شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2638 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 654 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 923 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1087 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 849 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 834 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 914 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92789 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190995 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56912 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 10-06-2020, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (11)

صـــــ61 إلى صــ66



[باب الآنية]

باب الآنية، الباب هو الفتحة في الحائل بين الشيئين يُتوصّل بها من خارج إلى داخل،
وعكسه قالوا:
سُمِّيت مباحث العلم أبواباً؛ لأن الإنسان يتوصل من خارج، وهو الجهل بها إلى داخل، وهو العلم بما فيها، فمن قرأ شيئاً من هذه الأبواب فقد أدرك العلم الذي فيها كمن دخل البيت أدرك الخير الذي فيه وإرتفق بمنافعه.
[باب الآنية]:

واحدها إناء، وَجَمَعَها -رحمة الله عليه-؛ لأن الأواني منها ما أباحه الشرع كآنية الخشب، والحديد، والصُّفرُ الطّاهرة، ونحوها، ومنها ما حرّمه الله كآنية الذهب، والفضة، والمتخذة من جلود السباع، ونحوها،
فنظراً لتعددها جمعها بقوله رحمه الله:
(الآنية)، أما مناسبة هذا الباب للطهارة فكما هو معلوم أن الطهارة تحتاج إلى ماء يتطهر به، وصفة تتم بها أما الماء الذي يتطهر به الإنسان فإنه يحتاج إلى وعاء يحمله، فإنه قد يكون الماء كما تقدم معنا في الباب الماضي ماء طهوراً، ولكن الإناء نجس، فهل يجوز أن يتوضأ الإنسان منه؟ وقد يكون الماء طهوراً، ولكنه في إناء محرم كالإناء من الذهب، أو الفضة، فهل يجوز أن يتطهر به؟ وما حكم طهارته؟فإذاً لا بد من الكلام على أحكام الآنية لأنها أوعية الماء الذي يُتَطّهر به؛
فقال رحمة الله عليه:
[باب الآنية].
قوله رحمه الله: [كل إناءٍ طاهرٍ، ولوْ ثميناً يباحُ إتّخاذُه، واستعمالُه]:هذه الجملة كالقاعدة،
فلو سألك سائل:
ما هو الأصل في الأواني؟
تقول: الأصل أنها جائزة، ومباحة إذا كانت طاهرة، ولو كانت ثمينة فلو كان الإناء من الألماس، أو الجواهر، أو غيرها من المعادن الثمينة، والنفيسة فإنه يباح إتخاذه، وإستعماله، فلو أنّ إنساناً شرب في كأس من معدن ثمين كالجواهر، أو غيرها فإنه يباح له ذلك،
فالأصل حِلُّ جميع ذلك " لأن الله تعالى قال في كتابه:
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه} (1) فدلت الآية الكريمة على أن الأصل حلُّ جميع ما سُخِّر لبني آدم حتى يدل الدَّليل على التحريم، ومن ذلك المعادن إذا اتخذت منها الأواني حلّ الإنتفاع بها ما لم ينصَّ الشرع على تحريم شيء منها كالذهب، والفضة، فإذاً الأصل في الإناء أنه يباح لك استعماله، واتخاذه، والاتخاذ يكون في البيت يجعله الإنسان لحفظ الأشياء فيه، أو يستعمله في مصالحه كأواني الأكل، والشرب، والطبخ، والنظافة، والصناعة، فالأصل فيها الحلُّ، ولو كانت ثمينة غالية القيمة، فلا حرج على المسلم في إستعمالها حتى ولو تطهر منها بالوضوء، والإغتسال، والإستنجاء.
قال رحمه الله:
[إلا آنية ذهب، وفضة، ومضببٍ بهما] آنية الذهب، والفضة لا يجوز للمسلم أن يستعملها، فالإستثناء بقوله (إلا آنية ذهب، وفضة) المقصود به الإستثناء من الحلِّ الذي نصَّ عليه في قوله قبل ذلك:
(1) الجاثية، آية: 13.
*****************************
(يباحُ إِتّخاذُه، واستعمالُه) فيكون المعنى: إلا آنية ذهب، وفضة؛ فلا يباح إتخاذها، واستعمالها، ويستوي في التحريم أن يكون إستعمالها في الطهارة، أو غيرها، فلا يجوز التوضؤُ منها، وهكذا الاغتسال، والاستنجاء، وسواء كانت من الآنية القديمة، أو غيرها، فيحرم التّطهر من صنابير الذهب، والفضة، وكذلك الإغتسال منها، أو الإستحمام في المسابح، والأحواض المطليّة بهما، فجميع ذلك محرّم،
والأصل في تحريمه ما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث حذيفة إبن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[لا تَشْربُوا في آنيةِ الذّهبِ، والفضِّةِ ولا تأكُلوا في صِحَافِهما فِإنها لهم في الدُّنيا، ولكُمْ في الآخِرةِ] فنهى عليه الصلاة والسلام عن الأكل والشرب، وهما في مقام الحاجة الضرورية؛ فنبّه بذلك على تحريم إتخاذها من باب أولى، وأحرى، لأن استعمالها في الطهارة ليس بضروري، فإذا حرم استعمالها في الضروري المحتاج إليه فمن باب أولى وأحرى أن يحرم إستعمالها فيما هو دون ذلك كالوضوء، والغسل، والإستنجاء، والشرع ينبّه بالأعلى على ما هو أدنى منه، وإذا حَرُم استعمالها في الضَّروريات، والحاجيات من الأكل، والشرب، والإغتسال،
والطهارة فمن باب أولى أن يحرم في التحسينيات مثل:
أن يتخذها للزينة.وتحريم الأكل، والشرب في آنية الذهب، والفضة بلغ أعلى درجات التحريم،
لورود الوعيد الشديد فيه كما في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
[الذي يشربُ في آنيةِ الفضّةِ إِنما يُجَرجِرُ في بطنِه نارَجهنّمَ]، ومن هنا نصّ بعض العلماء رحمهم الله على إعتباره من كبائر الذنوب.
وقوله رحمه الله:
[ومضبّبٍ بهما] أي: أن التحريم لا يختصُّ بالإناء الخالص من الذهب، والفضّة، بل يشمل جميع الأواني التي فيها ذهب، أو فضة، سواء كانت خالصة من أحدهما، أو كانت مطليَّة به، وسواء كانت نسبة الذهب، والفضة هي الأكثر، أو كانت الأقل، وسواء كانت مضبَّبة، أو مموّهة، أو طُلي بها خارجها، أو داخلها، أو أطرافها؛ فجميع ذلك محرّم؛ لعموم الحديث.وسيأتي أن الضبّةَ اليسيرة مستثناة بشروطها، لورود الدليل الشرعي باستثنائها، وعليه فإنه يحرم إستعمال الأواني على إختلافها إذا كانت فيها أي نسبة من الذهب، أو الفضة فلا يجوز للمسلم مثلاً أن يشرب في كأس ذهب، أو فضة، ولا يجوز له أن يأكل بملعقة ذهب، أو فضة، ولو كان أنثى، فإن الأنثى يباح لها الذهب، والفضة من الحلى، دون الإتخاذ، والإرتفاق بهما في مأكل، أو مشرب؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه.
قوله رحمه الله:
[فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها، ولو على أنثى]: قوله: [ولو على أنثى]: أي ولو كان الذي يشرب من الإناء ويستعمله من الإناث، فإن التحريم للأكل، والشرب عامٌّ لقوله -عليه الصلاة والسلام-:[فإِنها لهمْ في الدُّنيا -أي للكفار- ولكمْ في الآخرة -أي للمسلمين-] قال بعض العلماء: لا يُؤمنُ على من أكل، وشرب فيهما، وإنتفع بالذهب، والفضة بالأكل، والشرب في صحافهما، وآنيتهما في الدنيا أن يَحْرِمَهُ
الله -جل وعلا- منهما في الآخرة كما حُرم شارب الخمر -والعياذ بالله- خَمر الآخرة بإدمانه عليها في الدنيا -نسأل الله السلامة والعافية-.
وقوله رحمه الله:
[ولوْ على أنثى] " لو " فيها إشارة إلى خلاف مذهبي -أي في مذهب الحنابلة- فتعبيره بهذه الصيغة قصد أن يشير به إلى أن هناك من جوّز للمرأة دون الرجل إتخاذ الأواني، واستعمالها إذا كانت من الذهب، أو الفضة، وهو قول ضعيف، والصحيح مذهب الجماهير أن التحريم عام شامل للذكور، والإناث.
وقد دل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
[فإنَّها لهمْ في الدُّنيا، ولكمْ في الآخرةِ] فهذه الجملة تعليلية؛ كما نصّ عليه شراح الحديث، وهي تدل على أن تحريم هذه الأواني عام شامل للجنسين، دون تفريق بينهما.
قوله رحمه الله: [وتصح الطّهارةُ مِنْه] أي تصح الطهارة من الإناء إذا كان من ذهب، أو فضة، ويحكم بارتفاع الحدث، وزوال الخبث إذا تطهر منه.وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله أن من توضأ، أو إغتسل من إناء ذهب، أو فضة حُكِمَ بصحة وضوئه، وأن التّحريم للإناء لا يستلزم بطلان عبادة الوضوء، والغسل؛ لأن الجهة منفكّة بين المشروع، والممنوع، فإذا تطهر منها حكمنا بكونه طاهراً؛ لأنه صبَّ الماء على الأعضاء، وأجراه عليها بالصورة الشرعية المعتبرة،
فحكمنا بكونه متطهّراً لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح:
[ثُمّ تُفيضينَ الماءَ على جَسدِك؛ فإذا أنتِ قَدْ طَهُرتِ] وهذا قد أفاض الماء على جسده؛ فنحكم بكونه طاهراً، وهكذا إذا توضأ حكمنا بكونه متوضئاً؛ لوجود الفعل بصورته الشرعية المعتبرة،وكون الإناء محرماً لا تأثير له في الطهارة نفسها،
ففي الصحيح من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلم قال:
[لا يَقْبل الله صلاةَ أحدِكم إِذا أحدث حتى يتوضأ] فدل على أن من توضأ بصب الماء على أعضاء الوضوء بالصورة الشرعية أنه إرتفع حدثه، وهو هنا كذلك، فالجمهور رحمهم الله على أن طهارته صحيحة للنُّصوص الدّالة على صحتها، وهو آثم باستعمال آنية الذهب، والفضة؛ لمخالفته النهي المتضمن لتحريم استعمالها، وإتخاذها، فانفكّت الجهة بينهما، حيث لم يرجع النهي إلى ذات المنهي عنه، بل لشيء خارج عن ذاته، وهو الإناء، والوعاء، أما الماء المستعمل في الطهارة فهو باقٍ على الأصل الموجب لاعتبار التّطهر به صحيحاً.وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى عدم صحة الطهارة، وهو قولٌ في مذهب الحنابلة ورجّحه طائفة منهم، ورأوا أن النَّهي يقتضي فساد المنهيِّ عنه، فيُحكم بفساد الطهارة من آنية الذهب، والفضة.والذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو مذهب الجمهور لصحة ما ذكروه من دلالة الأدلة على اعتبار الطهارة، وصحتها، وإثمه بالمخالفة للنهي، وأن الجهة منفكة حيث لم يرجع النهي إلى ذات العبادة، وهي الغسل، والوضوء. والله أعلم.
قوله رحمه الله:
[إلا ضبّةً يسيرةً] إلا أداة استثناء،
والإستثناء:
إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فيكون المعنى أن الضَّبة اليسيرة من الفضة للحاجة جائزة.
وتضْبِيبُ الإناء يكون على طرفه كضبَّة الباب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10-06-2020, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (12)

صـــــ66 إلى صــ75



وإستثناء هذه المسألة من التحريم مبني على ما ورد عن أنس رضي الله عنه في إناء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[لما إنكسرَ إتّخذ مكانَ الشّعبِ سِلسلةً من فضّةٍ]
.وقد ذكر المصنف رحمه الله: ثلاثة شروط للحكم بالرخصة وهي:الشرط الأول: أن توجد الحاجة.
والشرط الثاني:
أن تكون الضبّة من الفضّة.
والشرط الثالث:
أن تكون يسيرة.
وهناك شرط رابع مختص بالإستعمال وهو: أن لا يباشر بالشرب من الضبّة، ونصّ المصنف على كراهته، والصحيح التحريم إعمالاً للأصل.فأما إشتراط وجود الحاجة فلأنها رخصة، والحاجة موجبة لها فتستثنى من التحريم، ومفهوم هذا الشرط أنه إذا إنكسر الإناء، وأمكن إصلاح كسره بمادة غير الفضة لم يرخص له باستعمال الفضة؛ لأنه غير محتاج، وهكذا إذا كان الإناء سليماً، وأراد أن يضع الفضّة على طرفه لم يجز لعدم وجود الحاجة، فبقى على الأصل الموجب للتحريم، وأما إشتراط كونها من فضة فلأن الدليل المرخّص ورد بها، فلا يجوز الذهب؛ لعدم ورود ما يستثنيه، فبقى على الأصل الموجب للتحريم، وأما إشتراط اليسير؛ فمفهومه أنه إذا كانت كثيرة لم تجز؛ إعمالاً للأصل، وقد تقدم أن الفرق بين اليسير والكثير هو أن لا يتفاحش في النفس، فما كان غير متفاحش فهو يسير، وماتفاحش فهو كثير هذا على ما درج عليه المصنف رحمه الله، وغيره من فقهاء الحنابلة كما تقدم معنا في مسألة يسير الدم.
قوله رحمه الله:
[وتُكرَه مباشرتُها لغير حاجة]: وتكره مباشرتها: أي مباشرة الضبّة لغير حاجة،
فإن وجدت الحاجة كما يقولون:
مثل أن يكون الموضع الذي إنكسر هو موضع الشرب قالوا: فحينئذٍ لا يستطيع أن يشرب إلا من هذا الموضع الذي فيه الفضة فيجوز له أن يشرب، وهذا لا إشكال فيه أعني في حال وجود الحاجة، أما قوله [تُكْره] في حال غير وجود الحاجة فقد قدمنا أن الصحيح أنه محرّم؛ لأن الأصل هو التحريم، والرخصة لا يُتجَاوز بِها محالُّها، فمحلّ الرخصة هنا إصلاح الإناء، ومباشرة الشرب من الموضع الذي فيه الضَّبة من دون حاجة ترفّه غير داخل في الرخصة؛ فبقى على الأصل الموجب لتحريمه، لا للكراهة فقط.
قوله رحمه الله:
[وتباح آنية الكفار]: بعد أن بين لنا -رحمه الله تعالى- أحكام أواني المسلمين، وبيّن أن الأواني كلها جائزة إلا آنية الذهب، والفضة، وأن كل وعاء يجوز أن تنتفع به إلا إذا كان من الذهب، أو الفضة.فإنه يرد السؤال عن حكم أواني الكفار،
والكفار على قسمين:
القسم الأول: كفار من أهل الكتاب، وهم الذين لهم في الأصل دين سماوي، وهم اليهود والنصارى.
والقسم الثاني: كفار على غير دين سماوي كالوثنيين، والمشركين، والملحدين، ونحوهم.
فَيرِدُ السؤال: لو أن إنساناً سألك يوماً من الأيام وقال لك وجدتُ إناءً ليهودي هل يجوز لي أن أتوضأ به، أو اغتسل منه، أو أكل، أو أشرب فيه؟ هذا سؤال وارد، ولذلك بينت الشريعة حكم آنية الكفار في أكثر من حديث، وقد إختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة.
وتوضيحها أن أواني الكفار لها حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون جديدة غير مستعملة كالأواني التي تأتي منهم جديدة مصنّعة من مواد طاهرة كالحديد، والنحاس، والصفر، والخشب، ونحوه فهذه طاهرة، ويجوز الانتفاع بها بلا إشكال، لأن اليقين طهارتها، وليس هناك دليل على النجاسة؛ فنبقي على الأصل الموجب لطهارتها، وإباحة إستعمالها.
الحالة الثانية:
أن تكون أواني الكفار مستعملة،
فإن كانت مستعملة فإن رأيت استعمالهم للنجاسة فيها مثل:
أن ترى الإناء، وفيه النجاسة فبالإجماع أنه نجس، ولا يجوز استعماله حتى يُغْسَل، فلو أن كأساً صُبَّ فيها خمر؛ فإنه لا يجوز استعمالها، إلا بعد غسلها، وتنظيفها، وهكذا الوعاء إذا طُبخَ فيه خنزير، أو وُضع فيه؛ فإنه نجس، ويغسل ليُطهّر.وأما إذا كانت هذه الأواني مغسّلة عندهم، ولم يجد الإنسان غيرها، وكانوا قد أكلوا فيها،
أو شربوا فهذا للعلماء فيه وجهان: منهم من قال: لا تستعمل إلا أن يضطرّ إليها، لما ثبت في الصحيح من حديث أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه،
قال:
-يا رسول الله- إني بأرض قومٍ أهلِ كتابٍ أفنأكلُ في آنيتهم؟
فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[لا إِلا أنْ لا تَجدُوا غيرَها؛فاغسِلُوها، ثم كُلوا فيها]، فدلّ هذا الحديث على أن آنية الكفار التي يستعملونها لا يؤكل فيها، وقد عارض هذا الحديث حديثٌ ثانٍ، وهو أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من آنية الكفار، ففي حديث أحمد في مسنده أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إستضافه يهودي على خُبزٍ، وإهالةٍ سَنخةٍ فأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها.
وكذلك -أيضاً- ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: أن إمرأةً يهودية دعته إلى شاةٍ، ووضعت السمَّ فيها، فأكل منها عليه الصلاة والسلام، فدل هذا على أن آنية الكفار يؤكل فيها،
قالوا:
أما الشرب، والوضوء ففي الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لما لقي المرأة المشركة التي معها المَزادةُ توضّأ هو، وأصحابه منها.
قالوا:
فهذا يدل على أن أواني الكفار يؤكل فيها، ويشرب منها ما لم تُعْلم نجاستها.
ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث بأن يقال:
إن كانت آنيتهم على حالة يغلب على الظن طهارتها جاز إستعمالها، وإعمال الأصل، والظاهر الموجب للحكم بالسلامة، وهذا مثل حاله عليه الصلاة والسلام في وضوئه من مزادة المشركة، لأن المزادة لا يمكن بحال أن يوضع فيها ماء الشرب إلا إذا كانت طاهرة سالمة من الدنس، والنجاسة.
ومثله أكله من طعام اليهودي، واليهودية لأن الآنية لا يوضع فيها الطعام للضَّيف إلا بعد غسلها وتنظيفها، بل قد تجد الإنسان يحتاط للضَّيف أكثر مما يحتاط لنفسه، فظاهر حالها أنها طاهرة، ثم إن الشاة، والخبز، والطعام الذي جُعل فيها طاهر.
وأما حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه فالسؤال فيه جاء عن إستعمال آنيتهم التي يستعملونها، وأهل الكتاب يشربون الخمور، ويأكلون الخنزير، فاجتمع الحرام في المأكول، والمشروب، فمنعه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستعمل آنيتهم، واستثنى حالة وجود الحاجة فأجاز له إستعمالها على وجه يضمن معه سلامة الإناء من المحرّم النجس، والفرق بين الحالتين ظاهر، فجاز في الأول الأكل، والشرب لغلبة السلامة، والطهارة، وحُرّما في الثاني لغلبة النجاسة. والله أعلم.
وبناء على ما تقدم فهناك ثلاث حالات لأواني أهل الكتاب:الأولى: أن تكون جديدة من مواد طاهرة، أو ظاهرها السلامة كما في حديث مزادة المشركة، فلا إشكال في طهارتها، وجواز إستعمالها إعمالاً للأصل الشرعي،
وأما إذا كانت مصنوعة من مواد نجسة مثل:
أن تصنع من جلود الحيوانات التي هي محرمة الأكل فمثلها لا تطهر بالدباغة، فلا إشكال في تحريمها جديدة كانت، أو قديمة.
الثانية:
أن تكون متنجسة مثل: أن يضعوا فيها نجاسة من مأكول كالخنزير، أو مشروب كالخمر، فلا إشكال في نجاستها، فيجب غسلها، وتطهيرها، ولا يجوز إستعمالها إلا أن لا يجد غيرها لحديث أبي ثعلبة رضي الله عنه.
الثالثة: أن لا نعلم بنجاسة فيها، أو طهارة، وتكون من مواد مباحة طاهرة: فلا يجوز إستعمالها؛ إلا أن لا يجد غيرها، فيغسلها، ثم يأكل فيها لعموم حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه.
قوله رحمه الله: [وتُباحُ آنيةُ الكفارِ، ولوْ لَم تَحلّ ذبائحُهم]: أي يباح لك إِستعمال أوانيهم، ولو لم تحل ذبائحهم؛ لأن بعض العلماء يقول يباح آنية أهل الكتاب الذين تحلُّ ذبائحهم، وأما غيرهم ممن لا تحل ذبائحهم فلا تباح آنيتهم، فبيّن رحمه الله أن الإباحة لأواني الكفار عامة، سواء كانوا ممن تحلّ ذبائحهم، أو من غيرهم.
قوله رحمه الله: [وثيابهم إِنْ جُهِلَ حَالُها]: ثياب الكفار لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون جديدة لم تُلبس كأن تأتي من بلاد الكفار جديدة لم تُستعمل؛ كالثياب المصنّعة في بلاد الكفار من مواد طاهرة، وبطريقة لا شبهة فيها؛ فحكمها الطهارة يقيناً؛ فأيُّ ثوب جديد، ولو جاء من ديار الشرك، والكفر تقول: اليقين أنه طاهر، والعبرة بطهارته حتى أرى النجاسة فيه، أو عليه،
ودليل هذه الحالة حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح:
[أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ بيضٍ سَحُوليةٍ] وسحول: موضع باليمن تصنع فيه هذه الثياب،
وكانت اليمن أرض أهل الكتاب حتى آخر حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يشهد لذلك حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه عليه الصلاة والسلام إليها في آخر سنةٍ من حياته فقال له:
[إِنك تأتي قوماً أَهلَ كتاب]، فدل هذا على جواز لبس الثياب المصنّعة في بلاد الكفر من مواد طاهرة، ومثله لبسه عليه الصلاة والسلام للبُرُد النَّجْرانِيّةِ.
الحالة الثانية: أن تُرى على ثوب الكافر النجاسة فحكمه: أنه نجس،
وذلك مثل:
ثوبه إذا أصابه بول، فإنه متنجس، فيلزم تطهيره إذا أراد لبسه، والصلاة فيه.الحالة الثالثة: وهي التي فيها الإشكال: إذا كان ثوباً يستعمله الكافر، ولم تُرَ نجاسة عليه، فهل هو نجس، أو طاهر؟
قال بعض العلماء: ثياب الكفار أُعمِلُ فيها اليقين، فاليقين أنها طاهرة حتى أرى النجاسة عليها، هذا مذهب من يتسامح فيها، بناء على الأصل من طهارتها.المذهب الثاني يقول: ثياب الكفار الظاهر نجاستها.
والمذهب الثالث التفصيل: فإن كان ممن يتوقى النجاسات كأهل الكتاب حكم بطهارتها، وإن كان ممن لا يتوقون النجاسة كالمشركين حكم بالنجاسة، ثم يتأكّد هذا في الثياب التي تلي العورة؛ كالسروال، والإزار، ونحوهما، بخلاف ما إذا كان مما لا يلي العورة كالعمامة، والطاقية، ونحوها وهذا هو الأرجح في نظري لأنه مبني على مراعاة الأصل الموجب للحكم بالطهارة، واستثناء الغالب الذي يُقوِّي دليلُ الظّاهرِ الحُكمَ بالنجاسة فيه، وهي الثياب التي تلي موضع النجاسة.
قوله رحمه الله: [ولا يَطْهُرُ جِلدُ ميْتَة بدِبَاغٍ] معناه: أن جلد الميتة لا يطهر إذا دبغ، فهو نجس في كلتا الحالتين دُبغَ، أو لم يُدبَغ،
وهذه المسألة فيها قولان مشهوران:
القول الأول: أنه إذا دُبِغَ حُكِمَ بطهارته، وهو مذهب الجمهور من حيث الجملة،
واستدلوا بما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه مرّ على شاة ميتة فقال:
[هلا إنتَفَعتُمْ بِإهَابِها؟] فقالوا: يا رسول الله إنّها ميتة،
فقال عليه الصلاة والسلام:
[إذا دُبِغ الإهابُ فَقدْ طَهُر] فقد نصَّ عليه الصلاة والسلام على أن جلد الميتة يطهر بالدبغ، وهو ما أكّده بقوله في الحديث الحسن: [دِباغُ الأَدِيمِ ذَكاتُه] فكما أن الذكاة تعمل في طهارة لحم الحيوان المباح الأكل، كذلك الدِّباغ يعمل في طهارة الجلد في الميتة المحرمة الأكل.
القول الثاني: لا يطهر جلد الميتة بالدبغ، وهو مذهب الحنابلة، واستدلوا بحديث عبد الله بن عُكَيْمٍ عن أشياخ من جُهينَة أنهم أتاهم كتابُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يموت بشهرٍ، أو شهرين:
[أَلا تَنْتَفعوا من الميتةِ بإهابٍ، ولا عَصَبٍ]،
فقالوا:
إن هذا الحديث ناسخٌ، لكونه متأخراً في آخر حياته عليه الصلاة، والسلام.والذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ،
وذلك لما يلي:

أولاً:
لصحة دلالة السنة الصحيحة على ذلك كما تقدم بيانه.
ثانياً:
وأما الاستدلال بحديث عبد الله بن عُكيمٍ فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: ضعف إسناده، فقد ضعّفه غير واحد من الأئمة رحمهم الله، وعن الإمام أحمد رحمه الله أنه رجع عن هذا الحديث في آخر حياته، كما نقل الترمذي ذلك عنه، وبيّنا في شرح البلوغ الكلام على سنده.
الوجه الثاني: لو سُلّم تحسينه، فإنه لا يقوى على معارضة ما هو أصح منه؛ لأن الحديث الحسن لا يعارض الصحيح.ثم إن دعوى النسخ للتحريم محتملة، لأننا لا ندري أيهما سبق، وخلال الشهر، والشهرين قد يطرأ التشريع، خاصة وأن حديث الجمهور يفهم منه أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرون تحريم الانتفاع، ثم نصّ عليه الصلاة والسلام على حلِّه، وحينئذ يكون دعوى نسخ التحريم أقوى من دعواهم لنسخ الحلِّ.وعل كلٍ فليس هناك ما يدل على النسخ صراحة، وكونه قبل الوفاة بشهر، أو شهرين لا يستلزم النسخ مع ما في الحديث من ضعف الإسناد.فالمصنف -رحمه الله- مشى على المذهب المرجوح، وهو: أنه لا يطهر جلد الميتة بالدبغ.
قال رحمه الله:
[ويباحُ استعمالُه بعدَ الدَّبغ في يابسٍ من حيوانٍ طاهرٍ في الحياة]: هذا على القول بنجاسته، فإننا إذا حكمنا بنجاسته على القول المرجوح؛ فإنه يجوز الإنتفاع به في اليابسات، دون المائعات عندهم؛ لأن المائعات لو وضعت في جلد الميتة ما الذي يحدث لها؟
الجواب: تتنجس، وأما على القول الراجح فإنه يجوز الإنتفاع بجلد الميتة المدبوغ في اليابس، والمائع؛ لأنه طاهر.
قوله رحمه الله:
[ولبنها، وكلُّ أجزاءِها نجسة]: ولبنها نجس؛ لأن الله -عز وجل- حرم الميتة، ولم يفرق بين لبنها، ولا غيره، وهناك قول ببقائه على أصل الطهارة ما لم يحدث فيه تغيير في صفاته.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10-06-2020, 10:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (13)

صـــــ76 إلى صــ82

وقوله: [وكلُّ أجزائها] أي التي تحلها الحياة، كاليد، والرجل، والرأس، فكلّها نجسة، ولا يجوز الإنتفاع بها لعموم التحريم.
قوله رحمه الله: [غَير شَعرٍ، ونحوه]: شعر الميتة للعلماء فيه وجهان مشهوران: فجماهير العلماء على أن شعر الميتة يعتبر مما لا تحله الحياة بمعنى أنه يجوز لك أن تنتفع بشعر الميتة؛ لأنه في حياتها يُجزُّ منها،
ولا يحكم بنجاسته بالإجماع كما قال تعالى:
{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} (1) فدل دليل القرآن على طهارة الصوف، والوبر، وما يُستخلص من شعور بهيمة الأنعام، وأنتم تعلمون أن شعور بهيمة الأنعام تؤخذ منها بالحلاقة في حال حياتها، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [ما أُبِينَ مِنْ حي؛ فهو كَميْتَتِه] فلو كانت الشعور تحلُّها الحياة لحكم بنجاسة الشعر، وعدم جواز الانتفاع به، فلما إمتنّ سبحانه بالصوف، والوبر، وأحلّه لعباده دل ذلك على أن شعر الميتة إذا جُزَّ منها؛ فإنه طاهر يجوز الانتفاع به.
قوله رحمه الله: [وما أُبِينَ مِنْ حي فهو كَميْتَتِهِ]: معناه: أن ما قُطع من الحيوان في حال حياته أخذ حكم ميتته، فإذا كانت ميتته نجسة محرّمة، كان ذلك الجزء المقطوع نجساً محرّماً، والعكس بالعكس، فلو كانت ميتته محكوماً بطهارتها، وحلّها، فإنه إذا قُطع منه جزء، وهو حيٌّ كان ذلك الجزء طاهراً مباحاً، كالسمك، فلو أن إنساناً قطع ذنب سمكة، وهي حية وفرّت فهل يجوز له أن يأكل هذا الذنب؟


(1) النحل، آية: 80.
************************
الجواب: نعم؛
لأن ميتة السمك نفسها يجوز أكلها لقوله عليه الصلاة والسلام:
[هو الطَهُورُ ماؤُه الحلُّ مَيْتَتُهُ] فيجوز له أن ينتفع بجزء السمك؛ لكن لو أن إنساناً قطع رجل شاة، وهي حيّة فما حكم هذه الرِجْل؟
الجواب:
أنها تأخذ حكم ميتتها، فهي تكون كميتة الشاة، وميتة الشاة نجسة، ومحرّمة الأكل، كذلك رجْلُها إذا قطعت في حال حياتها فإنها يحكم بنجاستها، إلا أنه في المسألة الأولى لا نحكم بجواز قطع ذيل السمكة، وجزئها لأنه تعذيبٌ، ومُثْلةٌ، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تعذيب الحيوان، وعن المُثْلَةِ كما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز له فعل ذلك إختياراً لكن لو حصل إضطراراً جاز، والله تعالى أعلى وأعلم.
[باب الإستنجاء]

قال رحمه الله: [باب الإستنجاء]: الإستنجاء استفعال من النّجْو،
وأصله:
القطعُ للشيء،
يقال:
نجوت الشجرة أي: قطعتها، والسين، والتاء للطلب.
قال العلماء:
سُمي قطع البول، والغائط بالماء، والحجارة إستنجاءً؛ لأن المكلف إذا فعله فقد حصلت له الطّهارهَ، والنقاء، وبالطهارة، والنقاء ينقطع أثر النجاسة فلذلك وصف بكونه استنجاء، أي طلباً لقطع النجاسة الخارجة.
وباب الاستنجاء باب مهم؛ لأنه يتعلق بالنوع الثاني من أنواع الطهارة، وهو طهارة الخبث فإن الله -عز وجل-
أمر كل من أراد أن يصلي أن يكون قد حصَّل الطهارتين:
الأولى: من الحدث.
والثانية:
من الخبث.
فأما طهارة الخبث: فيراد بها نقاء الثوب، والبدن، والمكان، وهي التي يتعلق بها باب الاستنجاء حيث بيّن العلماء رحمهم الله فيه طهارة البدن من الخارج، وحكم إزالة النجاسة عن الثوب، والمكان.
وأما طهارة الحدث:
فهي الغسل، أو الوضوء، والبدل عنهما، وهو التَّيَمُّمُ.
هذا الباب يسميه بعضهم: بباب الاستنجاء،
ويسميه بعضهم:
بباب آداب قضاء الحاجة، ويسميه بعضهم بباب الخلاء، وآداب الخلاء، ومراد العلماء -رحمهم الله- أن يذكروا فيه الآداب الشرعية المتعلقة بالإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته سواء كانت بولاً، أو غائطاً، وهذا الباب وردت فيه النصوص الصحيحة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القولية، والفعلية، وبينت هدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قضائه لحاجته، ولذلك وصفه العلماء بباب آداب قضاء الحاجة.
فمن يقول:
باب آداب قضاء الحاجة إستنبط ذلك من قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [إذا قَعَدَ أحدُكمْ لحاجَتِه].
ومن سماه بباب الاستنجاء فقد إستنبط ذلك من حديث سلمان رضي الله عنه،
وفيه:
" نَهانا أنْ نَستنْجِي بروثٍ، أو عظمٍ " فقالوا: باب الاستنجاء.
ومن سماه بباب آداب الخلاء فانتزعه من حديث أنس رضي الله عنه:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دخل الخلاء قال: [اللهم إني أعوذُ بكِ من الخبثِ، والخبائِثِ].
وآداب الخلاء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: آداب قبل دخول موضع قضاء الحاجة.
والقسم الثاني:
آداب أثناء قضاء الحاجة.
والقسم الثالث: آداب بعد الفراغ من الحاجة.
وكلها وردت فيها أحاديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أُخذت من أصول الشريعة العامة،
وهي جميعها منها:
ما هو قولي،
ومنها:
ما هو فعلي.
فأما الآداب التي هي قبل قضاء الحاجة فمنها:
أنه إذا أراد أن يدخل الخلاء يقول:
[اللهمّ إِني أَعوذُ بكَ من الخبْثِ، والخبائثِ] فهذا أدب يسبق قضاء الحاجة، وهو أدب قولي.
وأما الفعلي:
فمنه الإبعاد، والإستتار فيطلب مكاناً بعيداً عن أعين الناس ساتراً.
وأما الآداب التي تكون أثناء قضاء الحاجة فمنها:
أن لا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها ببول، ولا غائط لما ثبت في الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه قال
:[إذا أتيتمُ الغائطَ؛ فلا تَسْتقبلوا القبلةَ، ولا تسْتدبروها ببولٍ، ولا غائطٍ، ولكنْ شرّقوا، أو غرّبوا] وهو أدب فعلي.
والقولي: أن لا يتكلم أثناء قضاء الحاجة ولذلك ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام:
[لا يَذهبُ الرجلانِ يضْربانِ الغائطَ يكلّم أحدُهما الآخَر فإنّ الله يَمقتُ ذلك].
وأما الآداب التي تكون بعد الفراغ من قضاء الحاجة فمنها قوله:
[غُفْرانَك] وهو أدب قولي،
والفعلي:
أن يقدم رجله اليمنى، ويؤخر اليسرى عند الخروج، فأصبح هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في قضاء الحاجة مشتملاً على ثلاثة أنواع من الآداب على حسب الأحوال:
النوع الأول: آداب قبل دخول الخلاء.
والنوع الثاني: آداب أثناء قضاء الحاجة.
والنوع الثالث: آداب بعد الانتهاء، والفراغ من الحاجة، فالعلماء -رحمهم الله- يذكرون في هذا الباب ما يسن للمسلم أن يفعله قبل دخول الخلاء،وما يسن له فعله، وهو أثناء قضائه لحاجته، وما يسن له فعله بعد فراغه، وانتهائه منها.
قال المصنف رحمه الله: [باب الاستنجاء]: أي في هذا الباب سأذكر لك جملة من الأحكام، والمسائل الشرعية المتعلقة بالاستنجاء.
قال رحمه الله:
[يُستحبُ عندَ دخولِ الخلاءِ قولُ: بِسمِ الله، أعوذُ بالله من الخبْثِ، والخَبائثِ]:
قال المصنف رحمه الله: [يُستحبُّ عنْد دخولِ الخلاء]: أي قبل أن يدخل الإنسان الخلاء يستحب له أن يقول: [بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث] لما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إذا دخل الخلاء قال:
[اللهمّ إِني أعوذُ بكَ من الخُبْثِ والخبائثِ] هذا هو الثابت في الصحيحين،
وأما لفظة:
بسم الله، فقد ورد فيها حديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السنن، وأنه إذا قالها الإنسان عند رفع ثوبه، أو نزع الثياب؛ فقد ستر عن أعين الجن، وهو حديث متكلم في سنده.
وقوله رحمه الله:
[يُستحبُّ لمنْ دخلَ الخلاءَ] أي: موضع قضاء الحاجة،
ولا يخلو الموضع الذي يريد الإنسان أن يقضي حاجته فيه من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون مهيأ لقضاء الحاجة مثل: دورات المياه الموجودة في زماننا.
والحالة الثانية:
أن يكون غير مهيىءٍ في أصله لقضاء الحاجة،
مثل:
البراري، والفلوات فهذه المواضع يقضي الإنسان حاجته فيها دون أن يكون فيها بناء مخصوص مُعدٌ لقضاء الحاجة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 10-06-2020, 10:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (14)

صـــــ83 إلى صــ90

وحينئذ يرد السؤال: متى يكون هذا الإستحباب لقول الذكر في الحالتين؟
والجواب:
أنه في الحالة الأولى: يقوله قبل أن يدخل في الدورة، والمكان المعدِّ لقضاء الحاجة، فيكون عند إرادة الدخول، لأن الذكر لا يجوز في موضع قضاء الحاجة، فيقوله قبل الدخول لذلك،
ومن هنا يكون قوله رحمه الله:
[يستحبُّ لمنْ دخلَ الخلاءَ] المراد به أنه يستحب لمن أراد الدخول، أي قبل دخوله مباشرة.
وأما في الحالة الثانية:
فإنه ليس هناك موضع مُحرَّمٌ عليه الذكر فيه،
فقال بعض العلماء رحمهم الله يقوله:
عند رفع ثوبه، وتهيوئِه لقضاء الحاجة،
وقال بعضهم:
إذا جلس قبل أن يخرج منه شيء، وكلا القولين له وجهه إلا أن الأول أقوى، لأنه يكون قبل حصول الكشف للعورة.
وقوله: [أعوذ بالله] أي ألتجئ، وأعتصم، وأحتمي بالله،
وأصل العوذ:
اللوذ، واللجوء،
وقوله:
[من الخبْث] بالإسكان، وهي رواية الأكثرين كما ذكر القاضي عياض رحمه الله، وفسّره بالشر،
وأما بالضم:
فهو جمع خبيث، فيحمل على ذكور الشياطين،
ويكون قوله بعد ذلك:
[والخبائثِ] المراد به على رواية الأكثرين الشياطين عموماً، ذكرانهم، وإناثهم،
وأما على رواية الضمِّ فيكون معنى الخبائث:
إناث الشياطين كما ذكره الإمام الخطابي رحمه الله،
فعلى الوجه الأول:
يكون مستعيذاً بالله من الشر عموماً، ومن الشياطين خصوصاً،
وعلى الوجه الثاني:
بالضمِّ يكون مستعيذاً من ذكور الشياطين، وإناثهم.
والأول: أقوى الوجهين روايةً، ومعنى، فهو أقوى رواية لأنه رواية أكثر الشيوخ كما قدمنا عن القاضي عياض رحمه الله، وهو أقوى معنى لأن فيه معنى زائداً على الوجه الثاني، لأن الوجه الثاني إختص بالشياطين،
وأما الوجه الأول:
فإنه لم يختص بهم بل شمل الشر كله بالإضافة إلى الشياطين كلهم ذكوراً، وإناثاً، فهو أعم.
وهذا الدعاء النبوي حرز من الله تعالى للمسلم يعصمه به سبحانه من أذية الشياطين، وشرورهم في هذا الموضع الذي أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه تحضره الشياطين،
كما في حديث السنن من قوله عليه الصلاة والسلام:
[إن هذه الحُشوشَ محتَضَرة] أي تحضرها الشياطين، والحُشُوشُ: جمع حِشٍ، وهو البستان في لغة العرب، وعبّر به عن موضع قضاء الحاجة لأنهم كانوا في الغالب يقضون الحاجة في الحيطان، والبساتين، ولم يكن عندهم مراحيض، وأماكن مخصصة لقضاء الحاجة كما جاء في الأثر عن عائشة رضي الله عنها.
فشرع للمسلم أن يقول هذا الدعاء معتصماً بربه ملتجئاً إليه سبحانه؛ فإنه نعم المولى ونعم النصير.
قوله رحمه الله: [وعنْدَ الخروج منه: غُفْرانَكَ]: وعند الخروج منه أي: بعد أن يخرج؛ لأنه إذا أراد الخروج لا يُشرع له أن يتكلم حتى يجاوز موضع قضاء الحاجة،
فإذا جاوز موضع قضاء الحاجة قال:
[غُفْرانَكَ] وأصله: إِغفرْ غُفْرانَك، أو أسألك اللهم غفرَانَك،
والغفر:
أصله الستر، ومنه المِغْفَر؛
لأنه يستر رأس الإنسان من ضربات السلاح في الحرب قالوا:
سميت المغفرةمغفرة؛ لأن الله إذا غفر ذنب العبد كأن لم يكن منه ذنب، فأصبح كأنه خالياً من ذلك الذنب سُتِر عنه ذنبه، وكُفي مؤنته كما أن الإنسان إذا لبس المغفر كُفي شَرّ السلاح، وأذيته،
وقوله:
[غُفْرانَكَ] دعاء ثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي، وأبي داود،
والنسائي أنه كان يقول عليه الصلاة والسلام عند خروجه من الخلاء:
[غُفْرانك].
وللعلماء -رحمة الله عليهم- في استغفار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد قضائه لحاجته،
وخروجه أقوال:
قال بعض العلماء: إستغفر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأن الإنسان لا يأمن من حصول بعض النظر إلى عورته، فلما كان الناس في غالب حالهم لا يسلمون من الوقوع في هذه الإخلالات أثناء قضاء حاجتهم سنّ لهم ذلك لتحصل به المغفرة لهم، فيكون قد عنى بذلك غالب أمته لا نفسه عليه الصلاة والسلام؛ لكونه معصوماً، وهذا القول يَقْوى على مذهب من يُحرّم نظر الإنسان لعورته إلا من حاجة.
وقيل:
لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شُغل عن ذكر الله -جل وعلا-
بقضاء الحاجة فقال:
[غفرانك] لضياع هذا الوقت دون ذكر لله -جل وعلا-،
وكما قالوا:
حسناتُ الأبرارِ سيئاتُ المقربين، فهذا من كمال عبوديته لله، وكمال حبه، وتعلقه بذكر الله -سبحانه وتعالى- أن هذا الوقت مع حاجة الجسم إليه، وأنه في حالة عذر عن ذكر الله يستغفر من ذهابه، دون أن يذكر الله -جل وعلا- فيه، وهذا فيه تنبيه للمسلم أنه ينبغي عليه أن يكثر من ذكر الله، وأن يحرص علىإغتنام الحياة في طاعة ربه، وعبوديته له سبحانه؛
لأنه هو المقصود من خلقه كما قال تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1).
وقال بعض العلماء قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غفرانك لأنه لما خرج الطعام من الجوف أَمِنَ الإنسان من كثير من الأضرار، والبلايا،
فلم يستطع أن يوفي شكر نعمة الله عليه بهذا الفضل فقال:
[غفْرانَك] أي: غفرانك من التقصير في حمد نعمك، وشكر مننك التي أنعمت، وامتننت بها علينا.وكل هذه الأوجه صحيحة مناسبة، وتحتملها السنة.
قوله رحمه الله: [الحمدُ للهِ الذي أذهبَ عنّي الأذى، وعَافَاني]: الأذى أذى القذر الخارج؛ لأنه لو بقي في الجسم لأضر بالإنسان، ولذلك لو أن إنساناً مُنِعَ من البول ساعة واحدة لما استقر له قرار، ولو حيل بينه، وبين قضاء حاجته،
وقيل له:
إفتدِ بالدنيا لافتدى بها حتى تخرج حاجته، وقد يبلغ ببعض المرضى كالمشلولين شفاهم الله أن يمكث الساعات لإخراج فضلته من جسده، فهي نعمة من الله عظيمة لا يعلم مقدار فضله سبحانه، ورحمته، ولطفه بالعبد فيها إلا هو -سبحانه وتعالى-
فناسب أن يقول عليه الصلاة والسلام:
[الحمْدُ لله] لأنه المحمود على جلب النِّعم، وحصولها، ودفع النِّقم، وزوالها جل جلاله.قوله رحمه الله: [الحمدُ لله الذي أذهبَ عنّي الأذى، وعَافَاني]: قيل المعافاة من شرور الشياطين، ونحوهم.
(1) الذاريات، آية: 56.
************************
وقيل: المعافاة من الضرر الموجود في الجسم بحبس ذلك الطعام، والشراب، فالله دفعه؛ فاستوجب أن يُشكر، ويُحمد على هذا الفضل، وكلاهما صحيح.
قوله رحمه الله:
[وتقديمُ رجْلهِ اليسرى دُخولاً، واليمنى خُروجاً]: تقدم آداب الخلاء على قسمين:
القسم الأول:
آداب قولية، وقد سبق بيان أدب قولي يقال قبل الدخول، وأدب قولي يقال بعد الخروج.
القسم الثاني: آداب فعلية، فشرع المصنف رحمه الله في هذه الجملة في بيان الآداب الفعلية،
والتي منها:
أن الإنسان إذا أراد دخول الخلاء قدّم رجله اليسرى، وأخّر رجله اليمنى، وإذا أراد الخروج قدّم رجله اليمنى، وأخّر اليسرى؛ لأن الشريعة قصدت تكريم اليمين على اليسار، فجهة اليمين مفضّلة مشرفة على اليسار، وقد دلت نصوص الكتاب، والسنة على ذلك، فجعل الله أصحاب الجنة أصحاب اليمين -جعلنا الله وإياكم منهم-، وجعل السعيد من نال كتابه بيمينه،
وفضّل اليمين على الشمال حينما ذكرها بصيغة الافراد في مقابل الجمع كما قال تعالى:
{عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ} (1) فقال: {عَنِ الْيَمِينِ} فأفرد،
وقال:
{وَالشَّمَائِلِ ِ} فجمع، والعرب تجمع في مقابل الإفراد تعظيماً للمفرد إذا كان يقبل التثنية، والجمع

(1) النحل، آية: 48.
**************************
كما قال الله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (1) فجمع الظلمات، وأفرد النور، وهو أسلوب عربي يدلّ على تشريف المفرد على الجمع، فجهة اليمين مشرّفة على جهة الشمال، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيمن في تنعّله وترجّله وطُهُوره، وفي شأنه كلِّه كما في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.وفي الحديث -أيضاً-
في السنن:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [إذا لَبِسْتُمْ فَتيامنوا] أي: إذا لبس الإنسان ثوباً، أو عباءة، أو حذاء؛ فإنه يقدّم الجهة اليمنى من يد، وشِق، ورجلٍ على الجهة اليسرى.فإذا أراد الخروج من الخلاء قدّم رجله اليمنى، وأخّر اليسرى تشريفاً لليمين؛ لأن الخروج أفضل من الدخول في هذه الحالة، وفي الدخول للخلاء يقدم المفضول على الفاضل، وفي الخروج منه يُقدِّم الفاضل على المفضول، فيقدِّم رجلَه اليمنى، ويؤخِّر اليسرى.
قوله رحمه الله: [عكسَ مسجدٍ، ونَعْلٍ]: عكس مسجد فمن دخل المسجد قدَّم رجله اليمنى للدخول، وأخَّر اليسرى، وإذا أراد الخروج قدم اليسرى، وأخّر اليُمنى، وقد ورد فيه حديث عند الحاكم أنه من السُّنة تقديم اليمنى على اليسرى عند دخول المسجد، وقوله [ونَعْلٍ]: المراد به عند لبس النعل، وهو ما يلبسه في رجله، فإذا أراد أن يلبس الحذاء يفعل ما يفعله عند دخول المسجد، فيُقدم رجله اليمنى، ويؤخّر اليسرى، والعكس إذا

(1) الأنعام، آية: 1.
*******************
أراد أن يخلعه لحديث أم الؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيح: [أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُعْجِبه التّيمنُ في طُهُورِه، وتَنعّله، وتَرجُّله، وفي شأنِه كُله]، فقولها رضي الله عنها [تَنعّله]: يدل على أن من السنة التَّيمن عند لُبس النّعل، وتقديم اليسار عند خلعه، ونزعه،
وقد جاء ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[إذا إنتعلَ أحدكُم فليبدأ باليمنى، وإذا خَلَعَ فليبدأ باليُسرى] واختلف العلماء رحمهم الله في مسألة: وهي لو أن إنساناً أراد أن يخرج من بيته إلى المسجد، فهل الأفضل أن يقدم رجله اليمنى لشرف المقصود، والغاية، أو يؤخر اليمنى؛ لأنه الأفضل عند الخروج عموماً؛ لأن الخروج من البيت أدنى منزلة من البقاء فيه، فيكون الشّرف فيه في التأخير بخلاف الدخول فيه فإنه يكون الشرّف فيه في التقديم، ولذلك إذا أراد أن يخرج يقدِّم اليسرى؟
وبعبارة أخرى:
هل نبقى على الأصل من مراعاة الحال، أم نستثني هذه الحالات لشرف الخارج من أجله؟ كلاهما قول لبعض العلماء رحمهم الله.فمن قال نبقى على الأصل فإنه يقول بتقديم اليسرى عند الخروج سواء كان لمسجد،
أو لغيره أي:
لا يستثني، وهو أقوى لأن التّشريف راجع إلى الحال،
ومن قال بالإستثناء قال:
يقدم اليسرى في الخروج إلا إذا كان خارجاً للمسجد، وما فيه فضل فإنه يقدِّم اليمنى إلتفاتاً منه إلى الغاية، وكأنهم نظروا إلى أنه بمجرد خروجه للمسجد فهو في صلاة، وقربة،
وطاعة كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[إذا عَمِدَ أحدُكم إلى المسجدِ فهُو في صلاةٍ].
والأول أرجح في نظري والعلم عند الله لما يلى:
أولاً:
إنه إعمال للأصل.
ثانياً: أنه مبني على مراعاة الحال نفسه عند الخروج بغَضِّ النظر عن صفة الخروج، فهو أقوى في التكريم.
ثالثاً:
أن لازم القول الثاني أن من خلع حذاءه للدخول للمسجد أن يقدم اليمنى عند الخلع، ويؤخِّر اليسرى، وهذا مخالف للسُّنة كما قدمنا في حديث عائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهما في الانتعال.
فلما لم تفرق السنة في خلع النعال بين كونه لقربة، أو لغيرها دلَّ على أن العبرة في مراعاة التكريم بالحال نفسه، لا بما يؤول إليه والله تعالى أعلم.وعليه فإنه يقدم يسراه للخروج من المنزل، ولو خرج لصلاة، أو تعليم، أو جهاد، أو غيرها من الطاعات.
قوله رحمه الله:
[واعتماده على رِجْلِه اليُسرى]: هذا من الآداب التي تُشرع عند فعل الحاجة وقضائها أن يعتمد على رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وفي ذلك حديث ضعيف عن سراقة رضي الله عنه أخرجه البيهقي، والطبراني، وفيه: [أَمَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم أن نتكئَ على اليسرى، وأن نَنصُبَ اليُمْنى].
وعللَ بعض العلماء ذلك بأن الأطباء يقولون:
إنه أرفق بالبدن، وأيسر لخروج الخارج، فإن صحّ ما ذكروه كان مشروعاً من جهة الرفق بالبدن، ولا يحُكى سُنَّةً، لأن الحديث فيه ضعف، فإذا فعله الإنسان من باب الرفق بالبدن فلا بأس، لأن الرفق بالبدن من مقاصد الشريعة، ولا حرج في فعله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 10-06-2020, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (15)

صـــــ91 إلى صــ98

قوله رحمه الله: [وبُعدُه في فضاءٍ، واستِتَارُه]: أي يُشرع للإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته، وكان في فضاء كالأرض الخلاء التي ليس فيها أحد أن يختار مكاناً بعيداً عن أعين الناس؛ لأن الفضاء منكشف، والإنسان إذا جلس في الفضاء يمكن أن تُرى عورته فشُرع له أن يُبعد،
وأن يستتر فيشرع له أمران:
البُعد في المذهب، وهو سنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في حديث المغيرة رضي الله عنه عند أبي داود، والنسائي، والترمذي، وفيه أنه ذكر ذهابه عليه الصلاة والسلام لقضاء حاجته،
ووصفه بقوله:
[أَبْعَدَ عنّي] وهو حديث حسن.وكذلك -أيضاً- يستتر فإذا كانت الأرض منبسطة بحث عن حفرة، أو شاخص، فإن وجد المطمئن من الأرض كالحفرة نزل فيها، وقضى حاجته؛ لأنه أبلغ في الاستتار ما لم يكن فيها ضرر عليه، أو يأتي إلى شاخص كأن يأتي إلى هضبة، أو تلٍّ؛ فيستقبله، ويقضي حاجته مستقبلاً له؛ لأنه أبلغ في الاستتار، وقالوا في الفضاء يُبْعد لأنه إذا بَعُدَ شخصه تعذر على العين الإطلاع على عورته، ويستتر لئلا يدهمه إنسان فجأة فيكون ذلك أبلغ في تحفظِه، وصيانة عورته، وقد عُظِّم أمر الاستتار في قضاء الحاجة، ومن تساهل في قضاء حاجته، فقضاها بجوار الطرقات على مرأى من الناس فإنه لا يخلو من الإثم، والتبعة، وقد ورد في حديث إِبن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين في قصة الرجلين اللّذين يعذبان قال فيهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [إِنهما يُعذّبان، وما يُعذبان في كبيرٍ، أمَّا أحدُهما فكانَ لا يَسْتَنْزِهُ من بَوْلِه] وفي رواية: [لا يَسْتَتِرْ مِنْ بَوْلِه] قال بعض العلماء: [لا يستتر] أييتساهل في كشف عورته، وعدم سترها عن أعين الناس -والعياذ بالله-
فقالوا:
إنها من الأمور التي تكون سبباً في عذاب القبر، وفتنته -نسأل الله السلامة والعافية-.
فالمقصود أنه ينبغي للإنسان أن يستتر، وأنبه على مسألة يخطئ فيها كثير -أصلحهم الله- خاصة من الجهلة، والعوام؛ فإنهم يأتون إلى أماكن الوضوء، ويكشفون عوراتهم، ويستنجون فيها دون حياء من الناس، ولا خوف من الله -جل وعلا- فأماكن الوضوء المخصّصة للوضوء لا يصلح فيها للإنسان أن يكشف عورته، وكذلك أيضاً يتسبب في أذية الناس بنتن البول، وريحه، فهذه من الأمور الممقوتة التي لا ينبغي للمسلم أن يفعلها، ومن رُوئِي منه فعل ذلك يُنصح، ويُذكّر، ويخوّف بالله -جل وعلا-،
ويقال له:
إتق الله، ولا تؤذ المسلمين، فإن أماكن الوضوء ليست لقضاء الحاجة لما فيها من أذية الناس بالرائحة، والنَّتن،
وقد ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
[إتقوا اللّعانين، قالوا: وما اللّعانَانِ يا رسول الله؟ قال: الذي يبول في طريق الناسِ، وفي ظِلِّهمْ] فبيّن عليه الصلاة والسلام تحريم البول في هذين الموضعين لما فيهما من عظيم الضرر على المسلمين، فكذلك الحال فيمن يبول في أماكن الوضوء، حيث جمع بين كشف العورة، وأذية الناس بنتن البول، والنجاسة نسأل الله السلامة والعافية.
قوله رحمه الله: [وإرتيَادُه لِبَولِهِ مَوْضِعاً رَخْواً]: قوله: [وارتياده]: مأخوذ من قولهم: إرتاد الشيء: إذا طلبه، ومنه سُمّي الرائدُ رائداً، والرائد
في لغة العرب:
هو الرجل الذي يُرسله الناس إذا كانوا في سفر لكي يطلب الماء لهم، فالرّيادة الطلب،
فقوله:
[إرتياده] أي: طلبه.
قوله: [وإرتيادُه لبوله موضعاً رخواً]: أي إذا أراد المسلم أن يبول فإنه يطلب الأرض الرخوة؛ لأن الأرض الرخوة أمكن في استيعاب البول، وأبعد من أن يتطاير طشاش البول، والنجاسة على البدن، والثوب فينجسه، فشُرع له أن يطلب المكان الرخو،
وفيه حديث ضعيف عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[إِذَا بالَ أحدُكم فَلْيَرتَدْ لِبَولِهِ] أخرجه أحمد وأبو داود، وفيه راوٍ لم يسمّ، وهو الراوي عن أبي موسى رضي الله عنه، وقد فُسِّر الإرتياد بمعنى الاختبار، والطلب كما مال إليه الإمام ابن القيم رحمه الله، ولكن معناه صحيح أن الإنسان يشرع له أن يطلب مكاناً رخواً؛ لأنه يحقق مقصود الشرع من الاستنزاه من البول وقد دل على ذلك حديث الصحيحين عن إبن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجلين المعذبين في قبريهما، فمعنى الحديث، ومتنه صحيح، وإن كان سنده فيه ضعف، فإذا طلب المكان الرِّخو حقّق مقصودَ الشَّرع من الاستنزاه من البول؛ لأنه لا يأمن غالباً من طشاش البول،
والأماكن تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون صلبة.
القسم الثاني: أن تكون رخوة.
وفي كلا القسمين إما أن تكون الأرض طاهرة، وإما أن تكون نجسة.
فأصبح القسمان منقسمين إلى أربعة.
فإن كان المكان طاهراً صلباً بال جالساً، وإن كان نجساً رخواً بال قائماً، وإن كان نجساً صلباً إمتنع من البول فيه، وإن كان طاهراً صلباً خُيِّر بين الجلوس، والقيام،
وقد جمع بعض الفضلاء هذه الصور الأربعة في قوله:
للطاهِر ِالصلب اجْلسِ ... وامْنَعْ بِرَخوٍ نَجِسِوالنجِس الصُّلْبَ اجْتنبِ ... واْجلسْ وقُمْ إِن تَعْكِسِ
هذه أربع صور:فقوله: (للطّاهِر الصُّلْبِ اجلِسِ): يعني إذا كان المكان طاهراً صلباً فإجلس.
وقوله:
(وامنَع برخوٍ نجس): يعني إذا كان مكاناً رخواً نجساً كما يحدث الآن إذا امتلأ موضع قضاء الحاجة لا يجلس الإنسان؛ لأنه إذا جلس ربما سقط ثوبه في النجاسة، أو تطاير طشاش البول على بدنه، أو ثوبه، خاصة عند قضائه لحاجته.
وقوله: (والنَّجِسَ الصُّلبَ اجتنب): أي إذا كان مكاناً صلباً نجساً، فلا تقضي الحاجة فيه أعني البول لأنه لا يأمن التَّنجس غالباً.
وقوله: (واجْلِسْ وقُمْ إِنْ تَعْكِسِ): يعني الطاهر الرَّخو إن شئت فاجلس فيه، وإن شئت فقم، فأنت مخيرٌ وقد صحّ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه بال قائماً، فالسُّنة دالة على جواز البول قائماً.
ومنع بعض العلماء منه، وهو مذهب أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-
وكانت تقول:
" من حدَّثكمْ أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالَ قائماً؛ فلا تُصَدّقُوه " والظاهر أنه لم يبلغها ذلك فحدثت بما رأته من غالب حاله عليه الصلاةوالسلام وهو البول جالساً،
وقد صحَّ في صحيح مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه:
[أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى سُباطةَ قومٍ فبَالَ قَائِماً] فدلّ على جواز البول قائماً قال بعض العلماء: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بال قائماً لعلّة؛
قيل:
كان فيه مرض تحت ركبته في المَأبِضْ فلا يستطيع أن يثني رجليه فيجلس لقضاء حاجته فبال قائماً للضرورة.
وقيل:
بال قائماً إستشفاءً من مرض الصُّلبِ، و
كانت العرب تستشفي من أمراض الظهر بالبول قائماً فقالوا:
إنه بال قائماً إستشفاءً من مرض الصُّلب.
وهذان الوجهان عُلِّلَ بهما لكي يقال:
إن الأصل المنع، ولكن هناك وجه ثالث، وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك لبيان الجواز، فلا حرج في فعله؛ لأنه لم يرد نهي عن البول قائماً حتى يقال إن الأصل يقتضى التحريم، والمنع؛ ولأنه لو كان بوله قائماً لعلّة المرض لنبّه على ذلك الصحابي، ولكنه لم يذكر شيئاً من ذلك، فدلّ على عدمه، وعليه فإنه يترجح القول بأنّ هذا جائز، ولا حرج فيه ولكن الهدي الأكمل، والأمثل أن يبول جالساً، وذلك لأنه هو هديه عليه الصلاة والسلام في أغلب أحوله، ولأن الجلوس أبلغ في الإستتار، والتحفظ من البول والله أعلم.
وقال بعض العلماء:
بال عند سُباطة القوم قائماً؛ لأن السُّباطة مكان القذر، والنّجاسة؛ فلم يجلس -صلوات الله وسلامه عليه- من أجل ذلك، وهذه العلة هي الوحيدة القوية من بين العلل التي ذكروها لوجود دلالة في الظاهر تدل عليها.
قوله رحمه الله:
[وارتيادُه لِبوْلِه مَوْضِعاً رَخْواً]: الارتياد قلنا: الطلب [لبوله] خرج الغائط فإن الغائط يرتاد له موضعاً أيَّاً كان لكن في الغائط، استثنى بعض العلماء أن يكون هناك مائع نجس كالحال إذا امتلأ الموضع المخصّص لقضاء الحاجة بالنجاسة كما يحصل في زماننا في بعض دورات المياه فإنه إذا تغوط لم يأمن من طُشاش النجاسة على ظهره، وثيابه إذا خرجت الفضلة من الغائط، ووقعت في النجاسة التي إمتلأ بها ذلك الموضع فيمنع من قضاء الغائط في مثل هذه المواضع إذا كانت مملوءة، وإذا كان المكان الذي جلس فيه الإنسان صلباً، وعنده آلة يستطيع أن يحكَّ بها الأرض فالأفضل له أن يحكّها،
وحملوا على ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
[كنتُ أَسيرُ مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأحملُ أَنا، وغلامٌ نَحْوي إداوةً من ماءٍ، وعَنَزة]،
والعنزة:
هي الحربة الصغيرة، وفي رأسها الزُّج،
وهو الحديد قالوا:
كانت تحُمل معه عليه الصلاة والسلام عند قضائه للحاجة، لأن من فوائدها إذا مرّ على صلبٍ حَكّه بها، ثم قضى حاجته، وقد صارت الأرض رخوةً، فكان ذلك أدعى لصيانة البدن، والثياب من النجاسة أثناء قضاء الحاجة.
قوله رحمه الله:
[ومسْحُهُ بيدهِ اليُسرى إِذا فَرَغَ مِنْ بولِه مِنْ أَصلِ ذَكرهِ إلى رَأسِهِ]: هذا يسمى عند العلماء رحمهم الله بالسَّلْت،
والسَّلت:
أن يضع رأس اُصبعه عند أصل الذّكر، ثم يمرّه على مجرى البول حتى يُنقّي المجرى من الباقي إذا وُجِدَ، وهذا السّلتُ لا أصل له، وليس له دليل صحيح بل إنهيجلب الوسوسة، ويشكك الإنسان،
ولذلك قالوا:
ينبغى للإنسان أن يقضي حاجته، فإذا غلب على ظنه أن البول إِنقطع قام.
أما أن يوسوس، ويبالغ في إزالة الخارج فإنه لا يأمن من حصول الوسوسة، والشّكِ، ويسترسل إلى ما لا تحمد معه العاقبة، وهذا صحيح، ولشيخ الإسلام -رحمة الله عليه- كلام جيد في هذه المسألة بيّن فيه أن هذا لم يثبت فيه نصّ صحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وقرر العلماء أن الذَّكَرَ كالضرع كلما حُلبَ دَرَّ أي:
أن المكلف كلما ضغط عليه، وأكثر من تعاهده آذاه، وأتعبه بخروج البول، والمنبغي على المكلف أن يتقي الله على قدر إستطاعته يجلس فيقضي حاجته، فإن غلب على ظنِّه أن البول إنتهى صبَّ الماء، أو استجمر بالحجارة، ثم قام والله لا يكلفه إلا ما في وسعه، فإن أحسّ بخروج شيء، أو أن شيئاً يتحرك في العضو فذلك من وسوسة الشيطان حتى يستيقن فيجد البلل على ثوبه، أو على فخذه، أو رأس عضوه ولا يلزمه أن يذهب، ويبحث، ويفتّش فإن الإنسان إذا غلب على ظنِّه أنه إنقطع بوله كفاه ذلك، وأجزأ عنه، وقد فعل ما أوجب الله عليه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإذا إستمر على العمل بغالب الظنِ، وعدم البحث، والتّفتيش عن وجود شيء فإنه سرعان ما تذهب عنه الوساوس، وتضعف تدريجياً، كما يذكر الأطباء، والمجربون، هذا السّلت لا يشرع إلا في حالة واحدة،
وهي:
أن يكون الإنسان مبتلى بضعف في خروج البول، وهي حالة يُبتلى بها البعض - حمانا الله وإياكم منه- فبعد خروج بوله تبقى قطرات تضعف الآلة عن دفعها، ولا يمكن خروجها إلا بالسّلت فيُمرُ رأسَ إصبعه من أصل العضو إلى رأسه حتى يُنْقِي الموضع هذا استثناه بعض العلماء، وهي الحالة الوحيدة المستثناة، وأما عدا ذلك فلا.
قوله رحمه الله: [ونتْرهُ ثلاثاً]: النتر بضرب رأس الذكر، كالسلت غير مشروع ولم يثبت به شيء، وفيه حديث ضعيف، ولا يعتبر من السُّنة، وكل من السّلت، والنتر مدعاة للوسوسة، والتباس الأمور على صاحبها، ولكن المكلف يتقي الله على قدر استطاعته، وشريعتنا شريعة رحمة، وتيسير وليست بشريعة عذاب، ولا عنت،
ولا تعسير كما قال سبحانه:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1) يقوم الإنسان فإن أحسّ بخروج خارج، أو حركة في العضو، ولم يتأكد من خروجه فإنه يحكم باليقين، وهو عدم الخروج، حتى يستيقن، أو يغلب على ظنه الخروج، ولو حكم باليقين، وبقي عليه، وكان الواقع أنه خرج شيء، ولم يعلم به فإن صلاته صحيحة، وطهارته مجزئة، لأنه عمل بالأصل إمتثالاً للشرع، والتزاماً لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث أمر من إستيقن الطهارة ألا يحكم بضدها إلا بيقين، أو غالب ظن، كما دلّ على ذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الصحيحين حينما شُكِي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجلُ يجدُ الشيءَ في الصلاة؟
فقال عليه الصلاة والسلام:
[لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً]، وإذا إستمر على ذلك إنقطعت عنه الوساوس والشكوك بإذن الله تعالى.
(1) الأنبياء، آية: 107.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 18-06-2020, 05:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (16)

صـــــ99 إلى صــ104


قوله رحمه الله: [وتحوّله عن مَوْضِعِه ليسْتَنْجِي في غَيْرِه]: هذه حالة خاصة تحصل لبعض الناس حيث يبقى الخارج في عضوه، ويحتاج إلى الإنتقال، والحركة ليقوى العضو على إخراج الفضله،
وهذا القيام مبني على أحد أمرين:
الأمر الأول:
ما ذكره بعض أهل العلم من أن الإنسان إذا ضعف عن إخراج الفضله فإنه لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى:
أن تخرج منه بالسَّلت.
والحالة الثانية:
أن تخرج بالصوت، وهو النّحْنَحةُ.
الحالة الثالثة: أن تخرج بعد التّحول، والحركة كالإنتقال من موضع قضاء الحاجة.
فبعض الناس إذا بقي الباقي في عضوه لا يستطيع إخراجه إلا بالسَّلت فيشرع له السَّلت؛ " لأن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ " فشرع بأصل الشريعة.
النوع الثاني:
يكون الدافع عنده ضعيفاً فيحتاج إلى إحداث صوت، وذلك بالنحنحة، وكانوا يعرفونها من الأمور التي يُبلى به الإنسان عند قضائه لحاجته،
فيتنحنح حتى تقوى آلته على الدفع قالوا:
فيشرع له ذلك فيتنحنح.ومنهم من يخرج منه الخارج بعد حركته، فإذا إنتقل من موضع قضاء حاجته، ومشى الخطوة والخطوتين قويت الآلة على الدفع، فدفعت ما هو ثمَّ،
قالوا:
فمثل هذا بعد أن ينتهى من قضاء الحاجة يقوم إلى أقرب موضع يستنجي فيه حتى يقوى العضو على إخراج ما بقي.
الأمر الثاني: الذي من أجله ذكر العلماء القيام من الموضع إلى موضع ثانٍ ليستنجي فيه: إنه إذا قضى الحاجة على التراب كما هو الحال في القديم فإنه لا يأمن أثناء صب الماء على العضو أن يتطاير شيء من البول على البدن، أو الثوب، أو المكان،
ولذلك قالوا:
إنه يتحوّل عن موضع قضاء حاجته إلى موضع قريب حتى إذا صبّ الماء نزل على أرض طاهرة، فإذا تطاير شيء من ذلك الماء لم يدخله الوسواس هذا هو وجه الانتقال عندهم،
وهو أقوى الوجهين لكنه قد يحكم باختصاصه بحال الإستنجاء بالماء كما يفهم من قول المصنف رحمه الله بقوله:
[ليسْتَنجِي في غيره إنْ خَافَ تلوثاً] ويختص بحال خوفه من التلوث، والنجاسة.
قوله رحمه الله:
[ويُكْرهُ دُخولُه بشيءٍ فيه ذِكرُ اللهِ تعالى]: ويكره للمسلم أن يدخل الحمام،
وموضع قضاء الحاجة بشيء فيه ذكر الله مثل:
كتب التفسير، والحديث، وكتب العلم، والرسائل، وأما القرآن نفسه؛ فقد نصّوا على حرمة دخول مكان قضاء الحاجة به، واستثنوا من منع دخول مكان قضاء الحاجة بشيء فيه ذكر الله تعالى حالة الحاجة،
كما نصّ عليه المصنف رحمه الله بقوله:
[إِلا لحاجةٍ] ومن أمثلة ذلك: الدّراهم، والنقود إذا كان مكتوباً عليها إسم الله، وكان يخاف إن وضعها في الخارج أن تُسْرقَ، وكذلك إذا كانت معه كتب علم لم يجد مكاناً تصان فيه بحيث لو وضعها خارج موضع الحاجة تعرّضت لامتهان أكبر، أو يخاف أن تتلف، أو تُسرق فحينئذ لا بأس أن يدخلها معه، ثم إذا دخل نظر إلى موضع غير مكان قضاء حاجته يمكن وضعها فيه على وجه لا تُمْتهنُ فيه،
مثل:
أن يضعها على إبريق الماء، ويُبعده عنه، ويُنحّيه عن موضع قضاء حاجته، أو على مقبض الباب إن أمِنَ سقوطها، وقد دلّت الأصول الشرعية على أنه ينبغي للمسلم أن يعظِّم شعائرَ الله، (وهي كل ما أشعر الله بتعظيمه) كما في قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} ولا شك في أن القرآن، وكتب التفسير، والحديث، ونحوها كلّها من شعائر الله لما فيها من آيات القرآن، وأحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهما الوحي،
والأصل فيه أن يكرَّم كما قال سبحانه وتعالى منبهاً عباده على هذا الأصل الشرعي:
{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} فقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} خبر بمعنى الإنشاء ففيه تنبيه على ما ينبغي على المسلم من إكرام الوحي.
قوله رحمه الله:
[ورَفْعُ ثَوبِه قَبلَ دُنوهِ مِنَ الأَرْضِ]: مراده أنه ينبغي على المكلف إذا أراد أن يقضي حاجته أن يرفع ثوبه إذا دنى من الأرض،
وهذا مبني على الأصل الشرعي الموجب لمنع كشف العورة ووجوب حفظها كما في الحديث الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام:
[إِحْفَظْ عَورَتَكَ] وقد جاز له كشفها لقضاء الحاجة، فلا يكشفها إلا مقارباً لذلك، وذلك عند دنوه من الأرض، ولأن ذلك أبلغ في الاستتار، فإذا رفع ثوبه قبل الدّنو من الأرض كان ذلك مكروهاً له، لا محرماً.
قوله رحمه الله: [وكلامُه فِيهِ]: أي ولا يتكلم فيه،
والضمير في قوله:
[فيه] عائد إلى الموضع الذي يقضي فيه حاجته،
والنهي عن ذلك ورد فيه حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
[لا يذهبُ الرّجلانِ يَضْربانِ الغائطَ يُكلّم أحدُهمَا صَاحِبَه، فإن الله يَمقُتُ ذَلِكَ] ولو صحّ هذا الحديث لكان موجباً للتحريم، لأن مقْتَ الفعل دالّ على مَقْتَ الفاعل، والفعل الموجب للمقت محرم شرعاً.والكلام أثناء قضاء الحاجة إعتبره المصنف رحمه الله مكروهاً لا محرماً، وهو عند بعض أهل العلم رحمهم الله من خوارم المروءة، فمن فعله سقطت مرؤته، ورُدّتْ شَهادُته، ولا شك في أن الحياء مانع من فعل ذلك،
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيح:
[إِن مما أَدْركَ النّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبوةِ الأُولى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَع ما شِئْتَ]، وتستثنى الحالات التي توجد فيها ضرورة،
أو حاجة للكلام فمثال الضرورة: أن يخشى على إنسان الهلاك، ويكون في حال قضاء حاجته، فيصيح لإنقاذه، وإعلام الغير بحاله،
ومثال الحاجة:
أن يترك صبياً فيخشى ذهابه، وضياعه، فيكلمه حتى يكون ذلك سبباً في بقائه، وعدم ذهابه، ونحو ذلك مما تدعو الحاجة إليه.
وقوله رحمه الله: [وكلامه فيه] فيه فائدة حيث إن الحكم بكراهية الكلام متعلق بحال وجود الإنسان في موضع قضاء الحاجة بغضِّ النّظر عن كونه يقضي حاجته، أو لا، وعليه فبمجرد دخوله للموضع يمتنع من الكلام.
قوله رحمه الله: [وبَولُهُ في شَقٍ، ونحوه] أي ويكره أن يبول في شَقٍّ،
والشَّقُ:
واحد الشُّقوق، وهو الصَّدْع في الأرض، وقوله [ونحوه] أي نحو الشق من الفتحات مثل: الثُّقْبِ، وقد علّل بعض الشّراح ذلك بكونها مساكن للجنِّ، فإذا بال فيها آذاهم فيؤذونه، وذكروا في ذلك قصة موت سعد إبن عبادة رضي الله عنه وفي سندها كلام. ومن أهل العلم من علّل ذلك بأن الهوامَّ، والحشرات تكون غالباً في هذه المواضع، فإذا بال فيها خرجت عليه، فما كان منها مؤذياً كالحيّات، والثّعابين يؤذيه، وربما يتسبب في موته، وعلى الأقل ربما خرج عليه أثناء البول فيقطع بوله فيُزْرِمَه فيضره ذلك في جسده كما هو معروف عند الأطباء، ولو خرجت الحشرات الصغيرة تنجست بالبول، فربما سعت إلى قدميه، وجسده، أو ثوبه فتَلوَّثَ بالنجاسة، ومن هنا نبّه المصنف رحمه الله على عدم البول في هذه المواضع، والتَّنبيه على ذلك موافق لأصول الشريعة.
قوله رحمه الله:
[ومسُّ فَرْجِهِ بِيَمينِه] أي: ويكره أن يمسَّ الفرج باليمين، والصحيح: أن ذلك محرم لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لا يُمْسِكَنَّ أحدُكمْ ذَكَرَهُ بيمينِه وهُو يَبُولُ، ولا يَتَمسحُ من الخلاءِ بِيَمينِه]، والنهي يقتضي التحريم، ومثله حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهو صحيح.عبّر المصنف رحمه الله بالفرج ليدل على شموله للقبل، والدبر سواء كان من المرأة، أو الرجل، فلا يجوز لمسه بيمينه.والتعبير باللّمس يدلُّ على أنّ محل ذلك أن يباشر الفرج بيده دون وجود حائل،
ومفهومه:
أنه إذا وجد الحائل فلا بأس، وهو أحد الوجهين عند أهل العلم رحمهم الله.والنهي عن مسِّ الفرج باليمين، وتحريمه محلّه إذا لم توجد حاجة، أو ضرورة،
فإن وجدت فلا حرج مثل: أن يكون ذلك لتعذر اللّمس بالشمال كمن كانت يده اليسرى مشلولة، أو مقطوعة، أو بها علّة تمنع مباشرتها، والحكم بالمنع لا يختص بالإنسان نفسه بل يشمل غيره، فلا يجوز للمرأة أن تلمس ذكر صبيّها باليمين، وهكذا الطبيب، بل يقع اللّمس عند وجود الموجب للترخيص لهم به بغير اليد اليمنى منهم،
ويكون تعبير النصِّ في الأحاديث الناهية عن إمساك الإنسان لذكره في قوله:
[أحدُكُمْ ذَكَرَهُ] قد خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن يمسك الإنسان ذكر نفسه،
والقاعدة في الأصول:
[أن النصَّ إذا خَرَج مخرَجَ الغَالبِ لم يُعْتَبرْ مَفهُومُه].
قوله رحمه الله: [واسْتِنْجَاؤه، واسْتِجْمارُه بها]: أي ويكره إستنجاؤه، واستجماره بها أي بيده اليمنى، وقد قدمنا أن الصحيح أن هذا محرم لورود النهي الدّال على ذلك.والمراد باستنجائه باليمين أن يصبَّ الماء على فرجه قُبلاً كان، أو دبراً رجلاً كان، أو إمرأة ثمّ يلمسه بها أثناء الإستنجاء لطلب حصول النقاء.
والحكم فيه كما تقدم في لمس الفرج أنه لا يجوز عموماً سواء إستنجى لنفسه، أو إستنجى لغيره كغسل فرج الصبيِّ، والصَّبية، والعاجز، والمشلول، ونحوهم، فلا يجوز أن يكون ذلك باليمين.
وأما الإستجمار باليمين فهو أن يأخذ الأحجار، والمناديل التي يريد أن يستجمر بها بيده اليمنى، وينظف بها المكان، صحيح أن المباشرة للفرج كانت بالحجر، والمنديل لكن الشّرع نهاه أن يفعل ذلك بيمينه؛
كما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
[ولا يَسْتَطِبْ بِيَمينهِ]، وظاهر النهي التحريم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 18-06-2020, 05:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (17)

صـــــ105 إلى صــ111


وقد أورد بعض العلماء رحمهم الله إشكالاً في الاستطابة، خاصّة إذا كانت من البول من الرجل، فمن المعلوم أنه لا يجوز له أن يمسك ذكره بيمينه كما قدمنا، وهنا لا يجوز له أن يمسك الحجر، أو ما يستجمر به بيمينه، وهو لا بد له أن يمسك ذكره أثناء الإستجمار، فإن أمسكه باليمين خالف النهي الوارد عن إمساكه بها، وإن أمسكه بشماله فسيمسك الحجر بيمينه ويكون مستطيباً بها؛ فخالف النهي الوارد عن الاستطابة بها، فكيف يفعل؟وأجيب بأنه لا يمسك ذكره بيمينه لأن النهي صريح في ذلك، ويمسك الحجر باليمين، ويثبِّتها، ولا يحرِّكها، ويكون التحريك للعضو باليسار، وحينئذ لا يكون مستطيباً بيمينه، ويرتفع الإشكال، لأن الإستطابة باليمين تكون بتحريكه للحجر، والمنديل، فيمتنع من فعل التحريك، ويُبْقيها ثابتة، ويحرِّك يسراه لتحصل الإستطابة بها وحدها.

قوله رحمه الله:
[وإِسْتِقْبالُ النَّيرَيْنِ] أي ويكره له أن يستقبل النيّرين،
والنيّران هما:
الشمس، والقمر،
وصفا بذلك لوجود النور فيهما كما قال تعالى:
{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}، والحكم بكراهة استقبال النَّيرين ورد فيه حديث ضعيف،
وقيل:
لما فيهما من نور الله تعالى كما مشى عليه صاحب الروض وقيل: لأنهما من آيات الله، وقيل: لأنّ عليهما ملكين وكلها أقوال ضعيفة،
والصحيح:
أنه لا يكره إستقبالهما،
واستدبارهما لأنّ السُّنة ثبتت بجواز ذلك كما في الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
[لا تَسْتقبلوا القِبلةَ، ولا تَسْتدبِروها ببولٍ، ولا غَائطٍ ولكنْ شَرِّقُوا، أو غَربوا] ومن المعلوم أن هذا الحديث خاطب عليه الصلاة والسلام به أهل المدينة، والقبلة بالنسبة لهم جنوباً،
فقوله:
[شَرِّقوا، أو غَرِّبوا] إذن باستقبال المشرق، والمغرب، وهذا يستلزم لا محالة أن يستقبل النيّرين قطعاً خاصة عند الطلوع، والغروب، فدل على عدم صحة القول بتحريم إستقبال النيرين، وأن الصحيح جوازه، خاصة، وأنه لم يثبت في النهي عن ذلك، ولا فيما ذكروه من العلل دليل شرعى يعتمد عليه في ذلك.
قوله رحمه الله: [ويَحرُمُ إِسْتقبالُ القِبلةِ، واسْتِدبارُها في غير بُنيانٍ]: أي: ويحرم على المكلف أن يستقبل القبلة، أو يستدبرها في غير بنيان، وهذه المسألة إختلف فيها العلماء رحمهم الله على ستة أقوال،
وهي:
القول الأول: يحرم الاستقبال، والاستدبار مطلقاً، وهو مذهب الحنفية، واختاره الإمام ابن حزم، وشيخ الإسلام رحمة الله على الجميع.
القول الثاني:
يجوز الاستقبال، والاستدبار مطلقاً؛ وهو مذهب الظاهرية، وبعض السلف رحمهم الله.
القول الثالث:
يجوز الاستدبار، دون الاستقبال؛ وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة، وأحمد، وقول بعض السلف رحمهم الله.
القول الرابع: يجوز الاستدبار، دون الاستقبال في البنيان، دون الصحراء؛ وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
القول الخامس: يجوز الاستقبال، والاستدبار في البنيان، دون الصحراء؛ وهو مذهب الجمهور، وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة رحمهم الله.وهذه هي أقوال العلماء -رحمة الله عليهم- في هذه المسألة وقد بيّنتها، وذكرت أدلتها، ووجه دلالتها في شرح بلوغ المرام، والذي يترجح في نظري،
والعلم عند الله هو القول بالتحريم مطلقاً لما يلى:

أولاً:
لصحة دلالة السنة في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لا تَسْتَقبلُوا القِبْلةَ، ولا تَسْتَدبروها ببولٍ، ولا غائطٍ، ولكنْ شَرِّقوا، أو غَرِّبوا] متفق عليه، ومثله حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه فهذا نهي عام شامل للإستقبال، والإستدبار في الصحراء، والبنيان، والأصل في النهي أنه محمول على التحريم حتى يدلّ الدليل على صرفه إلى الكراهة.
ثانياً: أنه دليل حظر، وما إستدل به من خالفه فدليله للإباحة،
والقاعدة:
(أنه إذا تعارضَ الحاظِرُ، والمُبيحُ قَدّمنا الحاظرَ عَلى المُبِيح).ثالثاً: أنّ حديث إبن عمر رضي الله عنهما في رؤيته للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقْضِي حَاجَتَهُ على لَبِنَتيْنِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الكَعْبَةِ] لا يقوى على معارضة حديثنا من الوجوه التالية:
الوجه الأول:
أنّ حديثنا قول إشتمل على خطاب، وتشريع للأمة، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما فعل من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
والقاعدة:
(أنه إِذا تعَارضَ القَوْلُ، والفِعْلُ، قَدّمْنا القَوْلَ على الفِعْلِ) لأن الفعل يدخله إِحتمال الخصوصية بخلاف القول الذي خُوطِبتْ به الأمّة، فيكون دليل القول أرجح.
الوجه الثاني: أنه لو كان فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشريعاً للأمة لما وقع على هذا الوجه الخفي الذي لا يمكن أن تطلع عليه الأمّة في الأصل، لأن وسيلته محرمة، وهي قصد النظر إليه عليه الصلاة والسلام على هذه الحالة، ولذلك لم تقع من إِبن عمر رضي الله عنهما قصداً، فلا شك أن هذا يَبْعُد معه القول بأنه تشريع للأمة، وهو يقوي دعوى الخصوصية له عليه الصلاة، والسلام.
الوجه الثالث: أنه على القول بأن العلّة في النهي هي تعظيم القبله؛ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينخرم فيه هذا المعنى لمكان العصمة، بخلاف عموم الأمة، فقوّى هذا المعنى القول بحمل حديث إِبن عمر رضي الله عنهما على الخصوصية.
الوجه الرابع: أنّ حديث إِبن عمر رضي الله عنهما لم يعارض حديث أبي أيوب رضي الله عنه من جميع الوجوه لأنه إِشتمل على إِستدبار الكعبة، وحديث النّهي جمع كلا الأمرين الاستقبال، والاستدبار، فلا يقوى على العارضة فيهما، بل تقع المعارضة فيه من وجه واحد، وهو الاستدبار دون الاستقبال، وحينئذ يضعف متنه عن معارضة متن حديث أب أيوب رضي الله عنه عند من يحمله على المعارضة العامة، ويقول بجواز الأمرين في البنيان، دون الصحراء، وهم الجمهور رحمهم الله.
رابعاً: أنّ أحاديث الجواز الأخرى لم تخل أسانيدها من كلام كما بيّناه في شرح البلوغ، وحديث النهي، والتحريم أصحُّ ثبوتاً، وأقوى دلالة على الحظر، والتحريم فكان مُقدّماً على غيره، والله تعالى أعلم.
قوله رحمه الله: [ولبْثُهُ فَوقَ حَاجتِه] أي: ويحرم أن يلبث بمعنى: أن يقعد في مكان قضاء الحاجة أكثر مما يحتاجه، بل عليه أن يبادر بالخروج منه بمجرد إنتهائه من حاجته، وطهارته منها،
والأصل في ذلك:
أن السنة دلّت على أنها أماكن فيها الضرر كما يشهد لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: [إنّ هذه الحُشوش محتَضَرة] أي تحضرها الشياطين،
وفي دعائه عليه الصلاة والسلام عند دخوله بقوله:
[اللهم إني أعوذُ بِكَ من الخبثِ، والخبائِثِ] ما يشير إلى هذا المعنى، وعلّل في الروض التحريم بكشف العورة، أي أنه سيبقى مكشوف العورة فوق قدر الحاجة، وهي علة واردة، ولكن يشكل عليها أنها تقتضي تخصيص التحريم بحال كشف العورة، فلو سترها، وأطال المكث لخرج من المنع، وظاهر كلام المصنف رحمه الله لا يدل عليه لأنه غير مُقيَّدٍ بهذه الحالة، بل العبرة بالمكان نفسه، ولذلك جعل التحريم مرتباً على إطالة اللبث، والمقام في المكان لغير حاجة، وظاهره أن العبرة بالمكان كما شهدت به دلالة السنة المتقدمة.
قوله رحمه الله:
[وبَولُه في طريقٍ، وظلٍّ نَافِع]: أي ويحرم عليه أن يبول في طريق؛ وسُمِّي الطريق طريقاً من الطَّرق؛ لأن الناس يطرقونه بنعالهم، وقيل: لأنه يُسمع فيه طرق النعال.
والطريق فيه موضعان:الموضع الأول: الطريق المعين المحدد، وهذا لا إشكال في حرمة قضاء الحاجة فيه سواء كانت بولاً، أو غائطاً، ومن فعل ذلك فإن الناس تلعنه،
وقد ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه نبّه أمته على ذلك بقوله:
[إِتّقُوا اللّعانينِ، قالوا: وما اللّعانَانِ يا رَسولَ الله؟ قال: الّذي يبُولُ في طريقِ النّاسِ، وظِلهمْ] فبيّن عليه الصلاة والسلام حرمة ذلك، وأنه موجب للعن الناس، وأمر أمته أن تجتنبه لما فيه من أذية المسلمين، ولا يجوز للمسلم أن يؤذي إخوانه، أو يتسبب في أذيتهم،
وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح:
[الُمسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الُمسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ، ولِسَانِهِ].
الموضع الثاني:
الجوانب المُهَيّأة لقضاء الحاجة كما في طرق السفر الآن، وقد تكون محجوزة لا يستطيع الإنسان أن يذهب في مكان غير أطراف الطريق فإذا إحتاج أن يبول فلا حرج عليه أن يقضي حاجته في تلك الأطراف، لبعد تلك الجوانب، وعدم حصول الضرر على المسافرين غالباً، ولكن عليه أن يبتعد عما يغلب على الظن نزول المسافرين فيه، للجلوس، أو الصلاة.
وأما الظِّلُ:
فهو الساتر من الشمس، والنّاس تحتاجه غالباً وترتفق بالنزول، والجلوس فيه، فإذا قضى حاجته فيه حَرَمَهم منه، أو آذاهم أثناء جلوسِهم فتَنجّسوا، أو تأذَوا بالرَّائحةِ، فحَرُم عليه أن يقضي فيه حاجته لذلك، ويفهم من قوله [نافعٍ] أنه إذا لم يكن كذلك جاز له قضاء الحاجة فيه، واعتبر بعض الفقهاء رحمهم الله العلّة، وهي حاجة الناس للإنتفاع بالمكان، وبنوا على ذلك تحريم البول في المكان المشمس الذي يجلس الناس فيه في الشتاء كما نبه عليه في الشرح.وأما الدليل على تحريم البول في الطريق فالأصل فيه ما تقدم ذكره في الطريق،
وهو ما ثبت في الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
[إِتّقُوا اللّعانينِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ وما اللّعانان؟ قال: الذي يَبولُ في طريقِ الناسِ، وظِلِّهمْ]، فدلّ على حرمة البول في هذين الموضعين، وفي حكمه التغوط، لأن المعنى فيهما واحد.
قوله رحمه الله: [وتَحتَ شَجَرةٍ عَليها ثَمرةٌ]: أي ويحرم عليه أن يبول تحت شجرة مثمرة، لأن الشجرة تغتذي بالنجاسة.ومذهب بعض العلماء أن الشجر إذا اغتذت بالنجاسة لا يجوز أكل ثمرتها؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرم الجلاّلة وهي التي تأكل العذرة، والنجاسة، فدلّ هذا على أن الشجر إذا اغتذى بالنجاسة لا يجوز أكل ثمره وهذا أصح قولي العلماء؛ أو تكون علة التحريم أن الشجر يستظل الناس بظلّه؛ فإذا قضى الحاجة تحته فإنه يمنعهم من المقيل، والنزول تحته، والإرتفاق به.
قال رحمه الله:
[ويُشْتَرطُ للاستِجمَارِ بأحجارٍ، ونَحوِها أَنْ يكونَ طاهِراً منْقِياً] في هذه العبارة بيّن المصنف الأمور التي ينبغي توفرها في الشيء الذي يستجمر به،
وقد ذكر في عبارته هنا وصفين لا بد من تحققهما:
الأول: أن يكون طاهراً.
والثاني: أن يكون منقياً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 18-06-2020, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (18)

صـــــ112 إلى صــ121



أما طهارة الشيء الذي يستجمر به فكأن يأخذ حجراً طاهراً، ويُنْقِي به الموضعَ، أو يأخذ ورقاً، أو قماشاً ما لم يكن فيه كتابة، أو شيءٌ محترم فيأخذ هذا الطاهر، ويُنْقِي به الموضع لأن الشّرع شرع الطهارة بالماء، والحجارة لإنقاء الموضع فإذا كان الشيء الذي يتطهر به نجساً لم يحقق مقصود الشرع لأنه يزيد الموضع نجاسة، ولا ينقيه.
والدليل على اشتراط هذا الوصف: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما جِيءَ له بالحجرين، والرَّوثة ليستنجي بها رمى الروثةَ،
وقال:
[إنها رِكْسٌ] وهي لغة اليمن أنهم يبدلون الجيم كافاً، والأصل [رِجْس] والرِّجْسُ: النَّجِسْ، فامتنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الإنقاء بالروثة بناء على أنها ركس، فدلّ على أنّ الشيء الذي يتطهر به لا بد من أن يكون طاهراً.
وأما شرط الإنقاء: فالمراد به أن يحصل النّقاء للموضع عند مسحه بذلك المستجمر به من الحجارة، والمناديل، ونحوها،
فأما إذا كان لا يُنْقِي مثل:
الزجاج، والحجر الأملس، والرُّخام الأملس، والفحم، ونحوها فلا يجزئ، لأنه لا يحقق مقصود الشرع من تنظيف المكان، وتنقيته، فلا تحصل به الطهارة،
ودليل ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام:
[أنه نهى عَنِ الإسْتِنْجَاءِ بالرَّجِيع، والعَظْمِ] والنهي عن الإستنجاء بالعظم مبني على كونه زاداً لإخواننا من الجن، ولأنه أملس لا يحصل به النقاء.
فتلخص مما سبق أنه لا بد من تحقق هذين الوصفين:

الأول:
أن يكون الشيء الذي يستجمر به طاهراً.
والثاني:
أن يحصل به النقاء للموضع من النجاسة.
قوله رحمه الله: [غيرَ عَظْمٍ، ورَوْثٍ]: لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الاستجمار بهما كما في أحاديث السنن، ومنها حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وغيره،
أما العظم فقال فيه عليه الصلاة والسلام:
[إِنه زادُ إِخوانِكُمْ مِنَ الجِنِّ] ولذلك لما إِجتمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجِنِّ سألوه الزاد؟ فقال: [لَكمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكر اسم اللهِ عَليْه تَجدونهَ أَوفَرَ مَا يكونُ لَحْماً] ولذلك نهي عن الاستجمار به، وهي إحدى العلتين فيه.
وقال بعض أهل العلم:
إن العظام مع كونها زاداً لإخواننا من الجن لا تُنْقِي الموضعَ ففرّعوا على هذه العلِّة حكما، وهو عدم الاستجمار بشيء أملس لا يُنْقي الموضع، وهي العلة الثانية في تحريم الإستنجاء به.
قوله رحمه الله:
[وطعامٍ]: أي وغير طعام فإن الطعام لا يجوز الاستجمار به لما فيه من الامتهان، والإفساد للنعمة، وكلاهما محرم، ولذلك نصّوا على أنه لا يجوز الاستجمار بالطعام، وهذا بإجماع أهل العلم رحمهم الله.
وقال بعض العلماء: إنه إذا قصد باستنجائه بالطعام إمتهان النعمة يكفر -والعياذ بالله- كما لو وطئها بقدمه قاصداً الامتهان، والكفر بالنعمة -نسأل الله السلامة والعافية-.
قوله رحمه الله:
[ومُحْتَرَمٍ]: المحترم: هو الشيء الذي له حرمة، ومعنى العبارة أنه لا يجوز الاستجمار بالمحترمات، ومنها كتب العلم،
لأنها من شعائر الله التي أشعر الله سبحانه بتعظيمها كما في قوله تعالى:
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1)، قال بعض العلماء: الشعائر جمع شعيرة،
وهي كل ما أشعر الله أي:
أعلم العباد بحرمته، وتعظيمه فلذلك لا ينبغي أن يستجمر بشيء محترم شرعاً لأنه مخالف لمقصود الشرع.
قوله رحمه الله: [ومتَّصِلٍ بِحيوانٍ]: كأن يستجمر بذيل الناقة، أو البقرة، أو يستجمر بظهرهما، كل ذلك لا ينبغي له لأنه في حكم الاستجمار بالطعام، ولما فيه من تنجيس الموضع المتصل بذلك الحيوان.
ومما ينبغي على طالب العلم أن يلاحظه أن هذه المستثنيات على ضربين:
الضرب الأول: ورد النصّ به كالعظم، والرَّوثِ.
والضرب الثاني: منه ما عُرف من أصول الشرع المنع منه كما في المحترم، ونحوه،
ومنه:
ما يفوِّت مقصود الشرع، وهو الذي لا يُنْقِي، وبناءً على ذلك نفهم أن أحكام مسائل الفقه تؤخذ تارة من نصِّ الشَّرع عليها، وتارة تُفْهم من أصوله العامة، فالعلماء -رحمهم الله- يذكرون ما نصَّ الشَّرع عليه؛ لأنه هو الأصل، ثم يُتبعونَه بما دلّت الشريعة عليه بالعمومات،
أو بالأصول العامّة كأن تقول:
مقصد الشريعة إحترام كتب العلم،
وإجلالها لقوله تعالى:
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} وفي الاستنجاء بها مخالفة لمقصود الشرع فيحرم، وقد قرر الإمام الشاطبي -رحمه الله- هذه القاعدة في مباحث المقاصد من كتابه الموافقات الذي ينبغي على طلاب العلم أن يقرؤوه، وأن يلمّوا به، وهو في الجزء الثاني من الموافقات، وهو من أنفس ما كتب في المقاصد،
(1) الحج، آية: 32.
******************
ومسائلها،
ويقال:
أنه أول من كتب في باب المقاصد،
وأفردها ببحوثها قرّر ذلك بقوله رحمه الله:
[قَصْدُ الشّارع من المكلّفِ أن يكون قصدُه موافقاً له لا مخالفاً] فإذا فهمنا أن مقصود الشريعة إحترام كتب العلم، وإجلالها، وسئلت عن شيء يتضمن إحتقارها، أو الاستخفاف بها، أو إنتقاصها تفهم أنه ليس ثَمّ شرع الله أي أن هذا الفعل المسؤول عنه مخالف لما أمر الشّرع به، فيُمنع منه بأصول الشّرع العامة لا بالنصّ عليه عيناً، وهذا الذي يسمونه الأخذ من أصول الشريعة العامة، وبناءً على ذلك لما كان مقصود الشرع إجلال ما أمر بإجلاله من كتب العلم، والمحترمات فرَّع العلماء -رحمهم الله- عليه هذه المسألة.
قوله رحمه الله: [ولو بِحَجرٍ ذي شُعَبٍ]: [لو]: فيها إشارة للخلاف في الفقه المذهبي.
ومنهم من يقول:
إنها مطلقاً إذا جاءت في كتب الفقه،
أو متونه مثل أن يقول المصنف:
[يجوز ذلك ولو على ظهر السفينة] تفهم أن المسألة على ظهر السفينة فيها خلاف، وتفهم أن ما بعد (لو) على الراجح عند المصنف، وأن هناك قولاً مخالفاً لهذا القول.
وقال بعض العلماء:
لا تشير إلى الخلاف إلا إذا التزم المصنف بها في مقدمته كما فعل خليل صاحب المختصر في الفقه المالكي، ونبّه على إعتباره لهذا المصطلح في مقدمته.
قوله رحمه الله:
[ولو بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ]: الحجر ذو الشعب هو: الذي يكون له ثلاث، أو أربع شُعَب على حسب كبره المهم أنه لو أخذ الحجر الذي له ثلاث شعب، واستجمر بشعبةٍ منه، ثم قلبه إلى الشعبة الثانية، واستجمر بها ثانية، ثم قلبه إلى الشُّعبة الثالثة، واستجمر بها، فإنه يجزيه عن الثلاثة الأحجار، وهذا محلّه في الحجر الكبير، دون الصغير كما هو معلوم.
قوله رحمه الله:
[ويُسنُّ قَطْعُه على وِتْرٍ]: ويسن قطعه: أي قطع الخارج على الوتر لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين،
فقال عليه الصلاة والسلام:
[ومَنْ إِسْتَجْمَرَ فَليُوتِر] وللعلماء في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [ومَنْ إسْتَجْمر فليُوتِرْ] قولان:
القول الأول:
" مَنْ اسْتَجْمَرَ " أي: قطع الخارج من بول، أو غائط فليوتر، وسنبين معنى ذلك.
القول الأول:
" مَنْ اسْتَجْمَرَ " أي: من تطيّب بالبخور، ونحوه فليوتر؛ لأن البخور يوصف بذلك، ولذلك قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح في أهل الجنة -جعلنا الله وإياكم منهم-: [مَجامِرُهم الألُوّةُ] فالاستجمار يقولون: المراد به التطيب، وهذا قول إمام دار الهجرة الإمام مالك -رحمة الله عليه- وقال به بعض أئمة اللغة،
ولذلك قالوا:
يُسنّ في تطييب الناس بالبخور أن يُطَيبوا مرة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو بأيِّ عددٍ آخر وتري، فإذا تطيب الإنسان بالطِّيب يقطع على الوتر، لأن له أصلاً عاماً في تفضيل الوتر؛ فيدخل فيه الطيب لإحتمال السنة له في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا.
فأما على القول الأول:
وهو تفسيره بقطع الخارج فبيانه أن من إستجمر بعد بوله إِن إنقطع الخارج وتطهّر الموضع بالثلاثة الأحجار، وهي الأصل فلا إشكال، وأما إذا لم ينقطع بذلك فتجب عليه الزيادة حتى يطهر الموضع، وحينئذ إما أن يحصل ذلك بعدد وترى كالخمس، والسبع فلا إشكال.وإما أن يحصل بعدد شفعيٍ كالأربع، والسِّت، والثمان فيزيد واحدة ليحصل الإيتار، وبها تكون السنة، وهكذا الحال في قطع الغائط.
قوله رحمه الله:
[ويَجِبُ الإستنجاءُ لكُلِّ خارجٍ إلا الريحَ] قصد المصنف رحمه الله أن يبين بهذه العبارة حكم الطهارة من الخارج بالاستنجاء، والإستجمار، وهو وجوبها، وقد دلّ على ذلك دليل السنة الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ثبت عنه من الأحاديث الكثيرة المشتملة على محافظته على الإستنجاء، والاستجمار،
ومن أشهرها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
[أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يأتي الخلاءَ قال: فأحمِلُ أنا، وغُلام معي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء]،
وكذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند البخاري في صحيحه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له لما أراد الخلاء:
[إئتني بِثَلاثةِ أحْجار]، وأمر بها عليه الصلاة والسلام،
ثم علّل ذلك الأمر بقوله:
[فإنها تُجزِيهِ] وهذا التعليل دال على الوجوب كما قرره الإمام ابن قدامة رحمه الله، لأن التعبير بهذه الصيغة مشعر باللزوم، والوجوب.
وقوله رحمه الله:
[ويَجبُ الإِسْتِنْجاءُ] ليس المراد به أن الإستنجاء بالماء متعيّن بل يجوز أن يعدل إلى الإستجمار بالطاهر من الحجر، والمنديل، ولا يجب الماء عيناً، سواء وجد الماء، أو لم يجده، وسواء كان مقيماً، أو مسافراً فهو مخيّر بينهما ولا يتعين عليه واحد منهما إلا إذا تعدى الخارج الموضع كما في الدبر فيجب الإستنجاء بالماء لتطهيره.وهل الأفضل الماء، أو الحجارة؟
والجواب: أن الماء أفضل لأنه أبلغ، وخاصة في النساء كما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تأمر به في حَقِّهنَّ،
والأحوال في الأفضلية على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الجمع بين الحجارة،
والماء وهي أفضلها كما نصّ عليه طائفة من أهل العلم رحمهم الله وفيها:
حديث أهل قباء، وهو متكلم في سنده، وتكلمنا عليه في شرح البلوغ، وبيّنا أن ضعف إسناده لا يمنع صحة متنه، لأن مقصود الشّرع حصول الطهارة على أتمِّ الوجوه، وأكملها، فهو موافق للأصول العامة، ولا يعتبر من البدع، والمحدثات حيث لا يعرف عن أحد من أئمة العلم رحمهم الله من المتقدمين أنه بدّع ذلك مع شُهرة حديثه، وكلام العلماء عليه بل نصّ بعضهم كما قدمنا على إستحبابه، وأنه أفضل لأن الكل ورد الإستنجاء، والإستجمار، وإنما لم ينصوا على تبديع فاعله؛ لأنه ليس من جملة التعبديات بإجماع العلماء رحمهم الله لأن الإستنجاء، والإستجمار من جملة الوسائل؛ كما هو مقرر عند العلماء، والنية لا تشترط فيها بلا خلاف كما قرره أئمة الفقه، والأصول رحمهم الله.
المرتبة الثانية: أن يستنجي بالماء لأنه أبلغ طهارة، ونظافة حيث لا يبقى معه شيء.
المرتبة الثالثة: الإستجمار بالطّاهر المُنْقِي.
وقوله رحمه الله: [مِنْ كُلِّ خَارج] فيه عموم لأن " كل " من ألفاظ العموم فيشمل كل خارج؛ سواء كان من القبل، أو من الدبر، وسواء كان من المائعات كالبول، والمذي، والودي، والدم، أو كان من الجامدات كالغائط، فإذا خرج الخارج أوجب الإستنجاء، أو الإستجمار.
قوله رحمه الله: [إِلا الرِّيحَ] إستثناء من العام المتقدم،
ومعناه:
فلا يجب الإستنجاء منها، وهذا بإجماع أهل العلم رحمهم الله، وحُكي خلاف شاذٌ أنه يستنجي منها.
ومن أهل العلم رحمهم الله من نبّه على مسألة مهمة، وهي خروج الريح برذاذ الغائط كما يقع ذلك في أحوال خاصة كما في حال الإسهال الشديد، ويشترط للزومه وجود دلالة على رذاذ الغائط، وإلا لزم البقاء على الأصل.
وعلى هذا القول فإن الإستنجاء لم يكن للريح وإنما هو من أجل خروج شيء من الغائط معه كما لا يخفى.
قوله رحمه الله:
[ولا يَصِحُّ قَبْلَه وضوء، ولا تَيَمّمٌ] مراده رحمه الله أنه يشترط لصحة الوضوء إذا خرج الخارج الموجب للإستنجاء أن يستنجي قبل وضوئه، فلو أنه توضأ بعد خروج الخارج، ثم إستنجى دون أن يلمس مثل: أن يصب الماء على الفرج، ويُمْسِكَه بحائلٍ، ونحوه مما لا يحصل معه نقض، أو يتوضأ، ثم يدخل البركة ليحصل غسل الفرج، ونحو ذلك، فإنه لا يصح وضوؤه بل عليه أن يعيده بعد استنجائه.وهذا هو أحد قولي العلماء رحمهم الله في المسألة،
والثاني:
أنه يصح الوضوء قبل الإستنجاء، واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عمر رضي
الله عنه لما سأله: أينام أحدنا، وهو جنب؟
فقال عليه الصلاة والسلام:
[تَوضّأ، واغسلْ ذكرك، ثم نَمْ]
قالوا: فجعل له الوضوء قبل الإستنجاء، فدل على جواز الأمرين،
وما ذكره المصنف رحمه الله يترجح بما يلي:

أولاً:
أنه الأصل الذي دلّ عليه دليل الكتاب في آية الوضوء من سورة المائدة،
وذلك من وجهين:
الوجه الأول: في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}،
ووجه الدلالة:
أن الله تعالى أمر بالوضوء عند إرادة القيام إلى الصلاة، وهذا يدل على أنه لا يُفصَل بينهما بفاصل الإستنجاء، وأنه هو الأصل.
الوجه الثاني: في قوله سبحانه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فجعل الطهارة بالأصل، والبدل بعد المجيء من الغائط، وهو كناية عن حصول طهارة الخبث.
ثانياً:
أن المحفوظ من هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنته أنه كان يستنجي، ثم يتوضّأ،وما حفظ عنه في حديث صحيح أنه قدم الوضوء على الإستنجاء.
ثالثاً: أن الدليل الذي إستدلوا به مجاب عنه: بأن الواو لمطلق الجمع فقوله: [تَوضّأ، واغْسِلْ ذَكَرَكَ] الاستدلال به على الوجه الذي ذكروه مبني على أن الواو تفيد العطف مع الترتيب، وهو مذهب ضعيف.
والصحيح عند طائفة من أئمة اللغة أن الواو تفيد مطلق الجمع بغَضِّ النظر عن كون هذا قبل هذا كأن تقول جاء محمدٌ، وعمرُ فهو لا يستلزم أن يكون محمد جاء قبل عمر؛ بل المراد حصول المجيء منهما،
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: [توضأ، واغْسِلْ ذَكَرَكَ] مراده حصول الأمرين، لا أن يوقع الوضوء قبل غسله لذكره، وقد تفيد الواو الترتيب إن دلّ الدليل على إرادته، وقصده كما في آية الوضوء؛ حيث ذكر فيها سبحانه الممسوح بين مغسولين؛ فدلّ على الترتيب، وأنه مقصود بين أعضاء الوضوء، وبناءً على ذلك يترجح القول بوجوب تقديم الإستنجاء على الوضوء، وأنه لا يصح الوضوء قبله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 18-06-2020, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (19)



صـــــ123 إلى صــ132


[باب السواك وسنن الوضوء]

السِّواك: يطلق، ويراد به: الآلة التي يُتَسَوَّكُ بها، ويطلق، ويراد به: فعل السِّواك؛ فمن إطلاق السواك مراداً به الآلة التي يستاك بها: حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه دخلَ على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في مرضه الذي تُوفي فيه، والسِّواك على طرفِ لسانِه، وهو يقول: أُعْ أُعْ كأنَّه يَتهوَّعُ -صلوات الله، وسلامه عليه-، فقوله:[والسواك]: يعني آلة السواك.
وأما إطلاق السواك مراداً به الفعل: فمنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:[لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أمتي لأَمرتُهمْ بِالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ] أي: بفعل السواك.
وباب السواك: المراد به بيان الأحكام، والسُّنن الواردة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السَواك، فقد شرع الله -عز وجل- السواك بهدي نبيه -صلوات الله وسلامه عليه- القولي، والفعلي، فكان عليه الصلاة، والسلام يستاك، ويأمر أصحابه بالسِّواك حتى ثبت في الصحيح أنه قال: [أَكْثرتُ عَليكُمْ في السِّواكِ]، وباب السواك يذكره العلماء قبل باب الوضوء، وقبل صفة الوضوء؛ والسبب في ذلك قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [لأَمرتهُمْ بالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ] وفي رواية: [مَع كُلِّ وُضُوءٍ]، وفي أخرى: [وعِنْدَ كلِّ وُضُوءٍ]، فقالوا: إن هذا محلُّه، ولذلك يذكرونه في باب الطهارة؛ ولأنّ السِّواك قسم من أقسام الطهارة في الوصف ففيه إنقاء موضع مخصوص؛ على صفة مخصوصة.
وقوله: [وسُنَنِ الوُضُوءِ]: أي في هذا الموضع سأبين لك جملة من الأحكام، والمسائل الشّرعية التي تتعلق بهدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السواك، وسننه في الوضوء.
والسُّنة في اللغة:
الطريقة، وأما في اصطلاح علماء الأصول: فهي: (ما يُثابُ فاعلُه، ولا يعاقبُ تاركُه)، وتشمل بمعناها العام كل ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هديه القولي، والفعلي، والتقريري.
قوله رحمه الله: [التَّسوكُ بعُودٍ لَيِّنٍ]: التّسوك تَفَعُّل من السِّواك أي: فعل السواك بعود ليِّنٍ هذا هو أحد الوجهين عند العلماء -رحمة الله عليهم- أن السواك المحمود شرعاً يكون بالعود، لا بغيره.
وذهب طائفة من العلماء إلى أن السواك يحصل بالعود، وبكل ما يُنْقِي الموضعَ كأن يستاك بخرقةٍ، أو بمنديل قالوا: لأن مقصود الشرع هو إنقاء الموضع، ولهم دليل يدل على قولهم في قوله عليه الصلاة والسلام: [السِّواك مَطْهرة لِلْفَمِ مَرْضَاة لِلْرَبِّ] وجه الدلالة من هذا الحديث: أن قوله: [السِّواكُ مطهرةٌ للفَمِ] أي: أن السواك من شأنه أن يطهِّر، فدلّ على أن كل ما يُطهِّر يصدق عليه أنه سواك شرعي، وتوسّط بعض العلماء فقالوا: إنه يثاب على قدر ما يصيب من السُّنة في النَّقاء، ولا يأخذ فضل السُّنة كاملاً إذا استاك بخرقة، أو بمنديل لكن يكون له فضل كما لو فقد العود، وأراد أن يستاك بمنديل قالوا: يثاب على قدر ما أزال من قذر، ولا يحُصِّل السُّنة كاملة وهو إختيار الإمام إبن قدامة رحمه الله.
قوله رحمه الله: [ليّنٍ منْقٍ غيرِ مضرٍ]: قوله: [ليّن]: خرج اليابس قالوا: لأن اليابس يتفتت في الفم، فتكثر أوصاله، وهي مضرّة، ولربما أدمت اللُّثة، وجَرَحتْها، فقالوا يكون ليناً، مُنْقِياً، ولهذا أصل في حديث أم المؤمنين عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمّا كان في مرض الوفاة كما في الصحيحين دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه وعن أبيه- وفي يده سِواكٌ فأبَّده النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَصرَه فقالت له عائشة: أتحبُّه؟ فأشار برأسه أَنْ نَعَمْ، قالت: فأَخذْتهُ، فقضمتهُ، وطيبتهُ، ثم أعطيتهُ للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذه سنة على أن السواك لا يكون إلا مهيأً ليّناً، وأنه لا يستاك بالأعواد اليابسة مباشرة.
قوله رحمه الله: [مُنْقٍ غَيرَ مُضِرٍ]: منقٍ: أي منظِّف للموضع، وقوله: [غيرَ مُضرٍ] لأن الشرع لا يأمر بالضّرر، بل إن السِّواك شُرِعَ دفعاً لضرر النَّتنِ، والقَلحِ الموجود في الأسنان، وتنظيفاً لها.
قوله رحمه الله: [لا يَتَفتتُ] أي: أن السواك يكون بعودٍ لا تَتَفتّتُ أجزاؤه في الفم، لأن هذا يؤذي المستاك بخروج فتاته، وقد يُدمي اللثة كما قدمنا.
وقد ذكر المصنف رحمه الله هذه الصفات في السواك وهي:
أن يكون بعود ليِّن، منقٍ، غير مُضر، وهذه الصفات يتحقق بها مقصود الشرع، وبها يطيب إستخدام المسواك، ويشهد لذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما قدمنا، لأن حرصها على تطييبه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع إطلاعه وإقراره دالّ على أنه ينبغي الحرص على هذه الصفات التي يتحقق بها المقصود الشرعي من فعل السواك، وكما جاء أصل ذلك بالشرع فإن الطّبع يؤكده حيث إن الأطباء يستحبون ليّن السواك لاشتماله على المادة المساعدة على تنظيف الفمّ، إضافة إلى ما فيها من الفوائد التي تنتفع بها اللثة، وتقوى، وتتنظف بها الأسنان.
قوله رحمه الله:
[لا بِأُصبعٍ، أو خِرقةٍ] مراده رحمه الله أن السّواك الشرعي لا يكون بالأصبع، والخِرقة وهذا صحيح، أن السواك الذي وردت به السنة في الأصل بالعود كما قدمنا.وليس مراد المصنف رحمه الله تحريم تنظيف الفم بالأصبع، والخرقة خاصة عند عدم وجود عود السواك، بل ذلك جائز، فلا حرج على المسلم أن يدعك أسنانه بأصبعه، أو بخرقة خاصة عند عدم وجود المسواك، لأنه محتاج لإزالة الأذى، فإذا لم يتيسر العود جاز أن يزيله بأيِّ وسيلةٍ لأن السنة إشتملت على آلة، ومعنى، فالمعنى المقصود هو إزالة القذر، فإذا لم تتيسر الآلة شُرع تحقيق المقصود شرعاً، وهو المعنى، لكنه في حال الإختيار لا يكون سُنَّةً من كل وجه كما قدمنا، فمراد المصنف رحمه الله أنّ السِّواك الشرعي لا يكون بالأصبع، والخرقة، وهذا لا يمنع الجواز، فليس مراده تحريم تنظيف الأسنان بغير السواك الشرعي، كما هو موجود في زماننا من التنظيف بالمعجون، ونحوه.
قوله رحمه الله: [مسنونٌ كُلَّ وقتٍ]: دلت هذه العبارة على مسائل:
المسألة الأولى: أن السواك مسنون، وإذا كان مسنوناً فمعناه أنه مشروع، وهذه المسألة محلّ إجماع بين العلماء رحمهم الله.
المسألة الثانية: التعبير بكونه سنّة المقصود به بيان عدم وجوبه، وهذا هو مذهب الجمهور، ومنهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، رحمة الله على الجميع، وخالفهم الظاهرية رحمهم الله فقالوا بوجوبه، وقيل بعض الظاهرية، وليس كلُّهم.
وقد بيّنا هذه المسألة في شرح البلوغ، وعمدة الأحكام، وأن الذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول بعدم الوجوب، وذلك لما يلى:أولاً: ظاهر السنة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أمتي لأَمرتهمْ بِالسِّواك عِنْد كُلِّ صلاةٍ] فبيّن عليه الصلاة والسلام أنه لو أوجب السِّواك على أمته لأوقعهم في المشقة، وهي منتفية شرعاً، فانتفى الوجوب.
ثانياً: أن دليل الوجوب، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [إِسْتاكُوا عَرْضاً] ضعيف حيث لم يثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يقوى على إثبات الحكم بالوجوب، فبقينا على الأصل، وهو براءة الذمة من لزوم السواك.
المسألة الثالثة: أن هذه السنية في كل وقت من ليل، أو نهار في أي جزء من أجزائهما، سواء كان ذلك في حال صيام، أو غيره، وهذا هو مذهب الحنفية، والمالكية، وبعض الشافعية، والحنابلة، واستدلوا على ذلك بعموم الأدلة التي أمرت بالسواك، واستحبته دون فرق بين وقت، وآخر، والأصل في العامِّ أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، فلو كان للسواك أوقات، دون أوقات لاستثنى عليه الصلاة والسلام وخصّص من العموم كما قال في الاستنشاق: [وبالغ في الإستنْشاقِ إلا أَنْ تكونَ صَائماً] فأحاديث السواك الصحيحة العامة لم يرد فيها شيء من الإستثناء كقوله: [عليكمْ بالسِّواك]
وقوله:
[لأمرتهم بالسِّواكِ عنْدَ كُلِّ صلاةٍ]، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [السِّواكُ مَطْهرةٌ للفَمِ مَرْضَاةٌ لِلربِّ].
وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى إستثناء ما بعد زوال الشمس لمن كان صائماً فقالوا:
لا يستاك إلى غروب الشمس، وهو ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله:
[لغيرِ صَائمٍ بَعْدَ الزَّوالِ]: مراده أن استحباب السواك في جميع الأوقات إلا في وقت واحد؛ فلا يستحب، وهو من بعد زوال الشمس لمن كان صائماً إلى الغروب، وقوله رحمه الله [صائم] عام يشمل الصائم فرضاً، ونفلاً، وهذا هو القول الثاني لأهل العلم -رحمة الله عليهم- في هذه المسألة، وهو مذهب الحنابلة، والشافعية، واحتجوا لذلك بأدلة:أولها: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصحيح: [لخُلُوفُ فَمِ الصائمِ أَطْيبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيح المِسْكِ] ووجه الدلالة: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتدح الخلوف، وأخبر أنه أطيب عند الله من ريح المسك، والسواك بعد الزوال يُذْهِبُ الخلوفَ؛ فلا يُشرع فعلُه.
ثانياً: حديث خبّابِ بنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[إذا صُمْتُمْ فَاسْتاكُوا بِالغَداة، ولا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ]، ووجه الدلالة: أنه نهى عن السِّواك في العشِيِّ، والعشيُّ يبدأ بزوال الشمس؛ فدلّ على أنه لا يُستاك بعد الزوال.
ثالثاً: القياس حيث قاسوا خلوفَ فمِ الصائمِ على دمِ الشّهيد فقالوا: الخلوف أثر عبادة الصيام؛ فلا تُشرع إزالته بالسواك بعد الزوال؛ كما لا تُشرع إزالة أثر الشهادة بغسل دم الشهيد؛ بجامع كون كلٍ منهما أثر عبادة محمودٍ شرعاً.
والذي يترجح فى نظري والعلم عند الله هو القول بمشروعية السواك على العموم، ولا إستثناء لما بعد الزوال للصائم، وذلك لما يلى:
أولاً: لصحة دلالة السنة في عمومها على ذلك، والأصل في العامِّ أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، ولم يرد دليل صحيح على تخصيصه هنا.
ثانياً: أن إِستدلالهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في:
[فضل خلوف الصائم] يجاب عنه بأن خلوف الصائم منشؤُه من الجوف بسبب الجوع، والعطش، وليس من الفم، فإزالة وسخ الأسنان لا يؤثر في الخلوف، ولا يزيله، وليس له به علاقة.وبه أيضاً يجاب عن استدلالهم العقلي بالقياس.
ثالثاً: أن حديث خَبَّاب رضي الله عنه الذي رواه البيهقي، والدارقطني يجاب عنه: بأنه حديث ضعيف الإسناد، فلا يثبت به التخصيص.
رابعاً: أنه ثبتت السنة في حديث عاصمٍ رضي الله عنه أنه قال:
[رأيتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أُحصي يستاكُ، وهو صائم] وهو عامّ، حيث لم يفرق بين ما قبل الزوال، وما بعده.
وبهذا كله يترجح القول بجواز الإستياك في جميع الأوقات، واستحبابه فيها دون إستثناء.وبعد أن بيّن رحمه الله سُنّية السِّواك في كل وقت لغير صائم بعد الزوال شرع رحمه الله في بيان الأوقات التي هي آكد إِستحباباً، وذلك بقوله: [متأكد عِنْدَ صَلاةٍ] أي: أن السواك يتأكد فعله عند صلاة، وصلاة نكرة شاملة للنافلة، والفريضة.
والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
[لَوْلا أَنْ أشقَّ على أُمّتي لأمرتُهم بالسِّواك عِنْد كُلِّ صلاةٍ]، وفعل السِّواك عند الصلاة أي: قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام.
وللعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: قال الجمهور يشرع قبل الصلاة أن يستاك الإنسان، ولو كان في المسجد.
القول الثاني:
كراهية السواك عند الصلاة مباشرة وهو قول طائفة من فقهاء المالكية رحمهم الله، وحملوا الحديث في قوله:
[عِنْد كُلِّ صلاةٍ] على أن المراد به عند الوضوء كما في الرواية الأخرى، وقالوا: إننا لو قلنا إن الإنسان يستاك عند الصلاة لحصلت محاذير:
أولها:
إنه ربّما جرح اللُّثة لأن السواك لا يأمن أن يكون ناشفاً؛ فيجرح اللثة، أو يُدْمِيها، فيسيل الدّم، والدّم نجسٌ، وهو قول الجماهير.
ثانيها: أن الإنسان إذا إِستاك عند الصلاة إما أن يتفل في المسجد، وهذا ممتنع عليه لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال كما في الصحيح:
[البُصَاقُ في المسجدِ خطيئةٌ] وإما أن يبلع الوسخ، والقذر الذي أخرجه السِّواك من أسنانه، فيكون منظفاً لظاهره، ومفسداً لباطنه بدخول هذه الفضلة إلى الباطن، والتي قد تضرُّ بالجسد، فلا يُشرع فعل السواك على هذا الوجه.
والصحيح أنه يشرع قبل الصلاة لظاهر السنة في ذلك أما ما ذكروه من إدماء اللثة، فإنه يحتاط بالسواك الرَّطب، وكذلك -أيضاً- يحتاط بإجراء السواك على العظم دون أذية اللثة، ثم إن هذا لا يقع إلا في بعض الأنواع من السواك؛ فلا يقتضي منع الكُلِّ، فصار المحظور في بعض الأحوال، لا في كلِّها وهذا يقتضي أن دليلهم أخص من الدعوى، وأما ما ذكروه من البصاق بالمسجد، فليس على كل حال لإمكان أن يبصق الإنسان في منديل، أو في ثوبه، وإذا كان المسجد غير مفروش بصق تحت قدمه اليسرى، ثم دفن بصاقه لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال في من يبصق في السجد:
[ولا يَبْصُقْ عن يمينِه فيُؤذي بها الذي عنْ يَمينِه، ولا يبْصُقْ عنْ شِمالِه؛ فيُؤذي الذي عن شمالِه، ولكنْ عنْ يسارِه تحتَ قدمِه] هذه هي السُّنة، إذا كان المسجد غير مفروش، أما إذا كان مفروشاً فإنه يبصق في منديل، ونحو ذلك.
وقال بعض العلماء:
إنه يستحب عند الصلاة لمكان دنو الملك من القارئ عند قرآته للقرآن، كما ورد في الخبر، ولذلك قالوا: يتأكد إستحبابه عند الصلاة لاشتمالها على القراءة.
قوله رحمه الله:
[وانْتِباهٍ]: أي إنتباه من النوم لأنّ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كما ثبت في الصحيحين: [كانت تُعِدُّ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاكه، وطَهُوره، فيبعثه الله من اللّيل ما شَاء]، وكان من هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا قام من نومه بالليل يشُوصُ فَاهُ بالسِّواك، كما جاء في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في الصحيحين.
قال بعض العلماء: هذا يتضمن السواك على الوجهين عند الصلاة؛ لأنه قائم من أجل الصلاة، وعند الإنتباه من النوم، لأنه لما إِنتبه من النوم تغيرت رائحة فمه، فشُرِع له أن يُزيل تلك الرائحة بالسواك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 18-06-2020, 05:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (20)

صـــــ13 إلى صــ140


قوله رحمه الله: [وتَغيّرِ فمٍ]: أي إذا تغيّرت رائحة الفم فإنه يتأكد السواك، وتتغير رائحة الفم إما بسبب طول السكوت، والصمت، أو بالجوع، والظمأ، أو أكل شيء تبقى رائحته بالفم.
فيتأكد في حقه السواك في هذه الحالات، وقد دل على ذلك حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كاَن إذا قامَ مِنَ اللّيلِ يَشُوصُ فَاهُ بالسِّواك]، والشوص: الدّلك، فهذا الحديث إِستنبط منه أهل العلم رحمهم الله أن النوم مظنة تغير رائحة الفم، ففهم منه أن السواك متأكد في جميع الأحوال التي تتغير فيها رائحة الفم.
قوله رحمه الله: [ويَسْتَاكُ عَرْضاً]: الاستياك عرضاً للعلماء فيه وجهان:منهم من قال المراد به عرض السِّن، وهو أن يأخذ من طرف فمه الأيمن إلى طرف فمه الأيسر، فيبدأ باليمين إلى اليسار، فيكون إستياكه مراعياً فيه عرض السن.
وقيل: العرض عرض الفم، وذلك يكون بطول السن، فكأنه يستاك لكل سنِّ على حِدَةٍ.
والصحيح أن صفة السواك يسنُّ فيها التيامن، ومراعاة المقصود الشرعي، وهو حصول النّقاء، وأما الإستياك عرضاً على الوجهين السابقين فإنه لم يثبت أصله لأنهم بنوه على حديث: [إِسْتاكوا عَرْضاً] وهو حديث ضعيف.
فلم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفة السواك إلا الأصل العام وهو التّيمن الذي دلّ عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[كان يُعجِبُه التيمنُ في تَنعُّله وتَرجّله، وطُهُورِه، وفي شَأنه كلِّه] على أن السِّواك داخل في عموم الطُّهور، وما عدا التّيمن، وهو الإستياك عرضاً، أو طولاً فإنه موسّع فيه، وليس فيه شيء محدّد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله رحمه الله:
[مُبْتدئاً بجانبِ فَمِه الأَيْمن]: أي يبدأ سِواكه بجهة اليمين من فكيه قبل اليسرى منهما لظاهر حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ونص العلماء على أن السُّنة أن يبدأ بالشق الأيمن وينتهى بشقه الأيسر، ويكون السواك على هذه الصفة مسنوناً لما فيه من التأسي بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قوله رحمه الله:
[ويَدَّهنُ غِبّاً]: الإدهان يكون للشعر يشمل ذلك شعر الرأس، واللحية، وهذا أورده المصنف في باب السِّواك مع أنه ليس منه بناء على ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: [اسْتَاكُوا عَرْضاً، وادهِنوا غِبّاً، واكْتَحِلوا وِتْراً]، ولذلك أدخل هذه الجزئية في باب السواك؛ على تأول أن الحديث وارد تأدباً مع الحديث، وهذا منهج للفقهاء أنهم يذكرون الشيء مع الشيء وإن لم يكن منه تأسياً بآية، أو حديث ذكرا فيها معاً، والسُّنة أن الإنسان يدهن شعر رأسه، ولحيته إذا أمكنه ذلك، وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرجّل شعره.
والدليل على مشروعية ذلك:
حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، والذي تقدم وفيه قولها: [وتَرجّلِه] أي ترجيله لشعره فدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يعتني بشعره فيدهنه ويرجله، ولذلك قالوا: يسن.
قال بعض العلماء: ترْجيل الشعر أن يدهن الشعر، ثم يسرِّحُه أي: أن يجمع بين تسريح الشعر، ودهنه.
وقال بعض العلماء: التَّرجيل هو مطلق التسريح بغَضِّ النظر عن كونه بدهنٍ، أو بدون دهن، ومن سماحة الشريعة أنه يُشرع للإنسان أن يضع الدهن في شعر رأسه، ولحيته، وذلك على الوسط، فلا يترك الشعر أشعث أغبر، ولا يبالغ في الإدهان، والتسريح، وإنما يكون وسطاً، أما كونه لا يتركه شعثاً فحتى لا يتشبه بأهل الرّهبنة، وأهل البدع، والأهواء من الذين هم غلاة أهل الطرق الذين يبالغون في التّزهد، والتّقشف فلا يتشبَّه بهم، وكذلك -أيضاً- لا يتشبَّه بمن يتكلّف، ويبالغ في تجميل نفسه كأهل الخَنا، والمجون فيكون وسطاً، وهذا هو القِوام الذي جعل الله -عز وجل- عليه شريعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الإفراط، والتفريط.
ومن الأدلة على أنه لا يداوم على الترجيل حديث النسائي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى الصَّحابة أن يمْتشطوا كل يوم، ولذلك ينبغي للإنسان إذا كان ولا بد أن يمتشط يوماً، ويترك يوماً، وهذا أبلغ في الرجولة، وأبلغ في الفحولة مع الاعتدال، دون غلو، وإجحاف، ولذلك يشرع تسريح الشعر، وتسريح اللحية، ولكن ينبغي أن يكون في فعله لذلك غير متشبه بأهل الخَنا، والفُجور؛ وإنما يكون على قصد القربة، والتَّأسي بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في إكرام الشعر.
والسُّنة أنه إذا إدّهن أن يبدأ بشقِّه الأيمنِ، فيضع الزيت على شِقِّ لحيته الأيمن، ثم يبدأ بتسريح شعر لحيته، ثم شِقّه الأيسر بعد أن يفرغ من شِقِّه الأيمن، وفي رأسه كذلك يبدأ بجانبه الأيمن، ثم الأيسر بعده، كما فعل عليه الصلاة والسلام في غسله من الجنابة، وحلقه لشعره في النُّسك كما في الصحيح، حيث راعى تقليم شق رأسه الأيمن قبل الأيسر.
قوله رحمه الله: [ويَكْتحلُ وتْراً]: الاكتحال: أن يضع الكحل في العين، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: [عَليْكم بالإثمدِ؛ فإنه يَجلُوا البصَر، ويُنبِتُ الشَّعَرَ]، والإثمد: هو الحجر الأسود، وهذا هو المحفوظ في لغة العرب، وفيه شواهد في اللغة، وكذلك نبَّه عليه غير واحد منهم الإمام إبن مفلح رحمة الله عليه في الآداب الشرعية أنه الحجر الأسود، وهو أقوى، وأنصع، وأبلغ في تنظيف العين، وقوة البصر، وقد امتدح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا النوع من الحجر لما فيه من العلِّة التي ذكرها: [أنه يَجْلُوا البَصَرَ، ويُنْبِتُ الشعَرَ] أي: يجلوا بصر الإنسان؛ فينظِّف العَيْنَ، ويجعل فيها حِدَّةً في الإبصار، وكذلك يُنْبِتُ الشعر في الرِّمْشِ، وهو يحفظ العين بإذن الله من الأتربة، وغيرها.
وقوله رحمه الله:
[ويَكْتَحِلُ وِتْراً]: للعلماء فيه وجهان:
الوجه الأول:
أن يكحل العينين معاً في المرة الأولى يبدأ باليمنى، ثم اليسرى، ثم يرجع الثانية، والثالثة كذلك.
والوجه الثاني:
أن يكحل كل عين على حِدَةٍ وتراً ثم إذا إِنتهى منها أكحل اليسرى.
ومحل الخلاف: إذا كان الوتر بغير الواحدة، والذي يظهر أن الأمر في هذا واسع، وهو مختلف بحسب إِختلاف أحوال الناس، وليس فيه أمر محدّد.
قوله رحمه الله: [وتَجِبُ التسميةُ في الوُضُوءِ]: بعد أن فرغ رحمه الله من بيان السّواك وأحكامه، شرع في بيان واجبات الوضوء فقال رحمه الله: [وتَجِبُ] الواجب: يطلق في اللغة بمعنين:
الأول: بمعنى الساقط يقال: وجب الشيء إذا سقط، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (1) أي سقطت، واستقرت على الأرض، ومنه ما ثبت في الحديث الصحيح: [أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان يُصلّي المغربَ إذا وَجَبَتْ] بمعنى سقطت، وغاب قرصها.
والثاني:
بمعنى: اللازم تقول: هذا واجب عليك؛ بمعنى: أنه لازم، وحتم، ومنه قول الشاعر:أطاعتْ بنُوا عوفٍ أَميراً نَهاهُموا ... عَنِ السِّلمِ حتى كَانَ أَولَ واجبِ أي: أول لازم عليهم أن يفعلوه.
وأما في الإصطلاح فالواجب: (هو ما يُثَابُ فَاعِلُه، ويُعَاقَبُ تَارِكُهُ).
فإذا قال العلماء هذا واجب أي:
أنه يلزم المكلف أن يقوم به، فإن فعل ذلك أُثيب، وإن تركه فإنه يعاقب.
(1) الحج، آية: 36.
****************************** ******
قوله رحمه الله: [وتَجِبُ التسْميةُ] أي: أن من أراد أن يتوضأ فيجب عليه أن يقول: بسم الله عند وضوئه، وتُعرف هذه المسألة بمسألة التَّسمية في الوضوء، وهي مسألة خلافية مشهورة للعلماء رحمهم الله فيها قولان:
القول الأول: إن التَّسمية ليست بواجبة في الوضوء، وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
القول الثاني: إن التسمية واجبة في الوضوء، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقول بعض المحدثين رحمهم الله.وقد إستدل الجمهور رحمهم الله على مذهبهم بدليل الكتاب، والسنة.أما دليلهم من الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .... } الآية، ووجه الدلالهَ: أن الله تعالى بيّن صفةَ الوضوء الواجبة في هذه الآية الكريمة، فلو كانت التَّسميةُ واجبةٌ لنصَّ عليها، ولكنه لم ينصَّ عليها، وقد نصَّ على وجوب التَّسمية في الذبح، والصيد فقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وقال سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وقال سبحانه: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} وقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} فلو قال قائل: إن السنة دلت على التسمية فالجواب: أن السنة دلت على أن من توضأ بما في آية الوضوء أجزأه، فدل ذلك على أن ما زاد عليها فهو سنة مستحب؛ بدليل قوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي لما سأله عن الوضوء: [تَوضّأ كَمَا أَمَركَ اللهُ]، والله لم يأمر بالتسمية في آية الوضوء.
وأما دليلهم من السنة:
فأحاديث صفة الوضوء في الصحيحين، وغيرهما عن عثمان، وعلي، وعبد الله ابن زيد رضي الله عن الجميع، وكلها لم تذكر تسميته عليه الصلاة، والسلام على أول الوضوء؛ فدلّ ذلك على عدم وجوبها.وأما القائلون بوجوب التسمية فقد استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داوود، وأحمد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لا وُضوءَ لمنْ لمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللهِ عَليْه] ووجه الدلالة: أن قوله: [لا وُضُوءَ] المراد به لا وضوء صحيح، فلا يجوز له أن يتوضأ، دون أن يذكر اسم الله على وضوئه.
والذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول بعدم وجوب التسمية، وذلك لما يلي:
أولاً: لصحة دلالة الكتاب، والسنة على ذلك كما تقدم.
ثانياً: أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه يُجَابُ عنه سنداً: من جهة الكلام في سنده، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: [إنه لا يصحُّ في التسمية شَيءٌ]، وعلى القول بتحسينه، فإنه لا يُعارَض به الصحيح؛ لأنّ الحديث الحسن معمول به ما لم يخالف ما هو صحيح، كما هو مقرر في الأصول، وقد أشار إلى ذلك بعض أهل العلم رحمه الله بقوله:وهُو في الحُجّة كالصّحِيحِ ... ودُونَه إِنْ صيِرَ للترجِيحِ
ثالثاً: أنّ متن حديث أبي هريرة رضي الله عنه محتمل لمعنيين:
الأول: أن يكون النفي متعلقاً بالصِّحة، كما يقوله من يحتج به، وحينئذ يكون معارضاً لغيره.
الثاني: أن يكون النفي متعلقاً بالكمال، وحينئذ لا يكون معارضاً لغيره.
وإذا تردَّدَ الحديث بين معنيين أحدُهما:
معارض، والثاني: غيرُ معارض وجب حمله على الوجه الذي لا يُعارض، فحمله على نفى الكمال أولى من هذا الوجه، ويكون معناه لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه.
يبقى النظر في قوله: [وتَجِبُ التَّسميةُ]: فالتَّسميةُ: تَفْعلِة من ذكر اسم الله، فما هي التسمية؟ التسمية الكاملة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولكنّها هنا بسْم الله، فيقف عند قوله: بسم الله؛ لأن قوله: [لمنْ لمْ يَذكرُ اسْمَ الله] المراد به اسم الله فقط، بدليل أن الله قال: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند تذكيته: [بسْمِ اللهِ]، وبناءً على ذلك فإن التسمية تكون: بسم الله وحدها.
واختلف العلماء هل يحلُّ غيرِ لفظ الجلالة محلّه؛ كأن يقول: بسم الرَّحمن، وبسم الرّحيمِ، وبسم المَلكِ، وبسم القدّوسِ، وبسم العَزيز؟والصحيح: أنه ينبغي الإقتصار في الأذكار على الوارد دون تغيير، أو تبديل، ولا يجُتهد فيها، فقوله عليه الصلاة والسلام: [لا وُضُوءَ لمنْ لم يَذكرُ اسْمَ اللهِ] يقتضى ذكر اسم الله وَحْدَه، وذلك لشرف هذا الاسم، وفضله، ولذلك قال بعض العلماء في قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (1) قيل: {هَلْ} بمعنى لا أي: لا تعلم له سميّاً، فعلى أحد الأقوال في تفسيرها: إنه اسم {الله} لم يتسمَّ به أحدٌ، وهذا لشرفه، وكلُّ أسمائه سبحانه مشرفة، حتى قال طائفة من العلماء: إنه هو الإسم الأعظم الذي إذا سأل العبد ربه به أيَّ حاجة خالصاً من قلبه إستجابَ دعاءَه، ولذلك يقْتصر على هذا الاسم بعينه، وهو قوله: [بِسْم اللهِ] ولا يُعدل إلى قول: بِسْم الرّحيم، وبِسْم الرّحمن.قوله رحمه الله: [وتَجب التَّسميةُ في الوُضُوءِ] معناه: أن يبتدئ عبادة الوضوء بذكر اسم الله -عز وجل-، وهذه التسمية واجبةٌ في مذهب الحنابلة عند أول واجب من واجبات الوضوء مثل: غسل الكفين عند الإستيقاظ من النوم، ومستحبةٌ عند أوَّل المستحبات، مثل: أن يبتدئ غسل كفيه في غير استيقاظ، وفرضٌ عند أول فرضٍ، فعلى القول بفرضية المضمضة، والإستنشاق يسمّ قبلهما، وعلى القول بعدم فرضيتهما يكون أول فرض هو الوجه.
فيتلخص مما سبق أن الأفضل، والأكمل أن يأتي بها في أول الوضوء، ويكون ذلك استحباباً إلا إذا كان مستيقظاً من نومه فيكون واجباً، ثم له ترك المستحب في المستحب حتى يبدأ في الفرائض، فتكون البداءة بها ثم واجبة

(1) مريم، آية: 65.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 237.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 231.16 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]