رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان
شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 836الى صــ 844
(60)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(30)
* فصل:
وإذا وجبت عليها عدة وفاة وهي معتكفة؛ فإنها تخرج لتعتد في منزلها, وإن كان الاعتكاف منذوراً؛ لأن قضاء العدة في منزلها أمر واجب, فخرجت من اعتكافها إليه؛ كخروج الرجل للجمعة, وخروجها لمجلس الحاكم, وأداء الشهادة, وذك لأن الاعتكاف وإن كان واجباً, لكن يقدم عليه قضاء العدة في منزل الزوج لوجوه:
أحدها: أن هذه الأشياء وجبت بالشرع, فتقدمت على ما وجب بالنذر؛ لأن نذره لو جاز أن يتضمن إسقاط ما يجب بالشرع؛ لكان له أن يسقط إيجاب الشرع عن نفسه, وهذا لا يكون.
الثاني: أن قضاء العدة في منزل الزوج يتعلق بها حق لله تعالى وحق للزوج؛ فيأخذ شبهاً من الجمعة ومن أداء الشهادة, فيكون أوكد مما ليس فيه إلا مجرد حق الله تعالى.
الثالث: أن الاعتكاف يمكن استدراك ما فات منه بالقضاء؛ بخلاف المكث في منزلها؛ فإنها لا يقضى بعد انقضاء العدة.
الرابع: أن الاعتكاف يجوز تركه للعذر, وهذا عذر من الأعذار.
فأما عدة الطلاق الرجعي - إذا قلنا: هي كالمتوفى عنها على المنصوص -, وعدة الطلاق البائن - إذا قلنا بوجوبها في منزلها على رواية, أو اختار الزوج إسكانها في منزله في الرجعي والبائن -؛ فينبغي أنه إن كان الاعتكاف بإذنه. . . , وعليها قضاء ما تركه من الاعتكاف إن كان واجباً,ويستحب لها قضاؤه إن كان مستحبّاً بغير تردد؛ لأنها تركت الاعتكاف لأمر غير معتاد, وهو مما يطول زمانه.
وظاهر ما ذكره القاضي في «خلافه»: أنه ليس عليها استئناف الاعتكاف؛ كما لو أخرجها السلطان إلى مسجد آخر, أو خرجت لصلاة الجمعة.
ثم إن كان معيناً؛ فإنها تبني على ما مضى, وفي الكفارة وجهان حكاهما ابن أبي موسى, أحدهما: عليها الكفارة. قاله الخرقي.
وإن كان مطلقاً؛ فقيل: لها الخيار بين أن تبني وتكفر وبين أن تستأنف الاعتكاف.
وقال القاضي: إذا قال: لله عليَّ أن أعتكف شهراً متتابعاً. وخرج منه لعذر؛ لم يبطل اعتكافه, وإن خرج بغير عذر؛ بطل اعتكافه وابتدأ.
والأعذار التي [لا] تبطل: إما فعل واجب, أو ما يخاف عليه فيه الضرر؛ كالخوف والمرض والكفارة على ما تقدم.
* فصل:
وإذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله أو أهله الحاضر عنده أو الغائب؛ فله أن يخرج, سواء كان واجباً أو تطوعاً.
قال أحمد في رواية أبي داوود: المعتكف ببغداد إذا وقعت فتنق؛ يدع اعتكافه, ويخرج, وليس عليه شيء, إنما هو تطوع, والمعتكف ينفر إذا سمع النفير.
وذلك لأن ما وجب بأصل الشرع من الجمعة والجماعة يجوز تركه بمثل هذا؛ فما وجب بالنذر أولى.
ثم إن كان تطوعاً؛ فإن أحب أن يتمه, وإن أحب أن لا يتمه.
وإن كان واجباً بالنذر معيناً؛ مثل: هذا الشهر؛ فإنه يبني على ما مضى, ويقضى ما تركه.
وهل يجب في القضاء أن يكون متصلاً متتابعاً؟ أو يجوز أن يفرقه ويقطعه؟ على وجهين, وعليه كفارة يمين لفوات التعيين في المشهور عند أصحابنا.
وذكر ابن عقي لان أحمد نص فيمن خرج لفتنة: يكفر كفارة يمين ويبني؛ لأن هذا قطع للاعتكاف بأمر غير معتاد, وهو لحظة.
ومما يبد. . . .
وإن كان مطلقاً غير متتابع, مثل عشرة أيام؛ فإنه يبني على ما فعل, لكن يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله؛ لأن التتابع في اليوم الواحد واجب.
وإن كان مطلقاً متتابعاً؛ فله الخيار أن يستأنف ولا كفارة عليه, أو يبني على ما فعل وعليه الكفارة. هذا هو المشهور في المذهب.
وروى. . . .
ولو خاف انهدام المسجد عليه, أو انهدم بحيث لم يمكنه الاعتكاف؛ فإنه يخرج فيتمه في غيره, ولا يبطل اعتكافه, ولا كفارة عليه.
ومثل هذا إذا مرض مرضاً لا يمكنه المقام منه في المسجد؛ كالقيام المتدارك وسلس البول والإِغماء, أو يمكنه القيام بمشقة شديدة, بأن يحتاج إلى خدمة وفراش؛ فله ترك الاعتكاف, ويكون كما لو تركه للخوف.
وإن كان مرضاً خفيفاً؛ كالحمى الخفيفة ووجع الضرس والرأس؛ فهذا لا يخرج لأجله؛ فإن خرج؛ استأنف.
[وإن] احتاج إلى ما يأكل, وليس له شيء, فاحتاج إلى اكتساب أو اتِّجار. . . .
قال القاضي وابن عقيل: متى خرج خروجاً جائزاً لحق وجب عليه؛ كإقامة الشهادة أو العدة والنفير والحيض والجمعة والمرض الذي لا يمكن معه المقام؛ فلا كفارة عليه. وإن كان لغير واجب؛ كالخروج من فتنة أو لمرض يمكن معه المقام بغير مشقة؛ فعليه الكفارة؛ لأنه خرج لحظ نفسه. وتأول كلام الخرقي.
* فصل:
وإذا تعيَّن عليه الخروج للجهاد؛ بأن يحضر عدو يخافون كلبه, أو يستنفر الإِمام استنفاراً عامّاً؛ فإنه يخرج ويدع اعتكافه؛ كما قلنا في الخروج لقضاء العدة وأشد؛ لأن الجهاد من أعظم الواجبات, والتخلف عنه من أعظم المفاسد.
ثم إذا قضى غزوه, وكان تطوعاً؛ فله الخيار بين أن يقضيه أو لا يقضيه,والأفضل أن يقضيه.
وإن كان نذراً؛ فعلى ما ذكرنا في الخروج لقضاء العدة: يبني إن كان معيناً, وفي الكفارة وجهان حكاهما ابن أبي موسى في العدة.
أحدهما: يجب. قاله الخرقي وغيره.
والثاني: لا يجب. قاله القاضي. وفرَّق بين الخروج الواجب كالنفير والعدة وبين الخروج. . . .
وإن كان مطلقاً؛ فهو بالخيار بين أن يستأنف وبين أن يبني. . . .
وإن لم يكن الجهاد متعيناً؛ فهل يجوز الخروج إليه؛ كصلاة الجنازة وعيادة المريض؟ وأولى. . . لم يجز له الخروج عند أصحابنا, مع أن الجهاد والرباط أفضل من الاعتكاف.
وقال في رواية الأثرم: الخروج إلى عبادان أحب إليَّ من الاعتكاف, وليس يعدل الجهاد والرباط شيء. . . .
فإذا كان الاعتكاف تطوعاً, فعرض [له] جنازة أو مريض يعاد ونحو ذلك؛ فقال بعض أصحابنا: إتمام اعتكافه أفضل:
887 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرج على مريض.
ولم يكن واجباً عليه, ولأن إتمام العبادة التي شرع فيها أفضل من إنشاء عبادة أخرى؛ لأن إتمامها واجب عند بعض العلماء, ومؤكد الاستحباب عند بعضهم.
888 - وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إذا دعي وكان صائماً أن يصلي, ولم يأمره بالأكل.
* فصل:
ويستحب لمن اعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ويخرج منه إلى المصلى في ثياب اعتكافه.
قال في رواية الأثرم: يخرج من معتكفه إلى المصلى.
وقال في رواية المروذي: لا يلبس ثيابه يوم العيد, ويشهد العيد في ثيابه التي اعتكف فيها. وذكر ذلك عن أبي قلابة.
889 - وذلك لما روي عن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن ينام ليلة الفطر في المسجد, ثم يغدو إلى المصلى من المسجد».
890 - وعن أيوب: «أن أبا قلابة اعتكف في مسجد قومه, فغدوت عليه غداة الفطر وهو في المسجد, فأتى بجويرية مزينة, فأقعدها في حجره, ثم أعتقها, ثم خرج كما هو من المسجد إلى المصلى».
رواهما سعيد.
891 - 892 - وذكر القاضي عن ابن عمر والمطلب بن عبد الله بن حنطب وأبي قلابة مثل ذلك.
وذلك لأن يوم العيد يوفى الناس أجر أعمالهم, وفي ليلة الفطر ينزل جوائز للصوام, والصوام. . . ,فاستحب له أن يصل اعتكافه بعيده؛ كما استحب للمحرم أن يصل إحرامه بعيده.
فأقعدها في حجره, ثم أعتقها, ثم خرج كما هو من المسجد إلى المصلى».
رواهما سعيد.
891 - 892 - وذكر القاضي عن ابن عمر والمطلب بن عبد الله بن حنطب وأبي قلابة مثل ذلك.
وذلك لأن يوم العيد يوفى الناس أجر أعمالهم, وفي ليلة الفطر ينزل جوائز للصوام, والصوام. . . ,فاستحب له أن يصل اعتكافه بعيده؛ كما استحب للمحرم أن يصل إحرامه بعيده.
انتهى المجلد الثاني
وهو آخر كتاب الصيام
ويليه
كتاب الحج
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|