تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 64 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الخلاق العليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4018 - عددالزوار : 527590 )           »          أنواع العوامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          كيف تعدّ سيرة مفسّر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          سيرة الشيخ عبد الحميد الفراهي (ت:1349هـ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حماني ظلها.. وفات خلاها كلها!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أخطاء الواقفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 134 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 228 )           »          ماذا بعد الحج ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4483 - عددالزوار : 1008318 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #631  
قديم 15-06-2021, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ...)
ثم قال تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52] أي: مرض النفاق، والنفاق إظهار الإسلام والسلوك العملي في الصلاة أمام الناس حتى الجهاد، وإبطان الكفر وإسراره وإخفاؤه. فهذا رئيس المنافقين كان حليفاً لبعض اليهود، وعبادة بن الصامت كان حليفاً أيضاً لبعضهم، فاختلفا: فـعبادة بن الصامت تبرأ من أولئك اليهود، ولجأ إلى الله وركن إليه، وأما ابن أبي -وهو المريض- فسارع في موالاتهم ونصرتهم والتملق إليهم والاختلاء بهم والتحدث معهم، ويعلل ذلك فيقول: نخشى أن تصيبنا دائرة. يقول: لو أن الرسول مات أو الإسلام انكسر وانهزم فإلى من نفزع إذا لم نتخذ إخواناً لنا وأصدقاء من اليهود؟ وهذا التعليل واضح ويعلله كل إنسان. يقولون: يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] من الدوائر: فقر أو حرب تأتينا فينكسر الإسلام والمسلمون فماذا نصنع؟ لا بد أن يكون لنا يد عند هؤلاء الجيران من إخواننا اليهود! هذه كلمته وهي كلمة كل من فيه مرض النفاق إلى يوم القيامة، الذي يواد الكافر وينصره ويقف إلى جنبه يقول: نخشى أن نصبح في يوم من الأيام في حاجة إليهم. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52]، ما قال: يسارعون إليهم؛ لأنهم ما خرجوا عنهم، يقولون معللين ذلك: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] قال الله تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] و(عسى) من الله تفيد التحقيق. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة:52] فتح خيبر وما دونها وفتح مكة، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52] بأن يكشف أسماءهم في القرآن فتنزل آيات تفضحهم؛ فيصبحوا حينئذ على ما أسروا في أنفسهم من النفاق نادمين.
معنى قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)
قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن تشبه بقوم فهو منهم، هذا الذي أراد أن يكون مثل فلان أخذ يجاهد نفسه لأن يكون مثله في منطقه في نظره في مشيته في أكله في شربه في معاملته، فهل يصبح مثله أم لا؟ ما هناك شك. امرأة أرادت أن تتشبه بعاهرة فتتشبه بها في منطقها حين تنطق، في لباسها، في مشيتها، في حركاتها، لا تزال تتكلف ذلك حتى تكون مثلها، رجل رأى شجاعاً فأحبه فأراد أن يكون مثله فأخذ يتشبه به في حمله السلاح وفي إلقائه وفي الوقوف فلا يبرح أن يكون مثله. فمن تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه أن يقصد ويريد ويرغب في أن يكون مثله، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب )، فمن ينقض هذه؟ المرء -أي: الإنسان- مع من أحب، فإن أحب فاسقاً فهو معه لأنه سيعمل الفسق مثله، من أحب عبداً صالحاً حباً حقيقياً فهو معه لأنه سيعمل بعمله حتى يكون مثله، وهكذا. ( المرء مع من أحب ) و( من تشبه بقوم فهو منهم )، والله تعالى هنا يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] يا معشر المؤمنين فهو منهم، الذي يتولى اليهود والنصارى ويحبهم وينصرهم على الإسلام والمسلمين فهو والله منهم. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] تعليل، فكونه منهم لماذا؟ لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، أحب الكافرين ونصرهم، أليس هذا هو الظلم؟ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، بدل أن يحب المؤمنين وينصرهم أحب الكافرين ونصرهم فهو ظالم أم لا؟ والظالم هل يهديه الله إلى ما فيه سعادته وكماله؟ والجواب: لا، فهذا تعليل: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
تفسير قوله تعالى: (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ...)
والآيات تعالج أمر المنافقين، وقد برئ وسلم منهم المئات، فتأملوا هذه: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:53] لما يأتي الفتح أو تأتي آيات تفضح المنافقين وتزيل الستار عنهم، يقول الذين آمنوا: أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ [المائدة:53]؛ لأن المنافقين يحلفون بالله أشد الأيمان أنهم مؤمنون وأنهم معهم، يأتي ابن أبي إلى الروضة ويقف ويقول ما حكى الله تعالى عنهم: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]. يحسنون التعبير ومنطقهم سليم ويضللون بهذا المؤمنين، وها هو ذا عز وجل يكشف الستار عنهم ويفضحهم، يقول تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ [المائدة:53] انظر كيف حبطت أعمالهم فاصبحوا من الخاسرين.
معنى قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)
قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن تشبه بقوم فهو منهم، هذا الذي أراد أن يكون مثل فلان أخذ يجاهد نفسه لأن يكون مثله في منطقه في نظره في مشيته في أكله في شربه في معاملته، فهل يصبح مثله أم لا؟ ما هناك شك. امرأة أرادت أن تتشبه بعاهرة فتتشبه بها في منطقها حين تنطق، في لباسها، في مشيتها، في حركاتها، لا تزال تتكلف ذلك حتى تكون مثلها، رجل رأى شجاعاً فأحبه فأراد أن يكون مثله فأخذ يتشبه به في حمله السلاح وفي إلقائه وفي الوقوف فلا يبرح أن يكون مثله. فمن تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه أن يقصد ويريد ويرغب في أن يكون مثله، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب )، فمن ينقض هذه؟ المرء -أي: الإنسان- مع من أحب، فإن أحب فاسقاً فهو معه لأنه سيعمل الفسق مثله، من أحب عبداً صالحاً حباً حقيقياً فهو معه لأنه سيعمل بعمله حتى يكون مثله، وهكذا. ( المرء مع من أحب ) و( من تشبه بقوم فهو منهم )، والله تعالى هنا يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] يا معشر المؤمنين فهو منهم، الذي يتولى اليهود والنصارى ويحبهم وينصرهم على الإسلام والمسلمين فهو والله منهم. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] تعليل، فكونه منهم لماذا؟ لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، أحب الكافرين ونصرهم، أليس هذا هو الظلم؟ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، بدل أن يحب المؤمنين وينصرهم أحب الكافرين ونصرهم فهو ظالم أم لا؟ والظالم هل يهديه الله إلى ما فيه سعادته وكماله؟ والجواب: لا، فهذا تعليل: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
في هذه الآيات الأربع أربع هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: حرمة موالاة اليهود والنصارى وسائر الكافرين ].الموالاة: الحب والنصرة، أما أن تتعامل معه، أما أن تتجر معه، أما أن تستخدمه، أما أن يستخدمك، أما أن تحالفه على حرب معينة؛ فهذا أمره واسع، والممنوع الذي لا يصح لا في اليوم الحاضر ولا الآتي، ولا أيام الرسول صلى الله عليه وسلم هو حبك لهم من قلبك ونصرتهم على إخوانك، لو أعلن اليهود الحرب -مثلاً- على الأردن، هل يجوز للمؤمنين أن يقاتلوا معهم؟ مستحيل، لا يمكن أبداً، مثلاً: دولة أوروبية غزت بلداً إسلامياً، هل يجوز للمسلمين أن يقاتلوا معهم؟ لا يجوز، وإن كان بينهم حلف فإنهم لا يقاتلون معهم المؤمنين، يقاتلون معهم الكافرين ولا بأس، حين نعقد الحلف نقول: إذا قاتلتم إخواننا المؤمنين فلن نقاتلهم معكم، وإن قاتلتم كافرين غير مؤمنين فسننصركم، وبهذا تجري الاتفاقيات.إذاً: حرمة موالاة اليهود والنصارى وسائر الكافرين، من أين أخذنا هذه؟ من قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51].[ ثانياً: موالاة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن الإسلام ]، الكافر يؤذي المؤمنين ويحقرهم وأنت تقف إلى جنبه وتنصره! هذا يسلخ عبد الله من الإيمان، لا يبقى مؤمناً أبداً، لو نصره على كافر فلا بأس إذا كان بينهم اتفاقية، أما أن ينصر الكافر على المؤمن فموالاة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن الإسلام.[ ثالثاً: موالاة الكافرين ناجمة عن ضعف الإيمان، فلذا تؤدي إلى الكفر ].موالاة الكافرين سببها ماذا؟ ناتجة من أين؟ ناتجة عن ضعف الإيمان، لو قوي إيمان العبد ما والى كافراً، تكفيه ولاية الله والمؤمنين، لكن إذا ضعف إيمانه فقد يوالي الكافرين، فموالاة الكافرين ناجمة عن ضعف الإيمان، فلذا تؤدي إلى الكفر شيئاً فشيئاً.[ رابعاً: عاقبة النفاق سيئة ونهاية الكفر مريرة ].النفاق -معاشر المؤمنين طهر الله منه قلوبنا وقلوبكم- هو أن يؤمن بالباطل بقلبه ويدعي الإيمان بلسانه أنه يؤمن بالله وبلقائه.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #632  
قديم 15-06-2021, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (19)
الحلقة (329)
تفسير سورة المائدة (26)


الله عز وجل غني عن عباده، فهو سبحانه القهار الواحد الأحد الصمد، وقد بين سبحانه في هذه الآيات أن من يرتد بعد إيمانه فإن الله سيأتي بقوم آخرين يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، وأعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله لينشروا في الناس نور الإسلام، وهؤلاء هم أولياء الله ورسوله والمؤمنين، وأولياء الله هم الغالبون.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:54-56].معاشر المستمعين والمستمعات! أعيد إلى أذهانكم أن الله تبارك وتعالى نادانا في كتابه القرآن العظيم تسعة وثمانين نداء بقوله: ( يا أيها الذين آمنوا ). وعرفنا أن الله عز وجل منزه عن اللهو واللعب، فهو لا ينادينا إلا لواحدة من خمس: إما ليأمرنا بفعل ما يسعدنا ويكملنا في الدنيا والآخرة، أو لينهانا عما يشقينا ويردينا ويخسرنا في الدنيا والآخرة، أو ليبشرنا بما نزداد مسابقة في الخيرات ومنافسة في الصالحات، أو تحذيراً لنا من عواقب السوء، أو ليعلمنا ما نحن في حاجة إلى علمه.تتبعنا واستقصينا كتاب الله فوجدنا نداءات الرحمن لعباده المؤمنين تسعة وثمانين نداء، وأضفنا إليها نداء آخر فأصبحت تسعين، وهذا النداء هو: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1] الآيات، فهو وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه في الواقع لأمته، فلهذا كتبنا ذلك الكتاب وسميناه: (نداءات الرحمن)، ودرسناه في هذه الحلقة ثلاثة أشهر وزيادة، وطبع ووزع مجاناً، وقلنا: لو كنا أحياء أو دبت الحياة فينا لترجم هذا الكتاب إلى لغات المسلمين عامة، ويوضع عند سرير كل ضيف في أي فندق من الفنادق، فقد اشتملت تلك النداءات على كل ما هو في القرآن من الوضوء والغسل إلى الرباط والجهاد، بيان الحلال والحرام، في السلم في الحرب، في الجهاد وفي غيره.. كل المتعلقات بحياتنا موجودة في تسعين نداء، والقرآن نقرؤه على الموتى ولا نشعر بما فيه، وهذا شأن أمة هبطت من علياء السماء فلصقت بالأرض. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:54] يقول تعالى منادياً لنا، فنجيبه: لبيك اللهم لبيك، مَنْ يَرْتَدَّ [المائدة:54]، و(من يرتدد) قراءة نافع ، فقراءة أهل المدينة وأهل الشام: (من يرتدد) بالفك، والكل صالح، والقرآن نزل على سبعة أحرف، والارتداد معروف، مشى ثم رجع إلى الوراء، مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [المائدة:54] أي: عن الإسلام، بعدما أقبل عليه وأخذ فيه وصام وصلى انتكس ورجع إلى الوراء. ‏
إجمال الصفات المذكورة في الآية الكريمة
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، من صفاتهم أنهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، كيف أنتم؟ هل أنتم أذلة على المؤمنين، أم تدفعون وتتكبرون وتصرخون وتهينون؟ ومع الكافرين اللين والعطف، و(مسيو) أو (مستر)، على كل حال الدار دار عمل والجزاء أمامنا. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، بمعنى: أشداء غلاظ، ما يلينون ولا ينكسرون ولا يتعطفون بين أيديهم، أقوياء بعزة الإسلام، وليس معنى هذا أنهم يسبون أو يشتمون، المسلم لا يسب ولا يشتم ولا يظلم، ولا يسرق ولا يكذب ولا يخدع، العزة ألا تذل أمام الكافر وتنكسر، أنت المؤمن العزيز، وهو الكافر الذليل المهين.ومن صفاتهم: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، هذا القيد الذهبي، في سبيل الله لا في سبيل المنصب، ولا المال، ولا الزوجة، ولا الولد، ولا الحكم، ولا الوطن، جاهد المسلمون وكشف الله عورتنا، جاهدنا قرابة خمس وأربعين سنة، نجاهد الكفار الطليان، الفرنسيين، الأسبانيين، البريطانيين، الهولنديين تحت عنوان الوطن، جهاد في سبيل الوطن، في تحرير البلاد.لو أن أهل إقليم أو منطقة قاتلوا باسم الله، من أجل الله لأقاموا دولة الإسلام يوم حكموا البلاد واستقلوا، من يوم أن تسلموا الزمام أقاموا الصلاة، وجبوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هل حصل هذا؟ لا يحصل ومستحيل؛ لأننا ما قاتلنا في سبيل الله، أي: من أجل أن يُعبد الله وحده ويحب ويطاع في أمره ونهيه، هذا أمر مفروغ منه، لا تطالب بالدليل أبداً. يُجَاهِدُونَ [المائدة:54] في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، أي: بأن يعبد الله وحده بما شرع؛ إذ ما خلق الخلق إلا ليُعبد ويذكر ويشكر، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ما يصرفهم عن الجهاد من يعذرهم أو يلوم ويعتب عليهم.قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] لا يضيق فضله عن أحد أراده، عليم بمن هو أهل للفضل ومن هو ليس بأهل لفضله وإنعامه وإكرامه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #633  
قديم 15-06-2021, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ...)
ثم قال تعالى يخاطبنا نحن: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55] لا بريطانيا، ولا إيطاليا، ولا بلجيكا، من وليكم؟ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، حصر الولاية في هذه الولاية: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، هؤلاء أولياؤنا نحبهم ويحبوننا، ونطيعهم حتى نصدق في حبنا ويتجلى لنا حبهم. إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، ثم قال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة:55]، ليخرج نفاق المنافقين وكذب الكاذبين ممن نافقوا في الإسلام وقالوا: إنهم مسلمون وهم ليسوا بمسلمين، فحصر ذلك بقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة:55]، فالذي لا يقيم الصلاة ما هو بولي لنا، ما هو بمؤمن، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة:55]، ما إقامتها؟ إليكم صورة حقيقية: نادى منادي صلاة الظهر، فترى أهل القرية أو الحي كلهم مقبلين على المسجد، مظاهر عجب خمس مرات في الأربع والعشرين ساعة، أذن العصر فترى الأمة كلها مقبلين على ربهم ليسجدوا له ويركعوا، غابت الشمس ودخل المغرب فترى أهل القرية أهل الحي كلهم مقبلين على بيت الله، وذلك طول العام، هذا هو إقام الصلاة. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [المائدة:55]، يعطونها طيبة بها قلوبهم، طيبة بها نفوسهم، من أموالهم الصامتة أو الناطقة، سواء طولبوا بذلك أو لم يطالبوا، جاءهم الجباة أو لم يجيئوهم.وصفة أخرى وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55]، أي: خاضعون متذللون، ما هو بالعنتريات والكبرياء والعلو كما قدمنا.والركوع: الذلة والانكسار، فالمؤمنون أغنياء أو فقراء، علماء أو جهالاً، كيفما كانوا ليس فيهم مظهر الكبر والتعالي أبداً؛ لأنهم عبيد الله وأولياؤه، نعم على الكافرين يترفعون ويتكبرون؛ لأنهم أمام أعداء ربهم وأعدائهم، أما مع المؤمنين فلين الجانب وهو الانكسار والذل.وهنا تذكر رواية قد تصح أو لا تصح، أخذ منها الفقهاء: جواز العمل الخفيف في الصلاة، تقول الرواية: جاء رجل فطلب الصدقة أو معاونة من الناس في المسجد، فما أعطوه، وعلي يتنفل راكعاً، فلما مر به المسكين نزع خاتمه ورماه إليه وهو راكع، أراد أن يحقق هذا الوصف: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55]، ولا حرج، فعمل جزئي كهذا ما يبطل الصلاة وهي نافلة، أخرج خاتمه هكذا ورماه له، في حركة أو حركتين لا تبطل الصلاة، لكن أراد أن يتمثل هذه الآية.أنا أقول: من منا يطبقها؟ تطبيق ذلك في ريالات في جيبك، وجاء سائل فسأل هذا وهذا ومر بين يديك فأخرجت أنت ريالين أو عشرة وأعطيته، فهل تمثلت الآية أم لا؟ تمثلتها، أمر سهل، وأما الخاتم فصعب، ما عندنا خواتم.هذا فقط من باب أنه أراد أن يمتثل هذه الآية، وإلا فهي لا تعنيه، تعني الذين يؤمنون بالله ورسوله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهم في هذه الأحوال كلها راكعون لله خانعون خاضعون، لا كبرياء ولا علو.
إجمال الصفات المذكورة في الآية الكريمة
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، من صفاتهم أنهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، كيف أنتم؟ هل أنتم أذلة على المؤمنين، أم تدفعون وتتكبرون وتصرخون وتهينون؟ ومع الكافرين اللين والعطف، و(مسيو) أو (مستر)، على كل حال الدار دار عمل والجزاء أمامنا. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، بمعنى: أشداء غلاظ، ما يلينون ولا ينكسرون ولا يتعطفون بين أيديهم، أقوياء بعزة الإسلام، وليس معنى هذا أنهم يسبون أو يشتمون، المسلم لا يسب ولا يشتم ولا يظلم، ولا يسرق ولا يكذب ولا يخدع، العزة ألا تذل أمام الكافر وتنكسر، أنت المؤمن العزيز، وهو الكافر الذليل المهين.ومن صفاتهم: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، هذا القيد الذهبي، في سبيل الله لا في سبيل المنصب، ولا المال، ولا الزوجة، ولا الولد، ولا الحكم، ولا الوطن، جاهد المسلمون وكشف الله عورتنا، جاهدنا قرابة خمس وأربعين سنة، نجاهد الكفار الطليان، الفرنسيين، الأسبانيين، البريطانيين، الهولنديين تحت عنوان الوطن، جهاد في سبيل الوطن، في تحرير البلاد.لو أن أهل إقليم أو منطقة قاتلوا باسم الله، من أجل الله لأقاموا دولة الإسلام يوم حكموا البلاد واستقلوا، من يوم أن تسلموا الزمام أقاموا الصلاة، وجبوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هل حصل هذا؟ لا يحصل ومستحيل؛ لأننا ما قاتلنا في سبيل الله، أي: من أجل أن يُعبد الله وحده ويحب ويطاع في أمره ونهيه، هذا أمر مفروغ منه، لا تطالب بالدليل أبداً. يُجَاهِدُونَ [المائدة:54] في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، أي: بأن يعبد الله وحده بما شرع؛ إذ ما خلق الخلق إلا ليُعبد ويذكر ويشكر، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ما يصرفهم عن الجهاد من يعذرهم أو يلوم ويعتب عليهم.قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] لا يضيق فضله عن أحد أراده، عليم بمن هو أهل للفضل ومن هو ليس بأهل لفضله وإنعامه وإكرامه.
تفسير قوله تعالى: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56]، ما معنى: يتولاهم؟ يحبهم ويحبونه، يطيعون الله ورسوله والمؤمنين، فمن يتولى الله ورسوله الذين آمنوا بشروه بالنصر، بالعز، بالكمال، بالسعادة، والله لا يهون ولا يذل، ولا ينكسر، لماذا؟ لأن الله قال: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56] من حزب الله؟ الأحزاب عندنا في العالم الإسلامي ما أكثرها، ما هناك إلا حزب واحد، ألا وهو حزب الله، من هم؟ المؤمنون الصادقون في إيمانهم أولئك حزب الله، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56] يحبهم ويطيعهم وينصرهم ولا يخذلهم، هذا بشروه بأن العالم إذا اجتمع كله عليه لا يذلونه ولا يهينونه ولا يكسرونه، لماذا؟ لأن حزب الله دائماً هم الغالبون، بشرى عظيمة لأمة الإسلام هذه.فهيا نتولى الله ورسوله، أي: نطيع الله ورسوله، نقيم حدود شرعه ونعلن فرائضه، ونؤدي آدابها، ونحب رسول الله ونمشي وراء سنته، ونحب المؤمنين فننصرهم ونقف إلى جنبهم، إذا تم هذا فوالله ما ذللنا لأحد ولا أهاننا أحد. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56]، في أي زمان في أي مكان، أما أن تعادي المؤمنين وتحاربهم وتقول: أنا ولي الله ورسوله فلا ينفع هذا؛ لأن حب الله وحب الرسول وحب المؤمنين، طاعة الله وطاعة الرسول وطاعة المؤمنين، نصرة الله ونصرة رسوله ونصرة المؤمنين هي مفتاح الحب، وهذا وعد من الله عز وجل يتحقق لأي مؤمن يتولى الله ورسوله والمؤمنين.فإنه لا يذل ولا يهين ولا ينكسر أبداً، وإن قلتم: ولم المسلمون ذلوا وهانوا وانكسروا واستعمروا وافتقروا؟ فالجواب: لأنهم خلعوا ولاية الله ورسوله وولاية المؤمنين، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56] فإنه لن ينكسر ولن يهزم أبداً، لماذا؟ لأن حزب الله هم الغالبون.
إجمال الصفات المذكورة في الآية الكريمة
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، من صفاتهم أنهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، كيف أنتم؟ هل أنتم أذلة على المؤمنين، أم تدفعون وتتكبرون وتصرخون وتهينون؟ ومع الكافرين اللين والعطف، و(مسيو) أو (مستر)، على كل حال الدار دار عمل والجزاء أمامنا. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، بمعنى: أشداء غلاظ، ما يلينون ولا ينكسرون ولا يتعطفون بين أيديهم، أقوياء بعزة الإسلام، وليس معنى هذا أنهم يسبون أو يشتمون، المسلم لا يسب ولا يشتم ولا يظلم، ولا يسرق ولا يكذب ولا يخدع، العزة ألا تذل أمام الكافر وتنكسر، أنت المؤمن العزيز، وهو الكافر الذليل المهين.ومن صفاتهم: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، هذا القيد الذهبي، في سبيل الله لا في سبيل المنصب، ولا المال، ولا الزوجة، ولا الولد، ولا الحكم، ولا الوطن، جاهد المسلمون وكشف الله عورتنا، جاهدنا قرابة خمس وأربعين سنة، نجاهد الكفار الطليان، الفرنسيين، الأسبانيين، البريطانيين، الهولنديين تحت عنوان الوطن، جهاد في سبيل الوطن، في تحرير البلاد.لو أن أهل إقليم أو منطقة قاتلوا باسم الله، من أجل الله لأقاموا دولة الإسلام يوم حكموا البلاد واستقلوا، من يوم أن تسلموا الزمام أقاموا الصلاة، وجبوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هل حصل هذا؟ لا يحصل ومستحيل؛ لأننا ما قاتلنا في سبيل الله، أي: من أجل أن يُعبد الله وحده ويحب ويطاع في أمره ونهيه، هذا أمر مفروغ منه، لا تطالب بالدليل أبداً. يُجَاهِدُونَ [المائدة:54] في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، أي: بأن يعبد الله وحده بما شرع؛ إذ ما خلق الخلق إلا ليُعبد ويذكر ويشكر، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ما يصرفهم عن الجهاد من يعذرهم أو يلوم ويعتب عليهم.قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] لا يضيق فضله عن أحد أراده، عليم بمن هو أهل للفضل ومن هو ليس بأهل لفضله وإنعامه وإكرامه.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: إخبار القرآن الكريم بالغيب وصدقه في ذلك، فكان آية أنه كلام الله ]، أما أخبر تعالى أنه سيرتد من يرتد ويأتي الله بآخرين؟ وهل فعل أو لم يفعل؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] وكان ذلك، انتهت الفتنة على يد أبي بكر ، وتولى عمر بعده وقاد الجيوش إلى الشرق والغرب وانتصر الإسلام في كل مكان، وصدق الله العظيم.[ ثانياً: فضيلة أبي بكر والصحابة والأشعريين قوم أبي موسى الأشعري وهم من أهل اليمن ]، لأنهم نهضوا بالجهاد، أبو بكر قادهم ومشوا وراءه والصحابة معه، وجاء أبو موسى الأشعري ومعه أهل اليمن، وأدبوا العرب الذين ارتدوا، وردوهم إلى الحق ورجعوا بهم إلى الإسلام، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] أبو بكر وأصحاب رسول الله.[ ثالثاً: فضل حب الله والتواضع للمؤمنين وإظهار العزة على الكافرين، وفضل الجهاد في سبيل الله، وقول الحق والثبات عليه، وعدم المبالاة بمن يلوم ويعذل في ذلك ] ويعتب، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54].[ رابعاً: فضيلة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والخشوع والتواضع ]، فضيلة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة (وهم راكعون)، أي: الخشوع والتواضع لله عز وجل.[ خامساً: ولاية الله ورسوله والمؤمنين الصادقين توجب لصاحبها النصر والغلبة على أعدائه ]، والذي يعادي الله والرسول والمؤمنين من ينصره؟ فالخذلان نصيبه وحظه.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع إنه قدير وبالإجابة جدير.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #634  
قديم 15-06-2021, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (20)
الحلقة (330)
تفسير سورة المائدة (27)


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع سورة المائدة المباركة المدنية الميمونة، ومع هاتين الآيتين، فهيا نتلو الآيتين متدبرين معانيهما، ثم بعد ذلك يبين لنا مراد الله تعالى منهما، ونأخذ بما هدانا الله تعالى إليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:57-58].

غايات نداء الله تعالى لأوليائه المؤمنين


معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هل بلغكم أن الله تعالى نادانا نحن عباده المؤمنين في كتابه تسعة وثمانين نداء؟ هل بلغكم هذا أو ما علمتم؟ كيف يناديك سيدك ومولاك والذي إليه مصيرك وبيده محياك ومماتك ولا تعرف كم مرة ناداك؟

الجواب: ما اجتمعنا على دراسة القرآن، مضت أعمارنا ونحن في المقاهي ومجالس الأكل والشرب والضحك، أو في دور السينما، أما أن نجلس في بيت الرب بنسائنا وأطفالنا كل ليلة من صلاة المغرب إلى العشاء ندرس كتاب الله وهدي رسوله، فهذا لا يخطر على بالنا، فلهذا لا تلمنا.
لن نلوم، ولكن هبطنا من علياء السماء إلى الأرض، كنا قادة البشرية وسادتها، فأصبحنا أذل منها وأحوج إليها، السبب: أننا ما عرفنا الله معرفة حقيقية يقينية حتى نتملقه ونتزلف إليه بفعل ما يحب وترك ما يكره، وفعل المحبوب وترك المكروه هو منهج السعادة والكمال للإنسان في الدارين، ومستحيل وهيهات هيهات أن يكمل آدمي أو يسعد بدون معرفة الله وطاعته في أمره ونهيه، ولا جدال في هذا، وحسبنا شهادة الواقع.

نادنا ربنا تسعين نداء، وقد تتبعنا هذا الموضوع وعرفنا بالاستقراء أن الله تعالى لا ينادينا بوصفنا المؤمنين به وبلقائه، وبكتابه وبرسوله إلا لواحدة من خمس:
الأولى: ينادينا ليأمرنا بفعل أو اعتقاد أو قول ما من شأنه أن يسعدنا ويكملنا.
الثانية: أن ينادينا لينهانا عن اعتقاد أو قول أو عمل فاسد من شأنه أن يخسرنا ويكسبنا الخراب والدمار.
الثالثة: أن ينادينا ليبشرنا فنزداد في طلب الهدى والمنافسة في الخيرات والمسابقة في الصالحات.
والرابعة: أن ينادينا ليحذرنا من المكروه، مما عواقبه الخسران والدمار.
والخامسة: ينادينا ليعلمنا ما لم نكن نعلم.
فاحمدوه، فالحمد لله، اللهم لك الحمد على ما أوليت وأنعمت، الحمد لله.. الحمد لله.

وهل تعلمون أن في ندائه عز وجل لنا أعظم كرامة يظفر بها الآدمي، أن يناديه سيده ومولاه، نداء الله لنا دل على رفعتنا وعلى علو منصبنا ودرجتنا، ألسنا أولياءه؟ بلى، وهو يقول: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62]، من هم أولياء الله؟ سيدي عبد القادر ؟ البدوي ؟ عيدروس؟ سيدي مبروك؟ لم لا نسأل ربنا: يا ربنا! من هم أولياؤك؟ ومع هذا أجاب الله ، وما سألنا، فقال عز وجل: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63] هؤلاء هم أولياء الله، فكل مؤمن تقي هو لله ولي، وكل كافر فاجر فهو لله عدو.

عرفتم أولياء الله؟ ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63]، إذاً: المؤمنون أحياء والحي يسمع، يبصر، يعقل، يفهم، إذا أمر فعل، إذا نهي ترك، وذلك لكمال حياته، والكافر ميت لا يؤمر ولا ينهى، لم؟ لأنه ميت والميت لا يسمع، ولا ينطق، ولا يبصر، ولا يأخذ ولا يعطي، هذا شأن الميت.

إذاً: الإيمان الحق هو بمثابة الروح، إي والله، فمن آمن إيماناً صحيحاً حقيقياً فقد حيي، فمره بأمر الله يفعل، انهه بنهي الله يترك، والذي ما آمن مره أن يصلي فهل يصلي؟ مره أن يغتسل من جنابة فهل يغتسل؟ مره أن يكف عن قول كذا فهل يكف؟ ميت.

هل عرف المؤمنون والمؤمنات هذا؟ ما عرفناه، مضت قرون ما نجتمع على كتاب الله، إلا إذا قرأنا على ميت حتى ولو كانت عاهرة لتدخل الجنة بقراءتنا عليها، إلى أين وصلت هذه الأمة بعدما كانت سائدة قائدة رائدة في العالم؟ ما سبب سيادتها وقيادتها وريادتها؟ الإيمان الصحيح وتقوى الرحمن عز وجل، أما العلم فهو ضروري حتمي، الذي ما يعرف ما يحب الله،كيف يفعله؟ الذي ما يعرف ما يكره الله كيف يتركه؟ الذي ما يعرف كيف يطيع ربه كيف يطيعه؟

فالعلم عندنا ضروري كالطعام والشراب، بل كالهواء والتنفس، تريد أن تكون ولياً بدون علم؟ مستحيل أن تكون ولي الله بدون علم، إلا أن العلم ليس شرطاً أن يكون بالقلم والقرطاس، وإنما هو بسؤال أهل العلم والعمل، لا تزال تسأل وتعلم وتعمل، فما يمضي زمان إلا وقد علمت محاب الله كلها، وعلمت مكاره الله كلها، وأنت في نفس الوقت تفعل المحبوب وتكره المكروه، وهذه ولاية الله عز وجل.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #635  
قديم 15-06-2021, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

نهي الله تعالى المؤمنين عن موالاة المستهزئين بالدين

مكر اليهود والنصارى بالمسلمين في الولاية والأولياء

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ )[المائدة:57]، أي: لا تتخذوهم أولياء، ما معنى أولياء؟ أي: لا تحبوهم ولا تنصروهم، لا بمعنى الولاية الهابط، ولاية الذين نبني عليهم القباب ونضع الشموع والأزر الحريرية، ونقول: أولياء الله، ونحلف بهم ونقسم بهم، هذا باطل باطل، ما أراده الله.

وفتح الله علينا، وعرفنا أن مكر اليهود والمجوس والنصارى هو الذي حصر الولاية في الذين ماتوا، أما الأحياء فلا، تدخل القاهرة المعزية ذات العشرين مليون نسمة من المطار أو من محطة القطار فتواجه مصرياً من أهل البلد فتقول: يا سيد! أنا جئت لأزور ولياً من أولياء الله في هذه البلاد، فوالله ما يأخذ بيدك إلا إلى قبر وضريح، ولا يفهم أن القاهرة فيها أولياء، هذا مثال، ودمشق كالقاهرة، وبغداد، ومراكش، وباكستان، وإسطنبول.. كلها سواء، تأملوا علكم تعقلون؛ لأننا لو اعتقدنا أن كل مؤمن ولي ما بقي والله من يزني ولا يسرق ولا يكذب ولا يشتم ولا يسب ولا يعتدي أبداً؛ لأن الله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، والواقع يؤكد ذلك: هل تجد مسلماً في عصور الهبوط يسب ولياً من أولياء الله الموتى؟ كلا. بل إجلال، إكبار، تعظيم، يحلفون بهم، يسرقون قطعان الغنم لهم، يتوسلون بهم، والأحياء كلهم أعداء الله، هذا يزني ببنت هذا، وهذا يزني بامرأة هذا، وهذا يسرق هذا، وهذا يكذب على هذا، هذا يقتل ابن هذا.

والله كما تسمعون، وأنتم أعلم مني بهذا، ما سبب ذلك؟ لأن العدو الحاسد الماكر أراد أن نهبط وهبطنا، قال: احصروا الولاية في الموتى، من وليك؟ سيدي عبد القادر ، أين هو؟ في بغداد، وأنت أين؟ في المغرب، كيف أصبحت تلميذه؟

قالوا: نحصر الولاية في الموتى فقط، وحينئذ يستبيحون نساء بعضهم، والكذب والسرقة والمجون والخداع والغش؛ لأنهم ما هم أولياء، ولو عرفوا أنهم أولياء لعرفوا أن الولي ما تقال فيه كلمة، بل يبجّل، يعظم، يحترم، أليس كذلك؟ وهكذا.

هل عرفتم هذه الحقيقة؟ من الذي مكر بنا؟ الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، ما يريدون أن نبقى سعداء أعزاء أبداً، قالوا: لا بد أن يهبطوا إلى ما نحن هابطون فيه، وحققوا مرادهم لأن الشياطين معهم، فسلطوهم علينا.
معشر المستمعين والمستمعات! اصدقوا الله، هل يجوز لأحدنا الآن أن يسب أحداً؟ هل رأيتم من يسب؟ أو يشتم؟ أو يضرب؟ أو يطلع على عورة أخيه؟ أو يحاول أن يفجر بامرأته؟ أو يغشه في شيء؟ أو يخدعه في معاملة؟ والله ما كان، لم؟ لأننا أولياء الله، ما يباح لنا أبداً أن نعتدي على أولياء الله ونظلمهم ونأخذ ما عندهم أو نؤذيهم؛ لأنهم أولياء الله، ولو لم يكن هناك بوليس ولا حكومة، مؤمنون في جبل، في قرية، في سهل عرفوا ربهم، والله ليسودنهم الأمن والطهر والصفاء بدون عسكر ولا بوليس، والله إني لعلى علم.

فمن هنا قالوا: جهلوهم، العلم هو النور، أعموا أبصارهم وقلوبهم. فماذا يصنعون؟ قالوا: القرآن تفسيره صوابه خطأ وخطؤه كفر، وشاعت هذه الفكرة في العالم الإسلامي، فأصبح لا يستطيع مؤمن يقول: قال الله، يقال له: اسكت، يقول: القرآن فيه الخاص والعام، والسنة النبوية الشارحة للقرآن، فيقال له: اسكت، اترك السنة نقرؤها في رمضان للبركة. ففقدت أمة الإسلام القرآن والنور المحمدي، وعاشت في الظلام وماتت، وهل استعمرتنا بريطانيا أم لا؟ وإيطاليا، وفرنسا، وبلجيكا، استعمرونا أم لا؟ فكيف يستعمروننا؟ لأننا متنا، أفقدونا الروح، القرآن نقرؤه على الموتى والسنة نقرؤها للبركة، صحيح البخاري يقرأ للبركة، لا لنعرف الحلال والحرام، أو الواجب أو المستحب أو المكروه، وحشرونا في كتيبات فقهية، هذا مذهب مالكي، هذا شافعي، هذا إباضي، هذا زيدي، هذا حنبلي، هذا كذا.. آلله أمر بهذا؟ ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )[المؤمنون:52]، وأفصح عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر بما هو من آيات نبوته؛ إذ قال: ( افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة )، يتكلم بالوحي، فهل استطاع يهودي أن يقول: لا يا محمد ما افترقنا؟ بل طأطئوا رءوسهم وقالوا: نعم، قال: ( وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة ) صحيح، إنجيلهم بلغ خمسة وثلاثين إنجيلاً، وفي النهاية حصروه بخمسة أناجيل، أي صدق أي حق في هذا؟ أين كلام الله؟ قال: ( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة )، وراجع تفسير القرطبي ، جعل لها قائمة من أعلاها إلى أسفلها في ثلاث وسبعين فرقة.

قال: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، تكلم بهذا رسول الله والمؤمنون أقل من الحجاج بخمسين مرة، حيث كانوا لا يملئون هذا البلد، وتم ما أخبر به أم لا؟ قال: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، فألهم الله أحد السامعين فقال: من هي الناجية يا رسول الله حتى نكون منها؟
فاسمع واحفظ، وإذا ما فهمتها فلا تبارح هذا المجلس حتى تفهم معناها، وحرام عليك ألا تفقه هذا ولا تفهم إن كنت تريد الملكوت الأعلى.

فقال صلى الله عليه وسلم: ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) في العقيدة، في العبادة، في الأحكام، في الآداب، في الأخلاق، في التفكير والهم أيضاً.
وصدق رسول الله، وتفرقت هذه الأمة، وما زالت الفرقة إلى الآن قائمة، دويلاتنا نيف وأربعون دولة! أعوذ بالله، أيجوز هذا في الإسلام؟ كيف يجوز؟ مذاهبنا لا تسأل، أحزابنا بلا تعداد، هذا كيد أعدائنا.
طريق الخلاص من واقع المسلمين المؤلم
فهيا نتخلص، أدلك على أسهل الطرق وأيسرها، ولا تكلفك ريالاً ولا ولا درهماً، فقط قل: آمنت بالله، أدلكم فهل تبلغون هذا وتحققونه؟الطريق هو أن أهل القرية في البلد الإسلامي في الجبل أو في السهل، مجموعة سكان تسمى ديارهم قرية في اصطلاح المعاصرين، أهل القرية يوسعون مسجدهم الذي يصلون فيه، نحن لا نشك أن في كل قرية مسجداً أو مساجد في بلاد العرب والعجم سواء، هذا المسجد يوسع إما بالحديد والإسمنت وإما بالخشب والطوب، حتى بالستائر، حتى يتسع لكل أفراد القرية نساء ورجالاً وأطفالاً، ثم إن إمامهم يوم الجمعة يقول: من الليلة لا يتخلفن رجل ولا امرأة عن صلاة المغرب أبداً، إلا مريض أو ممرض له، فيحضرون حضورنا هذا ويصلون المغرب صلاتنا هذه ويجلسون جلوسنا هذا، وباسم الله ليلة آية من كتاب الله يتغنون بها حتى يحفظوها، وتشرح لهم ويبين مراد الله منها، ويوصوا بالعمل بها، والليلة الثانية حديث من أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم ويحفظ، ويبين مراد الرسول منه، ويعزم المؤمنون على العمل به، وهكذا طول العام، عام واحد فما يبقى في القرية فاسق ولا فاجر ولا ظالم ولا زان، لأنهم عرفوا، علموا وعملوا فكملوا، فكيف إذا كان طول العمر ونحن في هذا النور، من أين يأتي الظلام؟ هل هذا يكلف مالاً؟ إن اليهود والنصارى في أوروبا في اليابان في أمريكا إذا دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب أوقفوا العمل وتنظفوا وحملوا نساءهم وأطفالهم إلى دور اللهو واللعب، والمقاصف والسينما، أليس كذلك؟ ونحن لم لا نذهب إلى بيوت الرب نستمطر الرحمات ونتعلم الهدى لنسمو ونكمل، ما المانع؟ لا شيء، والمدينة ذات أحياء، كل حي يوسعون مسجدهم؛ ليتسع لكل الأفراد، ويصنعون هذا الصنيع عاماً أو عامين أو ثلاثة، فما يبقي جهل لا في النساء ولا في الرجال، وإن كانوا لا يكتبون ولا يقرءون، ومن ثم تنتهي مظاهر الخلاف والفرقة والعصبيات والنزعات والأطماع والشهوات، تمحى. وإن قلتم: ما الدليل؟ فالدليل: العصور الذهبية الثلاثة، من ساد البشرية وقادها؟ أليسوا أولئك الأميين؟ وقد تعلموا الكتاب والسنة.ثانياً: يقول تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] وصدق الله العظيم، أروني عالماً فاجراً وأنا أريكم ألف جاهل فاجر، أروني عالماً سارقاً متلصصاً وأريكم ألف جاهل متلصص وسارق، وعلى هذا فقيسوا، أعلمكم في قريتكم أتقاكم لله بلا نزاع، أبعدكم عن الله وأجهلكم به أفسقنا وأفجرنا، أمور يقينية هذه ما تحتاج إلى جدال.فمتى نرجع؟ ما سمحت لنا نفوسنا بذلك. قد تقولون: يا شيخ! ما عندنا كتاب في هذا الباب؟ أما بلغكم (كتاب المسجد وبيت المسلم)؟ درس في هذا المسجد في السنة كاملة، فيه ثلاثمائة وستون آية وحديثاً، في كل ليلة آية والثانية حديث، عام كامل، واسمه (كتاب المسجد وبيت المسلم)، وطبع ووزع بالآلاف، وقال محدثكم غفر الله له: لو بلغنا أن أهل قرية التزموا بهذا الكتاب وهم يدرسونه نساء ورجالاً لزرناهم إلى ديارهم، لنشاهد آثار الهدى الإلهي، ولكن لا شيء أبداً، العلماء ساكتون والجهال ميتون، ويبقى أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، من أصيب بمصيبة فليرجع إلى الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ [المائدة:57]، أي: لا تحبوهم ولا تنصروهم، هذا هو الولاء، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، المؤمن للمؤمن يحبه، وإذا احتاج إلى نصرته ينصره ولا يخذله أبداً.وأعداء الإسلام يجب ألا نحبهم ولا ننصرهم أبداً؛ لأن الولاء في أمرين: في الحب، والحب يترتب عليه المساعدة وما إلى ذلك، وفي النصرة، فلا نقف إلى جنبهم ننصرهم على الإسلام والمسلمين.
قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:57] أيها المؤمنون، فإن من آمن حي، ومن حيي سأل عن الطريق وعرفها، ومن عرف الطريق سلكها وانتهى إلى ولاية الله عز وجل بحبه له وإكرامه له.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #636  
قديم 19-06-2021, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (21)
الحلقة (331)
تفسير سورة المائدة (28)


ما يحمله أهل الكتاب في قلوبهم من البغضاء والحسد للمؤمنين لا يخفى على ذي عينين، ذلك أن المؤمنين أهل الحق والصدق، الموعودين عند الله بدار السلام؛ لإيمانهم بالله وبسائر رسله صلوات الله وسلامه عليهم، أما أهل الكتاب وخاصة اليهود منهم فإنهم يعلمون أنهم على ضلال، ومع ذلك يخاطبون المؤمنين بقولهم عن دين الإسلام: إنه شر الأديان، وقد أعلمنا الله بأخبارهم، حيث لعنهم سبحانه وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير، جزاء فجورهم وكفرهم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع، وقد درسنا منها آيتين، فهيا نسمع تلاوة الآيات، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ * قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:57-60].
سفه المستهزئين بالنداء إلى الصلاة
وقوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا [المائدة:58]، بين لهم ما كان يفعله بعض المنافقين من العرب واليهود في المدينة، يستهزئون بكلمة صلاة أو صيام، وخاصة إذا سمعوا الأذان يكربون ويحزنون، فبين لنا علة كرهنا لهم وبعدنا عنهم، ثم بين تعالى سبب جهلهم فقال: بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58] والله ما يعقلون، الذي يعقل يميز بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين النافع والضار، بين الكره والحب، هذا هو العاقل، والذي يكره الله ورسوله أين عقله؟ سيدك ومولاك وخالقك ورازقك ومردك إليه ومصيرك إليه، وأنت عبده وهو الذي يغذوك ويطعمك ويسقيك ثم لا تحبه ولا تؤمن به، أي عقل هذا؟! واسمع ما قال تعالى: ذَلِكَ [المائدة:58] بسبب ماذا؟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58]، فالمنادي يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الخير والكمال والطهر والصفاء والأمن بين المسلمين، فتضحك من الأذان؟ أعاقل هذا؟
تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله...)
والآيتان بعد هذه يقول تعالى فيها: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:59] أمر الله تعالى رسوله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلن هذا الإعلان: قُلْ [المائدة:59] يا رسولنا. ماذا يقول؟ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:59] من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، التوراة لليهود، والإنجيل للنصارى، فهم أهل كتاب، أيما مؤمن يجب أن يعرف هذا، المراد من الكتاب هنا: التوراة، أهل التوراة اليهود، المراد من الكتاب هنا: الإنجيل، أهل الإنجيل هم النصارى، أو الصليبيون والمسيحيون، عبارات مختلفة والمعنى واحد. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:59]، بين لنا علة كرههم وبغضهم لنا، علمهم يا رسولنا، تنقمون منا لكوننا آمنا بالله رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، وآمنا بما أنزل إلينا من القرآن، وما أنزل من قبل على موسى من التوراة وعلى عيسى من الإنجيل، وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:59]، فأهل الفسق هم الذين يصدر عنهم هذا الخبث في القول والعمل. بعبارة أوضح: لم يبغض اليهود والنصارى المؤمنين؟ ما هي الأسباب والعوامل؟ الجواب: لأنهم على حق، وأنهم أهل الجنة ودار السلام، لأنهم مؤمنون صادقون، معتصمون بحبل الله، لا زنا ولا ربا ولا فسق ولا فجور ولا كذب ولا خيانة، هذا الكمال يبغض اليهود والنصارى المسلمين من أجله، ما تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وما أنزل من قبل، فهل مثل هذا نبغض من أجله؟ ولكن أكثركم فاسقون، تعليل لطيف، الفسقة هم الذين يقولون الباطل، ويرتكبون الآثام والذنوب، ولم يقل: وكلكم فاسقون، قال: (أكثركم فاسقون) تحفظاً، قد يوجد من لا يفسق، ولا يخرج عن طاعة الله.

تفسير قوله تعالى: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه...)
هنا قالوا في صراحة للرسول صلى الله عليه وسلم: لا نعلم ديناً شراً من دينك يا محمد! بهذه الصراحة: لا نعلم ديناً شراً من دينكم أيها المسلمون! لماذا؟ لأنكم تؤمنون بإنجيل عيسى، وعيسى في نظر اليهود ابن زنا وساحر ودجال! لما سمعوا هذه قالوا: يا محمد! لم نر ديناً شراً من دينك. واسمع ماذا قال تعالى لنبيه: قُلْ [المائدة:60] يا رسولنا مرة ثانية: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ [المائدة:60] ؟ تسمحون أن نخبركم بشر مما قلتم؟ هم قالوا: دينك شر الأديان أم لا؟ فتعالوا نخبركم بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ [المائدة:60] أي: جزاء، مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60] هؤلاء شر مما قالوا هم، شر مثوبة وجزاء عند الله يوم القيامة، من هم شر الخلق جزاء ومثوبة يوم القيامة؟ الذين لعنهم الله وغضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وقضية القردة والخنازير كانت على عهد داود عليه السلام، الذين انتهكوا حرمة الدين واصطادوا يوم السبت ونصبوا الشراك بالاحتيال، فأولئك مسخهم الله قردة وخنازير، ولم يلبثوا أكثر من ثلاثة أيام ثم جيفوا وماتوا.فقوله تعالى: قُلْ [المائدة:60] لهم يا رسولنا: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ [المائدة:60] الذي قلتم مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ [المائدة:60] من هو؟ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ [المائدة:60] أولاً، وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60] ثانياً، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ [المائدة:60] ثالثاً، وجعل منهم عبد الطاغوت، والطاغوت هو الشيطان، كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، والذين استجابوا للشيطان ففجروا وعصوا وكفروا هم عبيده وعبدته! قال: أُوْلَئِكَ [المائدة:60] البعداء شَرٌّ مَكَانًا [المائدة:60] يوم القيامة؛ لأن مكانهم دار البوار، جهنم وبئس القرار، وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:60] في هذه الحياة ويوم القيامة.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

معاشر المستمعين! أسمعكم شرح هذه الآيات من الكتاب، لتزدادوا معرفة. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ ما زال السياق في تحذير المؤمنين ] مم؟ [ من موالاة اليهود وأعداء الله ورسوله، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ([المائدة:57] أي: آمنوا بالله رباً وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، ( لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ )[المائدة:57] أي: الإسلام ] اتخذوه [ ( هُزُوًا )[المائدة:57] شيئاً يهزءون به ( وَلَعِبًا )[المائدة:57] أي: شيئاً يعلبون به، ( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )[المائدة:57] يعني: اليهود ( وَالْكُفَّارَ )[المائدة:57] وهم المنافقون والمشركون ( أَوْلِيَاءَ )[المائدة:57] ] أي: لا تتخذوهم أولياء [ أي: أنصاراً وأحلافاً، ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:57] في ذلك، أي: في اتخاذهم أولياء ( إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[المائدة:57] صادقين في إيمانكم، فإن حب الله وحب رسوله والمؤمنين يتنافي معه حب أعداء الله ورسوله والمؤمنين ]، والله العظيم! ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )[الأحزاب:4] يحب بهذا أولياء الله ويحب بهذا أعداء الله، أو يكره بهذا كذا ويحب بهذا كذا، ما هناك إلا قلب واحد.

قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى. أما الثانية: فقد تضمنت إخبار الله تعالى بما يؤكد وجوب معاداة من يتخذ دين المؤمنين هزواً ولعباً، وهم أولئك الذين إذا سمعوا الأذان ينادي للصلاة اتخذوه هزواً ولعباً، فهذا يقول: ما هذا الصوت؟ وآخر يقول: هذا نهيق حمار! قبح الله قولهم وأقمأهم ] وأذلهم، [ فقال تعالى: ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] حقاً إنهم لا يعقلون، فلو كانوا يعقلون الكلام لكان النداء إلى الصلاة من أطيب ما يسمع العقلاء؛ لأنه نداء إلى الطهر والصفاء، وإلى الخير والمحبة، نداء إلى ذكر الله وعبادته، ولكن القوم كما أخبر تعالى عنهم: ( لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] شأنهم شأن البهائم، والبهائم أفضل منهم ]، البهائم أفضل، واسمعوا هذا البيان: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ )[البينة:6]، والبرية: الخليقة، فمن شر الخلق؟ المشركون والكافرون شر من القردة والخنازير والكلاب والضباع والثعالب والحيات وكل الموجودات، أما قال خالقهم: ( شَرُّ الْبَرِيَّةِ )[البينة:6] أم لا؟ أن وإن شئت أن تعرف كيف كانوا شر البرية فاعلم أن الحيوانات كلها ما خرجت عن طاعة ربها، طبعها على شيء تفعله، ما عصت! وهذا الإنسان الذي أعطاه الله الكتاب وبعث إليه الرسول يكفر بخالقه ويسبه وينكره، ويفسق عن أمره ويخرج عن طاعته، هذا شر الخليقة!

والعاقل يتأمل: من شر الخليقة؟ والجواب: الكفار والمشركون، لأن الخليقة كلها منتظمة في سلك ربطها الله به، البقرة تلد وتحلب الحليب ويحرث عليها، والبعير كذلك والشاة وحتى الدجاجة تبيض، ما عصت الله أبداً، بل كما طبعها وخلقها، والإنسان مخلوق لأن يذكر الله ويشكره، علة خلقك أن تذكر الله وتشكره بالعبادة، فإذا أبيت أن تذكره وأعرضت عن عبادته فقد هبطت فأصبحت شر الخليقة، إي والله!
قال: [ ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ )[المائدة:58] ] أي: بسبب أنهم [ ( قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] ]، قلت: [ حقاً إنهم لا يعقلون، فلو كانوا يعقلون الكلام لكان النداء إلى الصلاة من أطيب ما يسمع ] أم لا؟ أم نداء العهر والظلم والشر والفساد؟ إن النداء إلى الصلاة في بيوت الله من أطيب ما يسمع العقلاء؛ [ لأنه نداء ] أولاً [ إلى الطهر والصفاء ] طهر البدن وصفاء الروح، [ وإلى الخير والمحبة والألفة، نداء إلى ذكر الله وعبادته، ولكن القوم كما أخبر تعالى عنهم: ( لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] شأنهم شأن البهائم والبهائم أفضل منهم، هذا ما دلت عليه الآية الثانية ].

أعطيكم عبارة أخرى: بم تحكمون على شخص يشعل النار في القارة الإفريقية كلها؟! كيف تتصورون هذا الشخص؟ ما أحرق قصراً من القصور ولا مدينة من المدن، بل القارة الإفريقية كلها أشعل فيها النار، فكيف تجازونه؟ ماذا تقولون؟ والذي هدم الملكوت كله السماء وما فيها من كواكب، وما فيها من نجوم وسحاب وأمطار، والأرض دمرها، كيف تقولون في هذا الشخص؟ هل هناك شر منه؟
وبيان ذلك: أن الله خلق هذا الكون من أجل أن يعبد فيه، من أجل أن يذكر ويشكر، فالذي ترك عبادة الله وهجرها ونسي ذكر الله وابتعد عنه هو بمثابة من أحرق الكون ودمره، فلهذا يخلد في عذاب بلا نهاية.
قال: [ أما الثالثة: فقد تضمنت تعليم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأولئك اليهود والكفرة الفجرة: يا أهل الكتاب! إنكم بمعاداتكم لنا وحربكم علينا ما تنقمون منا، أي: ما تكرهون منا ولا تعيبون علينا إلا إيماننا بالله وبما أنزل علينا من هذا القرآن الكريم، وبما أنزل من قبل من التوراة والإنجيل، وكون أكثركم فاسقين، فهل مثل هذا ينكر من صاحبه ويعاب عليه؟ اللهم لا، ولكنهم قوم لا يعقلون. هذا معنى قوله تعالى في هذه الآية: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:59].

أما الآية الرابعة في هذا السياق: فقد تضمنت تعليم الله لرسوله كيف يرد على أولئك اليهود إخوان القردة والخنازير قولهم ] لما قالوا: [ لا نعلم ديناً شراً من دينكم، وذلك لأنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: بمن تؤمن؟ فقال: ( أؤمن بالله وبما أنزل إلينا وما أنزل على موسى وما أنزل على عيسى )، فلما قال هذا قالوا: لا نعلم ديناً شراً من دينكم، بغضاً لعيسى عليه السلام وكرهاً له؛ فأنزل الله تعالى: ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً )[المائدة:60] أي: ثواباً وجزاء ( عِنْدَ اللَّهِ )[المائدة:60] إنه ( مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ )[المائدة:60] إذ مسخ طائفة منهم قردة، وأخرى خنازير على عهد داود عليه السلام ] في قرية واحدة أو قريتين.

[ وقوله: ( وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )[المائدة:60] وجعل منهم من عبد الطاغوت وهو الشيطان، وذلك بطاعته والانقياد لما يجلبه عليه ويزينه له من الشر والفساد، إنه أنتم يا معشر يهود، إنكم لشر مكاناً يوم القيامة، وأضل سبيلاً في هذه الحياة الدنيا ].

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #637  
قديم 19-06-2021, 03:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

هداية الآيات
والآن كل آية لها هداية أودعها الله فيها، يهتدي بها عباده المؤمنون، فما الهدايات في هذه الآيات الأربع؟ فيها خمس هدايات.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ أولاً: حرمة اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين أولياء لا سيما أهل الظلم منهم ]. (حرمة) بمعنى: تحريم، بمعنى: محرم اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين أولياء تحبونهم وتنصرونهم، لا سيما أهل الظلم منهم، أما إذا لم يظلموا -كما بينا- فلا تحبهم ولكن لا تؤذهم ولا تضرهم، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51].[ ثانياً: سوء أخلاق اليهود وفساد عقولهم ] وإلى الآن، كيف يسخرون من الأذان؟ يستهزئون بمن يقول: الله أكبر، وحي على الصلاة؟ أي عقل هذا؟! هذا فساد العقول والعياذ بالله، وهو هبوط الأخلاق، لا تسخر من أخيك الإنسان في أي شيء أو تستهزئ به، إن أردت خيراً فانصح له وقل: هذا ما يليق، أما أن تسخر وتستهزئ فهذا ليس من صفات العقلاء أبداً.[ ثالثاً: شعور اليهود وإحساسهم بفسقهم وبعد ضلالهم جعلهم يعملون على إضلال المسلمين ].شعور اليهود وعلمهم بفسقهم، والله إنهم ليعلمون أنهم فاسقون، خارجون عن طاعة الله عز وجل، وطاعة رسله، يشعرون بهذا ويعلمونه، وبعد ضلالهم، ضلالهم ما هو بقريب، الفتن كلها في العالم هم الذين يشعلون نيرانها؛ من أجل هذا يعملون على إضلال المسلمين وإفسادهم؛ حتى يتساووا معهم. وهذا عندنا بين المسلمين، بعض من وقع في الأوساخ بوده أن الناس يفعلون ما يفعل، فاتح مخمرة يفرح إذا فتحت أخرى؛ حتى لا يبقى يلام هو. فاليهود عرفوا هبوطهم وحرمانهم وخسرانهم في الآخرة؛ من أجل هذا يبغضون المسلمين؛ لم؟ يقولون: المسلمون يسعدون ويدخلون الجنة ونحن نشقى وندخل النار! إذاً: نعمل على إفسادهم لنتساوى معهم، فطري هذا في غرائز البشر.[ رابعاً: تقرير وجود مسخ في اليهود قردة وخنازير ]، لو قال المؤرخون: ما وقع هذا، فوالله لا نلتفت إليه ولا نسمعه، وكيف وقد أخبر الله تعالى به، وقد وقع بالله الذي لا إله غيره، ولنقرأ الآية الكريمة: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:163-166]. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65]. الشاهد عندنا أنه قد يقول قائل: لا. ما وقع هذا، فنقول: والله لقد مسخ عدد من اليهود قردة، أي: في أشكال قردة، وعدد في أشكال الخنازير، والقرى كانت تسور بأسوار، فثلاثة أيام ما خرج واحد منهم، أطلوا عليهم فوجدوهم جيفاً على الأرض.[ خامساً: اليهود شر الناس مكاناً يوم القيامة وأضل الناس في هذه الدنيا ]، أضل الناس اليهود، وذلك لعلمهم ومخالفتهم ما علموا عن الله ورسوله.
أعمال الحج في ضوء نسك التمتع
معاشر المستمعين! جولة مع المناسك:عرفتم أننا نحرم من الميقات، ولا يحل لأحد أن يحرم بعد المواقيت، وإن ركب رأسه وفعل فليتب إلى الله وليستغفره، وليكفر عن ذنبه بذبح شاة في مكة والحرم.كيف يحرم؟ كما قلنا: يتجرد ويغتسل ثم يلبس إزاراً ورداء، ويكشف عن رأسه ويلبس نعلين لا حذائين، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك بعد أن يصلي ركعتين أو بعد أن يصلي فريضة إذا أمكن، وإذا ما تأتى وهو على السيارة أو الطيارة فليقل: لبيك اللهم لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة. هذا الذي يريد أن يتمتع، ويمشي يلبي، والتلبية هذه معناها: إجابة أمر الله ودعوته: لبيك اللهم لبيك: إجابة لك بعد إجابة إذ ناديتني ودعوتني لأزور بيتك، فها أنذا قد أجبتك المرة بعد المرة، والذي يظل يلبي يمسي وقد غفر ذنبه كله، وكانوا يقضون من المدينة إلى مكة تسعة أيام أو ثمانية أيام وهم في تلبية ليلاً ونهاراً، الآن ما بقي هذا، وإنما أقصاها أربع ساعات، إذاً: فلا نشتغل بغير التلبية.فإذا وصلت إلى المسجد الحرام فالاضطباع، حين تدخل المسجد اجعل يدك اليمنى فوق ردائك، الإزار ما يؤتزر به النصف الأسفل، والرداء ما يرتديه فوق ظهره، هذا الاضطباع، وسره إظهار القوة وذكرها وعدم نسيانها، فقد حدث أن المشركين قالوا: إذا دخل محمد ورجاله في عمرة القضاء فسننظر: إذا شاهدنا ضعفاً فيهم فسننكب عليهم ونقضي عليهم، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا نادى أصحابه وقال: ( رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة )، فاضطبعوا استعداداً للقتال والمواجهة، وطافوا ثلاثة أشواط هرولة إظهاراً للقوة، وبقيت سنة باقية إلى يوم القيامة، ليست واجبة، سنة من السنن تثاب عليها ولا تعاقب إذا لم تفعلها لعجز أو لظرف من الظروف، أما بعدم مبالاة فهذا كفر، ولن يكون هذا من مؤمن.ثم تتم الأشواط السبعة، فإذا فرغت منها تصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم استجابة لأمر الله في قوله من سورة البقرة: وَاتَّخِذُوا [البقرة:125] بصيغة الأمر: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، وهل قام إبراهيم هناك؟ أي نعم، لما كان إبراهيم عليه السلام يبني الكعبة بأمر الله وامتحان الله للخليل: كيف يبني هذا الرجل بيتاً في صحراء ليس بها أحد؟ ومع هذا نجح إبراهيم وبنى البيت مع إسماعيل، فلما ارتفع البناء احتاج إلى صخرة وحجر يعلو فوقها ليواصلا البناء، إسماعيل يناوله الحجارة وهو فوق، ما هناك خشب ولا أدوات ولا آلات، فلما تم البناء بقي الحجر في مكانه عند الباب، أو بين الحجر والباب، فجاءت العواصف والأمطار والسيول فزحزحته؛ حتى وصل إلى المكان الذي هو فيه الآن، وبقي كذلك، وجاء الإسلام وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأقره في مكانه، واجتمع علماء الإسلام منذ خمس وعشرين سنة واتفقوا ألا يزحزح وأن يبقى في مكانه، قال بعضهم: لو أخرناه إلى الوراء حتى نفسح المجال للطائفين، فقال أولو البصائر: لا، تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا، يجب أن يبقى هنا.الصلاة خلف المقام ما سرها؟ سرها: أن المعروف لا يضيع عند الله، يا عباد الله! اصنعوا المعروف مع ربكم، فإنه لن يضيع معروفكم أبداً، الحسنة يضاعفها لك بعشر، وبسبعمائة، هذا الحجر نصلي دونه ونركع ونسجد على الأرض أمامه، لم؟ لأنه قدم خدمة لبيت الله عز وجل، أما استعان به إبراهيم على إتمام البناء؟ وكان يعلو فوقه أم لا؟ إذاً: فعرف الله لك ذلك فشرع الصلاة خلفه: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، الصلاة لله، وللحجر اعتراف بالفضل، هذا الحجر قدم لله خيراً، فعرف الله له ذلك، ولا يقول قائل: إذاً: نحن نسجد لحجر! فالجواب: لا، ونظيره آدم عليه السلام حيث أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد له، فالسجود من أمر به؟ من أطيع؟ الذي أطيع هو المعبود، وما آدم إلا من باب الاحتفاء به وإكرامه، كذلك الحجر في مقام إبراهيم: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، نصلي ركعتين، والسنة أن تقرأ في الأولى بالفاتحة وقل يا أيها الكافرون، وتقرأ في الركعة الثانية بالفاتحة وقل هو الله أحد إن كنت تحفظ، وإن لم تحفظ فعوضك الله الأجر، ويجب من الليلة أن تحفظ هاتين السورتين.الناس حفظوا الأغاني بالمئات، فإذا صليت ركعتين وأنت محرم بعمرة؛ لأنك ما تستطيع أن تفرد الحج وتأتي بعمرة أخرى، ولا تستطيع القران فيكون قرانك أفضل، أنت متمتع، فاذهب إلى الصفا والمروة، وإذا انتقض وضوؤك فيجوز أن تسعى وأنت على غير وضوء، ولا حرج، وابدأ بالصفا كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بما بدأ الله به. وقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] )، ارق الصفا، وهو الآن ممهد مبيض مزين، ما فيه خشونة ولا حجارة، ثم استقبل الكعبة وقل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ثلاثاً، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ثلاث مرات ثم انزل، وتسعى عندما تصل إلى الميل الأخضر، عمود كهرباء أخضر، إذا وصلت إلى ذلك المكان فأسرع وخب في بطن الوادي، والخب: السرعة في المشي، حتى تنتهي إلى الميل المقابل، هذا المكان كان وادياً منهبطاً، وهاجر عليها السلام أم إسماعيل جد الحبيب صلى الله عليه وسلم لما فقدت الماء وخافت موت ولدها إسماعيل من العطش نظرت إلى أقرب مكان عال فوجدته الصفا؛ لأن ولدها عند البيت في مكان زمزم الآن، وهو يتلوى من شدة العطش، فطلعت الجبل فما رأت شيئاً، فرأت جبلاً أمامها وهو المروة فهبطت، لما وصلت إلى الوادي أسرعت حتى تخرج منه، فلما خرجت منه مشت كالعادة، ووصلت إلى المروة ورقتها، وعلت فوقها ونظرت، سبع مرات، وإذا بهاتف يهتف وهي تقول: أسمعت أسمعت، هل من غياث؟ وإذا بجبريل واقفاً على رأس إسماعيل في صورة إنسان من كرام الناس وأفاضلهم، ما إن قربت منه حتى قال بعقبه هكذا وضرب به الأرض فصارت زمزم، فأخذت تزمها حتى لا تذهب في الصحراء، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله أم إسماعيل، لو تركتها لكانت عيناً معيناً ) تسيل أبداً، لكن زمتها، وتعرفون الزمام للفرس، أي: جمعتها.إذاً: إذا وصلت إلى المروة فاستقبل البيت وهلل وكبر كما تقدم وانزل تمشي، وصلت إلى الوادي بين الميلين فأسرع وهكذا سبعة أشواط، وأنت تذكر الله، لا تضحك ولا تعبث ولا تله ولا تنظر إلى النساء، أنت مشغول بذكر الله، فرغت من الأشواط السبعة فتنتهي بالمروة، تبتدئ بالصفا وتنتهي بالمروة.الآن يا معتمر بقي عليك واجب من الواجبات، ألا وهو التقصير من شعرك أو الحلق، قصر من شعرك ولا تعط رأسك لأولئك الأطفال والغلمان يعبثون بشعرك، امش إلى الحلاق وقص من شعرك؛ لأنك تحلق بعد أسبوع أو بعد أيام في الحج، وإن حلقت فما عندنا مانع، أما رحم الله المحلقين؟ لكن في حج أو عمرة بدون حج الحلق أفضل من القص؛ لأن الرسول دعا للمحلقين ثلاث مرات، وللمقصرين مرة واحدة.إذاً: حفاظاً على باقي الشعر لا بأس، قص من شعرك، فإذا فرغت منه فالبس ملابسك وتمتع بزوجتك، وتمتع بكلامك معها بكل حلال، لأنك تمتعت، وابق في مكة تنتظر اليوم الثامن الذي بعده عرفة، فإذا كان اليوم الثامن فاغتسل وتجرد ولب: لبيك اللهم لبيك حجاً لا رياء فيه ولا سمعة، وامش إلى منى لتصلها قبل صلاة الظهر، فتصلي بها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وتبيت بها، وتصلي الصبح، ثم تخرج إلى عرفات، هذا عمل المتمتع، ويجب عليه يوم العيد أو بعده بيومين أو ثلاثة أن يذبح شاة مقابل أنه تمتع بلبس ثيابه وتغطية رأسه، ولبس حذائه والتمتع بامرأته، أعطنا مقابل ذلك ذبح شاة، أو سبعة يشتركون في بقرة أو في بعير، وإن لم يستطع صام ثلاثة أيام في مكة، قد يصومها أيام التشريق، لكن ما بعدها صيام، فليعزم على صومها قبل الوقوف بعرفة، فإن نسي أو عجز يصوم ثلاثة أيام التشريق، فإن لم يصمها تعين الذبح، ويصوم السبعة إذا رجع.إذاً: هذا هو المتمتع، تقبل الله منا ومنهم، ونواصل حديثنا غداً إن شاء الله مع القارن.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #638  
قديم 19-06-2021, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (22)
الحلقة (332)
تفسير سورة المائدة (29)



اليهود هم شر خلق الله، ومثال حي على الكذب والنفاق والمخاتلة، وقد بين الله عز وجل حالهم لنبيه وللمؤمنين، فهم يدخلون على المؤمنين مسجدهم وهم كفار، ويخرجون من عندهم وهم كما هم لم تنفعهم موعظة، ولم يستجيبوا لدعوة، وما ذاك إلا لمسارعتهم في الإثم وإحجامهم عن البر ومواطنه، واستحلالهم لأكل أموال الناس بالباطل، واستحلالهم للربا وقد نهوا عنه، لبئس ما كانوا يصنعون.
تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه وأبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث، وهيا نتغنى بتلاوتها قبل الشروع في تدارسها ودراستها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ * وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:61-63].ثلاث آيات، ولو أن أهل القرية يجتمعون في مسجدهم الجامع كل ليلة كاجتماعنا هذا يحفظون الآية والآيتين والثلاث، ويفهمون معانيها، ويطبقون هدى الله فيها، سلوني: بعد عام واحد كيف يصبح أهل القرية؟ كأنهم أنوار من السماء في الأرض، كالملائكة، لا خبث ولا ظلم ولا شر، ولا فساد ولا كبر ولا عناد، ولا شرك ولا باطل ولا بدع، ولكن حرمنا أنفسنا، وما ظلمنا أحد، ولكنا كنا الظالمين، هجرنا كتاب الله، وتجاهلناه، وأصبحنا نقرؤه على الموتى يا للعجب! هذه ثلاث آيات، كم في القرآن من آية؟ ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإن شئتم أقسمت لكم بالله، أما سماها الله آية؟ علامة تدل على أي شيء؟ إذ الآية: العلامة، تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.وبيان ذلك: أن هذه الآية من أنزلها؟ من ادعى أنها من عنده، أو أن أباه أو أخاه قدمها له؟ طأطأت الدنيا رأسها، وسلمت الأمر لله، وأنها هذا من كلام الله؟ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] إذاً: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].الآية: العلامة، كل آية علامة على وجود الله المنزل الموحي بها، وعلى علمه وقدرته وجبروته، وصادقة وشاهدة على أن من نزلت عليه مستحيل أن يكون غير رسول الله ونبي الله، ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية كل آية تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والبشرية منتكسة، لا تسمع ولا تبصر ولا تعي، ولا تفهم، وتكفر بالقرآن كاملاً.
إيغال اليهود في الكفر ونفاقهم في مجالس المسلمين

تقدم في السياق الكريم أن اليهود والمنافقين في المدينة أيام نزول الوحي والرسول بين المؤمنين كانوا يسخرون من كلمة الأذان: حي على الصلاة، ويستهزئون، وبين تعالى لرسوله عيوبهم ومخازيهم فيما سبق، وأضاف إلى ذلك هذه الآيات وما بعدها، اسمع ماذا قال: ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ )[المائدة:61] من هؤلاء الذين يجيئوننا؟ منافقو اليهود؛ لأن اليهود نافق بعضهم على علم، حتى يطلع على أسرار الرسول ودولته، وحتى ينفث وينفخ الباطل في صدور أتباعه وبني عمه وجلدته، ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ )[المائدة:61] أيها المؤمنون ( قَالُوا آمَنَّا )[المائدة:61] بما أنزل الله في التوراة والإنجيل والقرآن، ( آمَنَّا )[المائدة:61] بما أنزل الله وبك رسولاً من الله عز وجل، هكذا يصرحون، وفي آية أخرى يقولون: آمنوا أول النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون! وهذا من مكر اليهود وخداعهم، يدخل في الصباح فيقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، آمنا بالله، ويصلي مع رسول الله الظهر والعصر، ويذهب إلى قريته أو حيه في العشي فيكفر؛ لم؟ علمه الرؤساء، يقولون: اذهبوا فقولوا: آمنا، وفي المساء اكفروا. لماذا كفرتم؟ يقولون: بالتأمل والتدبر وجدنا هذا الدين باطلاً، ولا قيمة له عند الله ولا وزن؛ فلهذا تركناه! هذه الأساليب موجودة إلى الآن ولها أسواقها ولها أعلامها. (وَإِذَا جَاءُوكُمْ )[المائدة:61] يا رسولنا ويا أيها المؤمنون من عبادنا ( قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ )[المائدة:61]، من أخبر بهذا؟ الله عز وجل، الله علام الغيوب، فهو يخبر ويقول: جاءوكم وقلوبهم كافرة، ما هم بمؤمنين، فالنفاق يتطلب هذا؛ حتى يأمنوا فلا تقطع رءوسهم ولا تسلب أموالهم ونساؤهم.

حلم اليهود بقيام مملكة إسرائيل
يقولون: آمنا وقد دخلوا بالكفر يحملونه كما هو، الكفر بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بالقرآن الكريم، بأحكام الله وشرائعه، ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ )[المائدة:61] يا للعجب! لأن المفروض أنه إذا جاء المنافق غير المؤمن يتجسس وينزل إلى الرسول ويسمع فقد يتأثر، فإنه -والله- كان الرجل يجيء ليقتل محمداً صلى الله عليه وسلم وهو مخبئ سلاحه، ما إن يسمع كلام الحق والنور الإلهي حتى ينهار ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، لكن هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله كما يدخلون كافرين يخرجون كذلك! ما ينتفعون أبداً بما يسمعون؛ لأن لهم هدفاً ينبغي أن يحققوه، ألا وهو إعادة مملكة بني إسرائيل، فضحوا بأعراضهم بأموالهم بدينهم بعقيدتهم من أجل هذا الهدف! ووالله! إنهم إلى الساعة هذه يعملون على تحقيقه، وما حرمهم من الإسلام والدخول في أنواره إلا هذه الفتنة القلبية، وهل تشكون في هذا؟! هل كونوا دولة إسرائيل في عقر دارنا أم لا؟ في قلب بلادنا، وما زالوا يطلقون عليها: دولة إسرائيل، وحين يحكمون الشرق الأوسط ويضعون أرجلهم على العالم أو نصفه يعلنون عن مملكة بني إسرائيل، والله يعلم كم بيَّنا هذا في عشرات السنين، فهم الذين قالوا في تعاليمهم وتدابيرهم اليهودية: ابقر بطن العالم وأخرج مصرانه واخنق به الملك، وبهذا نستطيع أن نحكم، فبغضوا كلمة ملك إلى العالم، وهي والله من صنعهم، وعاش المسلمون يكرهون كلمة ملك! والله لقد رأيتهم وهم يتقززون من كلمة ملك هذه، ووالله إن اليهود هم الذين نشروا هذه، ولماذا؟ لأن الخوف يأتيهم من العلماء ومن الملوك، الملك يستحي أن يبول قائماً، الملك يستحي أن يقول الباطل أو الكفر في أمة مؤمنة، بخلاف رئيس حكومة ورئيس جمهورية لعام وعامين ويرحل. إذاً: كيف نشروا البلشفية الحمراء في عقر عواصم المسيحية في العالم؟ بأية واسطة أصبح ثلاثة أرباع الأوروبيين علمانيين بلاشفة حمراً؟ كيف توصلوا إلى هذا؟ إنها صنائع الذين يخبر القرآن عنهم ويكشف عن حالهم؛ لأن بوجود مسيحية متصلبة ما ينفتح المجال لليهود وهم حفنة من البشر، وجود إسلام بأنواره وحكمه العام لا يمكن أن تظهر دولة إسرائيل، فضربوا الإسلام ومزقوه وشتتوه، وحولوه إلى ضروب من الوثنيات أيضاً، ومزقوه، والصليبية وضعوا أقدامهم عليها، فهم قريبون، وإليكم برهان هذه القضية.
أيام موشي ديان كان الرئيس في البرلمان، فخطب وصال وجال، حدثني شاب استشهد في الأفغان بأذنه سمع إذاعة إسرائيل، قال: لما بهرهم بخطابه قالوا: أنت الملك، أنت الملك، أنت الملك. قال: اسكتوا، ما زال الوقت! لما أعجبوا به وبهرهم وذكر لهم أعماله وما فعل قالوا: أنت الملك، قالوا: اسكتوا لم يحن الوقت بعد!
إذاً: فهمتم كيف يفقهون كلمة ملك أم لا؟ أسألكم بالله: ألم تكونوا قبل أعوام تكرهون كلمة ملك؟ بدليل أنه يستقل القطر الإسلامي فما يجعل لهم ملك، أما ذبحوا الملوك؟ أما طردوهم؟ أين ملوك العراق ومصر والشام؟ حتى ملك ليبيا أيضاً، حتى سلطان وملك تونس، أمر واضح، والشاهد عندنا: أن الله يكشف عن خبايا اليهود ونحن لا نعرف هذا ولا نعي؛ لأننا ما نقرأ القرآن على الأحياء، بل نقرؤه على الموتى.
(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا )[المائدة:61] والحال أنهم قد دخلوا بالكفر في قلوبهم، يعلنون عن الإيمان نفاقاً ليتحسسوا ما عندكم، وهم قد خرجوا به أيضاً، المفروض أن الشخص وإن كان كافراً إذا جلس بين يدي رباني يتكلم باسم الله، ينطق بالحق وبراهينه؛ المتوقع أن ينعكس وضعه ويؤمن، أليس كذلك؟ هذا الواقع؟ كان الأعرابي يأتي بسلاحه ليغتال رسول الله في المسجد، ما إن يسمع كلام الله حتى ينهار ويؤمن، وهؤلاء قال تعالى عنهم: ( وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ )[المائدة:61] دخلوا بالكفر في قلوبهم ما نقص، ولا تخلوا عنه ولا تأثروا بجلوسهم يوماً أو ساعات مع رسول الله، بل يخرجون بكفرهم، سبحان الله!
معنى قوله تعالى: (والله أعلم بما كانوا يكتمون)
وأخرى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ [المائدة:61] من المكر والكيد والغش والخداع والكذب، والبغض لك يا رسولنا ولأصحابك والمؤمنين، وإلى الآن الله أعلم بما يكتمون، الآن لا يصرحون لضعفهم؛ لكن الله أعلم بما كانوا يكتمون. اسمع قوله تعالى: وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ [المائدة:61] دخلوا عليكم في مسجدكم وبيوتكم، وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ [المائدة:61] ما نقص، بل كما هو، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ [المائدة:61]، ما الذي يكتمونه في قلوبهم؟ الغل، الغش، والمكر والخداع، يتمنون لو أزهقوا أرواحهم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #639  
قديم 19-06-2021, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت...)
الآية الثانية: وَتَرَى [المائدة:62] يا رسولنا، وَتَرَى [المائدة:62] أيها المؤمن الواعي البصير كَثِيرًا مِنْهُمْ [المائدة:62] بالآلاف يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ [المائدة:62] ما قال: يسارعون إلى الإثم فيكونوا خارجين عنه، وهم يسارعون إليه ليدخلوا فيه، بل ما خرجوا من الإثم، مغموسون فيه من أخماص أقدامهم إلى رءوسهم، والله ما خرجوا، ويسارعون في فعله، والإثم: كل معصية تقبح النفس وتلوثها، كالكذب، كالخيانة، كالغش، كالخداع، كالكفر، كالسب، كل ما هو إثم، يسارعون في الإثم، ما خرجوا من دائرته، يعملون الليل والنهار على السب والشتم والطعن في الإسلام ورجاله. يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:62]، العدوان غير الإثم، العدوان: الظلم، لا أظلم من اليهود، الظلم الاعتداء على الغير بأكل ماله بسبه بشتمه بالتعريض وهكذا، هذا هو الظلم، فكم من يهودي يسمع الإسلام فينهار ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ من يخبر بهذه الأخبار؟ إنه الله تعالى. وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:62] ويسارعون أيضاً في أكلهم السحت، هم يأكلونه، ولكن المسارعة، والسحت: هو الرشوة والربا، وكل مال حرام يسحت البركة ويبطلها، وإلى الآن يعيشون على الربا أم لا؟ من أنشأ البنوك الربوية العالمية؟ هل عيسى بن مريم؟ هل هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله إنهم اليهود، وكيف إذاً اتبعهم النصارى والمسلمون وهم يعلمون أن هذا حرام؟ اتبعوهم لما سحروهم، وانتزعوا النور الإلهي من صدورهم وقلوبهم، فعموا وأصبحوا كالبهائم، حينئذ يسوقونهم كما شاءوا. ثم ختم تعالى هذه الجملة بقوله: لَبِئْسَ [المائدة:62] والله لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة:62] أعمالهم منتنة خبيثة، سيئة قبيحة والعياذ بالله تعالى. أعيد الآية الثانية هذه، فاسمع: وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:62]، ماذا قال تعالى في آخر الكلام؟ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة:62] قبح هذا العمل، واللام فيها معنى القسم، وعزتي وجلالي لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة:62] نعم، فالذي يعيش في الإثم ما يخرج منه، وفي أكل الربا والسحت ما يخرج منه، وفي الظلم للخلق ما يخرج منه كيف حاله؟ بئست حاله. فهل هذا عمل ميمون مبارك؟ لبئس هذا العمل.

تفسير قوله تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ...)
الآية الثالثة: يقول تعالى: لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ [المائدة:63]، الربانيون: جمع رباني، ويطلق الرباني على عالم النصارى (القسيس)، والأحبار: جمع حبر، ويطلق على عالم اليهود، هذه قاعدة عامة، وهنا أطلق لفظ الربانيين والأحبار على اليهود، ليس هناك نكارة في السياق. والربانيون: الذين يجمعون الناس ويعلمونهم دينهم، ويربونهم على الآداب والأخلاق والفضائل بحسب دينهم، هذا هو المربي، والجمع ربانيون.والأحبار: أصحاب العلم والمعرفة، إذاً: في أهل الكتاب من اليهود ربانيون وأحبار، أي: علماء بالشريعة.يقول تعالى: لَوْلا [المائدة:63] هلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:63] ؟ لم لا ينهونهم؟ هذه الآية يقول فيها ابن عباس الحبر رضي الله عنه: أشد آية في كتاب الله علينا هي هذه: لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:63]. إذاً: نحن ما عندنا ربانيون، لكن كان عندنا رجال التصوف والطرق، الصوفية، كانوا يربون ونفع الله تعالى بتربيتهم، يجمعون الجهال في القرى في الجبال وهم تائهون لا يعرفون شيئاً، ويعلمونهم الوضوء والصلاة وذكر الله، وتظهر آثار ذلك فيمن يربونهم، لكن لكونهم جهالاً لا يعلمون دين الله ولا يعرفون يخطئون في تربيتهم، فيفسدون على العوام عقائدهم، ويورثون فيهم الشرك بكله.إذاً: نفعوا من جهة وأضروا من جهات أخرى؛ لأن غير العالم بالكتاب والسنة لا حق له في أن يربي حتى يكون ربانياً، عالماً بكتاب الله وسنة رسوله، هذا إذا جمع أهل القرية ورباهم هو الرباني، هذا الرباني من حقه ألا يرى من يأتي منكراً في قريته ويسكت عنه، لا يرى من يرتكب إثماً ويرضى به ويسكت عنه، لا يرضى بمن يأكل رشوة أو سحتاً أو ربا ثم يضحك معه ويسكت، هذا رباني العالم. لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ [المائدة:63] السب والشتم والتعيير والتقبيح، لا إله إلا الله!
دولة الملك عبد العزيز أنموذج قيام الربانيين بدورهم

ودعونا من اليهود الآن، نحن مع عالمنا الإسلامي، والله! إنه ليعيش إخواننا المسلمون على السب والشتم حتى التكفير أيضاً! أحلف لكم بالله، مجتمعنا الإسلامي منذ سبعة قرون أو ثمانية منذ القرن الثامن وهذا ظاهر. وأقرب دليل: لم استعمرتنا أوروبا؟ لما هبطنا، إذاً: هذا سبب استعمار الغرب لنا؟ وها نحن قد استقللنا وأصبحت السلطة لنا، فلم لا نتحد في هذه المسجد وتكون دولتنا واحدة، ولعل الحاضرين بينهم سياسيون، فمرحباً بهم نتكلم معهم بصراحة ووضوح، والله! لو كنا مستقيمين على منهج الحق مؤمنين في صدق لكانت دولتنا واحدة، إذ لا يحل الخلاف والفرقة؛ لأن الخلاف والفرقة معناهما: أننا نقدم أنفسنا للعدو فمتى شاء أن يركبنا ركب علينا.
وعندي برهنة أخرى قديمة أكررها: جاء الله عز وجل بدولة عبد العزيز ، من عبد العزيز هذا؟ ما هو بعالم نحرير ولا فليسوف ولا شيخ طريقة، جاء الله به وكان لاجئاً في الكويت وأسس دولة القرآن في الرياض وبدأت أنوارها تلوح، فماذا فعل؟ هذا الذي أنا أقوله وأكتبه في الرسائل والكتب طبقه عبد العزيز : أهل القرية لا يتخلف أحد منهم عن الصلاة في الصبح ولا العشاء ولا المغرب، ويتعلمون الكتاب والسنة شفوياً ولا يتخلف أحد، فكانوا أميين لاصقين بالأرض لا يقرءون ولا يكتبون، وإذا بهم موحدين فقهاء يشعرون بالرغبة في أن يتعلموا عن الله.
وأقامة الدولة القرآنية على ثلاثة أسس وضعها الله عز وجل لتوضع عليها أو تتكون عليها الدولة، وهي:
أولاً: إقامة الصلاة.

ثانياً: إيتاء الزكاة.
ثالثاً: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ما ترك قرية إلا وكون فيها لجنة من ثلاثة أنفار أو أربعة مهمتهم أنهم يأمرون المعروف وينهون عن المنكر، ما يرون معروفاً متروكاً إلا طالبوا بالقيام به، ولا يرون منكراً مرتكباً إلا صاحوا في وجه صاحبه.
إذاً: فكانت الدولة أقامها على أسس، قال الله تعالى: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ )[الحج:41]، أي: حكموا وسادوا بعد أن لم يكونوا حكاماً ولا سادة، ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ )[الحج:41]، ماذا فعلوا؟ ( أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ )[الحج:41].

ما الذي حصل في هذه الديار بعدما كانت مظاهر الوثنية الصارخة تشاهدها في عبادة غير الله، أما الجرائم وسفك الدماء فلا تسأل، والله! إن كانوا ليأخذون باب المدني ويبيعونه في السوق ولا يتكلم!
وسادها أمن وطهر لم تكتحل عينها به إلا أيام دولة الخلفاء الراشدين، أقسم بالله، في هذا الوقت بالذات نسمع نحن أطفالاً وكباراً وصغاراً فلا تجد مؤمناً عربياً ولا مسلماً يمدح هذه الدولة أو يذكرها بخير، إلا الطعن والتكفير، حتى نحرم هداية الله، فلا إله إلا الله!
والذي أقوله وسقت الحديث من أجله: ما دام أنه تجلت حقيقة نعمة الإسلام في هذه الديار الصحراوية الجافة وسادها الطهر والصفاء والأمن والعدل، يجب أن نقتدي بها وإن كنا لا نحبها، لكن ننتفع بها، فكان المفروض أن الذي جاء بهذه الدولة وهو الذي حرر العالم الإسلامي دولة بعد دولة، كان الواجب -وسوف تعرفون هذا يوم القيامة- أنه إذا استقل الإقليم الفلاني يجيء وفده من علماء وكبراء ومشايخ ويقولون: يا عبد العزيز ! استقل هذا الإقليم من بريطانيا أو فرنسا أو أسبانيا، فابعث قضاة وابعث آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، ويصبح بعد ذلك قطعة من دولة القرآن، استقل الإقليم الثاني بعد أسبوع أو بعد عامين أو بعد عشرة فيأتي رجاله: ابعث قضاة يطبقون شرع الله، وهكذا يتم تحرير البلاد الإسلامية وهي دولة واحدة، وما يكلفهم شيئاً.
لكن لما كنا كما ذكرنا ما نريد أن يسودنا آخر أو يحكمنا آخر أو نعطي مالنا لآخر، ما هناك إلا الطعن والسب والشتم، وها نحن لاصقون بالأرض وتحت النظارة، والله! إن لم يتدارك الله المسلمين برحمته لنزل بهم من البلاء ما لم ينزل قبل، إما أن يرجعوا إلى الله، وإما أن تنزل النكبات والمصائب والويلات.

سبيل الخلاص من فتنة الفرقة والجهل والفسق

والشاهد عندنا: ( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ )[المائدة:63]، أين علماؤنا نحن؟ وأين مربونا؟ هيا نخرج من هذه المحنة، نخرج من هذه الفتنة، فماذا نصنع؟ علماء القرية وعلماء الحي يطالبون إخوانهم بإلحاح أن يجتمعوا بهم في المسجد، يصلون المغرب كما صلينا ويجلسون كما نجلس، وليلة يتعلمون آية من كتاب الله يحفظونها، ويفهمون مراد الله منها، ويعملون ويطبقون، وليلة أخرى يتعلمون حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا طول العام بل طول العمر، هل يبقى بين المسلمين جاهل أو جاهلة؟ الجواب: لا، وإذا انتفى الجهل ينتفي الفسق معه أم لا؟ إي والله، لا أفسق من جاهل قط، ولا أخشى لله من عالم قط، وبذلك تشعر الأمة الإسلامية أن أمرها واحد وإن تفرقت ديارها، الكل يحب بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً؛ لأن المذهب أصبح مذهباً واحداً، لا حنفي ولا شافعي ولا إباضي ولا زيدي ولا خارجي، بل مسلمون على كتاب الله، الصلاة تقام، والزكاة تجبى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائم بينهم، أصبحوا أمة واحدة، فمن يقوم بهذه المهمة؟

قال تعالى: ( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ )[المائدة:63]، ووالله! إن الإثم بلغ منتهاه في عالمنا الإسلامي، أنواعه وضروبه لا حد لها، والسحت كذلك، أصبح الربا شائعاً في العالم الإسلامي، من يقوم بهذا الإصلاح؟ العلماء والمشايخ الربانيون، ماذا يصنعون؟ هل يعلنون الجهاد وتكفير الحكام؟ لا والله ليس هذا، فقط يعلمون إخوانهم في قراهم ومدنهم أنهم خرجوا عن الطريق، أنهم فقدوا ولاية الله، فهيا بنا نطلبها لنظفر بها، نحقق إيماننا وتقوانا لله، فتثبت لنا ولاية الله، والطريق هو أن يجتمع المؤمنون والمؤمنات في بيوت ربهم في مدنهم في قراهم كل ليلة طول الحياة يتعلمون الهدى ويعملون به، فيسمون حتى يصبحون أشباه الملائكة، ويومها والله ليسودن العالم، ويخضع الله لهم البشرية، فمن يقوم بهذا الواجب؟ العلماء والمربون.

معنى قوله تعالى: (لبئس ما كانوا يصنعون)
لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:63]، قبح صنعهم وما كانوا يأتونه، هذه كانت حال اليهود، وارتفع العالم الإسلامي وأنار الوجود فمكروا به وكادوا له وتعاونوا مع المجوس والنصارى فهبط العالم الإسلامي كما تشاهدون نقمتهم منا، والله فضحهم وبين لنا حالهم؛ حتى لا نودهم ولا نحبهم ولا نتعاون معهم، وإذا بنا قد نسينا هذا كله وإلى الله المشتكى.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #640  
قديم 19-06-2021, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,604
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (23)
الحلقة (333)
تفسير سورة المائدة (3)


أحل الله عز وجل لعباده بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، إلا أنه حرمها عليهم في بعض أحوالها؛ وهي الميتة، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما أدرك منها حياً وتمت تذكيته، كما حرم منها ما ذبح وفق طقوس وشرائع الكفار، وحرم إضافة إلى ذلك الدم المسفوح ولحم الخنزير، واستثنى سبحانه وتعالى من احتاج لشيء من ذلك في شدة الجوع والهلكة أن يأكل منه على قدر حاجته ولا يزيد.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
مجمل الأحكام الواردة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ...)

وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ودرسنا منها آيتين يوم أمس، ومجمل ما احتوت عليه الآيتان من أحكام شرعية: أولاً: وجوب الوفاء بالعهود والعقود، عقود إيجار أو بيع أو شراء، أو عقود نكاح؛ إذ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1].

ثانياً: إعلان الله تعالى لنا عن حله لنا بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، هذه منته وعطيته فله الحمد وله الشكر؛ إذ قال تعالى: ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )[المائدة:1]، ثم استثنى عز وجل عشراً من المحرمات فقال: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، وهو موضوع درسنا اليوم: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] إلى آخر ما جاء في تلك الآية.

ثالثا: تحريم الصيد على المحرم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، فأعلمنا أنه لا يحل لمحرم أن يصيد وهو محرم ولو كان خارج المملكة، أحرم في القدس أو في غيرها بحج أو عمرة فبمجرد أن يقول: لبيك اللهم لبيك يحرم عليه أن يصيد، سواء الغزلان، الأرانب، الطير وكل صيد، اللهم إلا صيد البحر، إذا أحرم في السفينة ورأى أن يلقي بشبكته في البحر ليصيد فله ذلك، أذن الله فيه، أما صيد البر فحتى الأرانب واليرابيع لا يحل له أن يصيدها؛ إذ قال تعالى: ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ )[المائدة:1] لا تحلوا الصيد فإنه حرام، ( وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، هذه الجملة حالية: والحال أنكم محرمون، و(حرم) بمعنى محرمين، أنت حرام وهؤلاء حرم.

رابعاً: ثم أعلمنا أن له الحق في أن يحل أو يحرم، لا أحد له في ذلك حق، هو الخالق وهو المالك وهو العليم بما يحتاج إليه خلقه، وبما ينفع ويضر، أما غيره فكيف يحل أو يحرم؟ إياك أن تعترض على الله فإنه الكفر؛ إذ قال: ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1] إن الله يحكم ما يريد أن يحكم، وليس لغير الله ذلك، لماذا؟

أولاً: لأنه الجبار القهار بيده كل شيء.
ثانياً: لأنه المالك، والمالك يأذن ولا يأذن بما يريد.
ثالثاً: أنه عليم بمنافع الناس ومضارهم، حكيم لا يضع الشيء إلا في موضعه.

تحريم استحلال شعائر الله والشهر الحرام والهدي والقلائد وبيان ما نسخ من ذلك

ثم جاء النداء الثاني: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، حرام على مؤمن أو مؤمنة أن يحل شعيرة من شعائر الله، إن كانت واجبة لا يحل أن يتركها أو يأذن بتركها، وإن كانت محرمة لا يحل أن يفعلها أو يأذن في فعلها؛ إذ كل العبادات علامات على عبادة الله عز وجل.وقوله: ( وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:2] هذا منسوخ، أذن الله لأمة رسوله أن يقاتلوا أعداءهم في الشهر الحرام إذا قاتلوهم فقال: ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )[البقرة:194]، لكن في الجاهلية قبل ألا تكون دولة للإسلام والمسلمين كانوا يحترمون الأشهر الحرم الأربعة، ليتم فيها هدنة عالمية لا يعتدي فيها أحد على أحد.

(وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ )[المائدة:2]، ما زلنا نهدي إذا استطعنا أن نهدي، أنت في المدينة تشتري بقرة أو تشتري بعيراً وتجرحه من جهة اليمين في سنامه، وتلطخه بالدم وتبعث به إلى مكة ليؤكل في الحرم، والقلائد مثل الكبش تقلده قلادة وتقول: هذا مهدى إلى الله إلى الحرم، فلا يعترضه أحد.

وكان المشركون يحترمون الهدي والقلائد، لا إيمان بالله ولا بلقائه، بل جهل وكفر، ومع هذا من تدبير الله لسكان حرمه وحماة بيته أن ألقى في قلوب العرب في أطراف الجزيرة وفي داخلها أن من قلد هدياً لا يؤذى أبداً ولا يمس بسوء، بل إذا أخذ أحد قشرة من لحاء شجر الحرم وعلقها فإنه يمشي إلى ما وراء البحرين ولا يخاف أحداً، إذ يقال: هذا كان في الحرم، ويسوق قطيع الغنم أو قطيع البقر والإبل فمتى قلدت الغنم أو أشعرت الإبل فإن أعداءه لا يلتفتون إليها، بل يمر الرجل بقاتل أبيه فلا يعرض له، وهل هناك أكبر من قتل أبيه؟ إذا وجده في الحرم أو في الشهر الحرام يلوي رأسه ولا ينظر إليه، واقرءوا في آخر هذه السورة المدنية المباركة: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ )[المائدة:97] فمعايشهم عليها بسببها وبسبب الهدي والقلائد، وهذا تدبير الله، ولما جاء الإسلام ولاحت أنواره، وارتفعت رايته، وكان العدل وكان الحكم بشرع الله نسخ الله هذا.


تحريم اعتراض قاصدي البيت الحرام ونسخ ذلك في حق المشركين

كذلك عرفنا أن الذين كانوا يؤمون البيت الحرام من أطراف الجزيرة لا يعترض عليهم، يتركون: ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا )[المائدة:2]، ولهذا هذا فنحن لا نؤذي مشركاً أو كافراً، ولكن لا يحل لنا أن نسمح لكافر أو مشرك أن يدخل الحرم، يقول: أنا قاصد بيت الله! نقول: لا يحل لك أن تدخلها وأنت نجس مشرك؛ لأن الله قال في سورة التوبة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )[التوبة:28]. هذه الآية تقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، لا تحل أذيتهم ومنعهم من دخول مكة، ( يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ) هذا الجزء من هذه الآية منسوخ، فلا يحل لكافر أن يدخل الحرم، لا يحل لمشرك أن يدخل الحرم، ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، هذا قبل قيام دولة الإسلام، ( يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ )[المائدة:2] التجارة، يأتون حجاجاً وعماراً ويتجرون: يشترون البضائع ويبيعون، ويبتغون رضواناً من ربهم، كانوا يدعون الله ليحفظهم في أموالهم وأبدانهم.


الإذن بالصيد بعد الفراغ من الإحرام

ثم جاء الإذن بالصيد إذا حللنا من الإحرام، فقال تعالى: ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا )[المائدة:2]، إذا حللتم من الإحرام، فإذا انتهت عمرتك أو حجك وتحللت فاصطد، لكن أين تصيد؟ هل في داخل الحرم؟ الجواب: لا. لا يحل صيد الحرم إلى يوم القيامة، وأرض الحرم معروفة، الرسول الكريم يقول: ( إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم المدينة )، ويقول: ( المدينة حرام من عير إلى ثور )، وثور جبيل صغير وراء أحد من الجهة الشمالية الشرقية، وعير: جبل في جنوب غرب المدينة. فالمدينة هذه حرام لا يصاد صيدها ولا يقتل، ومكة حدودها بينها جبريل لإبراهيم عليهما السلام، كان جبريل يمشي مع إبراهيم ويقول له: ضع علامة هنا، من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأقرب حل إلى مكة هو جبل التنعيم الذي هو ميقات من أراد أن يحرم بعمرة.


النهي عن العدوان على من صد المسلمين عن البيت وهو في الحرم

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ )[المائدة:2] أي: بغضهم ( أَنْ صَدُّوكُمْ )[المائدة:2] لأنهم صدوكم ( عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2]، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعتدي أبداً لا على مؤمن ولا على كافر، فالكافر عبد الله أم لا؟ ملك الله أم لا؟ فإذا لم يأذن لك أيجوز أن تمسه بسوء؟ فلا يحملنكم بغض إنسان آذاكم أذى أن تعتدوا عليه لأنه آذاكم وهو في الحرم: ( أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2].


الأمر بالتعاون على البر والتقوى

وأخيراً جاء الأمر الباقي إلى يوم القيامة لا ينسخ: ) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ([المائدة:2]، من هم الذين يتعاونون؟ الذين أصبحوا كرجل واحد، الذين زالت بينهم الفوارق الحزبية والوطنية والطرقية والمذهبية، وأصبح منهجهم منهج رسول الله، هؤلاء يقدرون على أن يتعاونوا، أما المتعادون المتقاطعون فكيف يتعاونون؟ إذاً: هل هذا يبرر لنا عدم التعاون؟ لا يبرر، يجب أن نتعاون على الخير وفعله، وعلى تقوى الله حتى لا يعصى الله بيننا بأية معصية، ولا يحل أن نتعاون على الإثم وإشاعة الذنوب والآثام والأذى والظلم بيننا، ولا الاعتداء على أموالنا أو أعراضنا أو أبداننا. (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:2] اتقوا الله: خافوه، اجعلوا بينكم وبين غضبه وعذابه وقاية، وتلك هي طاعته وطاعة رسوله فيما يأمر الله به وينهى عنه، فبم يتقى الله عز وجل؟ هل بلباس قوي؟ بحصون عالية؟ بجيوش جرارة؟ بم يتقى الله وهو فوقنا ونحن أقل من بعوضة بين يديه، بم نتقيه؟

لا يتقى إلا بطاعته، إذا قال: اسكت فاسكت، إذا قال: تكلم فتكلم، قال: كل فكل، قال: اشرب فاشرب، قال: لا تأكل ولا تشرب فلا تأكل ولا تشرب، إذا قال: اركع فاركع، قال: اسجد في الأرض وضع جبهتك على التراب فاسجد، بهذا فقط يتقى الله، أما السلاح والرجال والحيل فلا شيء منها يقيك من عذاب الله؛ لأنه قاهر فوقك وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:18].


قيمة التقوى وثمرتها

إن قيمة التقوى تكمن في تحصيل ولاية الله تعالى، وقد قررنا أن ولاية الله حيث تصبح ولياً لله لا خوف عليك ولا حزن في الحياة كلها في الدنيا والأخرى، هذه الولاية لا تتحقق إلا بتقوى الله عز وجل، من لم يتق الله لن يكون له ولياً أبداً، الإيمان أولاً، ثم التقوى ثانياً، فمن منكم يرغب أن يكون من أولياء الله أفضل من عبد القادر الجيلاني ؟ إذاً: آمنوا واتقوا فقط، لا دينار ولا درهم، ولا سلاح، ولا رجال، ولا حيل، ولا نسب ولا شرف، آمن واتق تكن -والله- ولياً لله، والدليل القرآني قوله تعالى من سورة يونس عليه السلام: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62] وما معنى (ألا)؟ استبدلناها بـ(ألو)، ألو معروفة عندنا حتى الأطفال يعرفونها، لأننا هجرنا (ألا) وأقبلنا على (ألو) فأصبحت (ألو) من ذوقنا! إن معنى (ألا): انتبه! هل أنت تسمع؟ هل أنت واع للخطاب؟ هل أنت تفهم ما أقوله لك؟ وحينئذ يعطيك الخبر: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62] لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة.

من هم أولياؤك يا رب الذين أخبرتنا أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63].

الإيمان ينطبع في قلوبهم مرة واحدة فلا يزول ولا يمحى، أما التقوى فتتجدد، كلما أمر الله بأمر فاتق وافعله، وكلما بلغك نهي فاتركه واجتنبه، وهكذا طول حياتك، فلهذا التقوى تتجدد: ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63].

فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وهل يمكن لإنسان أن يتقي الله وهو لم يعلم أوامره ولا نواهيه؟ والله ما يمكن، مستحيل، إذا لم تعرف أوامر الله ما هي، وكيف تؤديها وما أوقاتها، ولم تعرف نواهيه وما هي؛ فكيف ستتقيه؟ مستحيل، فلهذا بمجرد أن تؤمن وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ تقرع أبواب العلماء: علموني كيف أعبد ربي، علموني بم أطيعه. لا في عامين، بل في أسبوع أو أسبوعين تعرف ما حرم الله وما نهى الله عنه، وما أوجب الله وما أمر به، أما بدون علم فمستحيل أن تكون ولي الله.
ولهذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن تأخذ القلم أو الورق، المهم أن تسأل وتعلم وتعمل، والله يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، اسأل في صدق في جد: أريد أن أغتسل فكيف أغتسل؟ يعلمك ذلك فعلى الفور تحسنه وتعيش عليه، أردت أن أعتمر فكيف أعتمر؟ افعل كذا وكذا. في صدق تفهم ذلك وتعمل، وهذا هو العلم، ليس شرطاً الكتاب ولا القلم؛ لأنه علم عملي، ما هو بعلم خيالي.




التحذير من عقاب الله تعالى
ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:2] والعلة ما هي؟ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، أنقذوا أنفسكم، اتقوه لا تخرجوا عن طاعته، فإنه إذا عاقب فعقابه شديد، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] والعقاب: المعاقبة على الذنب، مأخوذ من العقب، لا يؤاخذك الله على الذنب قبل أن تفعله أبداً، لا يعاقب الله إلا بعد أن يذنب العبد فيأخذه من عقبه، لا أنه يعلم أنه يزني فيسلط عليه البلاء قبل أن يفعل! لا؛ لأن الله يعاقب بعد وقوع الجريمة والذنب: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
تفسير قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...)
تلك الآيتان درسناهما بالأمس، والآن مع هذه الآية، وليس بالإمكان دراستها كاملة، فنأخذ بعضها، وأولاً نسمعكم تلاوتها تبركاً بها:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3].
تحريم الميتة والدم المسفوح وبيان علته

في الآية السابقة قال تعالى: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، وهنا بين ذلك فقال تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] من حرمها؟ مالكها. لم حرم الميتة؟ لأنها تحمل ضرراً لعبد الله العابد الذاكر الشاكر، الميتة فيها جراثيم وميكروبات؛ لأنها ما ذكيت ولا طهرت بإخراج دمها بما فيه من الجراثيم، ماتت هكذا، فمولانا وسيدنا وربنا تعالى قال: لا تأكلوا الميتة، لم يا رب؟ لأنها تضركم وتؤذيكم، وأنا لا أريد لعبيدي أن يتأذوا، فكيف يعبدونني إذا تأذوا؟ فالمريض لا يحج ولا يعتمر، فالميتة سواء كانت من الأنعام أو كانت من اليرابيع والظباء والغزلان محرمة، وعلة تحريمها الضرر الذي يصيب عبد الله آكلها أو أمة الله آكلتها. وحرم تعالى الدم المسفوح السائل، كانوا يجمعونه ويغلونه على النار فيتجمد ويأكلونه، هذا فيه جراثيم وميكروبات قاتلة، أما الدم الذي يجري في العروق ومع العظام واللحم فلا، الممنوع أن تذبح الشاة وتجعل تحتها إناء وتأخذ ذاك الدم وتطبخه وتأكله، هذا حرام، ولم حرمه الله على أوليائه؟ لأنه يضر بأبدانهم، وهو خلقهم ليذكروه ويشكروه، فإذا مرضوا فكيف يعبدونه؟
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 301.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 296.11 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]