نشوز المرأة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1155 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16825 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 12 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          لماذا يكذب الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-10-2020, 09:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,991
الدولة : Egypt
افتراضي نشوز المرأة

نشوز المرأة
جمعية التنمية الأسرية بالمنطقة الشرقية (وئام)






وجوب طاعة المرأة زوجها بالمعروف.
حقيقة نشوز المرأة.
أعراض النشوز.
علاج نشوز المرأة.

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد[2]:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هُدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة[3].


عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فهي وصيَّة الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].


أيها المسلمون:
إن الكتاب والسنَّة يوجِبان على المرأة طاعة زوجها بالمعروف؛ لتتحقَّق لهما المصالح المقصودة من عقد الزواج، ولما لهذه الطاعة من أهميَّة في الحفاظ على الأسرة واستقرارها وسعادتها، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
وقال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ ﴾؛ أي: من النساء، ﴿ قَانِتَاتٌ ﴾ قال ابن عباس وغير واحد: يعني: مطيعات لأزواجهنَّ[4].
وقال ابن تيمية بعد ذكره لهذه الآية: "فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة؛ أي: مداومة على طاعة زوجها"[5].
وجاء في السنَّة: ((إذا صلَّت المرأة خَمسَها، وصامَت شَهرَها، وحفظَت فَرجَها، وأطاعت زَوجَها، قيل لها: ادخلي الجنَّة من أيِّ أبواب الجنة شئتِ))[6].


وروي عن الحصين بن محصن أن عمَّة له أتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ، ففرغَت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أذات زوجٍ أنتِ؟))، قالت: نعم، قال: ((كيف أنتِ له؟))، قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: ((فانظري أين أنتِ منه؛ فإنما هو جنَّتُك ونارك))[7].
وهذا الحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إيَّاه في حدود استطاعتها، وممَّا لا شك فيه أنَّ من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلَّق به؛ من تربية أولاده، ونحو ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل النَّبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ النساء خيرٌ؟ قال: ((التي تَسرُّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أَمَر، ولا تخالفه فيما يَكره في نفسها ولا في ماله))[8].
فيُستفاد من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة السابقة: أن من الحقوق الشرعيَّة التي فرضها الله عزَّ وجل للزوج على زوجته طاعتَه في المعروف، وهذه الطاعة أمر طبيعي تقتضيه الحياة المشتركة بين الزوجين، ويسهم كثيرًا في حفظ كيان الأسرة من التصدُّع والانهيار، وقيام الزوجة بما تستطيعه؛ من رعايتها لبيتها، وعنايتها بشؤون زوجها وأطفالها، إنما هو من لوازم الطاعة بالمعروف.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه: "قوله: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34] يَقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقًا؛ من خدمة، وسفر معه، وتمكين له، وغير ذلك"[9].
وقال في موضع آخر: "يجب على الزوجة خدمة زوجها في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبز، والطحن...؛ لأن ذلك هو المعروف...، فعليها أن تخدمه الخدمةَ المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوَّع ذلك بتنوع الأحوال؛ فخدمة البدويَّة ليست كخدمة القروية، وخدمة القويَّة ليست كخدمة الضعيفة"[10].


ويقول الشيخ الألباني رحمه الله معقبًا على كلام شيخ الإسلام: "وهذا هو الحق - إن شاء الله تعالى - أنَّه يجب على المرأة خدمة البيت؛ وهو قول مالك وأصبغ؛ كما في (الفتح)، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة، كما في (الاختيارات)، وطائفة من السَّلَف والخلف، كما في (الزاد)، ولم نجد لِمن قال بعدم الوجوب دليلًا صالحًا، وقول بعضهم: إنَّ عقد النِّكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضًا بزوجها، فهما متساويان في هذه الناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجَب على الزوج شيئًا آخر لزوجته، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومَسكنها؛ فالعدل يَقتضي أنه يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضًا لزوجها، وما هو إلَّا خدمتها إياه، ولا سيما أنَّه القوام عليها بنصِّ القرآن الكريم، وإذا لم تقم هي بالخدمة، فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها، وهذا يجعلها هي القوامة عليه، وهو عكس للآية القرآنيَّة؛ كما لا يخفى، فثبت أنه لا بد لها من خدمته، وهذا هو المراد"[11].


ويقول الدكتور محمد بن لطفي الصباغ معلِّقًا على مبدأ طاعة الزوجة لزوجها فيما لا معصية فيه: "وهذا أمر طبيعي، فإن كان الزواج شركة، وكان الرجل هو صاحب القوامة، فلا بدَّ من طاعته فيما يَأمر وينهى في حدود الشَّرع؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق...، والزوجة الذكيَّة هي التي لا تتخلى عن طبيعتها الرقيقة الهادئة الطيبة، إنها كما صوَّرها الحديث الشريف راعية في بَيت زوجها، تصونه وترعاه، إذا نَظر إليها زوجها سرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظَتْه في نفسها وماله"[12].


عباد الله:
إلا أن الحياة الزوجية قد تصفو أحيانًا، وتتعكَّر تارة أخرى، ومن مظاهر سوء العلاقة الزوجيَّة نشوز المرأة على زوجها.
والنُّشوز لغة معناه: الارتفاع والعلو، يقال: أرض ناشز؛ يعني: مرتفعة، ومنه: سمِّيَت المرأة ناشزًا، إذا علَت وارتفعت وتكبَّرَت على زوجها.
فالمرأة التي تَخرج عن حقوق الرجل، قد ترفَّعَت عليه، وحاولَت أن تكون فوق رئيسها، بل ترفَّعَت أيضًا عن طبيعتها، وما يقتضيه نظام الفِطرة في التعامل، فتكون كالناشز من الأرض الذي خرج عن الاستواء[13].


والنشوز في اصطلاح الشرع: هو امتِناع المرأة من أداء حقِّ الزوج، أو عصيانه، أو إساءة العشرة معه، فكلُّ امرأة صدر منها هذا السلوك، أو تخلَّقَت به، فهي امرأة ناشز، ما لم تقلع عن ذلك، أو تصلح خلقها.
قال ابن قدامة: "معنى النشوز: معصية الزوج فما فَرَض الله عليها من طاعته، مأخوذ من النشز؛ وهو الارتفاع، فكأنها ارتفعت وتعالَت عمَّا فَرض الله عليها من طاعته"[14].
ومن النشوز: إذنها في بيته لِمن يكرهه، وخروجها من البيت بغير إذنه، وصور النشوز كثيرة، وضابطها: أنَّها كل أمرٍ ترتكبه الزوجة على غير رضًا من زوجها، بشرط ألا يكون الشارع قد أمرها به، أو أذن لها فيه.


وليس النشوز في المرأة فقط، وإنما في الرجل أيضًا؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128].
إلا أنَّ حديثنا في هذه الخطبة سيكون عن نشوز الزوجة، الذي قال الله فيه: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
فقوله: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾؛ هذه بعض الأحوال المضادة للصَّلاح، وهو النشوز؛ أي: الكراهية للزوج، فقد يكون ذلك لسوء خُلق المرأة، وقد يكون لأن لها رغبة في التزوج بآخر، وقد يكون لقسوة في خلق الزوج، وذلك كثير[15].


وللنشوز والإعراض أحوال كثيرة؛ تقوى وتضعُف، وتختلف عواقبها، باختلاف أحوال الأنفس؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ﴾، والخوف عبارة عن حالة تَحصل في القلب عند حدوث أمر مَكروه في المستقبل، ودلالة النشوز قد تكون قولًا، وقد تكون فعلًا، فالقول مثل أن تلبيه إذا دعاها، وتخضع له بالقول إذا خاطبها، ثم تغيَّرَت، والفعل إن كانت تقوم إليه إذا دخل عليها، أو تسارع إلى أمره وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها، ثم إنها تغيَّرَت عن كل ذلك، فهذه أمارات دالَّة على النشوز، فحينئذٍ ظن نشوزها، فهذه المقدمات توجب خوف النشوز[16].
وجمهور العلماء على أن من الواجب على الزوج أن يَسلك في معالجته لزوجته تلك الأنواع الثلاثة على الترتيب؛ بأن يبدأ بالوَعظ، ثم بالهَجر، ثم بالضَّرب؛ لأن الله تعالى قد أمر بذلك؛ ولأنه قد رتَّب هذه العقوبات بتلك الطريقة الحكيمة التي تبدأ بالعقوبة الخفيفة، ثم تتدرَّج إلى العقوبة الشديدة، ثم إلى الأكثر شدة.


قال الفخر الرازي: وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه، والذي يدلُّ عليه اللفظ أنه تعالى ابتدأ بالوَعظ، ثم ترقَّى منه إلى الضَّرب؛ وذلك تنبيه يجري مَجرى التصريح، في أنَّه متى حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق[17].
هكذا يؤدِّبها بالأسهل فالأسهل، ﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾؛ أي: ببيان حُكم الله في طاعة الزوج ومعصيته، والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب[18].
فمن النِّساء من يَكفيها التذكير بعِقاب الله وغضبه، ومنهنَّ من يؤثر في أنفسهن التهديد والتحذير من سوء العاقِبة في الدنيا؛ كشَماتة الأعداء، ومنعها بعض رغباتها؛ كالثياب والحلي ونحو ذلك، وفي الجملة فاللبيب لا تَخفى عليه العِظات التي لها المحل الأرفع في قلب امرأته.


ثم قال تعالى: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾؛ يهجرها الزَّوج في المضجع، بألا يضاجعها، ولا يجامعها، بمقدار ما يَحصل به المقصود[19].
وقد جرَت العادة بأن الاجتماع في المضجع يهيج شعور الزوجيَّة، فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر، ويزول ما كان في نفوسهما من اضطراب أثارَته الحوادث قبل ذلك[20].
ثم قال تعالى بعد ذلك: ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾؛ يضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور، وأطعنكم ﴿ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾؛ أي: فقد حصل لكم ما تحبون، فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها، ويحدث بسببه الشر[21].


ولا يجوز لأحد مهما كان أن ينكر هذا الأدب الشرعي (الضرب)؛ لأنَّه أمر مُحكَم في القرآن، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه الفقهاء، وهو وسيلة مباحة، إلا أن الأفضل للمسلم تركه، والترفع عنه، إلا إذا اضطر إليه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب النِّساء، قالت عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل"[22].


وقد يستعظم بعض من قلَّد الإفرنج من المسلمين مشروعيَّة ضرب المرأة الناشز، ولا يستعظمون أن تنشز وتترفَّع هي عليه، فتجعله وهو الرئيس مرؤوسًا محتقرًا، وتصر على نشوزها، فلا تلين لوعظه ونصحِه، ولا تبالي بإعراضه وهَجرِه، فإن كان قد ثقل ذلك عليهم، فليعلموا أنَّ الإفرنج أنفسهم يَضربون نساءهم العالمات المهذَّبات، بل فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم وملوكهم وأمراؤهم، فهو ضرورة لا يُستغنى عنها، ولا سيما في دِين عام للبَدو والحضر من جميع أصناف البشر، وكيف يستنكر هذا والعقلُ والفطرة يدعوان إليه، إذا فسدت البيئة، وغلبَت الأخلاق الفاسدة، ولم ير الرجل مناصًا منه، ولا ترجع المرأة عن نشوزها إلا به.
لكن إذا صلحت البيئة، وصارت النساء يستجبن للنَّصيحة، أو يزدجرن بالهجر، وجب الاستغناء عنه؛ إذ نحن مأمورون بالرِّفق بالنساء، واجتناب ظلمهنَّ، وإمساكهن بمعروف، أو تسريحهنَّ بمعروف.


والأخبار التي وردَت في الوصيَّة بالنساء كثيرة، فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عبدالله بن زمعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَجلِد أحدكم امرأته جلدَ العبد، ثمَّ يجامعها في آخر اليوم))[23]؛ يعني: أنه إذا لم يكن بد للرجل من هذا الاتصال الخاص بامرأته، وهو أقوى وأحكم اجتماع يكون بين اثنين من البشَر، وقد قضَت به الفِطرة، فكيف يليق به بعدئذٍ أن يجعل امرأته وهي كنفسه مَهينة كمهانة عبده، يَضربها بسوطه أو بيده، فالرجل الكريم يأبى عليه طَبعه مثل هذا الجفاء.


والخلاصة: أن الضرب علاج مرٌّ، قد يَستغني عنه الخيِّرُ الكريم، ولكنَّه لا يزول من البيوت إلا إذا عمَّ التهذيب الرجالَ والنساء، وعرف كلٌّ ما له من الحقوق، وكان للدِّين سلطان على النفوس، يجعلها تراقِب اللهَ في السرِّ والعلَن، وتخشى أمره ونهيه[24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
أيها المسلمون:
بعد أن ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علاجَ المرأة الناشز، رغَّب في حسن المعاملة الزوجيَّة، فقال: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 34]؛ أي: فإن أطعنكم بواحدة من هذه الخِصال التأديبية، فلا تَبغوا ولا تتجاوزوا ذلك إلى غيرها، فابدؤوا بما بدَأ الله من الوعظ، فإن لم يُجْدِ فبالهَجر، فإن لم يفِد فبالضرب، فإذا لم يغنِ فليلجأ إلى التحكيم، ومتى استقام لكم الظَّاهر، فلا تبحثوا عمَّا في السرائر.


ثم هدَّد وتوعَّد مَن يظلم النساء ويبغي عليهن، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34]؛ يذكِّر سبحانه عبادَه بقدرته وكبريائه عليهم؛ ليتَّعظوا ويخشوه في معاملتهنَّ، فكأنه يقول لهم: إنَّ سلطانه عليكم فوق سلطانكم على نسائكم، فإذا بغيتم عليهنَّ، عاقبكم، وإن تجاوزتم عن هفواتهنَّ كرمًا، تجاوز عنكم وكفَّر عنكم سيئاتكم.
وليس بخافٍ أنَّ الرجال الذين يستذلُّون نساءهم، إنما يلِدون عبيدًا لغيرهم؛ إذ هم يتربَّون على الظُّلم ويستسيغونه، ولا يكون في نفوسهم شيء من الكرامة، ولا من الشمم والإباء، وأمَّة تخرج أبناء كهؤلاء إنما تربِّي عبيدًا أذلَّاء، لا يقومون بنصرتها، ولا يغارون لكرامتها، فما أحراهم بأن يكونوا قطعانًا من الغنم، تزدجر من كل راعٍ، وتستجيب لكل ناعق[25].


أيها المسلمون:
وبعد هذا، فلتتَّقِ اللهَ المرأةُ الناشِز، ولتعلم أن نشوز المرأة على زوجها من الكبائر، ففي الصحيحين: ((إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فِراشه فأبَت فبات غضبان عليها، لعنَتها الملائكة حتى تُصبح))[26].
وفي لفظ: ((والذي نَفسي بيده، ما مِن رجل يدعو امرأتَه إلى فِراشها فتأبى عليه، إلَّا كان الذي في السَّماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها))[27].
وفي حديث آخر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحلُّ للمرأة أن تَصوم وزوجها شاهِدٌ إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه))[28].


فالواجب على المرأة أن تَطلب رضا زَوجها، وتجتنب سخطه، ولا تَمتنع منه متى أرادها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا الرجل دعا زوجتَه لحاجته، فلتأتِه وإن كانت على التنُّور))[29].
قال العلماء: إلَّا أن يكون لها عذر من حَيض أو نِفاس، فلا يحل لها أن تجيئه، ولا يحل للرجل أيضًا أن يَطلب ذلك منها في حال الحيض والنفاس، ولا يجامعها حتى تغتسل.
ولتعلم المرأة: أنه إن نشزت سقط عنها حقوق، لا تَثبت لها إلَّا إذا تركَت النشوز؛ وهي النَّفقة، والسكنى، والقَسْم لها.


قال ابن قدامة: "فمتى امتنعَت من فراشه، أو خرجَت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السَّفر معه، فلا نَفقة لها ولا سكنى، في قول عامَّة أهل العلم"[30].
والأصل في ذلك عند الفقهاء أنَّ هذه الحقوق تثبت للمرأة في مقابل استِمتاع الرجل بها، وتمكينها له، فإذا زال زالت الحقوق، وما سوى ذلك فهي زَوجة يثبت لها سائر الأحكام؛ من المحرميَّة، والإرث، وغير ذلك.
فعلى المرأة المسلمة أن تتفقَّه في أحكام الأسرة، وتطَّلع على حقوق الزوج، ووجوب طاعته، وحدود هذه الطَّاعة، وأنها عِبادة، وتحريم النشوز، والإثم المترتب على ذلك، ومعرفة الآثار والعاقِبة الحسنة في الدنيا والآخرة في طاعة الزوج.


عباد الله:
ثم اعلموا رحمكم الله أنَّ الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأزواجه وذريته وصحابته، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالَ بيوت المسلمين، ويؤلِّف بين القلوب، ويجعل بين الأزواج مودَّةً ورحمة، ويصرف عنهم المشاكلَ والفتن.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...


[1] إعداد وتأليف: اللجنة العلمية بمجموعة زاد - بإشراف الشيخ: محمد صالح المنجد.

[2] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، وكان السلف يفتتحون بها خطبهم في دروسهم وكتبهم وأنكحتهم، وللألباني فيها رسالة لطيفة، جمع فيها طرق حديثها، وألفاظها، وذكر فيها فوائد تتناسب مع موضوعها، وقد طبعت على نفقة جمعية التمدن الإسلامي بدمشق، ثم طبعها المكتب الإسلامي طبعة ثانية جميلة مزيدة ومنقحة؛ أخرجها أبو داود (4607)، والنسائي (1578)، والحاكم (183)، وأحمد برقم (3720)، و(4115).

[3] أخرجه مسلم (867).

[4] تفسير القرآن العظيم (ج 1 ص 491).

[5] مجموع الفتاوى (ج 32 ص 275).

[6] أخرجه أحمد (1664)، وابن حبان (4163)، وحسنه الألباني لغيره في (الآداب) (286)، و(التعليق الرغيب) (3/ 73).

[7] أخرجه أحمد (18524)، والنسائي في الكبرى (8967)، والطبراني في الكبير (25/ 448)، والحاكم (2/ 189)، والبيهقي في الشعب (8729)، و(8730)، و(8731).

[8] أخرجه أحمد (9304).

[9] مجموع الفتاوى (ج 32 ص260).

[10] المرجع السابق (ج 34 ص 90، 91) بتصرف يسير.

[11] آداب الزفاف (ص 288، 289).

[12] نظرات في الأسرة المسلمة، ص (71، 72).

[13] تفسير المنار (5/ 59).

[14] المغني؛ لابن قدامة (7/ 318).

[15] التحرير والتنوير (5/ 41).

[16] اللباب في علوم الكتاب (6/ 363).

[17] تفسير الرازي - مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (10/ 72).

[18] تفسير السعدي - تيسير الكريم الرحمن (ص: 177).

[19] تفسير السعدي - تيسير الكريم الرحمن (ص: 177).

[20] تفسير المراغي (5/ 29).

[21] تفسير السعدي - تيسير الكريم الرحمن (ص: 177).

[22] أخرجه مسلم (2328).

[23] أخرجه البخاري (5204)، ومسلم (2855).

[24] تفسير المراغي (5/ 29) بتصرف.

[25] تفسير المراغي (5/ 29) بتصرف.

[26] أخرجه البخاري (3237)، ومسلم (1736).

[27] أخرجه مسلم (1736).

[28] أخرجه البخاري (5195)، ومسلم (1036).

[29] أخرجه الترمذي (1160)، وصححه الألباني في الصحيحة (1202)، والتعليق الرغيب (3/ 75).

[30] المغني؛ لابن قدامة (8/ 236).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.62 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]