|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#51
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: مَنْ حَلَقَ قَبلَ النّحْر أو نَحَرَ قبلَ الرَّمْي
عن عبداللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ، فَيَقُولُ القَائِلُ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ النَّحْرِ؟ فَنَحَرْتُ قَبْلَ الرَّمْيِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «فَارْمِ ولَا حَرَجَ» قَال: وطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ: إِنِّي لَمْ أَشْعُرْ، أَنَّ النَّحْرَ قَبْلَ الحَلْقِ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ فَيَقُولُ: «انْحَرْ وَلَا حَرَجَ»، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ، مِمَّا يَنْسَى المَرْءُ، ويَجْهَلُ، مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ، وأَشْبَاهِهَا، إِلَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «افْعَلُوا ذَلِكَ ولَا حَرَجَ»، وعَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ، وهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَقَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وأَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: إِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ»، وأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنِّي أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ»، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُهُ سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ، إِلَّا قَالَ: «افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ». الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/948- 949) باب: مَنْ حلقَ قبل النّحر، أو نَحرَ قبل الرّمي.يقول عبداللَّهِ بْنَ عَمْرِو -رضي الله عنهما-: وَقَف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حجّة الوداع، بمنى يوم النّحر على ناقته -صلى الله عليه وسلم -، عند جَمْرة العَقبة بعد الزّوال لتعليم الناس بقيّة مناسك الحَجّ. جَوَاز القُعُودِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلحَاجَةِ وقَوله: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ» هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ القُعُودِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلحَاجَةِ، قَالَ القَاضِي: «ويُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُما: وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ الجَمْرَةِ، ولَمْ يَقُلْ في هَذَا: خَطَبَ، وإِنَّما فِيهِ أَنَّهُ وَقَفَ وسُئِلَ، والثَّانِي: بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَفَ لِلْخُطْبَةِ فَخَطَبَ، وهِيَ إِحْدَى خُطَبِ الحَجِّ المَشْرُوعَة، يُعَلِّمُهُمْ فيها ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ المَنَاسِكِ.قال النووي: هذَا كَلَامُ القاضِي، وهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ، وخُطَبُ الحَجِّ المَشْرُوعَةُ عِنْدَنَا أَرْبَعٌ: أَوَّلُهَا: بِمَكَّةَ عِندَ الكَعْبَةِ في اليَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الحَجَّةِ، والثَّانِيَةُ: بِنَمِرَةَ يَومَ عَرَفَةَ، والثَّالِثَةُ: بِمِنًى يَومَ النَّحْرِ، والرَّابِعَةُ: بِمِنًى فِي الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وكُلُّهَا خُطْبَةٌ فَرْدَةٌ، وبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، إِلَّا التِي بِنَمِرَةَ فَإِنَّها خُطْبَتَانِ، وقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وبَعْدَ الزَّوَالِ، وقَدْ ذَكَرْتُ أَدِلَّتَهَا كُلَّها مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي (شَرْحِ الْمُهَذَّبِ). قوله: «فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ» أي: جَعل الحجّاج يسألونه، أي: يَستفتونه في تقديم بعض الأعْمال يوم النّحر على بعض، أو أخّروا بعض الأعْمال على بعض، فَيَقُولُ القَائِلُ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ النَّحْرِ؟ لمْ أكنْ أشعر، أي: لمْ أفطن، ولمْ أعلم أنّ ذبح الهَدي يكون قبل الحَلْق، فَقالُ له - صلى الله عليه وسلم -: «انْحَرْ وَلَا حَرَجَ» أي: اذْبح ولا حَرج، أي: لا إثمَ عليك، في تأخير الذّبح عن الحَلْق، فإذا ذبَحتَ بعد الحَلق، فعملك صَحيح.قوله: «وطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ» أي: فجاء رجلٌ آخر يسألُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، «يقول: إِنِّي لَمْ أَشْعُرْ، أَنَّ النَّحْرَ قَبْلَ الحَلْقِ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟» يقول: لمْ أشعر، أي: لم أفطنْ ولمْ أعلم، أنّ الرّمي قبل النّحر. قوله: «فنَحرتُ قبل أنْ أرمي» أي: ذبحتُ الهدي قبل أنْ أرمي جمرة العقبة، فَقالُ له - صلى الله عليه وسلم -: «إرم ولا حرج» أي: إرم جَمرة العقبة، ولا إثمَ عليك في تقديم. الذّبح على الرّمي. «افْعَلُوا ذَلِكَ ولَا حَرَجَ» قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ، مِمَّا يَنْسَى المَرْءُ، ويَجْهَلُ، مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ، وأَشْبَاهِهَا، إِلَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «افْعَلُوا ذَلِكَ ولَا حَرَجَ»، وفي الحديث الثاني: «فما سُئل يومئذ» أي: فما سُئل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في موقفه في ذلك اليوم. «عن شَيءٍ قدّم ولا أخّر» أي: عن عَملٍ مِنْ أعمال الحج في يوم النحر، قُدّم على غيره منْ هذه الأعمال، ولا عن عمل أخّر على غيره من هذه الأعمال الأَرْبَعَة، «إلا قال: افعلْ ولا حرج» أي: إلا أجاز التقديم أو التأخير، وأنّه لا إثم على فاعله.وقَوْلُه في الحديث الثاني: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ». وفي رِوَايَةٍ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ- وَفِي رِوَايَةٍ- وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ وفي رِوَايَةٍ: «وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ» قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُهُم: الجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَوْقِفٌ وَاحِدٌ، ومَعْنَى خَطَبَ: عَلَّمَهُمْ. ما يُفيده الحديثان 1- أن السُّنّة تقديم الرّمي، ثمّ النّحر، ممّن عليه هَدْي، ثمّ الحَلْق، ثُمّ طَواف الإفاضة.2- وأنّه يجوزُ تقديمُ بعض هذه الأعْمال على بعض. 3- وأنّه لا يلزم منْ قدّم بعض هذه الأعْمال على بعض شيء، لا فِدية عليه ولا شيء. 4- وأنّ أفعالَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قد تكون للإيجَاب، وقد تكون للاسْتِحباب. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#52
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: تَقليدُ الهدي وإشعاره عند الإحرام
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنهُما- قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وسَلَتَ الدَّمَ، وقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ»، الحديث رواه مسلم في الحج (2/912) باب: تقليد الهَدي وإشْعاره عند الإحرام. يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنهُما- أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الظُّهرَ وهو خارجٌ إلى الحجِّ بذي الحُلَيْفةِ، وقد صلاها قَصراً، يَعني ركعتَينِ، وذلك لأنَّه كانَ مُسافِراً إلى مكَّةَ، وذو الحُلَيفةِ قَريةٌ بينَها وبينَ المدينةِ سِتَّةُ أمْيالٍ أو سَبعةٌ، أي: حَوالَيْ (10 كم)، وعن مكَّةَ حَوالَيْ 420 كيلومترًا، وتُسمَّى اليومَ عندَ العامَّةِ: أبيارَ عليٍّ أو آبارَ عليٍّ، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ ومَن مرَّ بها.ثمَّ دَعا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم- «بناقتِه» الَّتي هي من جُملةِ الهَديِ الَّذي سيُذبَحُ في الحرَمِ، «فأشَعرَها في صَفْحةِ» أي: في جانِبِ «سَنامِها الأَيمنِ» وهو أَعْلى ظَهرِ البَعيرِ، وإشْعارُ البَدنةِ هو أنْ يُشَقَّ أحدُ جانِبَيْ سَنامِها حتَّى يَسيلَ دَمُها، ويُجعَلَ ذلك علامةً لها تُعرَفُ بها أنَّها هَديٌ للبيت الحرام، فلا يُتَعرَّضُ لها، وإذا ضلَّتْ رُدَّتْ، وإنِ اختلَطَتْ بغيرِها تميَّزَتْ. قوله: «ثُمَّ سلَتَ الدَّمَ» قوله: «ثُمَّ سلَتَ الدَّمَ» أي: مسَحَه وأزالَهُ عنها، «وقلَّدَها» التَّقليدُ هو تَعْليقُ القَلائدِ، أوِ النَّعْلِ، ونَحوِ ذلك في عُنُقِ الهَديِ، ليَكونَ علامةً أُخْرى يُعلَمَ بها أنَّها هَديٌ.قال النووي: «وأمّا تقليدُ الغنم، فهو مذهبنا ومذهب العُلماء كافة مِنَ السّلف والخلف إلا مالكا، فإنّه لا يقول بتقليدها. قال القاضي عياض: ولعلّه لمْ يبلغه الحديث الثابت في ذلك. قلت: قد جاءتْ أحاديث كثيرة صحيحة بالتّقليد، فهي حُجّةٌ صَريحة في الرّد على من خالفها. واتفقوا على أنّ الغَنَم لا تشعر لضَعْفها عن الجرح، ولأنّه يَسْتَتر بالصُّوف. وأمّا البقرة فيستحب عند الشافعي وموافقيه الجمع فيها بين الإشعار والتقليد كالإبل. قال: وفي هذا الحديث: استحباب تقليد الإبل بنعلين، وهو مذهبنا ومذهب العلماء كافّة، فإنْ قلّدَها بغير ذلك مِنْ جُلُود أو خُيُوط مَفْتولة ونحوها، فلا بأس». انتهى. قوله: «ثمَّ ركِبَ راحلتَهُ» قوله: «ثمَّ ركِبَ راحلتَهُ» وهي الدَّابَّةُ المُعَدَّةُ للسَّفرِ، وكانتْ حينَئذٍ ناقةً تُسَمَّى القَصْواءَ، «فلمَّا استَوتْ به الرَّاحِلةُ» يَعني: لمَّا ارتَفَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُستَوياً على ظَهرِ الرَّاحِلةِ في مِنطَقةِ «البَيداءِ» وهوَ مَوضِعٌ مُلاصِقٌ لذي الحُلَيفةِ، وهو الميقاتُ المَكانيُّ لأهلِ المدينةِ، والبَيداءُ في اللُّغةِ: هي الصَّحْراءُ التي لا شَيءَ فيها، والمقصودُ بها هنا: اسمُ المَوضِعٍ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، وهو مَكانٌ فوقَ عَلَمَيْ ذي الحُلَيفةِ إذا صُعِدَ مِنَ الوادي، وفي أوَّلِ البَيداءِ بِئرُ ماءٍ.فلمَّا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم- في البَيداءِ، «أهلَّ بالحَجِّ» يَعني: أحرَمَ بالحجِّ، ورفَعَ صوتَهُ بتَلبيةِ الحَجِّ، وقد ورَدَ في الصَّحيحَينِ: عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ -رَضيَ اللهُ عَنهُما-: «ما أهَلَّ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - إلَّا مِن عِندِ المَسجِدِ، يَعْني مَسجِدَ ذِي الحُلَيْفةِ». سَببَ اخْتلافِ الصَّحابةِ ولعلَّ سَببَ اخْتلافِ الصَّحابةِ -رَضيَ اللهُ عنهم- في المواضِعِ الَّتِي أهَلَّ منها رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ كُلًّا منهم أخبَرَ بما رأَى، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ مِنَ المدينَةِ حاجًّا، فلمَّا صلَّى في مَسجدِ ذِي الحُلَيْفةِ أهَلَّ بالحَجِّ، فسَمِعَ ذلك منه أقْوامٌ فحَفِظُوا عنه، ثُمَّ رَكِبَ، فلمَّا استَقلَّت به ناقتُه أهَلَّ، وأدرَكَ ذلك منه أقْوامٌ، لأنَّهم كانوا يَأْتُونَ جَماعاتٍ، فسَمِعُوه فقالوا: إنَّما أهَلَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ استَقلَّتْ به ناقتُه، ثُمَّ مضَى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ أهَلَّ، وأدْرَكَ ذلك منه أقوامٌ، فقالوا: إنَّما أهَلَّ حِينَ عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ، فنقَلَ كلٌّ مِنْهم ما سَمِعَ، وظهَرَ بذلك أنَّ الخلافَ وقَعَ في ابتِداءِ الإهْلالِ والإحْرامِ مِنَ المِيقاتِ.ويجمعها: ما رَواه أبو داودَ: عنِ ابنِ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنهُما- قال: «وايمُ اللهِ، لقد أوجَبَ في مُصَلَّاه، وأهَلَّ حينَ استقَلَّتْ به ناقتُه، وأهَلَّ حينَ عَلا على شرَفِ البَيْداءِ». فوائد الحديث
الوصية بالتقوى لقد أكثر الله -عزَّ وجلَّ- في آيات الحجِّ -على قلَّتها- من الوصيَّة بالتقوى؛ لأنَّه يحصل في الحجِّ من أسباب التقوى ما لا يحصل في غيره، وذلك مع الوعي الصحيح لحقيقة الحج ومغزاه، وقد تكرَّرت الوصيَّة بتقوى الله في سياق آيات الحجِّ من سورة البقرة، ففي الآية الأولى من هذه الآيات قال الله -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وفي أثناء هذه الآيات قال -سبحانه-: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، وختم -جلَّ وعلا- آيات الحجِّ بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.والتقوى هي أعظمُ وصيَّة وخيرُ زاد ليوم المعاد، وهي وصيَّة الله للأوَّلين والآخرين من خلقه، كما قال -سبحانه-: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، وهي وصيَّة النَّبيِّ الكريم - صلى الله عليه وسلم - لأمَّته، فقد كان -صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميراً على سريَّة أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمَن معه من المسلمين خيراً، وكان كثيرَ الوصيَّة بها في خُطبه، ولَمَّا خطب الناسَ في حجَّة الوداع يوم النحر وصَّى الناسَ بتقوى الله، ولم يزل السَّلف الصالح يتواصون بها؛ وذلك لأنَّها خيرُ زاد يبلغ إلى رضوان الله، ولَمَّا قال رجل لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: اتَّق الله، أجابه عمرُ بقوله: «لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها»، والنقول عن السلف في هذا كثيرة. وللتقوى على أهلها منافعُ عظيمةٌ وثمارٌ كريمةٌ وفوائدُ جَمَّةٌ في الدنيا والآخرة، فمن ثمارها حصولُ العلم النافع، قال الله -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}، وقال -تعالى-: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}، ومن ثمارها الخروج من المحن وتحصيل الرّزق الطيِّب وتيسُّر الأمور، قال -تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، وقال -سبحانه-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، ومن ثمارها {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، و{أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ومن ثمارها نيلُ الفلاح والفوزُ بالمغفرة، قال -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ومن ثمارها حصولُ الرِّفعة في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، وحصولُ العاقبة الحميدة، قال الله -تعالى-: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، ومن أجَلِّ ثمارها دخولُ الجنَّة والتشرُّف برؤية الله -تبارك وتعالى-، قال الله -تعالى-: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} وقوله -سبحانه-: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وثمارُ التقوى لا تُحصَى، وفضائلُها لا تُستقصى، وأكرمُ الناس عند الله أعظمهم تقوىً له -سبحانه-، قال -تعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#53
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: البَعثُ بالهَدْي وتَقْليدها وهُو حلال
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عبدالرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ عبداللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا، حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الحَاجِّ، حَتَّى يُنْحَرَ الْهَدْيُ، وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيِي، فَاكْتُبِي إِلَيَّ بِأَمْرِكِ. قَالَتْ عَمْرَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ. وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمَاً، فَقَلَّدَهَا.. الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/959) باب: استحباب بعث الهدي إلى الحَرَم لمن لا يُريد الذهاب بنفسه، واسْتحباب تقليده وفتل القلائد، وأنّ باعثه لا يصير مُحْرماً، ولا يَحرم عليه شيء بذلك، ورواه البخاري في الحج (1700) باب: مَنْ قلّد القَلائد بيده.
فَتْوى ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وفي هذا الحديثِ: أخبَرَتْ عَمْرةُ بِنتُ عبدالرَّحمنِ أنَّ زِيادَ بنَ أبي سُفيانَ كَتَبَ إلى عائِشةَ -رضي الله عنها-: إنَّ عبداللهِ بنَ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- كان يُفتي: بأنَّ مَن أَهْدى هدْيًا- مِن الإبلِ أو البَقرِ، أو الغنَمِ أو المَعْزِ- للبيتِ الحَرامِ، فبَعَثَ به لِيُذبَحَ في الحجِّ، ولكنَّه لم يَتلبَّسْ بالنُّسُكِ، ولم يُسافِرْ للحجِّ، بلْ بقِيَ في مَوطنِه، فإنَّه يَحرُمُ عليه ما يَحرُمُ على الحاجِّ؟ فلا يَقرَبُ الطِّيبَ ولا النِّساءَ، ولا غيرَ ذلك مِن مَحظوراتِ الإحرامِ، ويَظَلُّ على ذلك حتَّى يُنْحَرَ هَدْيُه.فلمَّا سَمِعَتْ أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ -رضي الله عنها- فَتْوى ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، ردَّتْ هذه الفتْوى بأنَّها مُخالِفةٌ لِما فَعَلَه رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -، فقدْ كانتْ تَصنَعُ القلائدَ- وهي الأطواقُ- الَّتي كانت تُوضَعُ في رِقابِ هدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - التي كان سيُرسِلُها، وهو غيرُ حاجٍّ وغيرُ مُتلبِّسٍ بالنُّسكِ، ثُمَّ وضَعَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - بيَدِه الشَّريفةِ على الهدْيِ، وبعَثَ بها مع أبي بَكرٍ - رضي الله عنه - إلى الحجِّ، سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجرةِ لَمَّا حَجَّ بالناسِ، ولمْ يَلتزِمِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - بما يَلتزِمْ به المُحرِمُ، ولم يَحرُمْ عليه شَيءٌ أحلَّه اللهُ لغيرِ المُحرِمِ بحَجٍّ أو عُمرةٍ. «ثمّ بعَثَ بها معَ أبي» وفي رواية البخاري قالت: «ثمّ بعَثَ بها معَ أبي» تُريد بذلك أباها أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -، واستفيد من ذلك: وقت البَعث، وأنّه كان في سنة تسع عام حجّ أبي بكر بالناس، وروى مالك في «الموطأ»: عن ربيعة بن عبدالله بن الهدير: أنّه رأى رجُلاً مُتجرّداً بالعراق، فسأل عنه، فقالوا: إنّه أمر بهديه أنْ يقلّد، قال ربيعة: فلقيت عبدالله بن الزبير فذكرت له ذلك، فقال: «بِدْعةٌ وربّ الكعبة». ورواه ابن أبي شيبة.قال ابن التين: خالفَ ابنُ عباس في هذا جميع الفقهاء، واحتجت عائشة بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما روته في ذلك يَجبُ أنْ ُيصار إليه، ولعلّ ابن عباس رَجَع عنه، فتعقّبه الحافظ بقوله: وفيه قصورٌ شديدٌ، فإنّ ابن عباس لمْ ينفرد بذلك، بل ثبتَ ذلك عن جماعةٍ مِنَ الصحابة. وقال ابن المنذر: قال عمر، وعلي، وقيس بن سعد، وابن عمر، وابن عباس، والنخعي، وعطاء، وابن سيرين وآخرون: مَنْ أرسلَ الهدي وأقام، حَرُم عليه ما يحرم على المُحْرم، وقال ابن مسعود وعائشة وأنس، وابن الزبير وآخرون: لا يصير بذلك مُحْرماً، وإلى ذلك صار فقهاء الأمْصَار. اسْتقرّار الأمر على خلاف ما قال ابن عباس وجاء عن الزهري ما يدلّ على أن الأمر اسْتقرّ على خلاف ما قال ابن عباس، ففي البيهقي: عنه قال: أول مَنْ كشَفَ العَمَى عن الناس، وبيّنَ لهم السُّنّة في ذلك عائشة. فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها، قال: فلما بلغ الناس قول عائشة، أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس، وبه قال الجمهور: لا يصير بتقليد الهَدي وإهْدائه مُحْرماً، ولا يجبُ عليه شيء.قال الحافظ ابن حجر: وله حالان: إمّا أنْ يَسوقَ الهَدْي، ويَقصد النُّسك، فإنّما يُقلّدها ويُشْعرها عند إحْرامه، وإمّا أنْ يَسوقه ويُقيم، فيُقلّدها مِنْ مكانه. وهو مقتضى حديث الباب. انتهى. وقال ابن التين: يحتمل أنْ يكونَ قولُ عائشة: «ثُمّ قلّدها بيدِه» بَياناً لحِفظها للأمر ومعرفتها به، ويحتمل أنْ تكونَ أرادتْ أنّه - صلى الله عليه وسلم - تَناولَ ذلك بنفسِه، وعَلمَ وقتَ التّقليد، ومع ذلك فلمْ يَمتنع مِنْ شَيءٍ يَمتنع منه المُحْرِم، لئلا يَظنّ أحَدٌ أنه اسْتباح ذلك قبل أنْ يعلم بتقليد الهدي. الحديث الثاني عنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمَاً، فَقَلَّدَهَا. في هذا الحديثِ تُخبِرُ عائشةُ -رضي الله عنها-: «أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - أهْدَى مرَّةً غَنمًا» أي: في مَرَّة مِن مرَّاتِ إرْسالِه - صلى الله عليه وسلم - للهَديِ إلى الحرم، كانتْ غَنماً، وهو يدلُّ على جواز إهداء الغَنم إلى الحرم، ولا يلزم أنْ تكون مِنَ الإبل.وما أهداه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليس هو هدْيَ الإحْرَام، ولهذا أقام حلالًا بعدَ إرسالِه، ولم يُنقَلْ أنّه أهدَى غنماً في إحْرامِه، ولا مانع مِن إهداء مَنْ أحرمَ بالغنمِ. قولها: «وقلَّدها» أي: جَعَل في عُنُقِها قِلادةً، يُستدلُّ بها على أنَّها مِن ذَبائحِ الهَديِ. من فوائد الحديثين
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#54
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: ركوب البدنة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: «ارْكَبْهَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّها بَدَنَةٌ؟ فَقَالَ: «ارْكَبْهَا وَيْلَكَ، فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ»، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبداللَّهِ -رضي الله عنهما-: سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؛ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ؛ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْها، حَتَّى تَجِدَ ظَهْراً». الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/960-961) باب: جواز ركوب البدنة المُهداة لمن احتاج إليها. الحديث الأول في الحديثِ الأول: يَرْوي أبو هُرَيرةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- رَأى رجُلًا ماشياً على قَدمَيه، ويَسوقُ أمامَه بَدَنةً، قدْ أهْداها إلى البَيتِ الحرامِ، يَتقرَّبُ بها إلى اللهِ -تعالى-، والبَدَنةُ: تكونُ مِنَ الإبلِ خاصَّةً، وقيل: البُدْنُ تُطلَقُ على الإبلِ والبقَرِ، فأمَرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرُكوبِها؛ ليَستريحَ ولا تحَصَلَ له مَشقَّةِ المَشْيِ ولا التّعب، فأخْبَرَه الرَّجُلُ أنَّها بَدَنةٌ مُهداةٌ إلى الكَعبةِ، فكيف يَركَبُها؟فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في المرَّةِ الثانيةِ أو الثالثةِ: «ارْكَبْها، وَيلَكَ!» وأصلُ الوَيلِ: العذابُ الشَّديدُ، وهو غيرُ مَقصودٍ هنا، وإنَّما أرادَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَغلُظَ له في القَولِ لِيركَبَها. وفيه: مَشروعيَّةُ رُكوبِ الهَدْيِ لمَن احتاج إليها، حتّى يجدَ ظهراً. وهو مذهبُ الشافعي في رُكوب الهَدي؛ إذْ يقول: إنّه يَرْكبُها إذا احْتاج، ولا يَرْكبها مِنْ غيرِ حاجة، ويَركبُها بالمَعروف مِنْ غَيرِ إضْرار بها، وبهذا قال ابن المنذر وجماعة، وهو رواية عن مالك. وقال عروة بن الزبير ومالك في الرواية الأخرى وأحمد وإسحاق: له رُكوبها مِنْ غير حاجةٍ، بحيث لا يضرّها، وبه قال أهل الظاهر. وقال أبو حنيفة: لا يَركبها إلا أنْ لا يجدَ منْه بُدّاً. وحكى القاضي عن بعض العلماء: أنه أوْجبَ رُكوبها المُطلق؛ للأمْر بذلك، ولمُخَالفة ما كانت الجَاهلية عليه مِنْ إكرام البَحِيرة والسائبة والوصيلة والحامي، وإهْمَالها بلا رُكوب. ودليل مَن منعَ منْ غير حاجة: أنّ الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهْدَى ولمْ يَرْكب هديه، ولمْ يأمر الناسَ برُكوب الهَدَايا، ودليلنا على عروة وموافقيه رواية جابر المذكورة. والله أعلم. «انظر: شرح النووي». فوائد الحديث
الحديث الثاني عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبداللَّهِ -رضي الله عنهما-: سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؛ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ؛ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْها، حَتَّى تَجِدَ ظَهْراً». في هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو الزُّبيرِ محمَّدُ بنُ مُسلِمٍ الأسدي مولاهم، أنَّ جابرَ بنَ عبداللهِ -رضي الله عنهما- سُئلَ عنْ رُكوبِ الهَديِ، وهو كلُّ ما يُهْدَى إلى البَيتِ منَ الأنْعامِ؛ قُربةً إلى اللهِ، فذكَرَ جابرٌ - رضي الله عنه - قَولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «اركَبْها بالمَعروفِ»، أي: بِوَجهٍ لا يَلحَقُها ضَررٌ، «إذا أُلْجِئْتَ» يعني: إذا اضطُررْتَ إلى رُكوبِها، «حتَّى تَجِدَ ظَهراً» أي: حتّى تجدَ مَركوباً آخَرَ منَ الدَّوابِّ غيرِ الهَديِ.باب: ما عَطِبَ مِنَ الهَدْي قبل محله عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ؛ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتاً فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ». الحديث رواه مسلم في الحج (2/963) باب: ما يفعلُ بالهَدْي إذا عَطِب في الطّريق.في هذا الحَديثِ يَرْوي أبو قَبيصةَ ذُؤيبُ بنُ حَلْحَلةَ الخُزاعيُّ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - كان يَبعَثُ مَعه بالبُدْنِ- وهي الأنعامُ الَّتي تُهْدى إلى بيتِ اللهِ الحرامِ- ثُمَّ يقولُ لَه: «إنْ عَطِبَ مِنها شَيءٌ» أي: أصابه أمرٌ يمنعها من السّير، مِن كسرٍ أو مرَضٍ أو تعَبٍ يَغلِبُ معه هَلاكُها وموتُها قبْلَ وُصولِها إلى مَوضعِ الذَّبحِ. قوله: «فانْحَرْها» واذْبَحْها في مَكانِها، «ثُمَّ اغمِسْ نَعْلَها» المُقلَّدَةَ بها في دَمِها، «ثُمَّ اضرِبْ» بهذا النَّعلِ المُلطَّخِ بالدَّمِ على صَفحتِها، أي: اجعَلِ النَّعلينِ على جانبِ سَنامِ البُدنِ؛ ليكونَ ذلك عَلامةً مَعروفةً؛ لكيْ يَعرِفَها مَن يمُرُّ بها، فمَن جاء بعْدَهم يَنظُرُ إليها ويَعرِفُ أنَّها هدْيٌ، وقد عَطِب، فيَأكُلُ منها دونَ حرَجٍ، فلا يَحسَبُها مَيتةً؛ وذلك أنَّ الطُّرقَ الَّتي يَسلُكُها النَّاسُ في أسفارِهم كانت مَعروفةً مِن قِبَلِ غيرِهم. وأيضا: فإنَّ العادةَ الغالبةَ أنَّ ساكِنِي الصَّحراءِ -البَدْو- وغيرَهم، يَتَّتبعون مَنازلَ الحجيجِ لالتقاطِ ما خلَّفوه في أماكنِ راحتِهم. قوله: «وَلا تَطعَمْها أنت ولا أَحدٌ مِن أهلِ رُفْقتِك» أي: لا يَأكُلْ منها الوكيل ولا أحدٌ ممّن معه، سَواءٌ كان فَقيراً أم غَنيّاً، وفي هذا قطْعُ الذَّريعةِ؛ لئلَّا يَتوصَّلَ بعضُ النَّاس إلى نحْرِ الهدْيِ، أو تَعييبِه قبْلَ أوانِه. من فوائد الحديث
الافتقار إلى الله -تعالى- إن من أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق لله -تعالى-، فهـو «حقيقـة العبـودية ولبُّها»، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر:15)، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «يخبر -تعالى- بغناه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} أي: محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات وهو -تعالى- الغني عنهم بالذات؛ ولهذا قال -عز وجل-: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه».وقال -تعالى- فـي قصة موسى -عليه الصلاة والسلام-: {فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(القصص: 24)، وقال -تعالى-: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38)، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت: 6). عرَّف الإمام ابن القيم -رحمه الله- الافتقار إلى الله بقوله: «حقيقة الفقر: ألا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملْك واستغناء مناف للفقر». ثم قال: «الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقـة تامـة إلى الله -تعالى- من كل وجه». فالافتقار إلى الله -تعالى- أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه -عـز وجل- متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته، قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام). والمتأمل في أنواع العبادة القلبية والعملية يرى أن الافتقار فيها إلى الله هو الصفة الجامعة لها، فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله، يكون أثرها في قلبه، ونفعها له في الدنيا والآخرة، وحسبك أن تتأمل في الصلاة أعظم الأركان العملية، فالعبد المؤمن يقف بين يدي ربه في سكينة، خاشعاً متذللاً، خافضاً رأسه، ينظر إلى موضع سجوده، يفتتحها بالتكبير، وفي ذلك دلالة جليَّة على تعظيم الله -تعالى- وحده، وترك ما سواه من الأحوال والديار والمناصب. وأرفع مقامات الذلة والافتقار أن يطأطئ العبد رأسه بالركوع، ويعفِّر جبهته بالتراب مستجيراً بالله منيباً إليه؛ ولهذا كان الركوع مكان تعظيم الله -تعالى-، وكان السجود مكان السؤال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «فأما الركوع فعظّموا فيه الرب -عز وجل-، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم»؛ ولهذا كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في ركوعه: «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي». اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |