الإصلاح الاجتماعي في الإسلام: ظاهرة التسول نموذجا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11910 - عددالزوار : 190826 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92676 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56885 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26178 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 724 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 56 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-11-2019, 08:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي الإصلاح الاجتماعي في الإسلام: ظاهرة التسول نموذجا

الإصلاح الاجتماعي في الإسلام: ظاهرة التسول نموذجا
السعيد الصمدي





مقدمة:
الحمد لله الذي خلق الخلق لعبادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أحسن خلقه وأكمل صفاته، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأتباعه وصحابته، أما بعد:
فقد أصبح التسول ظاهرة اجتماعية مزعجة للغاية في العديد من الدول الإسلامية، والأكثر إزعاجاً هو استغلال هؤلاء للدين في التأثير على الناس؛ خاصةً أنهم يحفظون آيات من القرآن وأحاديث نبوية تحث على التصدق و الإنفاق في سبيل الله، فضلاً عن الأدعية التي يكررونها لاستجلاب عطف الناس، وربما ارتدت المتسولة ملابس ظاهرها التدين و الحشمة، والحاجة، وربما أيضا ارتدى المتسول لباساً رثاً يوحي بالفقر المدقع والحاجة، وباطن ذلك كله استمالة قلوب المحسنين، وكل يوم يقومون بتطوير أساليب التسول ونهب أموال الناس بالباطل، بل الأكثر من هذا أنه لم يعد المتسولون يبحثون عما يسد رمقهم وحاجاتهم، بل باتوا يحترفون هذا النشاط لتوفير مداخل مهمة، ومن المعلوم أن هذا الأمر يتنافى مع قيم الشريعة الإسلامية؛ إذ من مقاصدها السامية تحقيق الكرامة للإنسان والنهوض به إلى حضارة راقية وعيش كريم.


مشكلة البحث:
قصدت في هذا البحث الإجابة عن مجموعة من الأسئلة وهي:
1 - ما معنى التسول؟
2 - وما هي أشكاله وأنواعه؟
3 - ما موقف الإسلام من هذه الظاهرة؟
4 - وكيف عالج الإسلام هذه المشكلة؟



خطة البحث:
قسمت بحثي هذا إلى مقدمة، وثلاثة مباحث، وكل مبحث تحته مطالب، ثم خاتمة البحث، عرضت فيها أهم النتائج، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
المبحث الأول: تعريف التسول:
وفيه خمسة مطالب وهي:
المطلب الأول: تعريف المسألة لغة.
المطلب الثاني: تعريف التسول في اصطلاح المعاصرين.
المطلب الثالث: تعريف التكفف.
المطلب الرابع: تعريف الاستجداء.
المطلب الخامس: تعريف الشحاذة.


المبحث الثاني: أنواع و أشكال التسول
وتحته مطلبين وهما:
المطلب الأول: أنواع التسول.
المطلب الثاني: أشكال التسول.


المبحث الثالث: موقف الإسلام من التسول ومنهجه في علاجه:
ويشتمل على مطلبين وهما:
المطلب الأول: موقف الإسلام من التسول.
المطلب الثاني: منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في علاج مشكلة التسول.
ثم خاتمة تعرضت فيها لأهم نتائج البحث.
♦ ♦ ♦


المبحث الأول: تعريف التسول:
لم يستخدم لفظ التسول في القرآن أو في السنة، وإنما استخدم لفظ المسألة، ولفظ التكفف، أما لفظ التسول فقد ساد في الوقت الحاضر وحل محل المسألة، وصار اللفظ المعتمد في التشريعات المدنية الحديثة ويعبر عنه في التشريعات العربية بألفاظ أخرى هي: الاستجداء، و التكفف، و التلمس، ويطلق عليه بعض الناس لفظ الشحاذة؛ [1] ولذا سنتعرض إلى تعريف هذه المصطلحات في المطالب الآتية.


المطلب الأول: تعريف المسألة لغة:
مأخوذة من سأل الشيء و سأل عن الشيء سؤالاً و مسألة، و أَسْأَلتُه و مَسْأَلتَه أي قضيت حاجته. قال ابن بري: سألته الشيء، بمعنى استعطيته إياه[2]قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ﴾ [محمد: 36]. [3]

المطلب الثاني: تعريف التسول في اصطلاح المعاصرين:
وردت تعاريف عدة للتسول في اصطلاح المعاصرين ومن هذه التعريفات الآتية:
التسول هو طلب الصدقة من الأفراد في الطرق العامة.[4]
التسول هو الاستعطاء و طلب الصدقة من الناس باستخدام وسائل مختلفة لاستدرار العطف و الشفقة.[5]

ويعرف من الناحية القانونية على انه" الاستجداء من الغير، وهو ظاهرة اجتماعية تتخذ صورتين، صورة المتسول المضطر، وصورة المتسول غير مضطر.

فالمتسول المضطر هو الذي يغلب في تسوله فعل ظروف خارجية من البيئة العائلية أو الاجتماعية، ويظهر بكثرة في فترات الضيق والفوضى الخلقية.

أما التسول غير مضطر: فهو يعزي التسول إلى ميل كامن فيه، مصحوب بضعف الذكاء وفتور في العاطفة، وبرود في قابلية الانفعال وإرادة ضعيفة، وعدم الاكتراث بالمثل الأدبية ويتجلى مفعول هذه الخصال عنده في الركون إلى الكسل والخمول والزهد في العمل واستعذاب القعود، والالتجاء في التعيش إلى الطرق والمعاملات المتخفية والملتوية.[6]
و المتسول هو من يتكفف الناس إحسانا فيمد كفه يسألهم الكفاف من الرزق والعون في الطريق العام أو في المحلات العمومية.

المطلب الثالث: تعريف التكفف:
التكفف مأخوذة من كف الشيء، يكْفه كفاً جمعه، واستكف السائل: بسط كفه، وتكفف الشيء طلبه بكفه [7]، ومنه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص: " إنك تَذَرَ ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ". [8]

المطلب الرابع: تعريف الاستجداء:
الاستجداء مأخوذة من الجدا و الجدوى و هي العطية، جدا عليه يجدوا جَداً. وأجدى فلان: أي أعطى، و أجداه أي أعطاه الجَدْوى، و أجدى أيضاً بمعنى أصاب الجدوى و يقال ما أصبت من فلان جدوى قط أي ما أصبت عطية.[9]

المطلب الخامس: تعريف الشحاذة:
الشحاذة مأخوذة من الشحذ، و من معانيها: الإلحاح في السؤال، يقال هو شحاذ:أي ملح عليهم في سؤاله. [10]
من خلال عرضنا لهذه التعاريف يتضح لنا أن التسول هو طلب المساعدة و العون من أفراد المجتمع بشتى الطرق المختلفة بغية الحصول على مساعداتهم سواءً كانت مالية أو عينية المتمثلة في الملبس والأطعمة وغير ذلك من الأشياء النفعية.


المبحث الثاني: أنواع و أشكال التسول: [11]
ينقسم التسول من خلال الواقع إلى أنواع متعددة، كما أن ممتهنوه يستعملون أشكالا مختلفة لجلب عطف الناس والإحسان إليهم؛ لذا سنتعرض في هذا المبحث لأنواع وأشكال التسول فيما يأتي:
المطلب الأول: أنواع التسول:
يمكن تصنيف التسول من خلال الواقع إلى الأنواع الآتية:
تسول ظاهر: وهو التسول الواضح الصريح المعلن وفيه يمد المتسول يده مستجديا عطف الناس.
تسول غير ظاهر (مقنع): وهو التسول المستتر وراء عرض أشياء أو خدمات رمزية مثل مسح زجاج السيارات وغيرها.
تسول موسمي: وهو يمارس فقط في المواسم والمناسبات، كما هو الحال في المواسم الدينية: مثل الأعياد ورمضان وغيره.
تسول عارض: وهو تسول عابر ووقتي لعوز طارئ كما في حالات الطرد من الأسرة، أو ضال الطريق، أو فقدان النقود في السفر.
تسول إجباري: وهو اضطراري كما في حالات إجبار الأطفال على التسول.
تسول اختياري: حيث الاحتراف والجري وراء الكسب.
تسول القادر: وهو تسول القادر الذي يستطيع التكسب عن طريق العمل ولكنه يفضل التسول.
تسول غير القادر: وهو تسول العاجز أو المريض عقليا أو المتخلف عقليا وعندما يقبض عليه يودع في الدور الرعاية الاجتماعية المناسبة.
تسول الجانح: حيث يكون التسول مصاحبا بالجنوح والإجرام، حيث لا بأس إلى جانب التسول من سرقة، فستار التسول يسهل مهمة السرقة.


المطلب الثاني: أشكال التسول:
يستعمل المتسولون بجميع أنواعهم أشكالا عديدة لممارسة تسولهم، ويلجئون إلى طرق وحيل كثيرة سعيا للحصول على المال ويتفننون في اختراع هذه الطرق و الأشكال، منها:
1. انتحال بعض العاهات المصطنعة من قبل طائفة مستعملين في ذلك المستحضرات الطبية التجميلية، وذلك لاستدرار عطف الناس عن طريق التمويه والخداع.
2. السؤال بإظهار الحاجة الملحة المصاحب بالبكاء أحيانا، كان يدعي الشخص بأنه ابن سبيل منقطع نفذ منه المال لظروف طارئة، فيطلب العطاء للمساعدة.
3. أن يطلب المساعدة للتبرع في مشروع خيري، كمسجد أو مدرسة ونحوها.
4. استغلال عطف الناس عن طريق عرض صكوك وأوراق رسمية مزيفة لحوادث وهمية كفواتير الكهرباء والماء والهاتف أو وصفة الدواء.
5. اصطحاب الأطفال، ولا سيما من بهم عاهة أو إعاقة، إلى أبواب المساجد والأسواق والأماكن العامة التي يرتادها الناس، بقصد إثارة غريزة الشفقة والرحمة والعطف، ومن ثم الحصول على المال.
6. استئجار الأطفال من أسرهم واستخدامهم للتسول مقابل نسبة من المال للأسرة ثم القيام باصطناع عاهات وهمية باستعمال الأطراف الصناعية المشوهة.
7. قد يدعي الشخص أنه متخل عقليًا ويهذي بكلمات غير مفهومة أو يأتي بإشارات غامضة من أجل كسب عطف الناس وكسب أموالهم.


المبحث الثالث: موقف الإسلام من التسول ومنهجه في علاجه:
شدد الإسلام ونهى عن مسألة الناس المال من غير حاجة؛ لما في ذلك من تعدي على حق الغير من الفقراء، و المساكين، و الأصناف الأخرى المنصوص عليها، و قد أوضحت الأحاديث الشريفة ألواناً من العقوبة القاسية التي تنتظر من يسأل متسولاً وله ما يغنيه كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى العمل وطلب الرزق وترك الخمول وتفصيل ذلك فيما يأتي:
المطلب الأول: موقف الإسلام من التسول:
يتجلى موقف الإسلام من التسول من خلال بيان النبي صلى الله عليه وسلم ألواناً من العقوبة القاسية التي تنتظر من يسأل متسولاً وله ما يغنيه للتنفير والتهويل من هذه الظاهرة الشنيعة و هذه العقوبة تتمثل فيما يلي:
1 - الهيئة القبيحة التي يجعل الله السائل عليها، والصورة المنفرة التي يأتي بها يوم القيامة، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المتسول تكون عليه آثار خموش وجروح، فمما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، قوله صلى الله عليه وسلم: " إن المسألةَ كَدٌّ يَكُدُّ بها الرجلُ وَجْههُ إلا أن يسأل الرجل سلطاناً، أو في أمر لا بد منه ". [12]

و من الأحاديث المؤكدة للمعنى السابق قوله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو ‏ ‏كدوح في وجهه". [13]

قال القاضي عياض في معنى هذا الحديث: " يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره، يحشر وجهه عظماً دون لحم، عقوبة من الله، و تميزاً له و علامةً بذنبه لما طلب المسألة بالوجه ". [14]

وهذه الصورة التي يأتي بها هذا المتسول إنما هي عقوبة له من جنس عمله، حيث أهان نفسه وأذلها من غير حاجة، وأهدر الكرامة التي جعلها الله لبني آدم.

2 - إعداد العذاب الشديد للمتسول يوم القيامة، وقد وردت الأحاديث في هذا تبين أن تسول الغني في الدنيا يقابله جمر و نار في الآخرة، و أن المسألة كلما عظمت صورتها كلما ازداد إثمها و ازدادت عقوبتها يوم القيامة، ومن هذه الأحاديث ما يلي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ". [15]

قال القاضي عياض: " و قد يكون الجمر على و جهه أي يرد ما يأخذ جمراً، فيكوى به كما جاء في مانع الزكاة ". [16]
ومن الأحاديث التي تؤكد ما تقدم ذكره، قوله صلى الله عليه وسلم: " من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الجمر ". [17]
وقوله صلى الله عليه وسلم: " من سأل و عنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار ".[18]

3 - تبديل حال المتسول من الغنى إلى الفقر:
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن عقوبة السائل إذا كان غنياً أن يبدل الله حاله من الغنى إلى الفقر، ومن السعة إلى الضيق و ذلك بسبب إظهاره الفقر بدل الغنى، ونطقه بالشكوى بدل الحمد و الشكر، و مقابلته نعمة الله بالجحود و النكران، و لذلك يكون جزاؤه سلب النعمة من بين يديه و فتح أبواب الفقر عليه.

ومن الأحاديث الموضحة لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ...".[19]

وقوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ قالَ ما نقصَ مالُ عبدٍ من صدقةٍ ولا ظلِمَ عبدٌ مظلمةً فصبرَ عليْها إلَّا زادَهُ اللَّهُ عزًّا ولا فتحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلَّا فتحَ اللَّهُ عليْهِ بابَ فقرٍ..". [20]
فالمسألة عن ظهر الغنى عواقبها وخيمة، و لا يسلم صاحبها من الضيق و العنت و سوء الحال.

و قد لخص الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارة جامعة فقال: " لو تعلمون ما في المسألة، ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله شيئاً ". [21]

المطلب الثاني: منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في علاج مشكلة التسول:
إن من يطلع على السنة النبوية سيجد علاجا شافيا وشاملا لمشكلة التسول؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل منهجا تربويا توجيهيا في معالجة هذه الظاهرة.

فعن أنس بن مالك - رضي اللهُ عنه - أنَّ رَجُلاً مِن الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عطاءً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" أمَا في بيتِك شيءٌ؟، قال: بَلى، حِلسٌ نَلبَس بعضه، ونَبسُط بعضَه، وقَعْبٌ نَشرب فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: ائتني بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: مَن يَشتري منِّي هذَين؟، قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن يَزيد عن درهم؟ مرَّتَين أو ثلاثاً، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما الأنصاريَّ وقال له: اشتَرِ بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتَرِ بالآخَر قدوماً فائتني به، فأتاه به، فشدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عُوداً بيده، ثمَّ قال: اذهبْ فاحتَطبْ وبِعْ، ولا أرينَّك خمسة عشر يومًا، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها طعاماً وببعضها ثوباً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ لك مِن أن تَجيء المسألةُ نُكتةً سوداء في وجْهِك يومَ القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع ".[22]

ففي هذا الحديث الناصع نجد النبي صلى الله عليه وسلم لم ير للأنصاري السائل أن يأخذ من الزكاة، و هو قوي على الكسب، ولا يجوز له ذلك إلا إذا ضاقت أمامه المسالك، وأعيته الحيل، وعلى ولي الأمر أن يعينه في إتاحة الفرصة للكسب الحلال، وفتح باب العمل أمامه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعالج مشكلة السائل المحتاج بالمعونة المادية الوقتية، كما يفكر كثيرون، ولم يعالجها بالوعظ المجرد، والتنفير من المسألة، كما يصنع آخرون، ولكنه أخذ بيده في حل مشكلته بنفسه وعلاجها بطريقة ناجعة.

فعلمه أن يستخدم كل ما عنده من طاقات و إن صغرت، وأن يستفيد ما يملك من الحيل و إن ضؤلت، فلا يلجأ إلى السؤال، وعنده شيء يستطيع أن ينتفع به في تيسير عمل يغنيه.
و علمه أن كل عمل يجلب رزقاً حلالاً هو عمل شريف كريم، ولو كان احتطاب حزمة يجتلبها فيبيعها.


و أرشده صلى الله عليه وسلم إلى العمل الذي يناسب شخصه، وقدرته، وظروفه، وبيئته، و هيأ له آلة العمل الذي أرشده إليه، ولم يدعه تائهاً.


و بعد هذا الحل العملي لمشكلته لقنه ذلك الدرس النظري الموجز البليغ، في الزجر عن المسألة و الترهيب منها، و الحدود التي تجوز في دائرتها: " لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع ". [23]

فكان هذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في معالجة التسول الذي قام على تربية الأنصاري، و توجيهه، وإرشاده، وحثه على العمل، والأكل من كسب يديه، وحبذا لو اتبعنا نحن هذا المنهج النبوي القويم، وقبل أن نبدأ في محاربة التسول بالكلام والمواعظ الزاجرة لهذا الفعل، نبدأ أولا بحل المشاكل، وتوفير العمل للعاطلين، وذلك من خلال التكافل و التعاون الاجتماعي؛ ذلك بأن يكون أفراد الشعب في كفالة الجماعة، وأن يكون كل ذي سلطان و كل قادر كفيلاً في مجتمع وأن يكون كل أفراد المجتمع متلاقين في المحافظة على مصالح كل فرد منهم، ودفع الضر عنهم، والمحافظة على بناء المجتمع، وإقامته على أسس سليمة، وهو ما يعبر عنه الحديث الشريف " لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه ". [24]

قال الدكتور يوسف القرضاوي:" التعاون والتكافل سمة المجتمع المسلم، وقد حث الله تعالى المؤمنين على التعاون على الخير و التكافل فيما بينهم فقال جل شأنه: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]. [25]

وقد جاءت نصوص السنة النبوية مستفيضة في الدعوة إلى التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم، و من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ".[26]
وقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً و شبك أصابعه ".[27]

ففي هذه الأحاديث دعوة إلى الوحدة الجماعية بين أفراد المسلمين و فيه بيان للفائدة العظيمة التي تجنيها الجماعة من وحدتها وتماسكها، و أنه إذا نزل الألم بالبعض فقد نزل الألم بالكل على سبيل المشاركة، و إذا تمتع البعض بلذة من اللذات اشترك معه فيها الجميع بحكم الصلة الوثيقة التي تؤلف وحدة الأحاسيس و المشاعر.[28]

وإذا كان الإسلام قد دعا إلى التعاون و حث على التكافل، فإن أشد الناس حاجة إلى المعونة والتكافل هم الفقراء، والمساكين، واليتامى، والأرامل، وأمثالهم ممن لا قيام لمعيشتهم إلا بمعونة غيرهم لهم، و قد أفاضت السنة النبوية في الحث على معونة هؤلاء والسعي عليهم وكفالتهم، و من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار و يقوم الليل". [29]
فهذه هي النماذج التي تستحق الصدقة.


كان هذا موقف الإسلام من التسول ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في علاج هذه المشكلة ولنختم هذا البحث بأهم النتائج والتوصيات.


خاتمة:
التسول هو طلب المساعدة والعون من أفراد المجتمع بشتى الطرق المختلفة، بغية الحصول على مساعداتهم، سواء كانت مالية، أو عينية، المتمثلة في الملبس والأطعمة، وغير ذلك من الأشياء النفعية.

ينقسم التسول من خلال الواقع إلى أنواع متعددة، كما أن ممتهنوه يستعملون أشكالا مختلفة لجلب عطف الناس والإحسان إليهم.

يتجلى موقف الإسلام من التسول من خلال بيان النبي صلى الله عليه وسلم العقوبة القاسية التي تنتظر من يسأل متسولاً وله ما يغنيه.


قد كان للنبي صلى الله عليه وسلم منهجاً تربوياً، وتوجيهياً شاملاً شافياً، لمعالجة هذه المشكلة، فيجب علينا إتباعه والاقتداء به في ذلك.


نجد من خلال ما سبق عرضه أن موضوع التسول بحاجه إلى المزيد من الدراسة والمتابعة، تشارك فيه الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، والسلطات التقليدية، للقضاء على هذه الظاهرة غير حضارية والتي تسيء إلى سمعة المجتمع المسلم بأسره؛ حيث تبين من خلال العرض أن الإسلام بريء من هذه الظاهرة.

هذا و أسأل الله تعالى بمنه و فضله أن أكون قد وفقت فيما قدمته وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين.
♦ ♦ ♦



قائمة المصادر و المراجع:
1 - القرآن الكريم برواية ورش.
2 - إكمال المعلم بفوائد مسلم، تحقيق د: يحي إسماعيل، دار الوفاء، الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م.
3 - الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت: 671هـ) ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيشط: دار الكتب المصرية - القاهرة، سنة: 1384هـ - 1964.
4 - الجماعات الهاشمية دراسة أنثروبولوجية لجماعات المتسولين بمدينة القاهرة، ابتسام علام، تقديم د. فاروق محمد العادلى (بدون طبعة).
5 - الجامع المسند الصحيح من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته و أيامه لأبي عبد الله محمد بن اسماعيل بن إبراهيم البخاري، دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة 1432 - 1433هـ - 2011م.
6 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، لابن رجب الإمام زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين، ت: شعيب الأرنئووط، ط: مؤسسة الرسالة: 1422هـ / 2001م.
7 - لسان العرب، جمال الدين أبو الفضل ابن منظور، تحقيق ذ. عبد الله علي الكبير، و ذ. محمد أحمد حسب الله، و. ذ. هاشم محمد الشاذلي، كورنيش النيل - القاهرة، دار المعارف 1119م.
8 - المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، المجلد السادس، العدد1، سنة: 1431ه - 2010م.
9 - منهج القرآن الكريم في إصلاح المجتمع، محمد سيد يوسف، ط: دار السلام، القاهرة - الاسكندرية، الطبعة الثالثة 142هـ - 2007.
10 - المسند للإمام أحمد بن حنبل، حققه ووضع حواشيه ورقم أحاديثه محمد عبد القادر عطا، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 2008.
11 - مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، ليوسف القرضاوي، ط: الرسالة بيروت - لبنان، سنة: 1406 - 1985م.
12 - صحيح مسلم للإمام أبي الحسين بن الحجاج النيسابوري، تخريج، وترقيم، وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار الحديث، القاهرة 1431هـ - 2010م.
13 - الفقر والانحراف الاجتماعي دراسة للتسول و الدعارة بحث لنيل الماجستير بجامعة بوزيان للباحث: شيهب عادل
14 - سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (ات: 275هـ)ت: شعَيب الأرنؤوط - محَمَّد كامِل قره بللي ط: دار الرسالة العالمية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م.
15 - سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (ت: 279هـ)ت: بشار عواد معروف، ط: دار الغرب الإسلامي - بيروت، سنة: 1998 م.
16 - السنن الصغرى للنسائي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني النسائي (ت: 303هـ) ت: عبد الفتاح أبو غدة ط: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب سنة: 1406 - 1986.



[1] المنهج النبوي في علاج التسول ( لمحمد عيد الصاحب ص: 155

[2] لسان العرب ( لجمال الدين أبو الفضل ابن منظور: ج 21 ص: 1907.

[3] القرآن الكريم سورة محمد الآية: 36.

[4] الجماعات الهاشمية دراسة أنثروبولوجية لجماعات المتسولين بمدينة القاهرة ( لابتسام علام، تقديم د. فاروق محمد العادلى (بدون طبعة)، ص 41.

[5] المنهج النبوي في علاج التسول( لمحمد عيد الصاحب ص 155

[6] الفقر والانحراف الاجتماعي دراسة للتسول و الدعارة( بحث لنيل الماجستير بجامعة بوزيان للباحث: شيهب عادل ص: 132

[7] لسان العرب ( لابن منظور، ج: 5 ص 3902

[8] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب: رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة، رقم الحديث: 1295 ص: 306

[9] لسان العرب ( لابن منظور، ج:1، ص: 572.

[10] منج النبي في علاج التسول ( لمحمد عيد الصاحب.

[11] الفقر و الانحراف الاجتماعي دراسة للتسول و الدعارة ( إنجاز شهيب عادل.

[12] رواه الترمذي في الحديث المروي عن سمرة جندب كتاب الزكاة باب: "ما جاء في النهي عن المسألة " رقم الحديث: 681

[13] رواه الترمذي في الحديث المروي عن عبد الله بن مسعود كتاب: " الزكاة " باب: " من تحل له الزكاة " رقم الحديث 650

[14] إكمال المعلم بفوائد مسلم ( تحقيق د: يحي إسماعيل ج3 ص 547

[15] صحيح مسلم ( كتاب: " الزكاة " باب: " النهي عن المسألة " رقم الحديث: 1041

[16] إكمال المعلم بفوائد مسلم (للقاضي عياض ص: 575

[17] أخرجه أحمد في مسنده ج 4 ص 65

[18] أخرجه أحمد في مسنده ج 4 ص 181

[19] أخرجه أحمد في مسنده ج 2 ص 418

[20] رواه الترمذي في " أبواب الزهد " باب: " ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفرٍ " رقم الحديث 2325

[21] أخرجه النسائي في كتاب:" الزكاة " باب: " المسألة "ح 2586.

[22] سنن أبي داود(باب: "ما تجوز فيه المسألة" ج:3، ص: 82.
وقد ضعفه الألباني.
وهو ضعيف من جهة السند؛ لجهالة حال أبي بكر الحنفي، وللقطعة الأخيرة منه وهي قوله: "إن المسألة... ".
وأخرجه ابن ماجه (2198)، والترمذي (1261)، والنسائي في "الكبرى" (6054) من طرق عن الأخضر بن عجلان، بهذا الإسناد. ورواية النسائي مختصرة بقوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع قدحاً وحِلساً فيمن يزيد. وهو في "مسند أحمد" (12134).
ويشهد لبيع المزايدة حديث جابر بن عبد الله عند البخاري (2141).
ويشهد لقوله: "المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة" حديث ابن عمر عند البخاري (1475)، ومسلم (1040).
ولقوله: "إن المسألة لا تصلح إلا... " حديث حبشي بن جُنادة عند الترمذي (659) و (660).
ولعل الترمذي حسنه لهذه الشواهد.

[23] مشكلة الفقر و كيف عالجها الإسلام(ليوسف القرضاوي، ص: 47 و ما بعدها بتصرف يسير.

[24] صحيح مسلم (للإمام مسلم بن الحجاج، باب: " تحريم ظلم المسلم وخذله، ج: 4، ص: 1986.

[25] سورة المائدة، الآية 2.

[26] رواه مسلم، كتاب البر و الصلة و الآداب، باب تراحم المؤمنين و تعاطفهم و تعاضدهم


[27] رواه البخاري كتاب المظالم، باب نصرة المظلوم.

[28] منهج القرآن الكريم في إصلاح المجتمع، للدكتور محمد سيد يوسف ص: 234.

[29] رواه البخاري كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل و قول الله عز وجل: "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون" رقم الحديث: 5353.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 86.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.55 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]