في انتظار الطائفة المنصورة - ملتقى الشفاء الإسلامي ملتقى الشفاء الاسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61184 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29037 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 342 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم-أن المسجد الأقصى والقدس لم يأخذا في الإسلام قط دوراً مركزيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الزوجة قد تظلم زوجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-11-2020, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,045
الدولة : Egypt
افتراضي في انتظار الطائفة المنصورة

في انتظار الطائفة المنصورة
مبروك رشيد



فما نحن فاعلون؟







إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

فقد وردتْ في السِّيرة النبويَّة العطرة استمراريةُ الطائفة المنصورة، حتى تقوم الساعة، وهُم مِن أمَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وذكرتِ السُّنة النبوية أنَّهم مع ما هم عليه من صفات - منصورة، قائمة بأمر الله تعالى، ظاهرة على الحقِّ، قوَّامون على أمر الله.... - سيلاقون عَقباتٍ في طريقهم، وأنَّ تلك العقباتِ تنقسم إلى قسمين:
- داخليَّة: تتمثَّل في التخذيل، وفي المخالفة.

- خارجيَّة: تتمثل في مجابهة العدوِّ.

ورغمَ هذه العقبات الملازمة لهذه الطائفة المباركة إلى قيام السَّاعةِ، هُم لا يزالون ثابتين على ما هم عليه، وإنَّ هذه الأوصاف لهي مُبشِّراتٌ بالنصر والتمكين في الدنيا، والفوز في الآخرة؛ لكونهم مستمرِّين وملتزمين بأمر الله - عزَّ وجلَّ - ويَدْعون إليه، ويُقاتلون عليه مَن ناوأهم مِن خلق الله، حتى يأتي أمر الله - تعالى.

وقد ذَكَر أهلُ العِلم أنَّ تلك الطائفة تتعدَّد وتتنوَّع: فمنهم مَن يقوم بالعِلم ونشره، وآخرون بالدَّعوة وتبليغها، وآخرون يرفعون رايةَ الجهاد، وآخرون أهلُ زُهْد وعبادة وغير ذلك.[1].

وليست الطائفةُ المنصورة في مكانٍ واحد ومحدَّد؛ بل ربَّما اجتمعوا، وربَّما كانوا متفرِّقين في أقطار متعدِّدة، وربما يكثرون أو يَقلُّون، ولا يتعارض هذا مع ما ورد في بعضِ الرِّوايات أنَّهم بالشام، وبعضها ذكرتْ أنَّهم ببيت المقدس، وفي بعضها أنَّهم في بلاد الغرب؛ كما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يزال أهلُ الغرب ظاهرين على الحقِّ حتى تقومَ الساعة))[2]، وفسَّر بعض أهل العلم ((أهل الغرب)) بأنَّهم أهل الشام.

وهذه الرِّوايات مفادها أنَّ الطائفة المنصورة تكون في آخِرِ الزَّمان ظاهرةً في بلاد الشام، وستقع بينهم وبين أعدائهم ملاحمُ عظيمةٌ، وهي في العموم أحداثُ النهاية، وهم مع ذلك ظاهرون وصامدون؛ لقول رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وسلَّم -: ((لا تزالُ طائفةٌ مِن أمَّتي يُقاتلون على الحقِّ ظاهرين على مَن ناوأهم، حتى يقاتلَ آخرُهم المسيحَ الدجَّال))[3].

والدجَّال ستكون المواجهةُ معه في بلاد الشام، أمَّا حصر الطائفة المنصورة ببلاد الشام فقط، ففيه حصرٌ للنص، ومنْع مَن كان على الحقِّ وناصرًا له في غير بلاد الشام مِن دخولهم ضمنَ هذه الطائفة؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا فَسَد أهلُ الشام فلا خيرَ فيكم، ولا يزال أناسٌ من أمَّتي منصورين لا يُبالون مَن خذلهم، حتى تقوم الساعة))[4]، فالحديث لم يربطِ الطائفة المنصورة بأهل الشام، بل جاء الخبر عامًّا فيهم وفي غيرهم، يقول النووي - رحمه الله -: "ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرِّقين في أقطار الأرض"[5].

وإنَّ من أبرز صفاتهم ثباتَهم على الحق، وقتالَهم عليه مَن ناوأهم إلى قيامِ الساعة، لا يُبالون مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، ولا مَن نصرهم؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يُردِ الله به خيرًا يُفقهْه في الدِّين، ولا تَزال عِصابةٌ من المسلمين يُقاتلون على الحقِّ ظاهرين على مَن ناوأهم، إلى يوم القِيامة))[6]، والمراد بالظُّهور في هذه الأحاديث وغيرها - والله اعلم - أي: إنَّ هذه الطائفة غيرُ خافية ولا مستترة؛ بل غالبةٌ وظاهرة على غيرها حسًّا ومعنىً؛ لأنَّ الظهر في اللُّغة خلاف البطن يدل على تستر وانخفاض، وهذه الرِّوايات ربطتْ بين القتال والظُّهور، وعلى هذا تُفسَّر الرِّواياتُ الأخرى التي ورد فيه ذِكْر الظُّهور فقط، دون ذِكْر القتال؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لن يَزال قومٌ مِن أمَّتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيَهم أمرُ الله، وهم ظاهرون"[7].

و القهر للعدوِّ لا يكون إلَّا بالغلبة والظُّهور عليه؛ قال الإمام القرطبي: "وظاهرين: منصورين غالبين؛ كما قال في الحديث الآخر: ((يُقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوِّهم، لا يضرُّهم مَن خذلهم؛ أي: مَن لم ينصرهم مِن الخَلق".[8].

إنَّ هذه النصوص تدلُّ دلالةً وواضحة على أهميَّة الجهاد في سبيل الله، وأنَّه غير منقطع؛ بل مستمرٌّ إلى قيام الساعة؛ من أجْل حِفظ الدِّين، ونُصرة الحق، وهزيمة الباطل، وِمن هنا يتبيَّن للعيان فقهُ سلف الأمة عندما استعانوا بالجِهاد مع البر والفاجر، حتى مع الحاكم الظالم.

قال الله - تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴾ [التوبة: 52]، قال السَّعدي في تفسيره: "قل للمنافقين الذين يتربَّصون بكم الدوائر: أيُّ شيء تربَّصون بنا؟! فإنَّكم لا تربَّصون بنا إلَّا أمرًا فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحُسنيين، إمَّا الظفر بالأعداء، والنصر عليهم، ونَيْل الثواب الأُخروي والدنيوي، وإمَّا الشهادة التي هي مِن أعلى درجات الخَلق، وأرفع المنازل عندَ اللَّه، وأمَّا تربُّصُنا بكم - يا معشرَ المنافقين - فنحن نتربَّص بكم، أن يُصيبكم اللَّه بعذابٍ من عنده، لا سبب لنا فيه، أو بأيدينا؛ بأن يُسلِّطَنا عليكم فنقتلكم، ﴿ فَتَرَبَّصُوا ﴾ بنا الخيرَ، ﴿ إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴾ بِكم الشَّر".[9].

إنَّ طريق العزَّة في الدارين هي إعلانُ راية الجهاد في سبيل الله، وبذْل النفس والنفيس لتنعمَ الأمَّة المسلمة بالنَّصر والتمكين في الدنيا، والفوز والفَلاح في الآخرة، ولقد جاء في السُّنة النبويَّة: أنَّ الطائفة المنصورة ستواجه المخذِّلين والمعوِّقين والمخالفين في طريق الجهاد، وهم مِن أبناء جِلدة المسلمين، ويَتكلَّمون كلامهم، وهُم مِن ضمن الابتلاءات في طريق الجِهاد منذ أن أعلنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى قيام الساعة.

ومِن ذلك ما قصَّه الله - عزَّ وجلَّ - في غزوة الأحزاب: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 12 - 18]

إنَّها صورةٌ مظلمة من المرض العُضال الذي لازم صفوفَ المسلمين - ولا زال - وهو النِّفاق؛ لذا توعَّد الله المنافقين في آخرِ السُّورة بالطرد والقتل وعدم الجوار، وهي سُنَّة الله - عزَّ وجلَّ - التي لن تجد لها تبديلًا؛ قال الله تعالى: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60 - 62].

أمَّا أصناف الناس التي تحدَّثت عنهم السُّنَّة النبويَّة، فهم:
- الطائفة المنصورة، وقد تقدَّم وصفُهم بأنَّهم ظاهرون على الناس، وقائمون على أمر الله - تبارك وتعالى.

- المخذِّلون، وهم القاعدون عن الجِهاد وأهله.

- المخالفون، وهم ضد الطائفة المنصورة.

- المناصرون للطائفة المنصورة، لكن دونَ أن يصلوا إلى منزلتهم.

فعلى المسلم أن ينظر مِن أيِّ الأصناف هو، فإن كان خيرًا حَمِد الله - عزَّ وجلَّ - وإن كان غيرَ ذلك، فلْيُبادرْ بتحسين مركزه، والله - عزَّ وجلَّ - هدى الإنسان وعرَّفه الطريق: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 14، 15].

وليعلمِ القائمون على أمر الله - تعالى - أنَّه مطلوبٌ منهم أن يَعدُّوا العُدَّة لإرهاب العدوِّ، وأن يُحرِّضوا المؤمنين على القتال، وأن يُهيِّئوا أنفسَهم للجهاد، وأن يصبروا على ما يُلاقون في طريقهم مِن الأذى، وأن يتوكَّلوا على الله وحْدَه.

والناظر إلى المعارك التي دارتْ عبرَ التاريخ الإسلاميِّ لن يجدَ التكافؤ بين الفريقين؛ لأنَّ النصر مع القلَّة ليس كنظيره مع القوَّة والكثرة؛ قال - تعالى -: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، وقال - سبحانه -: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]، ومع كلِّ هذه الأسباب والوسائل لا بدَّ أن تستقرَّ الحقيقة الخالدة في عقيدةِ المسلمين: أنَّ النصر من عندَ الله العزيز الحكيم.

وعلى القائمين بأمر الله ألاَّ يخافوا إلَّا الله، فقد حذَّرنا مِن مغبَّة الوقوع في خشية غيرِه، أو الخوف مِن سواه، فهذا ضعفُ يقين ومرض، فإذا عُولجتِ النفوس مِن هذا المرض الداخلي الخفي، حَصَل لها النَّصر في الذات، ثم بعدَ ذلك في الواقع المُعاش، فهذان الأمرانِ متلازمان في الزَّمان والمكان، فلا يحصل النَّصر العلنيُّ المشاهد إلَّا بعد النصر الخفي؛ قال - تعالى -:﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 150].

إنَّ منهج الله - تعالى - ثابتٌ لا يتغيَّر، وهذه حقيقةٌ يجب على كلِّ مسلم إدراكُها، كما يجب المحافظةُ على هذا المنهج الذي رَضيَه الله لعباده، وأتَمَّه وأكمله.

وإنَّ من أهم أسباب المحافظة عليه استمراريةَ الجهاد، ورَفْع رايته، وتربيةَ الأجيال على ذلك، فإنْ قصَّر المسلمون - وهم مقصِّرون - في رفْع راية الجهاد لِمَا حلَّ بهم من الوهن والذُّل، فعلى الطائفة المنصورة المبادرةُ والقيام بما قصَّر فيه المسلمون، ورَفْع راية الجهاد؛ إنفاقًا في سبيل الله، ومرابطة الثغور، وغير ذلك مِن متطلَّبات هذه الفريضة الغائبة عن الأمَّة الإسلاميَّة، والتي اختلَّ مفهومها لدى المسلمين، وحقيقتها وغاياتها، حتى أصبح مَن كان مرابطًا في بعض الثُّغور يوصَف بالمتطرِّف والإرهابي، وأصبحت حكوماتُ العالَم الإسلامي تُقرِّر قرارات، وتضع برامجَ مستوردةً للقضاء على هذه الشعيرة، وتُطارِدُ مَن بذل نفسه للموت في سبيل الله.

لذا وجب على القائمين بأمر الله - تعالى - أن يستغفروا ربَّهم، ويبيعوا أنفسَهم لربِّهم؛ كما ذكر الله - تعالى - عنهم في قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].

أمَّا واقع الأمَّة الإسلاميَّة، فقدِ امتنعت الحكوماتُ عن تحقيق الدِّين لله - تعالى - بل أخفُّهم ضررًا أَخَذ بعضَ الدِّين، وترك البعض الآخر، فامتنعوا عن ترْك الرِّبا المحرَّم، وعن تحريم الزِّنا والخُمور والمخدرات، وامتنعوا عن تحريم الاختلاط والسُّفور باسم الحريَّة الشخصية!! بل عَقدوا صفقاتٍ مع أعداء الله - كنَّا قديمًا نسمع أنَّها أمور دُبِّرت بليل، فهي اليوم للأسف تُعقد في وَضَح النهار - على محاربةِ شعائر الإسلام العمليَّة منها؛ كإقامة الحدود، وأعظمها الجِهاد في سبيل الله، والأدهى والأمَرُّ أنَّهم عقدوا معاهداتٍ دوليةً - ولا زالوا يعقدون - على محاربة مَن تُسوِّل له نفسُه أن يَذكر فرضيَّة الجهاد على لسانه، والزَّج به في السُّجون - إن بقي مكانٌ شاغر - بعد رَصْد تحرُّكاته والتربُّص به، والأعظم من ذلك أنَّ مِلَّة الكفر جعلتِ الحُكَّام سدًّا منيعًا ضدَّ مَن يدعو إلى الله - عزَّ وجلَّ.

نسأل الله أن يُعزَّ دِينه، وأن يُعليَ كلمته، إنَّه القادر على ذلك.

وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

آمين.







ــــــــــــــــــ
[1] انظر مجموع الفتاوى، (ج 4 ص: 97) ، صحيح مسلم بشرح النووي، (ج13 ص: 16 - 67).
[2] رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم))، (177).
[3] رواه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في دوام الجهاد (2484).
[4] رواه الإمام أحمد في مسند المكيِّين، مسند بقية حديث معاوية بن قرَّة - رضي الله تعالى عنه- ورواه الترمذي في الفتن، باب ما جاء في أهل الشام (2287).
[5] صحيح مسلم بشرح النووي (ج13 ص 66 – 67).
[6] رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم – ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم))، (175).
[7] رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم – ((لا تزال طائفة من أمَّتي ظاهرين على الحق لا يضرُّهم من خالفهم))، (171).
[8] المفهم، (ج 3،ص: 762).
[9] تفسير السعدي، (ج 1، ص: 339).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.17 كيلو بايت... تم توفير 1.87 كيلو بايت...بمعدل (3.12%)]