|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#671
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
نهي الله عباده عن تحريم الطيبات والعدوان على المحرمات يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87] يناديكم ليقول لكم: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، فهل نستجيب أم لا؟ أعوذ بالله.. أعوذ بالله! الجبار القهار وليك ومولاك ينهاك أن تحرم طيباً مما أحل لك فلا تلتفت إليه ولا تقبل كلامه؟! (لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87] أولاً، ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، ولا تتجاوزوا الحد المحدود لكم، أنتم عبيده، ما أحله لكم فأحلوه وتناولوه، وما حرمه عليكم فحرموه وابتعدوا عنه واجتنبوه، وإن اعتديتم فإنه لا يحبكم، ومن لا يحب الله هل سيسعد؟ هل سيكمل وينجو؟ والله ما كان، بل يخسر ويحترق ويتحطم؛ لأن الله لا يحب المعتدين، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، من هم المعتدون؟ المتجاوزون لما حد لهم، أحل لهم كذا وكذا، فتجاوزوا ذلك إلى ما حرم. تفسير قوله تعالى: (وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) ثم قال لنا: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، لم يرزقك الله بالحرام أبداً، وكونه طيباً أي: غير مستقذر ولا مستخبث، حلال أحله الله، وليس به قذر أو وسخ يؤذيك ويضرك في بدنك. كيفية تحقيق التقوى (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]، كيف نتقيه؟ بماذا؟ بالحصون والأسوار أو بالجيوش الجرارة أو بالدخول في السراديب؟ كيف نتقي الله وبيده كل شيء، وبين يديه كل شيء؟ كيف نتقي الله يا عباد الله؟ لقد أمركم أيها المؤمنون بأن تتقوه، فكيف نتقيه؟ بماذا؟ نحن نتقي الشمس بالمظلة، ونتقي الجوع بالخبز، ونتقي الحر والبرد بالملابس، والله كيف نتقيه؟ بلغنا أن رجلاً بالهند أو بالسند أو بالشرق أو الغرب يعرف بم يتقى الله؛ فوالله لنسافرن إليه أو نبعث برجال منا ليأتونا بخبر منه كيف نتقي الله، بلغنا أن هناك من يعرف بم يتقى الجبار، وأنه يوجد في مكان كذا فيجب أن نرحل إليه، ولا تعجب؛ والله! لقد رحل جابر بن عبد الله من هذه المدينة إلى حمص ببلاد الشام على راحلته مسافة أربعين يوماً ذهاباً وإياباً؛ من أجل خبر واحد، بلغه أن صحابياً بديار الشام بمدينة حمص يقول عن رسول الله كذا وكذا، وسأل أهل المدينة فما عرفوا، فركب راحلته إلى حمص ليعلم هذا منه. ووالله! لقد كان أهل الأندلس يأتون على بواخرهم، تلك البواخر التي الآن لا تركب، يسافرون الشهرين والثلاثة ونصف العام ليجتمعوا هنا على مالك بن أنس وشيخه ربيعة ويتلقون السنة، يحفظونها ويكتبونها وينقلونها إلى أقصى الغرب في ذلك الزمان. والآن بم نتقي؟ لقد أمرنا الله ربنا بأن نتقيه فقال: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[المائدة:57] به، بعظمته وجلاله، بسلطانه وقدرته، بما لديه وما عنده، اتقوه، فبم نتقيه؟ معشر المستمعين والمستمعات! هل نحن حقاً راغبون في معرفة ما نتقي به الله؟ والله لو أن رجلاً منا فحلاً فهم ما قلت لقال: والله! يا هذا لن تبرح مكانك حتى تعلمنا بم نتقي الله، أقسم بالله! لو أن شخصاً آمن وكان المؤمن وفهم ما قلت لقال: والله! يا هذا لن تقوم من مقامك حتى تعرفنا بم نتقي الله؟ لا يقوم غير مبال، اللهم إلا إذا كان قد عرف من قبل بم يتقى الله؟ إذاً: يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله، وذلك بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله فقط، أتريد أن تتقي عذاب الله وسخطه؟ اتقه بشيء واحد فقط: أطعه وأطع رسوله فيما يأمران به عباد الله وينهيان عنه عباد الله، من أطاع الله ورسوله في الأمر والنهي جعل بينه وبين عذاب الله وقاية، لا يصل إليه عذاب الله أبداً. فالله تعالى لا يتقى بالجيوش والأسوار والحصون أبداً، لا يتقى إلا بطاعته بفعل ما يأمر به وترك ما ينهى عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بأمر الله وينهى بنهي الله. العلم سبيل التقوى يبقى سؤال آخر: يا علماء.. يا بصراء.. يا رجال السياسة.. يا علماء المنطق! هل يمكنك يا عبد الله أن تطيع الله فيما أمر به ونهى عنه، وفيما أمر به الرسول ونهى عنه وأنت لا تعرف ما أمر الله به ولا ما نهى عنه؟ مستحيل. فمن هنا عدنا من حيث بدأنا، يجب أن نتعلم، أن نعرف محاب الله ما هي، ومكارهه ما هي من أجل أن نفعل المحبوب ونتخلى عن المكروه.ولعلها رخيصة، فوالله الذي لا إله غيره! لأن تعلم هذه القضية خير لك من مليار دولار، ولأن ترجع إلى أهلك وبيتك فرحاً بها -والله- خير من الدنيا وما فيها؛ لأن المائة دولار قد تحترق بها، وتحملك على الفسق والفجور والظلم والشر والفساد وتخسر خسراناً أبدياً. إذاً: الحمد لله، عرفنا بم نتقي ربنا، أي: بطاعته وطاعة رسوله فيما يأمران به وينهيان عنه؛ لأن ما يأمر الله به ورسوله يجنب غضب الله وسخطه ونقمه وعذابه، أليس كذلك؟ وترك ما نهى الله ورسوله عنه هو نجاتنا من الأذى والشر والبلاء والسخط في الدنيا والآخرة، فهذا عرفناه، وعرفنا أيضاً كيف نتقي الله وننجو من عذابه بمعرفة ما يحب وما يكره، أما ونحن لا نعرف ما يحب وما يكره، فكيف سنفعل المحبوب ونحن لا نعرفه؟ كيف نتجنب المكروه لله ونحن ما عرفناه؟ ومن هنا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. وكيف نحصل على هذا العلم؟ قال الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم: ( إنما العلم بالتعلم )، في صحيح البخاري ، والله يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من يعلم من رجل أو امرأة يجب عليه أن يسأل أهل العلم حتى يعلم، وليس شرطاً أن تنقطع عن بستانك أو دكانك أو عن عملك حتى تتعلم، كلا، ابق في عملك ثم اسأل: ماذا يحب ربي من الكلام، يقول لك: يحب كذا وكذا، فقل هذا الكلام وتملق به إلى الله، ما الذي يحب ربي من النيات؟ يقول: يحب النيات الصادقة، ماذا يحب ربي من الأعمال؟ يحب كذا وكذا، وأنت تتعلم وتعمل، ولا تزال تتعلم وتعمل حتى تكمل وتبلغ مستوى الكمال البشري. سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...) نادنا الرب جل وعلا فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، لبيك اللهم لبيك، ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:87-88]، على شرط: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]. أذكر لكم سبب نزول هذه الآية، فهذا القرآن ما نزل مرة واحدة أو جملة واحدة، نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة، بدأ نزوله بـ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ )[العلق:1] في غار حراء، وانتهى بآية نزلت في هذه المدينة: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )[البقرة:281]، ثلاث وعشرون سنة نزل فيها الكتاب المكون من مائة وأربع عشرة سورة، في ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية. إذاً: هذه الآية سبب نزولها أن ثلاثة نفر: عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون وثالث اشتاقوا إلى دار السلام إلى الجنة والرضوان، فأتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، والذي في الحلقة لا يعجبه الترضي عنها فليعلم أنه كافر ولعنة الله عليه، وليتب إلى الله، وليدخل في الإسلام وإلا فهو كاليهود والنصارى، أو هو مسكين أضلوه وغلطوه وجهلوه، لكن إن سمع الآن فهو من أهل العلم، إذاً: فليتب إلى الله، وليقل: آمنت بالله.. آمنت بالله، رضي الله عن أم المؤمنين عائشة ، لينجو، وإن أصر على الباطل فوالله لن يدخل دار السلام؛ لأن الذين لا يترضون عنها ساخطون عليها غاضبون يلعنونها؛ لأنهم قالوا لهم: إنها فجرت، زنت! وأعوذ بالله! امرأة رسول الله لا يصونها الله لرسوله، لا يحفظها لنبيه وتفجر وتزني حتى تلعن؟! ما تقولون فيمن يرمي رسول الله بالدياثة؟ هل يبقى مؤمناً؟! أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. أعوذ بالله! لقد أنزل الله تعالى في هذه الحادثة -حادثة الإفك- سبع عشرة آية من كتابه من سورة النور، ولا نقرؤها ولا نسمع من يقرؤها ونحولها ونؤولها، وتختم الآية: ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )[النور:26]، وأنت تقول: عائشة زنت وملعونة ولا تترضى عنها؟! لا إله إلا الله، آمنا بالله! فعائشة أم المؤمنين، قال تعالى: ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )[الأحزاب:6]، هذه الصديقة حب رسول الله بنت حب رسول الله، بنت أبي بكر الصديق ، دخلوا عليها وسألوها عن صيام الرسول وقيامه، وقالوا فيما بينهم: الرسول غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأحدهم قال: أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبداً. والثاني قال: أنا لا آتي النساء. والآخر قال: أنا أقوم الليل ولا أنام، شوقاً إلى الملكوت الأعلى ودار السلام، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد من حجرته وخطب الناس وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ )، وهذا من كمال آدابه ورحمته، لم يقل: يا فلان وفلان يفضحهم، وإنما قال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني والله ولأتقاكم لله وأشدكم له خشية، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، ونزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، يا ابن مظعون ، يا ابن مسعود، يا فلان! ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، تتجاوزوا الحد، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:87-88]، فعدلوا عما عزموا عليه، أصبحوا يصومون ويفطرون في حدود طاقتهم ويقومون الليل وينامون في حدود طاقتهم، والرهبان في الصوامع، وبعض المتعنترين من المتصوفين يقولون: فلان لا يأكل اللحم أبداً! أتحرم ما أحل الله لك؟ لا تأكل اللحم إذا كان حراماً، لا تسرق ولا تأكل جيفة، أما وقد أحل الله لك اللحم وتدعى في بيوت إخوانك ويقدم لك فتقول: أنا لا آكل اللحم زهداً فيه، وآخر يلبس ثوباً من الصوف يلفه عليه وعنده القطن وعنده المال، فلم تحرم ما أحل الله لك؟ إذاً: فالعدل العدل: ( وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]. التربية المسجدية ودورها في تحقيق التقوى معاشر المؤمنين! عرفنا أننا مأمورون بأن نعرف ما يحب الله وما يكره من أجل أن نتقيه بفعل ما أمر وبترك ما نهى، وبذلك نتقي ربنا.ومن فهنا فالطريق -يا عباد الله- هو أن أهل القرية في قريتهم وأهل الحي في مدينتهم إن كانوا صادقين في إيمانهم ودقت الساعة السادسة وقف العمل، واليهود والنصارى في أوروبا وأمريكا واليابان والصين إذا دقت الساعة السادسة يوقفون العمل، رأيناهم بلا عمل، ويحملون أطفالهم ونساءهم إلى دور السينما، إلى المراقص، إلى المقاصف، إلى الملاهي، وهل نحن مثلهم؟ لا، نحن أهل السماء وهم أهل الأرض، نحن الأحياء وهم الأموات، نحن المؤمنون وهم الكافرون، نحن أطهار وهم الأخباث. إذاً: هم يذهبون إلى دور السينما ونذهب إلى بيوت الرب الطاهرة، أطفالنا أمامنا ونساؤنا وراءنا ونتلقى الكتاب والحكمة كل ليلة وطول العمر، وحينئذٍ هل يبقى في القرية فاجر، ساحر، دجال، كذاب؟ هل يبقى في القرية عار لا يجد ثوباً يكتسي به، أو يبقى في القرية جائع والجوع يمزقه؟ والله ما كان ولن يكون، وهل نحتاج بعد ذلك إلى بوليس وحرس؟ لا نحتاج ذلك، كلنا كالملائكة في الطهر والصفاء لا خيانة ولا غش ولا خداع، وهل يبقى بيننا وثني أو مشرك أو خرافي أو ضال أو علماني تائه في متاهات الإلحاد؟ لا والله، فإن لم نقبل على الله في صدق كما بينت لكم؛ فوالله لا نزال في الإحن والمحن والبلاء والشقاء حتى نلقى الله تعالى، بلغوا والله معكم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
|
#672
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|