [1] الحديث.

قال الحافظ: (الصالقة بالصاد أي التي ترفع صوتها بالبكاء ويقال بالسين ومنه قوله تعالى سلقوكم بألسنة حداد، وعند مسلم أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق أي حلق شعره وسلق صوته أي رفعه وخرق ثوبه انتهى الحديث.

والحديث دليل على تحريم هذه الأفعال وفي حديث ابن مسعود قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)[2].

قال الحافظ: (قوله: ليس منا أي من أهل سنتنا وطريقتنا وليس المراد به إخراجه عن الدين ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغه في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك ولست مني أي ما أنت على طريقتي، وقال الزين بن المنير ما ملخصه التأويل الأول يستلزم أن يكون الخبر إنما ورد عن أمر وجودي وهذا يصان كلام الشارع عن الحمل عليه والأولى أن يقال المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبا له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود، وحكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر، وقيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله حكاه ابن العربي.

قال الحافظ: ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري في حديث أبي موسى حيث قال برئ منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصل البراءة الانفصال من الشيء وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا، وقال المهلب قوله أنا بريء أي من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل ولم يرد نفيه عن الإسلام قلت بينهما واسطة تعرف مما تقدم أول الكلام وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره وكأن السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء فإن وقع التصريح بالاستحلال مع العلم بالتحريم أو التسخط مثلاً بما وقع فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين)[3]؛ انتهى والله أعلم.

الحديث الحادي عشر

157- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها "مارية" وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه - صلى الله عليه وسلم - وقال:" أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله".

الحديث الثاني عشر

158- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره. غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.

قال البخاري: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد[4].

لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

وما يكره من الصلاة في القبور.

ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال القبر القبر ولم يأمره بالإعادة. وذكر حديث أم حبيبة وأم سلمة ثم ذكر حديث أنس، قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة الحديث وفيه وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلي ملا من بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا؟ قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلي الله فقال أنس فكان فيه ما أقول

لكم قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي - صلى الله عليه وسلم - معهم وهو يقول: "اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة".

قال الحافظ: (قوله: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية؛ أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم بخلاف المشركين فإنهم لا حرمة لهم، وأما قوله لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - الخ فوجه التعليل إن الوعيد على ذلك يتناول من أتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم ويتناول من أتخذ أمكنة قبورهم مساجد بان تنبش وترمى عظامهم فهذا يختص بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم إذ لا حرج في إهانتهم، ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله - صلى الله عليه وسلم - في نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه - صلى الله عليه وسلم - من أتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق.

قوله: قوله وما يكره من الصلاة في القبور.

قال الحافظ: يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرثد الغنوي مرفوعًا لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليه أو عليها، قلت وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة وأورد معه أثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة.

قوله: ولم يأمره بالإعادة استنبطه من تمادي أنس على الصلاة ولو كان ذلك يقتض فسادها لقطعها واستأنف.

قولها: (لما اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية قال في مرضه الذي مات فيه، ولمسلم من حديث جندي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخصم وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)[5].

قال الحافظ: (وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلي أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم.

قوله: (أولئك إذا مات منهم الرجل اتصالح).

قال الحافظ: أولئك بكسر الكاف ويجوز فتحها.

قوله: (وصوروا فيه تلك الصور).

قال الحافظ: وللمستملي تيك الصور بالياء التحتانية بدل اللام وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية وإنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلي ذلك، وفي الحديث دليل على تحريم التصوير قال وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به وذم فاعل المحرمات، وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه)[6] انتهى.

وقال البخاري: باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور[7].

ولما مات الحسن بن الحسن بن علي - رضي الله عنهم - ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت فسمعوا صائحا يقول ألا هل وجدوا ما فقدوا فأجابه الآخر بل يئسوا فانقلبوا. وذكر حديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في مرضه الذي مات فيه: "لعن الله اليهود والنصارى الحديث.

قال الحافظ: يقوله باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، ترجم بعد ذلك باب بناء المسجد على القبر قال ابن رشيد الاتخاذ أعم من البناء فلذلك أفرده بالترجمة ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أم لا.


قال الحافظ: ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة وقال ابن المنير إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلا للنفس وتخييلا باستصحاب المألوف من الأنس ومكابرة للحس كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ومخاطبة المنازل الخالية فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا وكأنهما من الملائكة أو من مؤمني الجن وإنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعية لا لأنه دليل برأسه.

قوله: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

قالت: (ولولا ذلك لأبرز قبره).

قال الحافظ: أي لكشف قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة.

قوله: (غير أنه خشي) بضم الخاء وفي رواية خشي أو خشي على الشك هل هو بفتح الخاء المعجمة أو ضمها.

قال الحافظ: وكأنها أرادت نفسها ومن وافقها على ذلك وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد بخلاف رواية الفتح فإنها تقتضي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمرهم بذلك، قال الكرماني مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومهما متغاير ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم)[8].

وقال البخاري أيضًا: باب بناء المسجد على القبر وذكر حديث عائشة في قصة الكنيسة.

قال الحافظ: (أورد فيه حديث عائشة في لعن من بني على القبر مسجدا وقد تقدم الكلام عليه قبل ثمانية أبواب قال الزين بن المنير كأنه قصد بالترجمة الأولى اتخاذ المساجد في المقبرة لأجل القبور بحيث لولا تجدد القبر ما أتخذ المسجد ويؤيده بناء المسجد في المقبرة على حدته لئلا يحتاج إلى الصلاة فيوجد مكان يصلى فيه سوى المقبرة فلذلك نحا به منحى الجواز.

قال الحافظ: وقد تقدم أن المنع من ذلك إنما هو حال خشية أن يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا وأما إذا أمن ذلك فلا امتناع وقد يقول بالمنع مطلقا من يرى سد الذريعة وهو هنا متجه قوي)[9] انتهى.

وقال البخاري: باب الصلاة في البيعة. وقال عمر - صلى الله عليه وسلم - إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور.

وكان ابن عباس يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل. وذكر حديث عائشة في قصة الكنيسة[10].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 295.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 289.51 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (2.06%)]