أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208984 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59566 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 758 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 35 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 65 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15883 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 06-09-2019, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق


(24) سعد بن عبادة وموقفه من خلافة الصديق



علي بن محمد الصلابي




إن سعد بن عبادة قد بايع أبا بكر بالخلافة في أعقاب النقاش الذي دار في سقيفة بني ساعدة؛ إذ أنه نزل عن مقامة الأول في دعوى الإمارة وأذعن للصديق بالخلافة، وكان ابن عمه بشير بن سعد الأنصاري أول من بايع الصديق في اجتماع السقيفة، ولم يثبت النقل الصحيح أية أزمات، لا بسيطة ولا خطيرة، ولم يثبت أي انقسام أو فرق لكل منها مرشح يطمع في الخلافة كما زعم بعض كتاب التاريخ، ولكن الأخوة الإسلامية ظلت كما هي، بل ازدادت توثقاً كما يثبت ذلك النقل الصحيح. ولم يثبت النقل الصحيح تآمرًا حدث بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة لاحتكار الحكم بعد وفاة رسول الله، فهم كانوا أخشى لله وأتقى من أن يفعلوا ذلك.
وقد حاول بعض الكتاب من المؤرخين أصحاب الأهواء أن يجعلوا من سعد بن عبادة منافساً للمهاجرين يسعى للخلافة بشرِّه، ويدبر لها المؤامرات، ويستعمل في الوصول إليها كلَّ أساليب التفرقة بين المسلمين.
هذا الرجل، إذا راجعنا تاريخه وتتبعنا مسلكه، وجدنا مواقفه مع الرسول تجعله من الصفوة الأخيار، الذين لم تكن الدنيا أكبر همهم ولا مبلغ علمهم؛ فهو النقيب في بيعة العقبة الثانية، حتى لجأت قريش إلى تعقبه قرب مكة وربطوا يديه إلى عنقه وأدخلوه مكة أسيرًا حتى أنقذه منهم جبير بن مطعم بن عدي، حيث كان يجيرهم في المدينة.
وهو من الذين شهدوا بدرا وحظى بمقام أهل بدر ومنزلتهم عند الله، وكان من بيت جود وكرم وشهد له ذلك رسول الله، وكان رسول الله يعتمد عليه –بعد الله- وعلى سعد بن معاذ كما في غزوة الخندق، عندما استشارهم في إعطاء ثلث ثمار المدينة لعيينة بن حصن الفزاري، فكان رد السعدين يدل على عمق الإيمان وكمال التضحية.
فمواقف سعد مشهورة ومعلومة، فهذا الصحابي الجليل صاحب الماضي المجيد في خدمة الإسلام والصحبة الصادقة لرسول الله، لا يعقل ولم يثبت أنه كان يريد أن يُحيي العصبية الجاهلية في مؤتمر السقيفة لكي يحصل في غمارها هذه الفرقة على منصب الخلافة، كما أنه لم يثبت ولم يصح ما ورد في بعض المراجع من أنه –بعد بيعة أبي بكر- كان لا يصلي بصلاتهم ولا يفيض في الحج بإفاضتهم؛ كأنما انفصل سعد بن عبادة عن جماعة المسلمين، فهذا باطل ومحض افتراء، فقد ثبت من خلال الروايات الصحيحة أن سعدًا بايع أبا بكر، فعندما تكلم أبو بكر يوم السقيفة، فذكر فضل الأنصار وقال: ولقد علمتم أن رسول الله قال: «لو سلك الناس واديًا، وسلكت الأنصار واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار»، ثم ذكر سعد بن عبادة بقول فصل وحجة لا ترد، فقال: ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم» قال سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء، فتتابع القوم على البيعة وبايع سعد. وبهذا
ثبت بيعة سعد بن عبادة، وبها يتحقق إجماع الأنصار على بيعة الخليفة أبي بكر، ولا يعود أي معنى للترويج لرواية باطلة، بل سيكون ذلك متناقضاً للواقع واتهاماً خطيرًا، أن ينسب لسيد الأنصار العمل على شق عصا المسلمين، والتنكر لكل ما قدمه من نصرة وجهاد وإيثار للمهاجرين، والطعن بإسلامه من خلال ما ينسب إليه من قول: لا أبايعكم حتى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي، فكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع بجامعتهم، ولا يقضي بقضائهم، ولا يفيض بإفاضتهم أي: في الحج.


إن هذه الرواية التي استغلت للطعن بوحدة المهاجرين والأنصار وصدق أخوتهم، ما هي إلا رواية باطلة للأسباب التالية:
أن الراوي صاحب هوى وهو «إخباري تالف لا يوثق به» ولا سيما في المسائل الخلافية.
قال الذهبي عن هذه الرواية: وإسنادها كما ترى؛ أي: في غاية الضعف أما متنها
فهو يناقض سيرة سعد بن عبادة، وما في عنقه من بيعة على السمع والطاعة، ولما روي عنه من فضائل.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 09-09-2019, 04:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(25) ما يروى من خلاف بين عمر والحباب بن المنذر


علي بن محمد الصلابي



أما ما يروي عن تنازع في السقيفة بين عمر والحباب بن المنذر السلمي الأنصاري، فالراجح أنه غير صحيح، وأن عمر لم يُغضب الحباب بن المنذر منذ عهد رسول الله،
فقد روى عن عمر قال: فلما كان الحباب بن المنذر هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام؛ لأنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله فنهاني عنه، فحلفت أن لا أكلمه كلمة تسوؤه أبدًا.
كما أن ما يروى عن الحباب في هذه المنازعة مخالف لما عُهد عنه من حكمة، ومن حسن تأنيه للأمور؛ إذ كان يلقب: «بذي الرأي» في عهد رسول الله؛ وذلك لقبول مشورته في بدر وخيبر.
وأما قول الحباب بن المنذر: منا أمير ومنكم أمير، فقد سوغ ذلك وأوضح أنه لا يقصد بذلك الوصول إلى الإمارة، فقال: فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر، ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم، فقبل المهاجرون قوله وأقروا عذره ولا سيما أنهم شركاء في دماء من قتل من المشركين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 09-09-2019, 04:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(26) حديث الأئمة من قريش وموقف الأنصار منه


علي بن محمد الصلابي




ورد حديث «الأئمة من قريش» في الصحيحين وكتب الحديث الأخرى بألفاظ متعددة؛ ففي صحيح البخاري عن معاوية قال: قال رسول الله: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين». وفي صحيح مسلم: «لا يزال الإسلام عزيزًا بخلفاء كلهم من قريش». وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان».
وقال رسول الله: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم لمسلهم وكافرهم لكافرهم». وعن بكير بن وهب الجزري قال: قال لي أنس بن مالك الأنصاري: أحدثك حديثاً ما أحدثه كل أحد، كنا في بيت من الأنصار فجاء النبي حتى وقف فأخذ بعضادتي الباب، فقال: «الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقًا، ولكم عليهم حقًا مثل ذلك، ما إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا أوفوا، وإن حكموا عدلوا». وفي «فتح الباري» أورد ابن حجر أحاديث كثيرة تحت باب: الأمراء من قريش، أسندها إلى كتب السنن والمسانيد والمصنفات. فالأحاديث في هذا الباب كثيرة لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الحديث، وقد رويت بألفاظ متعددة إلا أنها متقاربة، تؤكد جميعها أن الإمرة المشروعة في قريش، ويقصد بالإمرة الخلافة فقط، أما ما سوى ذلك فتساوى فيه جميع المسلمين.
وبمثل ما أوضحت الأحاديث النبوية الشريفة أن أمر الخلافة في قريش، فإنها حذرت من الانقياد الأعمى لهم، وأن هذا الأمر فيهم ما أقاموا الدين كما سلف في حديث معاوية، وكما جاء في حديث أنس: إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا أوفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وبهذا حذرت الأحاديث من اتباع قريش إن زاغوا عن الحكم بما أنزل الله، فإن لم يمتثلوا ويطبقوا مثل هذه الشروط، فإنهم سيصبحون خطرًا على الأمة، وحذرت الأحاديث الشريفة من اتباعهم على غير ما أنزل الله، ودعت إلى اجتنابهم والبعد عنهم واعتزالهم؛ لما سيترتب على مؤازرتهم آنذاك من مخاطر على مصير الأمة، قال: «إن هلاك أمتي أو فساد أمتي رؤوس أغيلمة سفهاء من قريش»، وعندما سئل: فما تأمرنا؟ قال: «لو أن الناس اعتزلوهم».
ومن هذه النصوص تتضح الصورة لمسألة الأئمة من قريش، وأن الأنصار انقادوا لقريش ضمن هذه الضوابط وعلى هذه الأسس، وهذا ما أكدوه في بيعاتهم لرسول الله: «على السمع والطاعة، والصبر على الأثرة، وأن لا ينازعوا الأمر أهله، إلا أن يروا كفرا بواحًا عندهم من الله فيه برهان». فقد كان للأنصار تصور تام عن مسألة الخلافة، وأنها لم تكن مجهولة عندهم، وأن حديث «الأئمة من قريش» كان يرويه كثير منهم، وأن الذين لا يعلمونه سكتوا عندما رواه لهم أبو بكر الصديق، ولهذا لم يراجعه أحد من الأنصار عندما استشهد به، فأمر الخلافة تم بالتشاور والاحتكام إلى النصوص الشرعية والعقلية التي أثبتت أحقية قريش بها، ولم يسمع عن أحد من الأنصار بعد بيعة السقيفة أنه دعا لنفسه بالخلافة، مما يؤكد اقتناع الأنصار وتصديقهم لما تم التوصل إليه من نتائج.
وبهذا يتهافت ويسقط قول من قال: إن حديث الأئمة من قريش شعار رفعته قريش لاستلاب الخلافة من الأنصار، أو أنه رأي لأبي بكر وليس حديثاً رواه عن الرسول، وإنما كان فكرًا سياسياً قرشياً، كان شائعا في ذلك العصر، يعكس ثقل قريش في المجتمع العربي في ذلك الحين.
وعلى هذا فإن نسبة هذه الأحاديث إلى أبي بكر وأنها شعار لقريش، ما هي إلا صورة من صور التشويه التي يتعرض لها تاريخ العصر الراشدي وصدر الإسلام، الذي قام أساسًا على جهود المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان، وعلى روابط الأخوة المتينة بين المهاجرين والأنصار، حتى قال فيهم أبو بكر: نحن والأنصار كما قال القائل:

(أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذين يلقون منا لملت)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 09-09-2019, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق


(27) الأحاديث التي أشارة إلى خلافة أبي بكر



علي بن محمد الصلابي




الأحاديث النبوية التي جاء التنبيه فيها على خلافة أبي بكر كثيرة شهيرة متواترة ظاهرة الدلالة، إما على وجه التصريح أو الإشارة، ولاشتهارها وتواترها صارت معلومة من الدين بالضرورة بحيث لا يسع أهل البدع إنكارها.
ومن تلك الأحاديث:
أ- عن جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبيَّ فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك –كأنها تقول الموت- قال: «إن لم تجديني فأتى أبا بكر».
قال ابن حجر: وفي الحديث أن مواعيد النبي كانت على من يتولى الخلافة بعده تنجيزها، وفيه رد على الشيعة في زعمهم أنه نص على استخلاف علي والعباس.
ب- عن حذيفة قال: كنا عند النبي جلوساً فقال: «إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا بالذين من بعدي» (وأشار إلى أبي بكر وعمر)، «وتمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه».
فقوله : «اقتدوا بالذين من بعدي» أي: بالخليفتين الذين يقومان من بعدي وهما أبو بكر وعمر. وحث على الاقتداء بهما لحسن سيرتهما وصدق سريرتهما، وفي الحديث إشارة لأمر الخلافة.
ج- عن أبي هريرة عن رسول الله قال: «بينما أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس، فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني فنزع الدلوين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر» ».
قال الشافعي -رحمه الله-: رؤيا الأنبياء وحي، وقوله: «وفي نزعة ضعف» قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته.
د- قالت عائشة: قال لي رسول الله في مرضه: « «ادعي لي أبا بكر, أخاك حتى أكتب كتابًا،فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».
دل هذا الحديث دلالة واضحة على فضل الصديق، حيث أخبر النبي بما سيقع في المستقبل بعد التحاقه بالرفيق الأعلى، وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره، وفي الحديث إشارة أنه سيحصل نزاع، ووقع كل ذلك كما أخبر عليه الصلاة والسلام، ثم اجتمعوا على أبي بكر.
هـ- عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله؟ قالت: بلى، ثقُل النبي فقال: «أصلى الناس» قلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: «ضعوا لي ماء في المخضب»، ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه، ثم أفاق فقال: «أصلى الناس؟». قلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. فقال:«ضعوا لي ماء في المخضب»، ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: «أصلى الناس»، قلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله!
قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء الآخرة، قالت: فأرسل رسول الله إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر وكان رجلاً رقيقاً: يا عمر صل بالناس. قال: فقال عمر: أنت أحق بذلك، قالت: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي أن لا يتأخر، وقال لهما: « «أجلساني إلى جنبه» فأجلساه إلى جنب أبي بكر وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي قاعد.
قال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله فقال: هات، فعرضت حديثها عليه فما أنكر منه شيئاً، غير أنه قال: أسَمَّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا. قال، هو علي.
هذا الحديث اشتمل على فوائد عظيمة، منها: فضيلة أبي بكر الصديق وترجيحه على جميع الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- وتفضيله، وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله من غيره، ومنها أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم، وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم، ومنها فضيلة عمر بعد أبي بكر ؛ لأن أبا بكر لم يعدل إلى غيره.
و- قال عبد الله بن مسعود : لما قبض رسول الله قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، قال: فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
ز- روى ابن سعد بإسناده إلى الحسن قال: قال علي: لما قبض النبي نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله لديننا، فقدمنا أبا بكر.
وقد علق أبو الحسن الأشعري على تقديم رسول الله لأبي بكر في الصلاة فقال: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة في دين الإسلام. قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم، لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء أن رسول الله قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنًّا، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم إسلامًا». قال ابن كثير -وهذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب-: ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق وأرضاه.
هذا ولأهل السنة قولان في إمامة أبي بكر من حيث الإشارة إليها بالنص الخفي أو الجلي، فمنهم من قال: إن إمامة أبي بكر ثابتة بالنص الخفي والإشارة، وهذا القول ينسب إلى الحسن البصري -رحمه الله تعالى- وجماعة من أهل الحديث، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، واستدل أصحاب هذا القول بتقديم النبي له في الصلاة وبأمره بسد الأبواب إلا باب أبي بكر. ومنهم من قال: إن خلافة أبي بكر ثابتة بالنص الجلي وهذا قول طائفة من أهل الحديث، وبه قال أبو محمد بن حزم الظاهري، واستدل هذا الفريق بحديث المرأة التي قال لها: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر»، وبقوله لعائشة -رضي الله عنها-: «ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»، وحديث رؤياه أنه على حوض يسقي الناس فجاء أبو بكر فنزع الدلو من يده ليروحه.
والذي أميل إليه ويظهر لي من خلال البحث: أن المصطفى يأمر المسلمين بأن يكون الخليفة عليهم من بعده أبا بكر، وإنما دلهم عليه لإعلام الله -سبحانه وتعالى- له بأن المسلمين سيختارونه لما له من الفضائل العالية التي ورد بها القرآن والسنة وفاق بها غيره من جميع الأمة المحمدية وأرضاه.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: والتحقيق أن النبي دل المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار رضى بذلك حامد له وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك... فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول الله بياناً قاطعاً للعذر، ولكن لما دلهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين وفهموا ذلك حصل المقصود، ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار: وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر... إلى أن قال: فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله له بها، وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختيارًا استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله، فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعًا، لكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بها وقدرها، وأم المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها؛ لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد، وأما إذا كان المسلمين قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضي الله ورسوله بذلك، كان دليلاً على أن الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمين به أنه أحقهم بالخلافة، فإن ذلك لا يحتاج فيه إلى عهد خاص.



([2]) منهاج السنة: 1/139 – 141؛ مجمع الفتاوى: 35/47 – 49.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 09-09-2019, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(28) انعقاد الإجماع على خلافة الصديق


علي بن محمد الصلابي


أجمع أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً على أن أحق الناس بالخلافة بعد النبي أبو بكر الصديق، لفضله وسابقته، ولتقديم النبي إياه في الصلوات على جميع الصحابة. وقد فهم أصحاب النبي مراد المصطفى -عليه الصلاة والسلام- من تقديمه في الصلاة، فأجمعوا على تقديمه في الخلافة ومتابعته ولم يتخلف منهم أحد، ولم يكن الرب -جل وعلا- ليجمعهم على ضلالة، فبايعوه طائعين وكانوا لأوامره ممتثلين ولم يعارض أحد في تقديمه.
فعندما سئل سعيد بن زيد: متى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة ، وقد نقل جماعة من أهل العلم المعتبرين إجماع الصحابة ومن جاء بعدهم من أهل السنة والجماعة على أن أبا بكر أولى بالخلافة من كل أحد، وهذه بعض أقوال أهل العلم:
أ- قال الخطيب البغدادي -رحمه الله-: أجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر، قالوا له: يا خليفة رسول الله ولم يسم أحد بعده خليفة. وقيل: إنه قبض النبي عن ثلاثين ألف مسلم كلٌّ قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، ورضوا به من بعده رضي الله عنهم.
ب- وقال أبو الحسن الأشعري: أثنى الله -عز وجل- على المهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإسلام، ونطق القرآن بمدح المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة وأثنى على أهل بيعة الرضوان، فقال عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] قد أجمع هؤلاء الذين أثنى عليهم ومدحهم على إمامة أبي بكر الصديق، وسموه خليفة رسول الله وبايعوه وانقادوا له وأقروا له بالفضل، وكان أفضل الجماعة في جميع الخصال التي يستحق بها الإمامة في العلم والزهد، وقوة الرأي وسياسة الأمة، وغير ذلك.
ج- وقال عبد الملك الجويني: أما إمامة أبي بكر فقد ثبتت بإجماع الصحابة، فإنهم أطبقوا على بذل الطاعة والانقياد لحكمه. وما تخرص به الروافض من إبداء عليٍّ شراسًا، وشماساًفي عقد البيعة له كذب صريح، نعم لم يكن في السقيفة، وكان مستخلياً بنفسه قد استفزه الحزن على رسول الله، ثم دخل فيما دخل الناس فيه وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد.
د- وقال أبو بكر الباقلاني في معرض ذكره للإجماع على خلافة الصديق: وكان مفروض الطاعة لإجماع المسلمين على طاعته وإمامته وانقيادهم له، حتى قال أمير المؤمنين علي مجيبا لقوله لما قال: أقيلوني فلست بخيركم، فقال: لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله لديننا ألا نرضاك لدنيانا، يعني بذلك حين قدمه للإمامة في الصلاة مع حضوره واستنابته في إمارة الحج، فأمرك علينا. وكان أفضل الأمة وأرجحهم إيماناً وأكملهم فهماً وأوفرهم علماً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 09-09-2019, 04:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(29) منصب الخلافة والخليفة



علي بن محمد الصلابي




الخلافة الإسلامية هي المنهج الذي اختارته الأمة الإسلامية وأجمعت عليه طريقة وأسلوباً للحكم تنظم من خلاله أمورها وترعى مصالحها، وقد ارتبطت نشأة الخلافة بحاجة الأمة لها واقتناعها بها، ومن ثم كان إسراع المسلمين في اختيار خليفة لرسول الله.
يقول الإمام أبو الحسن الماوردي: إن الله جلت قدرته ندب للأمة زعيماً خلف به النبوة وحاط به الملة، وفوض إليه السياسة ليصدر التدبير عن دين مشروع، وتجتمع الكلمة على رأي متبوع، فكانت الإمامة أصلاً عليه استقرت قواعد الملة، وانتظمت به مصالح العامة حتى استثبتت به الأمور العامة، وصدرت عنه الولايات الخاصة.

لقد كان على الأمة الإسلامية أن تواجه الموقف الصعب الذي نشأ عن انتقال
الرسول إلى الرفيق الأعلى، وأن تحسم أمورها بسرعة وحكمة وألا تدع مجالاً لانقسام قد يتسرب منه الشك إلى نفوس أفرادها، أو للضعف أن يتسلل إلى أركان البناء الذي شيده رسول الله.

ولما كانت الخلافة هي نظام حكم المسلمين، فقد استمدت أصولها من دستور المسلمين؛ من القرآن الكريم ومن سنة النبي. وقد تحدث الفقهاء عن أسس الخلافة الإسلامية فقالوا بالشورى والبيعة وهما –أصلاً-قد أشير إليهما فيالقرآن الكريم، ومنصب الخلافة أحياناً يطلق عليه لفظ الإمامة أو الإمارة. وقد أجمع المسلمون على وجوب الخلافة، وأن تعيين الخليفة فرض على المسلمين يرعى شئون الأمة ويقيم الحدود ويعمل على نشر الدعوة الإسلامية وعلى حماية الدين والأمة بالجهاد، وعلى تطبيق الشريعة وحماية حقوق الناس ورفع المظالم وتوفير الحاجات الضرورية لكل فرد، وهذا ثابت بالقرآن والسنة والإجماع.

وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
وقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
وقال : «من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له»، «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
وأما الإجماع فالصحابة -رضوان الله عليهم- لم ينتظروا حتى يتم دفن الرسول، وتوافدوا للاتفاق على إمام أو خليفة، وعلل أبو بكر قبول هذه الأمانة وهو خوفه أن تكون فتنة (أي من عدم تعيين خليفة للمسلمين). قال الشهرستاني في ذلك: ما دار في قلبه ولا في قلب أحد أنه يجوز خلو الأرض من إمام، فدل ذلك كله على أن الصحابة وهم الصدر الأول كانوا عن بكرة أبيهم متفقين على أنه لا بد من إمام، فذلك الإجماع على هذا الوجه دليل قاطع على وجوب الإمام.

هذا وليس صحيحاً ما يروجه الحاقدون أن الطمع في الرياسة سبب الانشغال بالخلافة عن دفن النبي.
هذا وقد عرف ابن خلدون الخلافة: هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها؛ إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارهم بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة هذا الدين وسياسة الدنيا به.
وقد تحدث العلامة أبو الحسن الندوي عن شروط خلافة النبي ومتطلباتها، وقد أثبت بالأدلة والحجج من خلال سيرة الصديق بأن أبا بكر كانت شروط خلافة النبي متحققة فيه، ونذكر هذه الشروط بإيجاز وبدون ذكر الشواهد التي ذكرها الندوي وقد بينتها في هذا الكتاب متناثرة، فأهم هذه الشروط:
أ- يمتاز بأنه ظل طوال حياته بعد الإسلام متمتعا بثقة رسول الله به وشهادته له، واستخلافه إياه في القيام ببعض أركان الدين الأساسية، وفي مهمات الأمور، والصحبة في مناسبات خطرة دقيقة لا يستصحب فيها الإنسان إلا من يثق به كل الثقة، ويعتمد عليه كل الاعتماد.
ب- يمتاز هذا الفرد بالتماسك والصمود في وجه الأعاصير والعواصف التي تكاد تعصف بجوهر الدين ولبه، وتحبط مساعي صاحب رسالته، وتنخلع لها قلوب كثير ممن قوي إيمانهم وطالت صحبتهم، ولكن يثبت هذا الفرد في وجهها ثبوت الجبال الراسيات، ويمثل دور خلفاء الأنبياء الصادقين الراسخين، ويكشف الغطاء عن العيون، وينفض الغبار عن جوهر الدين وعقيدته الصحيحة.
ج- يمتاز هذا الفرد في فهمه الدقيق للإسلام، ومعايشته له في حياة النبي على اختلاف أطواره وألوانه من سلم وحرب، وخوف وأمن، ووحدة واجتماع، وشدة ورخاء.
د- يمتاز بشدة غيرته على أصالة هذا الدين وبقائه على ما كان عليه في عهد نبيه، غيرة أشد من غيرة الرجال على الأعراض والكرامات، والأزواج والأمهات، والبنين والبنات، لا يحوله عن ذلك خوف أو طمع أو تأويل أو عدم موافقة من أقرب الناس وأحبهم إليه.


هـ- يكون دقيقاً كل الدقة وحريصاً أشد الحرص على تنفيذ رغبات الرسول الذي يخلفه في أمته بعد وفاته، لا يحيد عن ذلك قيد شعرة، ولا يساوم فيه أحدًا، ولا يخاف لومة لائم.
و- يمتاز بالزهد فمتاع الدنيا والتمتع به، زهدًا لا يتصور فوقه إلا عند إمامه وهاديه سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وأن لا يخطر بباله تأسيس الملك والدولة وتوسيعهما لصالح عشيرته وورثته، كما اعتادت ذلك الأسر الملوكية الحاكمة في أقرب الدول والحكومات من جزيرة العرب؛ كالروم والفرس.
وقد اجتمعت هذه الصفات والشروط كلها في سيدنا أبي بكر، كما تمثلت في حياته وسيرته في حياة الرسول قبل الخلافة وبعد الخلافة إلى أن توفاه الله تعالى، بحيث لا يسع منكرا أن ينكره أو مشككا يشكك في صحته، فقد تحقق بطريق البداهة والتواتر.
هذا وقد قام أهل الحل والعقد في سقيفة بني ساعدة ببيعة الصديق بيعة خاصة ثم رشحوه للناس في اليوم الثاني، وبايعته الأمة في المسجد البيعة العامة.
وقد أفرز ما دار في سقيفة بني ساعدة مجموعة من المبادئ، منها: أن قيادة الأمة لا تقام إلا بالاختيار، وأن البيعة هي أصل من أصول الاختيار وشرعية القيادة، وأن الخلافة لا يتولاها إلا الأصلب دينا والأكفأ إدارة، فاختيار الخليفة يكون وفق مقومات إسلامية وشخصية وأخلاقية، وأن الخلافة لا تدخل ضمن مبدأ الوراثة النسبية أو القبلية، وإن إثارة «قريش» في سقيفة بني ساعدة باعتباره واقعًا يجب أخذه في الحسبان، ويجب اعتبار أي شيء مشابه ما لم يكن متعارضًا مع أصول الإسلام، وأن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة قام على قاعدة الأمن النفسي السائد بين المسلمين؛ حيث لا هرج ولا مرج، ولا تكذيب ولا مؤامرات ولا نقض للاتفاق، ولكن تسليم للنصوص التي تحكمهم حيث المرجعية في الحوار إلى النصوص الشرعية.
وقد استدل الدكتور توفيق الشاوي على بعض الأمثلة التي صدرت بالشورى الجماعية في عهد الراشدين من حادثة السقيفة، حيث قال:
* أول ما قرره اجتماع يوم السقيفة هو أن «نظام الحكم ودستور الدولة» يقرر بالشورى الحرة، تطبيقاً لمبدأ الشورى الذي نص عليه القرآن، ولذلك كان هذا المبدأ محل إجماع، وسند هذا الإجماع النصوص القرآنية التي فرضت الشورى؛ أي أن هذا الإجماع كشف وأكد أول أصل شرعي لنظام الحكم في الإسلام وهو الشورى الملزمة،
وهذا أول مبدأ دستوري تقرر بالإجماع بعد وفاة رسولنا، ثم إن هذا الإجماع لم يكن إلا تأييدًا وتطبيقاً لنصوص الكتاب والسنة التي أوجبت الشورى.

* تقرر يوم السقيفة أيضا أن اختيار رئيس الدولة أو الحكومة الإسلامية وتحديد سلطاته يجب أن يتم بالشورى؛ أي: بالبيعة الحرة التي تمنحه تفويضاً ليتولى الولاية بالشروط والقيود التي يتضمنها عقد البيعة الاختيارية الحرة –الدستور في النظم المعاصرة- وكان هذا ثاني المبادئ الدستورية التي أقرها الإجماع، وكان قرارًا إجماعياً كالقرار السابق.
* تطبيقا للمبدأين السابقين، قرر اجتماع السقيفة اختيار أبي بكر ليكون الخليفة الأول للدولة الإسلامية.
ثم إن هذا الترشيح لم يصبح نهائياً إلا بعد أن تمت له البيعة العامة، أي: موافقة جمهور المسلمين في اليوم التالي بمسجد الرسول، ثم قبوله لها بالشروط التي ذكرها في خطابه الذي ألقاه، وسنأتي على ذلك بالتفصيل بإذن الله تعالى
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 11-09-2019, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق
(30) البيعة العامة وإدارة الشئون الداخلية


علي بن محمد الصلابي




أولا: البيعة العامة:
بعد أن تمت بيعة أبي بكر البيعة الخاصة في سقيفة بني ساعدة، كان لعمر في اليوم التالي موقف في تأييد أبي بكر، وذلك في اليوم التالي حينما اجتمع المسلمون للبيعة العامة،

قال أنس بن مالك: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله،
ثم قال: أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدًا عهده إليَّ رسول الله، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا –يقول: يكون آخرنا- وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم؛ صاحب رسول الله، وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بعد بيعة السقيفة..

ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: أما بعد:
"أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".

وقال عمر لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناسعامة.
وتعتبر هذه الخطبة الرائعة من عيون الخطب الإسلامية على إيجازها، وقد قرر الصديق فيها قواعد العدل والرحمة في التعامل بين الحاكم والمحكوم، وركز على أن طاعة ولي الأمر مترتبة على طاعة الله ورسوله، ونص على الجهاد في سبيل الله لأهميته في إعزاز الأمة، وعلى اجتناب الفاحشة لأهمية ذلك في حماية المجتمع من الانهيار والفساد.

من خلال الخطبة والأحداث التي تمت بعد وفاة الرسول يمكن للباحث أن يستنبط بعض ملامح نظام الحكم في بداية عهد الخلافة الراشدة، والتي من أهمها:
# يتبع #

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 11-09-2019, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(31) مفهوم البيعة



علي بن محمد الصلابي




عرف العلماء البيعة بتعاريف عدة، منها تعريف ابن خلدون: العهد على الطاعة لولي الأمر.
وعرفها بعضهم بقوله: البيعة على التعاقد على الإسلام، وعرفت كذلك بأنها: أخذ العهد والميثاق والمعاقدة على إحياء ما أحياه الكتاب والسنة، وإقامة ما أقامه.
وكان المسلمون إذا بايعوا الأمير جعلوا أيديهم في يده؛ تأكيدًا للعهد والولاء، فأشبه ذلك الفعل البائع والمشتري، فسمي هذا الفعل بيعة.
ونتعلم من مبايعة الأمة للصديق بأن الحاكم في الدولة الإسلامية إذا وصل إلى الحكم عن طريق أهل الحل والعقد، وبايعته الأمة بعد أن توفرت فيه الشروط المعتبرة، فيجب على المسلمين جميعاً مبايعته والاجتماع عليه، ونصرته على من يخرج عليه؛ حفاظاً على وحدة الأمة وتماسك بنيانها أمام الأعداء في داخل الدولة الإسلامية وخارجها.
قال رسول الله: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، فهذا الحديث فيه حث على وجوب إعطاء البيعة والتوعد على تركها، فمن مات ولم يبايع عاش على الضلال ومات على الضلال.
وقال رسول الله: «ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».
فالشارع الحكيم قد رتب القتل وأمر به نتيجة الخروج على الإمام، مما يدل على حرمة هذا الفعل؛ لأنه يطلب بيعة أخرى بالبيعة الأولى التي هي فرض على المسلمين.
والذي يأخذ البيعة في حاضرة الدولة هو الخليفة، وأما في الأقاليم فقد يأخذها الإمام وقد يأخذها نواب الإمام، كما حدث في بيعة الصديق، فبيعة أهل مكة والطائف أخذها نواب الخليفة.
والذي تجب بيعتهم للإمام هم أهل الحل والعقد، وأهل الاختيار من علماء الأمة وقادتها، وأهل الشورى وأمراء الأمصار، وأما سائر الناس وعامتهم فيكفيهم دخولهم تحت بيعة هؤلاء، ولا يمنع العامة من البيعة بعد بيعة أهل الحل والعقد.
وهناك من العلماء من قال: لا بد من البيعة العامة؛ لأن الصديق لم يباشر مهامه كخليفة للمسلمين إلا بعد البيعة العامة من المسلمين.

والبيعة بهذا المعنى الخاص الذي تم للصديق لا تعطى إلا للإمام الأعظم في الدولة الإسلامية ولا تعطى لغيره من الأشخاص، سواء في ظل الدولة الإسلامية أو عند فقدها؛ لما يترتب على هذه البيعة من أحكام.


وخلاصة القول: إن البيعة بمعناها الخاص هي إعطاء الولاء والسمع والطاعة للخليفة مقابل الحكم بما أنزل الله تعالى، وأنها في جوهرها وأصلها عقد وميثاق بين طرفين: الإمام من جهة وهو الطرف الأول، والأمة من جهة ثانية وهي الطرف الثاني، فالإمام يبايع على الحكم بالكتاب والسنة والخضوع التام للشريعة الإسلامية عقيدة وشريعة ونظام حياة، والأمة تبايع على الخضوع والسمع والطاعة للإمام في حدود الشريعة.


فالبيعة خصيصة من خصائص نظام الحكم في الإسلام تفرد به عن غيره من النظم الأخرى في القديم والحديث، ومفهومه أن الحاكم والأمة كليهما مقيد بما جاء به الإسلام من الأحكام الشرعية، ولا يحق لأحدهما سواء كان الحاكم أو الأمة ممثلة بأهل الحل والعقد الخروج على أحكام الشريعة أو تشريع الأحكام التي تصادم الكتاب والسنة، أو القواعد العامة في الشريعة، ويعد مثل ذلك خروج على الإسلام؛ بل إعلان الحرب على النظام العام للدولة الإسلامية، بل أبعد من هذا نجد أن القرآن الكريم نفى عنهم صفة الإيمان، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
فهذا مفهوم البيعة من خلال عصر أبي بكر الصديق.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 11-09-2019, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(32) مصدر التشريع في دولة الصديق

علي بن محمد الصلابي

فمصدر التشريع عند الصديق: القرآن الكريم،قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}. فهو المصدر الأول الذي يشتمل على جميع الأحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة، كما يتضمن مبادئ أساسية وأحكاما قاطعة لإصلاح كل شعبة من شعب الحياة
التصنيفات: سير الصحابة -
قال أبو بكر: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم،

فمصدر التشريع عند الصديق:
أ- القرآن الكريم:
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105].
فهو المصدر الأول الذي يشتمل على جميع الأحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة، كما يتضمن مبادئ أساسية وأحكاما قاطعة لإصلاح كل شعبة من شعب الحياة، كما بين القرآن الكريم للمسلمين كل ما يحتاجون إليه من أسس تقوم عليها دولتهم.
ب- السنة المطهرة:
هي المصدر الثاني الذي يستمد منه الدستور الإسلامي أصوله، ومن خلالها يمكن معرفة الصيغ التنفيذية والتطبيقية لأحكام القرآن .
إن دولة الصديق خضعت للشريعة، وأصبحت سيادة الشريعة الإسلامية فيها فوق كل تشريع وفوق كل قانون، وأعطيت لنا صورة مضيئة مشرقة على أن الدولة الإسلامية دولة شريعة، خاضعة بكل أجهزتها لأحكام هذه الشريعة، والحاكم فيها مقيد بأحكامها لا يتقدم ولا يتأخر عنها.
ففي دولة الصديق وفي مجتمع الصحابة، الشريعة فوق الجميع يخضع لها الحاكم والمحكوم، ولهذا قيد الصديق طاعته التي طلبها من الأمة بطاعة الله ورسوله؛
لأن رسول الله قال: «لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف».

3- حق الأمة في مراقبة الحاكم ومحاسبته:
قال أبو بكر: فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني.
فهذا الصديق يقر بحق الأمة وأفرادها في الرقابة على أعماله ومحاسبته عليها؛ بل وفي مقاومته لمنع كل منكر يرتكبه، وإلزامه بما يعتبرونه الطريق الصحيح والسلوك الشرعي، وقد أقر الصديق في بداية خطابه للأمة أن كل حاكم معرض للخطأ والمحاسبة، وأنه لا يستمد سلطته من أي امتياز شخصي يجعل له أفضلية على غيره؛ لأن عهد الرسالات والرسل المعصومين قد انتهى، وأن آخر رسول كان يتلقى الوحي انتقل إلى جوار ربه، وقد كانت له سلطة دينية مستمدة من عصمته كنبي ومن صفته كرسول يتلقى التوجيه من السماء، ولكن هذه العصمة قد انتهت بوفاته، وبعد وفاته أصبح الحكم والسلطة مستمدة من عقد البيعة وتفويض الأمة له.
إن الأمة في فقه أبي بكر لها إدارة حية واعية لها القدرة على المناصرة والمناصحة والمتابعة والتقويم، فالواجب على الرعية نُصرة الإمام الحاكم بما أنزل الله ومعاضدته ومناصرته في أمور الدين والجهاد، ومن نصرة الإمام ألا يهان، ومن معاضدته أن يُحترم وأن يُكرم، فقوامته على الأمة وقيادته لها لإعلاء كلمة الله تستوجب إجلاله وإكرامه وتبجيله، إجلالاً وإكرامًا لشرع الله الذي ينافح عند ويدافع عنه، قال رسول الله: «إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير المغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط». والأمة واجب عليها أن تناصح ولاة أمورها، قال: «الدين النصيحة» -ثلاثا- قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله -عز وجل- ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
ولقد استقر في مفهوم الصحابة أن بقاء الأمة على الاستقامة رهن باستقامة ولاتها، ولذلك كان من واجبات الرعية تجاه حكامهم نصحهم وتقويمهم.
ولقد أخذت الدولة الحديثة تلك السياسة الرائدة للصديق، وترجمت ذلك إلى لجان متخصصة ومجالس شورية، تمد الحاكم بالخطط، وتزوده بالمعلومات، وتشير عليه بما يحسن أن يقرره.
والشيء المحزن أن كثيرًا من الدول الإسلامية تعرض عن هذا النظام الحكيم، فعظم مصيبتها في تسلط الحكام وجبروتهم، والتخلف الذي يعم معظم ديار المسلمين ما هو إلا نتيجة لتسلط بغيض، «ودكتاتورية» لعينة أماتت في الأمة روح التناصح والشجاعة، وبذرت فيها وزرعت بها الجبن والفزع إلا من رحم ربي، وأما الأمة التي تقوم بدورها في مراقبة الحاكم ومناصحته وتأخذ بأسباب القوة والتمكين في الأرض، فتنطلق إلى آفاق الدنيا تبلغ دعوة الله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 11-09-2019, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي


أبو بكر الصديق

(33) إقرار مبدأ العدل والمساواة بين الناس



علي بن محمد الصلابي




قال أبو بكر: الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.
إن من أهداف الحكم الإسلامي الحرص على إقامة قواعد النظام الإسلامي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم، ومن أهم هذه القواعد: الشورى والعدل، والمساواة والحريات. ففي خطاب الصديق للأمة أقر هذه المبادئ، فالشورى تظهر في طريقة اختياره وبيعته وفي خطبته في المسجد الجامع، بمحضر من جمهور المسلمين، وأما عدالته فتظهر في نص خطابه، ولا شك أن العدل في فكر أبي بكر هو عدل الإسلام، الذي هو الدعامة الرئيسية في إقامة المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي، فلا وجود للإسلام في مجتمع يسوده الظلم ولا يعرف العدل.
إن إقامة العدل بين الناس أفرادًا وجماعات ودولاً، ليست من الأمور التطوعية التي تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه؛ بل إن إقامة العدل بين الناس في الدين الإسلامي تعد من أقدس الواجبات وأهمها، وقد أجمعت الأمة على وجوب العدل،
قال الفخر الرازي -رحمه الله-: أجمعوا على أن من كان حاكماً وجب عليه أن يحكم بالعدل.
وهذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسنة النبوية، إن من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع الإسلامي الذي تسود فيه قيم العدل والمساواة ورفع الظلم ومحاربته بجميع أشكاله وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إليه بأيسر السبل وأسرعها، دون أن يكلفه ذلك جهدًا أو مالاً، وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إلى حقه.
لقد أوجب الإسلام على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس دون النظر إلى لغاتهم أو أوطانهم أو أحوالهم الاجتماعية، فهو يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق، ولا يهمه أن يكون المحكوم لهم أصدقاء أو أعداء، أغنياء أو فقراء، عمالاً أو أصحاب عمل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
لقد كان الصديق قدوة في عدله، يأسر القلوب ويبهر الألباب، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام فيه تفتح قلوب الناس للإيمان. لقد عدل بين الناس في العطاء، وطلب منهم أن يكونوا عوناً له في العدل، وعرض القصاص من نفسه في واقعة تدل على العدل والخوف من الله سبحانه،
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن أبي بكر الصديق قام يوم جمعة فقال: إذا كنا بالغداة فأحضروا صدقات الإبل نقسمها، ولا يدخل علينا أحد إلا بإذن، فقالت امرأة لزوجها: خذ هذا الخطام لعل الله يرزقنا جملاً، فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- قد دخلا إلى الإبل فدخل معهما، فالتفت أبو بكر فقال: ما أدخلك علينا؟ ثم أخذ منه الخطام فضربه، فلما فرغ أبو بكر من قسم الإبل دعا الرجل فأعطاه الخطام وقال: استقد، فقال عمر: والله لا يستقد ولا تجعلها سنة، قال أبو بكر: فمن لي من الله يوم القيامة؟ قال عمر: أرضه، فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة ورحلها وقطيفة وخمسة دنانير فأرضاه بها.
وأما مبدأ المساواة الذي أقره الصديق في بيانه الذي ألقاه على الأمة فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها الإسلام، وهي من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم، وسبق به تشريعات وقوانين العصر الحاضر، ومما ورد في القرآن الكريم تأكيدًا لمبدأ المساواة قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
إن الناس جميعاً في نظر الإسلام سواسية؛ الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود. لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أو اللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء. وجاءت ممارسة الصديق لهذا المبدأ خير شاهد على ذلك؛ حيث يقول: «وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني. القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه».
وكان ينفق من بيت مال المسلمين فيعطي كل ما فيه سواسية بين الناس؛ فقد روى ابن سعد وغيره أن أبا بكر، كان له بيت مال بالسُّنْح معروف، ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل على بيت المال من يحرسه؟ فقال: لا يخاف عليه، قيل له: ولِمَ؟ قال: عليه قفل! وكان يعطي ما فيه حتى لا يُبقى فيه شيئاً، فلما تحول إلى المدينة حوله معه فجعله في الدار التي كان فيها، وقدم عليه مال من معدن من معادن جُهينة، فكان كثيرًا، وانفتح معدن بني سُليم في خلافته، فقدم عليه منه بصدقة، فكان يضع ذلك في بيت المال، فيقسمه بين الناس سوياً، بين الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير على السواء،
قالت عائشة -رضي الله عنها-: فأعطى أول عام الحرَّ عشرة والمملوك عشرة، وأعطى المرأة عشرة، وأَمَتَها عشرة، ثم قسم في العام الثاني، فأعطاهم عشرين عشرين، فجاء ناس من المسلمين فقالوا: يا خليفة رسول الله: إنك قسمت هذا المال فسويت بين الناس، ومن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم، فلو فضلت أهل السوابق والقدم والفضل. فقال: أما ما ذكرتم من السوابق والقدم والفضل فما أعرفني بذلك، وإنا ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه، وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة.
فقد كان توزيع العطاء في خلافته على التسوية بين الناس، وقد ناظر الفاروق عمر أبا بكر في ذلك فقال: أتسوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ للراكب.

ورغم أن عمر غير في طريقة التوزيع فجعل التفضيل بالسابقة إلى الإسلام والجهاد إلا أنه في نهاية خلافته قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لرجعت إلى طريقة أبي بكر فسويت بين الناس.
وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف (القطيفة: كساء مخمل) أتى بهما من البادية، ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، وقد بلغ المال الذي ورد على أبي بكر في خلافته مائتي ألف وزعت في أبواب الخير.
لقد اتبع أبو بكر المنهج الرباني في إقرار العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، وراعى حقوق الضعفاء، فرأى أن يضع نفسه في كفة هؤلاء الواهنة أصواتهم فيتبعهم بسمع مرهف وبصر حاد وإرادة واعية لا تستذلها عوامل القوة الأرضية تحت أقدام قومه، ويرفع بالعدل رؤوسهم فيؤمن به كيان دولته، ويحفظ لها دورها في حراسة الملة والأمة.
لقد قام الصديق منذ أول لحظة بتطبيق هذه المبادئ السامية؛ فقد كان يدرك أن العدل عز للحاكم والمحكوم، ولهذا وضع الصديق سياسته تلك موضع التنفيذ وهو يردد قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
كان أبو بكر يريد أن يطمئنَ المسلمون إلى دينهم وحرية الدعوة إليه وإنما تتم الطمأنية للمسلمين ما قام الحاكم فيهم على أساس من العدل المجرد عن الهوى.
والحكم على هذا الأساس يقتضي الحاكم أن يسمو فوق كل اعتبار شخصي، وأن يكون العدل والرحمة مجتمعين، وقد كانت نظرية أبي بكر في تولي أمور الدولة قائمة على إنكار الذات، والتجرد لله تجردًا مطلقاً جعله يشعر بضعف الضعيف، وحاجة المجتمع، ويسمو بعدله على كل هوى، وينسى في سبيل ذلك نفسه وأبناءه وأهله، ثم يتبع أمور الدولة جليلها ورقيقها، بكل ما أتاه الله من يقظة وحذر.
وبناء على ما سبق يرفع العدل لواءه بين الناس؛ فالضعيف آمن على حقه، وكله يقين أن ضعفه يزول حينما يحكم العدل، فهو به قوي لا يمنع حقه ولا يضيع، والقوي حين يظلم يردعه الحق، وينتصف منه للمظلوم، فلا يحتمي بجاه أو سلطان أو قرابة لذي سطوة أو مكانة، وذلك هو العز الشامخ، والتمكين الكامل في الأرض.

وما أجمل ما قاله ابن تيمية -رحمه الله-: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة... بالعدل تستصلح الرجال، وتستغزر الأموال.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 160.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 154.68 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.77%)]