التوقعات الجوية بين الإخبار والاعتبار - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2020, 09:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي التوقعات الجوية بين الإخبار والاعتبار

التوقعات الجوية بين الإخبار والاعتبار
الشيخ عبدالله بن محمد البصري








أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، في بِدَايَةِ هَذَا الأُسبُوعِ، وَرَدَت تَوَقُّعَاتٌ بِعَاصِفَةٍ شَدِيدَةٍ، فَجَعَلَ أُنَاسٌ هَذِهِ العَاصِفَةَ مَادَّةَ حَدِيثِهِم، فَشَرَّقُوا في أَمرِهَا وَغَرَّبُوا، وَبَاعَدُوا في شَأنِهَا وَقَرَّبُوا، وَقَالُوا عَنهَا وَأَكثَرُوا، وَحَذَّرُوا مِنهَا وَأَنذَرُوا، وَتَنَاقَلُوا في بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ آرَاءً وَأَقوَالاً، وَتَبَادَلُوا رَسَائِلَ وَصُوَرًا، وَصَارُوا فِيمَا يَكتُبُونَ طَرَائِقَ قِدَدًا، بَينَ مُحَدِّدٍ كَمِّيَّةَ الغُبَارِ وَشِدَّتَهُ، وَمُبَيِّنٍ وَقتَ بِدَايَةِ العَاصِفَةِ وَنِهَايَتِهَا، وَجَاعِلٍ هَمَّهُ تَعلِيقَ الدِّرَاسَةِ وَتَقلِيلَ سَاعَاتِ العَمَلِ، وَمُجتَهِدٍ في التَّحذِيرِ مِن ضَرَرِ الغُبَارِ عَلَى الصُّدُورِ وَالعُيُونِ، وَأثَرِهِ عَلَى البُيُوتِ وَالأَثَاثِ، وَكَيفِيَّةِ اتِّقَائِهِ وَالتَّخَلُّصِ مِن سَيِّئِ آثَارِهِ.



وَالوَاقِعُ المُشَاهَدُ وَخَاصَّةً بَعدَ انتِشَارِ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ وَتَعَدُّدِ بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ، طُغيَانُ الاهتِمَامِ بِالتَّوَقُّعَاتِ الجَوِّيَّةِ عَلَى النَّاسِ طُغيَانًا ظَاهِرًا، فَاليَومَ أَمطَارٌ غَزِيرَةٌ، وَغَدًا رِيَاحٌ شَدِيدَةٌ، وَهَذَا الأُسبُوعَ عَاصِفَةٌ مَدَارِيَّةٌ، وَالشَّهرَ القَادِمَ مُنخَفَضٌ جَوِّيٌّ، وَبَعدَ كَذَا وَكَذَا مِنَ السَّاعَاتِ وَالدَّقَائِقِ سَيَحصُلُ كَيتَ وَكَيتَ، وَمُتَخَصِّصٌ فَلَكِيٌّ يَقُولُ: أَجِّلُوا مُنَاسَبَاتِكُم، وَمُحَلِّلٌ جَوِّيٌّ يَقُولُ: لا تَخرُجُوا مِن بُيُوتِكُم، وَخَبِيرٌ بِالتَّقَلُّبَاتِ يَأمُرُ بِإِغلاقِ الأَبوَابِ وَلُزُومِ الغُرَفِ، وَكُتَّابٌ يَدعُونَ إِلى تَعلِيقِ الدِّرَاسَةِ، في رَسَائِلَ تَزدَحِمُ بها المَجمُوعَاتُ، وَتقَارِيرَ تَتَنَاقَلُهَا الجَوَّالاتُ، وَمُتَابَعَاتٍ وَلِجَانٍ لِتَسمِيَةِ الحَالاتِ.



وَالحَقُّ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - أَنَّهُ لا بَأسَ بِهَذِهِ التَّوَقُّعَاتِ إِذَا جَاءَت مِن مُتَخَصِّصِينَ مِن أَهلِ العِلمِ التَّجرِيبيِّ، إِذْ هِيَ لا تَعني ادِّعَاءَ الغَيبِ وَلا مَعرِفَةَ مَا وَرَاءَ الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهَا نَوعٌ مِنِ استِشرَافِ المُستَقبَلِ وَالتَّنَبُّؤِ بِهِ، مَبنيٌّ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ تُفضي إِلى نَتَائِجَ مَعلُومَةٍ، وَأَسبَابٍ تُوصِلُ إِلى مُسَبَّبَاتٍ مُحَدَّدَةٍ، وَتَتَبُّعٍ دَقيقٍ لِسُنَنٍ مُحكَمَةٍ جَعَلَهَا اللهُ في الكَونِ، عَلِمَهَا مَن عَلمِهَا وَجَهِلَهَا مَن جَهِلَهَا. وَإِنَّهُ مَا دَامَ الحَدِيثُ في هَذِهِ الظَّوَاهِرِ الكَونِيَّةِ مَبنِيًّا عَلَى مُعطَيَاتٍ مَحسُوسَةٍ أَو مُتَوَقَّعَةٍ، فَهُوَ مِمَّا قَد يَنتَفِعُ النَّاسُ بِهِ في حَيَاتِهِم، وَبِهِ يَتَفَادَونَ أَخطَارًا قَد تُحِيطُ بِهِم، وَيَتَّقُونَ آفَاتٍ قَد تُصِيبُهُم، وَلا يُنكَرُ أَنَّ النَّاسَ قَد وَصَلُوا في هَذَا العَصرِ إِلى دَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ العِلمِ التَّجرِيبيِّ الدُّنيَوِيِّ في مَجَالاتٍ شَتَّى، بما تَيَسَّرَ لَهُم مِن أَدَوَاتِ الرَّصدِ وَأَجهِزَةِ المُتَابَعَةِ الدَّقِيقَةِ، الَّتي لم تَتَيَسَّرْ لِمَن كَانَ قَبلَهُم، غَيرَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَإِنْ عَظُمَ في الأَعيُنِ وَكَبُرَ عِندَ بَعضِ النَّاسِ قَدرُهُ، لا يَخرُجُ عَمَّا قَرَّرَهُ الحَكِيمُ الخَبِيرُ في كِتَابِهِ حَيثُ قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76] وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ هَذَا القَلِيلَ مِن العِلمِ الَّذِي أُوتِيَهِ النَّاسُ، يَجِبُ أَلاَّ يُنسِيَنَا مُصَرِّفَ الكَونِ وَمُقَدِّرَ المَقَادِيرِ وَمُقَلِّبَ الأَحوَالِ، وَهُوَ اللهُ الخَلاَّقُ العَلِيمُ - سُبحَانَهُ - الَّذِي جَعَلَ هَذَا التَّقلِيبَ وَقَدَّرَ ذَاكَ التَّصرِيفَ، وَقَضَى بِالتَّغيِيرِ الدَّائِمِ وَالتَّبدِيلِ المُستَمِرِّ؛ لِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلبَابِ وَيَعتَبِرَ أُولُو الأَبصَارِ؛ لا لِيَكُونَ قُصَارَى مَا يَفعَلُهُ النَّاسُ هُوَ تَنَاقُلَ الأَخبَارِ دُونَ تُفَكُّرٍ أَوِ اعتِبَارٍ، أَو تَأَمُّلٍ لِمَا في ذَلِكَ مِنَ المَعَاني الجَلِيلَةِ وَالحِكَمِ وَالأَسرَارِ. وَإِذَا لم يَعتَبِرِ الإِنسَانُ بِمَطَرِ يَومِهِ وَغُبَارِ غَدِهِ، وَيَتَفَكَّرْ في إِنبَاتِ الأَرضِ في فَصلٍ ثُمَّ صَيرُورَتِهِ هَشِيمًا في فَصلٍ آخَرَ، وَيَتَذَكَّرْ بانسِلاخِ النَّهَارِ مِنَ الليلِ، وَيعجَبُ مِن بُدُوِّ القَمَرِ هِلالاً ثُمَّ تَمَامِهِ بَدرًا ثُمَّ عَودَتِهِ ﻣُﺤَﺎﻗًﺎ، وَتَعَاقُبِ الفُصُولِ الأَربَعَةِ، وَتَحَوُّلِ الجَوِّ مِن حَرٍّ إِلى بَردٍ وَمِن دِفءٍ إِلى صَقِيعٍ، فَأَينَ التَّفَكُّرُ في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالليلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ؟! وَأَينَ مَنِ امتَدَحَهُمُ اللهُ بِذَلِكَ في قَولِهِ: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191] وَقَولِهِ: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 53، 54] وَقَولِهِ: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور:43، 44]. وَقَولِهِ: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 21] وَقَولِهِ: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164] وَقَولِهِ: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 3 - 5] وَقَولِهِ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57] إِنَّ في الكَونِ لآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَظَوَاهِرَ بَاهِرَاتٍ، تُؤَكِّدُ أَنَّ مَا يَجرِي فِيهِ لَيسَ ضَربًا مِنَ العَبَثِ وَلا نَوعًا مِنَ الصُّدَفِ، وَلَكِنَّهَا أَقدَارٌ تَجرِي لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، جَمِيلٌ أَن يُستَشرَفَ المُستَقبَلُ بِنَاءً عَلَى عِلمٍ وَخِبرَةٍ، وَمِنَ العَقلِ اتِّخَاذُ الأَسبَابِ لاتِّقَاءِ الأَخطَارِ الَّتي قَد تُحدِثُهَا ظَاهِرَةٌ مَا، وَلَكِنَّ الَّذِي لا يَجمُلُ بِالمُسلِمِينَ وَلا يَحسُنُ أَن يَصدُرَ عَنِ المُؤمِنِينَ، أَن يَصِلَ بِهِمُ التَّعَلُّقُ بِالأَسبَابِ إِلى أَن يُصبِحَ هُوَ الحَاكِمَ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِم وَالمُتَحَكِّمَ فِيهَا، حَتَّى يَكَادُوا يَنسَونَ الخَالِقَ المُسَبِّبَ - سُبحَانهُ -. وَإِنَّ أَخذَ هَذِهِ التَّوَقُّعَاتِ الفَلَكِيَّةِ عِندَ بَعضِ المُحَلِّلِينَ سَبِيلَ الجَزمِ بها وَالتَّعبِيرِ عَنهَا بِلُغَةِ القَطعِ وَالتَّأكِيدِ، دُونَ رَبطِهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ وَإِذنِهِ، وَتَضخُّمَ الارتِبَاطِ بِمَوَاسِمِ الرِّيَاحِ وَالأَمطَارِ وَالحَرِّ وَالبَردِ، قَد يَصِلُ بِالقُلُوبِ مُستَقبَلاً إِلى أَن تَتَعَلَّقَ بِكُلِّ هَذِهِ الأَسبَابِ وَالتَّوَقُّعَاتِ تَعَلُّقًا تَضعُفُ مَعَهُ قُوَّةُ الإقرَارِ بِأَنَّ اللهَ وَحدَهُ هُوَ الخَالِقُ المُدبِّرُ المُتَصَرِّفُ، وَتَغِيبُ مَعَهُ حِكَمُ تَقدِيرِ ذَلِكَ، حَتَّى يَصِلَ بِنَا لِسَانُ الحَالِ إِلى مَا كَانَ الكُفَّارُ يَقُولُونَهُ بِلِسَانِ المَقَالِ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صَلاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيبِيَةِ عَلَى أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَت مِنَ اللَّيلِ، فَلَمَّا انصَرَفَ أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: " هَل تَدرُونَ مَاذَا قَالَ ربُّكُم؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: " أَصبَحَ مِن عِبَادِي مُؤمِنٌ بي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَن قَالَ: مُطِرنَا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤمِنٌ بي كَافِرٌ بِالكَوكَبِ، وَأَمَّا مَن قَالَ: مُطِرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بي وَمُؤمِنٌ بِالكَوكَبِ ".



أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَتَمَسَّكْ بما نَحنُ عَلَيهِ وَنَعتَقِدُهُ مِن أَنَّ اللهَ - سُبحَانهُ - هُوَ المُصَرِّفُ المُقَدِّرُ، وَلْنُعَلِّقْ كُلَّ أَمرٍ بِمَشِيئَتِهِ وَإِذنِهِ، فَقَد وَجَّهَنَا - سُبحَانَهُ - إِلى ذَلِكَ فِيمَا نَقدِرُ عَلَيهِ مِن أَفعَالِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا فَقَالَ: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 23، 24] وَقَالَ: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29] فَكَيفَ بِأَفعَالِهِ الخَاصَّةِ، وَالَّتي لا نَملِكُ مِنهَا كَثِيرًا وَلا قَلِيلًا، وَلا كَبِيرًا وَلا صَغِيرًا ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الزمر: 62، 63].

♦ ♦ ♦



أَمَّا بَعدَ، فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ كُلَّ مَا في الكَونِ مِن تَقَلُّبَاتٍ وَتَغَيُّرَاتٍ، وَمَا يَجري في جَوِّ السَّمَاءِ مِن سَحَائِبَ غَادِيَاتٍ أَو رَائِحَاتٍ، وَمَا يَكُونُ مِن غُيُومٍ أَو بُخَارٍ، أَو رِيَاحٍ أَو عَوَاصِفَ أَو غبَارٍ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُسَيِّرٌ بِأَمرِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، العَالِمِ عَدَدَ ذَرَّاتِ الغبَارِ وَمَا جَرَّت بِهِ الأَنهَارُ، وَالمُحصِي حَصَى الجِبَالِ وَوَرَقَ الأَشجَارِ وَمَا زَفَرت بِهِ البِحَارُ، الَّذِي لا يَخفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِمَّا أَظلَمَ عَلَيهِ اللَّيلُ أَو أَشرَقَ عَلَيهِ النَّهَارُ ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64]، ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59] وَهُوَ القَائِلُ - سُبحَانهُ -: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيءِ خَلَقنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر:49، 50] وَأَمَّا التَّوَقُّعَاتُ الفَلَكِيَّةُ وَالتَّحلِيلاتُ الجَوِّيَّةُ، فَلا يُمكِنُ أَن تُزَحزِحَ قَدرَ أَنمُلَةٍ مِنَ المَقَادِيرِ الإلَهِيَّةِ، وَلا أَن تُغَيِّرَ مُحكَمًا مِنَ الأَحكَامِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَلَيسَ نَشرُ الأَخبَارِ هُوَ الَّذِي يَجلِبُ الأَمطَارَ أَو يَدفَعُ الغُبَارَ، وَلا تَردَادُ التَّحذِيرِ هُوَ الَّذِي يَحمِي مِن سَيِّئِ الآثَارِ، وَلا تَعلِيقُ الدِّرَاسَةِ هُوَ المَطلَبَ الَّذِي يَنبَغي أَن يَهتَمَّ بِهِ الكِبَارُ قَبلَ الصِّغَارِ، وَلَكِنَّ وَاجِبَنَا جَمِيعًا وَالحَقِيقَ بِنَا، هُوَ الدُّعَاءُ وَالتَّوبَةُ وَالاستِغفَارُ، وَسُؤَالُ اللهِ خَيرَ هَذِهِ الرِّيَاحِ وَخَيرَ مَا فِيهَا وَخَيرَ مَا أَرَسِلت بِهِ، وَالاستِعَاذَةُ بِاللهِ مِن شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرسِلَت بِهِ؛ فَذَلِكُم هُوَ هَديُ إِمَامِنَا وَقُدوَتِنَا وَقَائِدِنَا - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت: كَانَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ خَيرَهَا وَخَيرَ مَا فِيهَا وَخَيرَ مَا أُرسِلَت بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرسِلَت بِهِ " وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَونُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ، فَإِذَا مَطَرَت سُرِّيَ عَنهُ، فَعَرَفَت ذَلِكَ عَائِشَةُ فَسَأَلَتهُ فَقَالَ: " لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَومُ عَادٍ: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24] وَفي رِوَايَةٍ: وَيَقُولُ إِذَا رَأَى المَطَرَ: "رَحمَةً".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.79 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]