|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك ( باب صفة صلاة النبي ) ( باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) الحديث الرابع: 79- عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين". أطراف القدمين: أصابع القدمين. • قوله: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) أي أعضاء. • قال ابن دقيق العيد: يسمى كل واحد عظما باعتبار الجملة وإن اشتمل كل واحد على عظام [16]. وفي رواية: أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم ولا نكف ثوبا ولا شعرا، ولمسلم من حديث العباس بن عبد المطلب إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه. • قوله: (على الجبهة وأشار بيده إلي أنفه). وعند النسائي قال ابن طاوس: ورضع يده على جبهته وأمرها على أنفه وقال: هذا واحد. قال القرطبي: هذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود والأنف تبع. • قوله: (واليدين)، قال ابن دقيق العيد: المراد بهما الكفان لئلا يدخل تحت المنهي عنه من افتراش السبع والكلب. • قوله: (وأطراف القدمين) وفي رواية (والرجلين)، والأولى مبينة للمراد من الرجلين، قال ابن دقيق العيد: ظاهره يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء[17]. والله أعلم. الحديث الخامس: 80- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم: ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده"، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها، حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس". الحديث السادس: 81- عن مطرف بن عبد الله قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب. فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين، وقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو قال: صلى بنا صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم -. • قال البخاري: (باب إتمام التكبير في الركوع. قاله ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه مالك بن الحويرث، ثم ذكر حديث عمران بن حصين ولفظه عن مطرف عن عمران بن حصين قال صلى مع علي - رضي الله عنه - بالبصرة فقال ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع، ثم ذكر حديث أبي هريرة ولفظه: عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال إني لا شبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم) [18]. • قال الحافظ: (وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال: "ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما نسيناها وإما تركناها عمدا" ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال: قلنا - يعني لعمران بن حصين - يا أبا نجيد، هو بالنون والجيم مصغر، من أول من ترك التكبير؟ قال: عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته. وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر. وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية. روى أبو عبيد أن أول من تركه زياد. وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية وكأن معاوية تركه بترك عثمان. وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء، وقال أيضا لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل، فالجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام. وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كله) انتهى. • قال البخاري: (باب إتمام التكبير في السجود. وذكر الحديث صليت خلف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبر إلى آخره وذكر حديث عكرمة قال رأيت رجلا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع فأخبرت ابن عباس - رضي الله عنه - قال أو ليس تلك صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أم لك. • قال ابن بطال: ترك النكير على من ترك التكبير يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة. • قال الحافظ: قوله: "لا أم لك" هي كلمة تقولها العرب عند الزجر، وكذا قوله في الرواية التي بعدها: (ثكلتك أمك" فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه أو أن تفقده أمه، لكنهم قد يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته. واستحق عكرمة ذلك عند ابن عباس لكونه نسب ذلك الرجل الجليل إلا الحمق الذي هو غاية الجهل وهو بريء من ذلك [19]. انتهى. • قال البخاري: باب التكبير إذا قام من السجود. وذكر حديث عكرمة قال صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس إنه أحمق فقال ثكلتك أمك سنة أي القاسم - صلى الله عليه وسلم -. ثم ذكر حديث أبي هريرة بتمامه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم. • قال الحافظ: فيه التكبير قائما، وهو بالاتفاق في حق القادر. قوله: "ثم يكبر حين يركع " فيه دليل على مقارنة التكبير للحركة. قوله: ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد. • قال الحافظ: (فيه أن التسميع ذكر النهوض، وأن التحميد ذكر الاعتدال، وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما خلافا لمالك، لأن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله. • قوله: (ثم يكبر حين يهوي) يعنى ساجدا. • قوله: (ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس) في التشهد الأول. • قال الحافظ: وهذا الحديث مفسر للأحاديث المتقدمة حيث قال فيها كان يكبر في كل خفض ورفع) [20] انتهى. عن أبي موسى قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خطبنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر الإمام فكبروا وإذا قرأ ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7] فقولوا آمين يجبكم الله وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فتلك بتلك، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم فإن الله قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - سمع الله لمن حمده فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتلك بتلك فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله" رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وفي رواية بعضهم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله[21]. الحديث السابع: 82- عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: رمقت الصلاة مع محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجدت قيامه، فركعته فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف: قريبا من السواء". وفي رواية البخاري: ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء. • قال البخاري: (باب استواء الظهر في الركوع. وقال أبو حميد في أصحابه ركع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم هصر ظهره، وحد إتمام الركوع والإعتدال فيه الطمأنينة ثم ذكر حديث البراء ولفظه: كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء)[22]. • قال الحافظ: (ومطابقة حديث البراء لقوله "حد إتمام الركوع" من جهة أنه دال على تسوية الركوع والسجود والاعتدال والجلوس بين السجدتين، وقد ثبت في بعض طرقه عند مسلم تطويل الاعتدال فيؤخذ منه إطالة الجميع، والله أعلم. • قوله: (ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء) المراد بالقيام والقعود القيام للقرأة والجلوس للتشهد لان القيام للقراءة أطول من جميع الأركان في الغالب. • قال الحافظ: واستدل بظاهره على أن الاعتدال ركن طويل ولاسيما قوله في حديث أنس: "حتى يقول القائل قد نسي" وفي الجواب عنه تعسف والله أعلم. وقال: واستدل به على تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين. • وقوله: (قريبا من السواء). • قال الحافظ: فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود، وقال: قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة على ذلك بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجيء قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول منه كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس) [23]. الحديث الثامن: 83- عن ثابت البناني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا، قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع: انتصب قائما، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة: مكث، حتى يقول القائل: قد نسي. • قوله: (لا آلو)، أي لا أقصر. • وقوله: (قد نسي) أي من طول القيام بعد الركوع وطول الجلوس بين السجدتين. ولمسلم عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد وهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد وهم. • وقال البخاري: باب الأطمانينة حين يرفع رأسه من الركوع وقال أبو حميد رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - واستوى حتى يعود كل فقار مكانه[24]. وذكر حديث أنس ولفظه عن ثابت قال كان أنس ينعت لنا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يصلي وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نسي ثم ذكر حديث البراء. • وقال أيضاً: باب المكث بين السجدتين. وذكر حديث البراء وحديث أنس ولفظه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا إلى آخره. • قوله: (فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه) إلي آخره. • قال الحافظ: (إشعار بان من خاطبهم كانوا لا يطيلون الجلوس بين السجدتين، ولكن السنة إذا ثبتت لا يبالي من تمسك بها بمخالفة من خالفها، والله المستعان)[25]. انتهى. وعن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي رب اغفر لي رواه النسائي وابن ماجه، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي، واحمني، وأجبرني، وأهدني، وارزقني. رواه الترمذي وأبو داود إلا أنه قال: وعافني، مكان: وأجبرني. يتبع
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب القراءة في الصلاة الحديث الأول 91- عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". • قال الحافظ: "لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلي صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره"[1]. • قال البخاري: باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت وذكر حديث جابر بن سمرة قال شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر - صلى الله عليه وسلم- بطوله ثم ذكر حديث عبادة وحديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم- فرد وقال ارجع فصل فإنك لم تصل إلى آخره. • قال الحافظ: قوله: (باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر" لم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام، وذكر السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات. • قال ابن رشيد: قوله: "وما يجهر" معطوف على قوله: "في الصلوات" لا على القراءة، والمعنى وجوب القراءة فيما يجهر فيه ويخافت، أي أن الوجوب لا يختص بالسرية دون الجهرية خلافا لمن فرق في المأموم قال الحافظ: وقد اعتنى البخاري بهذه المسألة فصنف فيها جزءا مفردا)[2]. • قوله: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وعند الإسماعيلي: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب. • قال الحافظ: (واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر، لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدم، قاله الشيخ تقي الدين، واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث: "من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءه" لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ قال واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث: " وإذا قرأ فأنصتوا" وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين: فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت، وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام، وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في "جزء القراءة" والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، والظاهر أن حديث الباب مختصر من هذا وكان هذا سببه والله أعلم قال ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته وموضع الحاجة منه هنا قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وكأنه أشار بإبراده عقب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها، وأن من لا يحسنها يقرأ بما تيسر عليه، وأن إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيد بالفاتحة كما في حديث عبادة)[3] والله أعلم. عن عائشة - رضي الله عنها- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج رواه أحمد وابن ماجه كل صلاة ليست فيها قراءة فهي خداج الخداع النقصان. عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداد- ثلاثا- غير تمام". فقيل لأبى هريرة إنا نكون وراء الإمام. فقال اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: فقال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]. قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]. قال الله تعالى أثنى علي عبدي. وإذا قال ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]. قال مجدني عبدي- وقال مرة فوض إلي عبدي- فإذا قال ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]. قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]. قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه والله الموفق. فائدة: قال في "الفروع "[4]: وإن قرأ ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7] بظاء فأوجه: الثالث يصح مع الجهل. انتهى. قال في تصحيح الفروع أحدها لا تبطل الصلاة اختاره القاضي والشيخ تقي الدين وقدمه في المغنى والشرح، قلت: وهو الصواب، الثاني تبطل. قال في "الكافي "[5]: هذا قياس المذهب واقتصر عليه وجزم به ابن رزين في شرحه الإنصاف للمرداوي وهو ظاهر كلامه في المقنع وغيره وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والوجه الثالث تصح مع الجهل قال في الرعاية الكبرى قلت إن علم الفرق بينهما لفظا ومعنى بطلت صلاته وإلا فلا. انتهى والله أعلم. الحديث الثاني 92- عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحيانا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب. وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية. • قوله: (بفاتحة الكتاب وسورتين) أي في كل ركعة سورة وفي رواية كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة. • قوله: (يطول في الأولى ويقصر في الثانية) روى عبد الرزاق في آخر هذا الحديث فضننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة. • قوله: (ويسمعنا الآية أحيانا) وللنسائي من حديث البراء: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم- الظهر نسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه لكن قال بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية. • قال الحافظ: (واستدل به على جواز الجهر في السرية وأنه لا سجود على من فعل ذلك خلافا لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء قلنا كان يفعل ذلك عمدا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر، وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية. وقوله: "أحيانا" يدل على تكرر ذلك منه"[6]. • قال البخاري: باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، وذكر الحديث ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الركعة الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح[7]. قوله: "باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب" يعني بغير زيادة، وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الآخريين من الرباعية، ويحتمل أن يكون لم يذكرها لما رواه مالك من طريق الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا ﴾ [آل عمران: 8]. قال: وفيه التنصيص على قراءة الفاتحة في كل ركعة قال واستدل به على تطويل الركعة الأولى على الثانية. • وقال البيهقي: يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدا، وإلا فيسوي بين الأوليين. وروي عبد الرزاق[8] عن بن جريج عن عطاء قال: إني لأحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، قال: فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين والأخريين سواء وذهب بعض الأئمة إلا استحباب تطويل الأولى من الصبح دائما، وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا. وذكر في حكمة اختصاص الصبح بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة وفي ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه، والعلم عند الله. انتهى. عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نحرز قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر فحرزنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة ألم تنزيل السجدة وحرزنا قيامه في الأخريين قدر نصف من ذلك وحرزنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين على النصف من ذلك لفظ حديث يحيى بن يحيى وفي حديث مسدد على قدر ثلاثين آية رواه مسلم. والجمع بين الحديثين أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع هذا تارة ويقتصر في الأخريين على الفاتحة تارة فتكون الزيادة في الأخريين سنة تفعل أحيانا وتترك أحيانا. وبالله التوفيق. الحديث الثالث 93- عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور. • قال البخاري: باب الجهر في المغرب[9] وذكر الحديث. • قوله: (يقرأ) في رواية "قرأ" وفي رواية قال: "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" وفي رواية: سمعته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35] الآيات إلى قوله المسيطرون كاد قلبي أن يطير، ولابن حبان: وكان جاء في فداء أهل بدر ولسعيد بن منصور: (فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن" واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة. • قال ابن دقيق العيد: استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب، والحق عندنا أن ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو مستحب، وما لم تثبت مواظبته عليه فلا كراهة فيه انتهى وفي الحديث دليل على استحباب القراءة في المغرب بطوال المفصل أحيانا. وروى البخاري: عن مروان بن الحكم قال قال لي زيد بن ثابت ما لك تقرأ في المغرب بقصار وقد سمعت الذي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بطولى الطوليين[10]. • قال الحافظ: (لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي - صلى الله عليه وسلم-، وعن ابن عباس أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴾ [المرسلات: 1] فقالت يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها في المغرب. رواه الجماعة إلا ابن ماجه)[11]. قال الحافظ: (وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه - صلى الله عليه وسلم- كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف، وهو يرد على أبي داود ادعاء نسخ التطويل انتهى وقال ابن خزيمة: هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب، إلا أنه إذا كان إماما استحب له أن يخفف في القراءة)[12]. • قال الحافظ: (واختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن هل هو من أول الصافات أو الجاثية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن أقوال أكثرها مستغرب قال والراجح الحجرات ذكره النووي)[13] انتهى والله أعلم. الحديث الرابع 94- عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان في سفر، فصلى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه - صلى الله عليه وسلم. • قال البخاري: باب الجهر في العشاء، وذكر حديث أبي هريرة عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت الحديث ثم ذكر حديث الباب ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون[14]. • قال الحافظ: وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرا والسفر يطلب فيه التخفيف، وحديث أبي هريرة محمول على الحضر فلذلك قرأ فيها بأوساط المفصل. وذكره البخاري أيضا في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الماهر بالقرآن مع الكرام البررة وزينوا القرآن بأصواتكم ولفظه سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرا في العشاء بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه[15]. • قال الحافظ: قوله: "باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الماهر" أي الحاذق والمراد به هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ والمراد بالسفرة الكتبة جمع سافر مثل كاتب وزنه ومعناه، وهم هنا الذين ينقلون من اللوح المحفوظ فوصفوا بالكرام أي المكرمين عند الله تعالى، والبررة أي المطيعين المطهرين من الذنوب والمراد بالمهارة بالقرآن جودة الحفظ وجودة التلاوة من غير تردد فيه لكونه يسره الله تعالى عليه كما يسره على الملائكة فكان مثلها في الحفظ والدرجة، قال ابن بطال: المراد بقوله: "زينوا القرآن بأصواتكم" المد والترتيل والمهارة في القرآن جودة التلاوة بجودة الحفظ فلا يتلعثم ولا يتشكك وتكون قراءته سهلة بتيسير الله تعالى كما يسره على الكرام البررة. • قال البخاري في كتاب "خلق أفعال العباد": فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصوات الخلق وقراءتهم مختلفة بعضها أحسن من بعض وأزين وأحلى وأرتل وأمهر وأمد وغير ذلك. انتهى. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن يريد يجهر به" متفق عليه. • قال الموفق: (والمستحب أن يأتي بها مرتلة معربة يقف فيها عند كل آية ويمكن حروف المد واللين ما لم يخرجه ذلك إلي التمطيط لقول الله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، وروي عن أم سلمة أنها سالت عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت: كان يقطع قراءته آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين رواه الإمام أحمد في "مسنده" وعن أنس قال: كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد الرحيم أخرجه البخاري فإن انتهى ذلك إلي التمطيط والتلحين كان مكروها لأنه ريما جعل الحركات حروفا، قال أحمد: يعجبني من قراءة القرآن السهلة، وقال قوله زينوا القرآن بأصواتكم قال يحسنه بصوته من غير تكلف وقد روي في خبر آخره أحسن الناس قراءة من إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله وروي: إن هذا القرآن نزل بحزن فا قرأوه بحزن[16]. انتهى والله المستعان. الحديث الخامس 95- عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا على سرية فكان يقرا لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ" قل هو الله أحد" فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: "سلوه لأي شيء صنع ذلك؟" فسألوه. فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أخبروه: أن الله تعالى يحبه". هذا الحديث ذكره البخاري: في باب ما جاء في دعاء التي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى. وذكر حديث أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك وكأن الرجل يتقبلها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن[17]. • قال الحافظ: (المراد بتوحيد الله تعالى الشهادة بأنه إله واحد)[18]. • قال البخاري: باب الجمع بين السورتين في الركعة، والقراءة بالخواتيم وبسورة قبل سورة وبأول سورة ويذكر عن عبد الله بن السائب: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم- المؤمنون في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع، وقرأ عمر في الركعة الأولى بمائة وعشرين آية من البقرة وفي الثانية بسورة من المثاني وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو يونس وذكر أنه صلى مع عمر- رضي الله عنه - الصبح بهما، وقرأ ابن مسعود بأربعين آية من الأنفال وفي الثانية بسورة من المفصل. وقال قتاده: فيمن يقرأ سورة واحدة في ركعتين أو يردد سورة واحدة في ركعتين كل كتاب الله. وقال عبيد الله عن ثابت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى فقال ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وأن كرهتم تركتكم وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم- أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال إني أحبها فقال حبك إياها أدخلك الجنة. حدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل قال جاء رجل إلا ابن مسعود فقال قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال: هذا كهذ الشعر لقد عرفت النظائر التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين من آل حاميم في كل ركعة[19]. انتهى. قوله: يا فلان ما منعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة. • قال الحافظ: (قال ناصر الدين بن المنير: في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها، لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه. قال: وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره وفيه ما يشعر بان سورة الإخلاص مكية [20]. انتهى. • قولها: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد). • قال ابن دقيق العيد: هذا يدل على أنه كان يقرأ بغيرها ثم يقرأها في كل ركعة وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون المراد أنه يختم بها آخر قراءته فيختص بالركعة الأخيرة، وعلى الأول فيؤخذ منه جواز الجمع بين السورتين. • قولها: (فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: سلوه لأي شيء يصنع؟ " ذلك فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها). • قال ابن التين: إنما قال: إنها صفة الرحمن لأن فيها أسماءه وصفاته، وأسماؤه مشتقة من صفاته وقد أخرج البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات" بسند حسن عن ابن عباس "أن اليهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم- فقالوا صف لنا ربك الذي تعبد" فانزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] إلي آخرها، فقال: "هذه صفة ربي عز وجل" وعن أبي بن كعب قال: قال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم- أنسب لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص الحديث، وهو عند ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" وصححه الحاكم "وفيه أنه ليس شيء يولد إلا يموت وليس شيء يموت إلا يورث، والله لا يموت ولا يورث، ولم يكن له شبه ولا عدل، وليس كمثله شيء". قال وفي حديث الباب حجة لمن أثبت أن لله صفة وهو قول الجمهور، وشذ ابن حزم قال الحافظ: وكلامه مردود باتفاق الجميع على إثبات الأسماء الحسنى. • وقال الحافظ: (وقال القرطبي في "المفهم": اشتملت ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] على اسمين يتضمنان جميع أوصاف الكمال: وهما الأحد والصمد، فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال، قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180] وقال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر ﴿ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الحشر: 24] والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته. لأنه إذا ثبت أنه حي مثلا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهي صفة الحياة ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصافات: 180]، فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع، وقد قسم البيهقي وجماعة من أئمة السنة جميع الأسماء المذكورة في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة على قسمين: أحدهما صفات ذاته وهي ما استحقه فيما لم يزل ولا يزال، والثاني صفات فعله: وهي ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل، قال ولا يجوز وصفه إلا بما دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة أو أجمع عليه ثم منه ما اقترنت به دلالة العقل كالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام من صفات ذاته، وكالخلق والرزق والإحياء والإماتة والعفو والعقوبة من صفات فعله، ومنه ما ثبت بنص الكتاب والسنة كالوجه واليد والعين من صفات ذاته وكالاستواء والنزول والمجيء من صفات فعله، فيجوز إثبات هذه الصفات له لثبوت الخبر بها على وجه ينفي عنه التشبيه، فصفة ذاته لم تزل موجودة بذاته ولا تزال، وصفة فعله ثابتة عنه ولا يحتاج في الفعل إلي مباشرة " ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]. • قولها: (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخبروه أن الله يحبه ") فيه إثبات صفة المحبة من الله تعالى كما يليق به كسائر الصفات لا يعرف كنهها غيره، وأما حب العبد لربه فهو ما يجده في نفسه من عظمة ربه وجلاله والرجاء فيه فيحمله ذلك على طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه فيجزيه الله تعالى بذلك محبته ومغفرته وإكرامه وتقريبه قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 31]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ﴾ [المائدة: 54] .. الآية، قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون سبب محبة الله له محبته لهذه السورة ويحتمل أن يكون لما دل عليه كلامه لأن محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده)[21]. • قال ابن القيم: (والله سبحانه وتعالى كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه ما وهو يحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإن ذلك من لوازم كماله فإنه سبحانه وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، جواد يحب الأجواء، قوي، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف حيي يحب أهل الحياء وفي يحب أهل الوفاء،شكور يحب الشاكرين صادق يحب الصادقين، محسن يحب المحسنين. انتهى فنسأل الله أن يجعلنا من عباده المخلصين الصادقين آمين)[22]. الحديث السادس 96- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: " فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى؟ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة". • قال البخاري: باب من شكا إمامه إذا طول، وذكر حديث أبي مسعود: قال رجل: يا رسول الله إني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها، ثم ذكر حديث جابر ولفظه: قال: أقبل رجل بنا ضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يصلي فترك ناضحه وأقبل إلي معاذ فقرأ بسورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل وبلغه أن معاذا نال منه فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه معاذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ أفتان أنت أو وأفاتن ثلاث مرات فلولا صليت بسبح اسم ربك والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة".. أحسب هذا في الحديث. قال أبو عبد الله: وتابعه سعيد بن مسروق ومسعر والشيباني قال عمرو وعبيد الله بن مقسم وأبو الزبير عن جابر قرأ معاذ في العشاء بالبقرة وتابعه الأعمش عن محارب، ثم ذكر حديث أنس كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجز الصلاة ويكملها[23] انتهى. وفي الحديث دليل على استحباب قراءة أوساط المفصل في العشاء، واقتداء الإمام بأضعف المأمومين مراعاة حوائجهم وعدم المشقة عليهم، وسيأتي الكلام على بقية الحديث في باب جامع إن شاء الله تعالى وبه الثقة. [1] فتح الباري: (2/ 242). [2] فتح الباري: (2/ 236). [3] فتح الباري: (2/ 242). [4] ( 1/ 434). [5] (2/ 271). [6] فتح الباري: (2/ 245). [7] فتح الباري: (2/ 260). [8] مصنف عبد الرزاق: (2/ 361). [9] فتح الباري: (2/ 247). [10] فتح الباري: (2/ 246). [11] فتح الباري: (2/ 248). [12] فتح الباري: (2/ 248) [13] فتح الباري: (2/ 249). [14] فتح الباري: (2/ 250). [15] فتح الباري: (13/ 518). [16] المغني: (2/346). [17] فتح الباري: (13/ 347). [18] فتح الباري: (13/ 348). [19] فتح الباري: (2/ 255). [20] فتح الباري: (2/ 258). [21] فتح الباري: (13/ 357 ). [22] روضة المحيين: (1/ 64). [23] فتح الباري: ( 2/200).
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك ( باب صفة صلاة النبي ) الحديث التاسع: 84- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي - صلى الله عليه وسلم -. • قال البخاري: باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي [26] وذكر أحاديث منها حديث أنس وساقه وفي آخره: وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفن أمه. • قال الحافظ: وفيه جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال، وفيه شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه، ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير. • قال ابن دقيق العيد: (والحديث يدل على طلب أمرين في الصلاة: التخفيف في حق الإمام مع الإتمام وعدم التقصير وذلك هو الوسط العدل والميل إلي أحد الطرفين خروج عنه أما التطويل في حق الإمام: فإضرار بالمأمومين وأما التقصير عن الإتمام: فبخس لحق العبادة، ولا يراد بالتقصير ههنا: ترك الواجبات فإن ذلك مفسدة موجب للنقص الذي يرفع حقيقة الصلاة وإنما المراد- والله أعلم- التقصير عن المسنونات والتمام بفعلها) [27] انتهى وبالله التوفيق. الحديث العاشر: 85- عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا، فقال: إني لأصلي بكم، وما أريد الصلاة، أصلي كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا، وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض. أراد بشيخهم، أبا يزيد، عمرو بن سلمه الجرمي. • قال ابن دقيق العيد: (إن هذا الحديث مما انفرد به البخاري عن مسلم وليس من شرط هذا الكتاب)[28]. • قال الحافظ: (أخرج صاحب العمدة هذا الحديث وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث)[29]. • قال الحافظ: (باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته. وذكر الحديث إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة أصلي كيف رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي. لم يرد نفي القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة وهو قصد التعليم، لأن التعليم بالفعل قد يكون أوضح من القول، وفي رواية كان مالك بن الحويرث يرينا كيف كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذاك في غير وقت الصلاة أي في غير وقت الصلاة المفروضة)[30]. • قال الحافظ: فيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة. • قال البخاري: باب المكث بين السجدتين، حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة أن مالك بن الحويرث قال لأصحابه ألا أنبئكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وذاك في غير حين صلاة فقام ثم ركع فكبر ثم رفع رأسه فقام هنية ثم سجد ثم رفع رأسه هنية فصلى صلاة عمرو بن سلمة شيخنا هذا قال أيوب كان يفعل شيئا لم أرهم يفعلونه كان يقعد في الثالثة والرابعة، قال: فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقمنا عنده فقال لو رجعتم إلي أهليكم صلوا صلاة كذا في حين كذا صلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم. ثم ذكر حديث البراء وحديث أنس إني لا آلوا إلى آخره. • قال الحافظ: (قوله: "كان يقعد في الثالثة أو الرابعة" هو شك من الراوي، والمراد منه بيان جلسة الاستراحة، وهي تقع بين الثالثة والرابعة كما تقع بين الأولى والثانية فكأنه قال: كان يقعد في آخر الثالثة أو في أول الرابعة والمعنى واحد فشك الراوي أيهما قال، وسيأتي الحديث بلفظ: "فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا") [31]. • وقال البخاري: باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته ثم نهض [32]. وذكر الحديث ولفظه: عن أي قلابة قال أخبرنا مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا. • قال الحافظ: (قوله: "باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته" ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث ومطابقته واضحة، وفيه مشروعية جلسة الاستراحة، وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل الحديث، وعن أحمد روايتان، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلي القول بها، ولم يستحبها الأكثر، واحتج الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ: "فقام ولم يتورك " وأخرجه أبو داود أيضا كذلك قال: فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها، لا أن ذلك من سنة الصلاة، ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص، وتعقب بان الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي " فحكايته لصفات صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داخلة تحت هذا الأمر. ويستدل بحديث أبي حميد المذكور على عدم وجوبها فكأنه تركها لبيان الجواز، وتمسك من لم يقل باستحبابها بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبادروني بالقيام والقعود، فإني قد بدنت" فدل على أنه كان يفعلها لهذا السبب، فلا يشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك، وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا استغني فيها بالتكبير المشروع للقيام، فإنها من جملة النهوض إلا القيام، ومن حيث المعنى إن الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزا لكل عضو وضع، فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن يميز رفع ركبتيه، وإنما يتم ذلك بأن يجلس ثم ينهض قائما، نبه عليه ناصر الدين بن المنير في الحاشية ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي، بل أخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عنه بإثباتها، وأما قول بعضهم: لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته، فيقوى أنه فعلها للحاجة ففيه نظر، فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف، وإنما أخذ مجموعها عن مجموعتهم[33] انتهى. • وقال البخاري: (باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة وذكر الحديث وفي آخره قال أيوب وكان ذلك الشيخ يتم التكبير وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام)[34] انتهى والله أعلم. الحديث الحادي عشر: 86- عن عبد الله بن بحينة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه. • قال البخاري: باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود[35] وذكر الحديث. • قال الحافظ: (قوله: "باب يبدي ضبعيه" بفتح المعجمة وسكون الموحدة تثنية ضبع وهو وسط العضد من داخل وقيل هو لحمه تحت الإبط. • قوله: (فرج بين يديه) أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها، قال القرطبي: الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنه يخف بها اعتماده عن وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته ولا يتأذى بملاقاة الأرض. وقال غيره: هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان. • قال الحافظ: وروي الطبراني وغيره من حديث ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال: "لا تفترش افتراش السبع، وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك " انتهى، والحديث دليل على استحباب التفريج في السجود عليهم)[36]. وأخرج أبو داود [37] عن أبي هريرة قال: اشتكى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال: "استعينوا بالركب". قلت: قال الألباني: ضعيف وترجم له الرخصة في ذلك أي فيترك التفريج قال ابن عجلان أحد رواته وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود. وروي البخاري من حديث أبي حميد الساعدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلي. وبالله التوفيق. الحديث الثاني عشر: 87- عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعليه؟ قال: نعم. • قال البخاري: باب الصلاة في النعال[38] وذكر الحديث. • قال الحافظ: (قال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة ثم هي من الرخص، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة، وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد، والأخرى من باب جلب المصالح. قال: إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر. قلت: قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعا: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم " فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة، وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لم خلعتم نعالكم، قالوا يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا قال إن جبرائيل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما خبثا فإن وجد فيهما خبثا فليمسحهما بالأرض ثم ليصل فيهما) [39]. • قال في "نيل الأوطار"[40]: (وفيه أن دلك النعال يجزئ وأن الأصل أن أمته أسوته في الأحكام، وأن الصلاة في النعلين لا تكره وأن العمل اليسير معفو عنه) انتهى. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حافيا ومنتعلا رواه أبو داود. وبالله التوفيق. الحديث الثالث عشر: 88- عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. • قال البخاري: باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة [41] وذكر الحديث. • قال الحافظ: (قال ابن بطال: أراد البخاري أن حمل المصلي الجارية إذا كان لا يضر الصلاة فمرورها بين يديه لا يضر لأن حملها أشد من مرورها. وأشار إلى نحو هذا الاستنباط الشافعي، لكن تقييد المصنف بكونها صغيرة قد يشعر بأن الكبيرة ليست كذلك قال وتخصيص الحمل في الترجمة بكونه على العنق- مع أن السياق يشمل ما هو أعم من ذلك- مأخوذ من طريق أخرى وهي لمسلم. وأمامة كانت صغيرة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها علي بعد وفاة فاطمة بوصية منها ولم تعقب. قوله: "ولأبي العاص بن الربيعة بن عبد شمس" ولأحمد: ويحمل أمامة بنت أبي العاص وأمها زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عاتقه". وأبو العاص أسلم قبل الفتح وهاجر، ورد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته، وكانت وفاته في خلافة أي بكر الصديق. • قوله: (فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) ولأبي داود: "حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده قام وأخذها فردها في مكانها". • قال الحافظ: وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منه. ولمسلم: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس وأمامة على عاتقه". • قال الحافظ: وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعا بمدة مديدة قال وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجد الطمأنينة في أركان صلاته. • قال النووي: وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه معفو عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك، وإنما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لبيان الجواز. وقال الفاكهاني: وكأن السر في حمله أمامة في الصلاة دفعا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول. انتهى. واستدل بالحديث على ترجيح العمل بالأصل على الغالب، وعلى جواز إدخال الصبيان في المساجد، وعلى أن لمس الصغار الصبايا غير مؤثر في الطهارة، وعلى صحة صلاة من حمل آدميا، وفيه تواضعه - صلى الله عليه وسلم - وشفقته على الأطفال، وإكرامه لهم جبرا لهم ولوالديهم)[42]. والله أعلم. تتمة: • قال في الاختيارات: (وجوب تطهير البدن من الخبث يحتج عليه بأحاديث الاستنجاء وبحديث التنزه من البول ويقوله - صلى الله عليه وسلم - حتيه ثم اقرصيه ثم انضحيه بالماء ثم صلي فيه من حديث أسماء وغيرها وبحديث أبي سعيد في دلك النعلين بالتراب ثم الصلاة فيهما. وطهارة البقعة يستدل عليها بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأعرابي إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والعذرة وأمره - صلى الله عليه وسلم - بصب الماء على البول. ومن صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فلا إعادة عليه قاله طائفة من العلماء لأن ما كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد مخطئا أو ناسيا لا تبطل العبادة به. وذكر القاضي في المجرد والآمدي أن الناسي يعيد رواية واحدة عن أحمد لأنه مفرط وإنما الروايتان في الجاهل، والروايتان منصوصتان عن أحمد في الجاهل بالنجاسة فأما الناسي فليس عنه فيه نص فلذلك اختلف الطريقان. والنهي عن قربان المسجد لمن أكل الثوم ونحوه عام في كل مسجد عند عامة العلماء. وحكى القاضي عياض أن النهي خاص بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها والنهي عن ذلك إنما هو لسد ذريعة الشرك وذكر طائفة من أصحابنا أن وجود القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة لأنه لا يتناوله اسم المقبرة وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور وهو الصواب والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر، وقال أصحابنا وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلي فيه فهذا ينبني على أن المنع يكون متناولا لحريم الصلاة عند القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه. وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبن المقبرة حائل آخر وذكر بعضهم هذا منصوص أحمد. ولا تصح الصلاة في الحش ولا إليه، ولا فرق عند عامة أصحابنا بين أن يكون الحش في ظاهر جدار المسجد أو باطنه. واختار ابن عقيل أنه إذا كان بين المصلى وبين الحش ونحوه حائل مثل جدار المسجد لم يكره، والأول هو المأثور عن السلف والمنصوص عند أحمد والمذهب الذي نص عليه عامة الأصحاب كراهة دخول الكنيسة التي فيها التصاوير فالصلاة فيها وفي كل مكان فيه تصاوير أشد كراهة وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك. ومقتضى كلام الآمدي وأبي الوفاء بن عقيل أنه لا تصح الصلاة في أرض الخسف وهو قوي ونص أحمد لا يصلى فيها. وقال الآمدي: تكره الصلاة في الرحى ولا فرق بين علوها وسفلها. قال أبو العباس: ولعل هذا لما فيها من الصوت الذي يلهي المصلي ويشغله ولا تصح الفريضة في الكعبة بل النافلة وهو ظاهر مذهب أحمد. وأما صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في البيت الحرام فإنها كانت تطوعا فلا يلحق به الفرض لأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى داخل البيت ركعتين ثم قال هذه القبلة فيشبه والله أعلم أن يكون ذكره لهذا الكلام في عقيب الصلاة خارج البيت بيانا لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كاف في الفرض لأجل أنه صلى التطوع في البيت وإلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة فلا بد لهذا الكلام من فائدة وعلم شيء قد يخفى ويقع في محل الشبهة وابن عباس راوي هذا الحديث فهم منه هذا المعنى وهو أعلم بمعنى ما سمع. وإن نذر الصلاة في الكعبة جاز كما لو نذر الصلاة على الراحلة. وأما إن نذر الصلاة مطلقا فإنه يعتبر فيها شروط الفريضة لأن النذر المطلق يحذى به حذو الفرائض) [43] انتهى والله أعلم. الحديث الرابع عشر: 89- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب". • قوله: (اعتدلوا في السجود) أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض. • قال البخاري: وقال أبو حميد سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ووضع يديه غير مفترش ولا قابضهما[44]. • قوله: (ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب). • قال الحافظ: (والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة)[45]0 انتهى. • قال ابن دقيق العيد: (وقد ذكر في هذا الحديث الحكم مقرونا بعلته فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة مما يناسب تركه في الصلاة)[46] انتهى. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المصلي أن يتشبه بالحيوانات فنهى عن بروك كبروك البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب خيل شمس. قال بعض العلماء: إذا نحن قمنا في الصلاة فإننا ![]() نهينا عن الإتيان فيها بستة ![]() بروك بعير والتفات كثعلب ![]() ونقر غراب في سجود الفريضة ![]() وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه ![]() وأذناب خيل عند فعل التحية ![]() تتمة: عن أبي حميد الساعدي، في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم أبو قتادة الحارث ابن ربعي، فقال أبو حميد الساعدي: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: لم؟ ما كنت أكثرنا له تبعة، ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى قالوا: فاعرض علينا، قال: فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقر كل عضو منه في موضعه معتدلا، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل ولا ينصب رأسه، ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يعود كل عظم منه إلي موضعه معتدلا ثم يقول: الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه، ثم يرفع رأسه فيثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يعود ثم يرفع فيقول: الله أكبر ثم يثني برجله فيقعد عليها معتدلا حتى يرجع أو حتى يقر كل عظم موضعه معتدلا، ثم يصنع في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما فعل، أو كبر عند افتتاح الصلاة، ثم صنع مثل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر. فقالوا جميعا: صدق، هكذا كان يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي ورواه البخاري مختصرا وبالله التوفيق. [1] فتح الباري: (2/ 226). [2] فتح الباري: (2/ 230). [3] تحفة الأحوذي: (2/71). [4] الفروع: (2/ 117). [5] المغني: (1/ 567). [6] فتح الباري: (2/ 230). [7] الفتاوى الكبرى: (5/331). [8] إحكام الأحكام: (1/ 231). [9] صحيح مسلم: (2/ 53). [10] إحكام الأحكام: (1/ 234). [11] صحيح البخاري: (1/ 284). [12] (2/ 86) [13] فتح الباري: (2/ 218، 219). [14] فتح الباري: (2/ 221). [15] فتح الباري: (2/ 222). [16] فتح الباري: (3/ 203). [17] فتح الباري: (3/ 203). [18] فتح الباري: (2/ 269). [19] فتح الباري: (2/ 270، 1 27). [20] فتح الباري: (2/ 272، 273). [21] سنن النسائي: (4/196). [22] فتح الباري: (2/ 275). [23] فتح الباري: (3/ 178). [24] فتح الباري: (2/ 300). [25] فتح الباري: (2/ 301). [26] فتح الباري: (2/ 201). [27] إحكام الأحكام: (1/ 247). [28] إحكام الأحكام: (1/ 247). [29] فتح الباري: (2/ 164). [30] فتح الباري: (2/ 163). [31] فتح الباري: (2/ 301). [32] فتح الباري: (2/ 302). [33] فتح الباري: (2/ 302). [34] فتح الباري: (2/ 303). [35] فتح الباري: (2/ 294). [36] فتح الباري: (2/ 294). [37] سنن أبي داود: (2/240). [38] فتح الباري: (1/ 494). [39] فتح الباري: (1/ 494). [40] (2/121) [41] فتح الباري: (1/ 590). [42] فتح الباري: (1/ 590). [43] الاختيارات الفقهية: (1/ 43). [44] فتح الباري: (2/ 301). [45] فتح الباري: (2/ 301). [46] إحكام الأحكام: (1/ 255).
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود) الحديث الأول 90- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ارجع فصل، فإنك لم تصل". فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ارجع فصل، فإنك لم تصل" - ثلاثا- فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غيره، فعلمني، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل حائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا. وافعل ذلك في صلاتك كلها". هذا حديث جليل مشتمل على ما يجب في الصلاة وما لا تتم إلا به. • قال الحافظ: (قوله: "باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم الركوع بالإعادة" وذكر الحديث قال الزين بن المنير: هذه من التراجم الخفية، وذلك أن الخبر لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلي المذكور، لكنه - صلى الله عليه وسلم - لما قال له "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا" إلى آخر ما ذكر له من الأركان أقتض ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها، فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة. • قال الحافظ: ووقع في حديث رفاعة بن رافع عند ابن أبي شيبة في هذه القصة "دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها" فالظاهر أن المصنف أشار بالترجمة إلى ذلك)[1]. • قوله: (فدخل رجل) في رواية: ابن نمير "ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد" وللنسائي "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ونحن حوله". • قوله: (فصلى ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -) فقال وعليك السلام. • قال الحافظ: (والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره، إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساق الحديث صاحب "العمدة" بلفظ الباب إلا أنه حذف منه "فرد النبي - صلى الله عليه وسلم -"[2]. • قوله: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، وفي رواية لأحمد: "أعد صلاتك" فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ارجع فصل فانك لم تصل" ثلاثًا، وفي رواية: فقال في الثالثة أو في التي بعدها. • قوله: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر) وفي رواية إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر. • قوله: (ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن) وفي حديث أبي رفاعة عند أبي داود والنسائي: فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبر وهلل، وعند أبي داود: ثم أقرأ بأم القران وبما شاء الله. • قال الخطابي: قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" ظاهر الإطلاق التخيير، لكن المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة، وهو كقوله تعالى: ï´؟ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ï´¾ [البقرة: 196] ثم عينت السنة المراد. • قال الحافظ: تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن، فإن عجز عن تعلمها وكان معه شيء من القرآن قرأ ما تيسر، وإلا انتقل إلى الذكر. • قوله: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا). • قال الحافظ: ثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين[3]. • قوله: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا)، وفي حديث رفاعة عند أبي داود والنسائي: ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي. • قوله: (ثم ارفع حتى تطمئن جالسا)، في حديث رفاعة أيضا: ثم يكبر فيرفع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه وفي حديث رفاعة أيضاً فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالسا ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد. • قوله: (ثم وافعل ذلك في صلاتك كلها) وفي حديث رفاعة: (ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة". • قال الحافظ: (واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة، وبه قال الجمهور. • قال ابن دقيق العيد: تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر، قال: فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه وبالعكس. لكن يحتاج أولاً إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد، ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به، أن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشيء لم يذكر في هذا الحديث قدمت. قال الحافظ: قد امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة، وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها. فمما لم يذكر فيه تصريحا من الواجبات المتفق عليها: النية، والقعود الأخير ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، والسلام في آخر الصلاة؛ قال النووي: وهو محمول على أن ذلك كان معلوما عند الرجل)[4]؛ انتهى. • قال الحافظ: (واستدل به على تعين لفظ التكبير، خلافا لمن قال يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم، قال واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان قال ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بغير طمأنينة. قال وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة. وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة، وتخليص، المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه. قال وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال. وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصودا لذاته، إنما يقصد للقراءة فيه. وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه. وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب وفيه حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - ولطف معاشرته، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة. • قال المازري: أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكره فيفعله من غير تعليم، وليس ذلك من باب التقرير الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ. • قال النووي: وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة، قال وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها، وأن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه ويكون من باب النصيحة لا من الكلام فيما لا معنى له. وموضع الدلالة منه كونه قال: "علمني" أي الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها)[5]، والله أعلم. المصدر: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام [1] فتح الباري: (2/ 277). [2] فتح الباري: (2/ 278). [3] فتح الباري: (2/ 243). [4] فتح الباري: (2/279). [5] فتح الباري: (2/279).
__________________
|
|
#5
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك ( باب ترك الجهر بالبسملة ) 97- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -: كانوا يستفتحون الصلاة بـï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾. وفي رواية: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. ولمسلم: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها. • قوله: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة، أي: القراءة في الصلاة. • قال الحافظ: (وكذلك رواه ابن المنذر والجوزقي وغيرهما بلفظ "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين")[1]. • وقوله: (بالحمد لله رب العالمين)، بضم الدال على الحكاية. • قوله: (وفي رواية: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها). • قال الحافظ: (فطريق الجمع بين هذه الألفاظ حمل نفي القراءة على نفي السماع ونفي السماع على نفي الجهر، ويؤيده أن لفظ رواية منصور بن زاذان "فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم"، وأصرح من ذلك رواية الحسن عن أنس عند ابن خزيمة بلفظ: كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم. قال وترجم له ابن خزيمة وغيره أباحة الإسرار بالبسملة في الجهرية وفيه نظر لأنه لم يختلف في إباحته بل في استحباب)[2]. • قال ابن دقيق العيد: (يستدل به من يرى عدم الجهر بالبسملة في الصلاة، والعلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب أحدها: تركها سرا وجهرا وهو مذهب مالك الثاني: قراءتها سرا لا جهرا وهو مذهب أبى حنيفة و أحمد الثالث: الجهر بها في الجهرية وهو مذهب الشافعي. والمتيقن من هذا الحديث: عدم الجهر وأما الترك أصلا: فمحتمل مع ظهور ذلك في بعض الألفاظ وهو قوله "لا يذكرون" [3] انتهى. وروي النسائي: عن نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ فقال آمين فقال الناس آمين ويقول كلما سجد الله أكبر وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال الله أكبر وإذا سلم قال والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -[4]. قلت: قال الشيخ الألباني: ضعيف الإسناد. • قال الحافظ: (بوب النسائي عليه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وهو أصح حديث ورد في ذلك)[5]. • قال ابن القيم: (وكان يجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم تارة ويخفيها أكثر مما يجهر بها ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائما في كل يوم وليلة خمس مرات أبدا حضرا وسفرا ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الأعصاب الفاضلة هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إلي التشبث فيه بألفاظ مجملة وأحاديث واهية فصحيح تلك الأحاديث غير صريح وصريحها غير صحيح)[6] انتهى. • قال ابن عبد البر: (وقال أحمد لا يجهر بها أحد إلا في قيام رمضان في غير فاتحة الكتاب بين السورتين، فإنه من فعل ذلك فلا شيء عليه، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: "يقرأ الرجل بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة في قيام رمضان، والذي يختم القرآن يقرأ كما يقرأ في المصحف يعجبني ذلك"[7] انتهى وبالله التوفيق. • قال في الاختيارات: (ويستحب التعوذ أول كل قراءة ويجهر في الصلاة بالتعوذ وبالبسملة وبالفاتحة في الجنازة ونحو ذلك أحيانا فإنه المنصوص عن أحمد تعليما للسنة ويستحب الجهر بالبسملة للتأليف كما استحب أحمد ترك القنوت في الوتر تأليفا للمأموم ولو كان الإمام متطوعا تبعه المأموم، والسنة أولى، ونص عليه أحمد. قال: والبسملة آية منفردة فاصلة بين السور ليست من أول كل سورة لا الفاتحة ولا غيرهما وهذا ظاهر مذهب أحمد وروي الطبراني بإسناد حسن عن ابن العباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر باسم الله الرحمن الرحيم إذا كان بمكة وأنه لما هاجر إلي المدينة ترك الجهر بها حتى مات ورواه أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ وهو مناسب للواقع فإن الغالب على أهل مكة كان الجهر بها وأما أهل المدينة والشام والكوفة فلم يكونوا يجهرون والدارقطني لما دخل مصر وسئل أن يجمع أحاديث الجهر بالبسملة فجمعها فقيل له: هل فيها شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا، وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف، وتكتب البسملة أوائل الكتب كما كتبها سليمان وكتبها النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية وإلى قيصر وغيره فتذكر في ابتداء جميع الأفعال وعند دخول المنزل والخروج منه للبركة وهي تطرد الشيطان وإنما تستحب إذا ابتدأ فعلا تبعا لغيرها لا مستقلة فلم تجعل كالهيللة والحمدلة ونحوهما والفاتحة أفضل سورة في القرآن قال عليه السلام فيها (أعظم سورة في القرآن) رواه البخاري وذكر معناه ابن شهاب وغيره وآية الكرسي أعظم آي القرآن كما رواه مسلم عنه عليه السلام قال، ومعاني القرآن ثلاثة أصناف: توحيد وقصص وأمر ونهي ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ متضمنة ثلث التوحيد، ولا يستحب قراءتها ثلاثا إلا إذا قرئت منفردة، وقال في موضع آخر: السنة إذا قرأ القرآن كله أن يقرأها كما في المصحف مرة واحدة هكذا قال العلماء لئلا يزداد على ما في المصحف وأما إذا قرأها منفردة أو مع بعض القرآن ثلاثا فإنها تعدل القرآن وإذا قيل: ثواب قراءتها مرة يعدل ثلث القرآن فمعادلة الشيء يقتضي تساويهما في القدر لا تماثلهما في الوصف كما في قوله تعالى: ï´؟ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ï´¾ [المائدة: 95] ولهذا لا يجوز أن يستغنى بقراءتها ثلاث مرات عن قراءة سائر القرآن لحاجته إلى الأمر والنهي والقصص كما لا يستغني من ملك نوعا شريفا من المال عن غيره ويحسن ترجمة القرآن لمن يحتاج إلى تفهيمه إياه بالترجمة. قلت: وذكر غيره هذا المعنى والله أعلم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. المراد بالحرف الكلمة ووقوف القارئ على رؤوس الآيات سنة وإن كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى تعلق الصفة بالموصوف أو غير ذلك والقراءة القليلة بتفكر أفضل من الكثير بلا تفكر وهو المنصوص عن الصحابة صريحا. ونقل عن أحمد ما يدل عليه نقل مثنى بن جامع: رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام ورجل أقل الأكل فقلت نوافله وكان أكثر فكرة أيهما أفضل؟ فذكر ما جاء في الفكر [تفكر ساعة خير من قيام ليلة] قال: فرأيت هذا عنده أفضل للفكر، وما خالف المصحف وصح سنده صحت الصلاة به. وهذا نص الروايتين عن أحمد، ومصحف عثمان أحد الحروف السبعة وقاله عامة السلف وجمهور العلماء، ويكره أن يقول مع ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5] ونحوه. وقراءة المأموم خلف الإمام أصول الأقوال فيها ثلاثة طرفان ووسط فأحد الطرفين لا يقرأ بحال، الثاني يقرأ بكل حال، والثالث وهو قول أكثر السلف إذا سمع قراءة الإمام أنصت وإذا لم يسمع قرأ بنفسه فإن قراءته أفضل من سكوته والاستماع لقراءة الإمام أفضل من السكوت. وعلى هذا فهل القراءة حال خافتة الإمام واجبة على المأموم أو مستحبة على قولين في مذهب أحمد أشهرهما أنها مستحبة ولا يقرأ حال تنفس إمامه وإذا سمع همهمة الإمام ولم يفهم قراءته قرأ لنفسه وهو رواية عن أحمد. وأحمد وغيره استحب في صلاة الجهر سكتتين عقيب التكبير للاستفتاح وقبل الركوع لأجل الفصل ولم يستحب أن يسكت سكتة تقع لقراءة المأموم ولكن بعض أصحابه استحب ذلك والقراءة إذا سمع هل هي محرمة أو مكروهة وهل تبطل الصلاة إن قرأ على قولين في مذهب أحمد وغيره. أحدهما: القراءة محرمة وتبطل الصلاة بها حكاه ابن حامد. والثاني: لا تبطل وهو قول الأكثرين وهو المشهور من مذهب أحمد وهل الأفضل للمأموم قراءة الفاتحة للاختلاف في وجوبها أم غيرها لأنه استمعها مقتض نصوص أحمد وأكثر أصحابه أن القراءة بغيرها أفضل. قلت: فمقتضى هذا أنه إنما يكون غيرها أفضل إذا سمعها وإلا فهي أفضل من غيرها والله أعلم. ولا يستفتح ولا يستعيذ حال جهر الإمام وهو رواية عن أحمد ومن أصحاب أحمد من قال لا يستفتح ولا يستعيذ حال جهر الإمام رواية واحدة وإنما الخلاف حال سكوت الإمام والمعروف عند أصحابه أن النزاع في حال الجهل لأنه بالاستماع يحصل مقصود القراءة بخلاف الاستفتاح والتعوذ وما ذكره ابن الجوزي من قراءة المأموم وقت مخافته الإمام أفضل من استفتاحه غلط، بل قول أحمد وأكثر أصحابه الاستفتاح أولى لأن استماعه بدل عن قراءته، والمرأة إذا صلت بالنساء جهرت بالقراءة وإلا فلا تجهر إذا صلت وحدها. ونقل ابن أصرم عن أحمد في من جهل ما قرأ به إمامه يعيد الصلاة، قال أبو إسحاق بن شاقلا: لأنه لم يدر هل قرأ إمامه الحمد أم لا، ولا مانع من السماع وقال أبو العباس: بل لتركه الإنصات الواجب وحديث عبد الرحمن بن أبزي أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يتم تكبيره رواه أبو داود والبخاري في "التاريخ". وقد حكى عن أبي داود الطيالسي أنه قال حديث باطل، قال أبو العباس وهذا وإن كان محفوظا فلعل ابن أبزي صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في مؤخر المسجد وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته ضعيفا فلم يسمع تكبيره فاعتقد أنه لم يتم التكبير وإلا فالأحاديث المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا. وروي أبو بكر بن أبي شيبة عن النخعي: إن أول من نقص التكبير زياد وكان أميرا في زمن عمر. وإذا رفع الإمام رأسه من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد وهو رواية عن أحمد واختارها أبو الخطاب والآجري وأبو البركات. ويسن رفع اليدين إذا قام المصلي من التشهد الأول إلي الثالثة وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو البركات، كما يسن في الركوع والرفع منه ومن لم يقدر على رفع يديه إلا بزيادة على أذنيه رفعهما لأنه يأتي بالسنة بزيادة لا يمكنه تركها. وتبطل الصلاة بتعمد تكرار الركن الفعلي لا القولي وهو مذهب الشافعي وأحمد ومن لم يحسن القراءة ولا الذكر أو الأخرس لا يحرك لسانه حركة مجردة ولو قيل إن الصلاة تبطل بذلك كان أقرب لأنه عبث ينافي الخشوع وزيادة على غير المشروع[8]. انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: (2/ 227). [2] فتح الباري: (2/ 228). [3] إحكام الأحكام: (1/ 269). [4] سنن النسائي: (3/ 134). [5] فتح الباري: (2/ 267). [6] زاد المعاد: (1/ 194). [7] الإنصاف لابن عبد البر: (1/ 92). [8] الفتاوى الكبرى: (5/ 331).
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك ( باب سجود السهو ) الحديث الأول 98- عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي- قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة. ولكن نسيت أنا- قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلم. فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه. وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة - وفي القوم أبو بكر وعمر- فهابا أن يكلماه. وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين فقال: يا رسول الله، أنسيت، أم قصرت الصلاة؟ قال: "لم أنس ولم تقصر". فقال: "أكما يقول ذو اليدين؟" فقالوا: نعم. فتقدم فصلى ما ترك. ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول. ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول. ثم رفع رأسه وكبر. فربما سألوه: ثم سلم؟ قال: فنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم. • قوله: (باب سجود السهو)، السهو الغفلة من الشيء وذهاب القلب إلي غيره. • قال الحافظ: (واختلف في حكمه فقال الشافعية: مسنون كله، وعن المالكية السجود للنقص واجب دون الزيادة، وعن الحنابلة التفصيل بين الواجبات غير الأركان فيجب لتركها سهوا، وبين السنن القولية فلا يجب، وكذا يجب إذا سها بزيادة فعل أو قول يبطلها عمده. وعن الحنفية واجب كله وحجتهم قوله في حديث ابن مسعود "ثم ليسجد سجدتين" ومثله لمسلم من حديث أبي سعيد والأمر للوجوب. وقد ثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم-، وأفعاله في الصلاة محمولة على البيان، وبيان الواجب واجب ولاسيما مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي") [1] انتهى. • قوله: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي) ما بين زوال الشمس إلى غروبها قال الله تعالى: ï´؟ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ï´¾ [غافر: 55] وقال تعالى: ï´؟ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا ï´¾ [مريم: 62] وقال تعالى: ï´؟ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ï´¾ [ص: 31] وفي رواية: صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر. • قوله: (فقام إلي خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان)، ولمسلم: "ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبا". • قال الحافظ: وكأنه الجذع الذي كان - صلى الله عليه وسلم- يستند إليه قبل اتخاذ المنبر. • قوله: (ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه)، فيه جواز تشبيك الأصابع في المسجد، فأما الحديث الذي أخرجه أبو داود عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلي الصلاة فلا يشبكن بيده فإنه في صلاة" فمن العلماء من ضعفه ومنهم من قال إن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدا لها، إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي. • قوله: (وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة) السرعان أوائل الناس خروجا وهم أصحاب الحاجات غالبا. وقوله: "أقصرت" بهمزة الاستفهام وكسر المهملة على البناء للمفعول وبضمها على البناء للفاعل. • قوله: (وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة)[2]. • قال الحافظ: (غلب على أبي بكر وعمر احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه. وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم قال واسم ذي اليدين الخرباق تأخر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- بمدة وهو سلمي وليس هو بذي الشمالين واسمه عمير وهو حزاعي استشهد ببدر. • قوله: (لم أنس ولم تقصر) وفي رواية "أصدق ذو اليدين"؟ فقال الناس: نعم. • قال الحافظ: قوله: "لم أنس" أي في اعتقادي لا في نفس الأمر، ويستفاد منه أن الاعتقاد عند فقد اليقين يقوم مقام اليقين، وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره، قال وقيل إن قوله لم أنس راجع إلى السلام أي سلمت قصدا بانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا وهذا جيد، وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال: "بلى قد نسيت" وكأن هذا القول أوقع شكا احتاج معه إلي استثبات الحاضرين، قال وفيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر وكان المجلس متحدا أو منعت العادة غفلتهم عن ذلك أن لا يقبل خبره قال وفيه العمل بالاستصحاب لأن ذا اليدين استصحب حكم الإتمام فسأل، مع كون أفعال التي - صلى الله عليه وسلم- للتشريع، والأصل عدم السهو والوقت قابل للنسخ، وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ فسكتوا، والسرعان هم الذين بنوا على النسخ فجزموا بأن الصلاة قصرت فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام. وفيه جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوا[3]. • قوله: (فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر). • قال الحافظ: (اختلف في سجود السهو بعد السلام هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفي بتكبير السجود؟ فالجمهور على الاكتفاء، وهو ظاهر غالب الأحاديث)[4]. قوله: فربما سألوه ثم سلم، قال: فنبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم أي ريما سألوا ابن سيرين هل في الحديث ثم سلم فيقول نبئت إلي آخره، وحديث عمران رواه أبو داود والترمذي وحسنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم. • قال في "سبل السلام"[5]: وفيه تصريح بالتشهد، قيل: ولم يقل أحد بوجوبه. • قال الخرقي: (فإن نسي أن عليه سجود سهو وسلم كبر وسجد سجدتي السهو وتشهد وسلم ما كان في المسجد وإن تكلم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- سجد بعد السلام والكلام)[6] انتهي. • قال البخاري: باب من لم يتشهد في سجدتي السهو، وسلم أنس والحسن ولم يتشهدا. وذكر الحديث بنحوه ثم قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن سلمة بن علقمة قال قلت لمحمد في سجدتي السهو تشهد قال ليس في حديث أبي هريرة. • قال الحافظ: (قوله: "باب من لم يتشهد في سجدتي السهو" أي إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة، وأما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد. وفي الحديث أن الباني لا يحتاج إلا تكبيرة الإحرام، وأن السلام ونية الخروج من الصلاة سهوا لا يقطع الصلاة وأن الكلام سهوا لا يقطع الصلاة خلافا للحنفية. وفيه دليل على أنه إذا ما الإمام سجد وسجد معه المأمومون وأن لم يسه. وفيه التكبير في سجود السهو والسلام. وفيه جواز السهو على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني" لكنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك والحكمة في ذلك التشريع للأمة. قال: وفيه أن سجود السهو لا يتكرر بتكرر السهو- ولو اختلف الجنس- خلافا للأوزاعي. قال: وفيه أن اليقين لا يترك إلا باليقين، لأن ذا اليدين كان على يقين أن فرضهم الأربع فلما اقتصر فيها على اثنتين سأل عن ذلك ولم ينكر عليه سؤاله. وفيه أن الظن قد يصير يقينا بخبر أهل الصدق. قال: واستدل به على أن الإمام يرجع لقول المأمومين في أفعال الصلاة ولو لم يتذكر وبه قال مالك وأحمد وغيرهما، ومنهم من قيده بما إذا كان الإمام مجوزا لوقوع السهو منه، بخلاف ما إذا كان متحققا لخلاف ذلك أخذا من ترك رجوعه - صلى الله عليه وسلم - لذي اليدين ورجوعه للصحابة. قال: واستنبط منه بعض العلماء القائلين بالرجوع اشتراط العدد في مثل هذا وألحقوه بالشهادة، وفرعوا عليه أن الحاكم إذا نسي حكمه وشهد به شاهدان أنه يعتمد عليهما. قال: واستدل به البخاري على جواز تشبيك الأصابع في المسجد، وعلى أن الإمام يرجع لقول المأمومين إذا شك، وعلى جواز التعريف باللقب، وعلى الترجيح بكثرة الرواة)[7] انتهى. • قال ابن دقيق العيد: والحديث يدل على السجود بعد السلام في هذا السهو واختلف الفقهاء في محل السجود فقيل: كله قبل السلام وهو مذهب الشافعي. وقيل: كله بعد السلام وهو مذهب أبي حنيفة وقيل: ما كان من نقص فمحله قبل السلام وما كان من زيادة فمحله بعد السلام وهو مذهب مالك وأومأ إليه الشافعي في القديم وقد ثبت في الأحاديث السجود بعد السلام في الزيادة وقبله في النقص قال وذهب أحمد بن حنبل إلى الجمع بين الأحاديث بطريق أخرى غير ما ذهب إلي مالك وهو أن يستعمل كل حديث فيما ورد فيه وما لم يرد فيه حديث فمحل السجود فيه قبل السلام. ورجح البيهقي طريقة التخيير في سجود السهو قبل السلام أو بعده، ونقل الماوردي وغيره الإجماع على الجواز وإنما الخلاف في الأفضل[8]. والله الموفق. الحديث الثاني 99- عن عبد الله بن بحينة - رضي الله عنه - وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين، ولم يجلس. فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه: كبر وهو جالس. فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم. • قال البخاري: باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة [9] وذكر الحديث. • قوله: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الظهر) وفي رواية صلى بنا. • قوله: (فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس) ولابن خزيمة: فسبحوا به فمضى حتى فرغ من صلاته. • قوله: (فلما قضى صلاته وانتظر الناس تسليمه) ولابن ماجه: حتى إذا فرغ من الصلاة إلا أن يسلم. • قوله: (كبر وهو جالس فسجد سجدتن قبل أن يسلم ثم سلم). • قال الحافظ: (فيه مشروعية سجود السهو وأنه سجدتان فلو اقتصر على سجدة واحدة ساهيا لم يلزمه شيء أو عامدا بطلت صلاته لأنه تعمد الإتيان بسجدة زائدة ليست مشروع، وأنه يكبر لهما كما يكبر في غيرهما من السجود. وفي رواية: الليث عن ابن شهاب: "يكبر في كل سجدة" وفي رواية الأوزاعي: "فكبر ثم سجد ثم كبر فرفع رأسه ثم كبر فسجد ثم كبر فرفع رأسه ثم سلم" أخرجه ابن ماجه قال واستدل به على أن سجود السهو قبل السلام ولا حجة فيه في كون جميعه كذلك، نعم يرد على من زعم أن جميعه بعد السلام كالحنفية، قال: واستدل بزيادة الليث يعني وسجد الناس معه مكان ما نسي من الجلوس على أن السجود خاص بالسهو فلو تعمد ترك شيء مما يجبر بسجود السهو لا يسجد وهو قول الجمهور، واستدل به أيضا على أن المأموم يسجد مع الإمام إذا سها الإمام وإن لم يسه المأموم، ونقل ابن حزم فيه الإجماع. • قال الحافظ: (وفي هذا الحديث أن سجود السهو لا تشهد بعده إذا كان قبل السلام وأن من سها عن التشهد الأول حتى قام إلي الركعة ثم ذكر لا يرجع فقد سبحوا به - صلى الله عليه وسلم - فلم يرجع، وأن السهو والنسيان جائزان على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما طريقة التشريع، وأن محل سجود السهو آخر الصلاة فلو سجد للسهو قبل أن يتشهد ساهيا أعاد عند من يوجب التشهد الأخير وهم الجمهور) [10]انتهى. • قال ابن دقيق العيد: (فيه دليل على السجود قبل السلام عند النقص فإنه نقص من هذه الصلاة: الجلوس الأوسط وتشهده)[11] انتهى. وعن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إبراهيم زاد أو نقص- فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء قال "وما ذاك". قالوا صليت كذا وكذا - قال - فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال: "إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين". رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ: ابن ماجه ومسلم في رواية فلينظر أقرب ذلك إلي الصواب واختلف العلماء في التحري فمنهم من قال المراد به البناء على اليقين كما في حديث أبي سعيد- رضي الله عنه- ومنهم من قال هو الأخذ بغالب الظن فإذا شك في صلاته بني على غالب ظنه، وعن أحمد التحري يتعلق بالإمام، واليقين يتعلق بالمنفرد لأن الإمام له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ الصواب، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى؟ ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وأن كان صلى إتماما لأربع كانت ترغيما للشيطان. رواه مسلم. • قال في "سبل السلام"[12]: (قال في الشرح: وطريق الإنصاف أن الأحاديث الواردة في ذلك قولا وفعلا فيها نوع تعارض، وتقدم وتأخر البعض غير ثابت برواية صحيحة موصولة، حتى يستقيم القول بالنسخ، فالأولى الحمل على التوسع في جواز الأمرين. • قال الموفق: (وإذا نسي سجود السهو حتى طال الفصل لم تبطل الصلاة وحكم النافلة حكم الفرض في سجود السهو)[13]. • وقال في "المقنع" و "الشرح الكبير" لابن قدامة: (وإن نسيه قبل السلام قضاه ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد)[14]. والله أعلم. تتمة: • قال في الاختيارات: باب سجود السهو، يشرع للسهو لا للعمد عند الجمهور ومن شك في عدد الركعات بني على غالب ظنه وهو رواية عن أحمد وهو مذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود وغيرهما وعلى هذا عامة أمور الشرع ويقال مثله في الطواف والسعي ورمي الجمار وغير ذلك وأظهر الأقوال وهو رواية عن أحمد فرق بين الزيادة والنقص وبين الشك مع التحري والشك مع البناء على اليقين، فإذا كان السجود لنقص كان قبل السلام لأنه جابر ليتم الصلاة به، وإن كان لزيادة كان بعد السلام لأنه إرغام للشيطان لئلا يجمع بين زيادتين في الصلاة، كذلك إذا شك وتحرى فإنه يتم صلاته وإنما السجدتان إرغام للشيطان فتكونان بعده. وكذلك إذا سلم وقد بقي عليه بعض صلاته ثم أكملها فقد أتمها، والسلام فيها زيادة والسجود في ذلك بعد السلام ترغيما للشيطان، وأما إذا شك ولم يبن له الراجح فيعمل هنا على اليقين فأما أن يكون صلى خمسا أو أربعا فإن كان صلى خمسا فالسجدتان يشفعان له صلاته ليكون كأنه صلى ستا لا خمسا. وهذا إنما يكون قبل السلام فهذا الذي بصرناه يستعمل فيه جميع الأحاديث الواردة في ذلك، وما شرع قبل السلام يجب فعله قبل السلام وما شرع بعد السلام يفعل بعده وجوبا وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره وعليه يدل كلام أحمد وغيره من الأئمة وهل يتشهد ويسلم إذا سجد بعد السلام فيه ثلاثة أقوال: ثالثها المختار يسلم ولا يتشهد وهو قول ابن سيرين ووجه في مذهب أحمد والأحاديث الصحيحة تدل على ذلك. والتكبير للسجود ثابت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول عامة أهل العلم وإن نسي سجود السهو سجد ولو طال الفصل تكلم أو خرج من المسجد وهو رواية عن أحمد. انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: (3/ 92). [2] فتح الباري: (3/ 100). [3] فتح الباري: (3/100). [4] فتح الباري: (3/99). [5] (2/ 218) [6] مختصر الخرقي: (1/30). [7] فتح الباري: (3/ 97). [8] إحكام الأحكام: (1/278). [9] فتح الباري: (3/ 92). [10] فتح الباري: (3/ 93). [11] إحكام الأحكام: (1/ 280). [12] (2/ 223) [13] المغني: (1/ 722). [14] (1/ 699)
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (باب المرور بين يدي المصلي) الحديث الأول 100- عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم؟ لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه". قال أبو النضر: لا أدري: قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة. • قال البخاري: باب إثم المار بين يدي المصلي، وذكر الحديث إلا أنه لم يذكر من الإثم[1]. • قوله: (لو يعلم المار بين يدي المصلي)، أي أمامه بالقرب منه. • قال الحافظ: (قوله: "ماذا عليه" زاد الكشميهني: "من الإثم" وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، والحديث في الموطأ بدونها. وقال: ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا. لكن في مصنف ابن أبي شيبة: "يعني من الإثم" فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلا لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ بل كان راوية. وقد عزاها المحب الطبري في الأحكام للبخاري وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في إبهامه أنها في الصحيحين)[2]. انتهى. • قال الصنعاني: (لفظ "من الإثم" ليس من ألفاظ البخاري ولا مسلم، قال فالعجب من نسبة المصنف لها هنا إلي الشيخين، فقد وقع له من الوهم ما وقع لصاحب العمدة)[3]. • قوله: (لكان أن يقف أربعين، خيرا له من أن يمر بين يدي المصلى). • قال الحافظ: (يعني أن المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم وفي ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة "لكان أن يقف مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها". وهذا يشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر. • قوله: (قال أبو النضر: لا أدري قال أربعين يومًا، أو شهرًا، أوسنة). • قال الحافظ: (قوله: "قال أبو النضر" هو كلام مالك وليس من تعليق البخاري، لأنه ثابت في الموطأ من جميع الطرق. • قال النووي: فيه دليل على تحريم المرور، فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك. انتهى. قال الحافظ: ومقتض ذلك أن يعد في الكبائر قال: وفيه استعمال "لو" في باب الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي، لأن محل النهي أن يشعر بما يعاند المقدور وقال أيضا: ظاهره عموم النهي في كل مصل، وخصه بعض المالكية بالإمام والمنفرد؛ لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه لأن سترة إمامه سترة له وأمامه سترة له. • قال الحافظ: والتعليل المذكور لا يطابق المدعي، لأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار، فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد. وقال أيضا ذكر ابن دقيق العيد أن بعض الفقهاء أي المالكية قسم أحوال المار والمصلي في الإثم وعدمه إلى أربعة أقسام: يأثم المار دون المصلي، وعكسه، يأثمان جميعًا، وعكسه. فالصورة الأولى أن يصلي إلى سترة في غير مشرع وللمار مندوحة فيأثم المار دون المصلي. الثانية أن يصلي في مشرع مسلوك بغير سترة أو متباعدا عن السترة ولا يجد المار مندوحة فيأثم المصلي دون المار. الثالثة مثل الثانية لكن يجد المار مندوحة فيأثمان جميعًا. الرابعة مثل الأولى لكن لم يجد المار مندوحة فلا يأثمان جميعًا. انتهى. وظاهر الحديث يدل على ما المرور مطلقا ولو لم يجد مسلكا بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته. ويؤيده قصة أبي سعيد السابقة فإن فيها "فنظر الشاب لم يجد مسوغا")[4]. الحديث الثاني 101- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه. فإن أبى فليقاتله. فإنما هو شيطان". • قوله: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) الحديث له قصة وهي في رواية أخرى قال: أبو صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مسوغا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا صلى أحدكم إلي شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان". • قوله: (إذا صلى أحدكم إلي شيء يستره من الناس). • قال النووي: (والحكمة في السترة كف البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه)[5]. • قوله: (فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه) ولمسلم فليدفع في نحره. • وقال القرطبي: أي بالإشارة ولطيف المنع. • وقوله: (فإن أبى فليقاتله). أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول. قال: وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح، لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها. • وقال ابن العربي: المراد بالمقاتلة المدافعة وعند الإسماعيلي بلفظ فإن أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه. • وقال القاضي عياض: فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء وهل يجب الدية أو يكون هدرا فيه مذهبان للعلماء، ونقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ولا العمل الكثير في مدافعته؛ لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده لأن فيه إعادة للمرور وروي بن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك ويمكن حمله على ما إذا رده فامتنع وتمادى لا حيث يقصر المصلي في الرد. انتهى. • قوله: (فإنما هو شيطان). • قال الحافظ: أي فعله فعل الشيطان لأنه أبى إلا التشويش على المصلي وإطلاق الشيطان على المارد من الأنس سائغ شائع وقد جاء في القرآن قوله تعالى: ï´؟ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ï´¾ [الأنعام: 112] وقال ابن بطال: في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين وأن الحكم للمعاني دون الأسماء. • قال الحافظ: وقد وقع في رواية الإسماعيلي: "فإن معه الشيطان"، ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ: "فإن معه القرين" وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود إن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته، وروى أبو نعيم عن عمر لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس. والله أعلم. الحديث الثالث 102- عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، مررت بين يدي بعض الصف فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. ترجم عليه البخاري فقال: باب سترة الإمام سترة لمن خلفه. • قال الحافظ: (وكأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه، ثم أيد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة، وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة وهو قوله بعد ذكر الحربة: "وكان يفعل ذلك في السفر"). • قوله: (أقبلت راكبا على حمار أتان) الحمار اسم جنس يشمل الذكر والأنثى، والأتان هي الأنثى من الحمير. • قوله: (وأنا يومئذ ناهزت الاحتلام) أي قاربت والمراد بالاحتلام البلوغ الشرعي، وفيه أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية وإنما يشترط عند الأداء وترجم عليه البخاري متى يصح سماع الصبي. • قال الحافظ: (وأشار المصنف إلي خلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين رواه الخطيب في الكفاية عن عبدالله بن أحمد وغيره أن يحيى قال: أقل سن التحمل خمس عشرة سنة لكون ابن عمر رد يوم أحد إذ لم يبلغها. فبلغ ذلك أحمد فقال: بل إذا عقل ما يسمع، وإنما قصة ابن عمر في القتال. ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم، وهذا هو المعتمد). انتهى. • قوله: (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار). • قال ابن دقيق العيد: (ولا يلزم من عدم الجدار عدم السترة)[6]. • قوله: (فمررت بين يدي بعض الصفر) أي أمامه وفي رواية: حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول. • قوله: (وأرسلت الأتان ترتع) أي ترعى ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد. • قال ابن دقيق العيد: (أستدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة لأن ترك الإنكار أكثر فائدة، وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس هذا يخص حديث أي سعيد "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه" فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا)[7]. • وقال الحافظ: (قوله: فلم ينكر ذلك علي أحد، قيل: وفيه جواز تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة الخفيفة لأن المرور مفسدة خفيفة والدخول في الصلاة مصلحة راجحة) انتهى والله أعلم. الحديث الرابع 103- عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي. فإذا قام بسطتهما. والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. • قال البخاري: باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي. وكره عثمان أن يستقبل الرجل وهو يصلي وإنما هذا إذا اشتغل به فأما إذا لم يشتغل فقد قال زيد بن ثابت ما باليت إن الرجل لا يقطع صلاة الرجل وذكر الحديث ولفظه عن عائشة أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة فقالوا يقطعها الكلب والحمار والمرأة قالت لقد جعلتمونا كلابا لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسل انسلالا[8]. • وقال البخاري أيضًا: باب الصلاة خلف النائم، وذكر الحديث ولفظه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت[9]. • قال الحافظ: (قوله: "باب الصلاة خلف النائم" أورد فيه حديث عائشة أيضا من وجه آخر بلفظ آخر لإشارة إلى أنه قد يفرق مفرق بين كونها نائمة أو يقظى، وكأنه أشار أيضا إلي تضعيف الحديث الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم، قال وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. وظاهر تصرف المصنف أن عدم الكراهية حيث يحصل الأمن من ذلك)[10]. • وقال أيضا: باب التطوع خلف المرأة وذكر الحديث بلفظ حديث الباب. • قال الحافظ: (ودلالة الحديث على التطوع من جهة أن صلاته هذه في بيته بالليل، وكانت صلاته الفرائض بالجماعة في المسجد). • قال: وفي قولها: (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح)، إشارة إلي عدم الاشتغال بها، ولا يعكر على ذلك كونه يغمزها عند السجود ليسجد مكان رجليها لأن الشغل بها مأمون في حقه - صلى الله عليه وسلم -، فمن أمن ذلك لم يكره في حقه. • وقال البخاري أيضًا: باب من قال لا يقطع الصلاة شيء وذكر حديث الباب. • قال الحافظ: (الظاهر أن عائشة إنما أنكرت إطلاق كون المرأة تقطع الصلاة في جميع الحالات لا المرور بخصوصه)[11]. • وقال البخاري أيضًا: باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد وذكر الحديث. • قولها: (كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلاي في قبلته) أي في مكان سجوده. • قولها: (فإذ سجد غمزني فقبضت رجلي) استدل به على أن اللمس بغير لذة لا ينقض الطهارة، وعلى أن العمل اليسير لا يفسد الصلاة، وقولها والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. • قال الحافظ: (كأنها أرادت به الاعتذار عن نومها على تلك الصفة، قال ابن بطال: وفيه إشعار بأنهم كانوا بعد ذلك يستصبحون) انتهى. عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود"، قال: قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر، قال: يا ابن أخي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان. رواه الجماعة إلا البخاري. • قال الحافظ: (وقال بعض الحنابلة يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصريح بالمحتمل، يعني حديث عائشة وما وافقه. والفرق بين المار وبين النائم في القبلة أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائما كان أم غيره فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها) [12] انتهي. واختلف العلماء في قطع الصلاة فقال قوم تبطل الصلاة بالمذكورات في حديث أبي ذر وعن أحمد تبطل الصلاة بمرور الكلب الأسود فقط وقال جمهور العلماء لا تبطل بمرور شيء من ذلك وتأولوا القطع بنقص الصلاة بشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم تكن معه عصا فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر بين يديه". وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه -: قال: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عود، ولا عمود، ولا شجرة، إلا جعله عن حاجبه الأيمن أو الأيسر: ولا يصمد إليه صمدا". أخرجه أبو داود. وعن سهل بن أبي حَثْمة يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته" رواه أبو داود، وبالله التوفيق. [1] فتح الباري: (1/ 584). [2] فتح الباري: (1/585). [3] سبل السلام: (1/ 494). [4] فتح الباري: (1/ 585، 586). [5] شرح النووي على مسلم: (4/216). [6] إحكام الأحكام: (1/ 284). [7] فتح الباري: (1/ 572). [8] فتح الباري: (1/ 586). [9] فتح الباري: (1/ 587). [10] فتح الباري: (1/ 587). [11] فتح الباري: (1/ 588). [12] فتح الباري: (2/ 274).
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (بابٌ جامع) الحديث الأول 104- عن أبي قتادة الحارث بن ربعي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين". • قوله: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، وفي رواية: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس". اتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب، والحديث له سبب وهو أن أبا قتادة دخل المسجد فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا بين أصحابه فجلس معهم فقال له: ما منعك أن تركع؟ قال: رأيتك جالسًا والناس جلوس، قال: "فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين" أخرجه مسلم، وعند ابن أبي شيبة عن أبي قتادة أعطوا المساجد حقها قيل له وما حقها قال ركعتين قبل أن تجلس. • قال الطحاوي: (الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها. قلت: هما عمومان تعارضا، الأمر بالصلاة لكن داخل من غير تفصيل، والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، فلا بد من تخصيص أحد العمومين فذهب جمع إلي تخصيص النهي وتعميم الأمر- وهو الأصح عند الشافعية - وذهب جمع إلي عكسه وهو قول الحنفية والمالكية. انتهى. وروي ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أنه دخل المسجد فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أركعت ركعتين قال لا قال قم فأركعهما. • قال الحافظ: (ترجم عليه ابن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس)[1]. • قال ابن دقيق العيد: (إذا دخل المسجد بعد أن صلى ركعتي الفجر في بيته فهل يركعهما في المسجد؟ قال وظاهر الحديث يقتضي الركوع وقال إذا صلى العيد في المسجد فهل يصلي التحية عند الدخول فيه؟ اختلف فيه و الظاهر في لفظ هذا الحديث: أنه يصلي لكن جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل قبلها و لا بعدها. أعني صلاة العيد والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل العيد في المسجد ولا نقل ذلك فلا معارضة بين الحديثين)[2] انتهي. عن أبى هريرة أنه أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العيد في المسجد. قال الحافظ: رواه أبو دود بإسناد لين. والله أعلم. الحديث الثاني 105- عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت. ï´؟ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ï´¾ [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. • قال البخاري: باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة، وذكر حديث عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: "إن في الصلاة شغلا" ثم ذكر حديث الباب. • قال الحافظ: وفي الترجمة إشارة إلى أن بعض الكلام لا ينهى عنه[3]. • قوله: (كنا نتكلم في الصلاة)، وفي رواية إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والترمذي كنا نتكلم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة تفسير لقوله نتكلم، وفي رواية يكلم أحدنا صاحبه بحاجته. • قال الحافظ: (والذي يظهر أنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شيء وإنما يقتصرون على الحاجة من رد السلام ونحوه. • وقوله: (حتى نزل قوله تعالى: ï´؟ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ï´¾ [البقرة: 238]وفي رواية حتى نزلت: ï´؟ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ï´¾ [البقرة: 238] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى. • قال الحافظ: قوله: "حتى نزلت" ظاهر في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية فيقتضي أن النسخ وقع بالمدينة لأن الآية مدنية باتفاق. قال وحديث زيد بن أرقم ظاهر في أن المراد بالقنوت السكوت. • قوله: (فأمرنا بالسكوت) عن الكلام المتقدم ذكره لا مطلقا وقوله: نهينا عن الكلام. • قال الحافظ: زاد مسلم في روايته: "ونهينا عن الكلام " ولم يقع في البخاري، وذكرها صاحب العمدة ولم ينبه أحد من شراحها عليها. أجمعوا على أن الكلام في الصلاة - من عالم بالتحريم عامد لغير مصلحتها أو إنقاذ مسلم- مبطل لها، واختلفوا في الساهي والساهي فلا يبطلها القليل منه عند الجمهور)[4] انتهي. عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه. فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. • قال المجد: (وفيه دليل على أن التكبير من الصلاة وأن القراءة فرض وكذلك التسبيح والتحميد وأن تشميت العاطس من الكلام المبطل وأن من فعله جاهلا لم تبطل صلاته حيث لم يأمره بالإعادة)[5] انتهى. • قال في الاختيارات: (والنفخ إذا بان منه حرفان هل تبطل الصلاة به أم لا؟ في المسألة عن مالك وأحمد روايتان وظاهر كلام أبي العباس ترجيح عدم الأبطال. والسعال والعطاس والتثاؤب والبكاء والتأوه والأنين الذي يمكن دفعه فهذه الأشياء كالنفخ فالأولى أن لا تبطل فإن النفخ أشبه بالكلام من هذه وإلا ظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية تنافي الخشوع الواجب في الصلاة وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض مقصود الصلاة فأبطلت لذلك لا لكونها كلاما، ويقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود والبهيم وهو مذهب أحمد رحمه الله، والمشهور عن الأئمة إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة أنها لا تبطل ويسقط الفرض بذلك وقال أبي حامد الغزالي في الإحياء وتبعه ابن الجوزي: تبطل وعلى الأول لا يثاب إلا على ما عمله بقلبه فلا يكفر من سيئاته إلا بقدره فالباقي يحتاج إلى تكفير فإذا ترك واجبا استحق العقوبة. فإذا كان له تطوع سد مسده فكمل ثوابه وهذا الكلام في المؤمن الذي يقصد العبادة لله بقلبه مع الوسواس وأما المنافق الذي لا يصلي إلا رياء وسمعة فهذا عمله حابط لا يحصل به ثواب ولا يرتفع به عقاب وابن حامد ونحوه سدد بين النوعين. فإن كليهما إنما تسقط عنه الصلاة القتل في الدنيا من غير أن تبرأ ذمته ولا ترفع عنه عقوبة الآخرة والتسوية بيت المؤمن والمنافق في الصلاة خطا. ولا باس بالسلام على المصلي إن كان يحسن الرد بالإشارة وقاله طائفة من العلماء ولا يثاب على عمل مشوب إجماعا، ومن صلى لله ثم حسنها وأكملها للناس أثيب على ما أخلصه لله لا على ما عمله للناس ولا يظلم ربك أحدا. ولا تبطل الصلاة بكلام الناسي والجاهل وهو رواية عن أحمد ولا مما إذا أبدل ضادا بظاء وهو وجه في مذهب أحمد وقاله طائفة من العلماء ولا باس بالقراءة لحنا غير مخل للمعنى عجزا. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل الأسودين في الصلاة وقد قال أحمد وغيره يجوز له أن يذهب إلي النعل فيأخذه ويقتل به الحية أو العقرب ثم يعيده إلى مكانه وكذلك سائر ما يحتاج إليه المصلي من الأفعال وكان أبو برزة ومعه فرسه وهو يصلي كلما خطا يخطو معه خشية أن ينفلت. وقال أحمد: إن فعل كما فعل أبو برزة فلا بأس وظاهر مذهب أحمد وغيره أن هذا لا يقدر بثلاث خطوات ولا ثلاث فعلات كما مضت به السنة ومن قيدها بثلاث كما يقوله أصحاب الشافعي وأحمد فإنما ذلك إذ كانت متصلة وأما إذا كانت موقوفة فيجوز وإن زادت على ثلاث [6] والله أعلم. عن علي قال كان لي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار فكنت إذا أتيته وهو يصلي يتنحنح لي. رواه أحمد وابن ماجه والنسائي بمعناه. • قال الموفق في "المغني"[7]: (واختلفت الرواية عن أحمد في كراهة تنبيه المصلي بالنحنحة في صلاته فقال في موضع لا تنحنح في الصلاة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء" وروى عنه المروذي أنه كان يتنحنح ليعلمه أنه في صلاة وحديث علي يدل عليه وهو خاص فيقدم على العام) انتهى والله أعلم. الحديث الثالث 106- عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة. فإن شدة الحر من فيح جهنم". • قوله: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)، وفي حديث أبي سعيد أبعدوا بالظهر أي أخروا إلا أن يبرد الوقت والأمر للاستحباب، وقت الإبراد هو ما إذا انحطت قوة الوهج من حر الظهيرة ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد، قال جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلا أن يبرد الوقت وينكسر الوهج. وعن المغيرة بن شعبة قال كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة ثم قال لنا أبعدوا بالصلاة الحديث. قال الحافظ: وهو حديث رجاله ثقات رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان. ونقل الخلال عن أحمد أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والحكمة في مشروعية الإبراد دفع المشقة، وأحاديث أول الوقت عامة والأمر بالإبراد خاص فهي مقدم. وقوله: عن الصلاة، عن بمعنى الباء أو هي للمجاوزة أي تجاوز وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر، وفي رواية: فأبردوا بالصلاة، وفي حديث أبي ذر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي - رضي الله عنه -: أبردوا، ثم أراد أن يؤذنه فقال له: أبرد، حتى رأينا فيء الحلول. • قال الحافظ: (الإبراد لا يختص بالحضر، لكن محل ذلك ما إذا كان المسافر نازلا، أما إذا كان سائرا أو على سير ففيه جمع التقديم أو التأخير. • قوله: (فإن شدة الحر من فيح جهنم)، وفي رواية من حديث أبي هريرة: اشتكت النار إلي ربها فقالت يا رب كل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير)[8]. • قال الحافظ: (قوله: "من فيه جهنم" أي من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح أي متسع، وهذا كناية عن شدة استعارها، وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة، وقال القرطبي: لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته. قال: وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى)[9]. • قال الحافظ: (وفي الحديث رد على من زعم من المعتزلة وغيرهم أن النار لا تخلق إلا يوم القيامة)[10]. انتهى والله الموفق. الحديث الرابع 107- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، ولا كفارة لها إلا ذلك (أقم الصلاة لذكري). ولمسلم: "من نسي صلاة، أو نام عنها. فكفارتها: أن يصليها إذا ذكرها". • قال البخاري: باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة، وقال إبراهيم من ترك صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة. ثم ذكر الحديث ولفظه عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك: ï´؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ï´¾ [طه: 14][11]. • قال الحافظ: قوله: "باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، ولا يعيد إلا تلك الصلاة" قال علي بن المنير: صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوة دليله، ولكونه على وفق القياس، إذ الواجب خصص صلوات لا أكثر فمن قضى الفائتة كمل العدد المأمور به ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع "فليصلها" ولم يذكر زيادة. وقال أيضا: "لا كفارة لها إلا ذلك" فاستفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها[12]. • قوله: (من نسي صلاة)، وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي وقال من قال يقضي العامد بان ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه فالعامد أولى والقائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي، بل يقول إنه لو شرع له القضاء لكان هو والناسي سواء، والناسي غير مأثوم بخلاف العامد فالعامد أسوأ حالا من الناسي فكيف يستويان؟ ويمكن أن يقال إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها، بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقا، ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته فصارت دينا عليه، والدين لا يسقط إلا بأدائه فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمن أفطر في رمضان عامدا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه والله أعلم. • قال الحافظ: (لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة والسلام، وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ، واختلف في المراد بقوله: ï´؟ لِذِكْرِي ï´¾ فقيل المعنى لتذكرني فيها. وقيل لأذكرك بالمدح، وقيل إذا ذكرتها، أي لتذكيري لك إياها، وهذا يعضد قراءة من قرأ: ï´؟ للذكرى ï´¾ انتهى، وقد قال تعالى: ï´؟ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ï´¾ [الماعون: 4، 5]، أخرج البغوي في التفسير عن مصعب بن مسور عن أبيه أنه قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال إضاعة الوقت قال ابن عباس هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ويصلونها في العلانية إذا حضروا لقوله تعالى: ï´؟ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ï´¾ وقال في وصف المنافقين: ï´؟ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ï´¾ [النساء: 142]، وقال قتادة ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل، قيل لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عقابا إن تركوا، وقال مجاهد غافلون عنها يتهاونون بها، وقال الحسن هو الذي إن صلاها صلاها رياء وإن فاتته لم يندم، وقال أبو العالية لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها انتهى فنسأل الله العافية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم[13]. يتبع
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (بابٌ جامع) الحديث الخامس 108- عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة. • قال البخاري: باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى. وذكر الحديث بلفظ: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيؤم قومه فصلى ثم ساقه أيضا بلفظ: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيؤم قومه فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذا تناول منه فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال فتان فتان فتان ثلاث مرار أو قال فاتنا فاتنا فاتنا وأمره بسورتين من أوسط المفصل قال عمرو لا أحفظهما وللنسائي فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد ولمسلم فانحرف ثم صلى وحده[14]. قال الحافظ: وهذه الترجمة عكس التي قبلها لأن في الأولى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وفي الثانية جواز قطع الائتمام بعد الدخول فيه. • قوله: (كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء الآخرة). • قال الحافظ: فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين. • قوله: (ثم يرجع فيؤم قومه فيصلي بهم تلك الصلاة). • قال الحافظ: وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غير الصلاة التي كان يصليها بقومه. قال: واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، بناء على أن معاذا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدار قطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد: "هي له تطوع ولهم فريضة" وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه. قال: وفي حديث الباب من الفوائد أيضًا استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين. قال: وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، وجواز إعادة الواحدة في اليوم الواحد مرتين - صلى الله عليه وسلم - وجواز خروج المأموم من الصلاة لعذر. قال: وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر. وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام، ويؤخذ منه تعزير كل أحد بحسبه، والاكتفاء في التعزير بالقول، والإنكار في المكروهات، وأما تكراره ثلاثا فللتأكيد كان - صلى الله عليه وسلم - يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه. وفيه إعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر، وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك، وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأولا، وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق[15]. وبالله التوفيق الحديث السادس 109- عن أنس بن مالك قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه. • قال البخاري: باب السجود على الثوب في شدة الحر، وقال الحسن كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه، وذكر الحديث ولفظه كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود". • قال الحافظ: (قوله: "باب السجود على الثوب في شدة الحر" التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث، إلا فهو في البرد كذلك، بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجة. قال وفي الحديث جواز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها وكذا بردها. وفيه إشارة إلي أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصلي لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة. واستدل به على إجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلي، قال النووي: وبه قال أبو حنيفة والجمهور، وفيه جواز العمل القليل في الصلاة، ومراعاة الخشوع فيها، لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض وفيه أن قول الصحابي "كنا نفعل كذا" من قبيل المرفوع لاتفاق الشيخين على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما بل ومعظم المصنفين انتهى، وفيه جواز الصلاة في شدة الحر واكان الإيراد أفضل وعند الإسماعيلي "فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه")[16]. • قال الحافظ: (إن شدة الحر قد توجد مع الإبراد فيحتاج إلي السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى لأنه قد يستمر حره بعد الإبراد، وتكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشي فيه إلي المسجد أو يصلي فيه في المسجد) [17]. انتهى والله أعلم. الحديث السابع 110- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد، ليس على عاتقه منه شيء". • قال البخاري: باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه وذكر الحديث ثم ذكره أيضا بلفظ: أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه". • قوله: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد) قال ابن الأثير: كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء ووجهه أن لا نافية وهو خبر بمعنى النهي. • قال الحافظ: ورواه الدارقطني بلفظ: لا يصل بغير ياء قال ورواه الإسماعيلي بلفظ: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. • قوله: (ليس على عاتقه منه شيء) العاتق هو ما بين المنكبين إلي أصل العنق قال الحافظ: والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقوه بل يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة. قال: وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، والنهي في الذي قبله على التنزيه. وعن أحمد "لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه" جعله من الشرائط، وعنه "تصح ويأثم" جعله واجبا مستقبلا. قال والظاهر من تصرف المصنف التفصيل بين ما إذا كان الثوب واسعا فيجب، وبين ما إذا كان ضيقا فلا يجب وضع شيء منه على العاتق، وهو اختيار ابن المنذر[18]. • قال البخاري أيضا: باب إذا كان الثوب ضيقا. وقال جابر بن عبد الله خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي وعلي ثوب واحد فاشتملت به وصليت إلى جانبه فلما انصرف قال: "ما السرى يا جابر" فأخبرته بحاجتي فلما فرغت قال "ما هذا الاشتمال الذي رأيت" قلت: كان الثوب، يعني ضاق، قال "فإن كان واسعا فالتحف به وأن كان ضيقا فاتزر به". وذكر حديث سهل بن سعد قال: كان رجال يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ويقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا. • قال الحافظ: (وإنما نهى النساء عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رءوسهن من السجود شيئا من عورات الرجال بسبب ذلك عند نهوضهم. وعند أحمد وأبي داود التصريح بذلك من حديث أسماء بنت أبي بكر ولفظه: "فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهية أن يرين عورات الرجال". • قال البخاري: باب عقد الإزار على القفا في الصلاة، وقال أبو حازم عن سهل بن سعد: صلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقدي أزرهم على عواتقهم. ثم ذكر حديث جابر عن محمد بن المنكدر قال: "صلى جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب قال له قائل تصلي في إزار واحد فقال إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك وأينا كان له ثوبان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ". ثم ذكره من طريق أخرى عن محمد ابن المنكدر قال رأيت جابر بن عبد الله يصلي في ثوب واحد وقال رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب. • قال الحافظ: قوله: "باب عقد الأزهر على القفا" وإنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستورا إذا ركع وسجد، وهذه الصفة صفة أهل الصفة[19]. قوله: فقال له قائل تصلي في إزار واحد إلى آخره. • قال الحافظ: (والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب الواحد ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل، فكأنه قال: صنعته عمدا لبيان الجواز إما ليقتدي بي الجاهل ابتداء أو ينكر علي فأعلمه أن ذلك جائز. وإنما أغلظ لهم في قوله: "وأينا كان له" أي كان أكثرنا في عهده - صلى الله عليه وسلم - لا يملك إلا الثوب الواحد، ومع ذلك فلم يكلف تحصيل ثوب ثان ليصلي فيه، فدل على الجواز. وعقب المصنف حديثه هذا بالرواية الأخرى المصرحة بأن ذلك وقع من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكون بيان الجواز به أوقع في النفس، لكونه أصرح في الرفع من الذي قبله). • قال البخاري: باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به. قال الزهري في حديثه: (الملتحف المتوشح وهو المخالف بين طرفيه على عاتقيه وهو الاشتمال على منكبيه" قال: قالت أم هانئ "التحف النبي - صلى الله عليه وسلم - بثوب وخالف بين طرفيه على عاتقيه". وذكر حديث عمر بن أبي سلمة أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة وقد ألقى طرفيه على عاتقيه وفي رواية مشتملا به ثم ذكر حديث أبي هريرة أن سائلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في ثوب واحد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو لكلكم ثوبان "[20]. • قال الحافظ: (قوله: "باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به" لما كانت الأحاديث الماضية في الاقتصار على الثوب الواحد مطلقة أردفها بما يدل على أن ذلك يختص بحال الضيق، أو بحال بيان الجواز، قال ابن بطال: فائدة الالتحاق المذكور أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع، ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود قوله: "أو لكلكم ثوبان" قال الخطابي لفظه استخبار ومعناه الإخبار عما هم عليه من قلة الثياب، ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى، كأنه يقول: إذا علمتم أن ستر العورة فرض والصلاة لازمة وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة؟ أي مع مراعاة ستر العورة به) [21] انتهى. وعن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار قال إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها أخرجه أبو داود. • قال الشوكاني: (وقد اختلف في مقدار عورة الحرة فقيل جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين. وقيل والقدمين وموضع الخلخال وقيل جميعها بدون استثناء وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف في تفسير قوله تعالى: ï´؟ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ï´¾ قال الحافظ في الفتح: ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة. قال: وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي، ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها الصلاة. قال الشوكاني بعد سياق أدلة الجميع: فالحق أن ستر العورة في الصلاة واجب فقط كسائر الحالات لا شرط يقتضي تركه عدم الصحة)[22]. انتهى ملخصا. يتبع
__________________
|
|
#10
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك (بابٌ جامع) تتمة: اختلفت عبارة أصحابنا في وجه الحرة في الصلاة: فقال بعضهم ليس بعورة، وقال بعضهم: عورة وإنما رخص في كشفه في الصلاة للحاجة. والتحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة وهو عورة في باب النظر إذ لم يجز النظر إليه، ولا يختلف المذهب في أن ما بين السرة والركبة من الأمة عورة. وقد حكى جماعة من أصحابنا أن عورتها السوأتان فقط كالرواية في عورة الرجل وهذا غلط قبيح فاحش على المذهب خصوصا وعلى الشريعة عموما وكلام أحمد أبعد شيء عن هذا القول. ولا تصح الصلاة في الثوب المغصوب ولا الحرير ولا المكان المغصوب هذا إذا كانت الصلاة فرضا وهو أصح الروايتين عن أحمد. وإن كانت نفلا فقال الآمدي لا تصح رواية واحدة. • وقال أبو العباس: أكثر أصحابنا أطلقوا الخلاف وهو الصواب لأن منشأ القول بالصحة أن جهة الطاعة مغايرة لجهة المعصية فيجوز أن يثاب من وجه ويعاقب من وجه وينبغي أن يكون الذي يجر ثوبه خيلاء في الصلاة على هذا الخلاف لأن المذهب أنه حرام وكذلك من لبس ثوبا فيه تصاوير. قلت لازم ذلك أن كل ثوب يحرم لبسه يجري على هذا الخلاف وقد أشار إليه صاحب المستوعب والله أعلم. ولو كان المصلي جاهلا بالمكان والثوب أنه حرام فلا إعادة عليه سواء قلنا إن الجاهل بالنجاسة يعيد أو لا يعيد لأن عدم علمه بالنجاسة لا يمنع العين أن تكون نجسة وكذا إذا لم يعلم بالتحريم لم يكن فعله معصية بل يكون طاعة. وأما المحبوس في مكان مغصوب فينبغي أن لا تجب عليه الإعادة إذا صلى فيه قولا واحدا لأن لبثه فيه ليس بمحرم. ومن أصحابنا من يجعل فيمن لم يجد إلا الثوب الحرير روايتين كمن لم يجد إلا الثوب النجس. وعلى هذا فمن لم يمكنه أن يصلي إلا في الموضع الغصب في الروايتان وأولى وكذلك كل مكره على الكون بالمكان النجس والغصب بحيث يخاف ضررا من الخروج في نفسه أو ماله ينبغي أن يكون كالمحبوس. وذكر ابن الزاغوني في صحة الصلاة في ملك غيره بغير إذنه إذا لم يكن محوطا عليه وجهين وأن المذهب الصحة يؤيده أنه يدخله ويأكل ثمره فلأن يدخله بلا أكل ولا أذى أولى وأحرى، والمقبوض بعقد فاسد من الثياب والعقار أفتى بعض أصحابنا بأنه كالمغصوب سواء. وعلى هذا فإن لم يكن المال الذي يلبسه ويسكنه حلالا في نفسه لم يتعلق به حق الله تعالى ولا حق لعباده وإلا لم تصح فيه الصلاة، وكذلك الماء في الطهارة، وكذلك المركوب والزاد في الحج وهذا يدخل فيه شيء كثير وفيه نوع مشقة ولو صلى على راحلة مغصوبة أو سفينة مغصوبة فهو كالأرض المغصوبة. وإن صلى على فراش مغصوب فوجهان أظهرهما البطلان. ولو غصب مسجدا وغيره بأن حوله عن كونه مسجدا بدعوى ملكه أو وقفه على جهة أخرى لم تصح صلاته فيه وإن أبقاه مسجدا ومنع الناس من الصلاة فيه ففي صحة صلاته فيه وجهان، والأقوى البطلان. ولو تلف في يده لم يضمنه عند ابن عقيل وقياس المذهب ضمانه. وإن لم يجد العريان ثوبا ولا حشيشا ولكن وجد طينا لزمه الاستتار به عند ابن عقيل ولا يلزمه عند الآمدي وغيره وهو الصواب المقطوع به وقيل إنه المنصوص عن أحمد لأن ذلك يتناثر ولا يبقى ولكن يستحب أن يستتر بحائط أو شجرة ونحو ذلك إن أمكن وتستحب الصلاة بالنعل قاله طائفة من العلماء والعبد الآبق لا يصح نفله ويصح فرضه عند ابن عقيل وابن الزاغوني وبطلان فرضه قوي أيضا كما جاء في الحديث مرفوعا وينبغي قبول صلاته والله تعالى أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة وهو أخذ الزينة فقال: ï´؟ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ï´¾ [الأعراف: 31]، فعلق الأمر باسم الزينة لا بستر العورة إيذانا بان العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة[23]. الحديث الثامن 111- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا. أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته" وأتي بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فسأل؟ فأخبر بما فيها من البقول، فقال: "قربوها" إلى بعض أصحابه، فلما رآه كره أكلها، قال: "كل، فإني أناجي من لا تناجي". الحديث التاسع 112- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان. وفي رواية: "بني آدم". • قال البخاري: باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره فلا يقربن مسجدنا. وذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة خيبر: "من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا" ثم قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو عاصم قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أكل من هذه الشجرة - يريد الثوم - فلا يغشانا في مساجدنا" قلت: ما يعنى به قال ما أراه يعنى إلا نيئة وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج إلا نتنه، وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتي بقدر، وقال ابن وهب: يعني طبقا فيه خضرات ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر فلا أدري هو من قول الزهري أو في الحديث حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب زعم عطاء أن جابر بن عبد الله زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال قربوها إلي بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال: "كل فإني أناجي من لا تناجي" وقال أحمد بن صالح بعد حديث يونس عن ابن شهاب وهو يثبت قول يونس حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز قال سأل رجل أنس بن مالك ما سمعت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الثوم فقال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا أو لا يصلين معنا". • قال الحافظ: (قوله: الثوم النيء تقييده بالنيئ حمل منه للأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج منه. وقوله في الترجمة (والكراث) لم يقع ذكره في أحاديث الباب التي ذكرها، لكنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر وغيره فعند مسلم منرواية أبي الزبير عن جابر قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة وله من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد "لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع" الحديث)[24]. • قوله: (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا) أو قال: (فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته) وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة خيبر: "من أكل من هذه الشجرة- يعنى الثوم- فلا يقربن مسجدنا". • قال الحافظ: يريد به المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة إلي المسلمين أي فلا يقربن مسجد المسلمين. ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ: "فلا يقربن المساجد" ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهي بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد حكاه ابن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه. وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد؟ قال: لا، بل في المساجد. • قوله: (وليقعد في بيته) بواو العطف. • قال الحافظ: وهي أخص من الإعتزال لأنه أعم من أن يكون في البيت أوغيره، وفي رواية أو ليقعد في بيته بالشك. • قوله: (وأتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا فسأل فأخبر بما فيها من البقول) وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. • قال الحافظ: هذا حديث آخر، وهو معطوف على الإسناد المذكور قال وهذا الحديث الثاني كان متقدما على الحديث الأول بست سنين، لأن الأول تقدم في حديث ابن عمر وغيره أنه وقع منه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر وكانت سنة سبع، وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه - صلى الله عليه وسلم - إلي المدينة ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري[25]. • قوله: (أتي بقدر) بكسر القاف وهو ما يطبخ فيه، ويجوز فيه التأنيث والتذكير، والتأنيث أشهر، لكن الضمير في قوله: "فيه خضرات" يعود على الطعام الذي في القدر، فالتقدير أتى بقدر من طعام فيه خضرات، ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال: "فأخبر بما فيها" وحيث قال: "قربوها" وقوله: "خضرات" بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين كذا ضبط في رواية أبي ذر، ولغيره بفتح أوله وكسر ثانية وهو جمع خضرة، ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضا. • قوله: (فقال: "قربوها" إلى بعض أصحابه فلما رآه كره أكلها قال: "كل فإني أناجي من لا تناجي"). • قال الحافظ: قوله: إلي بعض أصحاب، قال الكرماني فيه النقل بالمعنى، إذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقله بهذا اللفظ بل قال قربوها إلا فلان مثلا، أو فيه حذف أي قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه. • قال الحافظ: والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري، ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه قال فكان يصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما فإذا جيء به إليه - أي بعد أن يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - منه- سأل عن موضع أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصنع ذلك مرة فقيل له: لم يأكل، وكان الطعام فيه ثوم، فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكن أكرهه. • قوله: (كل فإني أناجي من لا تناجي) أي الملائكة. • قال الحافظ: وفي حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة وابن حبان من وجه آخر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبي أن يأكل، فقال له: ما منعك؟ قال: لم أر أثر يدك قال: أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم ولهما من حديث أم أيوب قالت: نزل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول، فذكر الحديث نحوه وقال فيه "كلوا، فإني لست كأحد منكم، إني أخاف أوذي صاحبي". • قال الحافظ: والذي يظهر لي أن رواية "القدر" أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعا، فإن فيه التصريح بالطعام، ولا تعارض بين امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من أكل الثوم وغيره مطبوخا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخا، فقد علل ذلك بقوله "إني لست كأحد منكم " وترجم ابن خزيمة على حديث أبى أيوب ذكر ما خص الله نبيه به من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخا "من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان" وفي حديث عبد العزيز بن صهيب سأل رجل أنسًا ما سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثوم فقال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا أو لا يصلين معنا". • قال الحافظ: وقوله: فلا يقربنا وليس في هذا تقييد النهي بالمسجد فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد كمصلي العيد والجنازة ومكان الوليمة، وقد ألحقها بعضهم بالقياس والتمسك بهذا العموم أولى، ونظيره قوله: "وليقعد في بيته" لكن قد علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، وهذا هو الأظهر. • وقال ابن دقيق العيد أيضا: قد يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه الأمور من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة وقد يقال: إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر عنها فلا يقتض ذلك أن يكون عذرا في تركها إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة. • وقال الخطابي: توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة. • ونقل ابن التين عن مالك قال: الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم. وقيده عياض بالجشاء. • قال الحافظ: حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلا البقيع كما ثبت في مسلم عن عمر - رضي الله عنه - ثم قال: "إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم" ولقد كنت أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلي البقيع فمن كان منكم أكلهما لا بد فليمتهما طبخا[26]. وقع في بعض نسخ "العمدة" وأما حديث جابر الآخر وليس هذا من كلام المصنف إنما هو كلام ابن دقيق العيد فإنه قال بعد تمام الحديث وفي رواية بنو آدم ففيه زيادة الكراث وهو معنى الأدلة إذا العلة فيه زيادة الكراث وهو في معنى الأول إذ العلة تشمله. [1] فتح الباري: (1/ 538). [2] إحكام الأحكام: ( 1/ 289) [3] فتح الباري: (3/ 72). [4] فتح الباري: (3/ 74). [5] نيل الأوطار: (2/364) [6] الفتاوى الكبرى: (5/ 338). [7] المغني.... [8] فتح الباري: (2/ 20). [9] فتح الباري: (2/ 17). [10] فتح الباري: (2/ 19). [11] فتح الباري: (2/ 70). [12] فتح الباري: (2/ 70). [13] فتح الباري: (2/ 71). [14] فتح الباري: (2/ 192). [15] فتح الباري: (2/ 192). [16] فتح الباري: (1/ 493) [17] فتح الباري: (1/ 493) [18] فتح الباري: (1/ 471). [19] فتح الباري: (1/ 467). [20] فتح الباري: (1/ 468). [21] فتح الباري: (1/ 468). [22] نيل الأوطار: (2/ 54). [23] الاختيارات الفقهية: (1/40). [24] فتح الباري: (2/ 340). [25] فتح الباري: (2/ 340). [26] فتح الباري: (3/ 262).
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |