نظرات حول مشكلة الفقر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-12-2019, 04:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي نظرات حول مشكلة الفقر

نظرات حول مشكلة الفقر
د. سليمان يوسف محمد عبدالله








الفقرُ مشكلة تتفشى في كل العالم بنسب متفاوتة، وله آثار سالبة على صحة الناس، وتعليمهم، وفكرهم، ودينهم، فضلًا عن الصحة النفسية، لا سيما إذا انعدم الوازع الديني، وقد جعله الله تعالى امتحانًا للعباد، يبلوهم به؛ إذ لو بسَط لهم الرزق لبغَوْا في الأرض، وجعل علاجه - تخفيفًا واستئصالًا - في كتابه الذي أنزله تبيانًا لكل شيء.

وقد أقرَّ الإسلام بمشكلة الفقر بحكمة الله تعالى، ثم وضَع لها علاجًا يحاصرها؛ درءًا لخطر الفقر على العقيدة والأخلاق والسلوك، وصيانةً للمجتمع، وعملًا على استقراره وتماسكه؛ فأوجب تحقيقَ الحياة اللائقة لكل فرد؛ بتوفير الحاجات المعيشية الأساسية - على أقل تقدير - من الأكل، والشرب، واللبس، وآلة الحرفة، وكتب العلم، والزواج؛ ليُعِينه ذلك على أداء فرائض الله سبحانه، ثم مجابهة أعباء الحياة، ولا يجوز أن يعيش أحد - ولو كان ذميًّا - في مجتمع مسلم جائعًا أو عاريًا أو مشردًا؛ لذا نجد أن الإسلام - من خلال نصوص القرآن والسنَّة - له تصوره المتميز لهذه القضية؛ حيث يعتبر الفقرَ مصيبةً وآفة خطيرة يجب التعوُّذ منها ومحاربتها، وأنه سبب لمصائبَ أخرى أشد وأنكى، ويُنكِر النظرة التقديسية الجبرية للفقر والحرمان، ويحث على الدعاء بطلب الغنى؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم دعاؤه: ((اللهم إني أسألك الهُدى والتُّقى، والعفاف والغنى))[1]، واعتبر الإسلامُ الغنى بعد الفقر نعمةً يمتن الله بها على عباده؛ قال تعالى: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 8]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4]، وجعَل الرزقَ الوفير ثمرة يرغب بها مَن يأتي الصالحاتِ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وفي الحديث يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحبَّ أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثَرِه، فليصِلْ رحِمَه))[2]، وجعل الحرمانَ والحاجة نتيجة يرهب بها مَن اجترح السيئات؛ يقول تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وإن الرجلَ ليُحرَمُ الرزقَ بالذنب يصيبه))[3]، وجعل الغنيَّ المنفِق أحد اثنين تُمدَح غبطتهم؛ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسدَ إلا في اثنتين: رجلٍ آتاه الله مالًا، فسلَّطه على هلَكتِه في الحق ...))[4].



وهذا التصوُّر والعلاج ليس مجرد مبادئَ نظرية بعيدة عن صلاحيتها للواقع، بل إن المسلمين قد طبَّقوها وأقاموها في مجتمعاتهم، فحصل ما تكلم عنه التاريخ في عهد خلافة الإمام العادل عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله.

يقول الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: "كان منادي عمرَ ينادي كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟"[5]، وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: "قال عمر بن أسيد: والله ما مات عمرُ حتى جعل الرجلُ يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرَحُ حتى يرجع بماله كله، وقد أغنى عمرُ الناسَ"[6].

وبالتتبُّع نجد أن كلمة الفقر بتصريفاتها المختلفة وردت في ثلاثة عشر موضعًا من كتاب الله عز وجل، في سورتين مكيتين، وثماني سور مدنية، ولعل ذلك يشير إلى أن المسلمين في المدينة كانوا أشد فقرًا منهم في مكةَ؛ لأنهم لما هاجروا تركوا أموالهم تضحية من أجل اللحاق بأرض الإسلام[7].

كما أن في القرآن الكريم كلماتٍ مترادفة ذات دلالة مشتركة تفيد معنى الفقر، وبينها فروق دلالية؛ مثل: الخَصاصة، والعَيْلة، والإملاق، والبائس، والقانع، والمُعتَر، والمسكين.



إن الإسلام بمنظومته العقائدية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، يهدف للقضاء على الفقر، فكما يعاني العالم اليوم من مشكلة الفقر فإنه قد عانى قديمًا، فكان الحل النبوي لهذه المشكلة حلًّا عمليًّا متدرجًا، مبنيًّا على تعاليم الإسلام وأحكامه، وتُعَد نظرةُ الإسلام إلى مشكلة الفقر ومنهجيته في معالجتها من أنجح الطرق والأساليب في ذلك؛ حيث يدرك ذلك المطَّلِع على حقيقة الإسلام، وما جاء به من تعاليم ومبادئ لتعطي الأحكام وتبني التصورات ليس على الشكل الظاهري للأمور فحسب، بل تمتد إلى عمقها، فتعالج القضايا من جذورها بشمولية وتكامل واتزان؛ ولأجل ذلك تميز الإسلامُ عن غيره بعمق المعالجة، وشمولية النظرة وتكاملها، واتزان الطرح.



ومن الوسائل المادية التي استُخدمت في كتاب الله تعالى لعلاج مشكلة الفقر:

السعي والأخذ بالأسباب؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]؛ فالعمل يُعَدُّ السلاحَ الأول لمحاربة الفقر، والسبب الأول في جلب الثروة، والعنصر الأول في عمارة الأرض؛ لذا يحث الإسلامُ على العمل المنتج الحلال، ويعتبره خير وسيلة للكسب، فيقول الله عز وجل: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، فضلًا عن كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحثُّ على العمل، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل مِن عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكلُ مِن عمل يده))[8]، فبدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتشجيع الناس على مزاولة الأعمال، وبعض المِهَن والصناعات، كما كان يفعل الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوةَ الحسنة في هذا الشأن؛ حيث كان يرعى الغنم، ويزاول التجارة بأموال خديجة رضي الله عنها قبل بعثته؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما بعَث الله نبيًّا إلا رعى الغنم))، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: ((نعم، كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ))[9].



وكانت نظرتُه صلى الله عليه وسلم للعمل نظرةَ تقديرٍ واحترام، مهما كانت طبيعتُه؛ فإنه خيرٌ مِن سؤال الناس؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((لأن يأخُذَ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه: خيرٌ له من أن يسأل الناس، أعطَوْه أو منعُوه))[10].

وتتفرَّد النظرة النبوية للعمل كذلك بأنها تربط بين العمل وثواب الله في الآخرة، وحرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا؛ لِمَا له من مضارَّ على فقراء المجتمع؛ فهو يعوق التنمية، ويسبب التخلُّف، ويَزيد الفقير فقرًا؛ مما يؤدي إلى الهلاك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنِبوا السبعَ الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله... وأكل الربا...)) [11].



وسيرةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تطبيقًا عمليًّا لهذه المبادئ والقيم، التي تعمل على حلِّ مشكلة الفقر.

التكافُلُ والتعاون:

إذا ضاقت الحال، ولم يجد الإنسان عملًا، وأصبح فقيرًا محتاجًا، فعلاج الإسلام حينئذ لهذه المشكلة هو أن يكفل الأغنياء الموسِرون أقاربهم الفقراء؛ وذلك لِما بينهم من الرحم والقرابة، وقد وصفه الله بأنه حقٌّ من الحقوق الواجبة بين الأقارب، فقال تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ [الروم: 38]،وهذا ما أشار إليه الشيخ السعدي - رحمه الله - فقال: أي: فأعطِ القريب منك - على حسب قربه وحاجته - حقه الذي أوجبه الشارع أو حضَّ عليه من النفقة الواجبة، والصدقة، والهدية، والبِر، والسلام، والإكرام، والعفو عن زلَّته، والمسامحة عن هفوته، وكذلك ﴿ آتِ ﴾ المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ما تُزيل به حاجته، وتدفع به ضرورته؛ من إطعامه وسَقْيِه وكسوته[12].

وقد شجَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاريعَ الاقتصادية التعاونية بين المسلمين؛ فحثَّهم على المزارعة، كما فعل الأنصار مع إخوانهم المهاجرين الفقراء، الذين قدموا على المدينة بلا مال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، فقال: ((لا))، فقالوا: تكفونا المؤنة، ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا[13].



ثم تأتي السيرة النبوية خيرَ تطبيق لهذا الحق، وترتب أولويات التكافل لدى كل مسلم؛ فعن جابر أنه قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دبرٍ[14]، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ألك مالٌ غيره؟))، فقال: لا، فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبدالله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسولُ الله فدفعها إليه، ثم قال: ((ابدَأْ بنفسِك فتصدق عليها، فإن فضَل شيءٌ فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيءٌ فلذي قرابتك، فإن فضَل عن ذي قرابتك شيءٌ، فهكذا وهكذا))، يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شِمالك[15].



الحقوق الواجبة في الأموال:

وإذا عجز الأقارب الأغنياء عن سد حاجة الفقراء جاء دور المجتمع كله، متمثلًا في بعض الحقوق المالية التي فرضها الله للفقراء من أموال الأغنياء، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها مقصورةً على الفقير الذي لا يستطيع العمل والكسب؛ لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تحِلُّ الصدقة لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سويٍّ))[16]، بهذا لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمتبطِّل كسول حقًّا في الصدقات؛ ليدفعَ القادرين إلى العمل والكسب،ومِن أهم هذه الحقوق:

الزكاة:

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]، ونجد أن القرآنَ الكريم استمر في العهد المكي وبداية العهد المدني يحُضُّ المسلمين بأساليب مختلفة على الإنفاق في سبيل الله وسد حاجة الفقراء، دون تحديد لنوع المال المنفَق أو المقادير، وكانت نفوسُهم تطمح إلى تحديد تلك النفقة، وبيان شروطها ونصابها؛ يقول الله عز وجل: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215].

ثم شُرعت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة؛ وفاءً بحاجة المحتاجين، وتحقيقًا لمصالح المجتمع، وهي ركنٌ من أركان الإسلام، تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، يثاب مؤديها، ويُقاتَل مانعها بخلًا، ويكفُرُ جاحدها، وهي مورد مالي ضخم، ووسيلة مِن أهمِّ وسائل علاج مشكلة الفقر.



الكفَّارات:

مِن الحقوق المالية التي فرضها الله تعالى الكفَّارات، فرَضها على المخالفين لبعض الأحكام الشرعية؛ تكفيرًا لتلك المخالفة؛ جاء في كتاب المجتمع المتكافِل في الإسلام: الكفَّارة عقوبة قدَّرها الشارع عند ارتكاب مخالفة لأوامر الله تعالى في حالات خاصة، وهي حق لله؛ تكفيرًا للذنب الذي ارتكبه المسلم، وعقوبة وزجرًا لغيره[17].

والكفَّارات بهذا وسيلة من وسائل علاج مشكلة الفقر في الشريعة الإسلامية، وهي أنواع، منها: كفارة اليمين المنعقِدة إذا حنَث الحالف، وكفارة الظِّهار، وكفارة التمتع بالعمرة إلى الحج، وكفارة قتل الصيد للمحرِم، والفِدية لمن شق عليه صوم رمضان.



الحقوق غير الواجبة في الأموال:

إذا عجَزت الزكاة فإن الخزانة العامة للدولة المسلمة بكافة مواردها تكون هي الحلَّ لمعالجة مشكلة الفقر، والموئل لكل فقير وذي حاجة، مسلمًا كان أو ذميًّا، وخير شاهد على ذلك مِن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يفعلُه مع أهل الصُّفة.

وإذا بقِيَ فقيرٌ لا يستطيع العمل، وجب على المجتمع أن يخرج الصدقات ابتغاءَ مرضاة الله وثوابه، وهذه مزيَّة تميَّز بها الإسلام عن غيره من المعالجات البشرية للمشكلة.

وبهذه القِيَم يظل المجتمع متماسكَ البنيان، ومتوازن الأركان، ولا تنهشه أمراض الحقد والحسد، والنظر إلى ما في أيدي الآخرين، فكان الإسلام ناجحًا في إيجاد الحلول العملية والواقعية لمشكلة الفقر، ولعل هذه الطريقةَ الفريدة الفذَّة في علاج مثل هذه المشكلة مِن أبلغ الأدلة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وعلى أن المنهجَ الذي أتى به ليس منهجًا بشريًّا بحال، إنما هو من وحيِ الله العليم الخبير.



ولتحقيق هذا الهدفِ شرَع الله تعالى حقوقًا غير واجبة في الأموال، وما يزال المسلم المعتزُّ بدِينه المحقِّق لمعنى التكاتف والتعاون والتراحم يتتبع مواطن الحاجة والفقر عند إخوانه المسلمين، ليسُدَّها عبر هذه الحقوق، ومنها إجمالًا:

الصدقات غير الواجبة، والهِبات، وكفالة الأغنياء لأقاربهم الفقراء، وكفالة اليتيم، والوقف، وغير ذلك، وقد أجملت القول في هذه الأخيرة اكتفاءً بالإشارة إليها، ولدخولها في الوسائل السابقة.

وقبل هذه المعالجات المادية ينبغي على المسلم استحضارُ بعض الأمور المعنوية الإيمانية لمجابهة الفقر، منها: أن التخويف بالفقر وسيلةٌ شيطانية لإضعاف المجتمع المسلم؛ قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].

فقابل اللهُ وعدَ الشيطانِ الكاذب بوعودٍ صادقة لمن قوِيَ يقينُه بالله؛ فالوعد بالفقر من الشيطان محارَبٌ ومدفوع بالوعد من الله الواسع العليم بالفضل، والدعوة إلى الفحشاء منه مقابَلةٌ بالوعد بالمغفرة لمن تعفَّف وسارع بالتوبة، وقد سبق التحذيرُ من الشيطان وكيده؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 5، 6].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

ومنها: أن نعلَمَ يقينًا أن الله هو القابضُ الباسط؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]، وقال عز وجل: ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]، والبَسْط والقَبْض لا شكَّ أنه بحكمةٍ ومقدار؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 27، 28].



ومنها: أن الأرزاقَ كتبها الله تعالى، ولن يفارق أحدٌ الحياةَ قبل أن يأخذ ما كتبه اللهُ له؛ فالمؤمنُ مطالَب أن يحيَا بكرامة وعزةِ نفسٍ في طلب الرزق؛ ففي حديثِ أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن رُوحَ القدس نفَث في رُوعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فاتقوا اللهَ وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمِلَن أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن اللهَ تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته))؛ رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وصححه الألباني.

قال المناوي: (أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها) الذي كتبه لها المَلَكُ وهي في بطن أمها، فلا وجهَ للوَلَهِ والتعب والحرص والنصَب إلا عن شكٍّ في الوعد، (وتستوعب رزقها) كذلك؛ فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يَزيد ولا ينقص، بحسَب علمه القديم الأزلي؛ ولهذا سُئل حكيمٌ عن الرزق فقال: إن قُسِم فلا تعجَل، وإن لم يُقسَم فلا تتعب، (فاتقوا الله)؛ أي: ثِقُوا بضمانه، لكنه أمرنا تعبُّدًا بطلبه مِن حِلِّه؛ فلهذا قال: (وأجمِلوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطُّرق الجميلة المُحلَّلة، بغير كدٍّ ولا حرص، ولا تهافت على الحرام والشبهات، (ولا يحمِلَن أحدَكم استبطاءُ الرزق)؛ أي: حصوله (أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن اللهَ تعالى لا ينال ما عنده) مِن الرزق وغيره إلا بطاعتِه[18].



وقد جمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم في استعاذته بين الفقر والذِّلة؛ لأن بعض النفوس الضعيفة يحملها الفقر على إذلال النفس؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقِّلَّة والذِّلة، وأعوذ بك مِن أن أَظلِم أو أُظلَم))[19]؛ رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني.

قال في عون المعبود: (والذِّلة): أي من أن أكون ذليلًا في أعيُنِ الناس، بحيث يستخفُّونه ويحقِرون شأنه، والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية، أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليمُ الأمة[20].





[1] أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل (2721).




[2] أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب أن يبسط له في الرزق (2067).



[3] أخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العقوبات (4022).



[4] أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب إنفاق المال في حقه (1409).



[5] ابن كثير، البداية والنهاية، (9 /200).



[6] السيوطي، تاريخ الخلفاء، (176).



[7] ينظر: اللوح وعنبر، علاج مشكلة الفقر، دراسة قرآنية موضوعية، (8).



[8] أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، برقم (1966).



[9] أخرجه البخاري، كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط (2143).



[10] أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة (1402).



[11] أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ﴾ [النساء: 10]، (2615)، ومسلم كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (89).



[12] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (642).



[13] أخرجه البخاري كتاب المزارعة، باب إذا قال: اكفِني مؤونة النخل (2200).



[14] أعتق السيد عبده عن دبرٍ؛ أي: يصير بعد موته حرًّا؛ انظر: ابن منظور، لسان العرب، (4 /268).




[15] أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس، ثم أهله، ثم القرابة (997).



[16] أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغِنى (1634).



[17] الخياط، المجتمع المتكافل في الإسلام، (178).



[18] المناوي، فيض القدير (2 /450).



[19] رواهأحمد وأبو داود والنسائي.



[20] العظيم آبادي، عون المعبود (4 /282).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.23 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]