الفلسفة = الشك

[ابوالوليد المسلم]

الفلسفة = الشك




جمعتني رحلة علمية بزميل في الجامعة من قسم الفلسفة، قدر الله أن نتجاور على متن الطائرة في رحلة نهارية تستغرق ثلاث ساعات، قررت أن أستمع لرأيه، وذلك لأني قرأت كثيراً عن تأييد الفلسفة ورفضها، ولكني لم أجتمع يوماً بمتخصص في الفلسفة.
بداية شعرت أنه لا يريد أن يفتح الحوار معي لمعرفته بتوجهاتي الدينية، ولكن بعد حين بدأ يتحدث:
- لماذا يأخذ الإنسان كل ما تربى عليه بيقين؟! لماذا لا يتساءل حتى يصل هو بنفسه إلى قناعاته الذاتية؟!
نظر إلي، أومأت برأسي أن أجب أنت، أنا مجرد مستمع.
تابع: - إن التفكير حق لكل إنسان، ولا ينبغي لأي أحد عاقل أن يتنازل عن حقه في التفكير والبحث والوصول إلى قناعات من خلال تساؤلاته، ينبغي أن يضع كل شيء موضع تساؤل، ويفكر، ويبحث حتى يصل إلى الإجابات، وإذا لم يصل إلى إجابات فسيبقى الموضوع في خانة الشك.
- هل لك أن تبين لي هذا الأمر بأمثلة؟!
- مثلاً: منذ أتينا إلى الدنيا ونحن نرى آباءنا ومجتمعنا يعملون ذات الشيء، الكل يصوم في رمضان، والكل يفطر يوم العيد، والكل يتحدث عن الدين أنه فضيلة، فاجتناب الخمر فضيلة، وتعاطيها رذيلة، ولبس الحجاب فضيلة، والسفور رذيلة، والذهاب لمكة فضيلة وهكذا.
نكرر كلمات وأفكار وتصرفات دون تفكير ولا مراجعة.
استأذنته أن يشرح الموضوع أكثر:
- هل لك أن تبين لي تفصيلا واحدة من هذه المواضيع؟!
- مثلا: الحجاب لماذا هو فضيلة؟! الفضيلة هي أن تكون المرأة محترمة في تفكيرها ومنطقها وتصرفاتها، لا بغطاء رأسها.
- ولكن أظن أن من يقول: إن الحجاب فضيلة، يقول ذلك من باب أن هذه المرأة اتبعت أمر الله عز وجل.
- وهل الله يأمرنا بأمور غير منطقية، ألا ترى كم من الرذيلة تقع من نساء محجبات.
قاطعته: - ليكن نقاشنا علمياً، لا نريد أن نستشهد دون أرقام وإحصاءات، ولكن لنفرض أن هذا أمر من الله.
- كلا، إن الله لم يأمر بالحجاب.
- وإذا كان قد أمر هل من الفضيلة أن نتبع أمره؟!
- حتى لو أمر الله بالحجاب، أو بأي أمر آخر يجب أن نفكر، وما نتوصل إليه ونقتنع به نعمله.
- دعنا من أوامر الله عز وجل، لنتحدث عن الأخبار التي يخبرنا الله بها.
- ماذا تعني؟!
- أعني أن الله يخبرنا أنه خلق السموات والأرض وخلق الملائكة وخلق الجن وأنه ستكون حياة بعد الموت، وسيكون يوم للجزاء، كل هذه الأخبار وغيرها كيف نتعامل معها؟!
تردد، شعرت أنه غير مرتاح للسؤال.
بذلت جهداً يسيراً من باب حبي للمعرفة، وما هو مكتوب في كتب الفلسفة:
- هناك فلسفة على مستوى العالم تجعل كل شيء موضع شك، حتى وجود الله عز وجل، وتعلم طبعاَ أن كلمة (فلسفة) أصلها يوناني وتعني: (المحب للحكمة) أما علماء المسلمين فليس لهم منهج واحد، وبرأيي الشخصي لا يمكن أن تكون هناك فلسفة إسلامية؛ لأن أساس الفلسفة الذي هو (الشك والتساؤل والبحث) يتناقض مع مفهوم الإسلام الذي هو (الاستسلام والقبول والإذعان).
- ولكن ابن رشد الذي ولد في قرطبة عام 1126م، وتوفي 1198 يعد من أهم فلاسفة الإسلام، ومن أقواله: «الحسن ما حسنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل» فهم يضعون للعقل مكانة أساسية في حياة الفرد، وهذا هو المنهج العالمي للفلاسفة منذ أفلاطون وأرسطو.
- ولكن تعلم ما مشكلتي مع الفلسفة؟
- ما هي؟!
- مشكلة بسيطة، مثلا هل تستطيع أن تستخدم عينيك لرؤية ما وراء جدار إسمنتي؟ أم هل تستطيع أن تسمع بأذنيك ذبذبات دون (4) أو أعلى من (20) كيلو هرتز، لا تستطيع، وهكذا العقل له حدود، وإذا استعمله الإنسان خارج هذه الحدود يتخبط، قد يصيب وقد يخطئ.
سأل متحدياً:
- وكيف نعرف حدود العقل؟!
- نستطيع أن نحدد مناطق لا يستطيع العقل أن يعمل فيها، مثل الغيبيات: الموت، وما بعد الموت، الملائكة وغيرها من الأمور الغيبية، ونستطيع أن نحدد مناطق خلق العقل ليعمل فيها، مثل النظر في دقة خلق السموات والأرض، وكيف وجدت بهذا النظام، وبالمناسبة كنت أستمع إلى برنامج علمي في إذاعة أجنبية بتاريخ 13/12/2012؛ حيث توصل العلماء إلى أن العالم كله قبل وجود النجوم وأي شيء كان في ظلمة دامسة، وهذا مذكور عندنا في أحاديث صحيحة، والشاهد أن العقل يستطيع إثبات وجود الله، ويستطيع إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإذا ثبتت هاتان القضيتان يجب أن نتقبل ما ينتج عنهما، أي طاعة الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فقد ناقضنا القضية الأولى.



اعداد: د. أمير الحداد