|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#711
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (711) صــ 271 إلى صــ 280 وكان بعض البصريين يقول معنى قوله: "أخلد" : لزم وتقاعسَ وأبطأ، و "المخلد" أيضًا: هو الذي يبطئ شيبُه من الرجال =وهو من الدواب، الذي تبقى ثناياه حتى تخرج رَباعيتاه. (1) * * * وأما قوله: (واتبع هواه) ، فإن ابن زيد قال في تأويله، (2) ما: 15434- حدثني به يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (واتبع هواه) قال: كان هَواهُ مع القوم. * * * القول في تأويل قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمثل هذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، مثلُ الكلب الذي يلهث، طردْته أو تركته. * * * ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله جَعَل الله مثَله كمثل الكلب. فقال بعضهم: مثَّله به في اللهث، لتركه العمل بكتابِ الله وآياته التي آتاها إياه، وإعراضِه عن مواعظ الله التي فيها إعراض من لم يؤته الله شيئًا من ذلك. فقال جل ثناؤه فيه: إذْ كان سواء أمرُه، وُعِظَ بآيات الله التي آتاها إياه، أو لم يوعظ، في أنه لا يتَّعظ بها، ولا يترك الكفر به، فمثله مثل الكلب الذي سواءٌ أمره في لهثه، طرد أو لم يطرد، إذ كان لا يتركُ اللهث بحال. (1) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 233 / ثم معاني القرآن للفراء 1: 399. (2) في المطبوعة (( كان أبن زيد قال ... )) ، وهو سيء جداً، لم يحسن قراءة المخطوطة. * ذكر من قال ذلك: 15435 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث) قال: تطرده، هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعملُ به. 15436 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج قال: قال ابن جريج قال مجاهد: (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث) قال: تطرده بدابتك ورجلك = "يلهث" ، قال: مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه = قال ابن جريج: الكلب منقطِع الفؤاد، (1) لا فؤاد له، إن حملت عليه يلهث، أو تتركه يلهث. قال: مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له، إنما فؤاده منقطع. 15437 - حدثني ابن عبد الأعلى قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن بعضهم: (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) ، فذلك هو الكافر، هو ضالٌّ إن وعظته وإن لم تعظه. (2) 15438 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (فمثله كمثل الكلب) إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها، وإن ترك لم يهتد لخير، كالكلب إن كان رابضًا لهث وإن طرد لَهَث. 15439 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: آتاه الله آياته فتركها، (1) سقطت (( منقطع )) من المخطوطة، وهي في سائر المراجع كما في المطبوعة. (2) الأثر: 15437 - (( ابن عبد الأعلى )) ، هو (( محمد بن عبد الأعلى )) . و (( ابن ثور )) ، هو (( محمد بن ثور )) وكان في المطبوعة والمخطوطة (( ابن توبة )) ، وهو خطأ لا شك فيه، بل هذا، اختصار الإسناد الذي سلف مرارًا، وآخره رقم: 15410، وكأنه يعنى بقوله: (( عن بعضهم )) : الكلبى، ولذلك فكره. فجعل الله مثله كمثل الكلب: "إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث" . 15440 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان) ، الآية، هذا مثلٌ ضربه الله لمن عُرِض عليه الهدى، فأبى أن يقبله وتركه = قال: وكان الحسن يقول: هو المنافق = "ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" قال: هذا مثل الكافر ميتُ الفؤاد. * * * وقال آخرون: إنما مثّله جل ثناؤه بالكلب، لأنه كان يلهث كما يلهثُ الكلب. * ذكر من قال ذلك: 15441 - حدثنا موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) ، وكان بلعم يلهث كما يلهث الكلب. وأما "تحمل عليه" : فتشدُّ عليه. * * * قال: أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويلُ من قال: إنما هو مثلٌ لتركه العمل بآيات الله التي آتاها إياه، وأنّ معناه: سواء وعظ أو لم يوعظ، في أنه لا يترك ما هو عليه من خلافه أمر ربّه، كما سواءٌ حمل على الكلب وطُرِد أو ترك فلم يطرد، في أنه لا يدَع اللهث في كلتا حالتيه. وإنما قلنا: ذلك أولى القولين بالصواب، لدلالة قوله تعالى: (ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا) ، فجعل ذلك مثلَ المكذِّبين بآياته. وقد علمنا أن اللُّهَاث ليس في خِلقة كل مكذّب كُتب عليه ترك الإنابة من تكذيبه بآيات الله، (1) وأن ذلك إنما هو مثل ضربه الله لهم، فكان معلوما بذلك أنه للذي وصف الله صفته في هذه الآية، كما هو لسائر المكذبين بآيات الله، مثلٌ. (2) (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( من تكذيب )) ، والذي أثبت أرجح عندي في سياقه. (2) السياق "أنه للذي وصف الله صفته ... مثل: خبر" أن "." القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا المثل الذي ضربتُه لهذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، مثلُ القوم الذين كذبوا بحُججنا وأعلامنا وأدلَّتنا، فسلكوا في ذلك سبيل هذا المنسلِخ من آياتنا الذي آتيناها إياه، في تركه العمل بما آتيناه من ذلك. * * * وأما قوله: (فاقصص القصص) ، فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاقصص، يا محمد، هذا القصص، الذي اقتصصته عليك (1) = من نبأ الذي آتيناه آياتنا، وأخبارَ الأمم التي أخبرتك أخبارهم في هذه السورة، واقتصَصْت عليك نبأهم ونبأ أشباههم، (2) وما حلّ بهم من عقوبتنا، ونزل بهم حين كذبوا رسلَنا من نقمتنا= (3) على قومك من قريش، ومَنْ قِبَلَك من يهود بني إسرائيل، ليتفكروا في ذلك، فيعتبروا وينيبوا إلى طاعتنا، لئلا يحلّ بهم مثل الذي حلّ بمن قبلهم من النّقم والمثلات، ويتدبَّره اليهود من بني إسرائيل، فيعلموا حقيقةَ أمرك وصحَّة نبوّتك، إذ كان نبأ "الذي آتيناه آياتنا" من خفيّ علومهم، ومكنون أخبارهم، لا يعلمه إلا أحبارُهم، ومن قرأ الكُتب ودرسها منهم. وفي علمك بذلك =وأنت أميٌّ لا تكتب، ولا تقرأ، ولا تدرس الكتب، ولم تجالس أهل العلم= الحُجَّة البينة لك عليهم بأنك لله رسول، وأنك لم تعلم ما علِمت من ذلك، وحالُك الحال التي أنت بها، إلا بوحي من السماء. (4) * * * (1) في المطبوعة: (( الذي قصصته) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( وقصصت نبأئهم )) ، غير ما في المخطوطة، كالتعليق السالف. (3) السياق: (( فاقصص يا محمد هذا القصص الذي اقتصصته عليك ... )) على قومك من قريش )) . (4) انظر تفسير (( القصص )) فيما سلف ص: 7، تعليق: 1، والمراجع هناك. وبنحو ذلك كان أبو النضر يقول. 15442 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن محمد، عن سالم أبي النضر: (فاقصص القصص لعلهم يتفكّرون) ، يعني: بني إسرائيل، إذ قد جئتهم بخبر ما كان فيهم ممّا يخفُون عليك = "لعلهم يتفكرون" ، فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر عمّا مضى فيهم إلا نبيٌّ يأتيه خبرُ السماء. * * * القول في تأويل قوله: {سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ساءَ مثلا القوم الذين كذبوا بحجج الله وأدلته فجحدوها، وأنفسَهم كانوا ينقصُون حظوظَها، ويبخسونها منافعها، بتكذيبهم بها لا غيرَها. * * * وقيل: "ساء مثلا" من السوء "، (1) بمعنى: بئس مثلا (2) = [مَثَل القوم] (3) = وأقيم" القوم "مقام" المثل "، وحذف" المثل "، إذ كان الكلام مفهومًا معناه، كما قال جل ثناؤه: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) ، [سورة البقرة: 177] فإن معناه: ولكن البرَّ، برُّ من آمن بالله =وقد بينا نظائر ذلك في مواضع غير هذا، بما أغنى عن إعادته. (4) " * * * (1) في المطبوعة: (( من الشر )) ، وفي المخطوطة غير منقوطة، والصواب ما أثبت. (2) الكلام. انظر تفسير (( ساء )) فيما سلف 8: 138، 358 / 9: 101، 205 / 10: 465 = والنحاة يعدون (( ساء )) فعلا جامدا يجرى مجرى (( نعم )) و (( بئس )) . (3) ما بين القوسين زيادة لا يتم الكلام إلا بها، ولكن الناسخ خلط في هذه الجملة خلطاً شديداً، فحذف من قوله بعد: (( ولكن البر بر من آمن )) ، كلمة (( بر )) ، ففسد الكلام. (4) انظر التعليق السالف رقم: 2، ثم 3: 338، 339 / 10: 313، وما سلف من فهارس مباحث العربية والنحو وغيرها، في باب الحذوف. القول في تأويل قوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الهداية والإضلال بيد الله، و "المهتدي" =وهو السالك سبيل الحق، الراكبُ قصدَ المحجّة= في دينه، مَن هداه الله لذلك، فوفَّقه لإصابته. والضالُّ من خذله الله فلم يوفقه لطاعته، ومن فعل الله ذلك به فهو "الخاسر" : يعني الهالك. * * * وقد بيّنا معنى "الخسارة" و "الهداية" ، و "الضلالة" في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * (1) انظر تفسير هذه الألفاظ في فهارس اللغة (هدى) ، (خسر) ، (ضلل) . القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا لجهنّم كثيرًا من الجن والإنس. * * * يقال منه: ذرأ الله خلقه يذرؤهم ذَرْءًا. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: (1) انظر تفسير (( ذرأ )) فيما سلف 12: 130، 131، وهناك زيادة في مصادره. 15443 - حدثني علي بن الحسين الأزدي قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، في قوله: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس) قال: مما خلقنا. (1) 15444 -.... حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن مبارك، عن الحسن، في قوله: (ولقد ذرأنا لجهنم) قال: خلقنا. 15445 -.... قال: حدثنا زكريا، عن عتاب بن بشير، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير قال: أولاد الزنا ممّا ذرأ الله لجهنم. 15446 - قال: حدثنا زكريا بن عدي، وعثمان الأحول، عن مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرو، عن معاوية بن إسحاق، عن جليس له بالطائف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لما ذرأ لجهنم ما ذرأ، كان ولدُ الزنا ممن ذرأ لجهنم" . (2) 15447 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: (1) (1) الأثر: 15443 - (( على بن الحسن الأزدي )) ، وفي المطبوعة والمخطوطة: (( على بن الحسين )) ، وتبعت ما مضى برقم 10258، لموافقته لما في تاريخ الطبري. وقد ذكرت هناك أنى لم أجد له ترجمة، وبينت مواضع روايته عنه في التاريخ. ووقع هناك خطأ، فإن الذي في الإسناد (( على بن الحسن )) ، وكتبت أنا في الهامش والتعليق: (( على بن الحسين )) ، وكذلك فعلت في الفهارس، فليصحح ذلك. ووقع خطأ آخر في الفهارس، كتبت رقم: (10285) ، وصوابه (10258) . (2) الأثر: 15446 - (( زكريا بن عدى بن زريق التيمى )) ، شيخ أبي كريب، وهو راوى الخبر، ثقة جليل، مضى برقم: 1566. (( عثمان الأحول )) ، شيخ أبي كريب، هو (( عثمان بن سعيد القرشي )) ، الزيات الأحول الطيب الصائغ. مضى برقم: 137، 11547. و (( مروان بن معاوية الفزارى )) ، الحافظ الثقة، مضى برقم: 1222، 3322، 3842، 7685. و (( الحسن بن عمرو الفقيمى التميمى )) ، ثقة أخرج له البخاري في صحيحه، مضى برقم: 3765. و (( معاوية بن إسحق بن طلحة التيمى )) ، تابعى ثقة، مضى برقم: 3226. وهذا إسناد ضعيف، لجهالة من روى عنه (( معاوية بن إسحق )) ، وهو (( جليس له بالطائف )) . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 147، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ وابن مردويه. حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد ذرأنا لجهنم) ، يقول: خلقنا. 15448 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا أبو سعد قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (ولقد ذرأنا لجهنم) قال: لقد خلقنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس. 15449 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (ولقد ذرأنا لجهنم) ، خلقنا. * * * قال أبو جعفر: وقال جل ثناؤه: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس) ، لنفاذ علمه فيهم بأنهم يصيرون إليها بكفرهم بربِّهم. * * * وأما قوله: (لهم قلوبٌ لا يفقهون بها) ، فإن معناه: لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم من خلقه قلوب لا يتفكرون بها في آيات الله، ولا يتدبرون بها أدلته على وحدانيته، ولا يعتبرون بها حُجَجه لرسله، (1) فيعلموا توحيد ربِّهم، ويعرفوا حقيقة نبوّة أنبيائهم. فوصفهم ربُّنا جل ثناؤه بأنهم: "لا يفقهون بها" ، لإعراضهم عن الحق وتركهم تدبُّر صحة [نبوّة] الرسل، (2) وبُطُول الكفر. وكذلك قوله: (ولهم أعين لا يبصرون بها) ، معناه: ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، فيتأملوها ويتفكروا فيها، فيعلموا بها صحة ما تدعوهم إليه رسلهم، وفسادِ ما هم عليه مقيمون، من الشرك بالله، وتكذيب رسله; فوصفهم الله بتركهم إعمالها في الحقّ، بأنهم لا يبصرون بها. (3) وكذلك قوله: (ولهم آذان لا يسمعون بها) ، آيات كتاب الله، فيعتبروها ويتفكروا فيها، ولكنهم يعرضون عنها، ويقولون: (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا (1) انظر تفسير (( الفقه )) فيما سلف 11: 572، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( صحة الرشد )) ، ولا معنى لها، واستظهرت الصواب من سياق تفسيره، وزدت] نبوة [بين القوسين، لتطلب الكلام لها. (3) في المطبوعة: (( بأنهم لا يبصرون )) ، وأثبت ما في المخطوطة. فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ، [سورة فصلت: 26] . وذلك نظير وصف الله إياهم في موضع آخر بقوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ، [سورة البقرة: 171] .والعرب تقول ذلك للتارك استعمالَ بعض جوارحه فيما يصلح له، ومنه قول مسكين الدارمي: أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي السِّتْرُ (1) وَأَصَمُّ عَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا ... سَمْعِي وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرِ فوصف نفسه لتركه النظر والاستماع بالعمى والصمم. ومنه قول الآخر: (2) وَعَوْرَاءُ اللِّئَامِ صَمَمْتُ عَنْهَا ... وَإِنِّي لَوْ أَشَاءُ بِهَا سَمِيعُ (3) وَبَادِرَةٍ وَزَعْتُ النَّفْسَ عَنْهَا ... وَقَدْ تَثِقَتْ مِنَ الْغَضَبِ الضُّلُوعُ (4) (1) أمالي المرتضى 1: 43: 44 ثم 474، من قصيدة رواها وشرحها، وخزانة الأدب 1: 468، وصواب رواية البيت الأول: (( جارتى الخدر )) ، لأن قبله: ما ضر جارى إذ أجاوره ... أن لا يكون لبيته ستر ورواية الشطر الثاني: (( سمعى، وما بى غيره وقر )) ، بغير إقواء. (2) هو عبد الله بن مرة العجلي. (3) حماسة البحترى: 172، وأنسيت أين قراتها في غير الحماسة. والذي في حماسة البحترى: (( وعوراء الكلام )) ، وكانت في المخطوطة: و (( عوراء اللام )) ، وكأن الصواب ما في الحماسة. و (( العوراء )) ، الكلمة القبيحة، أو التي تهوى جهلا في غير عقل ولا رشد. ومن أجود ما قيل في ذلك، قول حاتم الطائي، أو الأعور الشني:وعَوْرَاءُ جَاءَتْ مِنْ أخٍ فَرَدَدْتُها ... بسَالِمَةِ العَيْنين طَالِبة عُذْرَا ولو أنَّنى إذ قَالها قلتُ مثلَها ... ولم أعْفُ عنها، أوْرَثتْ بيْنَنَا غَمْرَا فأعْرَضْتُ عَنْهُ وانتظرتُ به غَدا ... لعلَّ غدًا يُبْدِي لمنتظرٍ أمْرَا وقلتُ له: عد بالأخوة بينَنا! ... ولم أتَّخِذ ما كان من جَهْلِه قمرَا لأنزع ضبًّا كامنًا في فؤادِه ... وأُقَلِّمُ أظفارًا أطَالَ بها الحفرَا (4) في المطبوعة: (( ولو بنيت من العصب )) ، وهو كلام فاسد، غير ما في المخطوطة، وكان فيها (( وقد نتقت من العصب )) ، غير منقوطة، فلم يفهمها، فأتى بما لا يعقل. وفي حماسة البحترى: (( إذا تيقت )) ، ووضع كسرة تحت التاء، وفتح القاف. ولا معنى له. و (( البادرة )) ، الخطأ والسقطات التي تسبق من المرء إذا ما غضب واحتد، من فعل أو قول. و (وزع النفس عن الشيء ) ) ، كفها وحبسها. و (( تئق الرجل )) ، امتلأ غضباً وغيظاً. و (( التأق )) ، شدة الامتلاء حتى لا موضع لمزيد. وذلك كثير في كلام العرب وأشعارها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * * * * ذكر من قال ذلك: 15450 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا أبو سعد قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (لهم قلوب لا يفقهون بها) قال: لا يفقهون بها شيئًا من أمر الآخرة = (ولهم أعين لا يبصرون بها) ، الهدى= (ولهم آذان لا يسمعون بها) الحقَّ، ثم جعلهم كالأنعام سواءً، ثم جعلهم شرًّا من الأنعام، (1) فقال: (بل هم أضل) ، ثم أخبر أنهم هم الغافلون. * * * القول في تأويل قوله: {أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) } قال أ [وجعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (أولئك كالأنعام) ، هؤلاء الذين ذرأهم لجهنم، هم كالأنعام، وهي البهائم التي لا تفقه ما يقال لها، (2) ولا تفهم ما أبصرته لما يصلح وما لا يَصْلُح، (3) ولا تعقل بقلوبها الخيرَ من الشر، فتميز (1) في المخطوطة: (( ثم جعلهم كالأنعام، ثم جعلهم سواء شراً من الأنعام )) ، فحذف ناشر المطبوعة كلمة (( سواء )) ، ولكنى أثبتها في حاق مكانها. (2) انظر تفسير (( الأنعام )) فيما سلف 12: 139، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( مما يصلح، ومما لا يصلح )) ، أثبت ما في المخطوطة وهو جيد. ![]()
__________________
|
#712
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (712) صــ 281 إلى صــ 290 بينهما. فشبههم الله بها، إذ كانوا لا يتذكَّرون ما يرون بأبصارهم من حُججه، ولا يتفكرون فيما يسمعون من آي كتابه. ثم قال: (بل هم أضل) ، يقول: هؤلاء الكفرة الذين ذَرَأهم لجهنم، أشدُّ ذهابًا عن الحق، وألزم لطريق الباطل من البهائم، (1) لأن البهائم لا اختيار لها ولا تمييز، فتختار وتميز، وإنما هي مسَخَّرة، ومع ذلك تهرب من المضارِّ، وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلح. والذين وصفَ الله صفتهم في هذه الآية، مع ما أعطوا من الأفهام والعقول المميِّزة بين المصالح والمضارّ، تترك ما فيه صلاحُ دنياها وآخرتها، وتطلب ما فيه مضارّها، فالبهائم منها أسدُّ، وهي منها أضل، كما وصفها به ربُّنا جل ثناؤه. وقوله: (أولئك هم الغافلون) ، يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفتُ صفتهم، القومُ الذين غفلوا =يعني: سهوًا (2) عن آياتي وحُججي، وتركوا تدبُّرها والاعتبارَ بها والاستدلالَ على ما دلّت عليه من توحيد ربّها، لا البهائم التي قد عرّفها ربُّها ما سخَّرها له. * * * القول في تأويل قوله: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره (ولله الأسماء الحسنى) ،، وهي كما قال ابن عباس: - 15451 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال حدثني عمي، قال حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ، ومن أسمائه: "العزيز الجبار" ، وكل أسمائه حسن. (1) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) . (2) انظر تفسير (( غفل )) فيما سلف ص: 115، تعليق: 1، والمراجع هناك. 15452 - حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها كُلَّها دخل الجنة" . (1) * * * وأما قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، فإنه يعني به المشركين. (2) * * * وكان إلحادهم في أسماء الله، أنهم عدَلوا بها عمّا هي عليه، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها "اللات" اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو "الله" ، وسموا بعضها "العُزَّى" اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو "العزيز" . * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15453 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، قال: إلحاد الملحدين: أن دعوا "اللات" في أسماء الله. (1) الأثر: 15452 - (( هشام بن حسان القردوسي )) ، ثقة. روى له الجماعة، مضى برقم: 2827، 7287، 9837، 10258. وهذا إسناد صحيح. رواه البخاري من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة (الفتح 5: 262 / 11: 180 - 194) ، شرحه ابن حجر مستقصى غاية الاستقصاء. ورواه مسلم في صحيحه، من مثل طريق البخاري، ثم من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة (مسلم 17: 4، 5) . ورواه أحمد في مسنده من طرق، رقم: 7493، 7612، 8131، 9509، 10486، 10539، 10696. وانظر تخريجه هناك. وفي بعض طرقه زيادة: (( وإن الله وتر يحب الوتر )) أو (( إنه وتر يحب الوتر )) . (2) انظر تفسير (( ذر )) فيما سلف من فهارس اللغة (وذر) . 15454 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) قال: اشتقوا "العزى" من "العزيز" ، واشتقوا "اللات" من "الله" . * * * واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (يلحدون) . فقال بعضهم: يكذّبون. * ذكر من قال ذلك: 15455 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية، عن ابن عباس، قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) قال: الإلحاد: التكذيب. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: يشركون. * ذكر من قال ذلك. 15456- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا أبو ثور، عن معمر، عن قتادة: (يلحدون) قال: يشركون. (1) * * * وأصل "الإلحاد" في كلام العرب: العدول عن القصد، والجورُ عنه، والإعراض. ثم يستعمل في كل معوَجّ غير مستقيم، ولذلك قيل للحْد القبر: "لحد" ، لأنه في ناحية منه، وليس في وسطه. يقال منه: "ألحد فلانٌ يُلْحِد إلحادًا" ، و "لَحد يلْحَد لَحْدًا ولُحُودًا" . (2) وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرّق بين "الإلحاد" و "اللحٍْد" ، فيقول (1) الأثر: 10456 - (( ابن ثور )) هو (( محمد بن ثور الصنعانى )) ، مضى في الإسناد مرارًا، آخره رقم: 15437، حيث صححت خطأ آخر هناك. ثم ما سيأتي: 15459. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا (( حدثنا أبو ثور )) ، وهو خطأ محض. (2) (2) المصدر الثاني (( اللحود )) ، قلما نجده في معاجم اللغة، فقيده. في "الإلحاد" : إنه العدول عن القصد، وفي "اللحد" إنه الركون إلى الشيء. وكان يقرأ جميع ما في القرآن: (يُلْحِدُونَ) بضم الياء وكسر الحاء، إلا التي في النحل، فإنه كان يقرؤها: "يَلْحَدُون" بفتح الياء والحاء، (1) ويزعم أنه بمعنى الركون. وأما سائر أهل المعرفة بكلام العرب، فيرون أن معناهما واحدٌ، وأنهما لغتان جاءتا في حرفٍ واحدٍ بمعنى واحد. * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين: (يُلْحِدُون) ، بضم الياء وكسر الحاء من "ألحد يُلْحِد" في جميع القرآن. * * * وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: "يَلْحَدُونَ" بفتح الياء والحاء من "لَحَد يَلْحَدُ" . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أنهما لغتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك. غير أنِّي أختار القراءة بضمِّ الياء على لغة من قال: "ألحد" ، لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما. * * * وكان ابن زيد يقول في قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، إ نه منسوخٌ. 15457 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (وذَرُوا الذين يلحدون في أسمائه) قال: هؤلاء أهل الكفر، وقد نُسِخ، نَسَخه القتال. * * * (1) آية سورة النحل: 103 على قراءة الكسائى: "لِسَانُ الَّذِي يَلْحَدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ" . وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة / كما قال بن جرير بعد في تفسيره 14: 120 (بولاق) ، ولم يفرد الكسائي بالذكر هناك، لأنه خالفهم في قراءة الحرف في غير هذا الموضع. = ولا معنى لما قال ابن زيد في ذلك من أنه منسوخ، لأن قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، ليس بأمر من الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم بترك المشركين أن يقولوا ذلك، حتى يأذن له في قِتالهم، وإنما هو تهديدٌ من الله للملحدين في أسمائه، ووعيدٌ منه لهم، كما قال في موضع آخر: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، [سورة الحجر: 3] الآية، وكقوله: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، [سورة العنكبوت: 66] وهو كلام خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتهديد، ومعناه: أنْ مَهِّل الذين يلحدون، يا محمد، في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه، (1) فسوف يجزون، إذا جاءهم أجل الله الذي أجلهم إليه، (2) جزاءَ أعمالهم التي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله، والإلحاد في أسمائه، وتكذيب رسوله. * * * القول في تأويل قوله: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن الخلق الذين خلقنا "أمة" ، يعني جماعة (3) = "يهدون" ، يقول: يهتدون بالحق (4) = (وبه يعدلون) ، يقول: وبالحق يقضُون ويُنصفون الناس، (5) كما قال ابن جريج: - 15458 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن (1) في المطبوعة: (( أن تمهل )) لم يحسن قراءة المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( الذي أجله إليهم )) ، غير الضمائر، فأفسد الكلام إفساداً (3) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف ص: 208. تعليق: 2. والمراجع هناك (4) انظر تفسير (( هدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . (5) انظر تفسير (( عدل )) فيما سلف ص: 172، تعليق. 3، والمراجع هناك ابن جريج، قوله: (أمة يهتدون بالحق وبه يعدلون) قال ابن جريج: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: هذه أمتي! قال: بالحق يأخُذون ويعطون ويَقْضُون. 15459 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ... (1) 15460 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ، بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها: هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلَها: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) ، [سورة الأعراف: 159] . * * * القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بأدلتنا وأعلامِنا، فجحدوها ولم يتذكروا بها، سنمهله بغِرَّته ونزين له سوء عمله، (2) حتى يحسب أنه فيما هو عليه من تكذيبه بآيات الله إلى نفسه محسن، وحتى يبلغ الغايةَ التي كُتِبَتْ له من (1) وضعت هذه النقط، لأن الخبر لم يتم، فإما أن يكون سقط من الناسخ، وإما أن يكون إسناداً آخر للخبر الذي يليه. (2) فاجأنا أبو جعفر بطرح ضمير الجمع منصرفاً إلى ضمير المفرد، وهو غريب جداً. ولكن هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة. وتركته على حاله، لأني أظن أن أبا جعفر كان أحياناً يستغرقه ما يريد أن يكتب، فربما مال به الفكر من شق الكلام إلى شق غيره. وقد مضى مثل ذلك في بعض المواضع، حيث أشرت إليها. وهذا مفيد في معرفة تأليف المؤلفين، وما الذي يعتريهم وهم يكتبون. ولذلك لم أغيره، احتفاظاً بخصائص ما كتب أبو جعفر. وأنا أستبعد أن يكون ذلك من الناسخ، لأن الجملة أطول من يسهو الناسخ في نفلها كل هذا السهو، ويدخل في جميع ضمائرها كل هذا التغيير. ثم انظر ما سيأتي ص: 338، تعليق: 2. المَهَل، ثم يأخذه بأعماله السيئة، فيجازيه بها من العقوبة ما قد أعدَّ له. وذلك استدراج الله إياه. * * * وأصل "الاستدراج" اغترارُ المستدرَج بلطف من [استدرجه] ، (1) حيث يرى المستدرَج أن المستدرِج إليه محسنٌ، حتى يورِّطه مكروهًا. * * * وقد بينا وجه فعل الله ذلك بأهل الكفر به فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأُؤخر هؤلاء الذين كذّبوا بآياتنا. [وأصل "الإملاء" من قولهم: "مضى عليه مليٌّ، ومِلاوَة ومُلاوَة] ، ومَلاوة" = بالكسر والضم والفتح = "من الدهر" ، (3) وهي الحين، ومنه قيل: انتظرتُك مليًّا. (4) * * * (1) ما بين القوسين، ساقط من المخطوطة والمطبوعة، والسياق يقتضيها كما ترى. (2) غاب عني موضعه فلم أجده. (3) لا شك أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء، أتممته استظهاراً، من مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 234، وضعته بين قوسين. وسيتبين لك بعد أن الكلام في هذه الفقرات مقطع غير متصل، فلا أدري أهو من الناسخ أم من أبي جعفر، ولذلك فصلت بعضه عن بعض. فتنبه إلى هذا الفصل بين المتتابعين، بكلام مفسر، كما ترى. وكان في المطبوعة: (( ملاءة )) . وأثبت ما في المخطوطة. (4) انظر تفسير (( الإملاء )) فيما سلف 7: 421، 422. = (1) ليبلغوا بمعصيتهم ربهم، المقدارَ الذي قد كتبه لهم من العقاب والعذاب ثم يقبضهم إليه. * * * (إن كيدي) . * * * والكيد: هو المكر. (2) * * * وقوله: (متين) ، يعني: قويٌّ شديدٌ، ومنه قول الشاعر: (3) [عدلن عدول الناس وأقبح] يَبْتَلِي أَفَانِينَ مِنْ أُلْهُوبِ شَدٍّ مُمَاتِنِ (4) يعني: سيرًا شديدًا باقيًا لا ينقطع. (5) * * * (1) سياق الكلام: (وأواخر هؤلاء ... ليبلغوا ... ) ) (2) انظر تفسير (( الكيد )) فيما سلف 7: 156 / 8: 547. (3) لم أعرف قائله. (4) جاء البيت في المطبوعة:عَدَلْنَ عُدُولَ الناسِ وأقبح يبتلى ... أقاس من الهراب شد مُمَاتِن وفي المخطوطة:عدلن عدول الناس دامح سلى ... اماسن من الهرب سد مماتن غير منقوط إلا ما نقطته. وصدر البيت لم أعرف له وجهاً، وأما قراءة عجز البيت، فصوابه قراءته ما أثبته بلا ريب، وإنما يصف نوقاً أو خيلا. و (( الأفانين )) جمع (( أفنون )) ، وهو الجرى المختلط من جرى الفرس والناقة. يقال: (( جرى الفرس أفانين من الجرى )) ، و (( أفتن الفرس في جريه )) ، و (( الألهوب )) : أن يجتهد الفرس في عدوه ويضطرم، حتى يثير الغبار. يقال: (( شد ألهوب )) . ويقال: (( ألهب الفرس )) ، اضطرم جريه. و (( الشد )) ، العدو. يقال: (( شد الفرس وغيره في العدو، شداً واشتد )) ، أي: أسرع وعدا عدواً شديداً. وتركت صدر البيت بحاله، حتى أجد له مرجعاً يصححه. (5) في المخطوطة: (( يعنى سبباً شديداً )) ، وما في المطبوعة قريب من الصواب. القول في تأويل قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أو لم يتفكر هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا، فيتدبروا بعقولهم، ويعلموا أن رسولَنا الذي أرسلناه إليهم، لا جنَّة به ولا خَبَل، وأن الذي دعاهم إليه هو [الرأي] الصحيح، والدين القويم، والحق المبين؟ (1) وإنما نزلت هذه الآية فيما قيل، (2) كما: - 15461 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان على الصَّفا، (3) فدعا قريشًا، فجعل يفخِّذُهم فخذًا فخذًا: "يا بني فلان، يا بني فلان!" (4) فحذّرهم بأس الله، ووَقَائع الله، فقال قائلهم: "إن صاحبكم هذا لمجنون! باتَ يصوّت إلى الصباح =أو: حتى أصبح!" فأنزل الله تبارك وتعالى: (أوَ لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين) . * * * (1) في المطبوعة: (( هو الدين الصحيح القويم )) ، غير ما في المخطوطة، وزدت ما بين القوسين استظهاراً من السياق. (2) في المطبوعة: (( ولذا نزلت هذه الآية )) ، وفي المخطوطة: (( وإذا أنزلت )) ، ورأيت أن الصواب ما أثبت، على شك منى أن يكون الكلام خرم. (3) هكذا في المطبوعة والمخطوطة وابن كثير: "كان على الصفا" وأرجح أن صوابها "قام على الصفا" كما جاء في سائر الأخبار في تفسير آية سورة الشعراء: 214، (تفسير الطبري) : 19: 73- 76 بولاق. (4) (( فخذ الرجل بنى فلان تفخيداً )) ، دعاهم فخذاً فخذاً. و (( الفخذ )) فرقة من فرق الجماعات والعشائر. يقال: (( الشعب )) ، ثم (( القبيلة )) ، ثم (( الفصيلة )) ، ثم (( العمارة )) ثم (( البطن )) ، ثم (( الفخذ )) . ويعني بقوله: (إن هو إلا نذير مبين) ،: ما هو إلا نذيرٌ ينذركم عقاب الله على كفركم به، (1) إن لم تنيبوا إلى الإيمان به. (2) * * * ويعني بقوله: (مبين) ، قد أبان لكم، أيها الناس، إنذارُه ما أنذركم به من بأس الله على كفركم به. (3) * * * القول في تأويل قوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أو لم ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله، في ملك الله وسلطانه في السموات وفي الأرض، (4) وفيما خلق جل ثناؤه من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك، ويعتبروا به، ويعلموا أن ذلك لمنْ لا نظير له ولا شبيه، (5) ومِنْ فِعْلِ من لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلا له، فيؤمنوا به، ويصدقوا رسوله وينيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذرُوا أن تكون آجالهم قد اقتربت، (6) فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه. * * * وقوله: (فبأي حديث بعده يؤمنون) ، يقول: فبأيّ تخويفٍ وتحذير ترهيب بعد تحذير محمد صلى الله عليه وسلم وترهيبِه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه، (1) في المطبوعة: (( منذركم )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) انظر تفسير (( النذير )) فيما سلف 11: 369، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( مبين )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) . (4) انظر تفسير (( الملكوت )) فيما سلف 11: 470. (5) في المطبوعة: (( ممن لا نظير له )) ، غير ما في المخطوطة، بلا علة. (6) انظر تفسير (( الأجل )) فيما سلف ص: 73، تعليق: 2، والمراجع هناك. ![]()
__________________
|
#713
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (713) صــ 291 إلى صــ 300 يصدِّقون، إن لم يصدقوا بهذا الكتاب الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى؟ (1) * * * القول في تأويل قوله: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن إعراض هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا، التاركي النظر في حجج الله والفكر فيها، لإضلال الله إياهم، ولو هداهم الله لاعتبرُوا وتدبَّروا فأبصروا رُشْدهم; ولكن الله أضلَّهم، فلا يبصرون رشدًا ولا يهتدون سبيلا ومن أضلَّه عن الرشاد فلا هادي له إليه، ولكن الله يدعهم في تَمَاديهم في كفرهم، وتمرُّدهم في شركهم، يترددون، ليستوجبوا الغايةَ التي كتبها الله لهم من عُقوبته وأليم نَكاله. (2) * * * القول في تأويل قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: (يسألونك عن الساعة) . فقال بعضهم: عني بذلك قومُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش، (1) انظر تفسير (( الحديث )) فيما سلف 8: 592، 593. (2) انظر تفسير (( الضلال )) و (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) ، (هدى) = تفسير (( يذر )) فيما سلف ص: 36، تعليق: 2، والمراجع هناك. = تفسير (( الطغيان )) فيما سلف ص 12: 46، تعليق: 2، والمراجع هناك. = تفسير (( العمه )) فيما سلف 1: 309 - 311 / 12: 46. وكانوا سألوا عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. * ذكر من قال ذلك: 15462 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إنّ بيننا وبينك قرابة، فأسِرَّ إلينا متى الساعة! فقال الله: (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا) . (1) * * * وقال آخرون: بل عُني به قوم من اليهود. * ذكر من قال ذلك: 15463 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال جَبَل بن أبي قشير، وشمول بن زيد، لرسول الله صلى الله عليه وسلم (2) يا محمد، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيًّا كما تقول، فإنا نعلم متى هي؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي) ، إلى قوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . (3) 15464 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن طارق بن شهاب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكُر من شأن الساعة حتى نزلت: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) . (4) * * * (1) الأثر: 15462 - سيأتي برقم: 15481. (2) في المطبوعة: (( حمل بن أبي قشير )) ، وهي في المخطوطة كما أثبتها غير منقوطة. والصواب أيضاً في سيرة ابن هشام 2: 162، 218، وكتب هناك: (( شمويل )) ، وهما سواء، وفي المطبوعة هنا (( سمول )) غير منقوطة كما في المخطوطة. (3) الأثر: 15463 - سيرة ابن هشام 2: 218، وهو تابع الأثر السالف رقم: 12216. (4) الأثر: 15464 - (( إسماعيل بن أبي خالد الأحمسى )) ثقة ثبت، مضى برقم: 5694، 5777، 12280. و (( طارق بن شهاب الأحمسى )) ، رأي النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه مرسلا، مضى مرارًا، رقم: 9744، 11682، 12073، 12075، 12085. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( مخارق بن شهاب )) ، وهو خطأ صرف، صوابه من ابن كثير. وهذا الخبر ساقه ابن كثير في تفسيره 3: 609، وقال: (( ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد، به. وهذا إسناد جيد قوي )) . قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قومًا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فأنزل الله هذه الآية = وجائز أن يكون كانوا من قريش = وجائز أن يكونوا كانوا (1) من اليهود; ولا خبر بذلك عندنا يجوِّز قَطْعَ القول على أيّ ذلك كان. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذاً: يسألك القومُ الذين يسألونك عن الساعة (أيان مرساها) ؟ يقول: متى قيامها؟ * * * ومعنى "أيان" : متى، في كلام العرب، ومنه قول الراجز: (2) أَيَّانَ تَقْضِي حَاجَتِي أَيَّانَا أَمَا تَرَى لِنُجْحِهَا إِبَّانَا (3) * * * ومعنى قوله: (مرساها) ، قيامها، من قول القائل: "أرساها الله فهي مُرْسَاة" ، و "أرساها القوم" ، إذا حبسوها، و "رسَت هي، ترسُو رُسُوًّا" . * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15465 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: (1) في المطبوعة: (( أن يكون كانوا )) مرة أخرى، ولكنى أثبت ما في المخطوطة. (2) لم أعرف قائله. (3) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 234، اللسان (أبن) . و (( إبان الشيء )) ، زمنه ووقته الذي يصلح فيه، أو يكون فيه. حدثنا أسباط، عن السدي: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) ،: يقول متى قيامها. * * * 15466- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) ،: متى قيامها؟ * * * وقال آخرون: معنى ذلك: مُنتهاها =وذلك قريب المعنى من معنى مَن قال: معناه: "قيامها" ، لأن انتهاءها، بلوغها وقتها. وقد بينا أن أصل ذلك: الحبس والوقوف. * ذكر من قال ذلك: 15467 - حدثنا المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) ، يعني: منتهاها. * * * وأما قوله: (قل إنما علمها عند ربي لا يجلِّيها لوقتها إلا هو) ، فإنه أمرٌ من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يجيب سائليه عن الساعة بأنه لا يعلم وقت قيامها إلا الله الذي يعلم الغيب، وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيرُه جل ذكره، كما: - 15468 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) ، يقول: علمها عند الله، هو يجليها لوقتها، لا يعلم ذلك إلا الله. 15469 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لا يجليها) ،: يأتي بها. 15470 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال مجاهد: (لا يجليها) ، قال: لا يأتي بها إلا هو. 15471 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (لا يجليها لوقتها إلا هو) ، يقول: لا يرسلها لوقتها إلا هو. * * * القول في تأويل قوله: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: ثقلت الساعة على أهل السموات والأرض أن يعرفوا وقتها ومجيئها، لخفائها عنهم، واستئثار الله بعلمها. * ذكر من قال ذلك: 15472 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (ثقلت في السموات والأرض) ، يقول: خفيت في السموات والأرض، فلم يعلم قيامها متى تقوم مَلَك مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل. 15473 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور= وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق = جميعًا، عن معمر، عن بعض أهل التأويل: (ثقلت في السموات والأرض) ، قال: ثقل علمها على أهل السموات وأهل الأرض، إنهم لا يعلمون. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أنها كَبُرت عند مجيئها على أهل السموات والأرض. * ذكر من قال ذلك: 15474 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور= وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق = جميعًا، عن معمر قال: قال الحسن، في قوله: (ثقلت في السموات والأرض) ، يعني: إذا جاءت ثقلت على أهل السماء وأهل الأرض. يقول: كبرت عليهم. 15475 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: (ثقلت في السموات والأرض) قال: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت النجوم، وكوِّرت الشمس، وسُيِّرت الجبال، وكان ما قال الله; فذلك ثقلها. 15476 - حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال بعض الناس في "ثقلت" : عظمت. * * * وقال آخرون: معنى قوله: (في السموات والأرض) ،: على السموات والأرض. * ذكر من قال ذلك: 15477 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ثقلت في السموات والأرض) ، أي: على السموات والأرض. * * * قال أبو جعفر: وأولى ذلك عندي بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ثقلت الساعة في السموات والأرض على أهلها، أن يعرفوا وقتها وقيامها; لأن الله أخفى ذلك عن خلقه، فلم يطلع عليه منهم أحدًا. وذلك أن الله أخبرَ بذلك بعد قوله: (قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) ، وأخبر بعده أنها لا تأتي إلا بغتة، فالذي هو أولى: أن يكون ما بين ذلك أيضًا خبرًا عن خفاء علمها عن الخلق، إذ كان ما قبله وما بعده كذلك. * * * وأما قوله: (لا تأتيكم إلا بغتة) ، فإنه يقول: لا تجيء الساعة إلا فجأة، لا تشعرون بمجيئها، (1) كما: - 15478 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (لا تأتيكم إلا بغتة) ، يقول: يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلة. 15479 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (لا تأتيكم إلا بغتة) ، قضى الله أنها لا تأتيكم إلا بغتة. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن الساعة تهيج بالناس والرجل يُصْلِح حوضه، والرجلُ يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعته في السوق، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه. * * * القول في تأويل قوله: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يسألك هؤلاء القوم عن الساعة، كأنك حَفِيٌّ عنها. * * * [واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (حفي عنها) ] . (2) فقال بعضهم: يسألونك عنها كأنك حفي بهم. وقالوا: معنى قوله: "عنها" التقديم، وإن كان مؤخرًا. (1) انظر تفسير (( البغتة )) فيما سلف 11: 325، 360، 368 / 12: 576. (2) الزيادة بين القوسين، يقتضيها نهج أبي جعفر في تفسيره. * ذكر من قال ذلك: 15480 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يسألونك كأنك حفيّ عنها) ، يقول: كأن بينك وبينهم مودة، كأنك صديق لهم. قال ابن عباس: لما سأل الناسُ محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الساعة، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدًا حفي بهم، فأوحى الله إليه: إنما علمها عنده، استأثر بعلمها، فلم يطلع عليها ملكًا ولا رسولا. 15481 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال قتادة: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة، فأسِرَّ إلينا متى الساعة! فقال الله: (يسألونك كأنك حفي عنها) . (1) 15482 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (يسألونك كأنك حفي عنها) ،: أي حفي بهم. قال: قالت قريش: يا محمد، أسرّ إلينا علم الساعة، لما بيننا وبينك من القرابة = لقرابتنا منك. 15483 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، وهانئ بن سعيد، عن حجاج، عن خصيف، عن مجاهد وعكرمة: (يسألونك كأنك حفي عنها) قال: حفي بهم حين يسألونك. 15484 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (يسألونك كأنك حفي عنها) قال: قريب منهم، وتحفَّى عليهم = قال: وقال أبو مالك: كأنك حفي بهم. قال: قريب منهم، وتحفَّى عليهم = قال: وقال أبو مالك: كأنك حفي بهم، فتحدثهم. (2) 15485 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: (1) الأثر: 15481 - مضى برقم: 15462. (2) الأثر: 15484 - (( أبو مالك )) ، في هذا الخبر، لم أعرف من يكون؟ حدثنا أسباط، عن السدي: (يسألونك كأنك حفي عنها) ، كأنك صديق لهم. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنك قد استحفيت المسألة عنها فعلمتها. * ذكر من قال ذلك: 15486 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كأنك حفي عنها) ، استحفيت عنها السؤال حتى علمتَها. 15487 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا أبو سعد، عن مجاهد في قوله: (كأنك حفي عنها) قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها. 15488 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (يسألونك كأنك حفي عنها) قال: كأنك عالم بها. 15489 - ... قال: حدثنا حامد بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك: (يسألونك كأنك حفيّ عنها) قال: كأنك تعلمها. (1) 15490 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال: ثني عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: (يسألونك كأنك حفي عنها) ، يقول: يسألونك عن الساعة، كأنك عندك علمًا منها = (قل إنما علمها عند ربي) . 15491 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن بعضهم: (كأنك حفي عنها) ،: كأنك عالم بها. 15492 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (كأنك حفي عنها) قال: كأنك عالم بها. وقال: أخفى علمها على (1) الأثر: 15489 - (( جابر بن نوح )) ، مضى برقم: 5694، 9863، وفي المطبوعة (( حامد بن نوح )) ، وفي المخطوطة، سيئ الكتابة، وهذا صوابه. خلقه. وقرأ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، [سورة لقمان: 34] حتى ختم السورة. 15493 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: (يسألونك كأنك حفي عنها) ، يقول: كأنك يعجبك سؤالهم إياك = (قل إنما علمها عند الله) . * * * وقوله: (كأنك حفي عنها) ، يقول: لطيف بها. (1) * * * فوجَّه هؤلاء تأويل قوله: (كأنك حفي عنها) ، إلى حفيّ بها، وقالوا: تقول العرب: "تحفّيت له في المسألة" ، و "تحفيت عنه" . قالوا: ولذلك قيل: "أتينا فلانًا نسأل به" ، بمعنى نسأل عنه. * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: كأنك حفي بالمسئلة عنها فتعلمها. فإن قال قائل: وكيف قيل: (حفي عنها) ، ولم يُقَل: "حفي بها" ، إن كان ذلك تأويل الكلام؟ قيل: إن ذلك قيل كذلك، لأن الحفاوة إنما تكون في المسألة، وهي البشاشة للمسئول عند المسألة، والإكثار من السؤال عنه، والسؤال يوصل ب "عن" مرة، وب "الباء" مرة. فيقال: "سألت عنه" ، و "سألت به" . فلما وضع قوله: "حفي" موضع السؤال، وصل بأغلب الحرفين اللذين يوصل بهما "السؤال" ، وهو "عن" ، كما قال الشاعر: (1) هذه الجملة التي أفردتها، لا شك أنها ليست من كلام ابن عباس في الأثر السالف، ولذلك فصلت بينهما. بقى بعد أنى أخشى أن يكون سقط من الناسخ شيء قبل هذه الجملة، فإن الذي ذكره أبو جعفر قولان فقط، لا ثلاثة أقوال، وهذه الجملة الأخيرة. متعلقة بالقول الأول، وكأنها تفسير له. ![]()
__________________
|
#714
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (714) صــ 301 إلى صــ 310 (1) سُؤَالَ حَفِيٍّ عَنْ أَخِيهِ كَأَنَّهُ بِذِكْرَتِهِ وَسْنَانُ أَوْ مُتَوَاسِنُ (2) * * * وأما قوله: (قل إنما علمها عند الله) ، فإن معناه: قل، يا محمد، لسائليك عن وقت الساعة وحين مجيئها: لا علم لي بذلك، ولا علم به إلا [عند] الله الذي يعلم غيب السموات والأرض (3) = (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، يقول: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه. * * * (1) هو المعطل الهذلي. (2) ديوان الهذليين 3: 45 من قصيدة له طويلة. وبهذه الرواية التي رواها أبو جعفر (( سؤال حفي )) ، يختل سياق الشعر. وروايته في ديوانه: فإن ترني قصدًا قريبًا، فإنه ... بعيد علي المرء الحجازي أين بعيد على ذى حاجة، ولو أننى ... إذا نفجت يوماً بها الدار آمن يقول الذي أمسى إلى الحرز أهله: ... بأي الحشاء أمسى الخليط المباين سؤال الغني عن أخيه، كأنه ... بذكرته وسنان أو متواسن و (( الذي أمسى إلى الحرز أهله )) هو الذي صار في مكان حصين آمناً مطمئناً، فهو يسأل عنه ويقول: (( بأي الحشا )) ، بأي النواحي أمسي فلان؟ وهو صاحبه المفارق. ثم يقول: إنه يسأل سؤال غير حفي - لا سؤال حفي - (( سؤال غني عن أخيه )) وأنما يذكره كالنائم أو المتناوم، لقلة حفاوة به. فهذا نقيض رواية أبي جعفر. وكان في المطبوعة: (( يذكره وسنان )) ، والصواب من المخطوطة والديوان. (3) في المطبوعة: (( ولا يعلم به إلا الله )) وليس بجيد، وأثبت ما في المخطوطة وزدت ما يقتضيه السياق بين قوسين. القول في تأويل قوله: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لسائليك عن الساعة: "أيان مرساها؟" = (لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا) ، يقول: لا أقدر على اجتلاب نفع إلى نفسي، ولا دفع ضر يحلّ بها عنها إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك، بأن يقوّيني عليه ويعينني (1) = (ولو كنت أعلم الغيب) ، يقول: لو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد (2) = (لاستكثرت من الخير) ، يقول: لأعددت الكثير من الخير. (3) * * * ثم اختلف أهل التأويل في معنى "الخير" الذي عناه الله بقوله: (لاستكثرت من الخير) . (4) فقال بعضهم: معنى ذلك: لاستكثرت من العمل الصالح. * ذكر من قال ذلك: 15494 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: قوله: (قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا) قال: الهدى والضلالة = (لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) قال: "أعلم الغيب" ، متى أموت = لاستكثرت من العمل الصالح. 15495 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، مثله. 15496 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) ،: قال: لاجتنبت ما يكون من الشرّ واتَّقيته. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: "ولو كنت أعلم الغيب" لأعددت للسَّنة المجدبة من المخصبة، ولعرفت الغلاء من الرُّخْص، واستعددت له في الرُّخْص. * * * (1) انظر تفسير (( ملك )) فيما سلف 10: 147، 187، 317. (2) انظر تفسير (( الغيب )) فيما سلف 11: 464، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( استكثر )) فيما سلف 12: 115. (4) انظر تفسير (( الخير )) فيما سلف 2: 505 / 7: 91. وقوله: (وما مسني السوء) ، يقول: وما مسني الضر (1) = (إن أنا إلا نذير وبشير) ، يقول: ما أنا إلا رسولٌ لله أرسلني إليكم، أنذر عقابه مَن عصاه منكم وخالف أمره، وأبشّرَ بثوابه وكرامته من آمن به وأطاعه منكم. (2) * * * وقوله: (لقوم يؤمنون) ، يقول: يصدقون بأني لله رسول، ويقرون بحقية ما جئتهم به من عنده. (3) * * * القول في تأويل قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) ، يعني بالنفس الواحدة: آدم، (4) كما: - 15497 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (خلقكم من نفس واحدة) قال: آدم عليه السلام. (5) (1) انظر تفسير (( المس )) فيما سلف 12: 573، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( نذير )) فيما سلف ص: 290، تعليق: 2، والمراجع هناك. = وتفسير (( بشير )) فيما سلف 11: 369، تعليق 1، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( بحقية ما جئتهم به )) ، والصواب من المخطوطة، وقد غيرها في مئات من المواضع، انظر ما سلف ص: 113، تعليق: 1 والمراجع هناك. و (( الحقيقة )) ، مصدر، بمعني الصدق والحق، كما أسلفت. (4) انظر تفسير (( نفس واحدة )) فيما سلف 7: 513، 514. (5) الأثر: 15497 - مضى برقم: 8402 15498 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) ، من آدم. (1) * * * ويعني بقوله: (وجعل منها زوجها) ،: وجعل من النفس الواحدة، وهو آدم، زوجها حواء، (2) كما: - 15499 - حدثني بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. (وحمل منها زوجها) ،: حواء، فجعلت من ضلع من أضلاعه، ليسكن إليها. (3) * * * ويعني بقوله: (ليسكن إليها) ،: ليأوي إليها لقضاء حاجتة ولذته. (4) * * * ويعني بقوله: (فلما تغشاها) ، فلما تدثَّرها لقضاء حاجته منها، فقضى حاجته منها = (حملت حملا خفيفًا) ، وفي الكلام محذوف، ترك ذكرُه استغناءً بما ظهر عما حذف، وذلك قوله: (فلما تغشاها حملت) ، وإنما الكلام: فلما تغشاها =فقضى حاجته منها= حملت. * * * وقوله: (حملت حملا خفيفًا) ، يعني ب "خفة الحمل" : الماء الذي حملته حواء في رَحِمها من آدم، أنه كان حملا خفيفًا، وكذلك هو حملُ المرأة ماءَ الرجل خفيفٌ عليها. * * * وأما قوله: (فمرت به) ، فإنه يعني: استمرَّت بالماء: قامت به وقعدت، وأتمت الحمل، كما: - 15500 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبي عمير، عن أيوب قال: سألت الحسن عن قوله: (حملت حملا خفيفًا فمرت به) قال: (1) الأثر: 15498 - مضى برقم: 8401. (2) انظر تفسير (( جعل )) فيما سلف من فهارس اللغة (جعل) . (3) الأثر: 15499 - مضى برقم: 8405. (4) في المطبوعة والمخطوطة: (( لقضاء الحاجة ولذته )) ، والسياق يقتضى ما أثبت. لو كنت امرءًا عربيًّا لعرفت ما هي؟ إنما هي: فاستمرَّت به. (1) 15501 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلما تغشاها حملت حملا خفيفًا فمرت به) ، استبان حملها. 15502 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فمرت به) قال: استمرّ حملها. 15503 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (حملت حملا خفيفًا) قال: هي النطفة = وقوله: (فمرّت به) ، يقول: استمرّت به. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: فشكَّت فيه. * ذكر من قال ذلك: 15504 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (فمرت به) قال: فشكت، أحملت أم لا؟ * * * ويعني بقوله: (فلما أثقلت) ، فلما صار ما في بطنها من الحمل الذي كان خفيفًا، ثقيلا ودنت ولادتها. * * * يقال منه: "أثقلت فلانة" إذا صارت ذات ثقل بحملها، كما يقال: "أَتْمَرَ فلان" : إذا صار ذا تَمْر. كما: - 15505 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (فلما أثقلت) ،: كبر الولد في بطنها. * * * (1) الأثر: 15500 (( أبو عمير )) ، هو (الحارث بن عمير البصري) . ثقة متكلم فيه، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 83. و (( أيوب )) هو السختياني، (( أيوب بن أبي تميمه، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 409، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 255. قال أبو جعفر: (دعوا الله ربهما) ، يقول: نادى آدم وحواء ربهما وقالا يا ربنا، "لئن آتيتنا صالحًا لنكونن من الشاكرين" . * * * واختلف أهل التأويل في معنى "الصلاح" الذي أقسم آدم وحواء عليهما السلام أنه إن آتاهما صالحًا في حمل حواء: لنكونن من الشاكرين. فقال بعضهم: ذلك هو أن يكون الحمل غلامًا. * ذكر من قال ذلك: 15506 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الحسن، في قوله: (لئن آتيتنا صالحًا) قال: غلامًا. * * * وقال آخرون: بل هو أن يكون المولود بشرًا سويًّا مثلهما، ولا يكون بهيمة. * ذكر من قال ذلك: 15507 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن جبير الجُشَمي، عن أبي البختري، في قوله: (لئن آتيتنا صالحًا لنكونن من الشاكرين) قال: أشفقا أن يكون شيئًا دون الإنسان. (1) 15508 - ... قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن زيد بن جبير، عن أبي البختري قال: أشفقا أن لا يكون إنسانًا. 15509 - ... قال: حدثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل، عن أبي صالح قال: لما حملت امرأة آدم فأثقلت، كانا يشفقان أن يكون بهيمة، فدعوا ربهما: (لئن آتيتنا صالحًا) ، الآية. 15510 - ... قال: حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أشفقا أن يكون بهيمة. (1) الأثر: 15507 - (( زيد بن جبير الحشمي الطائى )) ، ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 1 / 356، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 558. وكان في المطبوعة: (( الحسمي )) ، غير منقوطة كما في المخطوطة، والصواب ما أثبت. 15511 - حدثني القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال سعيد بن جبير: لما هبط آدم وحواء، ألقيت الشهوة في نفسه فأصابها، فليس إلا أن أصابها حملت، فليس إلا أن حملت تحرك في بطنها ولدها، (1) قالت: ما هذا؟ فجاءها إبليس، فقال [لها: إنك حملت فتلدين! قالت: ما ألد؟ قال] : (2) أترين في الأرض إلا ناقةً أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة، أو بعض ذلك! (3) [ويخرج من أنفك، أو من أذنك، أو من عينك] . (4) قالت: والله ما مني شيء إلا وهو يضيق عن ذلك! قال: فأطيعيني وسميه "عبد الحارث" = [وكان اسمه في الملائكة الحارث] = (5) تلدي شبهكما مثلكما! قال: فذكرت ذلك لآدم عليه السلام، فقال: هو صاحبنا الذي قد علمت! (6) فمات، ثم حملت بآخر، فجاءها فقال: أطيعيني وسميه عبد الحارث -وكان اسمه في الملائكة الحارث= وإلا ولدت ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة، أو قتلته، فإني أنا قتلت الأول! قال: فذكرت ذلك لآدم، فكأنه لم يكرهه، فسمته "عبد الحارث" ، فذلك قوله: (لئن آتيتنا صالحًا) ، يقول: شبهنا مثلنا = (فلما آتاهما صالحًا) قال: شبههما مثلهما. (7) 15512 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (فلما أثقلت) ، كبر الولد في بطنها، جاءها إبليس، فخوَّفها وقال لها: (1) هذا تعبير جيد، يصور سرعة حدوث ذلك، ولو شاء أن يقوله قائل، لقال: (( فليس إلا أن أصابها حتي حملت. . . )) ، فتهوى العبارة من قوة إلى ضعف. (2) الزيادة بين القوسين من الدر المنثور3: 152، وهي زيادة لا بد منها. والمخطوطة مضطربة في الوضع. (3) في المطبوعة والدر المنثور: (( هو بعض ذلك )) . (4) الزيادة بين القوسين من الدر المنثور، ولا يستقيم الكلام إلا بها. (5) هذه الزيادة أيضا من الدر المنثور. (6) في المطبوعة: (( هو صاحبنا الذي قد أخرجنا من الجنة )) ، وفي المخطوطة: (( الذي قد فمات )) وبين (( قد )) و (( فمات )) حرف (( ط )) وبالهامش و (( كذا )) . وأثبت نص العبارة من الدر المنثور. (7) الأثر: 15511 - هذه أخبار باطلة كما أشرنا إليه مرارًا. ما يدريك ما في بطنك؟ لعله كلب، أو خنزير، أو حمار! وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك فيقتلك، أو من قُبُلك، أو ينشق بطنك فيقتلك؟ فذلك حين (دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحًا) ، يقول: مثلنا = (لنكونن من الشاكرين) . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن آدم وحواء أنهما دعَوا الله ربهما بحمل حواء، وأقسما لئن أعطاهما ما في بطن حواء، صالحًا ليكونان لله من الشاكرين. و "الصلاح" قد يشمل معاني كثيرة: منها "الصلاح" في استواء الخلق، ومنها "الصلاح" في الدين، و "الصلاح" في العقل والتدبير. وإذ كان ذلك كذلك، ولا خبر عن الرسول يوجب الحجة بأن ذلك على بعض معاني "الصلاح" دون بعض، ولا فيه من العقل دليل، وجب أن يُعَمَّ كما عمَّه الله، فيقال: إنهما قالا (لئن آتيتنا صالحًا) بجميع معاني "الصلاح" . (1) * * * وأما معنى قوله: (لنكونن من الشاكرين) ، فإنه: لنكونن ممن يشكرك على ما وهبت له من الولد صالحًا. * * * القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رزقهما الله ولدًا صالحًا كما سألا =جعلا له شركاء فيما آتاهما ورزقهما. * * * ثم اختلف أهل التأويل في "الشركاء" التي جعلاها فيما أوتيا من المولود. فقال بعضهم: جعلا له شركاء في الاسم. * ذكر من قال ذلك: (1) انظر تفسير (( الصلاح )) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) . 15513 - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت حوّاء لا يعيش لها ولد، فنذرت لئن عاش لها ولد لتسمينه "عبد الحارث" ، فعاش لها ولد، فسمته "عبد الحارث" ، (1) وإنما كان ذلك عن وحي الشيطان. (2) (1) في المطبوعة: (( من وحي الشيطان )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في المراجع. (2) الأثر: 15513 - (( عبد الصمد )) هو (( عبد الصمد بن عبد الوارث )) . مضى مرارًا. و (( عمر بن إبراهيم العبدى )) ، وثقه أحمد وغيره، ولكنه قال: (( يروى عن قتادة أحاديث مناكير، يخالف )) . وقال أبو حاتم: (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) ، وقال ابن عدى: يروى عن قتادة أشياء لا يوافق عليها، وحديثه خاصة عن قتادة مضطرب )) . وذكره ابن حبان في الثقاب وقال: (( يخطئ، ويخالف )) . ثم ذكره في الضعفاء فقال: (( كان ممن ينفرد عن قتادة بما لا يشبه حديثه. فلا يعجبنى الاحتجاج به إذا انفرد. فأما فيما روى الثقات، فإن اعتبر به معتبر لم أر بذلك بأساً )) ، وقال الدارقطني: (لين، يترك ) ) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 98، وميزان الاعتدال 2: 248. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5: 11، بغير هذا اللفظ، ورواه بهذا اللفظ الحاكم في المستدرك 2: 545، وقال: (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي. وأخرجه الترمذي في تفسير الآية وقال: (( هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، عن قتادة. وقد رواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه )) . وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 611، 612، وأعله من ثلاثة وجوه: الأول: أن عمر بن إبراهيم لا يحتج به = الثاني: أنه قد روى من قول سمرة نفسه غير مرفوع = الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، وذكر بعض أخبار أبي جعفر بأسانيدها رقم 15526 - 15528، ثم قال: (( وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية. ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، ولاسيما مع تقواه وورعه. فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم، مثل كعب أو وهب بن منيه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء الله، إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم )) . قلت: وسترى أن أبا جعفر قد رجح أن المعني بذلك آدم وحواء، قال: (( لإجماع الحجة من أهل التأويل علي ذلك )) . وإجماع أهل التأويل في مثل هذا، مما لا يقوم الأول: لأن الآية مشكلة، ففيها نسبة الشرك إلى آدم الذي اصطفاه ربه، بنص كتاب الله، وقد أراد أبو جعفر أن يخرج من ذلك، فزعم (ص: 315) أن القول عن آدم وحواء انقضى عند قوله: (( جعلا له شركاء فيما آتاهما، ثم استأنف قوله: (( فتعالى الله عما يشركون )) ، يعنى عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان.وهذا مخرج ضعيف جداً. الثاني أن مثل هذا المشكل في أمر آدم وحواء، ونسبة الشرك إليهما، مما لا يقضى به، إلا بحجة يجب التسليم لها من نص كتاب، أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا خبر بذلك، إلا هذا الخبر الضعيف الذي بينا ضعفه، وأنه من رواية عمر بن إبراهيم، عن قتادة. وروايته عن قتادة مضطربة، خالف فيها ما روى عن الحسن، أنه عنى بالآية بعض أهل الملل والمشركون. هذا، وقد رد هذا القول، جماعة من المفسرين، كابن كثير في تفسيره، والفخر الرازي (3: 243 - 345) ، وحاول الزمخشرى في تفسيره أن يرده فلم يحسن، وتعقبه أحمد بن محمد بن المنير في الإنصاف. وغير هؤلاء كثير. ولكن بعد هذا كله، نجد إن تفسير ألفاظ الآية، ومطابقته للمعنى الصحيح الذي ذهب العلماء إليه في نفي الشرك عن أبينا آدم عليه السلام، وفي أن الآية لا تعنى أبانا آدم وأمنا حواء = بقى مبهماً، لم يتناوله أحد ببيان صحيح. وكنت أحب أن يتيسر لى بيانه في هذا الموضع، ولكنى وجدت الأمر أعسر من أن أتكلم فيه في مثل هذا التعليق. 15514 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا معتمر، عن أبيه قال: حدثنا أبو العلاء، عن سمرة بن جندب: أنه حدث أن آدم عليه السلام سمى ابنه "عبد الحارث" . 15515 -.... قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه قال: حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي العلاء بن الشخّير، عن سمرة بن جندب قال: سمى آدمُ ابنه: "عبد الحارث" . (1) 15515 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت حوّاء تلد لآدم، فتعبِّدهم لله، وتسميه "عبيد الله" و "عبد الله" ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاها إبليسُ وآدمَ، فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش! فولدت له رجلا فسماه "عبد الحارث" ، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) ، إلى قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) ، إلى آخر الآية. 15517 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي (1) الأثر: 15514، 15515 - (( أبو العلاء بن الشخير )) ، منسوب إلى جده، وهو: (( يزيد بن عبد الله بن الشخير العامرى )) ، تابعى عابد ثقة، كان يقرأ في المصحف حتى يغشى عليه، فكان أخوه مطرف يقول له: (( أغن عنا مصحفك سائر اليوم )) . مترجم في التهذيب، وابن سعد 7/1/113، والكبير 4/2/345، وابن أبي حاتم 4/2/274. ![]()
__________________
|
#715
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (715) صــ 311 إلى صــ 320 قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله في آدم: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) ، إلى قوله: (فمرت به) ، فشكّت: أحبلت أم لا = (فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحًا) الآية، فأتاهما الشيطان فقال: هل تدريان ما يولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون؟ أبهيمة يكون أم لا؟ وزيَّن لهما الباطل، إنه غويٌّ مبين. وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان: إنكما إن لم تسمياه بي، لم يخرج سويًّا، ومات كما مات الأولان! فسميا ولدهما "عبد الحارث" ; فذلك قوله: (فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما) ، الآية. 15518 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: لما ولد له أول ولد، أتاه إبليس فقال: إني سأنصح لك في شأن ولدك هذا، تسميه "عبد الحارث" ! فقال آدم: أعوذ بالله من طاعتك! =قال ابن عباس: وكان اسمه في السماء "الحارث" = قال آدم: أعوذ بالله من طاعتك، إني أطعتك في أكل الشجرة، فأخرجتني من الجنة، فلن أطيعك. فمات ولده، ثم ولد له بعد ذلك ولد آخر، فقال: أطعني وإلا مات كما مات الأول! فعصاه، فمات، فقال: لا أزال أقتلهم حتى تسميه "عبد الحارث" . فلم يزل به حتى سماه "عبد الحارث" ، فذلك قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) ، أشركه في طاعته في غير عبادة، ولم يشرك بالله، ولكن أطاعه. 15519 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سَلَمَة، عن هارون قال: أخبرنا الزبير بن الخِرِّيت، عن عكرمة قال: ما أشرك آدم ولا حواء، وكان لا يعيش لهما ولد، فأتاهما الشيطان فقال: إن سرَّكما أن يعيش لكما ولد فسمياه "عبد الحارث" ! فهو قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) . (1) (1) الأثر: 15519 - كان الإسناد في المطبوعة: "حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن هارون، لا أدري من أين جاء بقوله" سلمة "!! فإن المخطوطة فيها بياض في هذا الموضع هكذا:" حدثنا ابن حميد قال: حدثنا، عن هارون، فوضعت مكان البياض نقطا، وفيها بعد "عكرمة" وقبل "قال" خط معقوف، وفي الهامش أمام البياض وعند هذه العلامة حرف (ط) ثم إلى جوارها حرف (ا) عليه ثلاث نقط، كل ذلك دال على الشك والخطأ. و "هارون" هو النحوي الأعور "هارون بن موسى الأزدي" صاحب القراءات ثقة مضى برقم 4985، 11693. و "الزبير بن الخريت" ثقة، مضى أيضا برقم 4985، 11693. وإسناد أبي جعفر في الموضعين في رواية "الزبير بن الخريت" عن عكرمة هو "حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال حدثنا هارون النحوي، قال حدثني الزبير بن الخريت، عن عكرمة" فأخشى أن يكون سقط من التفسير هنا إسناد ابن حميد وخبره ثم صدر إسناد بعده، هو إسناد أبي جعفر السالف: "حدثنا المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن هارون. . ." إلى آخر الإسناد، والله أعلم "." 15520 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فلما تغشاها حملت حملا خفيفًا) قال: كان آدم عليه السلام لا يولد له ولد إلا مات، فجاءه الشيطان، فقال: إن سرَّك أن يعيش ولدك هذا، فسمِّه "عبد الحارث" ! ففعل قال: فأشركا في الاسم، ولم يشركا في العبادة. 15521 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) ، ذكر لنا أنه كان لا يعيش لهما ولد، فأتاهما الشيطان، فقال لهما: سمياه "عبد الحارث" ! وكان من وحي الشيطان وأمره، وكان شركًا في طاعةٍ، ولم يكن شركًا في عبادةٍ. 15522 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون) قال: كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد. فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد، فسمياه "عبد الحارث" ! ففعلا وأطاعاه، فذلك قول الله: (فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء) ، الآية. 15523 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن سعيد بن جبير، قوله: (أثقلت دعوا الله ربهما) ،.. إلى قوله تعالى: (فتعالى الله عما يشركون) قال: لما حملت حوّاء في أوّل ولد ولدته حين أثقلت، أتاها إبليس قبل أن تلد، فقال: يا حوّاء، ما هذا الذي في بطنك؟ فقالت: ما أدري. فقال: من أين يخرج؟ من أنفك، أو من عينك، أو من أذنك؟ قالت: لا أدري. قال: أرأيت إن خرج سليمًا أمطيعتي أنت فيما آمرك به؟ (1) قالت: نعم. قال: سميه "عبد الحارث" ! =وقد كان يسمى إبليس الحارث= فقالت: نعم. ثم قالت بعد ذلك لآدم: أتاني آت في النوم فقال لي كذا وكذا، فقال: إن ذلك الشيطان فاحذريه، فإنه عدوُّنا الذي أخرجنا من الجنة! ثم أتاها إبليس، فأعاد عليها، فقالت: نعم. فلما وضعته أخرجه الله سليمًا، فسمته "عبد الحارث" فهو قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون) . 15524 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا جرير وابن فضيل، عن عبد الملك، عن سعيد بن جبير قال: قيل له: أشرك آدم؟ قال: أعوذ بالله أن أزعم أن آدم أشرك، ولكن حواء لما أثقلت، أتاها إبليس فقال لها: من أين يخرج هذا، من أنفك، أو من عينك، أو من فيك؟ فقنَّطها، ثم قال: أرأيت إن خرج سويًّا = زاد ابن فضيل: لم يضرك ولم يقتلك = أتطيعيني؟ قالت: نعم. قال: فسميه "عبد الحارث" ! ففعلت = زاد جرير: فإنما كان شركه في الاسم. (2) 15525 - حدثني موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: فولدت غلامًا =يعني حوّاء= فأتاهما إبليس فقال: سموه عبدي وإلا قتلته! قال له آدم عليه السلام: قد أطعتك وأخرجتني من الجنة! فأبى أن (1) في المطبوعة: (( أتطيعينى أنت )) ، والصواب الجيد من المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( شركة )) بالتاء في آخره، والصواب ما أثبت. يطيعه، فسماه "عبد الرحمن" ، فسلط الله عليه إبليس فقتله. فحملت بآخر; فلما ولدته قال لها: سميه عبدي وإلا قتلته! قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتني من الجنة! فأبى، فسماه "صالحًا" فقتله. فلما أن كان الثالث قال لهما: فإذ غلبتموني فسموه "عبد الحارث" ، (1) وكان اسم إبليس; وإنما سمي "إبليس" حين أبلس =فَعَنَوَا، (2) فذلك حين يقول الله تبارك وتعالى: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) ، يعني في التسمية. * * * وقال آخرون: بل المعنيّ بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بني آدم، جعلا لله شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما ما رزقهما من الولد. وقالوا: معنى الكلام: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها) : أي هذا الرجل الكافر، (حملت حملا خفيفًا، فلما أثقلت) دعوتما الله ربكما. قالوا: وهذا مما ابتدئ به الكلام على وجه الخطاب، ثم رُدَّ إلى الخبر عن الغائب، كما قيل: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) ، [سورة يونس: 22] وقد بينا نظائر ذلك بشواهده فيما مضى قبل. (3) * ذكر من قال ذلك: 15526 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم. 15527 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن (1) في المطبوعة: (( فإذا غلبتم فسموه )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( ففعلوا )) ، وهو خطأ لا شك فيها، لو كان لقال: (( ففعلا )) ، ورسم المخطوطة غير منقوطة هو ما أثبت، وصواب قراءته ما قرأت. = يقال: (( عنا له يعنو )) : إذا خضع له وأطاعه. (3) انظر ما سلف 1: 154 / 3: 304، 305 / 6: 238، 464 / 8: 447 / 11: 264. معمر قال. قال الحسن: عني بهذا ذرية آدم، من أشرك منهم بعده =يعني بقوله: (فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما) . 15528 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادًا فهوَّدوا ونصَّروا. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب، قول من قال: عنى بقوله: (فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء) في الاسم لا في العبادة =وأن المعنيَّ بذلك آدم وحواء، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. * * * فإن قال قائل: فما أنت قائل =إذ كان الأمر على ما وصفت في تأويل هذه الآية، وأن المعنيّ بها آدم وحواء= في قوله: (فتعالى الله عما يشركون) ؟ أهو استنكاف من الله أن يكون له في الأسماء شريك، أو في العبادة؟ فإن قلت: "في الأسماء" دلّ على فساده قوله: (أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون) ؟ فإن قلت: "في العبادة" ، قيل لك: أفكان آدم أشرك في عباد الله غيره؟ قيل له: إن القول في تأويل قوله: (فتعالى عما يشركون) ، ليس بالذي طننت، وإنما القول فيه: فتعالى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان. فأما الخبر عن آدم وحواء، فقد انقضى عند قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) ، ثم استؤنف قوله: (فتعالى الله عما يشركون) ، (2) كما:- 15529 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (فتعالى الله عما يشركون) ، يقول: هذه فصْلٌ من آية آدم، خاصة في آلهة العرب. * * * (1) الآثار: 15526-15528-انظر التعليق على الأثر السالف رقم 10013. (2) انظر التعليق عن الأثر رقم 155130. واختلفت القرأة في قراءة قوله: (شركاء) ، فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض المكيين والكوفيين: "جَعَلا لَهُ شِرْكًا" بكسر الشين، بمعنى الشَّرِكَة. (1) * * * وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة الكوفيين وبعض البصريين: (جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ) ، بضم الشين، بمعنى جمع "شريك" . * * * قال أبو جعفر: وهذه القراءة أولى القراءتين بالصواب، لأن القراءة لو صحت بكسر الشين، لوجب أن يكون الكلام: فلما أتاهما صالحًا جعلا لغيره فيه شركًا =لأن آدم وحواء لم يدينا بأن ولدهما من عطية إبليس، ثم يجعلا لله فيه شركًا لتسميتهما إياه ب "عبد الله" ، وإنما كانا يدينان لا شك بأن ولدهما من رزق الله وعطيته، ثم سمياه "عبد الحارث" ، فجعلا لإبليس فيه شركًا بالاسم. فلو كانت قراءة من قرأ: "شِرْكًا" ، صحيحة، وجب ما قلنا، أن يكون الكلام: جعلا لغيره فيه شركًا. وفي نزول وحي الله بقوله: (جعلا له) ، ما يوضح عن أن الصحيح من القراءة: (شُرَكَاء) ، بضم الشين على ما بينت قبل. * * * فإن قال قائل: فإن آدم وحواء إنما سميا ابنهما "عبد الحارث" ، و "الحارث" واحد، وقوله: (شركاء) ، جماعة، فكيف وصفهما جل ثناؤه بأنهما "جعلا له شركاء" ، وإنما أشركا واحدًا! قيل: قد دللنا فيما مضى على أن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة، إذا لم تقصد واحدًا بعينه ولم تسمِّه، كقوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) ، [سورة آل عمران: 173] وإنما كان القائل ذلك واحدًا، (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 400. فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الجماعة، إذ لم يقصد قصده، وذلك مستفيض في كلام العرب وأشعارها. (1) * * * وأما قوله: (فتعالى الله عما يشركون) ، فتنزيه من الله تبارك وتعالى نفسَه، وتعظيم لها عما يقول فيه المبطلون، ويدَّعون معه من الآلهة والأوثان، (2) كما: - 15530 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (فتعالى الله عما يشركون) قال: هو الإنكاف، أنكف نفسه جل وعز = يقول: عظَّم نفسه = وأنكفته الملائكة وما سبَّح له. 15531 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة قال: سمعت صدقة يحدِّث عن السدي قال: هذا من الموصول والمفصول، قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) ، في شأن آدم وحواء، ثم قال الله تبارك وتعالى: (فتعالى الله عما يشركون) قال: عما يشرك المشركون، ولم يعنهما. (3) * * * (1) انظر ما سلف 1: 292، 293 / 2: 485 - 487، 500 /4: 191 / 6: 364 / 7: 404 - 413 / 12: 213. (2) انظر تفسير (( تعالى )) فيما سلف 12: 10، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) عند هذا الموضع، انتهي الجزء العاشر من مخطوطتنا، وفي آخرها ما نصه: (( نجز الجز العاشر من كتاب البيان، بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه ويمنه. وصلى الله على محمد. يتلوه في الحادي عشر إن شاء الله تعالى القول في تأويل قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وكان الفراغ من نسخه في شهر جمادى الأولى سنة خمس عشرة وسبعمئة. غفر الله لكاتبه ومؤلفه، ولمن كتب لأجله ولجميع المسلمين. الحمد لله رب العالمين )) ثم يتلوه في أول الجزء الحادي عشر من المخطوطة "بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن" . القول في تأويل قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيشركون في عبادة الله، فيعبدون معه = "ما لا يخلق شيئًا" ، والله يخلقها وينشئها؟ وإنما العبادة الخالصة للخالق لا للمخلوق. * * * وكان ابن زيد يقول في ذلك بما: - 15532 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد قال: ولد لآدم وحواء ولد، فسمياه "عبد الله" ، فأتاهما إبليس فقال: ما سميتما يا آدم ويا حواء ابنكما؟ قال: وكان وُلد لهما قبل ذلك ولد، فسمياه "عبد الله" ، فمات. فقالا سميناه "عبد الله" . فقال إبليس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما؟ لا والله، ليذهبن به كما ذهبَ بالآخر! ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما، فسمياه "عبد شمس" ! قال: فذلك قول الله تبارك وتعالى: (أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون) ، آلشمس تخلق شيئًا حتى يكون لها عبد؟ إنما هي مخلوقة! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خدعهما مرتين، خدعهما في الجنة، وخدعهما في الأرض. (1) " * * * وقيل: (وهم يخلقون) ،، فأخرج مكنيَّهم مخرج مكنيّ بني آدم، (2) (1) الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أجده. وفي الدر المنثور 3: 152 (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خدعهما مرتين. قال زيد: خدعهما في الجنة، وخدعهما في الأرض )) . (2) (( المكنى )) الضمير. (أيشركون ما) ، فأخرج ذكرهم ب "ما" لا ب "من" مخرج الخبر عن غير بني آدم، لأن الذي كانوا يعبدونه إنما كان حجرًا أو خشبًا أو نحاسًا، أو بعض الأشياء التي يخبر عنها ب "ما" لا ب "من" ، فقيل لذلك: "ما" ، ثم قيل: "وهم" ، فأخرجت كنايتهم مُخْرَج كناية بني آدم، لأن الخبر عنها بتعظيم المشركين إياها، نظير الخبر عن تعظيم الناس بعضهم بعضًا. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله ما لا يخلق شيئًا من خلق الله، ولا يستطيع أن ينصرهم إن أراد الله بهم سوءًا، أو أحلّ بهم عقوبة، ولا هو قادر إن أراد به سوءًا نصر نفسه ولا دفع ضر عنها؟ وإنما العابد يعبد ما يعبده لاجتلاب نفع منه أو لدفع ضر منه عن نفسه، وآلهتهم التي يعبدونها ويشركونها في عبادة الله لا تنفعهم ولا تضرهم، بل لا تجتلب إلى نفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضرًّا، فهي من نفع غير أنفسها أو دفع الضر عنها أبعدُ؟ يعجِّب تبارك وتعالى خلقه من عظيم خطأ هؤلاء الذين يشركون في عبادتهم اللهَ غيرَه. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره في وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربَّهم إياه: ومن صفته أنكم، أيها الناس، إن تدعوهم إلى الطريق المستقيم، والأمر الصحيح السديد لا يتبعوكم، لأنها ليست تعقل شيئًا، فتترك من الطرق ما كان عن القصد منعدلا جائرًا، وتركب ما كان مستقيمًا سديدًا. * * * وإنما أراد الله جل ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها، تنبيهَهم على عظيم خطئهم، وقبح اختيارهم. يقول جل ثناؤه: فكيف يهديكم إلى الرشاد مَنْ إن دُعي إلى الرشاد وعُرِّفه لم يعرفه، ولم يفهم رشادًا من ضلال، وكان سواءً دعاءُ داعيه إلى الرشاد وسكوته، لأنه لا يفهم دعاءه، ولا يسمع صوته، ولا يعقل ما يقال له. يقول: فكيف يُعبد من كانت هذه صفته، أم كيف يُشْكِل عظيمُ جهل من اتخذ ما هذه صفته إلهًا؟ وإنما الرب المعبود هو النافع من يعبده، الضارّ من يعصيه، الناصرُ وليَّه، الخاذل عدوه، الهادي إلى الرشاد من أطاعه، السامع دعاء من دعاه. * * * وقيل: (سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) ، فعطف بقوله: "صامتون" ، وهو اسم على قوله: "أدعوتموهم" ، وهو فعل ماض، ولم يقل: أم صمتم، (1) كما قال الشاعر: (2) (1) انظر سيبويه 1: 435، 456. (2) لم أعرف قائله. ![]()
__________________
|
#716
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (716) صــ 321 إلى صــ 330 سَوَاءٌ عَلَيْكَ النَّفْرُ أَمْ بِتَّ لَيْلَةً بِأَهْلِ الْقِبَابِ مِنْ نُمَيْرِ بنِ عَامِرِ (1) وقد ينشد: "أم أنْتَ بَائِتٌ" . * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، موبِّخهم على عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الأصنام: (إن الذين تدعون) أيها المشركون، آلهةً = (من دون الله) ، وتعبدونها، شركًا منكم وكفرًا بالله = (عباد أمثالكم) ، يقول: هم أملاك لربكم، كما أنتم له مماليك. فإن كنتم صادقين أنها تضر وتنفع، وأنها تستوجب منكم العبادة لنفعها إياكم، فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم، (2) فإن لم يستجيبوا لكم، لأنها لا تسمع دعاءكم، فأيقنوا بأنها لا تنفع ولا تضر; لأن الضر والنفع إنما يكونان ممن إذا سُئل سمع مسألة سائله وأعطى وأفضل، ومن إذا شكي إليه من شيء سمع، فضرّ من استحق العقوبة، ونفع من لا يستوجب الضرّ. * * * (1) معاني القرآن للفراء 1: 401، وكان في المطبوعة والمخطوطة (( عليك الفقر )) ، وهو خطأ محض، صوابه من المعاني. و (( النفر )) بمعنى: النفر من منى في أيام الحج، وهو الثاني من أيام التشريق. (2) انظر تفسير (( الاستجابة )) فيما سلف 3: 483، 484 / 7: 486 - 488 / 11: 341. القول في تأويل قوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين عبدوا الأصنام من دونه، معرِّفَهم جهل ما هم عليه مقيمون: ألأصنامكم هذه، أيها القوم = (أرجل يمشون بها) ، فيسعون معكم ولكم في حوائجكم، ويتصرفون بها في منافعكم = (أم لهم أيد يبطشون بها) ، فيدفعون عنكم وينصرونكم بها عند قصد من يقصدكم بشرّ ومكروهٍ = (أم لهم أعين يبصرون بها) ، فيعرفونكم ما عاينوا وأبصروا مما تغيبون عنه فلا ترونه = (أم لهم آذان يسمعون بها) ، فيخبروكم بما سمعوا دونكم مما لم تسمعوه؟ يقول جل ثناؤه: فإن كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء من هذه الآلات التي ذكرتُها، والمعظَّم من الأشياء إنما يعظَّم لما يرجى منه من المنافع التي توصل إليه بعض هذه المعاني عندكم، فما وجه عبادتكم أصنامكم التي تعبدونها، وهي خالية من كل هذه الأشياء التي بها يوصل إلى اجتلاب النفع ودفع الضر؟ وقوله: (قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون) ، [قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان: ادعوا شركاءكم الذين جعلتموهم لله شركاء في العبادة = (ثم كيدون) ، (1) ] أنتم وهي (2) (فلا تنظرون) ، يقول: فلا تؤخرون بالكيد والمكر، (3) ولكن عجِّلوا بذلك. يُعْلِمه جل ثناؤه بذلك أنهم لن يضروه، وأنه قد عصمه منهم، ويُعَرِّف الكفرة به عجز أوثانهم عن نصرة من بغى أولياءهم بسوء. * * * (1) هذه العبارة التي بين الأقواس، استظهرتها من سياق الآية والتفسير، وظاهر أنها قد سقطت من الناسخ، وأن الكلام بغيرها، أو بغير ما يقوم ما مقامها، لا يستقيم. (2) في المطبوعة: (( أنتم وهن )) ، وأثبت ما في المخطوطة. ثم انظر تفسير (( الكيد )) فيما سلف ص 288، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( الإنظار )) فيما سلف 12: 331، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للمشركين من عبدة الأوثان = "إن وليي" ، نصيري ومعيني وظهيري عليكم (1) = (الله الذي نزل الكتاب) عليّ بالحق، وهو الذي يتولى من صلح عمله بطاعته من خلقه. * * * القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) } قال أبو جعفر: وهذا أيضًا أمر من الله جل ثناؤه لنبيه أن يقوله للمشركين. يقول له تعالى ذكره: (2) قل لهم، إن الله نصيري وظهيري، والذين تدعون أنتم أيها المشركون من دون الله من الآلهة، لا يستطيعون نصركم، ولا هم مع عجزهم عن نصرتكم يقدرون على نصرة أنفسهم، فأي هذين أولى بالعبادة وأحق بالألوهة؟ أمن ينصر وليه ويمنع نفسه ممن أراده، أم من لا يستطيع نصر وليه ويعجز عن منع نفسه ممن أراده وبَغاه بمكروه؟ * * * (1) انظر تفسير (( الولي )) فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) . (2) في المطبوعة: (( بقوله تعالى )) ، وفي المخطوطة مثله غير منقوط، والصواب: (( يقول له )) . القول في تأويل قوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للمشركين: وإن تدعوا، أيها المشركون، آلهتكم إلى الهدى =وهو الاستقامة إلى السداد= (لا يسمعوا) ، يقول: لا يسمعوا دعاءكم = (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) . * * * وهذا خطاب من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم. يقول: وترى، يا محمد، آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون = ولذلك وحَّد. (1) ولو كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب المشركين، لقال: "وترونهم ينظرون إليكم" . (2) * * * وقد روى عن السدي في ذلك ما: - 15533 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك هم لا يبصرون) قال: هؤلاء المشركين. * * * وقد يحتمل قول السدي هذا أن يكون أراد بقوله: "هؤلاء المشركون" ، قول الله: (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا) . وقد كان مجاهد يقول في ذلك، ما: - 15534 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن (1) يعني أن الخطاب أولا كان للمشركين جميعا، فقال: "وإن تدعوهم" ، ثم قال: "وتراهم" على الإفراد، خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (2) في المخطوطة: (( وترونهم ينظرون إليك ... )) وبعد (( إليك )) بياض بقدر كلمة. والذي في المطبوعة شبيه بالصواب. ابن أبي نجيح عن مجاهد: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) ، ما تدعوهم إلى الهدى. وكأنّ مجاهدًا وجّه معنى الكلام إلى أن معناه: وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون = فهو وجهٌ، ولكن الكلام في سياق الخبر عن الآلهة، فهو بوصفها أشبه. * * * قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما معنى قوله: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) ؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلى شيء ولا يراه؟ قيل: إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئًا أو حاذاه: "هو ينظر إلى كذا" ، ويقال: "منزل فلان ينظر إلى منزلي" إذا قابله. وحكي عنها: "إذا أتيتَ موضع كذا وكذا، فنظر إليك الجبل، فخذ يمينًا أو شمالا" . وحدثت عن أبي عبيد قال: قال الكسائي: "الحائط ينظر إليك" إذا كان قريبًا منك حيث تراه، ومنه قول الشاعر: (1) إِذَا نَظَرْتَ بِلادَ بَنِي تَمِيمٍ بِعَيْنٍ أَوْ بِلادَ بَنِي صُبَاحِ (1) لم أعرف قائله. (1) يريد: تقابل نبتُها وعُشْبها وتحاذَى. * * * قال أبو جعفر: فمعنى الكلام: وترى، يا محمد، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، يقابلونك ويحاذونك، وهم لا يبصرونك، لأنه لا أبصار لهم. وقيل: "وتراهم" ، ولم يقل: "وتراها" ، لأنها صور مصوَّرة على صور بني آدم عليه السلام. * * * القول في تأويل قوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم: تأويله: (خذ العفو) من أخلاق الناس، وهو الفضل وما لا يجهدهم. (2) * ذكر من قال ذلك: 15535 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن مجاهد، في قوله: (خذ العفو) قال: من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس. (3) 15536 - حدثنا يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله: (خذ العفو) قال: عفو أخلاق الناس، وعفوَ أمورهم. 15537 - حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثني ابن أبي الزناد، (1) نوادر أبي زيد: 131، أساس البلاغة (عين) ، المقاييس 4: 203، ورواية أبي زيد:إذا نظرت بلاد بني حبيب ... بعينٍ أو بلاد بني صباح رميناهم بكل أقب نهدٍ ... وفتيان الغدو مع الرواح ولا أدري ما (( بنو حبيب )) ، وأما (( بنو صباح )) ، فهم في ضبة، والظاهر أن في غيرهم من العرب أيضاً (( بنو صباح )) . انظر الاشتقاق: 122. ورواية الزمخشري وابن فارس (( بلاد بني نمير )) ، فلا أدري ما أصح ذلك، حتى يعرف صاحب الشعر، وفيمن قيل. قال الزمخشري قبل استشهاده بالشعر: (( نظرت الأرض بعين أو بعينين )) ، إذا طلع بأرض ما ترعاه الماشية بغير استكمال. وقال ابن فارس: إذا طلع النبت، وكل هذا محمول، واستعارة وتشبيه. (2) (1) انظر تفسير (( العفو )) فيما سلف 4: 337 - 343. (3) (2) في المخطوطة هنا، وفي الذي يليه رقم: 15539 (( تحسيس )) بالياء، ولا أدرى ما هو. و (( تحسس الشيء )) تبحثه وتطلبه، كأنه يعني الاستقصاء في الطلب، يؤيد هذا ما سيأتي برقم: 15542. عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله: (خذ العفو) ،.. الآية. قال عروة: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. (1) 15538 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن الزبير قال: ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس: (خذ العفو وأمر بالعرف) ، الآية. (2) 15539 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد: (خذ العفو) ، من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس. (3) 15540 -.... قال: حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن ابن الزبير: (خذ العفو) قال: من أخلاق الناس، والله لآخذنَّه منهم ما صحبتم. (4) 15541 -.... قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن الزبير (5) قال: إنما أنزل الله: (خذ العفو) ، من أخلاق الناس. 15542 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (خذ العفو) قال: من أخلاق (1) (1) الأثر: 15537 - رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 229) من طريق عبد الله بن براد، عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير. وانظر ما قاله فيه الحافظ ابن حجر. (2) (2) الأثر: 15538 - (( هشام بن عروة بن الزبير )) ، ثقة، معروف، مضي مرارًا.وأبوه (( عروة بن الزبير )) ، يروى عن أخيه (( عبد الله بن الزبير )) . وكان في المطبوعة هنا: (( عن أبي الزبير )) ، وهو خطأ، صوابه ما كان في المخطوطة. وهذا خبر صحيح، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 299) وسيأتي برقم 15541، بإسناد آخر (3) انظر التعليق السالف، ص: 326 رقم: 2. (4) الأثر: 15540 - (( ابن الزبير )) ، وهو (( عبد الله بن الزبير )) ، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا (( أبي الزبير )) ، وهو خطأ صححناه آنفاً. (5) في المطبوعة هنا (( عن أبي الزبير )) ، وهو خطأ كما أسلفت. الناس وأعمالهم، من غير تحسس =أو تجسس، شك أبو عاصم. (1) * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: خذ العفو من أموال الناس، وهو الفضل. قالوا: وأمر بذلك قبل نزول الزكاة، فلما نزلت الزكاة نُسِخ. * ذكر من قال ذلك: 15543 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (خذ العفو) ، يعني: خذ ما عفا لك من أموالهم، وما أتوك به من شيء فخذه. فكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت الصدقات إليه. 15544 - حدثني محمد بن الحسين. قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (خذ العفو) ، أما "العفو" : فالفضل من المال، نسختها الزكاة. 15545 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله: (خذ العفو) ، يقول: خذ ما عفا من أموالهم. وهذا قبل أن تنزل الصدقة المفروضة. * * * وقال آخرون: بل ذلك أمرٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن المشركين، وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض قتالهم عليه. * ذكر من قال ذلك: 15546 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (خذ العفو) قال: أمره فأعرض عنهم عشر سنين بمكة. قال: ثم أمره بالغلظة عليهم، وأن يقعد لهم كل مَرْصَد، وأن يحصرهم، ثم قال: (فَإِنْ تَابُوا (1) (( التجسس )) ، مثل (( التحسس )) ، مع خلاف يسير، وانظر ما سلف ص: 326، تعليق رقم: 2. وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) ، [سورة التوبة: 5، 11] الآية، كلها. وقرأ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ، [سورة التوبة: 73 / سورة التحريم: 9] قال: وأمر المؤمنين بالغلظة عليهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) ، [سورة التوبة: 123] بعدما كان أمرهم بالعفو. وقرأ قول الله: (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ) ، [سورة الجاثية: 14] ثم لم يقبل منهم بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل، فنسخت هذه الآية العفو. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: خذ العفو من أخلاق الناس، واترك الغلظة عليهم = وقال: أُمر بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في المشركين. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك تعليمَه نبيَّه صلى الله عليه وسلم محاجَّته المشركين في الكلام، وذلك قوله: (قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون) ، وعقَّبه بقوله: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) ، فما بين ذلك بأن يكون من تأديبه نبيَّه صلى الله عليه وسلم في عشرتهم به، (2) أشبهُ وأولى من الاعتراض بأمره بأخذ الصدقة من المسلمين. * * * فإن قال قائل: أفمنسوخ ذلك؟ قيل: لا دلالة عندنا على أنه منسوخ، إذ كان جائزًا أن يكون = وإن كان الله أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم في تعريفه عشرةَ من لم يُؤْمَر بقتاله من المشركين = مرادًا به تأديبُ نبيّ الله والمسلمين جميعًا في عشرة الناس، وأمرهم بأخذ عفو (1) مضي خبر آخر برقم: 4175، فيه ذكر هذه الآية، وتفسيرها بذلك عن ابن عباس. (2) قوله: (( به )) في آخر الجملة، متعلق بقوله في أولها (( من تأديبه )) ، كأنه قال (( من تأديبه به )) ، أي بهذا الذي بين الآيتين. أخلاقهم، فيكون وإن كان من أجلهم نزل تعليمًا من الله خلقه صفةَ عشرة بعضهم بعضًا، [إذا] لم يجب استعمال الغلظة والشدة في بعضهم، (1) فإذا وجب استعمال ذلك فيهم، استعمل الواجب، فيكون قوله: (خذ العفو) ، أمرًا بأخذه ما لم يجب غيرُ العفو، فإذا وجب غيره أخذ الواجب وغير الواجب إذا أمكن ذلك. فلا يحكم على الآية بأنها منسوخة، لما قد بينا ذلك في نظائره في غير موضع من كتبنا. (2) * * * وأما قوله: (وأمر بالعرف) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم بما: - 15547 - حدثني الحسن بن الزبرقان النخعي قال: حدثني حسين الجعفي، عن سفيان بن عيينة، عن رجل قد سماه قال: لما نزلت هذه الآية: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما هذا؟ قال: ما أدري حتى أسأل العالِم! قال: ثم قال جبريل: يا محمد، إن الله يأمرك أن تَصِل مَن قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. (3) 15548 - حدثني يونس قال: أخبرنا سفيان، عن أمَيّ قال: لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا جبريل؟ قال: إن الله يأمرك أن تعفوَ عمن ظلمك، وتعطيَ من حرمك، وتصل من قطعك. (4) * * * (1) في المطبوعة (( لم يجب )) ، بغير (( إذا )) ، فوضعتها بين قوسين، فالسياق يتطلبها، وإلا اضطرب الكلام. (2) انظر مقالة أبي جعفر في (( النسخ )) فيما سلف من فهارس الأجزاء الماضية. (3) الأثر: 15547 - (( الحسن بن الزبرقان النخعي )) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 2995. والرجل الذي لم يسم في هذا الخبر هو (( أمي بن ربيعة )) ، الذي يأتي في الخبر التالي. (4) الأثر: 15548 - (( سفيان )) هو ابن عيينة. و (( أمي )) هو: (( أمي بن ربيعة المرادى الصيرفي )) ، سمع الشعبي، وعطاء، وطاوس. روى عنه سفيان بن عيينة، وشريك. ثقة. مترجم في التهذيب، وابن سعد 6: 254، والكبير 1/2/ 67، وابن أبي حاتم 1/1/ 347. وكان في المخطوطة فوق (( أمى )) حرف (ط) دلالة على الخطأ، وبالهامش (كذا) ، ولكن الناسخ جهل الاسم فأشكل علية. فجاء في المطبوعة فجعله (( أبى )) ، وكذلك في تفسير ابن كثير 3: 618، والصواب ما اثبت. وهذا الخبر، رواه (( أمى بن ربيعة )) ، عن الشعبي، كما يظهر ذلك من روايات الخبر في ابن كثير، والدر المنثور 3: 153. ![]()
__________________
|
#717
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (717) صــ 331 إلى صــ 340 وقال آخرون بما:- 15549 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه: {وأمر بالعرف} ، يقول: بالمعروف. 15550 - حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: {وأمر بالعرف} قال: أما العرف: فالمعروف. 15551 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وأمر بالعرف} ، أي: بالمعروف. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بالعرف =وهو المعروف في كلام العرب، مصدر في معنى: "المعروف" . * * * يقال: "أوليته عُرْفًا، وعارفًا، وعارفةً" (1) كل ذلك بمعنى: "المعروف" . (2) * * * فإذا كان معنى العرف ذلك، فمن "المعروف" صلة رحم من قطع، وإعطاء من حرم، والعفو عمن ظلم. وكل ما أمر الله به من الأعمال أو ندب إليه، فهو من العرف. ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى; فالحق فيه أن يقال: قد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف كله، لا ببعض معانيه دون بعض. * * * (1) قولة: (( عارفا )) ، لم أجدها في المعاجم، وهي صحيحة فيما أرجح. (2) انظر تفسير (( المعروف )) فيما سلف ص: 165، تعليق: 1، والمراجع هناك. وأما قوله: (وأعرض عن الجاهلين) ، فإنه أمر من الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يعرض عمن جهل. (1) وذلك وإن كان أمرًا من الله نبيَّه، فإنه تأديب منه عز ذكره لخلقه باحتمال من ظلمهم أو اعتدى عليهم، (2) لا بالإعراض عمن جهل الواجبَ عليه من حق الله، ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته، وهو للمسلمين حَرْبٌ. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15552 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال: أخلاقٌ أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، ودلَّه عليها. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) ، وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدُّك عن الإعراض عن الجاهلين، ويحملك على مجازاتهم. = (فاستعذ بالله) ، يقول: فاستجر بالله من نزغه = (3) (إنه سميع عليم) ، (1) انظر تفسير (( الإعراض )) فيما سلف 12: 32، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير (( الجهل )) فيما سلف 2: 183 / 8: 89 - 92 / 11: 339، 340، 393، 394. (2) يعني أن "الجهل" هنا بمعنى السفه والتمرد والعدوان، لا بمعنى "الجهل" الذي هو ضد العلم والمعرفة. (3) انظر تفسير (( الاستعاذة )) فيما سلف 1: 111 / 6: 326. يقول: إن الله الذي تستعيذ به من نزع الشيطان = (سميع) لجهل الجاهل عليك، ولاستعاذتك به من نزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه، لا يخفى عليه منه شيء = (عليم) بما يذهب عنك نزغ الشيطان، وغير ذلك من أمور خلقه، (1) كما: 15553 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بالغضب يا رب؟ قال: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) . 15554 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) قال: علم الله أن هذا العدوَّ مَنِيع ومَريد. * * * وأصل "النزغ" : الفساد، يقال: "نزغ الشيطان بين القوم" ، إذا أفسد بينهم وحمّل بعضهم على بعض. ويقال منه: "نزغ ينزغ" ، و "نغز ينغز" . * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (إن الذين اتقوا) ، اللهَ من خلقه، فخافوا عقابه، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه = (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) ، (2) يقول: إذا ألمَّ بهم لَمَمٌ من الشيطان، (3) من غضب أو غيره مما (1) انظر تفسير (( سميع )) و (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) و (علم) . (2) انظر تفسير (( المس )) فيما سلف ص: 303، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( إذا ألم بهم طيف )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة، فاستبدل بما كان فيها. يصدّ عن واجب حق الله عليهم، تذكروا عقاب الله وثوابه، ووعده ووعيده، وأبصروا الحق فعملوا به، وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم، وتركوا فيه طاعة الشيطان. واختلفت القرأة في قراءة قوله: "طيف" . فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: (طَائِفٌ) ، على مثال "فاعل" . * * * وقرأه بعض المكيين والبصريين والكوفيين: "طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ" . (1) * * * واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين "الطائف" و "الطيف." فقال بعض البصريين: "الطائف" و "الطيف" سواء، وهو ما كان كالخيال والشيء يلم بك. (2) قال: ويجوز أن يكون "الطيف" مخففًا عن "طَيِّف" مثل "مَيْت" و "مَيِّت" . * * * وقال بعض الكوفيين: "الطائف" : ما طاف بك من وسوسة الشيطان. وأما "الطيف" : فإنما هو من اللّمم والمسِّ. * * * وقال أخر منهم: "الطيف" : اللّمم، و "الطائف" : كل شيء طاف بالإنسان. * * * وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: "الطيف" : الوسوسة. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ: (طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ) ، لأن أهل التأويل تأولوا ذلك بمعنى الغضب والزلة تكون من المطيف به. وإذا كان ذلك معناه، كان معلومًا = إذ كان "الطيف" إنما (1) انظر معاني القراًن للقراء 1: 402. (2) نسبها أبو جعفر إلى البصريين، وهي في لسان العرب (طوف) ، منسوبة إلى الفراء، وهو كوفي، ولم أجدها في المطبوع من معاني القرآن. هو مصدر من قول القائل: "طاف يطيف" = أن ذلك خبر من الله عما يمس الذين اتقوا من الشيطان، وإنما يمسهم ما طاف بهم من أسبابه، وذلك كالغضب والوسوسة. وإنما يطوف الشيطان بابن آدم ليستزلَّه عن طاعة ربه، أو ليوسوس له. والوسوسة والاستزلال هو "الطائف من الشيطان" . (1) * * * وأما "الطيف" فإنما هو الخيال، وهو مصدر من "طاف يطيف" ، ويقول: لم أسمع في ذلك "طاف يطيف" (2) ويتأوله بأنه بمعنى "الميت" وهو من الواو. * * * وحكى البصريون وبعض الكوفيين سماعًا من العرب: (3) "طاف يطيف" ، و "طِفْتُ أطِيف" ، وأنشدوا في ذلك: (4) أنَّى أَلَمَّ بِكَ الخَيَالُ يَطِيفُ وَمَطَافُهُ لَكَ ذِكْرَةٌ وَشُعُوفُ (5) * * * وأما التأويل، فإنهم اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: ذلك "الطائف" هو الغضب. * ذكر من قال ذلك. 15555 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن يمان، عن (1) من أول قوله: (( وأما الطيف )) ، إلى آخر الفقرة الثانية المختومة بيت من الشعر، لا أشك أنه قد وضع في غير موضعه. فهو يقول بعد: (( ويقول: لم أسمع في ذلك )) ، وهذا القائل غير أبي جعفر بلا شك، ولم استطع تحديد موضعه من الأقوال السالفة. فلذلك تركته مكانه وفصلته. وكان حقه أن يقدم قبل قوله: (( قال أبو جعفر: وأولى القراءتين. . . )) . (2) قوله: (( ولم اسمع في ذلك طاف يطيف )) ، يعنى في (( الطائف )) . (3) هذا نص كلام أبي عبيده في مجاز القرآن 1: 237، إلى آخره. (4) كعب بن زهير. (5) ديوانه: 113، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 237، واللسان (طيف) (شعف) ، من قصيده له طويلة. و (( الشعوف )) مصدر من قولهم (( شعفه حب فلانة )) ، إذا أحرق قلبه، ووجد لذة اللوعة في احتراقه، وفي ذهاب لبه حتى لا يعقل غير الحب. أشعث، عن جعفر، عن سعيد: (إذا مسهم طائف) قال: و "الطيف" : الغضب. 15556 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله: "إذا مسهم طيف من الشيطان" قال: هو الغضب. (1) 15557 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: الغضب. 15558 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (إذا مسهم طَيْف من الشيطان تذكروا) قال: هو الغضب. 15559 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (طائف من الشيطان) قال: الغضب. * * * وقال آخرون: هو اللَّمَّة والزَّلة من الشيطان. * ذكر من قال ذلك: 15560 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) ، و "الطائف" : اللَّمَّة من الشيطان = (فإذا هم مبصرون) . 15561 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم (1) تركت ما في الآثار على ما جاء في المخطوطة: (( طائف )) مرة، و (( طيف )) أخرى، وهما قراءتان في الآية كما سلف قبل. طائف من الشيطان) ، يقول: نزغٌ من الشيطان = (تذكروا) . 15562 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) ، يقول: إذا زلُّوا تابوا. * * * قال أبو جعفر: وهذان التأويلان متقاربا المعنى، لأن "الغضب" من استزلال الشيطان، و "اللّمة" من الخطيئة أيضًا منه، وكل ذلك من طائف الشيطان. (1) وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لخصوص معنى منه دون معنى، بل الصواب أن يعم كما عمه جل ثناؤه، فيقال: إن الذين اتقوا إذا عرض لهم عارض من أسباب الشيطان، ما كان ذلك العارض، تذكروا أمر الله وانتهوا إلى أمره. * * * وأما قوله: (فإذا هم مبصرون) ، فإنه يعني: فإذا هم مبصرون هدى الله وبيانه وطاعته فيه، فمنتهون عما دعاهم إليه طائف الشيطان. كما: - 15563 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فإذا هم مبصرون) ، يقول: إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي. (2) يعني بقوله: (يمدونهم) ، يزيدونهم، ثم لا ينقصون عما نقص عنه (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( وكان ذلك )) ، والصواب ما أثبت. (2) انظر تفسير (( الغي )) فيما سلف ص: 261، تعليق: 1، والمراجع هناك. الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان. (1) وإنما هذا خبرٌ من الله عن فريقي الإيمان والكفر، بأن فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلهم الشيطان تذكروا عظمة الله وعقابه، فكفَّتهم رهبته عن معاصيه، وردّتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله مما كان منهم زلَّةً = وأن فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيًّا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله، ولا يحجزهم تقوى الله، ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها، فهو أبدًا في زيادة من ركوب الإثم، والشيطان يزيده أبدًا، لا يقصر الإنسي عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشيطان من مدِّه منه، (2) كما: - 15564 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وإخوانهم يمدونهم في الغيّ ثم لا يقصرون) قال: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تُمْسك عنهم. 15565 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) ، يقول: هم الجن، يوحون إلى أوليائهم من الإنس = (ثم لا يقصرون) ، يقول: لا يسأمون. 15566 - حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وإخوانهم يمدونهم في الغيّ) ، إخوان الشياطين من المشركين، يمدهم الشيطان في الغيّ = (ثم لا يقصرون) ، 15567 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: (1) في المطبوعة: (( ثم لا يقصرون عما قصر عنه الذي اتقوا )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وبنحو المعنى ذكره أبو حيان في تفسيره 4: 451، قال: (( ثم لا ينقصون من إمدادهم وغوايتهم )) . فلذلك أبقيت ما في المخطوطة على حاله، وإن كنت في شك من جودته. (2) هكذا فعل الطبري، أتى بالضمائر مفردة بعد الجمع، وقد تكرر ذلك في مواضع كثيرة من تفسيره، أقربها ما أشرت إليه في ص 286،، تعليق: 2. قال ابن جريج قال عبد الله بن كثير: وإخوانهم من الجن، يمدون إخوانهم من الإنس = (ثم لا يقصرون) ، يقول لا يقصر الإنسان. قال: و "المد" الزيادة، يعني: أهل الشرك، يقول: لا يُقصر أهل الشرك، كما يقصر الذين اتقوا، لا يرعَوُون، لا يحجزهم الإيمان (1) = قال ابن جريج قال مجاهد (وإخوانهم) ، من الشياطين = (يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) ، استجهالا يمدون أهل الشرك = قال ابن جريج: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ) ، [سورة الأعراف: 179] . قال: فهؤلاء الإنس. يقول الله: (وإخوانهم يمدونهم في الغي) . 15568 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثني محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) قال: إخوان الشياطين، يمدهم الشياطين في الغيّ = (ثمّ لا يقصرون) . 15569 - حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد = (وإخوانهم) ، من الشياطين. (يمدونهم في الغي) ، استجهالا. * * * وكان بعضهم يتأول قوله: (ثم لا يقصرون) ، بمعنى: ولا الشياطين يقصرون في مدِّهم إخوانَهم من الغيّ. * ذكر من قال ذلك: 15570 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) ، عنهم، ولا يرحمونهم. * * * قال أبو جعفر: وقد بينا أولى التأويلين عندنا بالصواب. وإنما اخترنا ما اخترنا (1) في المطبوعة مكان (( لا يرعوون )) . (( لأنهم لا يحجزهم )) ... )) . لم يحسن قراءتها، لأنها كانت في المخطوطة: (( لا يرعون )) . والصواب ما أثبت (( ارعوى عن القبيح )) . ندم. فانصرف عنه وكف. من القول في ذلك على ما بيناه; لأن الله وصفَ في الآية قبلها أهل الإيمان به، وارتداعَهم عن معصيته وما يكرهه إلى محبته عند تذكرهم عظمته، ثم أتبع ذلك الخبرَ عن إخوان الشياطين وركوبهم معاصيه، فكان الأولى وصفهم بتماديهم فيها، (1) إذ كان عَقِيب الخبر عن تقصير المؤمنين عنها. * * * وأما قوله: (يمدونهم) ، فإنَّ القرأة اختلفت في قراءته. فقرأه بعض المدنيين: "يُمِدُّونَهُمْ" بضم الياء من "أمددت" . * * * وقرأته عامة قرأة الكوفيين والبصريين: (يَمُدُّونَهُمْ) ، بفتح الياء من "مددت" . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (يَمُدُّونَهُمْ) ، بفتح الياء، لأن الذي يمد الشياطينُ إخوانَهم من المشركين، إنما هو زيادة من جنس الممدود، وإذا كان الذي مد من جنس الممدود، كان كلام العرب "مددت" لا "أمددت" . (2) * * * وأما قوله: (يقصرون) ، فإن القرأة على لغة من قال: "أقصَرْت أقْصِر" . وللعرب فيه لغتان: "قَصَرت عن الشيء" و "أقصرت عنه" . (3) * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا لم تأت، يا محمد، هؤلاء المشركين بآية من الله = (قالوا لولا اجتبَيتَها) ، يقول: قالوا: هلا اخترتها واصطفيتها. (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( وكان الأولى )) بالواو، والسياق يقتضى الفاء. (2) انظر تفسير (( مد )) و (( أمد )) فيما سلف 1: 306 - 308 / 7: 181. (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 402، وصحح الخطأ هناك، فإنه ضبط (( قصر )) بضم الصاد، والصواب فتحها لا صواب غيره. ![]()
__________________
|
#718
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (718) صــ 341 إلى صــ 350 (1) = من قول الله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) ، [سورة آل عمران: 179] يعني: يختار ويصطفي. وقد بينا ذلك في مواضعه بشواهده. (2) * * * ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معناه: هلا افتعلتها من قِبَل نفسك واختلقتها؟ بمعنى: هلا اجتبيتها اختلاقًا؟ كما تقول العرب: "لقد اختار فلان هذا الأمر وتخيره اختلاقًا" . (3) * ذكر من قال ذلك: 15571 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا أجتبيتها) ، أي: لولا أتيتنا بها من قِبَل نفسك؟ هذا قول كفار قريش. 15572 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) قالوا: لولا اقتضبتها! (4) قالوا: تخرجها من نفسك. 15573 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) قالوا: لولا تقوَّلتها، جئتَ بها من عندك؟. 15574 - حدثني المثنى قال: حدثني عبد الله قال: حدثني معاوية، عن (1) انظر تفسير (( لولا )) فيما سلف 11: 356، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( اجتبى )) فيما سلف 7: 437 / 11: 512، 513. (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 402، والتعليق عليه هناك. وهذا معنى غريب جداً في (( اختار )) ، أنا في ريب منه، إلا أن يكون أراد أن العرب تقول في مجازها (( اختار الشيء اختلاقاً، كل ذلك بمعنى: اختلقه، لا أن (( اختار )) بمعنى اختلق. وإن كان صاحب اللسان قد اتبع قول الفراء الآتى بعد ص 343 (( وهو في كلام العرب جائز أن يقول: (( لقد اختار لك الشيء واجتباه وارتجله )) . (4) (( اقتضب الكلام اقتضاباً )) ، ارتجله من غير تهيئة أو إعداد له. يقال: (( هذا شعر مقتضب، وكتاب مقتضب )) . علي، عن ابن عباس، قوله: (لولا اجتبيتها) ، يقول: لولا تلقَّيتها = وقال مرة أخرى: لولا أحدَثتها فأنشأتها. 15575 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (قالوا لولا اجتبيتها) ، يقول: لولا أحدثتها. 15576 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: (لولا اجتبيتها) قال: لولا جئت بها من نفسك! * * * وقال آخرون: معنى ذلك: هلا أخذتها من ربك وتقبَّلتها منه؟ (1) * ذكر من قال ذلك: 15577 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (لولا اجتبيتها) ، يقول: لولا تقبَّلتها من الله! 15578 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (لولا اجتبيتها) ، يقول: لولا تلقَّيتَها من ربك! 15579 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا اجتبيتها) ، يقول: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، تأويلُ من قال تأويله: هلا أحدثتها من نفسك! لدلالة قول الله: (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ، فبيَّن ذلك أن الله إنما أمر نبيه صلى الله عليه (1) في المطبوعة والمخطوطة، في هذا الموضع، والذي يليه في الأثر: (( تقبلتها )) ، وفي الأثر الذي بعده: (( تلقيتها؛ في المخطوطة والمطبوعة، وأرجو أن يكون هذا الأخير هو الصواب، كما سلفت في رقم: 15574، وإن كان الأول جائزا. وسلم، (1) بأن يجيبهم بالخبر عن نفسه أنه إنما يتبع ما ينزل عليه ربه ويوحيه إليه، لا أنه يحدث من قبل نفسه قولا وينشئه فيدعو الناس إليه. * * * وحكي عن الفراء أنه كان يقول: "اجتبيت الكلام" و "اختلقته" ، و "ارتجلته" : إذا افتعلته من قِبَل نفسك. (2) 15580 - حدثني بذلك الحارث قال: حدثنا القاسم عنه. * * * قال أبو عبيدة: وكان أبو زيد يقول: إنما تقول العرب ذلك للكلام يبتدئه الرجل، (3) لم يكن أعدَّه قبل ذلك في نفسه. قال أبو عبيد: و "اخترعته" مثل ذلك. (4) * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للقائلين لك إذا لم تأتهم بآية: "هلا أحدثتها من قبل نفسك!" : إن ذلك ليس لي، ولا يجوز لي فعله; لأن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إليّ من عنده، فإنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي، لأني عبده، وإلى أمره أنتهي، وإياه أطيع. (5) = (هذا بصائر من ربكم) ، يقول: هذا القرآن والوحي الذي أتلوه عليكم = "بصائر من ربكم" ، يقول: حجج عليكم، وبيان لكم من ربكم. * * * (1) في المخطوطة والمطبوعة: (( يبين ذلك أن الله ... ) والسياق يقتضى ما أثبت. (2) انظر ما سلف ص 341، تعليق رقم: 2. (3) في المطبوعة: (( يبديه الرجل )) ، وفي المخطوطة: (( البديه الرجل )) ، وكأن الصواب ما أثبت. (4) في المطبوعة: (( واخترعه )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (5) انظر تفسير (( الاتباع )) ، و (( الوحي )) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) و (وحي) . = واحدتها "بصيرة" ، كما قال جل ثناؤه: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، [سورة الجاثية: 20] . (1) . * * * وإنما ذكر "هذا" ووحّد في قوله: (هذا بصائر من ربكم) ، لما وصفت من أنه مرادٌ به القرآن والوحي. * * * وقوله: (وهدى) ، يقول: وبيان يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم = (ورحمة) ، رحم الله به عباده المؤمنين، فأنقذهم به من الضلالة والهلكة = (لقوم يؤمنون) ، يقول: هو بصائر من الله وهدى ورحمة لمن آمن، يقول: لمن صدَّق بالقرآن أنه تنزيل الله ووحيه، وعمل بما فيه، دون من كذب به وجحده وكفر به، (2) بل هو على الذين لا يؤمنون به عمًى وخزي. (3) * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به، المصدقين بكتابه، الذين القرآنُ لهم هدى ورحمة: (إذا قرئ) ، عليكم، أيها المؤمنون، (القرآن فاستمعوا له) ، يقول: أصغوا له سمعكم، لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه (4) = (وأنصتوا) ، (1) انظر تفسير (( بصيرة )) فيما سلف 12: 23، 24. (2) انظر تفسير (( الهدى )) و (( الرحمة )) و (( الإيمان )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) ، (رحم) ، (أمن) . (3) في المطبوعة "غم" وفي المخطوطة "عم" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها لقوله تعالى في سورة فصلت: 44، في صفة القرآن "والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى" . (4) انظر تفسير (( استمع )) فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) . إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه = (لعلكم ترحمون) ، يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه. * * * ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي أمر الله بالاستماع لقارئ القرآن إذا قرأ والإنصات له. فقال بعضهم: ذلك حال كون المصلي في الصلاة خلف إمام يأتمّ به، وهو يسمع قراءة الإمام، عليه أن يسمع لقراءته. وقالوا: في ذلك أنزلت هذه الآية. * ذكر من قال ذلك: 15581 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن المسيب بن رافع قال: كان عبد الله يقول: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة: "سلام على فلان، وسلام على فلان" . قال: فجاء القرآن: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) . (1) 15582 -.... قال: حدثنا حفص بن غياث، عن إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن) ، والآية الأخرى، أمروا بالإنصات. (2) (1) الأثر: 15581 - (( أبو بكر بن عياش )) ، ثقة معروف، مضى مرارًا. و (( عاصم )) ، هو (( عاصم بن أبي النجود )) ، (( عاصم ابن بهدلة )) ، ثقة مضى مرارًا. و (( المسيب بن رافع الأسدى )) ، تابعى ثقة، لم يلق ابن مسعود، مضى برقم 128، 6175. و (( عبد الله )) ، هو ابن مسعود. فهذا الخبر منقطع الإسناد. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 623. (2) الأثر: 15582 - سيأتي بإسناد آخر، بلفظ آخر رقم: 15601. (( حفص بن غياث )) ثقة مأمون، أخرج له الجماعة، مضى مرارًا. (( إبراهيم الهجرى )) ، هو (( إبراهيم بن مسلم الهجرى )) ، وهو ضعيف، مضى برقم: 11، 4173. و (( أبو عياض )) ، هو (( عمر بن الأسود العنسى )) ، ثقة من عباد أهل الشام، مضى برقم 1382، 11255، 12804. وهذا خبر ضعيف الإسناد، لضعف إبراهيم الهجرى. ورواه البيهقي في السنن 2: 155، بنحوه، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 156، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه. 15583 - حدثني أبو السائب قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن الزهري قال: نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئًا قرأه، فنزلت: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) . 15584 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن بشير بن جابر قال: صلى ابن مسعود، فسمع ناسًا يقرأون مع الإمام، فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفقهوا! أما آن لكم أن تعقلوا؟ (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ، كما أمركم الله. (1) 15585 - حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا الجريري، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاصّ يقص، فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود؟ قال: فنظرا إلي، ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت، فنظرا إلي، ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت الثالثة قال: فنظرا إلي فقالا إنما ذلك في الصلاة: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) . (2) 15586 - حدثني العباس بن الوليد قال: أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي (1) الأثر: 15584 - (( بشير بن جابر )) هكذا في المطبوعة وابن كثير 3: 623. وفي المخطوطة: (( بسير )) غير منقوط، وقد أعيانى أن أجد لها وجهاً، أو أن أجد (( بشير بن جابر )) في شيء من المراجع. (2) الأثر: 15585 - (( طلحة بن عبيد بن كريز الخزاعى )) ، أبو المطرف المصرى. ثقة قليل الحديث. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7/1/166، والكبير 2/2/348. وابن أبي حاتم 2 / 1 / 474. و (( كريز )) (بفتح الكاف، وكسر الراء ) ) . قال: حدثنا عبد الله بن عامر قال: ثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الصلاة. (1) 15587 - حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير، عن مجاهد في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة. 15588 - حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن رجل، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة. 15589 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن إدريس قال: حدثنا ليث، عن مجاهد: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة. 15590 - حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت حميدًا الأعرج قال: سمعت مجاهدًا يقول في هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة. 15591 -.... قال: حدثني عبد الصمد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا حميد، عن مجاهد، بمثله. 15592 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا جرير وابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة المكتوبة. (1) الأثر: 15586 - (( عبد الله بن عامر الأسلمى )) ، روى عنه الأوزعى، وابن أبي ذئب، وسليمان بن بلال وغيرهم. ضعفه أحمد وابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2/2/123، وميزان الاعتدال 2: 50. وهذا خبر ضعيف لضعف (( عبد الله بن عامر )) . ورواه الواحدى في أسباب النزول: 171، 172 من طريق أبي منصور المنصورى، عن عبد الله بن عامر، بمثله. 15593 -.... قال: حدثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد، وعن حجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد = وعن ابن أبي ليلى، عن الحكم = عن سعيد بن جبير: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة المكتوبة. 15594 -.... قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد: في الصلاة المكتوبة. 15595 -.... قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله. 15596 -.... قال: حدثنا المحاربي وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: في الصلاة المكتوبة. 15597 -.... قال: حدثنا جرير وابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: في الصلاة المكتوبة. 15598 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: كانوا يتكلمون في صلاتهم بحوائجهم أوَّلَ ما فرضت عليهم، فأنزل الله ما تسمعون: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) . 15599 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم: كم صليتم؟ كم بقي؟ فأنزل الله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ، وقال غيره: كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار، فأنزل الله: (وإذا قرئ القرآن) . 15600 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو خالد والمحاربي، عن أشعث، عن الزهري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ورجل يقرأ، فنزلت: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) . 15601 -.... قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: هذا في الصلاة. (1) 15602 -.... قال: حدثنا أبي، عن حريث، عن عامر قال: في الصلاة المكتوبة. 15603 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: إذا قرئ في الصلاة. 15604 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) ، يعني: في الصلاة المفروضة. 15605 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن أبي هاشم، عن مجاهد قال: هذا في الصلاة في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) = قال: أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد: أنه كره إذا مرّ الإمام بآية خوف أو بآية رحمة أن يقول أحد ممن خلفَه شيئًا. قال: السكوت = قال: أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد: قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم. 15606 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) قال: هذا إذا قام الإمام للصلاة (فاستمعوا له وأنصتوا) . (1) الأثر: 15601 - (( الهجرى )) ، هو (( إبراهيم بن مسلم الهجرى )) ، ومضى هذا الخبر برقم: 15582، بنحوه، وبينا ضعف إسناده هناك. 15607 - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري قال: لا يقرأ مَن وراء الإمام فيما يجهر به من القراءة، تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يُسْمِعهم صوته، ولكنهم يقرءون فيما لم يجهر به سرًّا في أنفسهم. ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرًّا ولا علانية. قال الله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) . 15608 - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن ابن عباس أنه كان يقول في هذه: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة) ، هذا في المكتوبة. وأما ما كان من قصص أو قراءة بعد ذلك، فإنما هي نافلة. إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة مكتوبة، وقرأ وراءه أصحابه، فخلَّطوا عليه قال: فنزل القرآن: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) ، فهذا في المكتوبة. * * * وقال آخرون: بل عُني بهذه الآية الأمر بالإنصات للإمام في الخطبة إذا قرئ القرآن في خطبة. (1) * ذكر من قال ذلك: 15609 - حدثنا تميم بن المنتصر قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن مجاهد، في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: الإنصات للإمام يوم الجمعة. 15610 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو خالد وابن أبي عتبة، عن العوام، عن مجاهد قال: في خطبة يوم الجمعة. * * * وقال آخرون: عني بذلك: الإنصات في الصلاة، وفي الخطبة. * ذكر من قال ذلك: (1) في المطبوعة: (( إذا قرئ القرآن في خطبة )) ، وأثبت ما في المخطوطة. ![]()
__________________
|
#719
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال الحلقة (719) صــ 351 إلى صــ 360 15611 - حدثني ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن منصور قال: سمعت إبراهيم بن أبي حمزة، يحدث أنه سمع مجاهدًا يقول في هذه الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: في الصلاة، والخطبة يوم الجمعة. 15612 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن جابر، عن عطاء قال: وجب الصُّمُوت في اثنتين، عند الرجل يقرأ القرآن وهو يصلي، وعند الإمام وهو يخطب. 15613 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: (وإذا قرئ القرآن) ، وجب الإنصات في اثنتين، (1) في الصلاة والإمام يقرأ، والجمعة والإمام يخطب. 15614 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال حدثنا هشيم، أخبرنا من سمع الحسن يقول: في الصلاة المكتوبة، وعند الذكر. 15615 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن جابر، عن مجاهد قال: وجب الإنصات في اثنتين: في الصلاة، ويوم الجمعة. 15616 - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن بقية بن الوليد قال: سمعت ثابت بن عجلان يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول في قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: الإنصات: يوم الأضحى، ويوم الفطر، ويوم الجمعة، وفيما يجهر به الإمام من الصلاة. (2) (1) في المطبوعة: (( وإذا قرئ القرآن، وجب الإنصات قال: وجب في اثنتين. وهو مضطرب صوابه من المخطوطة، بحذف ما زاده، وتقديم ما أخره. (2) الأثر: 15616 - (( ثابت بن عجلان الأنصارى السلمي )) ، متكلم فيه، وثقه بعضهم، ومرضه آخرون. مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/166، ولم يذكر فيه جرحاً، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 455. 15617 - حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن [عون] قال: أخبرنا هشيم، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: في الصلاة، وعند الذكر. (1) 15618 - حدثنا ابن البرقي قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا يحيى بن أيوب قال: ثني ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: أوجب الإنصات يوم الجمعة، قول الله تعالى ذكره: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) ، وفي الصلاة مثل ذلك. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام، وكان من خلفه ممن يأتمّ به يسمعه، وفي الخطبة. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا" ، (2) وإجماع الجميع على أن [على] من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة، الاستماعَ والإنصاتَ لها، (3) مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسامعه، من قارئه، إلا في هاتين الحالتين، (4) على اختلاف في إحداهما، وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به. وقد صح الخبر عن رسول (1) الأثر: 15617 - (( عمرو بن عون الواسطى )) ، مضى مرارًا. وكان في المخطوطة: (( قال حدثنا عمرو بن قال أخبرنا هشيم )) ، سقط من الإسناد ما أثبته بين القوسين. وكان في المطبوعة: (( عمرو بن حماد )) ، مكان (( عمرو بن عون )) ، وهو فاسد وسئ جداً. وقد مضى مرارًا مثل إسناد (( المثنى )) هذا إلى (( هشيم )) برقم: 3159، 3879، 10962، وغيرها. فمن هذا استظهرت ما أثبته، وهو الصواب إن شاء الله. (2) انظر تخريج الخبر في السنن الكبرى 2: 155، 156. (3) الزيادة بين القوسين لا بد منها، والسياق: (( أن على من سمع ... الاستماع والإنصات )) . (4) في المخطوطة حرف (ط) فوق (( لسامعه )) ، دلالة على الخطأ والشك في صحته، ولكنه مستقيم. وهو عطف على ما قبله، كأنه قال: وأنه لا وقت يجب الإنصات لسامعه، من قارئه )) . الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله: "إذا قرأ الإمام فانصتوا" فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان به مؤتمًّا سامعًا قراءته، بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * * * القول في تأويل قوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (واذكر) أيُّها المستمع المنصت للقرآن، إذا قرئ في صلاة أو خطبة (1) =، (ربك في نفسك) ، يقول: اتعظ بما في آي القرآن، واعتبر به، وتذكر معادك إليه عند سماعكه = (تضرعًا) ، يقول: افعل ذلك تخشعًا لله وتواضعًا له. (2) (وخيفة) ، يقول: وخوفًا من الله أن يعاقبك على تقصير يكون منك في الاتعاظ به والاعتبار، وغفلة عما بين الله فيه من حدوده. (3) = (ودون الجهر من القول) ، يقول: ودعاء باللسان لله في خفاء لا جهار. (4) يقول: ليكن ذكر الله عند استماعك القرآن في دعاء إن دعوت غير جهار، ولكن في خفاء من القول، كما:- (1) رد ابن كثير ما ذهب إليه الطبري في تفسير هذه الآية فقال: (( زعم ابن جرير، وقبله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بها أمر السامع للقرآن في حال استماعه للذكر على هذه الصفة. وهذا بعيد، مناف للإنصات المأمور به. ثم إن المراد بذلك في الصلاة كما تقدم، أو في الصلاة والخطبة. ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان، سواء كان سراً أو جهراً. وهذا الذي قالاه، لم يتابعا عليه. بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين )) . تفسير ابن كثير 3: 626، 627. وهذا الذي قاله هو الصواب المحض إن شاء الله. (2) انظر تفسير (( التضرع )) فيما سلف 13: 572 تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( الخوف )) فيما سلف 9: 123، تعليق: 3، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير (( الجهر )) فيما سلف 2: 80 / 9: 344، 358 / 11: 368. 15619 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول) ، لا يجهر بذلك. 15620 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا أبو سعد قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول) ، الآية قال: أمروا أن يذكروه في الصدور تضرعًا وخيفة. 15621 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن حيان بن عمير، عن عبيد بن عمير، في قوله: (واذكر ربك في نفسك) قال: "يقول الله إذا ذكرني عبدي في نفسه، ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني عبدي وحده ذكرته وحدي، وإذا ذكرني في ملإ ذكرته في أحسنَ منهم وأكرم" . (1) 15622 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة) قال: يؤمر بالتضرع في الدعاء والاستكانة، ويكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء. * * * وأما قوله: (بالغدو والآصال) ، فإنه يعني بالبُكَر والعشِيَّات. * * * وأما "الآصال" فجمع، واختلف أهل العربية فيها. (1) الأثر: 15621 - (( ابن التيمى )) ، هو: (( معتمر بن سليمان بن طرخان التيمى )) وأبوه (( سليمان بن طرخان التيمى )) ، وقد مضيا مرارًا. و (( حيان بن عمر القيسمى الجريرى )) ، ثقة قليل الحديث روى عن عبد الرحمن بن سمرة، وابن عباس، وسمرة بن جندب وغيرهم. روى عنه سليمان التيمى، وسعيد الجريرى، وقتاده. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7/1/ 137، 165، والكبير 2/1/ 50، وابن أبي حاتم 1/2/ 244. و (( عبيد بن عمير بن قتادة الجندعى )) ، قاص أهل مكة، تابعى ثقة من كبار التابعين، مضى برقم: 9180، 9181، 9189، وغيرها. فقال بعضهم: هي جمع "أصيل" ، كما "الأيمان" جمع "يمين" ، و "الأسرار" جمع "سرير" . (1) * * * وقال آخرون منهم: هي جمع "أصُل" ، و "الأصُل" جمع "أصيل" . (2) * * * وقال آخرون منهم: هي جمع "أصل" و "أصيل" . قال: وإن شئت جعلت "الأصُل" جمعًا ل "لأصيل" ، وإن شئت جعلته واحدًا. قال: والعرب تقول: "قد دنا الأصُل" فيجعلونه واحدًا. * * * قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب في ذلك، وهو أنه جائز أن يكون جمع "أصيل" و "أصُل" ، لأنهما قد يجمعان على أفعال. وأما "الآصال" ، فهي فيما يقال في كلام العرب: ما بين العصر إلى المغرب. * * * وأما قوله: (ولا تكن من الغافلين) ، فإنه يقول: ولا تكن من اللاهين إذا قرئ القرآن عن عظاته وعبره، وما فيه من عجائبه، ولكن تدبر ذلك وتفهمه، وأشعره قلبك بذكر الله، (3) وخضوعٍ له، وخوفٍ من قدرة الله عليك، إن أنت غفلت عن ذلك. 15623 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (بالغدو والآصال) قال: بالبكر والعشي = (ولا تكن من الغافلين) . 15624 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا معرّف بن واصل السعدي، قال: سمعت أبا وائل يقول لغلامه عند مغيب الشمس: آصَلْنا بعدُ؟ (4) (1) (( السرير )) الذي جمعه (( أسرار )) ، هو (( سرير الكمأة )) ، وهو ما يكون عليها من التراب والقشور والطين، وليس للكمأة عروق، ولكن لها أسرار. (2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 239. (3) في المخطوطة والمطبوعة: (( بذكر الله )) ، والسياق يتطلب ما أثبت. (4) الأثر: 15624 - (( معرف بن واصل السعدي )) ، (( أبو بدل )) أو (( أبو يزيد )) ، ثقة. كان أمام مسجد بنى عمرو بن سعيد بن تميم، أمهم ستين سنة، لم يسه في صلاة قط، لأنها كانت تهمه. روى عن أبي وائل وإبراهيم التيمى، والنخعى، والشعبى. وغيرهم. مترجم في التهذيب، وابن سعد 6: 248، والكبير 4/2/30، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 410. و (( أبو وائل )) هو (( شقيق بن سلمة الأسدى )) ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، حجة في العربية. وقوله: (( آصل )) ، أي: دخل في الأصيل. 15625 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج قال: قال ابن جريج قال مجاهد، قوله: (بالغدو والآصال) قال: "الغدو" ، آخر الفجر، صلاة الصبح = (والآصال) ، آخر العشي، صلاة العصر. قال: وكل ذلك لها وقت، أول الفجر وآخره. وذلك مثل قوله في "سورة آل عمران" : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ) ، [سورة آل عمران: 41] . وقيل: "العشي" : مَيْل الشمس إلى أن تغيب، و "الإبكار" : أول الفجر. (1) 15626 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن محمد بن شريك، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، سئل عن [صلاة الفجر، فقال: إنها لفي كتاب الله، ولا يقوم عليها] ثم قرأ: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) ، الآية [سورة النور: 36] . (2) (1) الأثر: 15625 - آخر هذا الخبر، مضى برقم: 7024، من طريق أخرى. (2) الأثر: 15626 - (( محمد بن شريك المكى )) ، ثقة، مضى برقم: 10260، مترجم في التهذيب، وابن سعد 5: 360، والكبير 1/1/112، وابن أبي حاتم 3/2/284. وهكذا جاء الخبر في المخطوطة، كما هو في المطبوعة، وأنا أكاد أقطع أنه خطأ وتحريف، وفيه سقط، ولكنى لم أجد الخبر بإسناده، فلذلك لم أغيره، ووجدت نص الخبر بغير إسناد في الدر المنثور 5: 52، عن صلاة الضحى، لا صلاة الفجر، وهو الصواب إن شاء الله قال: (وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس قال: إن صلاة الضحى لفي القرآن؟ ، وما يغوص عليها إلا غواص، في قوله: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ" فهذا صواب العبارة، ولكني وضعت ما كان في المخطوطة والمطبوعة بين قوسين، لأني لم أجد الخبر بإسناده. ووضعت مكان السقط نقطاً. ثم أتممت الآية إلى غايتها أيضاً. 15627 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة) ، إلى قوله: (بالغدو والآصال) ، أمر الله بذكره، ونهى عن الغفلة. أما "بالغدو" : فصلاة الصبح = "والآصال" : بالعشي. (1) * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا تستكبر، أيها المستمع المنصت للقرآن، عن عبادة ربك، واذكره إذا قرئ القرآن تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول، فإن الذين عند ربك من ملائكته لا يستكبرون عن التواضع له والتخشع، وذلك هو "العبادة" . (2) = (ويسبحونه) ، يقول: ويعظمون ربهم بتواضعهم له وعبادتهم (3) = (وله يسجدون) ، يقول: ولله يصلون = وهو سجودهم = (4) فصلوا أنتم أيضًا له، وعظموه بالعبادة، كما يفعله من عنده من ملائكته. * * * آخر تفسير سورة الأعراف (5) * * * (1) الأثر: 15627 - كان في المخطوطة والمطبوعة: (( ... حدثنا يزيد قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد ... )) ، زاد في الإسناد (( قال حدثنا سويد )) ، وهو خطأ محض، وإنما كرر الكتابة كتب (( يزيد )) ، ثم كتب (( سويد) ، وزاد في الإسناد. وهذا إسناد دائر في التفسير، آخره رقم: 15598. (2) انظر تفسير (( العبادة )) فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) . (3) انظر تفسير (( التسبيح )) فيما سلف 1: 474 - 476 / 6: 391، ومادة (سبح) في فهارس اللغة. (4) انظر تفسير (( السجود )) فيما سلف من فهارس اللغة (سجد) . (5) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه: "والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا. الحمد لله رب العالمين" . تفسير سورة الأنفال (القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الأنفال) (بسم الله الرحمن الرحيم) (رَبِّ يَسِّر) القول في تأويل قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى "الأنفال" التي ذكرها الله في هذا الموضع. فقال بعضهم: هي الغنائم، وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك، يا محمد، عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر، لمن هي؟ فقل: هي لله ولرسوله. * ذكر من قال ذلك: 15628- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن عكرمة، "يسئلونك عن الأنفال" ، قال: "الأنفال" ، الغنائم. 15629- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "يسئلونك عن الأنفال" ، قال: "الأنفال" ، الغنائم. 15630 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن مجاهد قال: "الأنفال" ، المغنم. ![]()
__________________
|
#720
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال الحلقة (720) صــ 361 إلى صــ 370 15631- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: الغنائم. 15632 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "الأنفال" ، قال: يعني الغنائم. 15633- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: "الأنفال" ، الغنائم. 15634 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يسألونك عن الأنفال" ، "الأنفال" ، الغنائم. 15635- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: "الأنفال" ، الغنائم. 15636- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "الأنفال" ، الغنائم. 15637- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: الغنائم. * * * وقال آخرون: هي أنفال السرايا. * ذكر من قال ذلك: 15638- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا علي بن صالح بن حي قال، بلغني في قوله: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: السرايا. * * * وقال آخرون: "الأنفال" ، ما شذَّ من المشركين إلى المسلمين، من عَبْد أو دابة، وما أشبه ذلك. * ذكر من قال ذلك: 15639- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" ، قال: هو ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، دابَّة أو عبدٌ أو متاعٌ، ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء. 15640 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو أمة أو متاع أوثَقَل، (1) فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء. 15641-. . . . قال، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري: أن ابن عباس سئل عن: "الأنفال" ، فقال: السَّلَب والفرس. 15642- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ويقال "الأنفال" ، ما أخذ مما سقط من المتاع بعد ما تُقَسَّم الغنائم، فهي نفلٌ لله ولرسوله. 15643- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن محمد بن شهاب: أن رجلا قال لابن عباس: ما "الأنفال" ؟ قال: الفرَس والدِّرع والرمحُ. (2) (1) في المطبوعة والمخطوطة: "أو نفل" ، والصواب ما أثبت. و "الثقل" (بفتحتين) ، متاع المسافر وحشمه. (2) الأثر: 15643 - "عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم النوفلي" ، ثقة، كان قاضيًا على مكة. مترجم في التهذيب، وابن سعد 5: 357، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 152، وهذا الخبر، رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال ص 304 رقم: 757 مطولا. 15644- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، قال ابن جريج، قال عطاء: "الأنفال:، الفرس الشاذّ والدرع والثوب." 15645- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن ابن عباس قال: كان ينفِّل الرجل سَلَب الرجل وفرسه. (1) 15646- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا سأل ابن عباس عن "الأنفال" ، فقال ابن عباس: الفرس من النَّفَل، والسلب من النفل. ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضًا. ثم قال الرجل: "الأنفال" ، التي قال الله في كتابه، ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد يُحْرجه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا، مَثَلُ صَبِيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ (2) 15647 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال، قال ابن عباس: كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال: "لا آمرك ولا أنهاك" . ثم قال ابن عباس: والله ما بعث الله نبيه عليه السلام إلا زاجرًا آمرًا، محللا محرمًا= قال القاسم: فسلِّط على ابن عباس رجل يسأله عن: "الأنفال" ، فقال ابن عباس: كان الرجل ينفّل فرس الرجل وسلاحه. فأعاد عليه الرجل، فقال له مثل ذلك، ثم أعاد عليه حتى أغضبه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مَثَل هذا، مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على عقبيه= أو على رجليه؟ فقال الرجل: أمّا أنت فقد انتقم الله لعمر منك. (1) في المطبوعة والمخطوطة: "فرس الرجل وسلبه" ، ولكن في المخطوطة فوق "فرس" و "سلبه" حرف "م" ، دلالة على التقديم والتأخير، ففعلت ذلك. (2) الأثر: 15646 - رواه مالك في الموطأ ص: 455، بلفظه هذا. "صبيغ" ، هو "صبيغ بن عسل بن سهل الحنظلي" ، ترجم له ابن حجر في الإصابة، في القسم الثالث، وكان صبيغ وفد على عمر المدينة، وجعل يسأل عن متشابه القرآن، فضربه عمر حتى دمي رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي! ونفاه عمر إلى البصرة، وكتب إليهم أن لا يجالسوه، فلم يزل صبيغ وضيعًا في قومه، بعد أن كان سيدًا فيهم. 15647 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال، من دابة أو [عبد] ، (1) فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم. * * * وقال آخرون: "النفل" ، الخمس الذي جعله الله لأهل الخُمُس. * ذكر من قال ذلك: 15648- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: هو الخمس. قال المهاجرون: لِمَ يُرْفع عنا هذا الخمس، (2) لم يُخْرج منا؟ فقال الله: هو لله والرسول. 15649- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت: "يسألونك عن الأنفال" . * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى: "الأنفال" ، قولُ من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم، إما من سَهْمه على حقوقهم من القسمة، (3) وإما مما وصل إليه بالنفل، أو ببعض أسبابه، ترغيبًا (1) ما بين القوسين، في المطبوعة وحدها، مكانه في المخطوطة بياض. (2) في المخطوطة: "لم يرفع هنا" ، والصواب ما في المطبوعة. (3) في المطبوعة: "إما من سلبه على حقوقهم" ، وفي المخطوطة: "إما سلمه على حقوقهم" ، وصواب قراءة المخطوطة ما أثبت، والذي في المطبوعة لا معنى له. له، وتحريضًا لمن معه من جيشه على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين. وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس من أنه الفرس والدرع ونحو ذلك، ويدخل فيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس، لأن ذلك أمره إلى الإمام، إذا لم يكن ما وصلوا إليه بغلبة وقهر، (1) يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام، وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقَهر. * * * وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن "النفل" في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه: "نفَّلتك كذا" ، و "أنفلتك" ، إذا زدتك. و "الأنفال" ، جمع "نَفَل" ، ومنه قول لبيد بن ربيعة: إِنَّ تَقْوَى رَبِّنا خَيْرُ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وَعَجَلْ (2) فإذ كان معناه ما ذكرنا، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة= إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين= بتنفيل الوالي ذلك إيّاه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك، لأن الزيادة نَفَلٌ، [والنَّفَل] ، وإن كان مستوجِبَهُ في بعض الأحوال لحق، ليس هو من الغنيمة التي تقع فيها القسمة. (3) وكذلك كل ما رُضِخ لمن لا سهم له في الغنيمة، فهو "نفل" ، (4) لأنه وإن كان مغلوبًا عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة. (1) في المطبوعة والمخطوطة: "لغلبة" ، وصواب قراءتها "بغلبة" . (2) ديوانه 2: 11، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 240، اللسان (نفل) ، وغيرها كثير، فاتحة قصيدة له طويلة. (3) كانت هذه الجملة في المطبوعة هكذا: "لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة" ، غير ما كان في المخطوطة كل التغيير، والجملة في المخطوطة كما أثبتها، إلا أن صدرها كان هكذا: "لأن الزيادة أفضل وإن كان مستوجبة" غير منقوطة، سيئة الكتابة، وظاهر أن صوابها ما أثبت، مع زيادة ما زدت بين القوسين. (4) "رضخ له من المال" ، أعطاه عطية مقاربة، أي قليلة. فالفصل= إذ كان الأمر على ما وصفنا= بين "الغنيمة" و "النفل" ، أن "الغنيمة" هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر، نفَّل منه منفِّل أو لم ينفل، و "النفل" : هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغَنَاء عن الجيش على غير قسمة. (1) * * * وإذْ كان ذلك معنى "النفل" ، فتأويل الكلام: يسألك أصحابك، يا محمد، عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش الذين قتلوا ببدر، لمن هو؟ قل لهم يا محمد: هو لله ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء. * * * واختلف في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية. فقال بعضهم: نزلت في غنائم بدر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نفَّل أقوامًا على بلاء، فأبلى أقوام، وتخلف آخرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا فيها بعد انقضاء الحرب، فأنزل الله هذه الآية على رسوله، يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماضٍ جائزٌ. * ذكر من قال ذلك: 15650- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، سمعت داود بن أبي هند يحدث، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى مكان كذا وكذا، فله كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا" ، فتسارع إليه الشبان، وبقي الشيوخ عند الرايات، فلما فتح الله عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا! فأنزل الله عليه الآية "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" . (2) (1) في المطبوعة: "هو ما أعطيه الرجل" ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) الأثر: 15650 - خبر ابن عباس هذا، يرويه أبو جعفر من أربعة طرق، من رقم 15650 - 15653، إلا آخرها فهو غير مرفوع إلى ابن عباس. وهو خبر صحيح الإسناد. فمن هذه الطريق الأول "معتمر بن سليمان عن داود، ..." ، رواه الحاكم في المستدرك 2: 326، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى 6: 315، وفيهما زيادة بعد "لا تذهبوا به دوننا" : "فقد كنا ردءًا لكم" . وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 6، والسيوطي في الدر المنثور 3: 159. 15651- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى= قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صنع كذا وكذا، فله كذا وكذا" ، قال: فتسارع في ذلك شبان الرجال، وبقيت الشيوخ تحت الرايات. فلما كان الغنائم، (1) جاءوا يطلبون الذي جعُل لهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا رِدْءًا لكم، (2) وكنا تحت الرايات، ولو انكشفتم انكشفتم إلينا! (3) فتنازعوا، فأنزل الله: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" . (4) 15652- حدثني إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فعل كذا فله كذا وكذا من النفل" . قال: فتقدم الفتيان، ولزم المشيخةُ الراياتِ، فلم يبرحوا. فلما فُتح عليهم، قالت المشيخة: كنا ردءًا لكم، فلو انهزمتم انحزتم إلينا، (5) لا تذهبوا بالمغنم دوننا! فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا! فأنزل الله: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال" (1) في المطبوعة: "فلما كانت الغنائم" ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) "الردء" ، العون، ينصر المرء ويشد ظهره، وهو له قوة وعماد. (3) "انكشف القوم" ، انهزموا. وقوله: "انكشفتم إلينا" ، أي رجعتم بعد الهزيمة إلينا، وكان في المطبوعة: "لفئتم إلينا" ، بمعنى رجعتم، ولكني أثبت ما في المخطوطة. (4) الأثر: 15651 - هذه هي الطريق الثانية لخبر ابن عباس السالف. "عبد الأعلى" هو "عبد الأعلى بن عبد الأعلى القرشي السلمي" ، ثقة، أخرج له الجماعة. مضى برقم: 4751، 8282. (5) "انحاز إليه" ، انضم إليه. لله والرسول ". قال: فكان ذلك خيرًا لهم، وكذلك أيضًا أطيعوني فإني أعلم. (1) " 15653- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة في هذه الآية: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" ، قال: لما كان يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صنع كذا فله من النفل كذا" ! فخرج شبان من الرجال، فجعلوا يصنعونه، فلما كان عند القسمة، قال الشيوخ: نحن أصحاب الرايات، وقد كنا رِدْءًا لكم! فأنزل الله في ذلك: "قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" . (2) 15654 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب الزهري قال، حدثني المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سليمان بن موسى، عن مكحول مولى هذيل، عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت قال، أنزل الله حين اختلف القوم في الغنائم يوم بدر: "يسألونك عن الأنفال" إلى قوله: "إن كنتم مؤمنين" ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، عن بَوَاء. (3) (1) الأثر: 15652 - "إسحاق بن شاهين الواسطي" ، شيخ الطبري، مضى مرارًا آخرها رقم: 11504. "خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي الطحان" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 11504. وهذا الخبر بهذا الإسناد رواه أبو داود في سننه 3: 102 رقم: 2737 مع خلاف يسير في لفظه. وآخره هناك: "فكذلك أيضًا فأطيعوني، فإني أعلم بعاقبة هذا منكم" . ورواه البيهقي في السنن 6: 291، 292. ورواه الحاكم في المستدرك 2: 131، 132 وقال: "هذا حديث صحيح، فقد احتج البخاري بعكرمة، وقد احتج مسلم بداود بن أبي هند، ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي: "صحيح، قلت هو على شرط البخاري" ، والزيادة فيها كما في سنن أبي داود. خرجه ابن كثير في تفسيره 4: 6. وزاد نسبته إلى النسائي، وابن مردويه (واللفظ هناك له) ، وابن حبان. (2) الأثر: 15653 - انظر التعليق على الآثار السالفة. (3) الأثر: 15654 - خبر عبادة بن الصامت، مروي هنا من طريقين، هذه أولاهما. إسحاق "، هو" إسحاق بن الحجاج الطاحوني "، مضى برقم: 230، 1614، 10314. و" يعقوب الزهري "، هو" يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري "، مختلف فيه، وهو ثقة إن شاء الله، مضى برقم: 2867، 8012. كان في المطبوعة هنا" الزبيري "، وهو في المخطوطة غير منقوط، وأقرب قراءته ما أثبت، وهو الصواب بلا ريب، فإن يعقوب بن محمد الزهري، هو الذي يروي عن المغيرة." و "المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي" ، مختلف فيه، ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن معين، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 321، ابن أبي حاتم 4 / 1 / 225، لم يذكرا فيه جرحًا. وأبوه: "عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي" ، ثقة، مترجم في التهذيب، ابن أبي حاتم 2 / 2 / 224. روى عنه ابن إسحاق في سيرته في مواضع. انظر 1: 367. و "سليمان بن موسى الأموي" الأشدق، أبو هشام، ثقة، مضى برقم: 11382. و" مكحول، مولى هذيل "، هو" مكحول الشامي، أبو عبد الله "، الفقيه التابعي، وكان من سبى كابل، وكانت في لسانه لكنة، جاء في حديثه: "ما فعلت في تلك الهاجة" ، يريد "الحاجة" ، قلب الحاء هاء. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7 / 2 / 160، والكبير 4 / 2 / 21، وابن أبي حاتم 4 / 2 /407. و "أبو سلام" ، هو الأسود الحبشي الأعرج، واسمه "ممطور" ، في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 57، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 431. و "أبو أمامة الباهلي" واسمه: "صدي بن عجلان" صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن رسول الله، وعن جماعة من الصحابة،. وهذا الخبر، رواه مكحول مرة من طريق أبي سلام عن أبي أمامة، ورواه في الذي يليه عن أبي أمامة بلا واسطة. فمن هذه الطريق الأولى رواه أحمد في المسند 5: 323، 324، مطولا، وبغير هذا اللفظ من طريق معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان ابن موسى، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، لا ذكر فيها لمكحول. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6: 292، من طريق عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان الأشدق، عن مكحول، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، مطولا، كرواية أحمد. ورواه الحاكم في المستدرك 2: 135،بمثله. وقوله "عن بَوَاء" ، كان في المطبوعة "عن بسواء" ، هنا، وفي الخبر التالي، وهو خطأ محض، وسيأتي تفسيره في سياق الخبر التالي. 15655- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد قال، حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا، عن سليمان بن موسى الأشدق، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن "الأنفال" ، فقال: فينا معشرَ أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النَّفَل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بَوَاء = يقول: على السواء= فكان في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصلاحُ ذاتِ البين. (1) * * * وقال آخرون: بل إنما أنزلت هذه الآية، (2) لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله من المغنم شيئًا قبل قسمتها، فلم يعطه إياه، إذ كان شِرْكًا بين الجيش، فجعل الله جميعَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (3) * ذكر من قال ذلك: (1) الأثر: 15655 - "سليمان بن موسى الأشدق" ، مر في التعليق السالف. وكان في المطبوعة "الأسدي" ، لم يحسن قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة. وهذا الخبر من رواية "محمد بن إسحاق" ، مذكور في سيرة ابن هشام 2: 295، 296، بإسناده هذا، ثم في 2: 322، بغير إسناد. ورواه الطبري بإسناده هذا في التاريخ 2: 285، 286. ورواه أحمد في مسنده /5:322 من طريقين عن محمد بن إسحاق. ورواه الحاكم في المستدرك 2: 136، بالإحالة على لفظه الذي قبله. ثم رواه الحاكم في المستدرك 2: 326، من طريق وهب بن جرير بن حازم، عن محمد ابن اسحاق، يقول حدثني الحارث بن عبد الرحمن، عن مكحول، عن أبي أمامة، وقال: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي: على شرط مسلم. ولا أدري كيف هذا، فإن الثابت في سيرة ابن إسحاق، من رواية ابن هشام أنه من روايته عن "عبد الرحمن بن الحارث" ، لا عن "الحارث بن عبد الرحمن" وهو خطأ. هذا فضلا عن أنه مروى بغير هذا اللفظ في سيرة ابن هشام، وفي سائر من رواه عن ابن إسحاق، إلا يونس بن بكير. فإن البيهقي في السنن الكبرى 6: 292 رواه من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن "عبد الرحمن بن الحارث" ، بنحو لفظ الحاكم في المستدرك ثم قال: "ورواه جرير بن حازم، عن محمد بن إسحاق، مع تقصير في إسناده" . و "جرير بن حازم" الذي روى الحاكم الخبر من طريقه، ثقة ثبت حافظ، روى له الجماعة. ولكن قال ابن حبان وغيره: "كان يخطئ، لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه" ، فكأن هذا مما أوجب الحكم عليه بأنه يقصر أحيانًا ويخطيء، والصواب المحض، هو ما أجمعت عليه الرواية عن ابن إسحاق "عبد الرحمن بن الحارث" .وذكره بلفظه هنا، الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 26، هو والخبر الذي قبله، من الطريق المطولة، ثم قال: "ورجال الطريقين ثقات" ، وخرجه ابن كثير في تفسيره 6: 5، والسيوطي في الدر المنثور 3: 159. (2) في المطبوعة، حذف "بل" من صدر الكلام. (3) في المطبوعة: "لرسول الله" ، وأثبت ما في المخطوطة. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |