19-06-2019, 09:10 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة :
|
|
الزائرة الثقيلة
الزائرة الثقيلة
عبير النحاس
لم تر سارة من وجهها عندما وقفت أمام المرآة سوى تلك الحبة المزعجة , وقد شعرت بالكثير من الغيظ لأن الزائرة التي لا تعرف الاستئذان أبدا تربعت هذه المرة في منتصف جبينها الجميل, و لم يكن هناك طريقة لإخفائها عن العيون المتطفلة .
راحت ترفع حاجبيها ثم تعيدهما و تتلمس تلك الحبة بيدها و تضغط عليها بقوة , و لكن لا أمل فقد كانت متأكدة أنها لن تغادر قبل أسبوع كامل .
كانت سارة مضطرة للذهاب لزيارة صديقتها زينة هذا اليوم , و كانت شديدة الحرص على أناقة مظهرها و جمال شكلها أمام صديقاتها , فقد كانت تقضي الساعات حزنا على شعرة سقطت من رموش عينيها , و تلزم المنزل لأيام بانتظار أن تغادر وجهها حبة كهذه الحبة التي زارتها اليوم , و تقوم بإحصاء الشعرات العالقة بالفرشاة بشكل يومي , و تكاد تقيم مجلس عزاء لو ارتدت إحدى صديقاتها أو قريباتها ملابس تشبه ما تملكه , وكانت ترفض بشدة مساعدة والدتها في تقشير حبات الثوم لأن رائحتها ستبقى عالقة بيديها لفترة طويلة , و من ثم تسرع نحو علبة (الكريم المطري) كلما غسلت بعض الأطباق .
و لكنّ هذه الحبة العنيدة و التي تقبع في مكان واضح جدا من وجهها كانت مقلقة , ولم يكن في وسعها أن تعتذر عن تلبية دعوة زينة لها , و لم تكن بالقادرة على تأجيل موعد الزيارة في هذا اليوم , و قد استعّدت زينة و الأخريات , و من المؤكد أنها أعدت أطباق الضّيافة التي تصْنعها بنفسها كما في كل مرة .
ارتدت ملابسها بتثاقل شديد, و هي ترى غمز أعينهن و سخريتهن من وجهها, و تستمع لقصتها على لسان جميع سكان المدينة , و تشعر بالسكينة تفارقها لسنوات , بينما تؤرقها ذكريات تلك الحبّة أياما طويلة .
رن جرس الباب .. تسارعت دقات قلبها و هي تسمع صوت والدتها :
أسرعي يا سارة , ريم هنا .
حملت حقيبتها مسرعة و توجهت خارج الغرفة :
قادمة يا أمي
اقتربت من الباب , ابتسمت لها ريم و صافحتها و طبعت على جبينها قبلات ودودة , ثم استدارت نحو الباب لتخرج قائلة :
وداعا يا خالتي ...هيا أسرعي يا سارة سنتأخر و تفوتنا أطباق زينة الشهية .
رفعت سارة حاجبيها دهشة و قد رأت ريم غير مكترثة بتلك الحبة الملتصقة بجبينها , ثم سارت بقربها تستمع لحديثها المرح دون أن تقْدر على الابتسام , لاحظت ريم شرودها فسألتها :
ما بك يا سارة ؟
لا شيء .
و لكنك حزينة يا عزيزتي.
إنها حبّتي يا ريم .
نظرت ريم بدهشة نحو وجه سارة :
أي ّحبة ؟
أشارت إليها :
إنها هنا
نظرت ريم ثم ابتسمت قائلة :
إنها حمراء و جميلة
هل تسخرين مني يا ريم
لا يا عزيزتي و لكنها تبدو جميلة حقا و هي ما تزال حمراء , لو رأيت تلك الحبة التي زارتني أخيرا لقد كانت بلون أبيض مقزز , و لكن لم الحزن و كلنا نتعرض في هذه السن لمثل هذه الزيارات المزعجة ؟
نظرت سارة مستغربة , فأكملت ريم :
اسمعي .. حاولي نسيان أمر الحبة , و لا تفكري فيها ..و سترين أن الجميع لن يلحظنها كذلك .
تلمست سارة جبينها فأمسكت ريم يدها و أبعدتها برفق
هيا جربي دعيها عنك يا سارة .
سأحاول .
وصلت الصديقتان إلى منزل زينة , وقرعت ريم الباب , فتحت زينة الباب و استقبلتهنّ بابتسامتها الجميلة المعهودة , و صافحت أيديهن بمحبة , ابتسمت سارة و هي ترى صديقاتها جالسات بمرح و جلست بينهن تستمع و تحكي لهن أخبارها الممتعة , و نسيت أمر الحبة دون أن تتعمد نسيانها , و بعد تناول الحلوى اللذيذة التي صنعتها زينة و العصير الرائع اللذيذ , قرّرت ريم و سارة المغادرة , فودعتا الصديقات و غادرتا منزل زينة .
في الطريق ابتسمت سارة و نظرت نحو ريم قائلة :
أشكرك يا ريم , لقد كانت نصيحتك رائعة حقا .
أجابت ريم مبتسمة
و لكنني ما زلت أقول أن تلك الحبة الحمراء جميلة .
ضحكت الصديقتان و أكملتا سيرهما بسعادة , و في المنزل وقفت سارة بشجاعة أمام تلك المرآة و ابتسمت للحبة ابتسامة كبيرة جدا .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|