تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 62 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الصحفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الهداية والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حقوق غير المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 292 )           »          الاستصناع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تخريج حديث: إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حديث: حين نزلت آية المتلاعنين: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3104 - عددالزوار : 396197 )           »          الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-07-2025, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (611)
صــ 416 إلى صــ 425






بواجب حقه عليكم، وكفر لأياديه عندكم، وتعرضٌ منكم لإنزال عقوبته عاجلا بكم.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم غيره من الأصنام والأوثان، يا محمد: إن الذي ينجيكم من ظلمات البرّ والبحر ومن كل كرب، ثم تعودون للإشراك به، هو القادر على أن يرسل عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم، لشرككم به، وادّعائكم معه إلهًا آخر غيره، وكفرانكم نعمه، مع إسباغه عليكم آلاءه ومِنَنه.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في معنى "العذاب" الذي توعد الله به هؤلاء القوم أن يبعثه عليهم من فوقهم أو من تحت أرجلهم.
فقال بعضهم: أما العذاب الذي توعدهم به أن يبعثه عليه من فوقهم، فالرجم. وأما الذي توعدهم أن يبعثه عليهم من تحتهم، فالخسف.
* ذكر من قال ذلك:
13344 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك: عذابًا من فوقكم، أو من تحت أرجلكم، قال: الخسف. (1)
13345 - حدثنا سفيان قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن الأشجعي،
(1)
في المطبوعة، كنص الآية، ولكني رددت ما في المخطوطة إلى حاله.

عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك وسعيد بن جبير، مثله.
13346 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو سلمة، عن شبل، عن ابن نجيح، عن مجاهد: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم" ، قال الخسف.
13347 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" ، فعذاب السماء = "أو من تحت أرجلكم" ، فيخسف بكم الأرض.
13348 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم" قال: كان ابن مسعود يصيح وهو في المجلس أو على المنبر: ألا أيها الناس، إنه نزل بكم. إن الله يقول: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" ، لو جاءكم عذاب من السماء لم يبق منكم أحد = "أو من تحت أرجلكم" ، لو خسف بكم الأرض أهلككم، لم يبق منكم أحد = "أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض" ، ألا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث. (1)
* * *
وقال آخرون: عنى بالعذاب من فوقكم، أئمةَ السوء = "أو من تحت أرجلكم" ، الخدم وسِفلة الناس.
* ذكر من قال ذلك:
13349 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت خلادًا يقول: سمعت عامر بن عبد الرحمن يقول: إن ابن عباس كان يقول في هذه:
(1)
في المطبوعة خلاف ما في المخطوطة، وفي المخطوطة أخطاء. في المخطوطة: ". . . عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو جاءكم عذاب من السماء" ، وفيها أيضًا: "أو من تحت أرجلكم يخسف بكم الأرض" ، وصواب هاتين فيما في المطبوعة، وكان في المطبوعة نصب "أحد" في الموضعين، وكان فيها أيضًا: "أهلككم ولم يبق" بالواو، وأثبت ما في المخطوطة.

"قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم" ، فأما العذاب من فوقكم، فأئمة السوء = وأما العذاب من تحت أرجلكم، فخدم السوء. (1)
13350- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" ، يعني من أمرائكم = "أو من تحت أرجلكم" ، يعني: سفلتكم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: عنى بالعذاب من فوقهم، الرجمَ أو الطوفان وما أشبه ذلك مما ينزل عليهم من فوق رؤوسهم = ومن تحت أرجلهم، الخسفَ وما أشبهه. وذلك أن المعروف في كلام العرب من معنى "فوق" و "تحت" الأرجل، هو ذلك، دون غيره. وإن كان لما روي عن ابن عباس في ذلك وجه صحيح، غير أن الكلام إذا تُنُوزع في تأويله، فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحق وأولى من غيره، ما لم تأت حجة مانعة من ذلك يجب التسليم لها.
* * *
(1)
الأثر: 13349 - "خلاد" ، هو "خلاد بن سليمان الحضرمي المصري" ، كان خياطًا أميًّا لا يكتب، وكان من الخائفين. روى عنه ابن وهب. ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/172، وابن أبي حاتم 1/2/365.

وأما "عامر بن عبد الرحمن" ، فإن البخاري وابن أبي حاتم، ذكراه في ترجمة خلاد، وذكر أنه سمع منه، ولكني لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المراجع. وهذا عجيب.
القول في تأويل قوله: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أو يخلطكم = "شيعًا" ، فرقًا، واحدتها "شِيعة" .
* * *
وأما قوله: "يلبسكم" فهو من قولك: "لبَسْت عليه الأمر" ، إذا خلطت، "فأنا ألبِسه" . وإنما قلت إن ذلك كذلك، لأنه لا خلاف بين القرأة في ذلك بكسر "الباء" ، ففي ذلك دليل بَيِّنٌ على أنه من: "لبَس يلبِس" ، وذلك هو معنى الخلط. وإنما عنى بذلك: أو يخلطكم أهواء مختلفة وأحزابًا مفترقة. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13351 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أو يلبسكم شيعًا" ، الأهواء المفترقة.
13352- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: يفرق بينكم.
13353- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: ما كان منكم من الفتن والاختلاف. (2)
13354 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
(1)
انظر تفسير "لبس" فيما سلف 1: 567، 568/6: 503 - 505/11: 270

(2)
في المطبوعة: "من التفرق" ، وفي المخطوطة: "من العير" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت.

قوله: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: الذي فيه الناس اليوم من الاختلاف، والأهواء، وسفك دماء بعضهم بعضًا.
13355 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي، قال: حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: الأهواء والاختلاف.
13356- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "أو يلبسكم شيعًا" ، يعني بالشيع، الأهواء المختلفة.
* * *
وأما قوله: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ، فإنه يعني: بقتل بعضكم بيد بعض.
* * *
والعرب تقول للرجل ينال الرجل بسلام فيقتله به: "قد أذاق فلان فلانًا الموت" ، و "أذاقه بأسه" ، وأصل ذلك من: "ذوق الطعام" وهو يطعمه، ثم استعمل ذلك في كل ما وصل إلى الرجل من لذة وحلاوة، أو مرارة ومكروه وألم. (1)
* * *
وقد بينت معنى "البأس" في كلام العرب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13357- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
انظر تفسير "الذوق" فيما سلف 7: 96، 446، 452/8: 487/11: 47، 324 ولكنه لن يبينه بيانًا شافيًا في المواضع السالفة، وأبان عنه هنا إبانة تامة، وهذا ضرب من ضروب اختصاره في تفسيره.

(2)
انظر تفسير "البأس" فيما سلف 8: 580/11: 357.

حدثنا أسباط، عن السدي: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ، بالسيوف.
13358 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد، عن أبي هارون العبدي، عن عوف البكالي أنه قال في قوله: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال: هي والله الرجال في أيديهم الحراب، يطعُنون في خواصركم.
13359 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب.
13360 - حدثنا سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: عذاب هذه الأمة أهل الإقرار، بالسيف "أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض" = وعذاب أهل التكذيب، الصيحة والزلزلة.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية.
فقال بعضهم: عني بها المسلمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفيهم نزلت.
* ذكر من قال ذلك:
13361 - حدثني محمد بن عيسى الدامغاني قال، أخبرنا ابن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" الآية، قال: فهن أربع، وكلهن عذاب، فجاء مستقرّ اثنتين، (1) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، فألبسوا شيعًا، وأذيق بعضهم بأس بعض، وبقيت اثنتان، فهما لا بدّ واقعتان = يعني: الخسف والمسخ. (2)
(1)
في المطبوعة: "فجاء منهن اثنتان" ، غير ما في المخطوطة، وهو واضح فيها جدًا، وهو صواب أيضًا.

(2)
الأثر: 13361 - "محمد بن عيسى الدامغاني" ، شيخ أبي جعفر، مضى برقم: 3225.

وانظر خبر أبي العالية، عن أبي بن كعب، رقم: 13380. وتخريجه هناك.
13362 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "من فوقكم أو من تحت أرجلكم" ، لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأعفاكم منه = "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: ما كان فيكم من الفتن والاختلاف.
13363- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13364 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا" ، الآية. ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلى ذات يوم الصبح فأطالها، فقال له بعض أهله: يا نبي الله، لقد صلّيت صلاة ما كنت تصَليها؟ قال: إنها صلاةُ رَغبة ورَهبة، وإني سألت ربّي فيها ثلاثًا، سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًّا من غيرهم، فيهلكهم، فأعطانيها. وسألته أن لا يسلط على أمتي السنة، فأعطانيها. (1) وسألته أن لا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعنيها. ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله.
13365 - حدثنا أحمد بن الوليد القرشي وسعيد بن الربيع الرازي قالا حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، سمع جابرًا يقول: لما أنزل الله تعالى ذكره على النبي صلى الله عليه وسلم: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم" ، قال: أعوذ بوجهك = "أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال: هاتان أيسر = أو: أهون. (2)
(1)
"السنة" ، الجدب والقحط.

(2)
الأثر: 13665 - "أحمد بن الوليد القرشي" ، مضى برقم: 1692: "وأحمد بن الوليد" بدون نسبة، وقال أخي السيد أحمد هناك: "ولم أعرف من هو" . وأزيد أني وجدت أبا جعفر يروي في تاريخه 1: 167 عن شيخه "أحمد بن الوليد الرملي" ثم سماه "أحمد بن الوليد" بلا نسبة، وهو يروي في هذه الأسانيد، عن: "إبراهيم بن زياد" ، و "إسحق بن المنذر" و "عبد الملك بن يزيد" ، و "عمرو بن عون" و "محمد بن الصباح" و "سعدويه" . ثم روي عنه في المنتخب من ذيل المذيل (تاريخه 13: 104) ، وروى "أحمد بن الوليد" في هذا الإسناد، عن "الربيع بن يحيى" . جمعت هذا حتى أتحقق معرفته ونسبته، أما تخريج الخبر، ففي التعليق التالي.

13366- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر، قال: لما نزلت: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم" ، قال: نعوذ بك، نعوذ بك = "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: هو أهون. (1)
13367 - حدثني زياد بن عبيد الله المزني قال، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال، حدثنا أبو مالك قال، حدثني نافع بن خالد الخزاعي، عن أبيه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود، فقال: قد كانت صلاة رغبة ورهبة، فسألت الله فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، وبقي واحداة. سألت الله أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به مَن قبلكم، فأعطانيها. وسألت الله أن لا يسلِّط عليكم عدوًّا يستبيح بيضتكم، فأعطانيها. وسألته أن لا يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض، فمنعنيها = قال أبو مالك: فقلت له: أبوك سمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، سمعته يحدث بها القوم أنه سمعها مِن في رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
(1)
الأثران: 13365، 13366 - "عمرو" ، هو "عمرو بن دينار" . رواه البخاري (الفتح 8: 219) من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار. وقال الحافظ ابن حجر: "وقع في الاعتصام من وجه آخر، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، سمعت جابرًا، وكذا للنسائي من طريق معمر، عن عمرو بن دينار ويعني ما رواه البخاري الفتح 13، 329 وسيأتي من طريق معمر، عن عمرو بن دينار فيما يلي رقم: 13372. ورواه الترمذي في كتاب التفسير من سننه، وقال:" هذا حديث حسن صحيح "."

(2)
الأثر: 13367 - "زياد بن عبيد الله المزني" ، هكذا جاء هنا "المزني" ، ومضى برقم: 8284: "زياد بن عبيد الله المري" ، وقد كتب عنه أخي السيد أحمد فيما سلف، وقال إنه لم يعرفه، وقال إنه من المحتمل أن يكون: "زياد بن عبد الله بن خزاعي" ، لأنه يروى أيضًا عن "مروان بن معاوية" ، ولكن مجيئه هنا أيضًا "زياد بن عبيد الله" يضعف هذا الاحتمال.

و "مروان بن معاوية الفزاري" ثقة، من شيوخ أحمد. مضى برقم: 1222، 3322، 3842، 7685.
و "أبو مالك" هو "الأشجعي" ، واسمه "سعد بن طارق بن أشيم" ؛ روى عن أبيه، وأنس، وعبد الله بن أبي أوفى، وربعي بن حراش، وغيرهم، وثقه أحمد. مترجم في التهذيب، والكبير 2/2/59، وابن أبي حاتم 2/1/86.
و "نافع بن خالد الخزاعي" ، روى عن أبيه، روى عنه أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، مترجم في لسان الميزان 6: 145، والكبير للبخاري 4/2/85، وابن أبي حاتم 4/1/457. ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحًا، ولكن الحافظ ابن حجر أخطأ في لسان الميزان خطأ شنيعًا، فقال: "قال ابن أبي حاتم عن أبيه في ترجمته: هو ونافع مجهولان" ، وهو سهو شديد، فإن الذي قال ذلك عنه ابن أبي حاتم، خالد آخر، وهو موجود في كتابه 1/2/362 برقم: 1643 هكذا: "خالد، روى عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه ابنه محمد. سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هما مجهولان" . أما "خالد الخزاعي" ، فقد قال عنه: "روى عنه ابنه نافع، يعد في الكوفيين، سمعت أبي يقول ذلك" ، وهو موجود قبل تلك الترجمة برقم: 1642. وهذا سهو شديد ينبغي أن يصحح. وأبوه: "خالد الخزاعي الأزدي" غير مبين النسب، ترجم له البخاري في الكبير 2/1/127، وقال: "يعد في الكوفيين" ، وقال ابن أبي حاتم 1/2/362: "له صحبة، روى عنه ابنه نافع" ، كما ذكرت قبل. وترجم له الحافظ في الإصابة.
وهذا خبر رجاله ثقات، كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته. وقد أشار إلى هذا الخبر، البخاري في تاريخه 2/1/127، من طريق ابن أبي زائدة، عن سعد بن طارق، عن نافع بن خالد الخزاعي، قال حدثني أبي، وكان من أصحاب الشجرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى والناس ينظرون، صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود. وأشار إليه الحافظ أيضًا في الفتح (8: 221) ، وأما في الإصابة فقد قال: "روى الحسن بن سفيان، وأبو يعلى، والطبراني في تفسيره، وغيرهم، من طريق أبي مالك. . . ." ثم ذكر الخبر وقال: "رجاله ثقات" .
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 222، بنحوه، ثم قال: "رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح، غير نافع بن خالد. وقد ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه أحد. ورواه البزار" . وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 329، من رواية الحافظ أبي بكر بن مردويه، عن عبد الله بن إسمعيل بن إبراهيم الهاشمي، وميمون بن إسحق بن الحسن الحنفي، كلاهما عن أحمد بن عبد الجبار، عن محمد بن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، مطولا. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 19، ونسبه لابن جرير وابن مردويه، ولم يزد شيئًا. وأخرج الترمذي في الفتن، من حديث خباب بن الأرت، مثله، كما سيأتي في رقم: 13370. وقوله: "يستبيح بيضتهم" ، يريد: جماعتهم وأصلهم ومجتمعهم، وموضع سلطانهم، ومستقر دعوتهم. يقول: لا تسلط عليهم عدوًا يستأصلهم ويهلكهم جميعًا. قالوا: وذلك أن أصل البيضة إذا أهلك، كان ذلك هلاك كل ما فيها من طعم أو فرخ. وإذا لم يهلك أصل البيضة، ربما سلم بعض فراخها. وقال غيرهم: "البيضة" : ساحة القوم ومعظم دارهم. وهذا أقرب عندي.
13368 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور عن
معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: إن الله زَوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربَها، وإنّ ملك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين الأحمرَ والأبيض، وإني سألت ربّي أن لا يهلك قومي بسَنَةٍ عامة، وأن لا يلبسهم شيعًا، ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فقال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يردّ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلِّط عليهم عدوًّا ممن سواهم فيهلكهم بعامة، (1) حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، وبعضهم يقتل بعضًا، وبعضهم يسبي بعضًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أخاف على أمتي الأئمة المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي، لم يُرفع عنهم إلى يوم القيامة. (2)
13369- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرني أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه = إلا أنه قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين. (3)
13370 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن الزهري قال: راقب خباب بن الأرتّ، وكان بدريًّا، النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، حتى إذا فرغ، وكان في الصبح، قال له: يا رسول الله، لقد رأيتك تصلي صلاة ما رأيتك صليت مثلها؟ قال: أجل، إنها صلاة رَغَبٍ ورَهَبٍ، سألت ربي ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم، فأعطاني. وسألته أن لا يسلط علينا عدوًّا، فأعطاني. وسألته أن لا يلبسنا شيعًا، فمنعني. (4)
(1)
في المطبوعة: "فيهلكهم" ، وفي المخطوطة: "فيهلكوهم هم" ، وخلط في كتابتها، والصواب من المسند.

(2)
الأثر: 13268 - "أبو الأشعث الصنعاني" ، هو "شراحبيل بن آدة" ، من صنعاء الشام، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب. و "أبو أسماء الرحبي" ، هو "عمرو بن مرثد" تابعي ثقة، مضى برقم: 4844. و "شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري" ، صحابي، قال عباد بن الصامت: "شداد بن أوس. من الذين أوتوا العلم والحلم، ومن الناس من أوتى أحدهما" . وهذا الخبر، رواه أحمد في مسنده 4: 123، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، بمثل رواية أبي جعفر. وأشار إلى روايته من حديث شداد، الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 221) وقال: "وأخرج الطبري من حديث شداد، نحوه، بإسناد صحيح" ، يعني: نحو حديث ثوبان كما سأشير إليه بعد. وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 328، 329، من مسند أحمد، وقال: "ليس في شيء من الكتب الستة، وإسناده جيد قوي. وقد رواه ابن مردويه من حديث حماد بن زيد، وعباد بن منصور، وقتادة، ثلاثتهم عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحوه والله أعلم" . وروي هذا الخبر بنحو هذا اللفظ من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان. بنحو هذا اللفظ. رواه مسلم في صحيحه 18: 12، 14، وأبو داود في سننه 4: 138، مطولا، وخرجه السيوطي عن ثوبان. في الدر المنثور 3: 17، وقال: "أخرج أحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبزار، وابن حبان، والحاكم وصححه، واللفظ له، وابن مردويه" ثم ساق لفظ الحاكم في المستدرك. مطولا. قوله: "زوى لي الأرض" : جمعها وقبضها حتى يراها جميعًا.

و "السنة" : القحط. وقال النووي في شرح مسلم: "وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة وقعت كلها بحمد الله، كما أخبر به صلى الله عليه وسلم. قال العلماء: المراد بالكنزين الذهب والفضة. والمراد كنزي كسرى وقيصر، ملكي العراق والشام. فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداد في جهتي المشرق والمغرب. وهكذا وقع. وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب. وصلوات الله وسلامه على رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" .
(3)
الأثر: 13369 - انظر التعليق على الأثر السالف. ومن هذه الطريق، رواه أحمد في مسنده 4: 123، بمثل ما ذكر أبو جعفر.

(4)
الأثر: 13370 - هذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5: 108، والترمذي في كتاب الفتن، موصولا، من طريق الزهري، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن خباب بن الأرت، عن خباب بن الأرت، مولى بني زهرة. وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 328، من مسند أحمد، ثم قال: "ورواه النسائي من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، به، ومن وجه آخر. وابن حبان في صحيحه بإسناديهما عن صالح ابن كيسان. والترمذي في الفتن من حديث النعمان بن راشد، كلاهما عن الزهري، به. وقال: حسن صحيح" . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 18، وقال: "أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه، عن خباب بن الأرت" ، وساق الخبر. وقوله: "رغب ورهب" كلاهما بفتحتين، أي: الرغبة والرهبة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-07-2025, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (612)
صــ 426 إلى صــ 435







13371- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: راقب خبابُ بن الأرت، وكان بدريًّا، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه = إلا أنه قال: ثلاث خصلات. (1)
13372- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك = "أو من تحت أرجلكم" ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك = "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: هذه أهون. (2)
13373 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألت ربّي أربعًا، فأعطيت ثلاثًا ومنعت واحداة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًّا من غيرهم يستبيح بيضتهم، ولا يسلط عليهم جوعًا، ولا يجمعهم على ضلالة، فأعطيتهن = وسألته أن لا
(1)
الأثر: 13371 - انظر التعليق على الأثر السالف.

(2)
الأثر: 13372 - انظر التعليق على الأثرين السالفين رقم: 13365، 13366، فهذه طريق أخرى.

يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض، فمنعتُ.
13374 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني سألت ربي خصالا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة: سألته أن لا تكفر أمتي صفقة واحدة، فأعطانيها. وسألته لا يُظهر عليهم عدوًّا من غيرهم، فأعطانيها. وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم من قبلهم، فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها.
13375 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية، قوله: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال الحسن: ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يُشهده عليهم: "انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون" ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ، فسأل ربه أن لا يرسل عليهم عذابًا من فوقهم أو من تحت أرجلهم، ولا يلبس أمته شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل، فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إنك سألت ربك أربعًا، فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين: لن يأتيهم عذاب من فوقهم، ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم، فإنهما عذابان لكل أمة اجتمعت على تكذيب نبيها وردِّ كتاب ربها، ولكنهم يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض، (1) وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتاب والتصديق بالأنبياء، ولكن يعذبون بذنوبهم، وأوحي إليه: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، يقول: من أمتك = {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} = من العذاب وأنت حي = {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} [سورة الزخرف: 41،42] . فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم فراجع ربه، فقال: أيّ مصيبة أشدّ من أن
(1)
هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "ولكنهم يلبسهم. . ." ، وهو جائز، والأجود "ولكنه يلبسهم" ، وأخشى أن يكون ما في النسخ من الناسخ.

أرى أمتي يعذب بعضها بعضًا! وأوحي إليه: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ، [سورة العنكبوت: 1،3] ، فأعلمه أن أمته لم تخصّ دون الأمم بالفتن، وأنها ستبلى كما ابتليت الأمم. ثم أنزل عليه: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة المؤمنون: 93،94] ، فتعوّذ نبي الله، فأعاذه الله، لم يرَ من أمته إلا الجماعة والألفة والطاعة. ثم أنزل عليه آية حذّر فيها أصحابه الفتنة، فأخبره أنه إنما يُخَصّ بها ناسٌ منهم دون ناس، فقال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، [سورة الأنفال: 25] ، فخصّ بها أقوامًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بعده، وعصم بها أقوامًا.
13376 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: لما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما يكون في أمته من الفرقة والاختلاف، فشق ذلك عليه، ثم دعا فقال: اللهم أظهر عليهم أفضلهم بقية. (1)
13377 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو الأسود قال، أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبي الزبير قال: لما نزلت هذه الآية: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله من ذلك! = قال: "أو من تحت أرجلكم" ، قال: أعوذ بالله من ذلك = قال: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: هذه أيسر! ولو استعاذه لأعاذه. (2)
(1)
في المطبوعة: "أفضلهم تقية" ، وكأن صواب قراءتها ما أثبت، فإنها في المخطوطة غير منقوطة "وقوله:" بقية "، أي: إبقاء على من يظهر عليه ويظفر به."

(2)
الأثر: 13377 - "خالد بن يزيد" هو الجمحي، المصري. مضى برقم: 3965، 5465، 9185، 9507، 12283. و "أبو الزبير" ، هو "محمد بن مسلم المكي" ، مضى مرارًا.

13378- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا المؤمل البصري قال، أخبرنا يعقوب بن إسماعيل بن يسار المديني قال، حدثنا زيد بن أسلم قال: لما نزلت: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض بالسيوف! فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله! قال: نعم! فقال بعض الناس: لا يكون هذا أبدًا! فأنزل الله: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. (1)
* * *
وقال آخرون: عنى ببعضها أهل الشرك، وببعضها أهل الإسلام.
* ذكر من قال ذلك:
13379- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هارون بن موسى، عن حفص بن سليمان، عن الحسن في قوله: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم" ، قال: هذا للمشركين = "أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال: هذا للمسلمين.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول عندي أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره توعَّد بهذه الآية أهلَ الشرك به من عبدة الأوثان، وإياهم خاطبَ بها، لأنها
(1)
الأثر: 13378 - "المؤمل البصري" ، هو: "مؤمل بن إسمعيل البصري" ، وقد سلف مرارًا برقم: 2057، 3337، 5728، 8356، 8367.

وأما "يعقوب بن إسمعيل بن يسار المديني" ، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم، وهذا غريب.
بين إخبار عنهم وخطاب لهم، وذلك أنها تتلو قوله: "قل ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخُفْية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون" ، ويتلوها قوله: "وكذب به قومك وهو الحق" . وغير جائز أن يكون المؤمنون كانوا به مكذبين، فإذا كان غير جائز أن يكون ذلك كذلك، وكانت هذه الآية بين هاتين الآيتين، كان بيّنًا أن ذلك وعيدٌ لمن تقدّم وصف الله إياه بالشرك، وتأخر الخبر عنه بالتكذيب = لا لمن لم يجر له ذكر. غير أن ذلك وإن كان كذلك، فإنه قد عم وعيدُه بذلك كلَّ من سلك سبيلهم من أهل الخلاف على الله وعلى رسوله، والتكذيب بآيات الله من هذه وغيرها.
وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة" ، فجائز أن هذه الآية نزلت في ذلك الوقت وعيدًا لمن ذكرتُ من المشركين، ومن كان على منهاجهم من المخالفين ربهم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعيذ أمته مما ابتلى به الأمم الذين استوجبوا من الله تعالى ذكره بمعصيتهم إياه هذه العقوبات، فأعاذهم بدعائه إياه ورغبته إياه، من المعاصي التي يستحقون بها من هذه الخلال الأربع من العقوبات أغلظها، ولم يُعذهم من ذلك ما يستحقون به اثنتين منها.
وأما الذين تأوّلوا أنه عني بجميع ما في هذه الآية هذه الأمة، فإني أراهم تأوّلوا أن في هذه الأمة من سيأتي من معاصي الله وركوب ما يُسخط الله، نحو الذي ركب مَن قبلهم من الأمم السالفة، من خلافه والكفر به، فيحلّ بهم مثل الذي حلّ بمن قبلهم من المثلات والنقمات، وكذلك قال أبو العالية ومن قال بقوله: "جاء منهن اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة. وبقيت اثنتان، الخسف والمسخ" ، وذلك أنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: "سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" ، (1) = وأن قومًا من أمته سيبيتون على لهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير. (2) وذلك إذا كان، فلا شك أنه نظير الذي في الأمم الذين عتوا على ربهم في التكذيب وجحدوا آياته. وقد روي نحو الذي روي عن أبي العالية، عن أبيّ.
13380 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا سفيان قال، أخبرنا أبي =، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا" ، قال: أربع خِلال، وكلهن عذاب، وكلهن واقعٌ قبل يوم القيامة، فمضت اثنتان بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، ألبسوا شيعًا، وأذيق بعضهم بأس بعض. وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف والرجم. (3)
* * *
(1)
هذا حديث عائشة، رواه الترمذي في الفتن بإسناده، ونصه:

"عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر هذه الأمة خسفٌ ومَسْخٌ وقَذْفٌ. قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا ظهر الخَبَثُ" ، قال الترمذي: "هذا حديثٌ غريبٌ من حديث عائشة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وعبد الله بن عمر، تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه" يعني راوي الخبر: "عبد الله بن عمر، عن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة" .
(2)
روى البخاري (الفتح 10: 47 - 49) من حديث أبي مالك وأبي عامر الأشعري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أُمتي قومٌ يستحِلُّون الحِرِ (أي: الزنا) والحرير والخمر والمعازف، وليزلنَّ أقوامٌ إلى جنب عَلَم، تروح عليهم سارحةٌ لهم، فيأتيهم رجلٌ لحاجته، فيقولون: ارجع إلينا غدًا! فيبيِّتهم الله تعالى ويضع العَلَم، ويمسخ آخرين قِردةً وخنازير إلى يوم القيامة" .

(3)
الأثر: 13380 - إسناده صحيح، رواه أحمد في مسنده 5: 134، 135 من طريق وكيع، عن أبي جعفر الراوي، عن الربيع. عن أبي العالية، مثله.

وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 21، ثم قال: "رواه أحمد، ورجاله ثقات. قلت: والظاهر أن من قوله: فمضت اثنتان، إلى آخره، من قول رفيع (يعني أبا العالية) ، فإن أبي بن كعب لم يتأخر إلى زمن الفتنة" . وذكر مثل ذلك من علة هذا الخبر، الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 220) ثم قال: "وأعل أيضًا بأنه مخالف لحديث جابر وغيره. وأجيب بأن طريق الجمع: أن الإعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره، مقيدة بزمان مخصوص، وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم. وقد روى أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:" قل هو القادر "، إلى آخرها فقال: أما إنها كائنة، ولم يأت تأويلها بعد. وهذا يحتمل أن لا يخالف حديث جابر بأن المراد بتأويلها ما يتعلق بالفتن ونحوها" . وذكر الخبر ابن كثير في تفسيره 3: 331، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 17، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في الحلية. * * *
وعند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه:
يتلوه القول في تأويل قوله:
{انظر كيف نصرِّفُ الآيات لعَلَّهم يَفْقَهونَ}
وصلى الله على محمد النبيّ وعلى آله وسلم كثيرًا. ثم يبدأ بعده بما نصه:
"بسم الله الرحْمن الرحيم رَبِّ يَسِّر"
القول في تأويل قوله: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر، يا محمد، بعين قلبك إلى ترديدنا حججنا على هؤلاء المكذبين بربّهم = الجاحدين نعمه، وتصريفناها فيهم (1) = "لعلهم يفقهون" ، يقول: ليفقهوا ذلك ويعتبروه، (2)
(1)
انظر تفسير "تصريف الآيات" فيما سلف: 365

(2)
انظر تفسير "فقه" فيما سلف 8: 557/11: 307

فيذّكروا ويزدجروا عما هم عليه مقيمون مما يسخطه الله منهم، من عبادة الأوثان والأصنام، والتكذيب بكتاب الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكذب، يا محمد، قومك بما تقول وتخبر وتوعد من الوعيد = "وهو الحق" ، يقول: والوعيدُ الذي أوعدناهم على مقامهم على شركهم: من بعث العذاب من فوقهم، أو من تحت أرجلهم، أو لبسهم شيعًا، وإذاقة بعضهم بأس بعض = "الحق" الذي لا شك فيه أنه واقع إن هم لم يتوبوا وينيبوا مما هم عليه مقيمون من معصية الله والشرك به، إلى طاعة الله والإيمان به = "قل لست عليكم بوكيل" ، يقول: قل لهم، يا محمد، لست عليكم بحفيظ ولا رقيب، وإنما رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم (1) = "لكل نبأ مستقر" ، يقول: لكل خبر مستقر، (2) يعني قرار يستقرّ عنده، ونهاية ينتهي إليه، فيتبين حقه وصدقه، من كذبه وباطله = "وسوف تعلمون" ، يقول: وسوف تعلمون، أيها المكذبون بصحة ما أخبركم به من وعيد الله إياكم، أيها المشركون، حقيقته عند حلول عذابه بكم، (3) فرأوا ذلك وعاينوه، فقتلهم يومئذ بأيدي أوليائه من المؤمنين.
(1)
انظر تفسير "الوكيل" فيما سلف 9: 424، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص: 407، تعليق: 6، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "وحقيقته عند حلول عذابه بكم" ، وضع مكان "حقيقته" "وحقيته" ، وزاد "واوا" . فعل بها ما فعل بصواحباتها فيما سلف ص: 216، تعليق: 3، والمراجع هناك.

وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13381 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفصل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وكذب به قومك وهو الحق" ، يقول: كذبت قريش بالقرآن، وهو الحق = وأما "الوكيل" ، فالحفيظ =، وأما "لكل نبأ مستقر" ، فكان نبأ القرآن استقر يوم بدر بما كان يَعِدهم من العذاب.
13382 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "لكل نبأ مستقر" ، لكل نبأ حقيقة، إما في الدنيا وإما في الآخرة = "وسوف تعلمون" ، ما كان في الدنيا فسوف ترونه، وما كان في الآخرة فسوف يبدو لكم.
13383- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "لكل نبأ مستقر" ، يقول: حقيقة.
13384 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثنا أبي قال، حدثنا عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون" ، يقول: فعل وحقيقة، ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة.
* * *
وكان الحسن يتأوّل في ذلك أنه الفتنة التي كانت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
13385- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جعفر بن حيان، عن الحسن أنه قرأ: "لكل نبأ مستقر" ، قال: حبست عقوبتها، حتى [إذا] عمل ذنبها أرسلت عقوبتها. (1)
* * *
(1)
ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-07-2025, 10:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (613)
صــ 436 إلى صــ 445





القول في تأويل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت، يا محمد، المشركين الذين يخوضون في آياتنا التي أنزلناها إليك، ووحينا الذي أوحيناه إليك، = و "خوضهم فيها" ، كان استهزاءَهم بها، وسبَّهم من أنزلها وتكلم بها، وتكذيبهم بها (1) = "فأعرض عنهم" ، يقول: فصد عنهم بوجهك، وقم عنهم، ولا تجلس معهم (2) = "حتى يخوضوا في حديث غيره" ، يقول: حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بآيات الله من حديثهم بينهم = "وإما ينسينك الشيطان" ، يقوله: وإن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوضهم في آياتنا، ثم ذكرت ذلك، فقهم عنهم، ولا تقعد بعد ذكرك ذلك مع القوم الظالمين الذين خاضوا في غير الذي لهم الخوضُ فيه بما خاضوا به فيه. وذلك هو معنى "ظلمهم" في هذا الموضع. (3)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13386 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" ، قال: نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في
(1)
انظر تفسير "الخوض" فيما سلف 9: 320.

(2)
انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف ص: 337، تعليق: 1، والمراجع كلها.

(3)
انظر تفسير "الظلم" في فهارس اللغة فيما سلف (ظلم) .

آيات الله يكذبون بها، فإن نسي فلا يقعد بعد الذكر مع القوم الظالمين. (1)
13387-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، أخبرنا معمر، عن قتادة بنحوه.
13388 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، قال: الذين يكذبون بآياتنا.
13389 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" ، قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فسبوه واستهزءوا به، فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وأما قوله: "وإما ينسينك الشيطان" ، يقول: نَهْيَنَا فتقعد معهم، (2) فإذا ذكرت فقم.
13390 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يخوضون في آياتنا" ، قال: يكذبون بآياتنا.
13391 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن ليث، عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أهل الخصومات، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
(1)
في المطبوعة: "بعد الذكرى" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، كما سترى في التفسير ص: 439.

(2)
في المطبوعة: "يقول: نسيت فتعقد معهم" ، وهو لا معنى له، وفي المخطوطة: "نهينا فتعقد معهم" ، وهو مضطرب، واستظهرت صوابها من تفسير الآية فيما سلف. وقوله: "نهينا" مفعول قوله في الآية: "وإما ينسينك الشيطان" ، وذلك على عادة أهل التأويل الأوائل في الاختصار.

13392 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، وقوله: {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [سورة الأنعام: 159] ؛ وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [سورة آل عمران: 105] ؛ وقوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [سورة الشورى: 13] ، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.
13393 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، قال: يستهزئون بها. قال: نُهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى، فإذا ذكر فليقم. فذلك قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" = قال ابن جريج: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا، فنزلت: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم" ، الآية. (1)
13394- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، قال: يكذبون.
13395 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" ، يعني المشركين = "وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" ، إن نسيت فذكرتَ فلا تجلس معهم.
* * *
(1)
الأثر: 13393 - سيأتي، تفسير ابن جريج فيما بعد بتمامه رقم: 13396.

القول في تأويل قوله: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن اتقى الله فخافه، فأطاعه فيما أمره به، واجتنب ما نهاه عنه، فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله، شيء من تبعة فيما بينه وبين الله، إذا لم يكن تركه الإعراضَ عنهم رضًا بما هم فيه، وكان لله بحقوقه متقيًا، (1) ولا عليه من إثمهم بذلك حرج، ولكن ليعرضوا عنهم حينئذ ذكرى لأمر الله = "لعلهم يتقون" ، يقول: ليتقوا.
* * *
ومعنى "الذكرى" ، الذكرُ. و "الذكر" و "الذكرى" بمعنًى.
* * *
وقد يجوز أن يكون "ذكرى" في موضع نصب ورفع:
فأما النصب، فعلى ما وصفت من تأويل: ولكن ليعرضوا عنهم ذكرى.
وأما الرفع، فعلى تأويل: وما على الذين يتقون من حسابهم شيء بترك الإعراض، ولكن إعراضهم ذكرى لأمر الله لعلهم يتقون. (2)
* * *
وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات الله، لأن قيامه عنهم كان مما يكرهونه، فقال الله له: إذا خاضوا في آيات الله فقم عنهم، ليتقوا الخوضَ فيها ويتركوا ذلك.
(1)
هكذا في المخطوطة أيضا "بحقوقه متقيًا" ، وأرجح أن تكون: "بخوفه متقيًا" ، ولم أغيرها لأن الأخرى تكاد تكون جائزة.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 339.

* ذكر من قال ذلك:
13396 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا، فنزلت: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" ، الآية، قال: فجعل إذا استهزءوا قام، فحذروا وقالوا لا تستهزءوا فيقوم! فذلك قوله: "لعلهم يتقون" ، أن يخوضوا فيقوم، ونزل: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، إن قعدوا معهم، ولكن لا تقعدوا. ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة: وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ، [سورة النساء: 140] ، فنسخ قولَه: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، الآية.
13397 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، يقول: من حساب الكفار من شيء = "ولكن ذكرى" ، يقول: إذا ذكرت فقم = "لعلهم يتقون" مساءتكم، إذا رأوكم لا تجالسونهم استحيوا منكم، فكفوا عنكم. ثم نسخها الله بعد، فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدًا، قال: وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا، الآية.
13398 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، إن قعدوا، ولكن لا تقعد.
13399- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13400 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى" ، قال: وما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ذرْ هؤلاء الذين اتخذوا دين الله وطاعتهم إياه لعبًا ولهوًا، (1) فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إياه اللعب بآياته، (2) واللهوَ والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم، فأعرض عنهم، فإني لهم بالمرصاد، وإني لهم من وراء الانتقام منهم والعقوبة لهم على ما يفعلون، وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدنيا، ونسيانهم المعادَ إلى الله تعالى ذكره والمصيرَ إليه بعد الممات، كالذي:-
13401 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا} ، قال: كقوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} ، [سورة المدثر: 11] .
13402- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
(1)
انظر تفسير "ذر" فيما سلف 6: 22/7: 424.

(2)
انظر تفسير "اللعب" فيما سلف 10: 429، 432.

وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ، [سورة التوبة:5] . وكذلك قال عدد من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13403- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا" ، ثم أنزل في "سورة براءة" ، فأمر بقتالهم.
13404- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان قال: قرأت على ابن أبي عروبة فقال: هكذا سمعته من قتادة: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا" ، ثم أنزل الله تعالى ذكره "براءة" ، وأمر بقتالهم فقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، [سورة التوبة: 5] .
* * *
وأما قوله: "وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت" ، فإنه يعني به: وذكّر، يا محمد، بهذا القرآن هؤلاء المولِّين عنك وعنه (1) = "أن تبسل نفس" ، بمعنى: أن لا تبسل، كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، [سورة النساء: 176] ، بمعنى: أن لا تضلوا (2) = وإنما معنى الكلام: وذكرهم به ليؤمنوا ويتبعوا ما جاءهم من عند الله من الحق، (3) فلا تُبْسل أنفسهم بما كسبت من الأوزار= ولكن حذفت "لا" ، لدلالة الكلام عليها.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "أن تبسل نفس" .
فقال بعضهم: معنى ذلك: أن تُسْلَم.
(1)
انظر تفسير "التذكير" فيما سلف 6: 63، 64، 66، 211/10: 130/11: 357

(2)
انظر ما سلف 9: 445، 446.

(3)
في المطبوعة: "وذكر به" ، وأثبت ما في المخطوطة.

* ذكر من قال ذلك:
13405 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة قوله: "أن تبسل نفس بما كسبت" ، قال: تُسلم.
13406 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: "أن تبسل نفس" ، قال: أن تُسلم.
13407- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن، مثله.
13408 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "أن تبسل" ، قال: تسلم.
13409- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أن تبسل نفس" ، قال: تسلم.
13410- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد: أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا، أسلموا.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تُحْبس.
* ذكر من قال ذلك:
13411- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "أن تبسل نفس" ، قال: تؤخذ فتحبس.
13412- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
13413 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: "أن تبسل نفس بما كسبت" ، أن تؤخذ نفس بما كسبت.
* * *
وقال آخرون: معناه: تُفضَح.
* ذكر من قال ذلك:
13414 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت" ، يقول: تفضح.
* * *
وقال آخرون: معناه: أن تجزَى.
* ذكر من قال ذلك:
13415 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد قال، قال الكلبي: "أن تبسل" ، أن تجزَى.
* * *
وأصل "الإبسال" التحريم، يقال منه: "أبسلت المكان" ، إذا حرّمته فلم يقرب، (1) ومنه قوله الشاعر: (2)
بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وَهْنٍ فِي النَّدَى، ... بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وَعِتَابِي (3)
(1)
في المطبوعة: "فلم تقر به" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
هو ضمرة بن ضمرة النهثلي.

(3)
نوادر أبي زيد: 2، الأمالي 2: 279، الشعر والشعراء: 250، الوحشيات رقم: 424، الأزمنة والأمكنة 1: 160، اللسان (بسل) وغيرها، وبعد هذا البيت من أبيات حسان: قالها لامرأته إذ عاتبته على حلب إبله ونحرها لضيفه وأهله، وتحبب إليه الشح، وتنهاه عن بذل المال، في القحط والجدب: أَأَصُرُّهَا، وَبُنَيُّ عَمِّي سَاغِبٌ ... فَكَفَاكِ من إبَةٍ عَلَيَّ وَعَابِ!

وَلَقَدْ عَلِمْتُ، فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ ... أَنْ سَوْفَ يَخلِجُني سَبيلُ صِحَابِي
أرَأيتِ إنْ صَرَخَتْ بِلَيْلٍ هَامَتي ... وَخَرَجْتُ مِنْهَا عَارِيًا أثْوَابِي
هَلْ تَخْمِشَنْ إبِلِي عَلَيَّ وُجُوهَهَا ... أمْ تَعْصِبَنَّ رُؤُوسَهَا بِسِلاَبِ!!
"بكرت" ، عجلت في أول السحر. "بعد وهن" ، أي بعد قومة من جوف الليل. أرقها ما يبذل لبني عمه من ماله، فلم تتأن به مطلع النهار حتى أخذت تلومه في وجه الصبح. ثم أخذ يذكرها بالمروءة فيقول: "أأصرها" ، يعني النوق، يشد عليها الصرار (وهو خيط يشد فوق الخلف) ، لئلا تحلب، أو يرضعها ولدها، يقول: لا أفعل ذلك، وبني عمي جياع حتى، أرويهم؛ و "السغب" الجوع، فإن ذلك لؤم. و "الإبة" الخزي يستحي منه، و "العاب" ، العيب. يقول: كفاك بهذا الفعل لؤمًا يخزي فاعله. ثم احتج عليها بما يجد بنو عمه وضيفانه من اللوعة عليه إذا مات، وأن الإبل لا تفعل ذلك. فقال لها: إن الموت سبيل كل حي، وأني سلك سبيل أصحابي الذين ذهبوا وخلفوني، فإن هذه السبيل تخجلني (أي: تجذبني وتنتزعني) كما خلجتهم من قبل. وقوله: "صرخت بليل هامتي" ، وهو من عقائد الجاهلية، أبطله الله بالإسلام، يزعمون أن روح القتيل تصير طائرًا كالبومة يزقو عند قبره، يقول: اسقوني، اسقوني! وقوله: "عاريًا أثوابي" أي: عاريًا من أثوابي التي كنت أستمتع بلباسها في الدنيا. ويروى: "باليًا أثوابي" ، ويعني عندئذ: أكفانه التي تبلى في التراب. وقول "هل تخمش إبلي" ، أي: هل تلطم الإبل على وجوهها فيخمشها اللطم ويؤثر فيها ويجرحها، كما يفعل بنو عمي وبنات عمي إذا مت. و "السلاب" : عصائب للرأس سود، يلبسنها عند الحداد. يقول: هذا حزن بنات عمي علي، فهل تفعل الإبل فعلهن حتى آسى على نحرها وإهلاكها في إطعامهم وإروائهم في زمان الجدب وهم جياع؟
أي: حرام [عليك ملامتي وعتابي] . ومنه قولهم: "أسد باسل" ، (1) ويراد به: لا يقربه شيء، فكأنه قد حرَّم نفسه، ثم يجعل ذلك صفة لكل شديد يتحامى لشدته. ويقال: "أعط الراقي بُسْلَتَه" ، (2) يراد بذلك: أجرته، "وشراب بَسِيل" ، بمعنى متروك. وكذلك "المبسَلُ بالجريرة" ، وهو المرتهن بها، قيل له: "مُبْسَل" ، لأنه محرَّم من كل شيء إلا مما رُهن فيه وأُسلم به، ومنه قول عوف بن الأحوص الكلابي:
وَإبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهُ وَلا بِدَمٍ مُرَاقِ (3)
(1)
كانت هذه العبارة في المطبوعة والمخطوطة: "أي حرام. ومنه قولهم: وعتابي أسد آسد" ، وهو خطأ صرف. استظهرت صوابه من سياق الشرح، ومن معاني القرآن للفراء 1: 339، وزدت ما بين القوسين استظهارًا أيضًا.

(2)
في المطبوعة: "بسيلته" ، وهو خطأ صرف، صوابه في المخطوطة، لم يحسن قراءتها. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 339.

(3)
نوادر أبي زيد: 151، مجاز القرآن 1: 194، المعاني الكبير: 1114، واللسان (بسل) (بعا) ، يقول: فَلَوْلا أَنَّنِي رَحُبَتْ ذِرَاعِي ... بِإعْطَاءِ المَفَارِقِ والحِقَاقِ

وَإنْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهً، وَلا بِدَمٍ مُرَاقِ
لَقِيتُمْ مِنْ تَدَرُّئِكُمْ عَلَيْنَا ... وَقَتْلِ سَرَاتِنَا ذَاتَ العَرَاقِي
"المفارق" جمع "ناقة مفرق" ، فارقها ولدها. و "الحقاق" جمع "حقة" (بكسر الحاء) ، وهي الناقة إذا استكملت السنة الثالثة، ودخلت في الرابعة. يقول: طابت نفسي ببذل ذلك من المال، لكن أحقن الدماء، وأبقي على الوشائج. و "بعا الذنب يبعوه بعوا" : اجترمه واكتسبه. يقول لهم: وأسلمت إليكم بني في الفداء، ولم نجرم جريمة، ولم نرق دمًا، فنحمل الحمالة في الذي اجترحناه. و "تدرأ على فلان" أي: تطاول وتهجم. و "السراة" أشراف القوم. و "ذات العراقي" ، أي: ذات الدواهي المنكرة، يقول: لولا ما فعلت إبقاء، لفعلنا بكم الأفاعيل.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-07-2025, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (614)
صــ 446 إلى صــ 455





وقال الشنفرى: (1)
هُنَالِكَ لا أَرْجُو حَيَاةً تَسُرُّنِي ... سَمِيرَ اللَّيَالِي مُبْسَلا بِالْجَرَائِرِ (2)
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وذكّر بالقرآن هؤلاء الذين يخوضون في آياتنا وغيرهم ممن سلك سبيلهم من المشركين، كيلا تُبسل نفس بذنوبها وكفرها بربها، وترتهن فتغلق بما كسبت من إجرامها في عذاب الله (3) = "ليس لها من دون الله" ، يقول: ليس لها، حين تسلم بذنوبها فترتهن بما كسبت من آثامها، أحدٌ ينصرها فينقذها من الله الذي جازاها بذنوبها جزاءها (4) = "ولا شفيع" ، يشفع لها، لوسيلة له عنده. (5)
* * *
(1)
وتروى لتأبط شرا.

(2)
ديوانه (الطرائف) : 36، وفيه المراجع، ومجاز القرآن 1: 195، اللسان (بسل) . وقبله، وهي أبيات مشهورة: لا تَقْبُرُونِي، إنَّ قَبْرِي مُحَرَّمٌ ... عَلَيْكُمْ، وَلِكنْ أبْشِرِي أمَّ عامِرِ

إذَا احْتَمَلُوا رَأْسِي، وَفِي الرّأسِ أكْثَرِي، ... وَغُودِرَ عِنْدَ المُلْتَقَى ثَمَّ سَائِري
و "سمير الليالي" : أبد الليالي، ويروى "سجيس الليالي" ، وهو مثله.
(3)
انظر تفسير "كسب" فيما سلف ص: 261، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "من دون" فيما سلف 11: 486، وفهارس اللغة (دون) .

(5)
انظر تفسير "شفيع" فيما سلف ص: 373: تعليق 4، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن تعدل النفس التي أبسلت بما كسبت، يعني: "وإن تعدل كل عدل" ، يعني: كل فداء.
* * *
يقال منه: "عَدَل يعدِل" ، إذا فدى، "عَدْلا" ، ومنه قول الله تعالى ذكره: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا، [سورة المائدة: 95] ، وهو ما عادله من غير نوعه. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13416 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" ، قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها.
13417 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" ، فما يعدلها لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لتفتدي به ما قُبل منها.
13418- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" ، قال: "وإن تعدل" ، وإن تفتد، يكون له الدنيا وما فيها يفتدي بها = "لا يؤخذ منه" ، عدلا عن نفسه، لا يقبل منه.
* * *
وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم بالعربية بمعنى: وإن تُقسط كل قسط لا يقبل منها. وقال: إنها التوبة في الحياة. (2)
(1)
انظر تفسير "العدل" فيما سلف 2: 34، 35، 574/11: 43، 44.

(2)
هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 195.

وليس لما قال من ذلك معنى، وذلك أن كل تائب في الدنيا فإن الله تعالى ذكره يقبل توبته.
* * *
القول في تأويل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين إن فدوا أنفسهم من عذاب الله يوم القيامة كل فداء لم يؤخذ منهم، هم "الذين أبسلوا بما كسبوا" ، يقول: أسلموا لعذاب الله، فرهنوا به جزاءً بما كسبوا في الدنيا من الآثام والأوزار، (1) = "لهم شرابٌ من حميم" .
* * *
و "الحميم" هو الحارّ، في كلام العرب، وإنما هو "محموم" صرف إلى "فعيل" ، ومنه قيل للحمّام، "حمام" لإسخانه الجسم، ومنه قول مرقش:
فِي كُلِّ مُمْسًى لَهَا مِقْطَرَةٌ ... فِيهَا كِبَاءٌ مُعَدٌّ وَحَمِيمْ (2)
يعني بذلك ماء حارًّا، ومنه قول أبي ذويب الهذلي في صفة فرس:
(1)
انظر تفسير "أبسل" فيما سلف قريبًا = وتفسير "كسب" ص: 446، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
المفضليات: 505، واللسان (قطر) (حمم) ، وسيأتي في التفسير 11: 61 (بولاق) . من قصيدته في ابنة عجلان، جارية صاحبته فاطمة بنت المنذر، وكان لابنه عجلان قصر بكاظمة، وكان لها حرس يجرون الثياب كل ليلة حول قصرها، فلا يطؤه إلا بنت عجلان. وكانت تأخذ كل عشية رجلا من أهل المال يبيت عندها، فبات عندها المرقش ليلة، وقال ذاك الشعر، فوصفها بالنعمة والترف. و "المقطرة" : المجمرة، يكون فيها القطر (بضم فسكون) ، وهو العود الذي يتبخر به. و "الكباء" : ضرب من العود. يصف ما هي فيه من الترف، بين تبخر بالعود الطيب، وتنزه بالاستحمام بالماء الساخن، من شدة عنايتها ببدنها.

تَأبَى بِدِرَّتِهَا إذَا مَا اسْتُضْغِبَتْ ... إلا الْحَمِيمَ فَإنّهُ يَتَبَضَّعُ (1)
يعني بالحميم: عرق الفرس.
* * *
وإنما جعل تعالى ذكره لهؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية شرابًا من حميم، لأن الحارّ من الماء لا يروي من عطش. فأخبر أنهم إذا عطشوا في جهنم لم يغاثوا بماء يرويهم، ولكن بما يزيدون به عطشًا على ما بهم من العطش = "وعذاب أليم" ، يقول: ولهم أيضًا مع الشراب الحميم من الله العذابُ الأليم والهوان المقيم = "بما كانوا يكفرون" ، يقول: بما كان من كفرهم في الدنيا بالله، وإنكارهم توحيده، وعبادتهم معه آلهة دونه.
* * *
13419 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا" ، قال يقال: أسلموا.
13420 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "أولئك الذين أبسلوا" ، قال: فُضحوا.
13421 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا" ، قال: أخذوا بما كسبوا.
* * *
(1)
ديوانه 17؛ المفضليات 879، اللسان (حمم) (بصع) (بضع) ، وغيرها. وهذا من الأبيات التي أخذت على أبي ذؤيب، وأنه لا علم له بالخيل. وقد اختلف في روايته. روي: وإذا ما استغضبت "و" إذ اما استكرهت "، ورواية الطبري مذكورة في اللسان في (بضع) وروي أيضًا" يتصبع "بالصاد. أي يسيل قليلا قليلا. و" تبضع العرق "بالضاد، سال سيلا منقطعًا. وانظر شرح هذا البيت في المراجع، فإنه يطول ذكره هنا. وأما رواية:" استضغبت "، وهي التي هنا، فقد فسرت بأنه: فزعت، لأن" الضاغب "، هو الذي يختبئ في الخمر ليفزع بمثل صوت الأسد. و" الضغاب "و" الضغيب "صوت الأرنب والذئب إذا تضور."

القول في تأويل قوله: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا}
قال أبو جعفر: وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم على حجته على مشركي قومه من عبدة الأوثان. يقول له تعالى ذكره: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثانَ والأنداد، والآمرين لك باتباع دينهم وعبادة الأصنام معهم: أندعو من دون الله حجرًا أو خشبًا لا يقدر على نفعنا أو ضرنا، فنخصه بالعبادة دون الله، وندع عبادة الذي بيده الضر والنفع والحياة والموت، إن كنتم تعقلون فتميزون بين الخير والشر؟ فلا شك أنكم تعلمون أن خدمة ما يرتجى نفعه ويرهب ضره، أحق وأولى من خدمة من لا يرجى نفعه ولا يخشى ضره!
* * *
= "ونرد على أعقابنا" ، يقول: ونرد إلى أدبارنا، فنرجع القهقري خلفنا، لم نظفر بحاجتنا.
* * *
وقد بينا معنى: "الرد على العقب" ، وأن العرب تقول لكل طالب حاجة لم يظفر بها: "رد على عقبيه" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
وإنما يراد به في هذا الموضع: ونرد من الإسلام إلى الكفر = "بعد إذ هدانا الله، فوفقنا له، فيكون مثلنا في ذلك مثل الرجل الذي استتبعه الشيطان، يهوي في الأرض حيران."
* * *
وقوله: "استهوته" ، "استفعلته" ، من قول القائل: "هوى فلان إلى كذا يهوي"
(1)
انظر تفسير "الرد على الأعقاب" فيما سلف 3: 163، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 196.

إليه "، ومن قول الله تعالى ذكره: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، [سورة إبراهيم: 37] ، بمعنى: تنزع إليهم وتريدهم."
* * *
وأما "حيران" ، فإنه "فعلان" من قول القائل: "قد حار فلان في الطريق، فهو يَحَار فيه حَيرة وحَيَرَانًا وَحيرُورة" ، (1) وذلك إذ ضل فلم يهتد للمحجَّة.
= "له أصحاب يدعونه إلى الهدى" ، يقول: لهذا الحيران الذي قد استهوته الشياطين في الأرض، أصحابٌ على المحجة واستقامة السبيل، يدعونه إلى المحجة لطريق الهدى الذي هم عليه، يقولون له: ائتنا.
* * *
وترك إجراء "حيران" ، لأنه "فعلان" ، وكل اسم كان على "فعلان" مما أنثاه "فعلى" فإنه لا يجري في كلام العرب في معرفة ولا نكرة.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لمن كفَر بالله بعد إيمانه، فاتبع الشياطين، من أهل الشرك بالله = وأصحابه الذين كانوا أصحابه في حال إسلامه، المقيمون على الدين الحق، يدعونه إلى الهدى الذي هم عليه مقيمون، والصواب الذي هم به متمسكون، وهو له مفارق وعنه زائل، يقولون له: "ائتنا فكن معنا على استقامة وهدى" ! وهو يأبى ذلك، ويتبع دواعي الشيطان، ويعبد الآلهة والأوثان.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل، وخالف في ذلك جماعة.
* ذكر من قال ذلك مثل ما قلنا:
(1)
"حيرورة" ، مصدر مثل "صيرورة" ، ولم تذكره كتب اللغة، فهذا مما يستفاد من أبي جعفر، ويزاد على كتب اللغة.

13422 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا" ، قال: قال المشركون للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا، واتركوا دين محمد = صلى الله عليه وسلم. فقال الله تعالى ذكره: "قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا" ، هذه الآلهة = "ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله" ، فيكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين في الأرض، يقول: مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق، فضلّ الطريق، فحيرته الشياطين، واستهوته في الأرض، وأصحابه على الطريق، فجعلوا يدعونه إليهم، يقولون: "ائتنا، فإنا على الطريق" ، فأبى أن يأتيهم. فذلك مثل من يتبعكم بعد المعرفة بمحمد، ومحمد الذي يدعو إلى الطريق، والطريق هو الإسلام.
13423 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا" ، قال: هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها، وللدعاة الذين يدعونَ إلى الله، كمثل رجل ضل عن الطريق تائهًا ضالا (1) إذ ناداه مناد: "يا فلان بن فلان، هلمّ إلى الطريق" ، وله أصحاب يدعونه: "يا فلان، هلم إلى الطريق" ! فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق. وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان. يقول: مثل من يعبد هؤلاء الآلهة من دون الله، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت، فيستقبل الهلكة والندامة. وقوله: "كالذي استهوته الشياطين في الأرض" ، وهم "الغيلان" يدعونه باسمه واسم أبيه واسم جده، فيتبعها، فيرى أنه في شيء، فيصبح وقد ألقته في الهلكة، وربما أكلته
(1)
قوله "تائهًا ضالا" ، ساقطة من المطبوعة، ثابتة في المخطوطة.

= أو تلقيه في مضلّة من الأرض يهلك فيها عطشًا. فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تُعبد من دون الله عز وجل.
13424 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "استهوته الشياطين في الأرض" ، قال: أضلته في الأرض حيران.
13425 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "ما لا ينفعنا ولا يضرنا" ، قال: الأوثان.
13426 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل = عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "استهوته الشياطين في الأرض حيران" ، قال: رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق، فذلك مثل من يضلّ بعد إذ هدي. (1)
13427- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، حدثنا رجل، عن مجاهد قال، "حيران" ، هذا مثل ضربه الله للكافر، يقول: الكافر حيران، يدعوه المسلم إلى الهدى فلا يجيب.
13428 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا" ، حتى بلغ "لنسلم لرب العالمين" ، علمها الله محمدًا وأصحابه، يخاصمون بها أهلَ الضلالة.
* * *
وقال آخرون في تأويل ذلك، بما:-
13429 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
(1)
في المطبوعة: "كذلك مثل" ، وفي المخطوطة: "لذلك مثل. . ." ، والصواب ما أثبت.

قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى" ، فهو الرجل الذي لا يستجيب لهدى الله، وهو رجل أطاعَ الشيطان، وعمل في الأرض بالمعصية، وحار عن الحقّ وضل عنه، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى، ويزعمون أن الذي يأمرونه هدًى. يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس: إن الهدى هدى الله، والضلالة ما تدعو إليه الجنّ.
* * *
فكأنّ ابن عباس = على هذه الرواية = يرى أن أصحاب هذا الحيران الذين يدعونه إنما يدعونه إلى الضلال، ويزعمون أنّ ذلك هدى، وأنّ الله أكذبهم بقوله: "قل إنّ هدى الله هو الهدى" ، لا ما يدعوه إليه أصحابه.
وهذا تأويل له وجه، لو لم يكن الله سمى الذي دعا الحيرانَ إليه أصحابه "هدى" ، وكان الخبر بذلك عن أصحابه الدعاة له إلى ما دعوه إليه: أنهم هم الذين سموه، ولكن الله سماه "هدى" ، وأخبر عن أصحاب الحيران أنهم يدعونه إليه. وغير جائز أن يسمي الله "الضلال" هدى، لأن ذلك كذب، وغير جائز وصف الله بالكذب، لأن ذلك وصفه بما ليس من صفته. وإنما كان يجوز توجيه ذلك إلى الصواب، لو كان ذلك خبرًا من الله عن الداعي الحيران أنهم قالوا له: "تعال إلى الهدى" ، فأما وهو قائل: "يدعونه إلى الهدى" ، فغير جائز أن يكون ذلك، وهم كانوا يدعونه إلى الضلال.
* * *
وأما قوله: "ائتنا" ، فإن معناه: يقولون: ائتنا، هلم إلينا = فحذف "القول" ، لدلالة الكلام عليه.
* * *
وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك: (يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا) .
13430 - حدثنا بذلك ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن شعبة، عن
أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله: (يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا) .
13431 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، أنه سمع مجاهدًا يقول: في قراءة ابن مسعود: (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى بَيِّنًا) ، قال: "الهدى" الطريق، أنه بين.
* * *
وإذا قرئ ذلك كذلك، كان "البين" من صفة "الهدى" ، ويكون نصب "البين" على القطع من "الهدى" ، (1) كأنه قيل: يدعونه إلى الهدى البين، ثم نصب "البين" لما حذفت "الألف واللام" ، وصار نكرة من صفة المعرفة.
* * *
وهذه القراءة التي ذكرناها عن ابن مسعود تؤيد قول من قال: "الهدى" في هذا الموضع، هو الهدى على الحقيقة.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، القائلين لأصحابك: "اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، فإنا على هدى" =: ليس الأمر كما زعمتم = "إن هدى الله هو الهدى" ، يقول: إن طريق الله الذي بينه لنا وأوضحه، وسبيلنا الذي أمرنا بلزومه، ودينه الذي شرعه لنا فبينه، هو الهدى والاستقامة التي لا شك فيها، لا عبادة الأوثان والأصنام
(1)
انظر تفسير "القطع" فيما سلف من فهارس المصطلحات، وهذا بيان صريح أن "القطع" هو النكرة إذا صار صفة لمعرفة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-07-2025, 10:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (615)
صــ 456 إلى صــ 465







التي لا تضر ولا تنفع، فلا نترك الحق ونتبع الباطل = "وأمرنا لنسلم لرب العالمين" ، يقول: وأمرَنا ربنا وربّ كل شيء تعالى وجهه، (1) لنسلم له، لنخضع له بالذلة والطاعة والعبودية، فنخلص ذلك له دون ما سواه من الأنداد والآلهة.
* * *
وقد بينا معنى "الإسلام" بشواهده فيما مضى من كتابنا، بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
وقيل: "وأمرنا لنسلم" ، بمعنى: وأمرنا كي نسلم، وأن نسلم لرب العالمين = لأن العرب تضع "كي" و "اللام" التي بمعنى "كي" ، مكان "أن" و "أن" مكانها.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأمرنا أنْ أقيموا الصلاة.
* * *
وإنما قيل: "وأن أقيموا الصلاة" ، فعطف ب "أن" على "اللام" من "لنسلم" ، لأن قوله: "لنسلم" معناه: أن نسلم، فردّ قوله: "وأن أقيموا" على معنى: "لنسلم" ، إذ كانت "اللام" التي في قوله: "لنسلم" ، لامًا لا تصحب إلا المستقبل من الأفعال، وكانت "أن" من الحروف التي تدل على الاستقبال دلالة "اللام" التي في "لنسلم" ، فعطف بها عليها، لاتفاق معنيهما فيما ذكرت.
(1)
انظر تفسير "العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .

(2)
انظر تفسير "الإسلام" فيما سلف من فهارس اللغة (سلم) .

ف "أن" في موضع نصب بالردّ على اللام. (1)
* * *
وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: إما أن يكون ذلك، "أمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة" ، يقول: أمرنا كي نسلم، كما قال: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) [سورة يونس: 104] ، أي: إنما أمرت بذلك. (3) ثم قال: "وأن أقيموا الصلاة واتقوه" ، أي: أمرنا أن أقيموا الصلاة = أو يكون أوصل الفعل باللام، والمعنى: أمرت أن أكون، كما أوصل الفعل باللام في قوله: هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ، [سورة الأعراف: 154] .
* * *
فتأويل الكلام: وأمرنا بإقامة الصلاة، وذلك أداؤها بحدودها التي فرضت علينا (4) = "واتقوه" ، يقول: واتقوا رب العالمين الذي أمرنا أن نسلم له، فخافوه واحذروا سَخطه، بأداء الصلاة المفروضة عليكم، والإذعان له بالطاعة، وإخلاص العبادة له = "وهو الذي إليه تحشرون" ، يقول: وربكم رب العالمين، هو الذي إليه تحشرون فتجمعون يوم القيامة، (5) فيجازي كلَّ عامل منكم بعمله، وتوفي كل نفس ما كسبت.
* * *
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 339.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "وأمرت لأن أكون من المؤمنين" ، وهذه ليست آية في كتاب الله، بل الآية هي التي ذكرت، وهي حق الاستدلال في هذا الموضع.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "إنما أمرت لذلك" ، وهو خطأ، والصواب ما أثبت.

(4)
انظر تفسير "إقامة الصلاة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم) (صلا) .

(5)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص: 373 تعليق: 2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد، الداعيك إلى عبادة الأوثان: "أمرنا لنسلم لرب العالمين، الذي خلق السماوات والأرض بالحق، لا من لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر" .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "بالحق" .
فقال بعضهم: معنى ذلك، وهو الذي خلق السماوات والأرض حقًّا وصوابًا، لا باطلا وخطأ، كما قال تعالى ذكره: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا [سورة ص: 27] . قالوا: وأدخلت فيه "الباء" و "الألف واللام" ، كما تفعل العرب في نظائر ذلك فتقول: "فلان يقول بالحق" ، بمعنى: أنه يقول الحق. قالوا: ولا شيء في "قوله بالحق" غير إصابته الصواب فيه = لا أنّ "الحق" معنى غير "القول" ، وإنما هو صفةٌ للقول، إذا كان بها القول، كان القائل موصوفًا بالقول بالحق، وبقول الحق. قالوا: فكذلك خلق السماوات والأرض، حكمة من حكم الله، فالله موصوف بالحكمة في خلقهما وخلق ما سواهما من سائر خلقه = لا أنّ ذلك حقٌّ سوى خَلْقِهما خَلَقَهما به. (1)
* * *
(1)
في المطبوعة: "سوى خلقهما به" ، أساء وحذف وبدل وأفسد الكلام، ثم ضبط "سوى" فعلا بتشديد الواو، وجعل "خلقهما به" مصدرًا منصوبًا بالفعل. وهو فساد وخطل.

والصواب ما في المخطوطة: "سوى" (بكسر السين) بمعنى "غير" و "خلقهما" الأولى مصدر مضاف مجرور، و "خلقهما به" فعل ماض. وهذا حق المعنى وصوابه. وهذا من عبث الناشرين والمصححين، يستعيذ المرء من مثله، فإنه ناقض للأمانة أولا، ولمعاني العقل والفقه بعد ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: خلق السماوات والأرض بكلامه وقوله لهما: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، [سورة فصلت: 11] . قالوا: فالحق، في هذا الموضع معنيّ به: كلامه. واستشهدوا لقيلهم ذلك بقوله: "ويوم يقول كن فيكون قوله الحق" ، "الحق" هو قوله وكلامه. (1) قالوا: والله خلق الأشياء بكلامه وقيله، فما خلق به الأشياء فغير الأشياء المخلوقة. (2) قالوا: فإذْ كان ذلك كذلك، وجب أن يكون كلام الله الذي خلق به الخلق غيرَ مخلوق.
* * *
وأما قوله: "ويوم يقول كن فيكون" ، فإن أهل العربية اختلفوا في العامل في "يوم يقول" ، وفي معنى ذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: "اليوم" مضاف إلى "يقول كن فيكون" . (3) قال: وهو نصب، وليس له خبر ظاهر، والله أعلم، وهو على ما فسرت لك = كأنه يعني بذلك أن نصبه على: واذكر يوم يقول كن فيكون. قال: وكذلك: "يوم ينفخ في الصور" ، قال: وقال بعضهم: يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة. (4)
* * *
وقال بعضهم: "يقول كن فيكون" للصور خاصة (5) = فمعنى الكلام على تأويلهم: يوم يقول للصور كن فيكون، قوله الحق يوم ينفخ فيه عالم الغيب والشهادة =
(1)
هذه العبارة فيها في المخطوطة سقط وتكرار، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب.

(2)
كانت هذه العبارة في المطبوعة: "كما خلق به الأشياء غير المخلوقة" ، وهو كلام ساقط جدًا، فاسد المعنى بل هو غاية في فساد المعنى. والذي في المخطوطة: "مما خلق به الأشياء بغير الأشياء المخلوقة" ، وهي محرفة، صواب قراءتها ما أثبت، يدل على ذلك الجملة الآتية. ويعني أن الذي خلق به الأشياء - هو غير الأشياء المخلوقة، وإذا كان غيرها، فهو غير مخلوق.

(3)
في المخطوطة: "مضاف إلى كن فيكون" ، والصواب ما في المطبوعة.

(4)
هذه الجملة الأخيرة لم أعرف لها هنا موقعًا، ولكني تركتها على حالها. وهي منقطعة عما بعدها بلا شك، فإن الذي يليها هو مقالة الفراء من الكوفيين. وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.

(5)
هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 340.

فيكون "القول" حينئذ مرفوعًا ب "الحق" و "الحق" ب "القول" ، وقوله: "يوم يقول كن فيكون" ، و "يوم ينفخ في الصور" ، صلة "الحق" .
* * *
وقال آخرون: بل قوله: "كن فيكون" ، معنيٌّ به كل ما كان الله مُعِيده في الآخرة بعد إفنائه، ومنشئه بعد إعدامه = فالكلام على مذهب هؤلاء، متناهٍ عند قوله: "كن فيكون" ، وقوله: "قوله الحق" ، خبر مبتدأ = وتأويله: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق، ويوم يقول للأشياء كن فيكون خلقهما بالحق بعد فنائهما. ثم ابتدأ الخبر عن قوله ووعده خلقَه أنه معيدهما بعد فنائهما عن أنه حق فقال: قوله هذا، الحقّ الذي لا شك فيه. وأخبر أن له الملك يوم ينفخ في الصور = ف يوم ينفخ في الصور "، يكون على هذا التأويل من صلة" الملك "."
وقد يجوز على هذا التأويل أن يكون قوله: "يوم ينفخ في الصور" من صلة "الحق" .
* * *
وقال آخرون: بل معنى الكلام: ويوم يقول لما فني: "كن" ، فيكون قوله الحق، فجعل "القول" مرفوعًا بقوله "ويوم يقول كن فيكون" ، وجعل قوله: "كن فيكون" ، للقول محلا وقوله: "يوم ينفخ في الصور" ، من صلة "الحق" = كأنه وجه تأويل ذلك إلى: ويومئذ قوله الحق يوم ينفخ في الصور. وإن جعل على هذا التأويل "يوم ينفخ في الصور" بيانًا عن اليوم الأول، كان وجهًا صحيحًا. ولو جعل قوله: "قوله الحق" ، مرفوعًا بقوله: "يوم ينفخ في الصور" ، وقوله: "يوم ينفخ في الصور" ، محلا وقوله: "ويوم يقول كن فيكون" من صلته، كان جائزًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ أنه المنفرد بخلق السماوات والأرض دون كل ما سواه، معرِّفًا من أشرك به من خلقه جهلَه في عبادة الأوثان والأصنام، وخطأ ما هم عليه مقيمون من عبادة ما لا يضر ولا ينفع، ولا يقدر على اجتلاب نفع إلى نفسه، ولا دفع ضر عنها = ومحتجًّا عليهم في إنكارهم البعثَ بعد الممات والثوابَ والعقاب، بقدرته على ابتداع ذلك ابتداءً، وأن الذي ابتدع ذلك غير متعذر عليه إفناؤه ثم إعادته بعد إفنائه، فقال: "وهو الذي خلق" ، أيها العادلون بربهم من لا ينفع ولا يضر ولا يقدر على شيء = "السماوات والأرض بالحق" ، حجة على خلقه، ليعرفوا بها صانعها، وليستدلُّوا بها على عظيم قدرته وسلطانه، فيخلصوا له العبادة = "ويوم يقول كن فيكون" ، يقول: ويوم يقول حين تبدل الأرض غير الأرض والسماوات كذلك: "كن فيكون" ، كما شاء تعالى ذكره، فتكون الأرض غير الأرض = ويكون [الكلام] عند قوله: "كن فيكون" متناهيًا. (1)
وإذا كان كذلك معناه، وجب أن يكون في الكلام محذوفٌ يدلّ عليه الظاهر، ويكون معنى الكلام: ويوم يقول كذلك: "كن فيكون" تبدل [السماوات والأرض] غير السماوات والأرض. (2) ويدلّ على ذلك قوله: "وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق" ، ثم ابتدأ الخبر عن القول فقال: "قوله الحق" ، بمعنى وعدُه هذا الذي وَعدَ تعالى ذكره، من تبديله السماوات والأرض غير الأرض والسماوات، الحقُّ الذي لا شك فيه = "وله الملك يوم ينفخ في الصور" ، فيكون قوله: "يوم ينفخ في الصور" ، من صلة "الملك" = ويكون معنى
(1)
في المطبوعة: "فتكون الأرض غير الأرض عند قوله: كن فيكون، متناهيًا" ، وهي كلام سقيم، أسقط من المخطوطة: "ويكون" ، هي ثابتة فيها، ولكن أسقط الناسخ ما وضعته بين القوسين، وبذلك استقامت العبارة. وهذا بين من السياق.

(2)
ما بين القوسين زيادة لا بد منها، وفي المخطوطة: "تبدله" مكان "تبدل" والصواب ما في المطبوعة. والناسخ في هذا الموضع قد أسقط الكلام وأفسده.

الكلام: ولله الملك يومئذ، لأن النفخة الثانية في الصور حال تبديل الله السماوات والأرض غيرهما.
وجائز أن يكون "القول" أعنى: "قوله الحق" ، = مرفوعًا بقوله: "ويوم يقول كن فيكون" ، ويكون قوله: "كن فيكون" محلا للقول مرافعًا، فيكون تأويل الكلام: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق، ويوم يبدلها غير السماوات والأرض، فيقول لذلك: "كن فيكون" ، "قوله الحق" .
* * *
وأما قوله: "وله الملك يوم ينفخ في الصور" ، فإنه خُصّ بالخبر عن ملكه يومئذ، وإن كان الملك له خالصًا في كل وقت في الدنيا والآخرة، لأنه عنى تعالى ذكره أنه لا منازع له فيه يومئذ ولا مدّعي له، وأنه المنفرد به دون كل من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة، فأذعن جميعهم يومئذ له به، وعلموا أنهم كانوا من دعواهم في الدنيا في باطل.
* * *
واختلف في معنى "الصور" في هذا الموضع.
فقال بعضهم: هو قرن ينفخ فيه نفختان: إحداهما لفناء من كان حيًّا على الأرض، والثانية لنشر كل مَيْتٍ. واعتلوا لقولهم ذلك بقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [سورة الزمر: 68] ، وبالخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذ سئل عن الصور: هو قرن يُنفخ فيه. (1)
* * *
(1)
رواه أحمد في مسند عبد الله بن عمرو رقم: 6507، وانظر تعليق أخي السيد أحمد عليه.

ورواه أبو داود في سننه 4: 326، رقم: 326 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والترمذي في باب "ما جاء في الصور" ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح" . ورواه الحاكم في المستدرك 4: 560، وقال: "حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي. و "القرن" ، البوق يتخذ من القرون، ينفخ فيه.
وقال آخرون: "الصور" في هذا الموضع جمع "صورة" ، ينفخ فيها روحها فتحيا، كقولهم: (1) "سور" لسور المدينة، وهو جمع "سورة" ، كما قال جرير:
سُورُ الْمَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعَ (2)
* * *
والعرب تقول: "نفخ في الصور" و "نفخ الصور" ، ومن قولهم: "نفخ الصور" (3)
قول الشاعر: (4)
لَوْلا ابْنُ جَعْدَةَ لَمْ تُفْتَحْ قُهُنْدُزُكُمْ ... وَلا خُرَاسَانَ حَتَّى يُنْفَخَ الصُّورُ (5)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن إسرافيلَ قد التقم الصور وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر فينفخ" ، (6) وأنه قال: "الصور قرن ينفخ فيه" . (7)
* * *
وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله: "يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة" ، يعني: أن عالم الغيب والشهادة، هو الذي ينفخ في الصور.
13432 - حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: "عالم الغيب والشهادة" ،
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "لقولهم" ، والصواب بالكاف كما أثبته.

(2)
مضى تخريجه وتمامه فيما سلف 2: 17، 242.

(3)
انظر تفسير "نفخ" فيما سلف 6: 426، 427.

(4)
لم أعرف قائله.

(5)
معاني القرآن للفراء 1: 340، نسب قريش: 345، المعرب للجواليقي: 267 اللسان (صور) . و "ابن جعدة" ، هو: "عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي" ، وكان أبوه "جعدة بن هبيرة" على خراسان، ولاه علي بن أبي طالب. و "القهندز" (بضم القاف والهاء وسكون النون، وضم الدال) . من لغة أهل خراسان، يعنون بها: الحصن أو القلعة.

(6)
رواه الترمذي في باب "ما جاء في الصور" ، وفي أول تفسير سورة الزمر وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 337، ثم قال: "رواه مسلم في صحيحه" ، ولم أستطع أن أعرف مكانه في صحيح مسلم.

(7)
انظر التعليق السالف ص: 462، تعليق: 1

يعني: أنّ عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور.
* * *
= فكأن ابن عباس تأوّل في ذلك أن قوله: "عالم الغيب والشهادة" ، اسم الفاعل الذي لم يسمَّ في قوله: "يوم ينفخ في الصور" ، وأن معنى الكلام: يوم ينفخ الله في الصور، عالم الغيب والشهادة. كما تقول العرب: "أُكلَ طعامك، عبدُ الله" ، فتظهر اسم الآكل بعد أن قد جرى الخبر بما لم يسم آكله. وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع، فإن أحسن من ذلك أن يكون قوله: "عالم الغيب والشهادة" ، مرفوعًا على أنه نعت ل "الذي" ، في قوله: "وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق" .
* * *
وروي عنه أيضًا أنه كان يقول: "الصور" في هذا الموضع، النفخة الأولى.
13433 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة" ، يعني بالصور: النفخة الأولى، ألم تسمع أنه يقول: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى يعني الثانية فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [سورة الزمر: 68] .
* * *
ويعني بقوله: "عالم الغيب والشهادة" ، عالم ما تعاينون: أيها الناس، فتشاهدونه، (1) وما يغيب عن حواسكم وأبصاركم فلا تحسونه ولا تبصرونه (2) = "وهو الحكيم" ، في تدبيره وتصريفه خلقه من حال الوجود إلى العدم، ثم من حال العدم والفناء إلى الوجود، ثم في مجازاتهم بما يجازيهم به من ثواب أو عقاب (3) = ""
(1)
انظر تفسير "الشهادة" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) .

(2)
انظر تفسير "الغيب" فيما سلف ص: 402، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) .

الخبير "، بكل ما يعملونه ويكسبونه من حسن وسيئ، حافظ ذلك عليهم ليحازيهم على كل ذلك. (1) يقول تعالى ذكره: فاحذروا، أيها العادلون بربكم، عقابَه، فإنه عليم بكل ما تأتون وتذرون، وهو لكم من وراء الجزاء على ما تعملون."
* * *
(1)
انظر تفسير "الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة (خبر) .

القول في تأويل قوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر، يا محمد = لحجاجك الذي تحاجّ به قومك، وخصومتك إياهم في آلهتهم، وما تراجعهم فيها، مما نلقيه إليك ونعلمكه من البرهان والدلالة على باطل ما عليه قومك مقيمون، وصحة ما أنت عليه مقيم من الدين، وحقيقة ما أنت عليهم به محتج (1) = (2) حِجَاج إبراهيم خليلي قومَه، ومراجعته إياهم في باطل ما كانوا عليه مقيمين من عبادة الأوثان، وانقطاعه إلى الله والرضا به وليًّا وناصرًا دون الأصنام، (3) فاتخذه إمامًا واقتد به، واجعل سيرته في قومك لنفسك مثالا = إذ قال لأبيه مفارقًا لدينه، وعائبًا عبادته الأصنام دون بارئه وخالقه: يا آزر. (4)
* * *
(1)
في المطبوعة: "وحقية ما أنت عليهم محتج" ، وفي المخطوطة: "وحقيقة أنعم عليهم محتج" . فعل ناشر المطبوعة في "حقيقة" ما فعل في أشباهها، كما سلف ص: 434، تعليق: 3، والمراجع هناك. وأما ما كان في المخطوطة: "ما أنعم عليهم محتج" ، فالصواب فيما أرجح أن الناسخ جمع الكلمتين في كلام واحد، فكتب "ما أنت به" ، "ما أنعم" .

(2)
السياق: "واذكر، يا محمد،. . . حجاج إبراهيم" .

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "واليا وناصرًا" ، والصواب ما أثبت.

(4)
السياق: "واذكر يا محمد،. . . حجاج إبراهيم. . . إذ قال لأبيه. . . يا آزر"






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15-07-2025, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (616)
صــ 466 إلى صــ 475





ثم اختلف أهل العلم في المعنيّ ب "آزر" ، وما هو، اسم هو أم صفة؟ (1) وإن كان اسمًا، فمن المسمى به؟ فقال بعضهم: هو اسم أبيه.
* ذكر من قال ذلك:
13434 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" ، قال: اسم أبيه "آزر" .
13435 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثني محمد بن إسحاق قال: "آزر" ، أبو إبراهيم. وكان، فيما ذكر لنا والله أعلم، رجلا من أهل كُوثَى، من قرية بالسواد، سواد الكوفة.
13436 - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يذكر قال: هو "آزر" ، وهو "تارح" ، مثل "إسرائيل" و "يعقوب" .
* * *
وقال آخرون: إنه ليس أبا إبراهيم.
* ذكر من قال ذلك:
13437 - حدثنا محمد بن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قال: ليس "آزر" ، أبا إبراهيم.
13437- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا الثوري قال، أخبرني رجل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" ، قال: "آزر" لم يكن بأبيه، إنما هو صنم.
13439- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان،
(1)
في المطبوعة: "اسم أم صفة" ، حذف "هو" !

عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "آزر" اسم، صنم.
13440 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" ، قال: اسم أبيه، ويقال: لا بل اسمه "تارح" ، واسم الصنم "آزر" . يقول: أتتخذ آزرَ أصنامًا آلهة. (1)
* * *
وقال آخرون: هو سبٌّ وعيب بكلامهم، ومعناه: معوَجٌّ. كأنه تأوّل أنه عابه بزَيْغه واعوجاجه عن الحق. (2)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الأمصار: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} بفتح "آزر" على اتباعه "الأب" في الخفض، ولكنه لما كان اسمًا أعجميًّا فتحوه، إذ لم يجروه، وإن كان في موضع خفض.
* * *
وذكر عن أبي زيد المديني والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك: (آزَرُ) بالرفع على النداء، بمعنى: يا آزر.
* * *
فأما الذي ذكر عن السديّ من حكايته أن "آزر" اسم صنم، وإنما نصبَه بمعنى: أتتخذ آزر أصنامًا آلهة = فقولٌ من الصواب من جهة العربية بعيدٌ. وذلك أن العرب لا تنصب اسمًا بفعلٍ بعد حرف الاستفهام، لا تقول: "أخاك أكلمت" ؟ وهي تريد: أكلمت أخاك.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءةُ من قرأ بفتح
(1)
في المخطوطة: "أتتخذ أصنامًا آلهة" ، ليس فيها "آزر" ، وما في المطبوعة قريب من الصواب إن شاء الله، لما سيأتي في نقد أبي جعفر مقالة السدي بعد قليل.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 340.

"الراء" من (آزَرَ) ، على اتباعه إعراب "الأب" ، وأنه في موضع خفض ففتح، إذ لم يكن جاريًا، لأنه اسم عجمي. وإنما اخترتُ قراءة ذلك كذلك، (1) لإجماع الحجة من القرأة عليه.
وإذْ كان ذلك هو الصواب من القراءة، وكان غير جائز أن يكون منصوبًا بالفعل الذي بعد حرف الاستفهام، صحَّ لك فتحه من أحد وجهين:
إما أن يكون اسمًا لأبي إبراهيم صلوات الله عليه وعلى جميع أنبيائه ورسله، فيكون في موضع خفض ردًّا على "الأب" ، ولكنه فتح لما ذكرت من أنه لمّا كان اسمًا أعجميًّا ترك إجراؤه ففتح، كما تفعل العرب في أسماء العجم. (2)
= أو يكون نعتًا له، فيكون أيضًا خفضًا بمعنى تكرير اللام عليه، (3) ولكنه لما خرج مخرج "أحمر" و "أسود" ترك إجراؤه، وفعل به كما يفعل بأشكاله. فيكون تأويل الكلام حينئذ: وإذ قال إبراهيم لأبيه الزائغ: أتتخذ أصنامًا آلهة. (4)
وإذ لم يكون له وِجهة في الصواب إلا أحد هذين الوجهين، فأولى القولين بالصواب منهما عندي قولُ من قال: "هو اسم أبيه" ، لأن الله تعالى ذكره أخبر أنه أبوه، وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم، دون القول الآخر الذي زعم قائلُه أنه نعتٌ.
* * *
فإن قال قائل: فإن أهل الأنساب إنما ينسبون إبراهيم إلى "تارح" ، فكيف يكون "آزر" اسمًا له، والمعروف به من الاسم "تارح" ؟
(1)
في المطبوعة: "وإنما أجيزت قراءة ذلك" ، وهو كلام فاسد، والصواب ما أثبت وهو في المخطوطة غير منقوط بتمامه.

(2)
في المطبوعة: "كما فتح العرب" ، والصواب من المخطوطة.

(3)
في المخطوطة: "تكرير الأمر عليه" ، والصواب ما في المطبوعة.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصنامًا آلهة" ، وهو نص الآية، لا تأويل لها على النعت. وأما تأويل النعت الذي ذكره آنفًا في أن "آزر" سب وعيب في كلامهم ومعناه "معوج" ، لزيغه واعوجاجه عن الحق = فهو الذي أثبت، وهو الصواب إن شاء الله.

قيل له: غير محال أن يكون له اسمان، كما لكثير من الناس في دهرنا هذا، وكان ذلك فيما مضى لكثير منهم. وجائز أن يكون لقبًا يلقّب به. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل إبراهيم لأبيه آزر أنه قال: "أتتخذ أصنامًا آلهة" ، تعبدها وتتخذها ربًّا دون الله الذي خلقك فسوَّاك ورزقك؟
و "الأصنام" : جمع "صنم" ، و "الصنم" التمثال من حجر أو خشب أو من غير ذلك في صورة إنسان، وهو "الوثن" . وقد يقال للصورة المصوّرة على صورة الإنسان في الحائط وغيره: "صنم" و "وثن" .
* * *
= "إني أراك وقومَك في ضلال مبين" ، يقول: "إني أراك" ، يا آزر، "وقومَك" الذين يعبدون معك الأصنام ويتخذونها آلهة = "في ضلال" ، يقول: في زوال عن محجّة الحق، وعدول عن سبيل الصواب = "مبين" ، يقول: يتبين لمن أبصَره أنه جوْرٌ عن قصد السبيل، وزوالٌ عن محجة الطريق القويم. يعني بذلك أنه قد ضلّ هو وهم عن توحيد الله وعبادته، الذي استوجب عليهم إخلاص العبادة له بآلائه عندهم، دون غيره من الآلهة والأوثان. (2)
* * *
(1)
في المطبوعة: "وجائز أن يكون لقبا والله تعالى أعلم" ، حذف "يلقب به" ، وهو وهو ثابت في المخطوطة، وزاد ما ليس في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "الضلال" و "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) (بين) .

القول في تأويل قوله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وكذلك" ، وكما أريناه البصيرة في دينه، والحقّ في خلافه ما كانوا عليه من الضلال، (1) نريه ملكوت السماوات والأرض = يعني ملكه. (2)
* * *
وزيدت فيه "التاء" كما زيدت في "الجبروت" من "الجبر" (3) وكما قيل: "رَهَبوتٌ خيرٌ من رَحَمُوت" ، بمعنى: رهبة خير من رحمة. (4) وحكي عن العرب سماعًا: "له مَلَكوت اليمنِ والعراق" ، بمعنى: له ملك ذلك.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" .
فقال بعضهم: معنى ذلك: نريه خلقَ السماوات والأرض.
* ذكر من قال ذلك:
13441- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، أي: خلق السماوات والأرض.
13442 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
(1)
في المطبوعة: "في خلاف ما كانوا عليه من الضلال" . وفي المخطوطة: "في خلافه بما كانوا عليه من الضلال" ، وبينهما بياض، وفي الهامش حرف (ط) دلالة على الخطأ، وظني أن الناسخ أشكل عليه الكلام فترك البياض، والكلام موصول صحيح المعنى.

(2)
في المخطوطة: "يعني ملكوت وزيدت فيه" بينهما بياض أيضًا، والذي في المطبوعة صحيح المعنى.

(3)
في المخطوطة: "من الجبروة" ، والصواب ما في المطبوعة.

(4)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة1: 197، 198.

عن قتادة: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، أي: خلق السماوات والأرض = "وليكون من الموقنين" .
13443- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، يعني ب "ملكوت السماوات والأرض" ، خلق السماوات والأرض.
* * *
وقال آخرون: معنى "الملكوت" الملك، بنحو التأويل الذي تأوّلناه. (1)
* ذكر من قال ذلك:
13444 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عمر بن أبي زائدة قال: سمعت عكرمة، وسأله رجل عن قوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: هو الملك، غير أنه بكلام النبط: "ملكوتَا" . (2)
13445 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي زائدة، عن عكرمة قال: هي بالنبطية: "ملكوتَا" .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: آيات السماوات والأرض.
* ذكر من قال ذلك:
13446- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: آيات السماوات والأرض.
(1)
في المخطوطة: "وبنحو الذي تأولناه" ، وفي الهامش "التأويل" ، وعليها علامة "صح" ، وفي الجهة الأخرى من السطر (كذا) بالحمرة، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب، إلا أنه كتب "الذي أولناه" ، والصواب ما في المخطوطة.

(2)
الأثر: 13444، 13445 - "عمر بن أبي زائدة الهمداني الوادعي" ، وهو "ابن أبي زائدة" في الإسناد الثاني، هو أخو "زكريا بن أبي زائدة" ، وهو الأكبر. و "زكريا" أخوه أعلى منه بكثير. وهو ثقة، ولكنه كان يرى القدر، وهو في الحديث مستقيم. مترجم في التهذيب.

13447- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: آيات.
13448 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: تفرجت لإبراهيم السماوات السبعُ حتى العرش، فنظر فيهنّ، وتفرَّجت له الأرضون السبع، فنظر فيهنّ.
13449 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين" ، قال: أقيم على صخرة وفتحت له السماوات، فنظر إلى ملك الله فيها، حتى نظر إلى مكانه في الجنة. وفتحت له الأرضون حتى نظَر إلى أسفل الأرض، فذلك قوله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [سورة العنكبوت: 27] ، يقول: آتيناه مكانه في الجنّة، ويقال: "أجره" الثناء الحسن.
13450- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: فرجت له السماوات فنظر إلى ما فيهنّ، حتى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع فنظر ما فيهنّ.
13451 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن سالم، عن سعيد بن جبير: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: كشف له عن أدِيم السماواتِ والأرض، حتى نظر إليهن على صخرة، والصخرةُ، على حوت، والحوت على خاتم ربّ العِزّة لا إله إلا الله. (1)
13452 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا أبو معاوية، عن عاصم،
(1)
قد مضى قولنا في هذا الضرب من الأخبار التي لا حجة فيها من الصادق صلى الله عليه وسلم.

عن أبي عثمان، عن سلمان قال: لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض، رأى عبدًا على فاحشة، فدعا عليه، فهلك. ثم رأى آخر على فاحشة، فدعا عليه فهلك. ثم رأى آخر على فاحشة، فدعا عليه فهلك. فقال: أنزلوا عبدِي لا يُهْلِك عبادِي!
13453- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: لما رفع الله إبراهيم في الملكوت في السماوات، أشرفَ فرأى عبدًا يزني، فدعا عليه، فهلك. ثم رُفع فأشرف، فرأى عبدًا يزني، فدعا عليه، فهلك. ثم رفع فأشرف، فرأى عبدًا يزني، فدعا عليه، فنودي: على رِسْلِك يا إبراهيم، فإنك عبد مستجابٌ لك، وإني من عبدي على ثلاث: إما أن يتوب إليّ فأتوب عليه، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة، وإما أن يتمادى فيما هو فيه، فأنا من ورائه.
13454- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر وعبد الوهاب، عن عوف، عن أسامة: أن إبراهيم خليل الرّحمن حدَّث نفسه أنه أرحمُ الخلق، وأن الله رفعه حتى أشرفَ على أهل الأرض، فأبصر أعمالهم. فلما رآهم يعملون بالمعاصي قال: اللهم دمِّر عليهم! فقال له ربه: أنا أرحم بعبادي منك، اهبطْ، فلعلهم أن يتوبوا إليّ ويُراجِعوا. (1)
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك، ما أخبر تعالى أنه أراه من النُّجوم والقمر والشمس.
* ذكر من قال ذلك:
13455 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: الشمس والقمر والنجوم.
(1)
في المطبوعة: "ويرجعوا" ، والصواب الجيد من المخطوطة.

13456 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، قال: الشمس والقمر.
13457 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، يعني به: الشمس والقمر والنجوم. (1)
13458 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: خُبِّئ إبراهيم صلى الله عليه وسلم من جبار من الجبابرة، فجُعِل له رزقه في أصابعه، فإذا مصّ أصبعًا من أصابعه وَجَد فيها رزقًا. فلما خرج، أراه الله ملكوت السماوات والأرض. فكان ملكوت السماوات: الشمس والقمر والنجوم، وملكوت الأرض: الجبال والشجر والبحار.
13459- حدثنا بشر بن معاذ، قال، حدثنا يزيد قال، (2) حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أن نبيّ الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فُرَّ به من جبَّار مُتْرَف، (3) فجعل في سَرَبٍ، (4) وجعل رزقه في أطرافه، فجعل لا يمصُّ إصبعًا من أصابعه إلا وجد فيها رزقًا. فلما خرج من ذلك السَّرَب، أراه الله ملكوت السماوات، فأراه شمسًا وقمرًا ونجومًا وسحابًا وخلقًا عظيمًا، وأراه ملكوت الأرض، فأراه جبالا وبحورًا وأنهارًا وشجرًا ومن كلّ الدواب وخلقًا عظيمًا.
* * *
(1)
في المطبوعة: "يعني به: نريه الشمس" ، وزاد "نريه" ، وليست في المخطوطة.

(2)
في المطبوعة، سقط "قال حدثنا يزيد" .

(3)
في المخطوطة: "قربه جبار مترف" ، وأما ما في المطبوعة، فهو نص ما في الدر المنثور 3: 25.

(4)
"السرب" (بفتحتين) : حفير في الأرض، كالسرداب.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، قولُ من قال: عنى الله تعالى ذكره بقوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" ، أنه أراه ملك السماوات والأرض، وذلك ما خلق فيهما من الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وغير ذلك من عظيم سلطانه فيهما، وجلَّى له بواطنَ الأمور وظواهرَها، لما ذكرنا قبل من معنى "الملكوت" ، في كلام العرب، فيما مضى قبل. (1)
* * *
وأما قوله: "وليكون من الموقنين" ، فإنه يعني أنه أراه ملكوت السماوات والأرض، ليكون ممن يقرّ بتوحيد الله، (2) ويعلم حقيقة ما هداه له وبصّره إياه، (3) من معرفة وحدانيته، وما عليه قومه من الضلالة، من عبادتهم الأصنام، واتخاذهم إياها آلهة دون الله تعالى. (4)
* * *
وكان ابن عباس يقول في تأويل ذلك، ما:-
13460 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وليكون من الموقنين" ، أنه جلَّى له الأمر سرَّه وعلانيتَه، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق. فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب، قال الله: إنك لا تستطيع هذا! فردَّه الله كما كان قبل ذلك.
* * *
فتأويل ذلك على هذا التأويل: أريناه ملكوت السماوات والأرض ليكون ممن يوقن علم كل شيء حسًّا لا خبرًا.
(1)
انظر ما سلف ص: 470 وما بعدها.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "ممن يتوحد بتوحيد الله" ، وهو كلام لا معنى له، صوابه ما أثبت. وإنما هو خطأ من عجلة الناسخ، واستظهرته من معنى "يوقن" فيما سلف 10: 394.

(3)
في المطبوعة: "ويعلم حقية ما هداه له" ، فعل بها ما فعل بصواحباتها، كما سلف قريبًا: ص: 465، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "أيقن" فيما سلف 10: 394، 395.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15-07-2025, 10:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (617)
صــ 476 إلى صــ 485






13461 - حدثني العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، حدثنا ابن جابر قال، وحدثنا الأوزاعيُّ أيضًا = قال: حدثني خالد بن اللجلاج قال: سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداةٍ، فقال له قائل: ما رأيتك أسفرَ وجهًا منك الغداة! (1) قال: ومالي، وقد تبدّى لي ربّي في أحسن صورة، (2) فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى، (3) يا محمد؟ قلت: أنت أعلم [يا رب] ! (4) فوضع يده بين كتفي فوجدت بردَها بين ثدييّ، (5) فعلمت ما في السماوات والأرض. (6) ثم تلا هذه الآية: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين" . (7)
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ما رأيت أسعد منك اليوم" ، وهو خطأ، صوابه من منتخب ذيل المذيل لأبي جعفر الطبري، تاريخه 13: 59، حيث روى الخبر بتمامه هناك. وقوله: "أسفر وجهًا منك الغداة" ، يعني: أحسن إشراقًا وإضاءة، يقال: "سفر وجهه حسنا، وأسفر" ، إذا أشرق وأضاء، ومنه في التنزيل العزيز: "وجوه يومئذ مسفرة" .

(2)
في المطبوعة: "ما لي قد أتاني ربي" ، وفي المخطوطة: "ومالي وقد ستاني ربي" غير منقوطة، محرفة، صوابها من ذيل المذيل لأبي جعفر.

(3)
في المطبوعة: "ففيم يختصم" لم يحسن قراءة المخطوطة، وهو الموافق لما في ذيل المذيل.

(4)
زيادة ما بين القوسين من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل.

(5)
قوله: "فوجدت بردها بين ثديي" ؛ أسقطه ناشر المطبوعة، لأنه كان في المخطوطة هكذا: "فوضع يده بين كتفي، ثديي" ، أسقط الناسخ ما بين الكلامين، والصواب زيادته من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل.

(6)
في ذيل المذيل: "ما في السماء والأرض" .

(7)
الأثر: 13461 - هذا خبر مشكل جدًّا، كما سترى بعد، وكان في المخطوطة والمطبوعة محرفًا أشد التحريف، وكان إسناده أشد تحريفًا، ولكني صححته بعون الله تعالى ذكره، من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل (تاريخ الطبري 13: 59، 60) .

"العباس بن الوليد بن مزيد العذري الآملي البيروتي" شيخ الطبري، ثقة، روى عنه كثيرًا مضى برقم: 891، 11014، 11821. وأبوه: "الوليد بن مزيد العذري البيروتي" ، ثقة؛ مضى برقم: 11821. قال الأوزاعي شيخه: "كتبه صحيحة" ، وقال النسائي: "هو أحب إلينا في الأوزاعي من الوليد بن مسلم، لا يخطئ، ولا يدلس" . و "ابن جابر" هو: "عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، ثقة، روى له الجماعة، روى عنه الأوزاعي، والوليد بن مزيد البيروتي، وغيرهما. ومضى برقم: 6655. وكان في المطبوعة والمخطوطة:" أبو جابر "، وهو خطأ، صوابه من ذيل المذيل وغيره."
و "خالد بن اللجلاج العامري" ، كان ذا سن وصلاح، جريء اللسان على الملوك، في الغلظة عليهم. قال البخاري: "سمع عمر بن الخطاب، وأباه" . وقال ابن أبي حاتم: "روي عن عمر، مرسل، وعن أبيه، ولأبيه صحبة، وعن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي" وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. مترجم في التهذيب، والكبير2/1/156، وابن أبي حاتم 1/2/349. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "خالد الحلاج" ، وهو خطأ صرف. وأما "عبد الرحمن بن عائش الحضرمي" ، فأمره وأمر صحبته مشكل من قديم، وسيأتي ذكر ذلك. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبد الرحمن بن عياش" ، وحذف ناشر المطبوعة "الحضرمي" ، وهي ثابتة في المخطوطة. والصواب من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل. ولكن أعجب العجب أنه جاء كذلك في المسند 5: 243: "عبد الرحمن بن عياش الحضرمي" ، مع أني لم أجد أحدًا ذكر في ترجمته خلافًا في اسم أبيه "عائش" ، فمن عجيب الاتفاق، وهو قليل مثله، أن يأتي كذلك في مخطوطة الطبري والمسند جميعًا، وهو اتفاق عجيب على الخطأ في كتابين متباينين. والذي في المسند خطأ لا شك فيه أيضًا، لأني وجدت ابن كثير في تفسيره 7: 220، ونقل الخبر عن هذا الموضع من مسند أحمد، وفيه "عبد الرحمن بن عائش" على الصواب. وتحريف "عائش" إلى "عياش" جائز قريب، لشهرة "عياش" وكثرة من تسمى به، ولخفاء "عائش" وندرة من تسمى به. و "عبد الرحمن بن عائش الحضرمي" مترجم في التهذيب، وفي ابن سعد 7/2/150، في الصحابة، وفي ذيل المذيل للطبري (13: 59، 60) ، وفي الاستيعاب لابن عبد البر: 399، وابن أبي حاتم 2/2/262، وأسد الغابة 3: 303، 304، وفي الإصابة، وفي ميزان الاعتدال 2: 108. و "عبد الرحمن بن عائش" مختلف في صحبته، فممن صرح بصحبته، ابن سعد، وابن جرير في ذيل المذيل، وابن حبان أما ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة، فذكر أنه لا تصح صحبته، لأن حديثه مضطرب. وأما أبو حاتم فقال: "أخطأ من قال: له صحبة، هو عندي تابعي" . أما أبو زرعة فقال: "عبد الرحمن بن عائش، ليس بمعروف" . وعد الحافظ ابن حجر في الإصابة من عده في الصحابة فقال: "وذكره في الصحابة: محمد بن سعد، والبخاري، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو الحسن بن سميع، وأبو القاسم، والبغوي، وأبو زرعة الحراني، وغيرهم" . وقد استوفى الكلام في ترجمته في الإصابة وقال البخاري: "له حديث واحد، إلا أنهم مضطربون فيه" ، يعني هذا الحديث. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: "قلت: وقد وجدت له حديثًا آخر مرفوعًا، وحديثا آخر موقوفًا" وهذا الخبر رواه أبو جعفر في ذيل المذيل (تاريخه 13: 59، 60) بهذا الإسناد، وأشار إليه الترمذي في تفسير "سورة ص" من سننه (12: 116، 117 شرح ابن عربي) ، بعد أن ذكر حديث معاذ بن جبل، من طريق زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أنه حدثه عن مالك بن يحامر السكسكي، عن معاذ بن جبل، وذكر الحديث = "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسمعيل (البخاري) عن هذا الحديث فقال: هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال، حدثنا خالد بن اللجلاج، حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ، هكذا ذكر الوليد في حديثه عن عبد الرحمن بن عائش قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد، عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم = وهذا أصح، وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم" . وقد استوفى الحافظ ابن حجر في الإصابة، في ترجمة "عبد الرحمن بن عائش" وجوه الاختلاف والاضطراب في هذا الخبر، وما قالوه في الكتب التي ذكرتها من أنه لم يقل في حديثه: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم" ، إلا الوليد بن مسلم. وقد ذكر أن الوليد بن مسلم لم ينفرد برواية ذلك، بل رواه أيضًا ثقة ثبت عن الأوزاعي، صحيح الحديث عنه، هو "الوليد بن مزيد البيروتي" بمثل رواية "الوليد بن مسلم" ، وإذن فالاضطراب فيه لم يأت من طريق "الوليد بن مسلم" . وذكر الحافظ سائر المتابعات التي تؤيد الوليد بن مسلم في روايته. وأما الخبر بغير هذا الإسناد، فقد رواه أحمد في مسنده 5: 243، والترمذي، كما أشرت إليه آنفًا. ثم رواه أحمد من حديث ابن عباس في مسنده رقم: 3484، بمثله. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 5: 319 - 321 من حديث جماعة من الصحابة، من حديث ابن عباس، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وأبي أمامة الباهلي، وطارق بن شهاب، وعدي بن حاتم، وأبي عبيدة بن الجراح، وثوبان. وهذا قدر كاف في تخريج هذا الخبر المضطرب، تراجع فيه سائر الكتب التي ذكرتها. وكتبه محمود محمد شاكر.
القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما واراه الليل وغيّبه. (1)
* * *
يقال منه: "جنَّ عليه الليل" ، و "جنَّه الليل" ، و "أجنه" ، و "أجنّ عليه" . وإذا ألقيت "على" ، كان الكلام بالألف أفصح منه بغير "الألف" ، "أجنه الليل" ، أفصح من "أجن عليه" و "جنّ عليه الليل" ، أفصح من "جنَّه" ، وكل ذلك مقبول مسموع من العرب. (2) "جنّه الليل" ، في أسد = "وأجنه"
(1)
في المطبوعة: "داراه الليل وجنه" ، والصواب من المخطوطة.

(2)
هذا بيان لا تصيبه في كتب اللغة، فقيده هناك، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 341.

وجنه "في تميم. (1) والمصدر من:" جن عليه "،" جنًّا وجُنُونًا وجَنَانًا "، = ومن" أجنّ "" إجنانًا ". ويقال:" أتى فلان في جِنّ الليل ". (2) و" الجن "من ذلك لأنهم استجنُّوا عن أعين بني آدم فلا يرون. وكل ما توارى عن أبصار الناس، فإن العرب تقول فيه:" قد جَنّ "، ومنه قول الهذلي: (3) "
وَمَاءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرَى ... وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الأَدْهَمْ (4)
وقال عبيد:
وَخَرْقٍ تَصِيحُ البُومُ فِيهِ مَعَ الصَّدَى ... مَخُوفٍ إذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْلُ مَرْهُوبِ (5)
ومنه: "أجننت الميت" ، إذا واريته في اللحد، و "جننته" ، وهو نظير
(1)
يعني أن الأولى أشهر في لغة بني أسد، وأن الثانية أشهر في لغة بني تميم.

(2)
"جن الليل" (بكسر الجيم) : اختلاط ظلمته.

(3)
هو البريق الهذلي، واسمه: "عياض بن خويلد الخناعي" ، وروى الأصمعي أن قائل الشعر هو "عامر بن سدوس الخناعي" .

(4)
ديوان الهذليين 3: 56، وما بقي من أشعار الهذليين رقم: 31، واللسان (سدف) (جنن) ، من أبيات يمجد فيها نفسه، وبعد البيت: مَعِي صَاحِبٌ مِثْلُ نَصْل السِّنانِ ... عَنِيفٌ عَلَى قِرْنِهِ مِغْشَمُ

ويروى: "وما وردت علي خيفة" ، ويروى "قبيل الصباح" ، وكله حسن. و "السدف" : الظلمة من أول الليل أو آخره، عند اختلاط الضوء. و "الأدهم" : الضارب إلى السواد.
(5)
ديوانه: 33، ذكر نفسه في هذا البيت ثم قال بعده: قَطَعْتُ بِصَهْبَاءِ السَّرَاةِ شِمِلَّةٍ ... تَزِلُّ الوَلايَا عَنْ جَوَانِبِ مَكْرُوبِ

وختمها بالبيت الحكيم: تَرَى المَرْءَ يَصْبُو لِلحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَفِي طُولِ عَيْش المَرْءِ أَبْرَحُ تَعْذِيبِ
وصدق غاية الصدق! وكان في المطبوعة: "الليل مرهب" ، والصواب من المخطوطة. و "الخرق" (بفتح فسكون) : الفلاة الواسعة، ورواية الديوان: "تصيح الهام" ، و "الهام" ذكر البوم، ورواية أبي جعفر أجود، لأن "الصدى" هو أيضًا ذكر البوم.
"جنون الليل" ، في معنى غطيته. ومنه قيل للترس "مِجَنّ" لأنه يُجنّ من استجنَّ به فيغطّيه ويواريه.
* * *
وقوله: "رأى كوكبًا" ، يقول: أبصر كوكبًا حين طلع = "قال هذا ربي" ، فروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
13462 - حدثني به المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين" ، يعني به الشمس والقمر والنجوم = "فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي" ، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لا أحب الآفلين = "فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربي" ، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين = "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر" فعبدها حتى غابت، فلما غابت قال: يا قوم إنّي بريء مما تشركون.
13463 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحبّ الآفلين" ، علم أن ربّه دائم لا يزول. فقرأ حتى بلغ: "هذا ربي هذا أكبر" ، رأى خلقًا هو أكبرَ من الخلقين الأوّلين وأنور. (1)
وكان سبب قيل إبراهيم ذلك، ما:-
13464- حدثني به محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثني محمد بن إسحاق = فيما ذكر لنا، والله أعلم = أن آزر كان رجلا من أهل
(1)
في المطبوعة: "وأي خلق" ، وهو فاسد المعنى، وفي المخطوطة: "وأي خلقا" ، وصواب قراءتها ما أثبت.

كوثى، من قرية بالسوادِ، سواد الكوفة، وكان إذ ذاك ملك المشرق النمرود، (1) فلما أراد الله أن يبعث إبراهيم [عليه السلام، خليل الرحمن، حجة على قومه] ، (2) ورسولا إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم نبيّ إلا هود وصالح، فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله ما أراد، أتى أصحابُ النجوم نمرودَ فقالوا له: تَعَلَّمْ، أنّا نجد في عِلْمنا أن غلامًا يولد في قريتك هذه يقال له "إبراهيم" ، (3) يفارق دينكم، ويكسر أوثانكم، في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحابُ النجوم لنمرود، بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها عنده = إلا ما كان من أمّ إبراهيم امرأة آزر، فإنه لم يعلم بحبَلها، وذلك أنها كانت امرأة حَدَثة، فيما يذكر، لم تعرف الحبَل في بطنها، (4) ولِمَا أرادَ الله أن يبلغ بولدها، (5) = يريدُ أن يقتل كل غلام ولد في ذلك الشهر من تلك السنة، حذرًا على ملكه. فجعلَ لا تلد امرأة غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة، إلا أمر به فذبح. فلما وجدت أم إبراهيم الطَّلقَ خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبًا منها، فولدت فيها إبراهيم، وأصلحت من شأنه ما يُصْنع بالمولود، (6) ثم سَدّت عليه المغارة، ثم رجعت إلى بيتها، ثم كانت تطالعه في المغارة فتنظر ما فعل، فتجده حيًّا يمصّ إبهامه، يزعمون، والله أعلم، أن الله جعل رزق إبراهيم فيها وما يجيئه من مصّه. وكان آزر، فيما يزعمون، سأل أمّ إبراهيم عن حمْلها ما فعل، فقالت: ولدت غلامًا فمات! فصدّقها، فسكت عنها. وكان اليوم، فيما يذكرون، على إبراهيم في الشَّباب كالشهر، والشهر كالسنة. فلم يلبث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر شهرًا حتى قال لأمه: أخرجيني أنظر! فأخرجته عِشاء فنظر، وتفكر في خلق السماوات والأرض، وقال: "إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربّي، ما لي إله غيره" ! ثم نظر في السماء فرأى كوكبًا، قال: "هذا ربي" ، ثم اتّبعه ينظر إليه ببصره حتى غاب، فلما أفل قال: "لا أحب الآفلين" ، ثم طلع القمر فرآه بازغًا، قال: "هذا ربي" ، ثم اتّبعه ببصره حتى غاب، فلما أفل قال: "لئن لم يهدني ربّي لأكونن من القوم الضالين" ! فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس، أعظَمَ الشمسَ، (7) ورأى شيئًا هو أعظم نورًا من كل شيء رآه قبل ذلك، فقال: "هذا ربي، هذا أكبر" ! فلما أفلت قال: "يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين" . ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته، وعرف ربَّه، وبرئ من دين قومه، إلا أنه لم يبادئهم بذلك. وأخبر أنه ابنه، وأخبرته أم إبراهيم أنه ابنه، وأخبرته بما كانت صنعت من شأنه، فسرَّ بذلك آزر وفرح فرحًا شديدًا. وكان آزر يصنع أصنام قومِه التي يعبدونها، ثم يعطيها إبراهيم يبيعها، فيذهب بها إبراهيم، فيما يذكرون، فيقول: "من يشتري ما يضرُّه ولا ينفعه" ، فلا يشتريها منه أحد. فإذا بارت عليه، (8) ذهب بها إلى نهر فصوَّبَ فيه رؤوسها، (9) وقال: "اشربي" ، استهزاء بقومه وما هم عليه من الضلالة، حتى فشا عيبُه إياها واستهزاؤُه بها في قومه وأهل قريته، من غير أن يكون ذلك بلغ نمرودَ الملك. (10)
* * *
قال أبو جعفر: وأنكر قوم من غير أهل الرواية هذا القول الذي روي عن ابن عباس وعمن روي عنه، من أن إبراهيم قال للكوكب أو للقمر: "هذا ربي" ، وقالوا: غير جائز أن يكون لله نبيٌّ ابتعثه بالرسالة، أتى عليه وقتٌ من الأوقات وهو بالغٌ إلا وهو لله موحدٌ، وبه عارف، ومن كل ما يعبد من دونه برئ. قالوا: ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الأوقات وهو به كافر، لم يجز أن يختصه بالرسالة، لأنه لا معنى فيه إلا وفي غيره من أهل الكفر به مثله، وليس بين الله وبين أحد من خلقه مناسبة، فيحابيه باختصاصه بالكرامة. قالوا: وإنما أكرم من أكرم منهم لفضله في نفسه، فأثابه لاستحقاقه الثوابَ بما أثابه من الكرامة. وزعموا أن خبرَ الله عن قيل إبراهيم عند رؤيته الكوكب أو القمر أو الشمس: "هذا ربي" ، لم يكن لجهله بأن ذلك غير جائز أن يكون ربّه، وإنما قال ذلك على وجه الإنكار منه أن يكون ذلك ربه، وعلى العيب لقومه في عبادتهم الأصنام، إذْ كان الكوكبُ والقمرُ والشمسُ أضوأ وأحسنَ وأبهجَ من الأصنام، ولم تكن مع ذلك معبودة، وكانت آفلةً زائلة غير دائمة، والأصنام التي [هي] دونها في الحسن وأصغرَ منها في الجسم، أحقُّ أن لا تكون معبودة
(1)
في المطبوعة: "لنمرود بن كنعان" ، وليس ذلك في المخطوطة، ولا في تاريخ الطبري 1: 119، بل الذي هناك: "لنمرود الخاطئ، وكان يقال له: الهاصر. وكان ملكه فيما يزعمون قد أحاط بمشارق الأرض ومغاربها، وكان ببابل. . ." ، فاختصر أبو جعفر الخبر كعادته. وهو خبر قسمه أبو جعفر في تاريخه، فروى صدره هذا، ثم فصل، ثم عاد إلى حديث ابن إسحق.

(2)
الزيادة بين القوسين من تاريخ أبي جعفر 1: 119.

(3)
"تعلم" (بفتح التاء والعين وتشديد اللام المفتوحة) فعل أمر بمعنى: اعلم، يكثر ورودها في سيرة ابن إسحق، ويخطئ كثير من الناس في ضبطها من قلة معرفتهم بالكلام.

(4)
"امرأة حدثة" (بفتحات) : حديثة السن صغيرة، بينة الحداثة. والمذكر: "رجل حدث" ، أي شاب صغير. وكان في المطبوعة: "حدبة" بالباء، وهو خطأ صرف، وهي في المخطوطة غير منقوطة، والصواب في تاريخ الطبري.

(5)
في المطبوعة: "ولما أراد الله أن يبلغ بولدها أراد أن يقتل. . ." غير ما كان في المخطوطة، لأنه لم يفهم سياق الكلام، فوضع مكان "يريد" ، "أراد" . وسياق الكلام: ". . . بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها عنده. . . يريد أن يقتل كل غلام. . ." ، ووضعت العبارة الفاصلة في شأن ولدها بين خطين، لذلك. وقوله "ولما أراد الله. . ." ، أي وللذي أراد الله. وهذه الجملة ليست في تاريخ أبي جعفر، اختصر الكلام هناك كعادته.

(6)
في المطبوعة: "ما يصنع مع المولود" ، أراد الناشر ترجمة كلام أبي جعفر إلى سقم عربيته!! ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.

(7)
هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "أعظم الشمس" ، كأنه يعني: استعظمها، ووجدها عظيمة، وهو صواب في المعنى، وأما في التاريخ فهناك: "رأى عظم الشمس" ، وهو صواب أيضًا.

(8)
هكذا في التاريخ، وفي المخطوطة: "وإذا بات عليه" غير منقوطة، فأثبت ما في التاريخ.

(9)
في المطبوعة والمخطوطة: "فضرب فيه رؤوسها" ، والصواب من التاريخ. و "صوب رؤوسها" ، نكسها.

(10)
الأثر: 13464 - هذا الأثر رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1: 119، 120.

ولا آلهة. (1) قالوا: وإنما قال ذلك لهم، معارضةً، كما يقول أحد المتناظرين لصاحبه معارضًا له في قولٍ باطلٍ قال به بباطل من القول، (2) على وجه مطالبته إياه بالفُرْقان بين القولين الفاسدين عنده، اللذين يصحِّح خصمه أحدَهما ويدعي فسادَ الآخر.
* * *
وقال آخرون منهم: بل ذلك كان منه في حال طفولته، (3) وقبل قيام الحجة عليه. وتلك حال لا يكون فيها كفر ولا إيمان.
* * *
وقال آخرون منهم: إنما معنى الكلام: أهذا ربي؟ على وجه الإنكار والتوبيخ، أي: ليس هذا ربي. وقالوا: قد تفعل العرب مثل ذلك، فتحذف "الألف" التي تدلّ على معنى الاستفهام. وزعموا أن من ذلك قول الشاعر: (4)
رَفَوْنِي وَقَالُوا: يَا خُوَيْلِدُ، لا تُرَعْ! ... فَقُلْتُ، وأَنْكَرْتُ الوُجُوهَ: هُمُ هُمُ? (5)
يعني: أهم هم؟ قالوا: ومن ذلك قول أوس: (6)
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي، وَإنْ كُنْتُ دَارِيًا، ... شُعَيْثَ بنَ سَهْمٍ أم شُعَيْثَ بْنَ مِنْقَرِ (7)
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "والأصنام التي دونها في الحسن" ، وفي المخطوطة: "فأحق" ، ورأيت السياق يقتضي ما أثبت، مع زيادة [هي] بين القوسين.

(2)
السياق: معارضا له. . . بباطل من القول.

(3)
في المطبوعة: "طفوليته" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
هو أبو خراش الهذلي.

(5)
ديوان الهذليين 2: 144، الخزانة 1: 211 واللسان، (رفأ) (رفو) ، وغيرها كثير. هي مطلع شعر له في فرة فرها على رجليه، فوصف ذلك وحسن فرته. وقوله: "رفوني" ، أي: سكنوني، كأن قلبه قد طار شعاعًا، فضموا بعضه إلى بعض. يقال: "رفوته من الرعب" و "رفأته" .

(6)
ينسب أيضًا للأسود بن يعفر النهشلي، واللعين المنقري.

(7)
سيبويه 1: 485، البيان والتبين 4: 40، 41، الكامل 1: 384، 2: 115، الخزانة 4: 450، شرح شواهد المغني: 51، وغيرها كثير. قال الجاحظ: "وذكروا أن حزن بنالحارث، أحد بني العنبر، ولد" محجنًا "، فولد محجن:" شعيب بن سهم "، فأغير على إبله، فأتى أوس بن حجر يستنجده، فقال له أوس: أو خير من ذلك، أحضض لك قيس بن عاصم! وكان يقال إن" حزن بن الحارث "هو" حزن بن منقر "، فقال أوس: سَائِلُ بِهَا مَوْلاَكَ قَيْسَ بن عَاصِمٍ ... فَمَوْلاَكَ مَوْلَى السَّوْءِ إنْ لَمْ يُغَيِّرِ"

لَعَمْرُكَ مَا أدْرِي: أمِنْ حزن مِحْجَنٍ ... شُعَيْثُ بن سَهْمٍ أمْ لِحَزْنِ بن مِنْقَرِ
فَما أنْتَ بالمَوْلَى المُضَيِّعِ حَقَّهُ ... وَمَا أنْتَ بِالْجَارِ الضَّعِيفِ المُسَترِ
فسعى قيس في إبله حتى ردها على آخرها ". والبيت برواية الجاحظ لا شاهد فيه. وكان في المطبوعة في المواضع كلها:" شعيب "بالباء، وهو خطأ. وفي المطبوعة:" أو شعيب "والصواب" أم "كما في المخطوطة وسائر الروايات."
بمعنى: أشعيث بن سهم؟ فحذف "الألف" ، ونظائر ذلك. وأما تذكير "هذا" في قوله: "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي" ، فإنما هو على معنى: هذا الشيء الطالع ربِّي.
* * *
قال أبو جعفر: وفي خبر الله تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر: "لئن لم يهدني ربّي لأكونن من القوم الضالين" ، الدليلُ على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم، وأنّ الصوابَ من القول في ذلك، الإقرارُ بخبر الله تعالى الذي أخبر به عنه، والإعراض عما عداه. (1)
وأما قوله: "فلما أفل" ، فإن معناه: فلما غاب وذهب، كما:-
13465 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، قال ابن إسحاق: "الأفول" ، الذهاب.
يقال منه: "أفل النجم يأفُلُ ويأفِلُ أفولا وأفْلا" ، إذا غاب، ومنه قول ذي الرمة:
مَصَابِيحُ لَيْسَتْ بِالَّلوَاتِي تَقُودُهَا ... نُجُومٌ، وَلا بالآفِلاتِ الدَّوَالِكِ (2)
ويقال: "أين أفلت عنا" بمعنى: أين غبت عنا؟ (3)
* * *
(1)
انظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1: 341.

(2)
ديوانه: 425، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 199، الأزمنة 2: 49، كتاب القرطين 1: 261، اللسان (دلك) ، من قصيدة طويلة، وصف بها الإبل، وهذا البيت من صفة الإبل. "مصابيح" جمع "مصباح" ، و "المصباح" التي تصبح في مبركها لا ترعى حتى يرتفع النهار، وهو مما يستحب من الإبل، وذلك لقوتها وسمنها. يقول: ليست بنجوم آفلات، ولكنها إبل.

(3)
هذا مجاز لا تكاد تجده في كتاب آخر.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15-07-2025, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (618)
صــ 486 إلى صــ 495





القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما طلع القمر فرآه إبراهيم طالعًا، وهو "بُزُوغه" .
* * *
يقال منه: "بزغت الشمس تَبْزُغُ بزُوغًا" ، إذا طلعت، وكذلك القمر.
* * *
= "قال هذا ربي فلما أفل" ، يقول: فلما غاب = "قال" ، إبراهيم، "لئن لم يهدني ربي" ، ويوفقني لإصابة الحق في توحيده = "لأكونن من القوم الضالين" ، أيْ: من القوم الذين أخطؤوا الحق في ذلك، فلم يصيبوا الهدى، وعبدوا غير الله.
* * *
وقد بينا معنى "الضلال" ، في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله (2) "فلما رأى الشمس بازغة" ، فلما رأى إبراهيم الشمس طالعةً، قال: هذا الطالعُ ربّي = "هذا أكبر" ، يعني: هذا أكبر من الكوكب والقمر = فحذف ذلك لدلالة الكلام عليه =
(1)
انظر تفسير "الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة: (ضلل) .

(2)
"بقوله" ، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة، وهي حق سياقة الكلام.

"فلما أفلت" ، يقول: فلما غابت، (1) قال إبراهيم لقومه = "يا قوم إنّي بريء مما تشركون" ، أي: من عبادة الآلهة والأصنام ودعائه إلهًا مع الله تعالى ذكره. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن خليله إبراهيم عليه السلام: أنه لما تبيّن له الحق وعرَفه، شهد شهادةَ الحقّ، وأظهر خلاف قومِه أهلِ الباطل وأهلِ الشرك بالله، ولم يأخذه في الله لومة لائم، ولم يستوحش من قِيل الحقِّ والثبات عليه، مع خلاف جميع قومه لقوله، وإنكارهم إياه عليه، وقال لهم: "يا قوم إنّي بريء مما تشركون" مع الله الذي خلقني وخلقكم في عبادته من آلهتكم وأصنامكم، (3) إني وجهت وجهي في عبادتي إلى الذي خلق السماوات والأرض، الدائم الذي يبقى ولا يفنى، ويُحْيي ويميت = لا إلى الذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يدوم، ولا يضر ولا ينفع.
ثم أخبرهم تعالى ذكره: أن توجيهه وجهه لعبادته، بإخلاص العبادة له، والاستقامة في ذلك لربه على ما يحبُّ من التوحيد، لا على الوجه الذي يوجَّه له وَجْهه من ليس بحنيف، ولكنه به مشرك، (4) إذ كان توجيه الوجه على غير التحنُّف غير نافع موجِّهه، (5) بل ضارّه ومهلكه = "وما أنا من المشركين" ،
(1)
انظر تفسير "أفل" و "بزغ" فيما سلف قريبًا.

(2)
انظر تفسير "برئ" فيما سلف ص: 293.

(3)
انظر تفسير "فطر" فيما سلف ص: 283، 284.

(4)
انظر تفسير "الحنيف" فيما سلف 3: 104 - 108، 6 494، 9: 250.

(5)
في المطبوعة: "إذا كان توجيه الوجه لا على التحنيف" ، وفي المخطوطة: ". . . توجيه الوجه على التحنف" ، والصواب ما أثبت.

ولست منكم، أي: لست ممن يدين دينكم، ويتّبع ملّتكم أيُّها المشركون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول:
13465م - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول قوم إبراهيم لإبراهيم: تركت عبادة هذه؟ فقال: "إني وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" ، فقالوا: ما جئت بشيء! ونحن نعبده ونتوجّهه! فقال: لا حنيفًا!! قال: مخلصًا، لا أشركه كما تُشْركون.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجادل إبراهيم قومه في توحيد الله وبراءته من الأصنام، (1) وكان جدالهم إياه قولُهم: أن آلهتهم التي يعبدونها خير من إلهه. قال إبراهيم: "أتحاجوني في الله" ، يقول: أتجادلونني في توحيدي الله وإخلاصي العمل له دون ما سواه من آلهة = "وقد هدان" ، يقول: وقد وفقني ربي لمعرفة وحدانيته، (2) وبصّرني طريق الحقّ حتى أيقنتُ أن لا شيء يستحق أن يعبد سواه (3) = "ولا أخاف ما تشركون به" ، يقول: ولا أرهب من آلهتكم التي
(1)
انظر تفسير "المحاجة" فيما سلف 3: 121، 5: 429، 430، 6: 280، 473، 492.

(2)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "حتى ألفت أن لا شيء يستحق أن يعبد سواه" ، وهو لا معنى له، صواب قراءته ما أثبت.

تدعونها من دونه شيئًا ينالني به في نفسي من سوء ومكروه. (1) وذلك أنهم قالوا له: "إنا نخاف أن تمسَّك آلهتنا بسوء من برص أو خبل، لذكرك إياها بسوء" ! فقال لهم إبراهيم: لا أخاف ما تشركون بالله من هذه الآلهة أن تنالَنِي بضر ولا مكروه، لأنها لا تنفع ولا تضر = "إلا أن يشاء ربي شيئًا" ، يقول: ولكن خوفي من الله الذي خلقني وخلق السماوات والأرض، فإنه إن شاء أن ينالني في نفسي أو مالي بما شاء من فناء أو بقاءٍ، أو زيادة أو نقصان أو غير ذلك، نالني به، لأنه القادر على ذلك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن جريج يقول:
13466 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان" ، قال: دعا قومُه مع الله آلهةً، وخوّفوه بآلهتهم أن يصيبَه منها خَبَل، فقال إبراهيم: "أتحاجوني في الله وقد هدان" ، قال: قد عرفت ربّي، لا أخاف ما تشركون به.
* * *
= "وسع ربي كل شيء علمًا" ، يقول: وعلم ربي كلَّ شيء، فلا يخفى عليه شيء، (2) لأنه خالق كل شيء، وليس كالآلهة التي لا تضرّ ولا تنفع ولا تفهم شيئًا، وإنما هي خشبة منحوتةٌ، وصورة ممثلة = "أفلا تتذكرون" ، يقول: أفلا تعتبرون، أيها الجهلة، فتعقلوا خطأ ما أنتم عليه مقيمون، (3) من عبادتكم صورةً مصوّرة وخشبة منحوتة، لا تقدر على ضر ولا على نفع، ولا تفقه شيئًا ولا تعقله = وترككم عبادةَ من خلقكم وخلق كلّ شيء، وبيده الخير، وله القدرة على كل شيء، والعالم لكل شيء.
* * *
(1)
في المطبوعة: "ينالني في نفسي" بحذف "به" وهي ثابتة في المخطوطة، ولكنه أساء كتابة "ينالني" ، فاجتهد الناشر، فحذف.

(2)
انظر تفسير "السعة" فيما سلف 10: 423، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "التذكر" فيما سلف ص: 442، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) }
قال أبو جعفر: وهذا جواب إبراهيم لقومه حين خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه، لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: وكيف أخاف وأرهب ما أشركتموه في عبادتكم ربَّكم فعبدتموه من دونه، وهو لا يضر ولا ينفع؟ ولو كانت تنفع أو تضر، لدفعت عن أنفسها كسرِى إياها وضربي لها بالفأس! وأنتم لا تخافون الله الذي خلقكم ورزقكم، وهو القادر على نفعكم وضركم في إشراككم في عبادتكم إياه = "ما لم ينزل به عليكم سلطانًا" ، يعني: ما لم يعطكم على إشراككم إياه في عبادته حُجّة، ولم يضع لكم عليه برهانًا، ولم يجعل لكم به عذرًا (1) = "فأي الفريقين أحقّ بالأمن" ، (2) يقول: أنا أحق بالأمن من عاقبة عبادتي ربّي مخلصًا له العبادة، حنيفًا له ديني، بريئًا من عبادة الأوثان والأصنام، أم أنتم الذين تعبدون من دون الله أصنامًا لم يجعل الله لكم بعبادتكم إياها برهانًا ولا حجة (3) = "إن كنتم تعلمون" ، يقول: إن كنتم تعلمون صدق ما أقول، وحقيقة ما أحتجُّ به عليكم، فقولوا وأخبروني: أيُّ الفريقين أحق بالأمن؟
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك، كان محمد بن إسحاق يقول فيما:-
13467 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد بن إسحاق في قوله: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله" ، يقول:
(1)
انظر تفسير "السلطان" فيما سلف 7: 279/9: 336، 337، 360.

(2)
انظر تفسير "الفريق" فيما سلف 8: 548، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الأمن" فيما سلف 3: 29، 4: 87.

كيف أخاف وثَنًا تعبدون من دون الله لا يضرُّ ولا ينفع، ولا تخافون أنتم الذي يضر وينفع، وقد جعلتم معه شركاء لا تضر ولا تنفع؟ = "فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أي: بالأمن من عذاب الله في الدنيا والآخرة، الذي يَعْبد الذي بيده الضرّ والنفع، أم الذي يعبد ما لا يضرّ ولا ينفع؟ يضرب لهم الأمثال، ويصرِّف لهم العبر، ليعلموا أنَّ الله هو أحق أن يخاف ويعبد مما يعبُدون من دونه.
13468 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: أفلج الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين خاصمهم، (1) فقال: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ؟ ثم قال: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" .
13469 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قول إبراهيم حين سألهم: "أيُّ الفريقين أحق بالأمن" ، هي حجة إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
13470- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره، قال إبراهيم حين سألهم: "فأي الفريقين أحق بالأمن" ؟ قال: وهي حجة إبراهيم عليه السلام.
13471 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أمَنْ يعبد ربًّا واحدًا، أم من يعبد أربابًا كثيرة؟ يقول قومه: الذين آمنوا برب واحد. (2)
13472 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
(1)
"أفلجت فلانا على خصمه" ، إذا غلبته، و "أفلجه الله عليه" ، آتاه الظفر والفوز والغلبة.

(2)
الأثر: 13471 - انظر الأثر التالي رقم: 13475، وأن هذه مقالة قوم إبراهيم.

قوله: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أمن خاف غير الله ولم يخفه، أم من خاف الله ولم يخف غيره؟ فقال الله تعالى ذكره: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذي أخبر تعالى ذكره عنه أنه قال هذا القول = أعني: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، الآية.
فقال بعضهم: هذا فصلُ القضاء من الله بين إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم، وبين من حاجّه من قومه من أهل الشرك بالله، إذ قال لهم إبراهيم: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ؟ فقال الله تعالى ذكره، فاصلا بينه وبينهم: الذين صدَّقوا الله وأخلصُوا له العبادة، ولم يخلطوا عبادتهم إياه وتصديقهم له بظلم (1) = يعني: بشرك (2) = ولم يشركوا في عبادته شيئًا، ثم جعلوا عبادتهم لله خالصًا، أحقّ بالأمن من عقابه مكروهَ عبادته ربَّه، (3) من الذين يشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأصنامَ، فإنهم الخائفون من عقابه مكروه عبادتهم = أمَّا في عاجل الدنيا فإنهم وجِلون من حلول سخَط الله بهم، وأما في الآخرة، فإنهم الموقنون بأليم عذابِ الله.
(1)
انظر تفسير "لبس" فيما سلف ص: 419، تعليق: 1 والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

(3)
في المطبوعة، أسقط قوله: "ربه" .

* ذكر من قال ذلك:
13473 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، يقول الله تعالى ذكره: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، أي: الذين أخلصوا كإخلاص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لعبادة الله وتوحيده = "ولم يلبسوا أيمانهم بظلم" ، أي: بشرك = "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ، الأمن من العذاب، والهدى في الحجة بالمعرفة والاستقامة. يقول الله تعالى ذكره: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفعُ درجات من نشاء إن ربّك حكيم عليم" .
13474 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، قال فقال الله وقضى بينهم: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك. قال: "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ، فأما الذنوبُ فليس يبري منها أحدٌ.
* * *
وقال آخرون: هذا جوابٌ من قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم لإبراهيم، حين قال لهم: "أيُّ الفريقين أحق بالأمن" ؟ فقالوا له: الذين آمنوا بالله فوحّدوه أحق بالأمن، إذا لم يلبسوا إيمانهم بظلم.
* ذكر من قال ذلك:
13475 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أمن يعبد ربًّا واحدًا أم من يعبد أربابًا كثيرة؟ يقول قومه: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، بعبادة الأوثان، وهي حجة إبراهيم = "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" . (1)
* * *
(1)
الأثر: 13475 - انظر الأثر السالف رقم: 13471.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: هذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن أولى الفريقين بالأمن، وفصل قضاءٍ منه بين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبين قومه. وذلك أن ذلك لو كان من قول قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون الأوثان ويشركونها في عبادة الله، لكانوا قد أقروا بالتوحيد واتبعوا إبراهيم على ما كانوا يخالفونه فيه من التوحيد، ولكنه كما ذكرت من تأويله بَدِيًّا. (1)
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله تعالى بقوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" .
فقال بعضهم: بشرك.
* ذكر من قال ذلك:
13476- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترونَ إلى قول لقمان: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، [سورة لقمان: 13] ؟ (2)
13477- قال أبو كريب قال، ابن إدريس، حدثنيه أوّلا أبي، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، ثم سمعتُه قيل له: مِنَ الأعمش؟ قال: نعم! (3)
(1)
في المطبوعة: "بدءًا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو محض صواب، أي: أولا.

(2)
الأثر: 13476 - حديث عبد الله بن مسعود. من طريق الأعمش، رواه أبو جعفر من طرق من رقم: 13476 - 13480، 13483، وانظر رقم: 13507. وحديث عبد الله، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 1: 81، 8: 220) ، بنحوه ورواه مسلم في صحيحه 2: 143، 144، من طريق عبد الله بن إدريس، وأبي معاوية، ووكيع، جميعًا عن الأعمش. ورواه الترمذي في كتاب التفسير، من طريق عيسى بن يونس عن الأعمش. ورواه أحمد من طرق في مسنده رقم: 3589، 4031، 4240، وسأشير إليه في تخريجها بعد.

(3)
الأثر: 13477 - ذكره مسلم في صحيحه أيضًا 2: 144، من طريق أبي كريب، بنحو قوله هذا.

"أبان بن تغلب الربعي" ، ثقة، قال ابن عدي: "له نسخ عامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه الشيعة، وهو في الرواية صالح لا بأس به" .
[فائدة: قال الحافظ في التهذيب: "التشيع في عرف المتقدمين، هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن عليًّا كان مصيبًا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما. وربما اعتقد بعضهم أن عليًا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان معتقدًا ذلك، ورعًا دينًا صادقًا مجتهدًا، فلا ترد روايته بهذا، لا سيما إن كان غير داعية. وأما التشيع في عرف المتأخرين، فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة] . وعلة ذكر هذا الخبر الثاني، في التعقيب على الخبر الأول أن عبد الله بن إدريس رواه قبل عن الأعمش مباشرة، وكان رواه قبل عن أبيه، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، لينبه على علو إسناده."
13478- حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال، حدثني عمي يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بطلم" ، شقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، ما منّا أحدٌ إلا وهو يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان لابنه إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟ (1) "
13479- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنُّون، وإنما هو ما قال لقمان لابنه: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. (2)
13480- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا"
(1)
الأثر: 13478 - "عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن التميمي الرملي" ، ثقة، مضى برقم: 300 وعمه: "يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التميمي الرملي" ، ثقة، مضى برقم: 300، 6317، 9035.

(2)
الأثر: 13489 - رواه أحمد في المسند رقم: 4240، من طريق وكيع أيضًا، بمثله.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15-07-2025, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (619)
صــ 496 إلى صــ 505






ولم يلبسُوا إيمانهم بظلم "، شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال:" إنه ليس كما تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟ إنما هو الشرك. (1)
13481 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة في قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك.
13482 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك.
13483- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بذلك، ألم تسمعوا قول لقمان: إن الشرك لظلم عظيم؟
13484 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وابن إدريس، عن الشيباني، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن الأسود بن هلال، عن أبي بكر: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك. (2)
(1)
الأثر: 13480 - رواه أحمد في المسند رقم: 3589، من طريق أبي معاوية أيضًا بمثله.

(2)
الأثر: 13484 - "الشيباني" هو: "أبو إسحق الشيباني" ، "سليمان بن أبي سليمان" مضى مرارًا، آخرها رقم: 8869. و "أبو بكر بن أبي موسى الأشعري" ، ثقة روى له الجماعة، مترجم التهذيب. و "الأسود بن هلال المحارب" ، "أبو سلام" ، له إدراك، هاجر زمن عمر، لم يدرك أبا بكر رضي الله عنه. مترجم في التهذيب، والكبير 1/1، 449 وابن أبي حاتم 1/1/ 292. ومضى برقم: 10331، 10333. وهذا الخبر ذكره السيوطي في الدر المنثور 3: 27، ونسبة للفريابي، وابن أبي شيبة، والحكيم الترمذي في الأصول، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه.

13485- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن أبي بكر: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك. (1)
13486 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سعيد بن عبيد الطائي، عن أبي الأشعر العبدي، عن أبيه: أن زيد بن صوحان سأل سلمان فقال: يا أبا عبد الله، آيةٌ من كتاب الله قد بلغت منِّي كل مبلغ: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ! فقال سلمان: هو الشرك بالله تعالى ذكره. فقال زيد: ما يسرُّني بها أنّي لم أسمعها منك، وأنّ لي مثل كل شيء أمسيتُ أملكه. (2)
(1)
الأثر: 13485 - أسقط في المطبوعة ذكر: "عن أبي إسحق" ، وهو خبر مرسل.

(2)
الأثر: 13486، 13487 - "سعيد بن عبيد الطائي" ، "أبو الهذيل" ، وثقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه" . مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/455، وابن أبي حاتم 2/1/46.

"أبو الأشعر العبدي" ، ذكره البخاري في الكنى: 8، وقال: روى عنه خليفة بن خلف. قال أبو نعيم، عن إسمعيل بن عبيد، عن أبي الأشعر العبدي، سمع أباه عن سلمان: (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) ، قال: بشرك ". وهكذا جاء" إسمعيل بن عبيد "، وأخشى أن يكون صوابه" سعيد بن عبيد "كما في الطبري. ولما سيأتي في الأثر التالي: 13487. وأبو" أبي الأشعر العبدي "، لم أعرف من هو. و" زيد بن صوحان بن حجر العبدي "، وهو أخو" صعصعة بن صوحان "، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مذكور في الصحابة، وكان شديد الحب لسلمان الفارسي. قتل يوم الجمل مع علي رضي الله عنهما. مترجم في ابن سعد 6: 84، وقال: ثقة قليل الحديث" ، وفي تعجيل المنفعة: 142، والكبير 2/1/363، وابن أبي حاتم 1/2/565. * * *
وعند آخر الأثر رقم: 13486، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه: يتلوهُ: حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي، عن سعيد بن عبيد
وصلى الله على محمد النبيّ وآله وسلم كثيرًا ""
ويبدأ بعد بما نصه:
"بسم الله الرَّحمن الرحيم رَبِّ أَعِنْ يا كَريم"
13487 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سعيد بن عبيد، عن أبي الأشعر، عن أبيه، عن سلمان قال: بشرك. (1)
13488 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا نسير بن ذعلوق، عن كردوس، عن حذيفة في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك. (2)
13489- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن رجل، عن عيسى، عن حذيفة في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك. (3)
13490 - حدثني المثنى قال، حدثنا عارم أبو النعمان قال، حدثنا حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير وغيره: أن ابن عباس كان يقول: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك.
13491- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، يقول: بكفر.
(1)
الأثر: 13487 - انظر التعليق السالف.

(2)
الأثر: 13488 - "نسير بن ذعلوق الثوري" ، ثقة، مضى برقم: 5491.

و "كردوس" هو "كردوس بن العباس الثعلبي" ، يروي عن حذيفة، مضى برقم: 13255 - 13257. وكان في المطبوعة: "درسب" غير ما في المخطوطة، وكان فيها هكذا: "ددوس" ، وهذا صواب قراءته إن شاء الله.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 27، ونسبه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وأبي عبيد، وابن المنذر، وأبي الشيخ. وسيأتي بإسناد آخر بعد هذا.
(3)
الأثر: 13489 - "أبو إسحق الكوفي" ، هو: "عبد الله بن ميسرة الحارثي" ، مضى برقم: 9250.

13492- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، يقول: لم يلبسوا إيمانهم بالشرك. وقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . [سورة لقمان: 13]
13493 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال، حدثني أبي قال، حدثنا جرير بن حازم، عن علي بن زيد، عن المسيّب: أن عمر بن الخطاب قرأ: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، فلما قرأها فزع، فأتى أبيّ بن كعب فقال: يا أبا المنذر، قرأتُ آية من كتاب الله، مَنْ يَسْلم؟ فقال: ما هي؟ فقرأها عليه = فأيُّنا لا يظلِمُ نفسه؟ فقال: غفر الله لك! أما سمعت الله تعالى ذكره يقول: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ؟ إنما هو: ولم يلبسوا إيمانهم بشرك. (1)
13494 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: أن عمر دخل منزله فقرأ في المصحف، فمرّ بهذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، فأتى أبيًّا فأحبره، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو الشرك. (2)
13495- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن [ابن مهران] : أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأه، فدخل ذات يوم فقرأ، فأتى على هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ،
(1)
الأثر: 13493 - هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة: "عن المسيب" ، ولا أدري ما هو، ولكني أرجح أن الصواب "عن سعيد بن المسيب" ، أو "عن ابن المسيب" ، فإن "علي بن زيد بن جدعان" يروي عنه، ولأني لم أجد فيمن اسمه "المسيب" ، من روى عنه "علي بن زيد" وروى هو عن "عمر بن الخطاب" .

(2)
الأثر: 13494 - "يوسف بن مهران البصري" ، مضى برقم: 2858: 11373.

فانفتَل وأخذ رداءه، (1) ثم أتى أبيّ بن كعب فقال: يا أبا المنذر = فتلا هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" = وقد ترى أنا نظلِم، ونفعل ونفعل! فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا ليس بذاك، يقول الله تعالى ذكره: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، إنما ذلك الشرك. (2)
13496 - حدثنا هناد قال، حدثنا بن فضيل، عن مطرف، عن أبي عثمان عمرو بن سالم قال: قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، فقال عمر: قد أفلح من لم يلبس إيمانه بظلم! فقال أبيّ: يا أمير المؤمنين، ذاك الشرك!
13497- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أسباط، عن محمد بن مطرف، عن ابن سالم قال: قرأ عمر بن الخطاب، فذكر نحوه. (3)
13498 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك.
13499- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة، مثله.
13500 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين، عن علي، عن زائدة،
(1)
في المطبوعة: "فاشتغل" ، وفي المخطوطة "فاسقل" ، وفي الدر المنثور 3: 27 "فانتقل" وكان ذلك لا معنى له، وكأن الصواب ما أثبت. يقال: "انفتل الرجل عن صلاته" ، إذا انصرف، وهو من قولهم: "فتله عن وجهه فانفتل" ، أي: صرفه فانصرف.

(2)
الأثر: 13495 - هكذا جاء في المخطوطة: "عن ابن مهران" ، وفي المطبوعة: "عن مهران" ، وهما خطأ صرف فيما أرجح، وإنما هذا حديث ابن عباس، فالصواب إن شاء الله: "عن ابن عباس" ، وهو نفس الأثر الذي قبله، ولكني تركته كذلك كما هو في المخطوطة، ووضعت ما شككت فيه بين القوسين.

(3)
الأثر: 13496، 13497 - "أبو عثمان، عمرو بن سالم الأنصاري" ، معروف بكنيته، وقد مضى برقم: 8950. وقوله في الأثر الثاني "محمد بن مطرف" ، خطأ فيما أرجح، وإنما هو "مطرف بن طريف" ، كما في الأثر السالف. ولذلك وضعت "محمد بن" بين قوسين.

عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك. (1)
13501 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، أي: بشرك.
13502- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، مثله.
13503 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بعبادة الأوثان.
13504- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13505 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك.
13506 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك.
13507- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الأعمش: أن ابن مسعود قال: لما نزلت: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، كبُر ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، ما منا أحدٌ إلا وهو يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما سمعتم قول لقمان: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟ (2)
(1)
الأثر: 13500 - "الحسن بن عبيد الله النخعي الكوفي" ، روى عن إبراهيم النخعي، وأبي الضحي، والشعبي. سمع منه الثوري، وزائدة، وحفص بن غياث، وغيرهم، ثقة، مضى في الإسناد رقم: 78. مترجم في التهذيب، والكبير1/2/295، وابن أبي حاتم 1/2/23.

وكان في المطبوعة والمخطوطة: "الحسن بن عبد الله" ، وهو خطأ محض.
(2)
الأثر: 13507 - مضى هذا الخبر موصولا من طريق الأعمش، من طرق، من رقم: 13476 - 13480، 13483، فراجعه هناك.

13508- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: عبادة الأوثان.
13509 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن مسعر، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، قال: بشرك. (1)
13510 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولم يخلطوا إيمانهم بشيء من معاني الظلم، وذلك: فعلُ ما نهى الله عن فعله، أو ترك ما أمر الله بفعله، وقالوا: الآية على العموم، لأن الله لم يخصَّ به معنى من معاني الظلم.
* * *
قالوا: فإن قال لنا قائل: أفلا أمْن في الآخرة، إلا لمن لم يعص الله في صغيرة ولا كبيرة، وإلا لمن لقى الله ولا ذنبَ له؟
قلنا: إن الله عنى بهذه الآية خاصًّا من خلقه دون الجميع منهم، والذي عنى بها وأراده بها، خليلَه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فأما غيره، فإنه إذا لقي الله لا يشرك به شيئًا فهو في مشيئته إذا كان قد أتى بعض معاصيه التي لا تبلغ أن تكون كفرًا، فإن شاء لم يؤمنه من عذابه، وإن شاء تفضل عليه فعفا عنه.
قالوا: وذلك قول جماعة من السلف، وإن كانوا مختلفين في المعنيِّ بالآية.
فقال بعضهم: عُني بها إبراهيم.
* * *
(1)
الأثر: 13509 - "أبو حصين" هو: "عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي" ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 8962. و "أبو عبد الرحمن" هو "السلمي" : "عبد الله بن حبيب بن ربيعة" ، مضى برقم: 82.

وقال بعضهم: عني بها المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
* * *
* ذكر من قال: عنى بهذه الآية إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم.
13511 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن، عن قيس بن الربيع، عن زياد بن علاقة، عن زياد بن حرملة، عن علي قال: هذه الآية لإبراهيم صلى الله عليه وسلم خاصة، ليس لهذه الأمة منها شيء. (2)
* * *
* ذكر من قال: عني بها المهاجرون خاصة.
13512 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن، عن قيس بن الربيع، عن سماك، عن عكرمة: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: هي لمن هاجر إلى المدينة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصحة في ذلك، ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الخبر الذي رواه ابن مسعود عنه أنه قال: الظلم الذي ذكره الله تعالى
(1)
في المطبوعة: "المهاجرين" ببناء "عني" للمفعول، وأثبت ما في المخطوطة، "عني" بالبناء للمجهول.

(2)
الأثر: 13511 - "زياد بن علاقة بن مالك الثعلبي" ، ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/333، وابن أبي حاتم 1/2/540. وأما "زياد بن حرملة" ، فلم أجد له ذكرًا في شيء من الكتب، ومع ذلك فقد جاء كذلك في المستدرك للحاكم. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 316، بإسناده عن أبي حذيفة، عن سفيان، عن زياد بن علاقة، عن زياد بن حرملة قال: سمعت علي بن أبي طالب. وذكر الخبر، وفيه: "هذه في إبراهيم وأصحابه" . ثم قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وإنما اتفقا على حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله أنهم قالوا: يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه، الحديث بطوله، بغير هذا التأويل" . ولم يعقب عليه الذهبي بشيء، وظني أنه ترك التعقيب عليه، رجاء الظفر بخبر عن "زياد بن حرملة" هذا. والخبر ضعيف. لجهالة "زياد بن حرملة" حتى يعرف من هو؟

ونسبه السيوطي في الدر المنثور 3: 27 للفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والحاكم، وابن مردويه، وقصر في نسبته إلى ابن جرير.
ذكره في هذا الموضع، هو الشرك. (1)
* * *
وأما قوله: "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ، فإنه يعني: هؤلاء الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك = "لهم الأمن" يوم القيامة من عذاب الله = "وهم مهتدون" ، يقول: وهم المصيبون سبيل الرشاد، والسالكون طريق النجاة. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وتلك حجتنا" ، قولَ إبراهيم لمخاصميه من قومه المشركين: "أي الفريقين أحق بالأمن" ، أمن يعبد ربًّا واحدًا مخلصًا له الدين والعبادة، أم من يعبد أربابًا كثيرة؟ وإجابتهم إياه بقولهم: "بل من يعبد ربًّا واحدًا أحق بالأمن" ، وقضاؤهم له على أنفسهم، فكان في ذلك قطع عذرهم وانقطاع حجتهم، واستعلاء حجة إبراهيم عليهم. (3) فهي الحجة
(1)
انظر الآثار السالفة رقم: 13476 - 13480، 13483.

(2)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدي) .

(3)
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق، ولو كان من عند غير الله لوجد الناس فيه اختلافًا كثيرًا. ورحم الله أبا جعفر وغفر له ما أخطأ، وأبو جعفر على جلالة قدره، وحفظه وضبطه وعنايته، قد تناقض وأوقع في كلامه اختلافًا كبيرًا. فإنه في ص: 494، قد رجح أن الصواب في قوله تعالى ذكره: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، أنه خبر من الله تعالى ذكره عن أول الفريقين بالأمن، وفصل قضاء منه بين إبراهيم وقومه. ثم قال: "وذلك أن ذلك لو كان من قول قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون الأوثان ويشركونها في عبادة الله، لكانوا قد أقروا بالتوحيد، واتبعوا إبراهيم على ما كانوا يخالفونه فيه من التوحيد، ولكنه كما ذكرت من تأويله بديًّا" . ثم عاد هنا بعد بضع صفحات، ففسر هذه الآية، وزعم أن ذلك من إجابة قوم إبراهيم لإبراهيم، وهو القول الذي نقضه!! وهذا تناقض بين، ولكنه يأتي في كتب العلماء، حجة من الله على خلقه أنهم لا عصمة لهم في شيء، وأن العصمة لله وحده سبحانه.

التي آتاها الله إبراهيم على قومه، كالذي:-
13513 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن رجل، عن مجاهد: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" ، قال: هي "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" .
13514- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: قال إبراهيم حين سأل: "أي الفريقين أحق بالأمن" ، قال: هي حجة إبراهيم = وقوله: "وآتيناها إبراهيم على قومه" ، يقول: لقناها إبراهيم وبَصَّرناه إياها وعرفّناه = "على قومه نرفع درجات من نشاء" .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والبصرة: "نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ" ، بإضافة "الدرجات" إلى "من" ، بمعنى: نرفع الدرجات لمن نشاء.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ بتنوين "الدرجات" ، بمعنى: نرفع من نشاء درجات.
* * *
و "الدرجات" جمع "درجة" ، وهي المرتبة. وأصل ذلك مراقي السلم ودرَجه، ثم تستعمل في ارتفاع المنازل والمراتب. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: هما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرأة، متقارب معناهما. وذلك أن من رفعت درجته، فقد رفع في الدرج = ومن رفع في الدرج، فقد رفعت درجته. فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.
* * *
(1)
انظر تفسير "الدرجة" فيما سلف 4: 523 - 536/7: 368/9: 95، وتفسيره هنا أوضح مما سبق.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15-07-2025, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (620)
صــ 506 إلى صــ 515









فمعنى الكلام إذًا: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" ، فرفعنا بها درجته عليهم، وشرّفناه بها عليهم في الدنيا والآخرة. فأما في الدنيا، فآتيناه فيها أجره = وأما في الآخرة، فهو من الصالحين = "نرفع درجات من نشاء" ، أي بما فعل من ذلك وغيره.
* * *
وأما قوله: "إن ربك حكيم عليم" ، فإنه يعني: إن ربك، يا محمد، "حكيم" ، في سياسته خلقَه، وتلقينه أنبياءه الحجج على أممهم المكذّبة لهم، الجاحدة توحيد ربهم، وفي غير ذلك من تدبيره = "عليم" ، بما يؤول إليه أمر رسله والمرسل إليهم، من ثبات الأمم على تكذيبهم إياهم، وهلاكهم على ذلك، أوإنابتهم وتوبتهم منه بتوحيد الله تعالى ذكره وتصديق رسله، والرجوع إلى طاعته. (1)
* * *
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فأتَسِ، (2) يا محمد، في نفسك وقومك المكذبيك، والمشركين، بأبيك خليلي إبراهيم صلى الله عليه وسلم، واصبر على ما ينوبك منهم صبرَه، فإني بالذي يؤول إليه أمرك وأمرهم عالم، وبالتدبير فيك وفيهم حكيم. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير: "حكيم" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(2)
"ائتسى به" ، جعله أسوة له في نفسه وسيرته. وكان في المطبوعة "تأس" ، وهي بمعناها، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "بالتدبير" بغير واو العطف، والصواب إثباتها.

القول في تأويل قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فجزينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم على طاعته إيانا، وإخلاصه توحيد ربه، ومفارقته دين قومه المشركين بالله، بأن رفعنا درجته في عليين، وآتيناه أجره في الدنيا، ووهبنا له أولادًا خصصناهم بالنبوّة، وذرية شرفناهم منا بالكرامة، وفضلناهم على العالمين، (1) منهم: ابنه إسحاق، وابن ابنه يعقوب = "كلا هدينا" ، يقول: هدينا جميعهم لسبيل الرشاد، فوفقناهم للحق والصواب من الأديان (2) = "ونوحًا هدينا من قبل" ، يقول: وهدينا لمثل الذي هدينا إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الحق والصواب، فوفقناه له = نوحًا، من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
* * *
= "ومن ذريته داود" ، و "الهاء" التي في قوله: "ومن ذريته" ، من ذكر نوح. وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر في سياق الآيات التي تتلو هذه الآية لوطًا فقال: "وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلا فضلنا على العالمين" . ومعلوم أن لوطًا لم يكن من ذرية إبراهيم صلى الله عليهم أجمعين. فإذا كان ذلك كذلك، وكان معطوفًا على أسماء من سمَّينا من ذريته، كان لا شك أنه لو أريد بالذرية ذرية إبراهيم، لما دخل يونس ولوط فيهم. ولا شك أن لوطًا ليس من ذرّية إبراهيم، ولكنه من ذرية نوح، فلذلك وجب أن تكون "الهاء" في "الذرية" من ذكر نوح. (3)
(1)
انظر تفسر "وهب" فيما سلف 6: 212.

(2)
انظر تفسير "كل" فيما سلف 9: 96، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الذرية" فيما سلف 3: 19، 73/5: 543/6: 327، 362/8: 19.

فتأويل الكلام: ونوحًا وفقنا للحق والصواب من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهدينا أيضًا من ذرّية نوح، داود وسليمان.
= و "داود" ، هو داود بن إيشا (1) = و "سليمان" هو ابنه: سليمان بن داود = و "أيوب" ، هو أيوب بن موص بن رزاح (2) بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم = و "يوسف" ، هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم = و "موسى" ، هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب = و "هارون" ، أخو موسى.
* * *
= "وكذلك نجزي المحسنين" ، يقول تعالى ذكره: جزينا نوحًا بصبره على ما امتحن به فينا، بأن هديناه فوفقناه لإصابة الحق الذي خذلنا عنه من عصانا فخالف أمرنا ونهينا من قومه، وهدينا من ذريته من بعده من ذكر تعالى ذكره من أنبيائه لمثل الذي هديناه له. وكما جزينا هؤلاء بحسن طاعتهم إيانا وصبرهم على المحن فينا، كذلك نجزي بالإحسان كل محسن. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا لمثل الذي هدينا له نوحًا من الهدى والرشاد من ذريته: زكريا بن إدُّو بن برخيَّا، (4) ويحيى بن زكريا،
(1)
{يسَّى} في كتاب القوم، وقد مضى في التفسير 5: 355: "بن إيشي" .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "روح" والصواب من تاريخ الطبري 1: 165.

(3)
انظر تفسير "الجزاء" ، و "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (جزي) (حسن) .

(4)
في كتاب القوم (بن عِدُّوْ (في "عزرا" . الإصحاح الخامس والسادس. وفي المطبوعة: "بن أزن" وفي المخطوطة: "بن أدر" ، وقال صاحب قاموس الكتاب: "زكريا بن يبرخيا ابن عدو. . . يذكر بأنه" بن عدو "، وسبب ذلك على الأرجح أن أباه برخيا، مات في ريعان الشباب، فنسب حسب العوائد، إلى جده" عدو "الذي كان مشهورًا أكثر من أبيه" . وفي كتاب القوم (يبرخيّا (، وكان في المطبوعة "بركيا" ، وهو في المخطوطة غير حسن الكتابة، فأثبت ما في تاريخ الطبري 2: 13.

وعيسى ابن مريم ابنة عمران بن ياشهم بن أمون بن حزقيا، (1) = وإلياس.
* * *
واختلفوا في "إلياس" .
فكان ابن إسحاق يقول: هو إلياس بن يسى (2) بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، ابن أخي موسى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
وكان غيره يقول: هو إدريس. وممن ذكر ذلك عنه عبد الله بن مسعود.
13515 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة، عن عبد الله بن مسعود قال: "إدريس" ، هو "إلياس" ، و "إسرائيل" ، هو "يعقوب" . (3)
* * *
وأما أهل الأنساب فإنهم يقولون: "إدريس" ، جدّ نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، و "أخنوخ" هو "إدريس بن يرد بن مهلائيل" . وكذلك روي عن وهب بن منبه.
* * *
(1)
في المطبوعة: "عمران بن أشيم بن أمور" ، خطأ، صوابه مما سلف 6: 328، 329، ومن تاريخ الطبري 2: 13.

(2)
في تاريخ الطبري 2: 13 "بن ياسين" .

(3)
الأثر: 13515 - "عبيدة بن ربيعة" ، كوفي، روى عن ابن مسعود، وعثمان ابن عفان. روى عنه الشعبي، وأبو إسحق السبيعي. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/1/91. و "أبو إسحق" هو السبيعي، كما سلف، وكان في المخطوطة والمطبوعة "ابن إسحق" ، وهو خطأ محض. وهذا الخبر ذكره البخاري تعليقًا (الفتح 6: 265) ، وقال الحافظ: "أما قول ابن مسعود، فوصله عبيد بن حميد، وابن أبي حاتم بإسناد حسن، عنه" .

والذي يقول أهل الأنساب أشبه بالصواب. وذلك أنّ الله تعالى ذكره نسب "إلياس" في هذه الآية إلى "نوح" ، وجعله من ذريته، و "نوح" ابن إدريس عند أهل العلم، فمحال أن يكون جدّ أبيه منسوبًا إلى أنه من ذريته.
* * *
وقوله: "كل من الصالحين" ، يقول: من ذكرناه من هؤلاء الذين سمينا (1) = "من الصالحين" ، يعني: زكريا ويحيى وعيسى وإلياس صلى الله عليهم. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من ذرية نوح "إسماعيل" وهو: إسماعيل بن إبراهيم = "واليسع" ، هو اليسع بن أخْطُوب بن العجوز.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة اسمه.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق: (وَالْيَسَعَ) بلام واحدة مخففة.
* * *
وقد زعم قوم أنه "يفعل" ، من قول القائل: "وسِعَ يسع" . ولا تكاد العرب تدخل "الألف واللام" على اسم يكون على هذه الصورة = أعني على "يفعل" = لا يقولون: "رأيت اليزيد" ولا "أتاني اليَحْيَى" (3) ولا "مررت باليشكر" ، إلا
(1)
انظر تفسير "كل" فيما سلف ص: 507، تعليق: 2، والمرجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الصالح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) .

(3)
في المطبوعة: "أتاني التجيب" ، وهو خطأ محض، لم يحسن قراءة المخطوطة، وكان فيها "أتاني اليحيا" غير منقوط، وهذا صواب قراءتها.

في ضرورة شعر، وذلك أيضًا إذا تُحُرِّي به المدح، (1) كما قال بعضهم: (2)
وَجَدْنَا الْوَليدَ بْنَ الْيَزِيدَ مُبَارَكًا ... شَدِيدًا بِأَحْنَاءِ الْخِلافَةِ كَاهِلُهْ (3)
فأدخل في "اليزيد" الألف واللام، (4) وذلك لإدخاله إياهما في "الوليد" ، فأتبعه "اليزيد" بمثل لفظه. (5)
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفيين: (وَاللَّيْسَعَ) بلامين، وبالتشديد، وقالوا: إذا قرئ كذلك، كان أشبه بأسماء العجم، وأنكروا التخفيف. وقالوا: لا نعرف في كلام العرب اسمًا على "يفعل" فيه ألف ولام.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءةُ من قرأه بلام واحدة مخففة، لإجماع أهل الأخبار على أن ذلك هو المعروف من اسمه، دون التشديد، مع أنه اسم أعجمي، فينطق به على ما هو به. وإنما يُعْلَم دخول
(1)
في المخطوطة: إذا تحر به المدح "، غير منقوطة، وما في المطبوعة شبيه بالصواب، والذي في معاني القرآن للفراء:" والعرب إذا فعلت ذلك، فقد أمست الحرف مدحًا "."

(2)
هو ابن ميادة.

(3)
معاني القرآن للفراء 1: 342، أمالي ابن الشجري 1: 154/2: 252، 342، الخزانة 1: 327، شرح شواهد المغني: 60، وغيرها كثير. من شعر مدح فيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبل البيت: هَمَمْتُ بِقَولٍ صَادِقٍ أنْ أقولَهُ ... وَإنِّي عَلَى رَغْمِ العَدُوِّ لقَائِلُهْ

وبعده: أضَاء سِرَاجُ المُلْكِ فَوْقَ جَبِينِهِ ... غَدَاةَ تَنَاجَى بِالنَّجَاحِ قَوَابِلُهْ
وكان في المطبوعة: "بأعباء الخلافة" ، وهي إحدى الروايتين، وأثبت ما في المخطوطة. و "أحناء الخلافة" ، نواحيها وجوانبها جمع "حنو" (بكسر فسكون) ، كنى بذلك عن حمل مشقات الخلافة، وتدبير الملك، وسياسة الرعية.
(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "فأدخل اليزيد" بإسقاط "في" والصواب إثباتها.

(5)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 342.

"الألف واللام" فيما جاء من أسماء العرب على "يفعل" . (1) وأما الاسم الذي يكون أعجميًّا، فإنما ينطق به على ما سَمَّوا به. فإن غُيِّرَ منه شيء إذا تكلمت العرب به، فإنما يغيّر بتقويم حرف منه من غير حذف ولا زيادة فيه ولا نقصان. و "الليسع" إذا شدد، لحقته زيادة لم تكن فيه قبل التشديد. وأخرى، أنه لم يحفظ عن أحد من أهل العلم علمنا أنه قال: اسمه "ليسع" . فيكون مشددًا عند دخول "الألف واللام" اللتين تدخلان للتعريف.
* * *
و "يونس" هو: يونس بن متى = "ولوطًا وكلا فضلنا" ، من ذرية نوح ونوحًا، (2) لهم بينا الحق ووفقناهم له، وفضلنا جميعهم = "على العالمين" ، يعني: على عالم أزمانهم. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من آباء هؤلاء الذين سماهم تعالى ذكره = "ومن ذرياتهم وإخوانهم" ، آخرين سواهم، لم يسمهم، للحق والدين الخالص الذي لا شرك فيه، فوفقناهم له = "واجتبيناهم" ، يقول: واخترناهم لديننا وبلاغ رسالتنا إلى من أرسلناهم إليه، كالذي اخترنا ممن سمَّينا.
* * *
(1)
في المطبوعة: "وإنما لا يستقيم دخول الألف واللام" ، وهو تغيير لما في المخطوطة وزيادة فيها، وإفساد لمعنى الكلام، ونقض لما أراده أبو جعفر. وكان في المخطوطة: "وإنما نصم دخول الألف واللام" ، وهو فاسد الكتابة، وصواب قراءته ما أثبت "يعلم" بالبناء للمجهول.

يعني أن دخول الألف واللام إنما يعرف فيما جاء من أسماء العرب على "يفعل" . وهذا مناقض لما كتبه الناشر.
(2)
في المطبوعة: "ونوح" بالرفع وهو خطأ، وتغيير لما في المخطوطة. وكان في المخطوطة: "له بينا الحق" ، والأشبه بالصواب ما في المطبوعة.

(3)
انظر تفسير "العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .

يقال منه: "اجتبى فلان لنفسه كذا" ، إذا اختاره واصطفاه، "يجتبيه اجتباء" . (1)
* * *
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
13516- حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "واجتبيناهم" ، قال: أخلصناهم.
13517- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
= "وهديناهم إلى صراط مستقيم" ، يقول: وسدّدناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوجّ، وذلك دين الله الذي لا عِوَج فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه الله ربُّنا لأنبيائه، وأمر به عباده. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلك هدى الله" ، هذا الهدي الذي هديت به من سميت من الأنبياء والرسل، فوفقتهم به لإصابة الدين الحقّ الذي نالوا بإصابتهم إياه رضا ربهم، وشرفَ الدنيا، وكرامة الآخرة، هو "هدى"
(1)
انظر تفسير "اجتبى" فيما سلف 7: 427.

(2)
انظر تفسير "الصراط المستقيم" فيما سلف 10: 146، تعليق: 2، والمراجع هناك.

الله "، يقول: هو توفيق الله ولطفه، الذي يوفق به من يشاء، ويلطف به لمن أحب من خلقه، حتى ينيب إلى طاعة الله، وإخلاص العمل له، وإقراره بالتوحيد، ورفضِ الأوثان والأصنام (1) =" ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون "، يقول: ولو أشرك هؤلاء الأنبياء الذين سميناهم، بربهم تعالى ذكره، فعبدوا معه غيره =" لحبط عنهم "، يقول: لبطل فذهبَ عنهم أجرُ أعمالهم التي كانوا يعملون، (2) لأن الله لا يقبل مع الشرك به عملا."
* * *
القول في تأويل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "أولئك" ، هؤلاء الذين سميناهم من أنبيائه ورسله، نوحًا وذريته الذين هداهم لدين الإسلام، واختارهم لرسالته إلى خلقه، هم "الذين آتيناهم الكتاب" ، يعني بذلك: صحفَ إبراهيم وموسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى صلوات الله عليهم أجمعين = "والحكم" ، يعني: الفهم بالكتاب، ومعرفة ما فيه من الأحكام. وروي عن مجاهد في ذلك ما:-
13518 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبان قال، حدثنا مالك بن شداد، عن مجاهد: "والحكم والنبوة" ، قال: "الحكم" ، هو اللبُّ. (3)
(1)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

(2)
انظر تفسير "حبط" فيما سلف 4: 317/6: 287/9: 592/10: 409.

(3)
الأثر: 13518 - "مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 7487.

و "أبان" هو: "أبان بن يزيد العطار" ، مضى برقم: 3832، 9656.
"مالك بن شداد" هكذا هو في المطبوعة والمخطوطة، ولم أجد له ذكرًا فيما بين يدي في الكتب، ولعله محرف عن شيء لا أعرفه.
وعنى بذلك مجاهد، إن شاء الله، ما قلت، لأن "اللب" هو "العقل" ، فكأنه أراد: أن الله آتاهم العقل بالكتاب، وهو بمعنى ما قلنا أنه الفهم به.
* * *
وقد بينا معنى "النبوة" و "الحكم" ، فيما مضى بشواهدهما، فأغنى ذلك عن إعادته. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن يكفر: يا محمد، بآيات كتابي الذي أنزلته إليك فيجحد هؤلاء المشركون العادلون بربهم، كالذي:-
13519 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، يقول: إن يكفروا بالقرآن.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب "هؤلاء" .
فقال بعضهم: عُني بهم كفار قريش = وعنى بقوله: "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، الأنصار.
* ذكر من قال ذلك:
13520 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال، عن قتادة في قول الله تعالى ذكره: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، قال: أهل مكة = "فقد وكلنا بها" ، أهل المدينة.
(1)
انظر تفسير "النبوة" فيما سلف: 2: 140 - 142/6: 284، 380.

= وتفسير "الحكم" فيما سلف 3: 86 - 88، 211/6: 538.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 575.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 569.52 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.02%)]