|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ24 الحلقة (51) شرح حديث: (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين، قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع -ولم يقل قتيبة: القناع، والقناع: الطبق فيه تمر-، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله! قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟! قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة؟ ثم قال: لا تحسبن -ولم يقل: لا تحسبن- أنا من أجلك ذبحناها؛ لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة، قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا -يعني: البذاء- فقال: طلقها إذا، قال: قلت: يا رسول الله! إن لها صحبة ولي منها ولد، فقال: فمرها -يقول: عظها- فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ضعينتك كضربك أميتك، فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث لقيط بن صبرة رضي الله تعالى عنه أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني المنتفق، وذكر ما جرى عند مجيئهم إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى في آخر الأمر إلى أن سأل عن الوضوء -وهذا محل الشاهد- فقال له صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء) وإسباغ الوضوء سبق أن ذكرنا أنه يكون بالغسل ثلاث مرات ويكون بالدلك، كل هذا يقال له: إسباغ، والحد الأدنى الذي لابد منه هو الاستيعاب مرة واحدة بحيث يجري الماء على جميع الأعضاء مرة واحدة، وإن لم يكن فيه دلك، ولكن الدلك وذكر العدد هو الذي فيه الإسباغ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع) يعني: أن ما يكون بين الأصابع يعمل على أن يصل إليه الماء، وذلك بأن يحركه بإصبعه بحيث يصل الماء إليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على تخليل ما بين الأصابع؛ لأنه مكان منخفض قد ينبو عنه الماء مثل العقب الذي يكون وراء الكعب؛ ففيه انخفاض نوعا ما، لذا قد ينبو عنه الماء، وهنا كذلك الذي يكون بين الأصابع قد ينبو عنه الماء، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن يخلل.والتخليل الواجب والشيء الذي لا بد منه هو التحقق من أن الماء وصل إلى جميع الأعضاء ما كان بين الأصابع وما كان غير ذلك، فالعمل على وصول الماء إلى جميع الأعضاء هذا أمر متعين، وما زاد على ذلك فهو المستحب، وهو الإسباغ. وقوله: (وبالغ في الاستنشاق) هذا محل الشاهد للاستنثار، وقوله: (إلا أن تكون صائما) يعني: إذا كان الإنسان صائما لا يبالغ في الاستنشاق؛ لأنه قد يدخل الماء بسبب ذلك إلى جوفه، ويدخل الماء عن طريق الأنف إلى الحلق فيصل إلى جوفه، فلا يبالغ في الاستنشاق إذا كان صائما، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى المبالغة في الاستنشاق، وهذا من كمال الوضوء، إلا أن يكون الإنسان صائما فلا يبالغ؛ لئلا يترتب على ذلك وصول الماء إلى جوفه عن طريق أنفه. قوله: [عن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق]. قالوا: يحتمل أن يكون قوله: (وافد) بمعنى: أنه كبيرهم، أو أن المقصود أنه كان في جملتهم، والعبارة فيها شك: إما كذا وإما كذا، يعني: إما وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق. قوله: [قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين، قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع -ولم يقل قتيبة: القناع، والقناع: الطبق فيه تمر-]. يقول لقيط بن صبرة رضي الله عنه: إننا لما جئنا وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جئنا إلى منزل النبي عليه الصلاة والسلام فلم نجده فيه، ووجدنا عائشة رضي الله عنها، فأكرمتهم وأمرت لهم بخزيرة ة تصنع، والخزيرة قيل: هي اللحم الصغار الذي يصب عليه الماء ويغلى ثم بعد ذلك يذر عليه الدقيق، هذا يقال له: خزيرة؛ لأن فيه لحم ودقيق، قالوا: وإن كان الدقيق بدون لحم فهو عصيدة. وبعضهم يقول: إن الخزيرة ما كانت من نخالة الدقيق، وما كان من الدقيق فإنه يقال له: حريرة، يعني: إذا كان معه شيء من اللحم، وأما إذا كان ليس معه لحم فإنه يقال له: عصيدة.فأمرت عائشة رضي الله عنها بأن يصنع لهم تلك الخزيرة، ثم أوتي لهم بقناع، والقناع: وعاء فيه تمر أو قدح فيه تمر، قيل: إنما سمي قناعا لأنه عطف طرفه فقيل له: قناع. قال: ولم يكن في كلام قتيبة القناع، يعني: وإنما هو في كلام غيره ممن أجملهم في قوله: في آخرين؛ لأنه قال: حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين، يعني: هو وغيره، لكن هو حكاه على لفظ قتيبة الذي ذكره، ولكنه أشار إلى هذه الكلمة التي ليست من رواية قتيبة، فقال: ولم يقل قتيبة: القناع، يعني: بل هو في لفظ غيره، ثم أتى بتفسير القناع، وذكر أنه: طبق فيه تمر، يعني: أنها قدمت لهم شيئا يبدءون به ويأكلون منه حتى ينتهى من صنع الخزيرة التي هي اللحم الذي معه دقيق، ففيه تعجيل الشيء الجاهز الموجود الذي يبدأ به الضيف حتى ينتهي صنع الطعام الذي يعد له كاللحم والدقيق. قوله: [ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله!)]. يعني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وهم جالسون فقال: (هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء؟ قالوا: نعم يا رسول الله!) أي: قد أصابوا؛ حيث قدم لهم التمر الذي في الطبق، وأكلوا منه وأمر لهم بالخزيرة التي تصنع من اللحم والدقيق. قوله: [(فبينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟! قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة)]. ثم قال: لقيط بن صبرة: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دفع الراعي -يعني: راعي غنم الرسول صلى الله عليه وسلم- إلى المراح)، يعني: أتى بها إلى المكان الذي تبيت به ليلا، فالمراح هو: المكان الذي تبيت به الدواب ليلا، (وإذا مع الراعي سخلة تيعر)، يعني: تصيح، والسخلة هي: الصغيرة من أولاد الغنم.المولد هو الذي يباشر التوليد أو يكون عند التي تلد بحيث يساعدها عند الولادة، ولهذا يقال للقابلة: المولدة؛ لأنها تساعد المرأة عند الولادة، فالمولد يكون عندها، وإذا احتاجت إلى معالجة يعالجها بحيث يضم بطنها أو يعمل شيئا حتى تخرج وتتخلص من حملها فتضعه. قوله: (فقال: بهمة)]. يعني: أنها أنثى، وأن السؤال يحتمل لأن يكون هل نوع المولود أنثى أو ذكر أو يحتمل العدد؛ لأنه قد يكون هناك توأم، فالسؤال هو لهذا.(فقال: بهمة)، وهي: الصغيرة، ويقال: إنها تطلق على الذكر والأنثى. قوله: [(قال: فاذبح لنا مكانها شاة)]. أي: لأن العدد بلغ مائة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الغنم لا تزيد عنده على مائة، فإذا زادت على مائة يذبح منها بحيث لا تزيد على مائة، ولذا قال: (اذبح لنا مكانها شاة)، لأنه وصل العدد بها إلى مائة، فأمره أن يذبح مكانها شاة، أي: لا يذبحها هي وإنما يذبح مكانها شاة. قوله: [(ثم قال: لا تحسبن -ولم يقل: لا تحسبن- أنا من أجلك ذبحناها؛ لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد)]. ثم بين عليه الصلاة والسلام أن هذا الذبح الذي حصل لم يحصل من عدم الرغبة في الذبح، وأنه كان يكفيهم الشيء الذي كان يصنع لهم وهي الخزيرة التي كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها أمرت بها، فخشي أن يكونوا فهموا أنه ذبح لهم بالإضافة إلى الخزيرة، فبين عليه الصلاة والسلام أنه كان على هذه الطريقة وعلى هذا المنهج، وهو أنه إذا بلغ العدد مائة فإنه لا يتركه يزيد أو لا يتركه يصل إلى هذا المقدار، بل يذبح منه، فهو إكرام لهم، وفي نفس الوقت فيه اعتذار لهم بأن هذا هديه وهذه طريقته صلى الله عليه وسلم: أنه لا تزيد غنمه على مائة. وقوله: [(قال: لا تحسبن)]، يعني: بالكسر، (ولم يقل: لا تحسبن)، يعني: أنه ضبط اللفظة، وإن كانت هذه لغة لبعض العرب وهذه لغة لبعض العرب إلا أنه نص على الشيء الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن السين مكسورة، ولم يسمع منه أن السين مفتوحة، ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم خاطبه لأنه كبيرهم، ولعل هذا فيه إشارة إلى قول وافد بني المنتفق؛ لأن الخطاب لشخص، ومن المعلوم أن معه غيره، فهو كأنه كبيرهم وكأنه رئيسهم، فخاطب الرئيس. قوله: [(قال: قلت يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا -يعني: البذاء- قال: فطلقها إذا)]. ثم إن لقيط بن صبرة قال: إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا يعني: البذاء.فعبر بالشيء عن شيء غير محمود وهو بذاءة وسلاطة اللسان، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (فطلقها إذا)، يعني: إذا: تخلص من بذاءة لسانها بفراقها وطلاقها. قوله: [(فقال له: يا رسول الله! إن لي معها صحبة، ولي منها ولد)]. يعني: أنه أشار إلى الأمور الحسنة التي حصلت بينه وبي تراجم رجال إسناد حديث: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [في آخرين]. يعني: أن أبا داود رحمه الله سمع الحديث من مشايخ آخرين غير قتيبة. [قالوا: حدثنا يحيى بن سليم]. يعني: أن قتيبة حدثه في آخرين، لكن هؤلاء الذين حدثوه أراد أن يقتصر على تسمية واحد منهم، ويمكن أن تكون كلمة حدثنا تغني عن قوله: (في آخرين) لأن طريقة المحدثين إذا قال أحدهم: (حدثنا) أنه يقصد شيخه وغيره، وإذا قال: (حدثني) يقصد أنه حدثه وحده ليس معه أحد. فالمصنف ذكر شيوخا متعددين ولهذا قال: قالوا، وهذا يبين بأن المقصود الشيوخ، ولكنه لم يذكر أسماء الشيوخ الآخرين، بل اقتصر على قتيبة، ولعل هؤلاء الشيوخ الآخرين إما ترك ذكرهم اختصارا واكتفاء بـ قتيبة أو أن فيهم من فيه كلام، كما مر بنا في سنن النسائي أنه كثيرا إذا جاء ابن لهيعة في السند لا يذكره، وإنما يقول: حدثنا فلان وذكر آخر.يشير بهذا الآخر إلى ابن لهيعة الذي تركه، والذي لا يريد أن يذكره؛ لأنه لا يروي عنه فيشير إليه إشارة؛ لأن التحديث حصل لجماعة فهو يذكر واحدا منهم ويترك غيره، لكنه لا يسكت بحيث كأن ذلك الذي ترك ما له وجود، بل هو موجود، ولكنه أراد أن يتركه، فقال: وذكر آخر، فهنا قوله: (في آخرين) يحتمل أن يكون اختصارا؛ فبدل ما يعددهم اكتفى بواحد منهم الذي هو ثقة وهو قتيبة، ويحتمل أن يكون المقصود أن فيهم أناسا لا يريد أن يذكرهم ولا يريد أن يكونوا من رجاله الذين يروي عنهم.ويحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إسماعيل بن كثير]. إسماعيل بن كثير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه]. عاصم بن لقيط بن صبرة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.وأبوه صحابي أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [شرح حديث: (أسبغ الوضوء) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن جريج حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه رضي الله عنه وافد بني المنتفق أنه أتى عائشة رضي الله عنها فذكر معناه قال: (فلم ننشب أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلع -يتكفأ- وقال: عصيدة مكان خزيرة)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث لقيط بن صبرة من طريق أخرى، ولكنه أحال على الطريق السابقة وأشار إلى بعض الفروق التي جاءت في الطريقة الثانية وهي قوله: (لم ننشب أن جاء) يعني: لم نلبث إلا مدة قليلة حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلع، يعني: يتكفأ في مشيته صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان لكيفية مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه كان يمشي بهذه الهيئة، وهذا بمعنى ما جاء أنه كان إذا مشى كأنه منحدر من صبب. يعني: ليس عنده مشية المتبخترين المتجبرين المتكبرين، وليس فيه أيضا نعومة النساء ولين النساء وحركة النساء، وإنما كان يمشي بهذه الهيئة يعني: بقوة وبنشاط، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقوله: [وقال: عصيدة]. يعني: أن عائشة أمرت لهم بعصيدة مكان الخزيرة، والعصيدة هي: الدقيق الذي ليس معه لحم، فإذا كان معه لحم صار خزيرة. قوله: [حدثنا عقبة بن مكرم]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [حدثنا يحيى بن سعيد]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن جريج]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. [شرح حديث: (أسبغ الوضوء) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج بهذا الحديث قال فيه: (إذا توضأت فمضمض)].أورد أبو داود رحمه الله حديث لقيط بن صبرة من طريق أخرى وفيه أنه قال: (إذا توضأت فمضمض)، يعني: أن الطريق السابقة فيها الاستنشاق وهذه الطريق فيها المضمضة، ومعنى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى المضمضة والاستنشاق. قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا أبو عاصم]. هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن جريج]. ابن جريج قد مر ذكره.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ16 الحلقة (54) شرح سنن أبي داود [026] المسح على الخفين أمر مهم ينبغي على كل مسلم معرفة أحكامه، ومتى يكون، وما هي المدة التي يجوز المسح فيها، ومتى تبدأ، ومتى تنتهي، ونحو ذلك من الأحكام. تابع المسح على الخفين شرح حديث المغيرة في تأخر النبي عن صلاة الفجر بسبب قضاء الحاجة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر هذه القصة، قال: فأتينا الناس و عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم الصبح، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر فأومأ إليه أن يمضي، قال: فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سبق بها ولم يزد عليها شيئاً). قال أبو داود : أبو سعيد الخدري و ابن الزبير و ابن عمر رضي الله عنهم يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة في تأخره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي حاجته وأنه توضأ ولما لحقوا بأصحابه الذين سبقوهم وجدوهم قد دخلوا في صلاة الفجر وقد قدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليصلي بهم، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى ركعة من الصلاة رآه عبد الرحمن فأراد أن يتأخر حتى يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمكث وأن يمضي في صلاته بهم، ولعله جاء من الجهة الأمامية لأنهم كانوا في البر، ويمكن أنه جاء من ورائهم، وقد كان ذلك في غزوة تبوك، فإذا كانوا في الذهاب فلا إشكال؛ لأنهم سيتجهون إلى الجهة التي جاءوا منها، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي من جهة الأمام، وأما إذا كانوا في الرجوع فإنه سيأتي من الخلف وهم يصلون، فإن كانت القصة في الذهاب إلى تبوك فالأمر واضح؛ لأنهم سيتجهون إلى الجهة التي جاءوا منها، والرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي من أمامهم فيرونه عندما يقبل عليهم صلى الله عليه وسلم، وإن كانت القصة في المجيء من تبوك فهذا معناه أنه جاء من جهة الخلف، فرآه عبد الرحمن بن عوف فأراد أن يتأخر فأشار إليه أن امض، فمضى في صلاته وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم وراءه ركعة، ولما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة بن شعبة وصلوا الركعة التي بقيت عليهم، وفي الرواية السابقة أنه قال: (أحسنتم أو أصبتم) يعني: في صنيعكم حيث قدمتم من يصلي بكم. ولا يعرف عن أحد من الصحابة أنه صلى إماماً بالرسول صلى الله عليه وسلم إلا عبد الرحمن بن عوف و أبو بكر رضي الله عنه، كما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فتأخر الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء بلال إلى أبي بكر واستأذنه أن يقيم الصلاة، فأذن له وصلى، فجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام عند البدء بالصلاة، فسبحوا فالتفت رضي الله عنه وأرضاه وكان لا يلتفت في الصلاة، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر أو يتقهقر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار إليه أن يمكث، ولكنه رجع وتأخر، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا في أول الصلاة، وأما عبد الرحمن بن عوف ، فكان قد صلى ركعة من الصلاة، فلا يعرف أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إماماً بالرسول عليه الصلاة والسلام إلا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولهذا أبو نعيم في كتابه معرفة الصحابة في مقدمة ترجمته قال: إمام المصطفى صلى الله عليه وسلم يعني: أنه صلى به إماماً، وهذه الفضيلة ما وجدت من غيره. قوله: (ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الركعة التي بقيت ولم يزد عليها)، يعني: أن الشيء الذي بقي عليه هو الذي أتى به، وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المسبوق إذا فاته شيء من الصلاة فإنه يقضي ما فاته ولا يفعل شيئاً آخر، وبعض أهل العلم ومنهم الذين ذكرهم المصنف ابن عمر و ابن الزبير و أبو سعيد الخدري يقولون: إنه إذا أدرك الفرد من الصلاة فإنه يسجد سجدتين للسهو. والفرد من الصلاة هي: الركعة الواحدة، قالوا: لأنه بذلك سيأتي بتشهد في غير موضعه فعليه أن يسجد، لكن القول الصحيح هو قول جمهور أهل العلم الذين قالوا: ليس عليه شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الركعة التي بقيت عليه سلم ولم يزد على ذلك شيئاً لا سجود سهو ولا غيره، وأما كونه يأتي بتشهد في غير محله فلأنه مأمور بمتابعة الإمام، وكل ما يأتي به الإمام عليه أن يأتي به ولو تكرر عنده التشهد، ثم أيضاً ليس هناك سهو حتى يسجد له، فكيف يسجد للسهو ولا سهو موجود؟! إذاً: القول الصحيح أنه ليس على المسبوق إذا أدرك الفرد من الصلاة -يعني: الركعة الواحدة- سجود سهو إذا سلم من صلاته؛ لأنه في الصلاة ما سها، وكونه حصل منه تشهد في غير محله فهو مأمور بالمتابعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهو يدخل مع الإمام ويتابعه وإذا سلم قام لقضاء ما فاته سواء كان ركعة أو أكثر، وليس عليه شيء بعد ذلك، لكن إذا حصل منه سهو في صلاته في الزيادة التي سيصليها فيسجد للسهو، وإذا كان على إمامه سجود سهو والسجود بعد السلام فإنه يسجد عندما يريد أن يسلم تبعاً لإمامه الذي سجد بعد السلام؛ لأنه إذا سلم الإمام وسجد بعد السلام فإنه يقوم يأتي بالركعة المتبقية عليه، فالإمام يسجد للسهو وهو يواصل صلاته ولكنه في آخر صلاته يسجد للسهو، فليس على المأموم أو المسبوق سجود السهو إلا إذا سها هو فيما يصليه بعد سلام الإمام أو كان الإمام عليه سجود السهو وكان بعد السلام فإنه يفعل مثل ما يفعل الإمام، فيسجد عندما ينتهي من صلاته، وأما كونه أدرك فرداً من الصلاة، ووجد منه تشهد في غير محله، فهو مأمور بالمتابعة، والسهو لم يوجد حتى يسجد له. تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في تأخر النبي عن صلاة الفجر بسبب قضاء الحاجة قوله: [حدثنا هدبة بن خالد ]. هدبة بن خالد ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود ، و هدبة بن خالد يقال له أيضاً: هداب بن خالد ، وقيل: إن هدبة اسم و هداب لقب، يعني: أن اللقب مأخوذ من الاسم، و البخاري رحمة الله عليه من عادته أنه لا يذكره إلا باسمه، وأما مسلم فيذكره أحياناً يقول: هدبة وأحياناً هداب . [حدثنا همام ]. همام بن يحيى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وعن زرارة بن أوفى ]. يعني: أن قتادة يروي عن الحسن ويروي عن زرارة بن أوفى ، و زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومما ذكروا في ترجمته أنه كان يصلي بالناس صلاة الصبح فقرأ بهم سورة المدثر ولما جاء عند قوله تعالى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9] بكى وشهق وخر مغشياً عليه ومات رحمة الله عليه، وقد ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره في سورة المدثر، وذكره أيضاً الذين ترجموا له. [أن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة قد مر ذكره. شرح حديث: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بكر -يعني: ابن حفص بن عمر بن سعد - أنه سمع أبا عبد الله عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يسأل بلالاً رضي الله عنه عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه). قال أبو داود : هو أبو عبد الله مولى بني تيم بن مرة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بلال بن رباح رضي الله عنه أن عبد الرحمن بن عوف سأله عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالإداوة فيتوضأ منها ويمسح على عمامته وعلى موقيه) والموقان هما: الخفان، وقيل: إنهما خفان قصيرا الساق، ولكن المسح يكون على ما يغطي الكعبين؛ لأن من شرط المسح على الخفين أن يكونا ساترين لمحل الوضوء، وحده: الكعبان، فالخفان لابد أن يكونا ساترين للكعبين. والحديث فيه المسح على الخفين، وفيه أيضاً المسح على العمامة، والمسح على الخفين والمسح على العمامة ثابت من طرق متعددة، فالحديث وإن كان فيه مجهول إلا أن ما فيه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحصل الانفراد والاستقلال بروايته عن طريق هؤلاء المجهولين، وإنما جاء ذلك عن كثير من الصحابة، وليس فيه شيء جديد زائد عن الذي ثبت في الأحاديث الأخرى، فيكون الحديث من حيث المتن صحيحاً، ولكنه من حيث الإسناد ضعيف؛ لأن فيه هذان المجهولان اللذان في إسناده، لكن المسح على الخفين والمسح على العمامة ثابت، فيكون هذا مما له أصل، وهو شاهد للأصل، وليس التعويل عليه، ولا الاستناد إليه، وإنما الاستناد إلى غيره، وكونه جاء موافقاً لغيره يدل على أنه معتبر، وأنه جاء مطابقاً لما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من حيث الإسناد ضعيف، لكنه من حيث المتن صحيح، وليس الحكم مبنياً على أسانيد فيها ضعف، بل الحكم مبني على أسانيد صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما جاء فيه ضعف ولم يكن فيه زيادة عما ثبت في الأحاديث الصحيحة في مسح العمامة ومسح الخفين فإنه يكون معتبراً. تراجم رجال إسناد حديث: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء ...) قوله: عبيد الله بن معاذ هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [حدثنا أبي]. أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكر يعني: ابن حفص بن عمر بن سعد ] . أبو بكر اسمه عبد الله بن حفص ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمع أبا عبد الله ]. أبو عبد الله هو مولى بني تيم كما ذكر ذلك أبو داود في آخر الحديث، وبنو تيم بن مرة هم رهط أبي بكر ؛ لأن أبا بكر ينتهي نسبه إلى تيم بن مرة، ويلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مرة ، يعني: أن تيماً أخو كعب والرسول صلى الله عليه وسلم من أبناء كعب بن مرة ، فتيم بن مرة هو أخو كعب بن مرة ، والرسول صلى الله عليه وسلم من نسل كعب بن مرة و أبو بكر من نسل تيم بن مرة فيقال لأبي بكر : التيمي نسبة إلى جده الذي هو دون الجد الذي يلتقي به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو عبد الله هذا مجهول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [عن أبي عبد الرحمن ]. قال في التقريب: أبو عبد الرحمن عن بلال قيل: هو مسلم بن يسار وإلا فمجهول . ويكفي في ضعف الحديث أبو عبد الله ، فالإسناد ضعيف، وإذا انضاف إليه هذا الشخص الآخر الذي هو أبو عبد الرحمن إذا لم يكن مسلم بن يسار وكان مجهولاً؛ فإن الحديث يزداد ضعفاً، لكن كما ذكرت المسح على العمامة والمسح على الخفين ثابتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو عبد الرحمن هذا أخرج له أبو داود و النسائي . [أنه شهد عبد الرحمن بن عوف ]. عبد الرحمن بن عوف ليس من رجال الإسناد؛ لأنه كان يسأل بلالاً ، فالإسناد عن أبي عبد الرحمن عن بلال . شرح حديث جرير في المسح على الخفين قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن الحسين الدرهمي حدثنا ابن داود عن بكير بن عامر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (أن جريراً رضي الله عنه بال ثم توضأ فمسح على الخفين وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح؟! قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (أنه بال ومسح على خفيه وقال: ما يمنعني أن أمسح عليهما وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؟! قالوا: إنما كان ذلك قبل المائدة) المقصود بذلك: أن آية المائدة فيها غسل الرجلين، يعني: ويكون هذا قبل المائدة فيكون منسوخاً بآية المائدة، فقال رضي الله عنه: وهل أسلمت إلا بعد المائدة؟ يعني: أن إسلامه كان متأخراً، ومعنى هذا: أنه أسلم بعد نزول آية غسل الرجلين، فيكون القرآن بين أن حكم الرجلين الغسل حيث تكونان مكشوفتين، وبينت السنة المتواترة أن حكمهما المسح حيث تكونان مغطاتين بالخفاف أو الجوارب، ولهذا أخبر جرير رضي الله عنه بأنه إنما أسلم بعد المائدة، وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمل عنه بعد إسلامه، ورآه يمسح، وقد سبق أيضاً المسح في قصة المغيرة بن شعبة ، وكان ذلك في غزوة تبوك، وغزوة تبوك هي آخر الغزوات التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت في السنة التاسعة، يعني: أن ذلك كان في زمن متأخر فلا يكون حكم المسح على الخفين منسوخاً، فالغسل للرجلين ثابت بالقرآن حيث تكونان مكشوفتين، والمسح على الخفين ثابت بالسنة المتواترة حيث تكون الرجلان مستورتين بالخفاف أو الجوارب. وهذا الحديث يدل على المسح على الخفين وهو كغيره من الأحاديث الأخرى الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فيها المسح على الخفين. تراجم رجال إسناد حديث جرير في المسح على الخفين قوله: [حدثنا علي بن الحسين الدرهمي ]. علي بن الحسين الدرهمي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا ابن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن بكير بن عامر ]. بكير بن عامر البجلي ضعيف، أخرج له أبو داود . [عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن جريراً ]. أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأبو زرعة بن عمرو يروي هذا الحديث عن جده جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد و أحمد بن أبي شعيب الحراني قالا: حدثنا وكيع حدثنا دلهم بن صالح عن حجير بن عبد الله عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) قال مسدد : عن دلهم بن صالح . قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل البصرة] . أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين فتوضأ ومسح عليهما) والمقصود هو المسح على الخفين، وهذا الحديث من الأحاديث التي تدل على ذلك وهي كثيرة جاءت عن جماعة من الصحابة، وقد ذكر بعض أهل العلم أنهم يبلغون سبعين صحابياً، كلهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين. قوله: [إن النجاشي أهدى إلى رسول الله]. النجاشي هو ملك الحبشة أسلم وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إليه قبل هجرتهم إلى المدينة، لما مات صلى الرسول عليه الصلاة والسلام عليه صلاة الغائب كما ثبت ذلك في الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [خفين أسودين ساذجين]. قيل: إن المقصود أنهما ليس فيهما نقوش وليس فيهما أيضاً شعر ولا شيء من اختلاف الألوان، بل هما أسودان، فقوله: (ساذجين) يعني: غير منقوشين ولا شعر فيهما، وليس فيهما اختلاف ألوان، بل هما أسودان فقط. قوله: [ (فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) ]. هذا هو المقصود من الترجمة، وهو أنه مسح عليهما. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) قوله: [حدثنا مسدد و أحمد بن أبي شعيب ]. مسدد بن مسرهد مر ذكره . وأحمد بن أبي شعيب هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب ، وفي التقريب عندما يبحث الإنسان عنه فيمن يسمى أحمد، ثم بعد ذلك حرف الشين، لا يجده، وكان المناسب كالعادة أن يأتي بعد ذلك في عبد الله؛ لأنه منسوب إلى أبيه ، فهو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب ، فالإنسان إذا جاء يبحث عند حرف الشين فيمن يسمى أحمد يجد أحمد بن شعيب النسائي ، ولكن لا يجد حوله من يقال له: أحمد بن أبي شعيب ، ومن عادة الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه أنه إذا كان الشخص منسوباً إلى جده أن يقول: هو ابن فلان، ولا يترجم له وإنما يحيل إلى ترجمته، فهنا كان المناسب أن يقول: أحمد بن أبي شعيب هو ابن عبد الله ؛ لأن ترجمته مذكورة في أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [قالا: حدثنا وكيع ]. هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا دلهم بن صالح ]. دلهم بن صالح ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة، وليس لهؤلاء الثلاثة عنه إلا هذا الحديث الواحد، يعني: أن دلهم بن صالح لن يأتي في كتاب أبي داود مرة أخرى، وكذلك أيضاً لا يأتي عند الترمذي إلا مرة واحدة، ولا يأتي عند ابن ماجة إلا مرة واحدة؛ لأنهم كلهم أخرجوا له هذا الحديث الواحد في المسح على الخفين. [عن حجير بن عبد الله ]. حجير بن عبد الله مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن ابن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب المروزي قاضي مرو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [قال مسدد عن دلهم بن صالح ] يريد بذلك أنه لما روى عن شيخين وساقه على رواية أحمد بن أبي شعيب، وفيها: حدثنا دلهم ، ورواية مسدد ليس فيها (حدثنا)، إنما فيها: (عن) فأراد أن يبين أن مسدداً عندما روى عن شيخه وكيع قال: عن دلهم، فهو أراد أن يبين أنهما لم يتفقا على هذه الصيغة التي هي (حدثنا)، بل هذا لفظ أحمد بن أبي شعيب شيخه الثاني، أما الشيخ الأول فلفظه بالعنعنة وليس بالتحديث، وليس معنى ذلك أن وكيعاً مدلس، وحتى لو كان مدلساً فيكفي أن أحمد بن أبي شعيب صرح بالتحديث، لكن المقصود هو المحافظة على الصيغ التي جاءت عن الرواة، وهي أن هذا قال: حدثنا، وهذا قال: عن. [قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل البصرة]. هذا ليس بواضح؛ لأن الإسناد الذي مر أكثره من أهل الكوفة، وفيه مسدد وحده من البصرة، وفيه عبد الله بن بريدة من مرو، وأكثر الرواة فيه كوفيون؛ لأن وكيعاً كوفي وهكذا دلهم كوفي و أحمد بن أبي شعيب حراني نسبة إلى حران، فليس فيه من البصريين إلا مسدداً ، فقوله: هذا مما تفرد به أهل البصرة غير واضح. شرح حديث: (أن رسول الله مسح على الخفين...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن حي -هو الحسن بن صالح - عن بكير بن عامر البجلي عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! أنسيت؟ قال: بل أنت نسيت؛ بهذا أمرني ربي عز وجل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة الذي فيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين)، والمسح على الخفين جاء عنه وعن غيره، ولكن الشيء الذي جاء في هذه الرواية ولم يأت في غيرها هو ذكر النسيان وذلك في قول المغيرة بن شعبة للرسول: أنسيت؟ فقال الرسول: (بل أنت نسيت)، هذا هو الذي جاء منفرداً من هذه الطريق التي أوردها أبو داود رحمه الله. قوله: (بهذا أمرني ربي) يعني: أن أمسح على الخفين. وقوله: (بل أنت نسيت)، يفهم منه أن المغيرة كان عنده علم بالمسح قبل ذلك ولهذا قال له الرسول (بل أنت نسيت). تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله مسح على الخفين...) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الإمام أحمد : شيخ الإسلام. وهذا فيه أن التلقيب بشيخ الإسلام قديم؛ لأنه جاء عن الإمام أحمد كما في ترجمة هذا الرجل، ففي تهذيب التهذيب أن الإمام أحمد قال فيه: إنه شيخ الإسلام أو أوصى شخصاً بأن يأخذ عنه وقال: فإنه شيخ الإسلام، فهذا فيه بيان أن هذا التلقيب بهذا اللقب كان موجوداً قديماً، وممن اشتهر به شيخ الإسلام ابن تيمية من المتأخرين، وكذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله على الجميع، وغيرهم اشتهروا بهذا اللقب، ولكن الذي اشتهر به وغلب عليه وعندما يأتي إطلاقه يتبادر الذهن إليه هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، لكن هذا الذي نقل عن الإمام أحمد في ترجمة أحمد بن عبد الله بن يونس يدل على أن هذا اللقب قديم، وأن المتقدمين كانوا يلقبون به من يكون في القمة، ومن يكون في منزلة عالية ومنزلة رفيعة. [حدثنا ابن حي -هو الحسن بن صالح - ]. ابن حي هو أحمد بن صالح بن حي، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أصحاب السنن. وله أخ يقال له: علي بن صالح بن حي ثقة عابد، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن بكير بن عامر البجلي ]. بكير بن عامر البجلي ضعيف، أخرج حديثه أبو داود . [عن عبد الرحمن بن أبي نعم ]. عبد الرحمن بن أبي نعم صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة ]. المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره. الأسئلة حكم لبس العمامة السؤال: هل لبس العمامة سنة؟ الجواب: لبس العمامة من الألبسة الجائزة، ولا يقال: إن من لم يلبس العمامة يكون قد ترك السنة، وإنما هذا من اللباس الجائز مثل لبس الخاتم، ولبس القميص، ولبس الإزار والرداء وهكذا، ولكن الإنسان يؤجر على قصده، وأما كون الإنسان يأتي بشيء يستغربه قومه ويستغربه جماعته ويلفت النظر بالنسبة له فهذا يقال عنه: إنه خالف الناس أو إنه على طريقة تخالف هيئة الناس، وأمر اللباس واسع كما هو معلوم. بيان أن العمامة ليست من لباس الشهرة السؤال: إذا كان لبس العمامة لبس شهرة بحيث يشار إليه بالبنان هل له أن يلبسه مع الجواز أو يقال له: لا تلبس؟ الجواب: العمامة جائزة كما هو معلوم، فالإنسان له أن يلبسها أو لا يلبسها، الأمر في ذلك واسع، وإن كانت شيئاً غريباً على الناس فليست لباس شهرة؛ لأنها من ألبسة أهل الإسلام. حكم الاتكاء على الرفوف المخصصة للمصاحف السؤال: ما حكم الاتكاء على الرفوف الموضوع فيها المصاحف في المسجد؟ الجواب: كونه يتكئ عليها أو يستند إليها وهي فارغة ليس فيه بأس، ولكن الذي فيه شبهة هو كونه يستند عليها والمصاحف فيها بحيث تكون وراءه ويستند عليها والمصاحف فيها، والله تعالى أعلم."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [028] الحلقة (57) الأحكام والتكاليف الشرعية مبناها على السمع والطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس للعقل أو الرأي فيها أي مدخل، فواجب المسلم أن يمتثل أمر الله عز وجل، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل: كيف؟! ولماذا؟ وما الحكمة؟! فإن ظهرت له الحكمة فبها ونعمت، وإلا فعليه أن يقول: سمعنا وأطعنا، ومن ذلك المسح على أعلى الخفين دون أسفلهما. كيفية المسح على الخفين شرح حديث: (أن رسول الله كان يمسح على ظهر الخفين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف المسح. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين) وقال غير محمد : (على ظهر الخفين)]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كيف المسح. أي: كيف يكون المسح على الخفين؟ وما هو المكان أو الجزء الذي يمسح؟ وما هي طريقة المسح؟ فهذا هو المقصود بالترجمة، و أبو داود رحمه الله بعدما ذكر المسح على الخفين وثبوته ذكر بعد ذلك التوقيت للمسح على الخفين، ثم ذكر بعد ذلك الكيفية، وقد ذكرت أن أحاديث المسح على الخفين متواترة، وقد مرت كثير من الطرق التي تدل على المسح على الخفين، وذكرت أن الأحاديث التي فيها التوقيت أيضاً هي دالة على المسح على الخفين وكذلك أيضاً الأحاديث التي فيها كيفية المسح هي دالة أيضاً على إثبات المسح على الخفين. فإذاً: كل الأحاديث التي وردت في المسح على الخفين، والأحاديث التي تتعلق بتوقيت المسح على الخفين، والأحاديث التي تدل على كيفية المسح كلها دالة على ثبوت أصل المسح، والترجمة المعقودة هنا لبيان كيفية المسح. وكيفيته: أنه يكون على ظهر القدم، ولا يكون على أسفلها. وذلك أن الإنسان يضع أصابعه على ظهر الخف من أعلى مقدمه ويمر بها إلى أن يرتفع إلى الكعبين، ولا يتجاوز الكعبين، ولا يتعرض لما كان خلف الرجلين، ولا ما كان في أسفل، وإنما يمسح على الأعلى، فتمسح باليد اليمنى على الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى، فهذه هي كيفية المسح. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وأنه توضأ ومسح على خفيه)، وفي بعض الروايات: (على ظهر الخفين). والمصنف ذكر الحديث من رواية محمد بن الصباح البزاز وفيه: (أنه مسح الخفين)، ثم قال: (وقال غير محمد )، -أي: غير الشيخ المذكور بالإسناد- (على ظهر الخفين) وهذه الجملة الأخيرة هي التي تدل على الترجمة؛ لأنه قال: (على ظهر الخفين)، أما الأولى فإنها مطلقة؛ لأنه قال: (مسح على الخفين)، والرواية الثانية التي أشار إليها، وأنها عند غير محمد هي من رواية علي بن حجر عند الترمذي وفيها: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح على ظهر الخفين). إذاً: هذا فيه بيان كيفية المسح، وأنه يكون على ظهر الخف، ومعنى هذا أن أسفل الخف لا يمسح عليه، وإنما يمسح على أعلاه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يمسح على ظهر الخفين) قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد أبوه عبد الله بن ذكوان أبو الزناد و عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه أخيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم في مقدمة الصحيح وأصحاب السنن الأربعة. [قال: ذكره أبي]. هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان الذي يروي كثيراً عن الأعرج عن أبي هريرة ؛ فكثيراً ما يأتي في الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، فأبوه هذا هو أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن فهذا ابنه عبد الرحمن الذي في الإسناد هو الذي يكنى به فيقال له: أبو عبد الرحمن ، وليست كنيته أبو الزناد وإنما أبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وأبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عروة بن الزبير ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والمسح يكون بكلا اليدين في آنٍ واحد، ويكون بأن يبدأ باليمنى، فإذا فرغ منها صار إلى اليسرى، فإن فعل هذا فصحيح، وإن فعل هذا فصحيح أيضاً. شرح حديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص -يعني: ابن غياث - عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي رضي الله عنه الذي فيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه)، وهذا هو الذي يبين الشاهد للترجمة، وأن المسح يكون على ظهر الخف، وليس على أسفله، ولكن مع هذا يقول علي رضي الله عنه وأرضاه هذه المقالة، وهذا الأثر العظيم الذي يدل على الاتباع، وعلى أن الإنسان يتبع السنة ولا يحكم عقله، ولا يجعل لعقله مجالاً في الاعتراض على الأحكام الشرعية، بل الواجب هو اتهام العقول، والموافقة للنقول، لا أن يحكم العقل ويتهم النقل. وطريقة أهل السنة والجماعة أنهم يحكمون النقل، والعقل السليم لا يعارض النقل الصحيح، فأهل السنة هذا منهجهم وهذه طريقتهم، أنهم يعولون على النصوص، وأما العقول عندهم فتابعة للنصوص، كما قال بعض أهل العلم: إن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، مهمته أنه يأخذ بالفتوى، فإذا أفتاه العالم المجتهد يأخذ بفتواه. فالإنسان عليه أن يتبع الدليل ولا يعول على العقل ويتهم النقل؛ لأن العقول متفاوتة وليست على حد سواء، وعقل هذا يخالف ما في عقل هذا، ورأي هذا يخالف رأي هذا، بل إن الإنسان يكون بين وقت وآخر يختلف رأيه، فقد يرى رأياً يعجبه، ثم يرى بعد ذلك أن هذا الرأي الذي أعجبه يتعجب من نفسه كيف رآه فيما مضى! وذلك أنه تبين له أن غيره أولى منه، وهذا هو الذي حصل للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يوم الحديبية لما أريد إبرام العقد مع كفار قريش، وكان الذي يبرمه من جانب الكفار سهيل بن عمرو الذي أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، وكان من الشروط: أن من جاء من المسلمين إلى الكفار فإنه لا يرد إليهم. يعني: من ارتد وذهب إلى الكفار فإنه لا يرد إلى المسلمين، ومن جاء من الكفار مسلماً وأراد أن يلحق بالمسلمين فإنه يرد إليهم. فبعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -ومنهم عمر ومنهم سهل بن حنيف - تأثروا وتألموا وقالوا: يا رسول الله! كيف نعطى الدنية في ديننا؟! يعني: كيف أن من ذهب منا لا يرجع، ومن جاء منهم يرجع عليهم؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بذلك وقبل به، فتبين لهم أن هذا الذي رضي به الرسول أن فيه غضاضة على المسلمين. أي: هذا الشرط الذي فيه أن من جاء من الكفار رجع إليهم، ومن جاء من المسلمين لا يرجع عليهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بهذا الشرط؛ وذلك أن من ذهب منهم كافراً أبعده الله، ومن جاء من أولئك مسلماً ولم يقبله المسلمون سيجعل الله له فرجاً، ولما حصل أن الذين أسلموا وأرادوا أن يلحقوا بالمسلمين لم يقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بناءً على الشرط، وكان منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو ، فقد كان مسلماً وكانوا قد قيدوه بالحديد حتى لا يلحق بالمسلمين، وفي أثناء العقد انطلق بحديده وجاء يجره، فلما وصل إليهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يستثنى هذا. يعني: هذا يستثنى من الشرط الذي فيه أن من جاء لا يرد، فقالوا: لا، بل هذا لابد أن يرجع، فرجع وزاد تأثر الصحابة أيضاً عندما رأوا هذا الرجل الذي يجر حديده وهو مسلم وقد جاء يريد أن يلحق بالمسلمين يرد إلى الكفار، وكان أبوه هو الذي وقع العقد، وهو الذي طلب أن يرد، ولما لم يوافق على استثنائه زاد تألمهم وتأثرهم، ثم ماذا كانت النتيجة؟ لما رأى المسلمون الذين أسلموا ولا يريدون أن يبقوا مع الكفار في مكة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبلهم بناءً على الشرط ما كان منهم إلا أن ذهبوا واجتمعوا على ساحل البحر، وكلما مرت قافلة من القوافل التي تأتي من الشام لكفار قريش اعترضوها، فقريش نفسها تألمت وتأثرت، وطلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم حتى يسلموا من اعتراضهم لعيرهم؛ فكان في ذلك مصلحة، وهذا الذي رضي به الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الله لهم فرجاً، فالكفار رجعوا عن شرطهم وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم، فتبين للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أن الرأي الذي رأوه لم يكن على الصواب، فكان سهل بن حنيف رضي الله عنه في صفين لما كان الناس في صفين، وكانت المعركة دائرة بين أهل العراق وأهل الشام، فأهل الشام أرادوا التحكيم وقالوا: توقف الحرب ويُرجع إلى التحكيم، فيختار هؤلاء أناساً وهؤلاء أناساً، ويلتقون وينظرون في الخلاف الذي حصل بين أهل الشام وأهل العراق، فبعض الصحابة -ومنهم سهل بن حنيف - رضي وأراد أن تنتهي الحرب، وكان سهل مع أصحاب علي رضي الله عنه، ولما رأى أن بعض الناس عندهم رغبة في المواصلة، وألا توقف الحرب صار ينصحهم ويقول: (يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين)، يعني: أن هذا الذي فيه إيقاف الحرب فيه مصلحة، والرأي الذي رأيتموه اتهموه، ثم ذكر قصته يوم أبي جندل وما حصل لهم يوم عقد الصلح، وأنهم رأوا رأياً كان الخير في خلافه. الحاصل: أن الإنسان نفسه يرى في وقت رأياً وبعد ذلك يرى رأياً آخر ويتعجب من نفسه كيف رأى ذلك الرأي! لأنه رأى المصلحة في الأخير لا في الأول، وإذا كان الأمر كذلك فالشرع الذي هو وحي الله هو الذي يجب أن يتمسك به، والعقول تتبعه وترجع إليه، ولا تتهم النقول ويعول على العقول، فطريقة أهل السنة والجماعة هي اتباع النقول واتهام العقول إذا خالفت النقول، والعقل السليم لا يخالف النقل الصحيح، ولشيخ الإسلام كتاب كبير واسع اسمه (درء تعارض العقل والنقل)، يعني: أنه لا يختلف العقل والنقل، بل العقل السليم يتفق مع النقل الصحيح، ولهذا العلماء عندما يأتون في بعض مسائل الفقه ويذكرون الأدلة يقولون: هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول يعني: أن العقل يتفق مع النقل. بل أهل البدع والأهواء على العكس من أهل السنة والجماعة؛ إذ يعولون على العقول ويتهمون النقول، وإذا جاء النقل مخالفاً لمعقولاتهم إن كان آحاداً قالوا: هذا آحاد، والآحاد لا يحتجون بها في العقيدة، وإن كان متواتراً أو في القرآن قالوا: هذا قطعي الثبوت ظني الدلالة. يعني: فلا يؤخذ به، ولكن يرد عليهم هذا الأثر الذي جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظاهر الخف)، يعني: أنه لا بد من اتباع النقول، ولا يلتفت إلى العقول إذا رأت ما يخالف النقول، أو إذا انقدح فيها ما يخالف النقول، فالمعول عليه هو النقل وليس المعول عليه العقل، وهذا هو الفرق بين أهل السنة وأهل الأهواء، فأهل السنة يعولون على النقول، ويرون أن النقل الصحيح لا يعارضه العقل السليم، وأما أهل البدع فإنهم يعولون على معقولاتهم، والنقول التي لا تتفق مع معقولاتهم يتهمونها ويدفعونها من أصلها، فإن كان النقل آحاداً قالوا: لا يحتج في العقائد بالأحاديث الآحاد، وهذا خلاف الحق، بل يحتج بالنصوص كلها آحادها ومتواترها، وإن كان قطعي الثبوت كالقرآن ومتواتر السنة دفعوه من حيث الدلالة وقالوا: هو قطعي الثبوت لكنه ظني الدلالة، ولهذا يقول بعض المؤلفين في العقائد المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة وهي عقيدة الأشاعرة الذين يسمون أنفسهم أهل السنة يقول في كتاب اسمه (إضاءة الدجنة في بيان عقيدة أهل السنة). وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوضه ورم تنزيها والتأويل هو طريقة المتأخرين، والتفويض هو طريقة المتقدمين، وقد سبق أن ذكرت أن ابن عبد البر رحمة الله عليه ذكر في كتابه التمهيد أن الذين يؤولون النصوص ويعطلونها يصفون المثبتة لها بأنهم مشبهة؛ لأنهم لا يتصورون إثباتاً إلا وفقاً لما يشاهدونه في المخلوقات، فيقول ابن عبد البر رحمة الله عليه: إن الذين يعطلون الصفات يصفون المثبتين لها بأنهم مشبهة؛ لأنهم لا يتصورون الإثبات إلا مع التشبيه، وليس الأمر كذلك، بل هناك إثبات مع تشبيه، وهو الباطل، وإثبات مع تنزيه، وهو الحق الذي يطابقه قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة. إذاً: هناك إثبات وتنزيه ليس إثباتاً مع تشبيه، فأهل السنة يثبتون الصفات ولا يعطلونها، ومع إثباتهم لا يشبهون بل ينزهون الله عز وجل ويقولون: إن صفاته تليق بجلاله وكماله ولا تشبه شيئاً من صفات المخلوقين، والله تعالى بصفاته لا يشبه المخلوقين، والمخلوقون بصفاتهم لا يشبهون الله عز وجل، وصفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوق تليق بضعفه وافتقاره. ثم إن ابن عبد البر بعد أن حكى كلمة هؤلاء قال: وهم -أي: المعطلة- عند من أقر بالصفات وأثبتها يعتبرون قد نفوا المعبود. قال الذهبي معلقاً على هذه الكلمة الأخيرة لابن عبد البر : قلت: وصدق والله! فإن الجهمية مثلهم -أي: الذين ينفون الصفات- كما قال حماد بن زيد -وهو من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة-: إن جماعة قالوا: في دارنا نخلة، فقيل لهم: ألها خوص؟ قالوا: لا، قيل لهم: ألها ساق؟ قالوا: لا، قيل: ألها عسب؟ قالوا: لا، وكل ما ذكر لهم شيء من صفات النخل نفوه عن هذه النخلة، فقيل لهم: إذاً: ليس في داركم نخلة. فهذا شأن المعطل؛ فإنه يقول: الله ليس بسميع ولا بصير ولا.. ولا.. ولا.. وكل شيء ينفيه عن الله، إذاً: لا وجود لله عز وجل؛ لأنه لا يتصور وجود ذات مجردة عن جميع الص تراجم رجال إسناد حديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...) قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حفص يعني: ابن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد خير ]. عبد خير الهمداني ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [عن علي ]. علي أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث، قال: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه)]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن علي من طريق أخرى، وبلفظ مقارب ومتفق من حيث المعنى للأول، ويختلف عنه في بعض الألفاظ فقال: (ما كنت أرى باطن الخفين إلا أحق بالمسح، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر قدميه) وهو دال على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمسح على ظهر القدمين، وهذه هي السنة، وهذا هو التشريع، وهذا هو الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي كان يراه علي أو الذي كان في ذهن علي أن هذا أحق، ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم تبين له أن رأيه أو الشيء الذي كان قد انقدح في ذهنه أنه أحق ليس هو الأحق؛ لأن المعتبر هو الدليل. ثم أيضاً فيه شيء آخر من ناحية المعنى: وهو أن مسح أعلى القدم أو أعلى الخف يختلف عن مسح أسفل الخف؛ لأنه لو كان المسح في أسفل الخف فيمكن أن يكون الخف في أسفله نجاسة، والإنسان لا يعلم بها، فإذا مسح علقت النجاسة بيده، فأسفل الخف يباشر الأرض، وقد يقع على النجاسات وما إلى ذلك، فكان من الحكمة أن يكون المسح في أعلاه وليس في أسفله. فهذا من ناحية المعقول ومن ناحية المعنى أيضاً، يعني: على أن الأعلى هو الأولى وأن الأسفل لو كان المسح فيه لكان كذا، لكن الشريعة جاءت بخلافه. والمسألة فيها خلاف، فبعض أهل العلم قال: يمسح ظاهر الخف وأسفله، لكن الذي تدل عليه النصوص وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المسح على ظهر القدم دون أسفله. يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [029] الحلقة (59) هناك أذكار وأوراد تقال عقب أكثر العبادات، ومن ذلك ما جاء عقب الوضوء، وهذه الأوراد والأذكار فيها أجر عظيم؛ لذا ينبغي على المسلم أن يحرص على تعلمها، وأن يحافظ على أدائها في أوقاتها. ما يقول الرجل إذا توضأ شرح حديث الدعاء عقب الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا توضأ. حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب قال: سمعت معاوية -يعني ابن صالح - يحدث عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا، نتناوب الرعاية رعاية إبلنا، فكانت علي رعاية الإبل فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فسمعته يقول: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا قد أوجب. فقلت: بخ بخ ما أجود هذه! فقال: رجل من بين يدي: التي قبلها يا عقبة ! أجود منها. فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقلت: ما هي يا أبا حفص ؟! قال: إنه قال آنفاً قبل أن تجيء: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). قال معاوية وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه باب ما يقول الرجل إذا توضأ، أي: الدعاء الذي يشرع للإنسان أن يقوله بعد فراغه من الوضوء، وهو أنه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأِشهد أن محمداً عبده ورسوله. وقد جاء أنه يسمي الله عز وجل قبل الوضوء، وأما ما يكون بين ذلك من الأدعية عند أعضاء الوضوء فلم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) فهذا الحديث فيه بيان ما يقال بعد الفراغ من الوضوء وهو الشهادتان: الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. قوله: (وحده لا شريك له) تأكيد لما تقدم من ذكر الشهادة؛ لأن قوله: (وحده) تعادل: (إلا الله) وقوله: (لا شريك له) تعادل: (لا إله) فكأن كلمة الإخلاص ذكرت مرتين: مرة على سبيل التنصيص عليها ومرة على سبيل تأكيدها بلفظ آخر يؤدي معناها دون الموافقة في اللفظ. قوله: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) بعد ما ذكر الشهادة لله عز وجل بالوحدانية والألوهية ذكر الشهادة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله، وذكر وصفه بأنه عبد الله ورسوله هذا يتكرر كثيراً ويأتي كثيراً، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن حذر من إطرائه أرشد إلى أنه يقال له: عبد الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله). فإذاً: التعبير بأنه عبد الله ورسوله من الأمور التي يحبها رسول الله عليه الصلاة والسلام والتي يأتي ذكرها كثيراً في أحاديثه الشريفة، بل قد أرشد إلى ذلك حيث قال: (قولوا: عبد الله ورسوله)، فهو عبد لله عز وجل وهذا من أخص أوصافه عليه الصلاة والسلام، ولهذا يأتي ذكر هذا الوصف له صلى الله عليه وسلم في المقامات الشريفة وفي الأمور العظيمة، فإن الله تعالى ذكره بالعبودية في مقام الامتنان عليه بتنزيل القرآن فقال: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1] وكذلك في الإسراء سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1] وقال عنه سبحانه: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن:19] فهو عبد لله عز وجل، والعبد لا يُعبد، وهو رسول من الله عز وجل، والرسول لا يُكذب، بل يطاع ويتبع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فبعد الفراغ من الوضوء يشرع للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء، وقد جاء في فضل هذا الدعاء مع إحسان الوضوء قوله في هذا الحديث (فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)، وهذا فضل عظيم من الله عز وجل وأجر جزيل من المولى سبحانه وتعالى لمن يحسن وضوءه ويأتي به على التمام والكمال، ثم يذكر الله عز وجل بهذا الذكر الذي هو الشهادة له سبحانه وتعالى بالوحدانية ولنبيه محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بالرسالة، وهذا جاء في صحيح مسلم وجاء في سنن الترمذي زيادة على ذلك وهي قوله: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)، وفي هذه الزيادة كلام لبعض أهل العلم. وفي هذا دليل على أن أبواب الجنة ثمانية؛ لقوله: (إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). ثم أيضاً كما اشتمل الحديث على هذا عن عقبة عن عمر فقد اشتمل على شيء عن عقبة رضي الله عنه، وهو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه إلا قد أوجب) يعني: إلا قد أتى بالشيء الذي تحصل له الجنة والذي يثيبه الله عز وجل عليه بالجنة. وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه مشتمل على حديثين: حديث عن عقبة وهو هذا، وحديث عن عقبة عن عمر وهو الذي لم يسمعه، ولكنه أخذه عن عمر وهو الذي يتعلق بالدعاء بعد الوضوء. ويقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: (كنا خدام أنفسنا)، يعني: أننا كنا نباشر أعمالنا ومصالحنا ونتولاها بأنفسنا، وليس لنا خدم يكفوننا هذه المهمة ويقومون بتلك الأعمال التي هي لازمة لنا. قوله: (وكنا نتناوب رعاية الإبل) أي: أنهم رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يوفقون بين مصالحهم الدنيوية والفوائد الأخروية التي يرجونها ويطلبونها، وهي الحضور إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وسماع حديثه وتلقي السنن منه، فكانوا يتناوبون رعاية الإبل بدلاً من كون كل واحد يسرح بإبله فيغيبون جميعاً ولا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الواحد منهم له خمس والثاني ثلاث والآخر عشر والثاني تسع وهكذا فيجمعونها مع بعض ثم كل يوم يقوم بها واحد منهم، وإذا كانوا سبعة ففي الأسبوع يذهب الواحد منهم مرة واحدة وبقية الأيام يحضر مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتلقى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على حرصهم على تلقي السنن وجدهم واجتهادهم في تحصيلها وفي ضبطها؛ لأنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كانوا يعملون هذا العمل الذي فيه توفيق بين مصالحهم الدنيوية وبين الحصول على ما يعود عليهم بالخير في الدنيا والآخرة، وذلك بسماع النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي حديثه منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: (فلما كانت نوبتي)، يعني: لما كان اليوم الذي يسرح هو فيه بالإبل التي له ولغيره. قوله: (روحتها بالعشي)، يعني: جئت وأنهيت مهمتى وأدركت بقية مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: فسمعته يقول: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا أوجب)، فقلت: ما أجود هذه! يعني: أعجبه هذا الكلام الذي يشمل أمراً عظيماً وثواباً جزيلاً من الله عز وجل على هذا العمل، فكان عمر رضي الله عنه وأرضاه من الجالسين في حلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (الذي قبلها أجود منها يا عقبة ! فنظر إلى عمر رضي الله عنه وقال: ما هي يا أبا حفص ؟! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). إذاً: هذا هو محل الشاهد للترجمة. ومثل هذا الذي حكاه عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في تناوبهم في رعاية الإبل وتوفيقهم بين مصالحهم الدنيوية، ومعرفة السنن والأحكام الشرعية التي يتلقونها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً ما جاء في الصحيح عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (أنه كان له جار من الأنصار، وكان لهما بساتين في عالية المدينة، فكان يتناوب هو وجاره النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحدهما كان يبقى في بستانه، والثاني ينزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء أخبره بالذي سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم اليوم الثاني ينزل الشخص الذي لم ينزل بالأمس، فكل واحد ينزل في يوم والذي لم ينزل يبقى في بستانه، ومن حضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ ذلك الذي بقي في بستانه بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبذلك وفقوا بين مصالحهم الدنيوية وبين اشتغال الواحد منهم بتحصيل السنن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه أو بصاحبه الذي ينزل في حال عدم نزوله، وهذا يوضح لنا ويبين لنا عناية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بتلقي السنن وحفظها ومعرفتها والحرص على تحصيلها واستيعابها رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فهم خير الناس وأفضل الناس، وكل من عمل بسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت عن طريق صحابي من أصحابه الكرام فإن الله تعالى يثيب كل من عمل بتلك السنة ويثيب ذلك الصحابي الذي دل على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أثاب ذلك العامل من حين زمن الصحابة وإلى قيام الساعة؛ لقوله عليه ال تراجم رجال إسناد حديث الدعاء عقب الوضوء [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. حدثنا [ ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: سمعت معاوية يعني ابن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [عن أبي عثمان ]. أبو عثمان هذا قيل: هو سعيد بن هانئ وقيل: حريز بن عثمان و إن لم يكن لا هذا ولا هذا فهو مقبول كما قال الحافظ ابن حجر، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [قال معاوية : وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر ]. يعني: معاوية بن صالح يرويه من طريق أخرى عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني و ربيعة بن يزيد الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله وهو من كبار التابعين ثقة مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث الدعاء عقب الوضوء من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسين بن عيسى حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر أمر الرعاية، قال عند قوله: (فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء فقال) وساق الحديث بمعنى حديث معاوية ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، ولكن ليس فيها ذكر التناوب على رعاية الإبل، وإنما فيها سماع الحديث الذي فيه (فأحسن الوضوء) وزاد فيه: (ثم رفع بصره إلى السماء فقال) وساق الحديث بمعنى حديث معاوية الذي تقدم بالإسناد الذي قبل هذا، وما سوى ذكر رفع البصر إلى السماء يشهد له ما تقدم في الطريق السابقة، وأما ذكر رفع البصر إلى السماء، فما جاء إلا من هذه الطريق، ولكنه لم يثبت؛ لأن فيه ابن عم أبي عقيل الذي لم يسم. تراجم رجال إسناد حديث الدعاء عقب الوضوء من طريق ثانية قوله: [حدثنا الحسين بن عيسى ]. الحسين بن عيسى صدوق، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ]. عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي عقيل ]. هو زهرة بن معبد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن ابن عمه]. ابن عمه لم يسم روى له أبو داود وحده. [عن عقبة بن عامر الجهني ]. عقبة بن عامر رضي الله عنه قد مر ذكره. الرجل يصلي الصلوات الخمس بوضوء واحد شرح حديث الوضوء لعدة صلوات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا شريك عن عمرو بن عامر البجلي -قال محمد : هو أسد بن عمرو - قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الوضوء فقال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد)]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد، يعني: أنه يصلي عدة صلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، ولا يلزمه أن يتوضأ لكل صلاة، وإذا جدد الوضوء فلا بأس بذلك. أورد فيه أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه أن عمرو بن عامر سأله عن الوضوء فقال: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة وهم يصلون الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد، وهذا يدل على الجواز، وإن كان لكل صلاة وضوء فلا شك أنه أكمل وأفضل، ولكن كونه يبقى على وضوئه ويصلي به صلوات متعددة لا بأس بذلك؛ لأنه جاء في هذا الحديث أنهم كانوا يصلون الصلوات بوضوء واحد، بل وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا أنه صلى خمس صلوات بوضوء واحد. فإذاً: ذلك ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم ومن إقراره للصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. تراجم رجال إسناد حديث الوضوء لعدة صلوات [حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا شريك ]. هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن عمرو بن عامر البجلي ]. عمرو بن عامر البجلي هو والد أسد بن عمرو . [قال محمد : هو أسد بن عمرو ]. وهذا أسد بن عمرو رمز له في التقريب بتمييز، يعني: أن البجلي أبا أسد بن عمرو ليس له رواية، وذكر في ترجمة شخص آخر هو عمرو بن عامر الأنصاري فقال: وقيل: البجلي وهو ثقة، روى عنه جماعة منهم شريك ، وروى هو عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد جاء في البخاري من هذا الطريق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وأما هذا الذي هو البجلي فليس له رواية في الكتب الستة، بل رمز له بتمييز، وهنا أبو داود رحمه الله نقل عنه شيخه محمد بن عيسى أنه قال: هو أسد بن عمرو ، ولكن جاء في مصادر أخرى أنه عمرو بن عامر الأنصاري ، ففي سنن الدارمي في الجزء الأول منه قال: أخبرنا محمد بن يوسف عن سفيان عن عمرو بن عامر الأنصاري عن أنس ... الحديث. وفي الترمذي كذلك قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن عامر الأنصاري أنه قال: سمعت أنساً ... الحديث. وفي تهذيب الكمال في الجزء الثاني والعشرين في ترجمة عمرو بن عامر الأنصاري أشار إلى أنه أخرج له الجماعة، ثم قال: ولهم شيخ آخر يقال له: عمرو بن عامر والد أسد بن عمرو القاضي صاحب الرأي ذكرناه للتمييز بينهما، ثم قال: وزعم أبو داود أنه الذي يروي عن أنس بن مالك . ونقل عن الآجري أنه سأل أبا داود عنه فقال: هو أسد بن عمرو ، ثم ساق سند أبي داود هذا، ثم قال: وكذلك قال أبو القاسم في الأطراف: عمرو بن عامر الأنصاري والد أسد بن عمرو وتبع أبا داود في ذلك. قال المزي -وقد وهما جميعاً-: فإن والد أسد بجلي وليس بأنصاري وهو متأخر عن طبقة الأنصاري ، ومن نظر من أهل المعرفة في رجال هذا ورجال هذا تبين له صحة ما ذكرنا. وهكذا في كل الكتب التي بني عليها التقريب والتهذيب المقصود به عمرو بن عامر الأنصاري الذي روى له الجماعة. والحديث موجود في البخاري وفي غيره، وذكر عمرو بن عامر والد أسد بن عمرو إنما هو للتمييز، يعني: أنه ليس له رواية في الكتب، وقالوا: إن ما ذكر عن أبي داود هنا يعتبر وهماً، والصواب: أنه الأنصاري ، وفي تهذيب التهذيب قال: الأنصاري وقيل: البجلي. وكأن ابن حجر ما ارتضى كلام المزي وكأنه يقول: مثل أبي داود لا يرد قوله بلا دليل، ولهذا ابن حجر نفسه ما زاد على أن تبع المزي في الرمز للأول بأنه روى له الجماعة وأنه ذكر أبا أسد بن عمرو للتمييز، و عمرو بن عامر الأنصاري ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [سألت أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [030] الحلقة (61) شرح سنن أبي داود [030] الشيطان حريص على أن يضل الإنسان في كل شيء بشتى الوسائل، ومن ذلك أنه يوسوس له في الصلاة بأنه أحدث حتى يبطل عليه صلاته، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الالتفات إلى هذه الوسوسة وألا يبني الإنسان إلا على يقين. إذا شك في الحدث شرح حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا شك في الحدث. حدثنا قتيبة بن سعيد و محمد بن أحمد بن أبي خلف قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب و عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه، فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب إذا شك في الحدث، أي: فما الحكم إذا تحقق من الطهارة، ثم شك في الحدث الذي طرأ على الطهارة؟! والجواب عن هذا أنه لا يتحول عن الشيء المتحقق الذي هو الطهارة إلى الحدث إلا بيقين؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فيبقى على الأصل حتى يأتي ما ينقل عنه، وهذه قاعدة من قواعد الشريعة: أن الإنسان إذا كان على طهارة فإن الطهارة باقية حتى يتحقق الخروج منها وحصول خلاف ذلك بالحدث. وكذلك العكس: إذا كان محدثاً وشك هل تطهر أو لم يتطهر فإن الأصل أنه غير متطهر وعليه أن يتطهر، فإذا تحقق أنه قد أحدث ولكن شك هل توضأ أو ما توضأ فيعتبر على الحدث؛ لأن هذا هو الأصل، وإذا كان على طهارة وشك هل أحدث أو لم يحدث فالأصل هو الطهارة. وقول أبي داود رحمه الله في الترجمة: [باب إذا شك في الحدث] يعني فما الحكم؟ والحكم: أنه يبني على الأصل وهو أنه لا ينتقل عن الأصل إلى الشيء المشكوك فيه إلا إذا تحقق وتيقن من المشكوك فيه، فعند ذلك ممكن أن ينتقل من يقين إلى يقين، فإذا كان متطهراً ثم تيقن الحدث فإن الطهارة انتهت بحصول الحدث، لكن حيث يكون الشك فإن الأصل بقاء الطهارة، وإذا تحقق الحدث وشك في الطهارة فالأصل بقاء الحدث. وأورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه: (أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه) وهذا فيه إبهام، ومعناه: أنه خرج منه شيء ناقض للوضوء. قال: (لا ينفتل) يعني: لا ينصرف من صلاته ولا يبني على هذا الشك ولا يبني على هذا الذي حصل أنه تخيله أو توهمه، بل يبقى على طهارته ويبقى في صلاته حتى يتحقق الحدث، وذلك بأن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وهذا المقصود به تحقق الحدث وإلا فإن الإنسان قد يكون لا يسمع وقد يكون أيضاً لا يشم، ولكن المقصود من ذلك تحقق الحدث، فذكر السماع والشم للشيء الخارج من دبره، والمقصود من ذلك أنه يتحقق أن الحدث وجد منه، فالحديث يدل على قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة وهي: أن الإنسان إذا كان متطهراً فإن الأصل الطهارة، ولا ينتقل عن الطهارة إلى الحدث إلا إذا تحقق ما به الانتقال، وكذلك العكس إذا كان محدثاً وشك هل توضأ أو لم يتوضأ فعليه أن يتوضأ؛ لأنه تحقق أنه غير متطهر فيجب عليه أن يتوضأ. تراجم رجال إسناد حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلانيوهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و محمد بن أحمد بن أبي خلف ]. محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [قالا: حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري أو يروي عنه قتيبة فالمراد به ابن عيينة . [عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بنسبته إلى جده شهاب، ومشهور أيضاً بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ويقال له: ابن شهاب ، وهذا هو الذي اشتهر به، ولهذا يأتي كثيراً ذكره بابن شهاب أو الزهري . [عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [و عباد بن تميم ]. عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمه]. عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه أن الإنسان إذا كان في صلاته ووجد حركة وشك أنه خرج منه شيء فإنه لا ينصرف حتى يتحقق ذلك بأن يشم رائحة إذا كان ممن يشم أو يسمع صوتاً إذا كان ممن يسمع، والمقصود من ذلك هو تحقق وجود الحدث الذي يبنى عليه ترك ذلك الأصل المتيقن الذي هو الطهارة، فاليقين لا يزول إلا باليقين. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...) قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب -مهمل- يروي عنه موسى بن إسماعيل فالمقصود به حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [أخبرنا سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه بأخرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و البخاري أخرج له تعليقاً وأخرج له مقروناً. [عن أبيه]. هو أبو صالح ذكوان السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الوضوء من القبلة شرح حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من القبلة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى و عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ). قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره. قال أبو داود : وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً. قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء من القبلة]، يعني: إذا كان الإنسان على طهارة ثم وجد منه التقبيل لأهله هل ينتقض وضوءه بذلك ويحتاج إلى أن يتوضأ أو أنه باقٍ على طهارته وأن التقبيل لا ينقض الوضوء؟ وهذه المسألة هي جزء من مسألة: لمس المرأة هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ يعني: كون الإنسان يلمس المرأة هل ينتقض وضوءه بذلك أو لا ينتقض وضوءه بذلك؟ وفي هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه لا ينتقض، وإنه لم يأت شيء يدل على النقض إلا ما ذكر عن بعض الفقهاء أنه فسر قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] بأن المقصود به اللمس، ولكن الذي هو واضح غاية الوضوح أن المراد بالملامسة في الآية الجماع؛ لأنه ذكر الحدث الأكبر والأصغر، وأنه إذا لم يوجد الماء يصار إلى التيمم في الحالتين، ولكن اللمس أو التقبيل ما جاء شيء يدل عليه دلالة واضحة، بل جاء ما يدل على خلافه وهو أنه لا ينقض الوضوء ولا يحصل به النقض. وقد جاء فيما يتعلق بالتقبيل أحاديث أوردها أبو داود رحمه الله وفي بعضها كلام، ولكن بعضها يشهد لبعض، وبعضها يؤيد بعضاً، وفيها أن مجرد التقبيل لا يحصل به نقض إلا إذا حصل انتشار وحصل خروج مذي فإنه عند ذلك يكون النقض بهذا الخارج الذي حصل بسبب هذا اللمس أو التقبيل، وبعض أهل العلم يقيد النقض بما إذا كان النقض بشهوة. فمنهم من قال: إنه لا ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض إذا كان بشهوة، لكن الأحاديث التي وردت في التقبيل تدل على عدم النقض. وأيضاً جاء في اللمس ما يدل على عدم النقض، وقد جاء في أحاديث صحيحة فيما يتعلق بكون المرأة تلمس الرجل وهو يصلي أنه باقٍ على طهارته ولا يؤثر فيه كون المرأة لمسته، من ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها بحثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي، فوقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان وهو ساجد، فلمست رجليه ومع ذلك استمر في صلاته وما حصل بلمسها إياه شيء جديد يغير الوضع الذي هو عليه، فدل على بقاء الطهارة. وجاء في الصحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة أمامه، والبيوت ليس فيها مصابيح يومئذٍ، وكانت تمد رجليها، فإذا سجد غمز رجليها فكفتها وسجد في مكان رجليها. فهذا فيه لمس وليس فيه نقض، وليس فيه شيء يدل على النقض، ثم ليس هناك دليل يدل دلالة واضحة على خلاف هذا. إذاً: لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك اللمس انتشار وحصل بسببه مذي؛ فإن الخارج من الإنسان من قبله ومن ذكره هو الذي ينقض الوضوء ويوجب غسل ذلك الذي حصل له ويوجب الوضوء. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) وهي حكت ما حصل لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبق أن ذكرت مراراً أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أوعية السنة، وأنها حفظت الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأمور التي تقع بين الرجل وأهل بيته ولا يعرفها إلا أزواجه ولا يطلع عليها إلا أهل بيته؛ فإنها روت الكثير من ذلك ومن غير ذلك، ولكن الشيء الذي لا يطلع عليه إلا النساء روت في ذلك الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من هذا القليل، فكونه صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ هو مما يجري في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أهله، وقد روت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان في إسناده مقال من حيث ما ذكره أبو داود بأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة وأنه يكون فيه إرسال إلا أنه قد جاءت أحاديث أخرى تشهد له وتؤيده. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ) قوله: [حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب بـ بندار البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي روق ]. هو عطية بن الحارث الهمداني صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن إبراهيم التيمي ]. إبراهيم التيمي ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره] يعني: كما رواه الذي روى في الإسناد المتقدم بهذه الطريق أو بهذا الإسناد. و الفريابي هو محمد بن يوسف الفريابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : وهو مرسل؛ إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً]. المقصود بالمرسل هنا المعنى العام للمرسل؛ لأن المرسل له معنيان: الأول هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المشهور باسم المرسل. الثاني: رواية الراوي عمن لم يدركه أو عمن أدركه ولكنه لم يلقه، فهذا يقال له: مرسل، والمرسل هنا من قبيل المرسل بالمعنى العام الذي ليس مختصاً بما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما المقصود به رواية الراوي عمن لم يدركه أو أدركه، ولكنه معاصر له ولم يلقه وروى عنه. [قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة وكان يكنى أبا أسماء ]. يعني: أن عمره قصير ومع ذلك هو محدث من المحدثين الذين نقلوا السنن ورووا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا شأن كثير من العلماء، فأحدهم يكون عمره قصيراً، ولكن الله يبارك له في ذلك العمر فيروي الكثير ويتحمل الكثير ويكون له آثار حميدة وآثار عظيمة، ومن الذين لم تطل أعمارهم ولكن نفع الله بهم عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه؛ فإنه عمر بن عبد العزيز مات وعمره أربعون سنة، و النووي على كثرة تأليفه المجلدات الكثيرة الواسعة التي منها كتاب المجموع، ويقول بعض أهل العلم: ليس هناك كتاب في الفقه أوسع من المغني لابن قدامة والمجموع للنووي . وهما كتابان واسعان عظيمان، و النووي لم يتمه، ومع ذلك فكتابه واسع عظيم، وهذان الكتابان عني مؤلفاهما بنقل الأقوال عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فهما موسوعتان، والنووي مات وعمره خمس وأربعون سنة، وخلف هذه الموسوعة بالإضافة إلى الكتب الكثيرة الأخرى في الحديث وفي الفقه، فأعمارهم بارك الله تعالى فيها، وكذلك الشافعي مات كهلاً وعمره أربع وخمسون سنة، و أبو بكر الحازمي المحدث المشهور مات وعمره خمس وثلاثون سنة وله كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وله كتب أخرى، ولما ذكره الذهبي في كتاب (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) قال: مات شابا طرياً عمره خمس وثلاثون سنة، يعني: مع سعة علمه مات وعمره قصير، ومن الذين نفع الله تعالى بعلمهم من المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله، الذي له مؤلفات كثيرة وعظيمة في النظم والنثر في العقيدة وغيرها، وقد مات وعمره خمس وثلاثون سنة رحمه الله. الحاصل: أن قول أبي داود : [إنه لم يبلغ أربعين سنة] يعني: أن عمره قصير، ومع ذلك كان من أهل العلم، ومن حملة السنن، ومن رواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) قال عروة : فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى وفيه أن عروة روى عنها أنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ). فقال لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. وهذا الحديث يدل على أن القبلة لا تنقض الوضوء، وهو شاهد للحديث المتقدم الذي من رواية إبراهيم التيمي عن عائشة وهو لم يسمع من عائشة ، والطريق الثانية شاهدة متابعة للطريق الأولى، وهذه الطريق من رواية عروة عن عائشة ، و عروة هذا قيل: إنه عروة المزني وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، لكن ذكر في عون المعبود أنه عروة بن الزبير ، قال: وهذا هو المناسب واللائق، فهو الذي يمكن أن يجترئ على مثل هذا السؤال لعائشة ؛ عروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر وعائشة خالته، وكونه يقول مثل هذا الكلام ليس ببعيد، أما أن يقول هذا شخص بعيد منها فهذا لا يتوقع أن يحصل من مثله، وإنما يحصل ممن يكون له بها صلة وعلاقة ومحادثة واتصال، وهو ابن أختها، ثم ذكر أنه جاء في المسند وفي سنن ابن ماجة التنصيص عليه بأنه عروة بن الزبير . و عروة بن الزبير هو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكن المزي وغيره ذكروا هذا في ترجمة عروة المزني ولم يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير ، لكن الذي ذكره صاحب عون المعبود من كونه ابن الزبير هو الأقرب، وقد جاء ما يؤيده ويدل عليه في مسند أحمد وفي سنن ابن ماجة ، وإن كان هو عروة المزني المجهول فإن هذه الطريق شاهدة لتلك الطريق، وإن كان عروة بن الزبير فلا إشكال. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حبيب ]. هو حبيب بن أبي ثابت ، ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عروة عن عائشة ]. ذكرنا في عروة أنه إما أن يكون عروة المزني أو عروة بن الزبير . وحبيب بن أبي ثابت مدلس، لكن ما تقدم من الروايات يشهد بعضها لبعض. [قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ]. زائدة هو ابن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عبد الحميد الحماني هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، والأعمش هو سليمان بن مهران الأعمش وقد تقدم ذكره. طريق أخرى لحديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...) قال المصنف رحمه الله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن مغراء - حدثنا الأعمش أخبرنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء. قال أبو داود : وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء. قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً]. أورد أبو داود هذا الحديث وأحاله إلى حديث عائشة المتقدم. قوله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني ]. إبراهيم بن مخلد الطالقاني صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مغراء ]. عبد الرحمن بن مغراء صدوق، تكلم في حديثه عن الأعمش ، وهذا من حديثه عن الأعمش ، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة. [أخبرنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا عن]. هنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا، وهناك يروي الأعمش عن حبيب . وقوله: (أصحاب لنا) ذكر منهم في بعض الطرق المتقدمة جماعة أبهمهم ولم يسمهم، ولكن الطريقة المتقدمة فيها حبيب بن أبي ثابت . [عن عروة المزني ]. هنا نص على المزني . [عن عائشة ]. عائشة تقدم ذكرها. [قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة -قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء]. يعني: أنه ضعف هذين الحديثين، ولكن هذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض، أما بالنسبة لحديث: (أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) فهو ثابت؛ لأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وإنما الكلام في كونها تغتسل لكل صلاة، هذا هو الذي فيه الإشكال، وأما كونها تتوضأ لكل صلاة فإذا دخل الوقت فإن عليها أن تتوضأ، ومثلها من يكون به سلس البول؛ فإنه يتوضأ عند كل صلاة، فعندما يريد أن يصلي يتوضأ ولا يبقى على الحدث؛ لأن الحدث موجود، فيصلي مع استمرار الحدث؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. [قال أبو داود : وروي عن الثوري أنه قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء]. الثوري يقول: إن حبيب بن أبي ثابت ما حدثهم إلا عن عروة المزني أي: أنه لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء، وإنما حديثه عن عروة المزني ، لكن كما ذكرنا أن الطريقين المتقدمتين فيهما ذكر عروة بن الزبير . [قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً]. عقب أبو داود بهذا الكلام على كلام سفيان في قوله: إن حبيباً لم يحدث عن عروة بن الزبير بشيء، فقال: إنه قد روى حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير حديثاً صحيحاً. وفي تحفة الأشراف (برقم: 17374) عند ترجمة عروة المزني ذكر عدة أحاديث منها هذه الأحاديث التي مرت، وذكر أيضاً من طريق حمزة بن حبيب الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً من الأحاديث. الوضوء من مس الذكر شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من مس الذكر. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر. فقال عروة : ما علمت ذلك. فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من مس الذكر، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ، وأورد في هذه الترجمة الأحاديث التي فيها أنه يتوضأ إذا مسه يعني: بدون حائل، وأما إذا كان من وراء حائل فلا يؤثر مسه، وأورد في ذلك حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وهذا يدل على أن مس الذكر ينتقض به الوضوء وأن على من مس ذكره أن يتوضأ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة؛ لأنه قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وهو مطلق، فدل ذلك على أن مس الذكر ناقض للوضوء، وسيأتي من حديث طلق بن علي الحنفي رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وهل هو إلا بضعة منك؟!) يعني: أنه لا ينقض الوضوء، لكن ذكر العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين بأن حديث بسرة متأخر وحديث طلق متقدم، وأيضاً الذين صححوا حديث بسرة من أهل العلم أكثر من الذين صححوا حديث طلق ، لكن منهم من قال: إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق ؛ لأن حديث طلق كان في أول الهجرة؛ حيث قال فيه: قدمت وهم يؤسسون المسجد، يعني: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [عن عروة قال: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر]. مروان بن الحكم كان أمير المدينة في ذلك الوقت، وقوله: (فذكرنا) أي: تذاكرنا وبحثنا في نواقض الوضوء والأشياء التي ينتقض بها، فقال مروان : (ومن مس الذكر)، يعني: يحصل الوضوء من مس الذكر، فقال عروة : (ما علمت في هذا شيئاً)، يعني: ما أعلم دليلاً، وليس عندي علم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حدثتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) يعني: أن مروان بن الحكم ذكر الدليل الذي سمعه من بسرة بنت صفوان والذي فيه الوضوء من مس الذكر. تراجم رجال إسناد حديث (من مس ذكره فليتوضأ) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة. [عن عبد الله بن أبي بكر ]. هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أنه سمع عروة يقول]. هو عروة بن الزبير بن العوام . [دخلت على مروان بن الحكم ]. مروان بن الحكم أحد خلفاء بني أمية، قال عنه بعض المحدثين: لا يتهم في الحديث، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [أخبرتني بسرة بنت صفوان ]. بسرة بنت صفوان رضي الله عنها صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة. الرخصة في ترك الوضوء من مس الذكر شرح حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرخصة في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال: بضعة منه) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في عدم الوضوء، فالحديث الأول يدل على الوضوء من مس الذكر وهذا يدل على الترخيص في عدم الوضوء، لكن أهل العلم -كما ذكرت- جمعوا بينهما بأن قدموا حديث بسرة على حديث طلق بن علي ؛ لتقدم حديث طلق بن علي وأنه كان جاء في وقت مبكر في أول الهجرة عند تأسيس مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديث بسرة متأخر عنه فيكون مقدماً عليه، كما أن الذين صححوه أكثر، وأيضاً فيه الاحتياط في الدين؛ إذ إن الإنسان إذا مس ذكره وتوضأ خرج من العهدة ولم يبق في نفسه شيء بخلاف ما لو لم يفعل ذلك فإنه خلاف الاحتياط. قوله: [ (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي -يعني: من البادية- فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ قال: وهل هو إلا بضعة منك؟)، يعني: أنه كسائر جسده، فإذا لمست أي مكان من جسدك لا ينتقض وضوءك، فلو لمست وجهك أو رجلك أو ركبتك أو عضدك فما هل هو إلا بضعة منك، يعني: أنه جزء من أجزائك، فأي جزء من أجزائك تلمسه لا ينتقض وضوءك به، هذا هو معنى الحديث. تراجم رجال إسناد حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...) [حدثنا مسدد ]. مسدد هو ابن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي ]. هو ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر الحنفي ، صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [حدثنا عبد الله بن بدر ]. عبد الله بن بدر هو جد ملازم ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [عن قيس بن طلق ]. قيس بن طلق صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه]. أبوه هو طلق بن علي رضي الله عنه أخرج له أصحاب السنن الأربعة. ورجال هذا الإسناد حنفيون يماميون إلا مسدداً شيخ أبي داود فإنه بصري، والباقون كلهم من بني حنيفة ومن اليمامة، وهم أربعة: ملازم بن عمرو و عبد الله بن بدر و قيس بن طلق و طلق بن علي . وأربعتهم أيضاً خرج لهم أصحاب السنن الأربعة ولم يخرج لهم البخاري ولا مسلم . ومن الأشياء التي ذكروها في ترجيح حديث بسرة أن حديث طلق إنما خرج لرجاله أصحاب السنن، وأما حديث بسرة فرجاله خرج لهم الشيخان وهم: عبد الله بن مسلمة القعنبي و مالك و عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم و عروة و مروان بن الحكم . وكلهم أخرج لهم الشيخان إلا مروان فليس له في مسلم شيء، وإنما له في البخاري . [قال أبو داود : رواه هشام بن حسان و سفيان الثوري و شعبة و ابن عيينة و جرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق ]. قوله: [رواه هشام بن حسان ]. هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و سفيان الثوري ]. سفيان الثوري مر ذكره. [و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و ابن عيينة ]. ابن عيينة ثقة مر ذكره. [و جرير الرازي ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي نزيل الري؛ لأنه كان في الكوفة وانتقل إلى الري وصار قاضياً فيها فيقال له: الكوفي باعتبار أنها وطنه، ويقال له: الرازي؛ لأنه انتقل إليها وصار قاضياً فيها، وهو جرير الرازي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن جابر ]. محمد بن جابر صدوق، ذهبت كتبه فساء حفظه، وصار يشبه بابن لهيعة . أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [عن قيس بن طلق ]. قيس بن طلق قد مر ذكره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بإسناده ومعناه وقال: في الصلاة]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال: بإسناده ومعناه، وقال: في الصلاة. يعني: إذا مسه وهو في الصلاة. قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد تقدم ذكره. [حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه]. الأسئلة الحكم على حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) السؤال: ما حال حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الفراغ من الوضوء؟ الجواب: ذكرنا سابقاً في باب ما يقال بعد الوضوء أن مما يقال بعد الوضوء: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وهذه الرواية هي التي جاءت عند مسلم ، وقلت: إن رواية: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) جاءت عند الترمذي وفيها كلام؛ لأنها من رواية أبي إدريس الخولاني عن عمر وهو لم يسمع منه، لكن ذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل أن حديث عند الترمذي له شواهد عند الطبراني وغيره من المحدثين عن ثوبان وعن غيره، فيكون شاهداً لهذه الطريق التي فيها كلام عند الترمذي ، وقال أيضاً: إن مما ثبت أنه يقال بعد الوضوء أن يقول مع هذا: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك). حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة السؤال: رجل يريد أن يذهب إلى مكة ويؤدي عمرة عن نفسه ثم يريد أن يعتمر عن أبويه الميتين فماذا يفعل؟ الجواب: الإنسان عندما يذهب إلى مكة يعتمر لنفسه أولاً، وإذا يسر الله له أنه يقدم مرة أخرى من بلده أو يذهب إلى المدينة ويرجع إلى مكة مرة أخرى فإنه يعتمر لنفسه أو لغيره؛ لأن العمرة المشروعة المستحبة التي كان عليه الصلاة والسلام يفعلها هي أنه يعتمر داخلاً إلى مكة، أما كون الإنسان يتردد بين التنعيم وبين الكعبة فيؤدي عدة عمر في اليوم فهذا ما ورد فيه شيء، وإنما ورد في حق عائشة لظرف خاص لها، وكذلك أهل مكة لهم أن يعتمروا من التنعيم أو من غيره، لكن الآفاقيين إنما يعتمرون وهم داخلون إلى مكة. حكم مس الحائض للمصحف السؤال: ما حكم مس الحائض للمصحف بحائل وبدون حائل؟ الجواب: الحائض والمحدث إذا مسوه بحائل لا بأس بذلك. بيان إلى من ينسب ولد الزنا السؤال: امرأة لم تتزوج وحملت بسبب الزنا، ثم نكحت الزاني وهي حبلى، فهل نكاحهما صحيح؟ وإلى من ينسب ولدها؟ الجواب: إذا كان الولد من الزنا فهو ليس ابناً شرعياً، وإنما هو ابن زنا؛ لأن الحمل كان قبل الزواج، وعلى هذا فهو ابن زنا وليس ابناً شرعياً. والمرأة إذا حملت من زنا ثم تزوجها الزاني فلا يعتبر ولداً له وإنما يعتبر ولد زنا؛ لأنه لم يكن في نكاح شرعي، وإنما كان في سفاح، فهو ولد من سفاح وليس من نكاح شرعي، فلا يعتبر ولداً له ما دام أنه كان موجوداً قبل الزواج. وأما النكاح الذي حصل بعد الزنا فالزاني ينكح زانية. الفرق بين النجش والنصيحة السؤال: رجل كان في المكتبة يريد أن يشتري كتاباً، وتعاقد هو والبائع ووافق على شراء الكتاب، ثم جاءه شخص آخر وأخبره أن هناك كتاباً أرخص منه فتحير، فهل وجب عليه الشراء، أم أن هذا من النجش المحرم؟ الجواب: هذا ليس من البيع على بيع أخيه ولا من الشراء على شراء أخيه؛ لأن النجش هو أن يزيد في سلعة لا يريد شراءها، هذا هو النجش، لكن أن يأتي آخر ويخبره بوجود سلعة أرخص وهو لا يزال في خيار المجلس لا بأس بذلك، فكونه أخبره بأنه يوجد في المكان الفلاني أو في المكتبة الفلانية كتاب بسعر أرخص من هذا لا يعتبر نجشاً ولا يعتبر بيعاً على بيع أخيه وإنما هي نصيحة. حكم الصلاة في مسجد خاص بأناس معينين السؤال: هل تجوز الصلاة في مسجد مؤسسة، والمسجد داخل الحائط ومحروس، وإذا كان الإنسان عابر سبيل ولحق به وقت الجمعة، ولم تكن له بطاقة مهنية يرجعوه عن صلاة الجمعة فلم يؤدها، فهل الجمعة تجوز في هذا المسجد؟ الجواب: الجمعة تجوز ما دام أنه مكان خاص بأناس معينين، فإذا كانوا لا يريدون أن أحداً يدخل معهم فيصح التجميع، لكن الإنسان الذي يعرف أن المكان هذا لا يدخله كل واحد وإنما يدخله من هو مرخص له فعليه أن يذهب إلى مكان آخر ولا يذهب إلى المكان الذي فيه منع. وهذا مثل السجن، فالسجن فيه مسجد والناس يصلون فيه، والذي في الخارج لا يستطيع أن يدخل السجن ليصلي؛ لأنه لا يسمح لأناس يدخلون في هذه الدائرة وفي هذه المنطقة، وإنما هو مسجد خاص بجهة معينة، فالصلاة فيه تصح، وأنت إذا أردت الصلاة فعليك أن تبحث لك عن مكان آخر. ولا تصح الجمعة في الصحراء إذا لم يكن فيها استيطان ولا مساكن. نقض الوضوء بمصافحة المرأة الأجنبية السؤال: هل مصافحة المرأة الأجنبية ينقض الوضوء؟ الجواب: لمس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية، لكن المصافحة ولمس المرأة الأجنبية لا يجوز وهو حرام وفيه إثم، لكنه لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك مذي، فالنقض بسبب الخارج لا بسبب اللمس سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية. ولا أيضاً لمسها من وراء حائل؛ لأن اللمس من وراء حائل يمكن أن يحصل به ما يحصل بدون حائل. والله تعالى أعلم."
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [032] الحلقة (63) شرح سنن أبي داود [032] أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء مما أنضجت النار، وجاء من قوله وفعله نسخ ذلك الأمر مما يدل على عدم الوجوب، ويستثنى من النسخ الوضوء من لحوم الإبل؛ لورود الدليل بذلك. التشديد في الوضوء مما مست النار شرح حديث الوضوء مما أنضجت النار قال رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء مما أنضجت النار) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب التشديد في ذلك، يعني: أنه لا يترك الوضوء مما مست النار، بل يتوضأ مما مست النار، وفي هذا تشديد في ذلك؛ وأن الأمر يحتاج إلى وضوء، وأنه لا يترك الوضوء مما مست النار، لكن ذكرنا أن في الأحاديث المتقدمة خلاف ذلك، كما في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) وأنه لا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل فإنه يتوضأ منها، وغير لحوم الإبل لا يتوضأ منها. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوضوء مما أنضجت النار) أي: يكون الوضوء مما مست النار. تراجم رجال إسناد حديث الوضوء مما أنضجت النار قوله: [حدثنا مسدد عن يحيى ]. مسدد مر ذكره، ويحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثني أبو بكر بن حفص ]. هو عبد الله بن حفص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأغر ]. هو أبو مسلم المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويحتمل أن يكون سلمان أبا عبد الله المدني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. فيتحقق أيهما هو. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (... توضئوا مما غيرت النار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى -يعني: ابن أبي كثير - عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: أنه دخل على أم حبيبة رضي الله عنها فسقته قدحاً من سويق، فدعا بماء فمضمض، فقالت: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار أو قال: مما مست النار). قال أبو داود : في حديث الزهري : يا ابن أخي! ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، أنه دخل عليها أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة فسقته سويقاً فتمضمض وقام إلى الصلاة ولم يتوضأ، فقالت له: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار)] ومحل الشاهد: هو الأمر بالوضوء مما مست النار، لكن تقدم أن الأحاديث التي قبله والتي ساقها أبو داود في ترك الوضوء مما مست النار ناسخة لهذا الحكم الذي هو الوضوء مما مست النار. وهنا قالت: يا ابن أختي! وفي طريق الزهري قالت: يا ابن أخي! قيل: إنها خالته، وعلى هذا فهو ابن أختها، وإن كانت الرواية: يا ابن أخي فإن هذا الأسلوب يقال حتى فيمن ليس بقريب، فيقال له: يا ابن أخي! وهذا من آداب الخطاب، مثلما يقول الإنسان للصغير: يا بني! وهو ليس ابنه، ويقول الصغير للكبير: يا عم! وهو ليس عمه من جهة النسب، فكذلك يقولون: يا ابن أخي! وقد سبق أن مر بنا حديث فيه: (يا ابن أخي!) وهو حديث أبي موسى الأشعري عند أن رأته زوجة ابنه يصغي الإناء للهرة وهي تشرب، فجعلت تنظر إليه كالمتعجبة، فقال: ما تعجبين يا ابنة أخي! وهي ليست بنت أخيه من النسب، ولكنها بعيدة منه، ولكن هذا شيء يطلقونه، فيمكن أن يكون قوله: يا ابن أخي! على طريقتهم في إطلاق مثل هذه العبارة في الخطاب الجميل، وفيما يقوله القائل لمن يخاطبه. تراجم رجال إسناد حديث: (... توضئوا مما غيرت النار) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبان ]. أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن يحيى يعني: ابن أبي كثير ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه]. أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [أنه دخل على أم حبيبة ]. أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها بنت أبي سفيان وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. الوضوء من اللبن شرح حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من اللبن. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) ]. الترجمة السابقة التي فيها ذكر الوضوء المراد به: الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، فهذا هو الوضوء الشرعي، وأما الوضوء اللغوي فهو النظافة والنزاهة، وهنا أورد أبو داود رحمه الله الوضوء من شرب اللبن، وليس المقصود بالوضوء هنا: الوضوء الشرعي، لأنه ما ذكر إلا المضمضة، ولم يذكر الوضوء الذي هو الوضوء الشرعي، فهنا يراد به الوضوء اللغوي؛ لأنه مأخوذ من الوضاءة وهي: النظافة والنزاهة، فهنا لا يراد به الوضوء الشرعي؛ لأنه قد جاء في نفس الحديث ما يبين أن المقصود من ذلك إنما هو النظافة، وهو تنظيف الفم فقط، والأصل أن الألفاظ إذا جاءت في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تحمل على المعاني الشرعية، ويمكن الحمل على المعنى اللغوي حيث لا يمكن الحمل على المعنى الشرعي كما هو هنا؛ لأن الوضوء هنا المقصود به النظافة؛ لأنه تمضمض فقط، والدسومة التي في فمه تمضمض من أجل ذهابها عنه حتى لا يبقى في فمه طعم ودسومة اللبن، فيدخل في الصلاة وهو كذلك. وقوله (الوضوء من شرب اللبن)، يعني: المقصود به الوضوء اللغوي، وليس الوضوء الشرعي. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) يعني: أن سبب الوضوء الذي حصل منه هو: أن له دسماً، يعني: أن هذه المضمضة المقصود منها تنظيف الفم بالماء حتى تذهب الدسومة التي في اللبن عندما شربه الإنسان. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض..) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. الرخصة في عدم الوضوء من اللبن شرح حديث: (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد عن توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى). قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في كون الإنسان لا يتمضمض، والذي جاء في الحديث السابق من كون الإنسان يتمضمض بعد شرب اللبن ليس بلازم؛ فللإنسان أن يصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. ومن المعلوم أن الوضوء لابد فيه من المضمضة، وقد توجد المضمضة وحدها بدون الوضوء، وهذا هو الوضوء اللغوي، وكونه يتمضمض ليس بلازم، فيمكن للإنسان أن يشرب لبناً ويصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. أورد المصنف حديث أنس رضي الله عنه، وهذا فيه دليل على أن المضمضة ليست بلازمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض وقال: (إن له دسماً)، وإذا وجدت المضمضة فلا شك أنها أحسن؛ لأنها تذهب الدسومة التي قد ينشغل الإنسان بها في صلاته، أو بطعمها في فمه، ولكنه إذا لم يفعل ذلك فإن ذلك سائغ؛ وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وهذا. تراجم رجال إسناد حديث (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مطيع بن راشد ]. مطيع بن راشد مقبول، أخرج له أبو داود . [عن توبة العنبري ]. توبة العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ]. يعني: أن زيد بن الحباب أرشده شعبة إلى أن يروي عن مطيع ، و شعبة معروف في نقده للرجال وكلامه في الرجال، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، فكونه يدله على أن يروي عن هذا الشيخ يدل على منزلته عند شعبة، وأنه أهل أن يروى عنه. الأسئلة حكم أكل اللحم نيئاً السؤال: هل يجوز أكل اللحم نيئاً دون أن يطبخ؟ الجواب: يجوز إذا كان لا يحصل فيه مضرة، فمثلاً: الكبد تؤكل نيئة، وهي لذيذة عند من يأكلها وخاصة كبد الغنم، فإذا كان لا يترتب على أكل اللحم نيئاً مضرة فيجوز. سماع قتادة من يحيى بن يعمر وسماع يحيى بن يعمر من الصحابة السؤال: قال الإمام أحمد بن حنبل : قال شعبة : لم يسمع قتادة من يحيى بن يعمر شيئاً. ذكر ذلك الفسوي في المعرفة والتاريخ، فهل ثبت سماع قتادة من يحيى بن يعمر ؟ وهل سمع يحيى بن يعمر من الصحابة كابن عباس و عمار بن ياسر ، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب: قضية قتادة وسماعه من يحيى بن يعمر ليس عندي فيها علم، وكون يحيى بن يعمر سمع من ابن عباس و عمار بن ياسر لا أدري، لكنه سمع من بعض الصحابة، وهو الذي في أول حديث في مسلم الذي فيه أنه لما تكلم أناس في القدر في البصرة، قال: ذهبنا حاجين أو معتمرين -يعني: يحيى بن يعمر- مع حميد بن عبد الرحمن الحميري، فوجدنا عبد الله بن عمر فاكتنفته، فظننت أن صاحبي يكل الحديث إلي، فقلت له: إنه حصل قبلنا أناس كذا وكذا، فحدثهم بحديث جبريل عن أبيه، وهذا فيه سماع يحيى بن يعمر من ابن عمر . و يحيى بن يعمر ثقة يرسل. حال حديث: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً...) السؤال: هل صحيح أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر : (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً…) كما ذكر ذلك الحافظ في التلخيص؟ الجواب: المشهور عند العلماء الاحتجاج بحديث جابر هذا الذي من طريق محمد المنكدر على نسخ الوضوء مما مست النار، وأن تركه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد احتج بهذا العلماء، والحديث أخرجه البخاري و الترمذي و النسائي ، لكن العجيب أن في السند هنا عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر ، لكن ذكر الحافظ ابن حجر عن الشافعي في التخليص و الشافعي ذكر ذلك في سنن حرملة أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر . وعلى كل: حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)، مروي من طريق محمد بن المنكدر عن جابر ، وهو الذي يحتجون به على نفي الترك للفعل الذي هو الوضوء. حكم من لم يرم الجمرات في اليوم الثالث السؤال: ثلاثة رجال دخلوا في اليوم الثالث من أيام التشريق فلما وجدوا الزحام خافوا وتركوا رمي الجمرات في اليوم الثالث فقط، وسافروا ولم يرموا فما هو الحكم؟ وماذا يفعلون الآن؟ الجواب: إذا لم يرموا فكل واحد عليه فدية، لتركه الرمي، وهي شاة تذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم. حكم قول الإنسان لآخر من أهل الفضل: بأبي أنت وأمي السؤال: هل يجوز قول: بأبي أنت وأمي لأهل الفضل كالعلماء؟ الجواب: لا يصلح أن يقال هذا، وإنما هذا يقال في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يستعمله الصحابة ومن بعدهم، يقولون: فداه أبي وأمي، ويخاطبونه ويقولون: فداك أبي وأمي، وأما غير الرسول صلى الله عليه وسلم فلا أعلم شيئاً يدل عليه، وما سمعت مثل هذه العبارة تستعمل مع غير الرسول صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه مقدم على الأب والأم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، وأما استعمال ذلك في غيره فلا أعلم ما يدل عليه. معنى قوله: (أفلح وأبيه إن صدق) السؤال: ما معنى: (أفلح وأبيه إن صدق)؟ الجواب: قوله: (أفلح وأبيه) هذا قسم، ولكن هذا مما كان في أول الأمر، وقد أجاب عنه العلماء بجوابين: أحدهما: أنه كان هذا في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ، والثاني: أنه مما جرت عليه به ألسنتهم، ولكن الصحيح هو الأول، وهو أنهم كانوا يستعملونه ثم بعد ذلك نسخ. نقض الوضوء بمس الذكر السؤال: هل مس الذكر من غير قصد يفسد الوضوء؟ الجواب: مس الذكر مطلقاً من غير حائل ينقض الوضوء. حدود المدينة النبوية السؤال: ما هي حدود المدينة المنورة؟ وهل الجامعة داخل الحرم؟ الجواب: حدود المدينة هي من عير إلى ثور، ووادي العقيق من الحرم، وما وراءه الله تعالى أعلم هل هو من الحرم أم من غير الحرم؟! وما وراءه هو ما يكون قريباً منه، وليس بعيداً عنه؛ لأن بعض الأماكن مثل الجامعة الإسلامية أقرب ما يكون أنها من المشكوك فيه، يعني: ليست من الحرم البين ولا من الحل البين، ومثل هذا يكون كما قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). حكم الوضوء من غير اللبن السؤال: هل يستحب الوضوء لغير اللبن من المشروبات والمأكولات؟ الجواب: ليس في ذلك وضوء، ولكن إذا كان هناك طعم في الفم فيتمضمض حتى يذهب ذلك الطعم، وأما الوضوء الشرعي فلا، وإنما المضمضة فقط؛ لأنه إذا كان الفم فيه طعم فقد يشغل الإنسان في صلاته، فالأولى أن يتمضمض، وإن لم يتمضمض فلا بأس، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في اللبن مرة تمضمض ومرة لم يتمضمض، يعني: تمضمض في بعض الأحيان، ولم يتمضمض في بعض الأحيان. علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء في ترك الوضوء مما مست النار السؤال: ما علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ؟ الجواب: لعل العلة هي كون الذي رواه مقبولاً ولم يتابع عليه، وأيضاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلوك حتى دخل في الصلاة، وفيه كونه كان يأكل وهو يمشي، وطبعاً أكل الإنسان وهو يمشي إذا كان للحاجة فلا بأس به، لكن الإشكال فيه هو كونه أكل حتى أحرم، ودخل في الصلاة وهو يلوك. معنى قول أبي داود: باب الرخصة في ذلك السؤال: قال أبو داود : باب الرخصة في ذلك، مع أنه لم يرو في الباب الأول حديثاً فيه ذكر الصلاة، فما مراده؟ الجواب: أولاً: ذكر المضمضة بعد شرب اللبن، والمقصود من ذلك الوضوء اللغوي؛ لأنه ليس في الحديث الأول وضوء شرعي، وإنما هو المضمضة فقط، وهو وضوء لغوي، فقوله: الرخصة في ذلك، يعني: في ترك الوضوء اللغوي الذي جاء في الحديث السابق أو في الترجمة السابقة. حكم تكرار النظر إلى المخطوبة السؤال: هل يجوز للخاطب أن ينظر إلى خطيبته بعد النظرة الأولى التي خطب فيها، بمعنى: هل يكرر ذلك النظر كلما أراد؟ الجواب: الذي يبدو أن النظرة الواحدة كافية، فينظر إليها مرة واحدة؛ لأن تكرار النظر ليس فيه شيء جديد على ما حصل من قبل. حكم قراءة البنات للقرآن على الأستاذ السؤال: هل يجوز لبعض البنات من ذوي الصوت الندي في قراءة القرآن القراءة على الأستاذ من خلال الدائرة التلفزيونية؟ الجواب: إذا كان الأمر يتعلق بالدراسة فلها أن تقرأ. حكم اتصال البنت بأحد أقاربها غير المحارم السؤال: هل يجوز للبنت أن تتصل على أحد أقاربها كابن عمها مثلاً هاتفياً وتسلم عليه، وتقول له: كيف حالك؟ الجواب: لا ينبغي هذا؛ لأن ابن العم هو أجنبي عنها، فكونها تتصل به وتسلم عليه وهي صغيرة ما ينبغي أن يفعل ذلك، وخاصة بين الشابات والشباب. نقض الوضوء من مس عورة الطفل السؤال: هل لمس الأم لطفلها أو طفلتها لتنظيفه وتغسيله ومس عورته سواء القبل أو الدبر ناقض للوضوء؟ الجواب: نعم، مس القبل سواء كان من الصغير أو الكبير الذكر أو الأنثى كله ناقض للوضوء. حكم القصر في ذي الحليفة لأهل المدينة السؤال: ما حكم قصر الصلاة في ميقات ذي الحليفة وقد اتصل العمران بالمدينة؟ الجواب: إذا اتصل ذو الحليفة بعمران المدينة فلا يجوز أن تقصر الصلاة فيه، وإنما تقصر عند مفارقة العمران والبنيان، لكن هل اتصل الآن، أو أن هناك أماكن متقطعة قبل الوصول إليه؟ هذا يحتاج إلى معرفة الاتصال. أما إذا وجد الاتصال فيعتبر من البلد، ولا يقصر ولا يترخص برخص السفر قبل مغادرة عمران البلد. والرسول صلى الله عليه وسلم قصر فيها لما سافر؛ فإنه لما خرج صلى الظهر أربعاً في مسجده، وصلى العصر هناك ركعتين؛ لأنها كانت بعيدة عن البنيان، فإذا وصل البينان إليها واتصل بها فتكون من المدينة، ولا يقصر الإنسان إلا إذا فارق عمران البلد. حكم من وجد منياً في ثوبه ولم يذكر احتلاماً السؤال: رجل استيقظ من النوم، فوجد منياً في ثوبه، وهو متأكد أنه لم يحتلم فماذا يفعل؟ الجواب: إذا وجد الماء ووجد المني فعليه أن يغتسل؛ وإذا لم يتذكر أنه احتلم في منامه ولم يجد ماءً فليس عليه أن يغتسل؛ لأن العبرة هي بالماء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرأة: (نعم إذا وجدت الماء) يعني: بعد نومها، فإذا وجد الماء وكان متحققاً أنه مني، ولو لم يتذكر احتلاماً فإنه يغتسل، والعكس لو تذكر احتلاماً ولكنه لم يجد ماءً فليس عليه اغتسال. حكم من كان لا يزكي جهلاً ثم علم وتاب السؤال: شخص كان لا يزكي للجهل، فلما علم بفرض الزكاة تاب وأصبح يزكي، ويسأل الآن عما سلف؟ الجواب: يقدر الذي مضى ويزكيه على عدد السنين، ولكن كما هو معلوم المال يزيد وينقص، والزكاة إذا خرجت منه لا تحسب بعد ذلك إذا كان المال باقياً ولا يزيد، كأن يكون لديه مبلغ مودع، ثم أخرجت منه الزكاة في سنة، فإنه ينقص مقدار الزكاة، فالسنة التي بعدها يزكى على الذي بقي بعد الزكاة، وهكذا الذي بعدها ينقص عن السنة التي قبله، ويزكى على ما بقي وهكذا. وقت الانتضاح السؤال: هل يمكن أن يكون الانتضاح قبل الوضوء؟ الجواب: الانتضاح يكون بعد الوضوء، لا يكون قبله؛ لأن الذي ورد أنه يكون بعد الوضوء. حكم الانتضاح السؤال: هل الانتضاح مستحب؟ الجواب: إذا كان الإنسان عنده شيء من الشك فعليه أن يأتي بالانتضاح حتى يسلم من مغبة الوسواس. حكم الساحات التي حول الحرم السؤال: هل الساحات الموجودة حول الحرم تعتبر من الحرم، فيحرم البيع والشراء فيها إلى غير ذلك؟ الجواب: إذا كانت الأسوار قد أقيمت، والأبواب قد ركبت، فإن حكمها حكم الحرم، وتعامل معاملة الحرم، والذي لا يجوز في المسجد لا يجوز فيها؛ لأن حكمها حكم المسجد، ولو كانت مكشوفة غير مغطاة، فما دام أن الجدران والأسوار والأبواب تحيط بتلك الساحات فإنها تعتبر من المسجد، وتعامل معاملة المسجد، لا يجوز فيها بيع ولا شراء ولا إنشاد ضالة، ولا الجلوس للحائض، ولا الجنب، وهكذا كل الأشياء التي تمنع من المسجد تمنع منها؛ لأنها مسجد. حكم إزالة شعر الحاجب إذا طال السؤال: هل يجوز حلق الحاجب أو قصه إذا طال ونزل على العين؟ الجواب: إذا كان قد نزل على العين، وصار منظره ليس بطيب، ويؤثر على العين، وصار طويلاً طولاً فاحشاً فيجوز إزالته، والحاجب ينزل على العين إذا كبر الإنسان، لكن الكلام على كون الشعر يطول طولاً فاحشاً، وأنه ينزل على العين ويسترسل، فإذا وجد شيء من ذلك فلا مانع من أخذه."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [035] الحلقة (66) شرح سنن أبي داود [035] كان الحكم في أول الإسلام أنه لا يجب الاغتسال من الجماع إلا إذا أنزل المني، وكان ذلك رخصة، ثم نسخ ذلك الحكم بوجوب الغسل من الإيلاج ولو من غير إنزال. ويجوز للرجل معاودة الوطء بدون وضوء ولا اغتسال، فإن توضأ فهو أفضل، وإن اغتسل فهو أفضل وأكمل. ما جاء في الإكسال شرح حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإكسال. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما أخبره أن أبي بن كعب رضي الله عنه أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك). قال أبو داود : يعني (الماء من الماء) ]. هذا أول باب من أبواب الغسل، والإمام أبو داود رحمه الله جعل كل ما يتعلق بالطهارة من وضوء وغسل وحيض وتيمم داخل تحت كتاب الطهارة، ثم يأتي بعده كتاب الصلاة. والبخاري رحمه الله قسم هذا الكتاب إلى كتب، فإنه جعل الكتب في الطهارة أربعة: الوضوء والغسل والحيض والتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة. والإمام أبو داود رحمه الله جعلها كلها كتاباً واحداً باسم كتاب الطهارة؛ لأن الوضوء طهارة صغرى، فهو رفع الحدث الأصغر، والغسل من الجنابة طهارة؛ لأن فيه رفع الحدث الأكبر، والغسل من الحيض وأحكام الحيض وما إلى ذلك طهارة، والتيمم الذي يحل محل هذه الأمور حيث لا يوجد الماء أو لا يقدر على استعماله مع وجوده طهارة؛ لأنه يرفع كل الأحداث المتقدمة، ففيه الطهارة لمن أراد أن يرفع الحدث الأصغر، وفيه الطهارة من الجنابة، وفيه الطهارة من الحيض، لأن التيمم بدل من الاغتسال، فهو ينوب منابه ويقوم مقامه كما يقوم مقام الوضوء. وقد بدأ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى بالأبواب المتعلقة بالجنابة وما يتعلق بأحكامها والاغتسال منها، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالحيض، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة. قوله: [باب الإكسال] الإكسال هو: كون الإنسان يجامع ولا ينزل، يعني: يحصل عنده كسل وفتور بعد النشاط فلا يحصل إنزال، هذا هو الإكسال. وقد جاءت السنة في أول الأمر على أنهم لا يغتسلون منه، وإنما الاغتسال من الإنزال فقط، وكان ذلك رخصة في أول الأمر، ثم بعد ذلك جاء الأمر بالاغتسال وإن لم يحصل إنزال، فإذا حصل إيلاج وحصل التقاء الختانين فإنه يتعين الغسل وإن لم ينزل، فكان الحكم آخراً هو أن الإكسال لا بد معه من الاغتسال، وأن الترخيص بعدم الاغتسال إنما كان في أول الأمر ثم بعد ذلك نهوا عن العمل بالشيء الذي كان مرخصاً لهم من قبل. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه كان ذلك -والمشار إليه حديث: (إنما الماء من الماء)- في أول الأمر، يعني: كانوا لا يغتسلون من الإكسال، وإنما يغتسلون من نزول الماء، الذي هو المني، ثم نسخ ذلك، وأمروا بالاغتسال، ونهوا عن الشيء الذي كانوا عليه من قبل وهو ترك الاغتسال لعدم الإنزال، فصار الحكم المستقر أنه يجب الاغتسال سواء أنزل أو لم ينزل ما دام أنه حصل الجماع وحصل التقاء الختانين. هذا إذا حصل الإيلاج وحصل التقاء الختانين، وقد جاء في حديث أبي هذا أنه كان رخصة في بدء الإسلام لقلة الثياب، وفي نسخة: (لقلة الثبات) وقوله: لقلة الثياب. عليه عامة النسخ، والأمر فيه خفاء؛ لأن ترك الاغتسال لقلة الثياب تعليل غير واضح، لكن بعض أهل العلم قال: يمكن أن يقال: إنهم كانوا في حاجة، وكانوا في أول الأمر ليس عندهم شيء، وكان الواحد منهم يكون له ثوب واحد إذا اتسخ غسله وأعاده على نفسه، وقل فيهم من يكون له الثوبان حتى يعاقب بينهما، فلو ألزموا بالاغتسال في كل مرة ففي ذلك مشقة عليهم؛ لأن الواحد ليس عنده إلا ثوب واحد، وليس عنده ثياب متعددة لقلة ذات اليد. قيل: لعل هذا هو الوجه، لكن تعليل ترك الاغتسال مع عدم الإنزال بهذا التعليل غير واضح. وأما على النسخة التي فيها: (لعدم الثبات) فالأمر واضح من جهة أنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان الإيمان ما استقر في قلوبهم وما تمكن في أنفسهم، فمن باب التخفيف عليهم والتسهيل لم يلزمهم بالغسل إذا لم يحصل إنزال، ولكنه بعد ذلك ألزم به، وصار من الأحكام المستقرة الثابتة التي لابد منها. ومن المعلوم أنه في أول الأمر كان التشريع يأتي على التدرج في بعض الأمور التي كانوا قد اعتادوها كالخمر، فإنها حرمت عليهم بالتدريج، وكالصيام فإنه وجب عليهم بالتخيير حتى استقر الأمر على وجوب صيام شهر رمضان. إذاً: في أول الإسلام رخص لهم هذه الرخصة، وبعد ذلك انتهت هذه الرخصة وحلت محلها العزيمة التي هي وجوب الاغتسال إذا حصل إيلاج سواء حصل إنزال أم لا، والغسل من الإنزال متعين ولو لم يحصل إيلاج، فمجرد خروج المني دفقاً بلذة يوجب الغسل، ولكن الكلام فيما يتعلق بالجماع والتقاء الختانين ثم لا يحصل إنزال. وقد ذهب إلى البقاء على الحكم الأول بعض الصحابة؛ وذلك لأنه لم يبلغهم النسخ، ولكنه نقل عنهم الرجوع عن ذلك بعد أن بلغهم، وكذلك جاء عن بعض التابعين، والجمهور على أن الاغتسال واجب ولازم مع الإكسال، وأنه لابد منه أنزل أو لم ينزل. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل ...) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني عمرو يعني ابن الحارث ]. وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب ]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: حدثني بعض من أرضى]. هنا أبهم الشخص مع التعديل والتوثيق؛ لأنه ما قال: حدثني رجل، وإنما قال: حدثني بعض من أرضى، وهذا إبهام مع التوثيق والتعديل، وهذا عند المحدثين من قبيل المبهم، وإذا علم زال الإشكال، وأما إذا لم يعلم فإنه لا يعول عليه؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره، لكن ذكر بعض أهل العلم أن الرجل المبهم هو أبو حازم سلمة بن دينار وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أن سهل بن سعد الساعدي أخبره]. سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو العباس ، وقد قال بعض أهل العلم: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا سهل بن سعد الساعدي و عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما. [أن أبي بن كعب أخبره] وهو الصحابي المشهور الذي جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لم يكن) قال: وسماني! قال: نعم، فبكى أبي رضي الله تعالى عنه)، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب رضي الله عنه أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (كانت الفتيا التي كانوا يفتون بها أن الماء من الماء في أول الإسلام، ثم أمروا بالاغتسال فيما بعد). يعني أن الأمر الأول كان رخصة، وأنهم كانوا يفتون بذلك بناء على تلك الرخصة، وبعد ذلك انتهت الرخصة وجاءت العزيمة وصار الاغتسال متحتماً من الإنزال وعدم الإنزال. تراجم رجال إسناد حديث (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة) قوله: [حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي ]. وهو ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [حدثنا مبشر الحلبي ]. مبشر بن إسماعيل الحلبي وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد أبي غسان ]. وهو محمد بن مطرف كنيته أبو غسان ، واسم أبيه مطرف ، وفي التعليق: أن في بعض النسخ محمد بن أبي غسان والصواب ما ذكر في الكتاب بدون ذكر ابن؛ لأن كنيته أبو غسان ، وأبوه مطرف ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي حازم ]. وهو سلمة بن دينار الذي أبهمه الزهري في الإسناد السابق، ولو لم يعرف المبهم فإن وجود هذه الطريق الأخرى التي فيها تسمية جميع الرواة كاف في صحة الرواية السابقة، وإنما الإشكال لو لم يأت الحديث إلا من طريق ذلك المجهول الذي قيل فيه: (حدثني بعض من أرضى)، أما إذا جاء طريق آخر متصل فيكون شاهداً أو متابعاً لذلك الطريق الذي فيه ذلك الرجل المبهم، فالرجل المبهم هو أبو حازم كما قال ذلك بعض أهل العلم، وأيضاً جاء طريق آخر فيه تسمية أبي حازم في الرواية عن سهل بن سعد في هذا الحديث. [عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب ]. سهل وأبي قد مر ذكرهما . شرح حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي حدثنا هشام و شعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان؛ فقد وجب الغسل) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا قعد) أي: الرجل (بين شعبها الأربع، وألزق الختان الختان؛ فقد وجب الغسل) وفي رواية لمسلم : (وإن لم ينزل). وهنا قال: (فقد وجب الغسل) يعني: بمجرد حصول ذلك، ولم يذكر أن هناك إنزالاً، وقد جاء التنصيص في صحيح مسلم على أنه وإن لم ينزل فقد وجب الغسل، وهذا هو الناسخ لحديث: (إنما الماء من الماء) والذي كان رخصة في أول الأمر، ثم جاءت بعده العزيمة، وهي وجوب الاغتسال من الجماع إذا حصل التقاء الختان بالختان، وإن لم يحصل إنزال. قوله: (إذا جلس بين شعبها)] قيل: المراد: بين اليدين والرجلين ثم شرع في قضاء حاجته وما يريده من الجماع فإنه يجب عليه أن يغتسل والحالة هذه وإن لم يحصل إنزال. قوله: [(وألزق الختان بالختان)] فيه دليل على مشروعية الختان للرجل والمرأة، فالختان يكون للرجل ويكون للمرأة؛ لأنه قال: (ألزق الختان بالختان)، وفي بعض الروايات: (إذا التقى الختانان) يعني: ختان الرجل وختان المرأة، وهذا دليل على أن الختان يكون للرجل ويكون للمرأة إلا أنه واجب في حق الرجل ومستحب في حق المرأة, وليس بواجب. فإذا جلس بين شعبها ثم جهدها فقد وجب الغسل. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ...) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشام ]. هشام بن أبي عبد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي رافع]. عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو غير المدني الذي يروي عن أبي هريرة ، فهو ليس مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو رافع الصائغ المدني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. شرح حديث: (الماء من الماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الماء من الماء)، وكان أبو سلمة يفعل ذلك ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري : (الماء من الماء)، والمقصود من ذلك ما كان ثابتاً في أول الأمر من أن الاغتسال إنما يكون بسبب الإنزال؛ لأن قوله: (الماء) الأول المقصود به ماء الاغتسال، فهو يجب (من الماء) الذي هو المني، فمعنى: (الماء من الماء) أن الاغتسال إنما يكون عند نزول الماء الذي هو المني. وقد جاء عن ابن عباس أن المقصود من قوله: (الماء من الماء) ما يحصل في النوم من الجماع لا يترتب عليه حكم إلا إذا وجد إنزال، أي: الاغتسال بسبب الاحتلام لا يكون إلا مع الإنزال، فلو رأى أنه جامع وتحقق في منامه أن المجامعة وجدت لكنه قام ولم يجد ماءً فلا غسل عليه، وهذا صحيح، فالعبرة بوجود المني. فابن عباس قال: إن هذا المراد بقوله: (الماء من الماء) وهذا معنى صحيح من جهة أن الحكم مستقر على أنه لابد من الاغتسال بعد الجماع سواء حصل إنزال أو لم يحصل إنزال إلا في حال النوم فإنه إذا رأى أنه جامع في المنام فلا يتعين عليه اغتسال إلا إذا وجد الماء، كما جاء في حديث المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم. إذا هي رأت الماء). قوله: [وكان أبو سلمة يفعل ذلك] يعني: كان يرى ما يقتضيه هذا الحديث الذي هو: (الماء من الماء) وهو من التابعين الذين كانوا يرون أن الاغتسال إنما يكون مع وجود الماء، ولعل عذر من جاء عنه ذلك أنه لم يبلغه الحديث الناسخ الذي دل على خلاف ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (الماء من الماء) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. مر ذكر الأولين، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري ]. عن أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجنب يعود إلى الجماع شرح حديث : (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يعود. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل حدثنا حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد). قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس، و معمر عن قتادة عن أنس، و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يعود. يعني: إذا جامع ثم أراد العود إلى الجماع، هذا هو المقصود بالترجمة. يعني: أن له أن يعود وإن لم يحصل هناك اغتسال من الجماع الأول، فيمكن أن يجامع عدة مرات في غسل واحد، ولا يلزمه أن يغتسل لكل مرة، وسواء كان له امرأة أو أكثر من امرأة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد، ومن المعلوم أن كونه يطوف على نسائه في غسل واحد معناه تكرر الجماع بدون اغتسال بين كل جماعين، وهذا معناه أنه حصل العود، وهذا العود كان مع أكثر من واحدة، والعود جائز سواء كان مع الزوجة الواحدة أو مع غيرها، كله يقال له: عود إلى الجماع، ومن المعلوم أن العود مع الواحدة نفسها أو مع غيرها كل ذلك سائغ، وإن لم يحصل اغتسال. ولكن إذا وجد الاغتسال فلا شك أنه أكمل، وإذا لم يوجد الاغتسال ووجد الوضوء بين ذلك فلا شك أنه أكمل، وكل ذلك سائغ. وفي هذا الحديث ما كان عليه الصلاة والسلام من القوة التي أعطاه الله، حيث كان يدور على نسائه بغسل واحد، وكن إحدى عشرة زوجة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن. قال بعض أهل العلم: فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه القسم بين زوجاته؛ لأنه دار عليهن، ومن المعلوم أن النوبة كانت لواحدة منهن، فكونه يدور عليهن مع أن النوبة لواحدة منهن دليل على عدم وجوب القسم عليه، وقد قال بهذا بعض أهل العلم. وقال بعضهم: إن القسم واجب عليه، وكان يقسم عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكون دورانه عليهن وطوافه بهن ومجامعته لهن بإذن صاحبة النوبة كما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته أن يمرض في بيت عائشة بدلاً من أن يأتي إلى كل واحدة في ليلتها، فبقي في بيت عائشة وكانت تأتي إليه بقية الزوجات ويجلسن معه ويزرنه صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا من هذا القبيل، يعني: أنه كان برضاهن أو أنه كان بعد انتهاء النوبات عليهن، فحصل أنه دار عليهن ثم بدأ بصاحبة النوبة بعد أن أكمل الدوران عليهن في كل يوم وليلة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد) قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد ]. مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا إسماعيل ]. وهو إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حميد الطويل ]. حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس ]. أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الاسناد من رباعيات أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص. [قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ]. هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و معمر عن قتادة عن أنس ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن قتادة مر ذكره. عن أنس مر ذكره. [و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري ]. صالح بن أبي الأخضر ضعيف يعتبر به، يعني: ضعفه يسير يعتبر به، ولا يحتج به إذا انفرد، ولكنه يستأنس به ويعتبر به، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة. والزهري قد مر ذكره. [كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: بهذا اللفظ الذي سبق أن مر وأنه طاف على نسائه في غسل واحد. الوضوء لمن أراد أن يعود إلى الجماع شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء لمن أراد أن يعود. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟! قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر). قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا]. ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي الوضوء لمن أراد أن يعود. يعني: إذا أراد أن يعود إلى الجماع مع الزوجة الواحدة أو مع أكثر من زوجة فإن عليه أن يتوضأ أو يغتسل، والغسل لاشك أنه أكمل. وقد أورد أبو داود رحمه الله الحديث وفيه الاغتسال وليس فيه ذكر الوضوء، بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه) يعني: كل واحدة يغتسل عندها ثم يذهب إلى غيرها ويجامعها، فيغتسل عند كل واحدة. فقال له أبو رافع: (ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطهر وأطيب) يعني: كونه يغتسل بعد كل جماع أزكى وأطيب وأطهر. وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في بعض المرات، وفي بعض الأحيان طاف عليهن في غسل واحد، فلا تنافي بين الحديثين، وهذا يدل على جواز الأمرين، ويدل على أن الأفضل الاغتسال بعد كل جماع؛ لأن أبا رافع لما سأله قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) يعني: أنه أكمل وأولى، ولكن ذاك الذي فعله في حديث أنس يدل على جوازه، وأن للأمة أن تفعل مثل ذلك، وأنه لا بأس به، ولكنه إذا حصل الاغتسال مع كل جماع فهو أولى وأكمل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) فدل على جواز هذا وهذا، وأن الاغتسال أفضل. والمصنف ذكر في الترجمة الوضوء، وما ذكر في الحديث الوضوء؛ لأن الاغتسال مشتمل على وضوء؛ لأن رفع الحدث الأكبر يرفع الأصغر، وعندما يريد الجنب أن يغتسل يتوضأ أو ينوي أن يرفع الحدثين، فمعناه أن الاغتسال معه وضوء، فيكون الحديث مطابقاً للترجمة؛ وإن ذكر في الترجمة الوضوء وفي الحديث الاغتسال؛ وذلك لأن الاغتسال يكون معه وضوء. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه) قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقا ًو مسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الرحمن بن أبي رافع ]. وهو مقبول أخرج له أصحاب السنن. [عن عمته سلمى ]. وهي مقبولة أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن أبي رافع ]. عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا ]. ليس المقصود بهذا تضعيف الحديث، وإنما بيان أن ذاك أصح من هذا، ولاشك أنه أصح؛ لأن رجاله يتميزون على رجال الثاني، ولكن هذا ليس تضعيفاً للحديث الثاني، فإن ما جاء في هذا سائغ، وما جاء في ذلك الحديث سائغ، وحديث: (دار على النساء في غسل واحد) أصح، ورواته أتقن، والحديث الثاني حسن أو صحيح، ولكن الاغتسال بين كل جماعين لاشك أنه أكمل وأفضل. شرح حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري، وفيه مطابقة للترجمة. ومعنى قوله: (ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) يعني: بين الجماعين، وسواء أراد العود مع زوجته الواحدة أو غيرها من زوجاته، فكونه يتوضأ لا شك أنه أكمل، والاغتسال أكمل من الوضوء، وإن عاود من غير وضوء ولا اغتسال فإن ذلك سائغ. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...) قوله: [حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حفص بن غياث ]. حفص بن غياث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عاصم الأحول ]. عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي المتوكل ]. أبو المتوكل الناجي وهو علي بن داود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري ]. عن أبو سعيد الخدري وقد مر ذكره. الأسئلة معنى حديث: (إذا التقى الختانان ...) السؤال: قوله: (إذا التقى الختانان ...) هل هو على ظاهره؟ الجواب: لا، ليس على ظاهره، فلو حصل أنه مسه بدون إيلاج لا يترتب على ذلك وجوب الغسل، وما دام لم ينزل فلا يجب الغسل، فالحكم للإنزال. معنى قوله: (وألزق الختان الختان) السؤال: ما معنى قوله: (وألزق الختان الختان)؟ الجواب: هو بمعنى التقاء الختانين؛ لأنه لا يحصل التقاء الختانين إلا إذا غابت الحشفة."
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [037] الحلقة (68) شرح سنن أبي داود [037] لقد جاء النهي عن أن يدخل الجنب والحائض المسجد إلا أن يكونا مارين لحاجة، وبالنسبة للحائض يشترط في مرورها لحاجة ألا تلوث المسجد، وإذا صلى الجنب بالناس ناسياً فإنه يخرج من الصلاة إن ذكر في أثنائها ويستنيب من يصلي بالناس إن كان يشق عليهم انتظاره، ومن وجد بللاً ولم يذكر احتلاماً فإنه يغتسل، ومن احتلم ولم يجد بللاً فلا غسل عليه، ويجزئ في الغسل صاع ونصف. حكم دخول الجنب والحائض المسجد شرح حديث: (... لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يدخل المسجد. حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأفلت بن خليفة قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن تنزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). قال أبو داود : هو فليت العامري ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب في الجنب لا يدخل المسجد. المقصود حكم دخول الجنب المسجد، والحكم في هذا هو أن الجنب لا يدخل المسجد، إلا إذا كان ماراً وعابر سبيل فإنه يجوز له ذلك، وأما أن يمكث في المسجد ويبقى في المسجد فإنه لا يجوز له ذلك؛ لقول الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، فهذه الآية الكريمة تدل على أن الجنب ليس له أن يدخل المسجد، وإنما له أن يمر مروراً إذا احتاج إلى ذلك، أما أن يمكث فيه فإن ذلك لا يجوز. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والبيوت كانت مشرعة إلى المسجد) يعني: لها أبواب إلى المسجد، فأمر عليه الصلاة والسلام أن تصرف هذه الأبواب إلى جهة أخرى بحيث لا يكون دخولها أو الوصول إليها من طريق المسجد، وإنما يكون من طرق أخرى أو من مكان آخر خارج المسجد، ثم إنه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك رأى أن الأمر على ما هو عليه، وأنه لم يحصل التحويل الذي أرشد إليه صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كما جاء في الحديث لم يفعلوا ذلك رجاء أن تحصل لهم رخصة، وأن يبقى الأمر على ما هو عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أكد كلامه السابق وقال: (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، ومن المعلوم أن أبواب البيوت إذا كانت من جهة المسجد، والطريق إليها من المسجد؛ فإنه يحصل الدخول والمرور، ولكن إذا كانت أبوابها إلى جهة أخرى فلا يكون هناك سبيل إلى تطرق المسجد والدخول فيه، لكن إذا كان الإنسان محتاجاً إلى المرور في المسجد فقد جاء نص القرآن في جواز ذلك، قال الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، ومثل الجنب الحائض لا تمكث في المسجد، ولها أن تمر في المسجد لكن بشرط أن يؤمن التلويث، بحيث لا يتساقط منها دم يقع في المسجد، فإذا احتاجت إلى المرور ولم يكن هناك محذور في مرورها وأمنت التلويث، فإن لها أن تمر إذا احتاجت إلى المرور في المسجد، ولم تجد بداً من ذلك، أما المكث فليس لها أن تمكث ولو أمنت التلويث مثل الجنب، ومما يدل على اعتزال الحيض المساجد وعدم مكثهن في المساجد ما جاء في حديث أم عطية في صلاة العيد قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى الصلاة، وأمرهن أن يعتزلن المصلى)، بمعنى أنهن لا يمكثن في مكان الصلاة، وإنما يكن في ناحية غير المكان الذي تصلى فيه صلاة العيد، وهذا يدل على أن الحائض ليس لها أن تمكث في المسجد، وليس لها أن تبقى في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتزل مصلى العيد، فالمسجد من باب أولى، ولكن المرور لأمر يقتضيه يجوز. تراجم رجال إسناد حديث: (... لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد ابن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأفلت بن خليفة ]. هو الأفلت بن خليفة العامري ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة ]. جسرة بنت دجاجة وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [قالت: سمعت عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده جسرة وهي مقبولة. [قال أبو داود : هو فليت العامري ]. يعني: يأتي أفلت ويأتي فليت ، فأراد أن يبين أنه يسمى بهذا ويسمى بهذا، وأنه لا تنافي بين اللفظين، إذا جاء أفلت في موضع وجاء فليت في موضع ما يقال: هذا شخص آخر أو هذا غير هذا، بل هذا هو هذا. وهذا الحديث يحتمل أنه نفس الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب ما عدا باب أبي بكر ، فأمروا بسد الأبواب واستثني من ذلك باب أبي بكر )، ويحتمل أنه غيره، والظاهر أنه هو هذا وأن القصة واحدة. صلاة الجنب بالقوم وهو ناس شرح الأحاديث الواردة في صلاة الجنب بالقوم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم). حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه وقال في أوله: (فكبر وقال في آخره: فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر وإني كنت جنباً). قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم). قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني و ابن عون و هشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا فذهب فاغتسل). وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة). قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد (عن النبي صلى الله عليه آله وسلم أنه كبر). أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. هذه الترجمة معقودة في كون الإمام يصلي وهو جنب نسياناً، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق النسيان؛ لأن الطهارة لابد منها من الحدث الأكبر والأصغر. في الترجمة بيان الحكم فيما إذا صلى الإمام بالناس وهو جنب، فإذا علم بذلك بعد أن فرغ من الصلاة فإن عليه أن يعيد وليس عليهم إعادة؛ لأنهم أدوا ما عليهم وهم عملوا بالظاهر، والباطن لا علم لهم به، وإذا فسدت صلاة الإمام لأمر يخصه فإن صلاة المأمومين تكون صحيحة، وما دام أنه صلى بهم جنباً ناسياً وهم لا يعلمون عدم رفع الحدث منه فإن صلاتهم تكون صحيحة، وقد جاء عن عمر أنه صلى بالناس ثم إنه أخبرهم بأنه صلى وعليه جنابة، وأنه أعاد الصلاة ولم يأمرهم بالإعادة. وأما إذا تذكر أنه جنب أثناء الصلاة فقد جاء في حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: (أنه كبر ثم أشار إليهم مكانكم، ثم ذهب واغتسل وجاء ورأسه يقطر وصلى بهم). ففي في هذا الحديث أنه دخل في الصلاة ثم قطع الصلاة وأمرهم أن يبقوا مكانهم، ثم رجع وصلى بهم، ومقتضى هذا أنهم لا يزالون في صلاتهم، وأنه رجع وكبر وواصل بهم، ولكن جاء في بعض الروايات التي ذكرها أبو داود وهي في الصحيحين: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ولما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فأمرهم أن يمكثوا، وذهب واغتسل وجاء ثم دخل المسجد وصلى بهم)، فالذي في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام لم يدخل في الصلاة وإنما قارب أن يكبر فتذكر أنه على جنابة، فأمر الناس أن يمكثوا وذهب واغتسل وجاء وصلى بهم الصلاة من أولها. فمن العلماء من قال: ما في الصحيحين هو المقدم، ويحمل قوله: دخل في الصلاة على أنه كاد أن يدخل في الصلاة أو قرب أو أراد أن يدخل في الصلاة؛ حتى يوافق ما في الصحيحين. ومنهم من قال: يحتمل أن تكون قصتين وأن تكون واقعتين، وأن الذي في الصحيحين قصة، وأن الذي في هذا الحديث قصة أخرى، ومعنى هذا أن ذلك سائغ وهذا سائغ، ولكن الذي في الصحيحين لا شك أنه هو الواضح ولا إشكال فيه، وأما هذا ففيه إشكال، وإن صح أنه كبر بالفعل فهي قصة أخرى، أو أنه لم يكبر ولكنه كاد أن يكبر فتكون مطابقة للحديث الذي جاء في الصحيحين. والذي يبدو أنه إذا أكمل الصلاة وهو جنب فإن صلاة المؤتمين صحيحة، وعليه أن يغتسل ويعيدها، وإذا ذكر في أثنائها فيقطعها ويعيد الصلاة من جديد، ويستأنف بهم الصلاة. والأحاديث التي وردت في هذا فيها إشكال من ناحية الإسناد، وأما الحديث الذي في الصحيحين وأنه لم يدخل في الصلاة وإنما كاد أن يدخل، فتذكر واغتسل ورجع وصلى بهم، فيحتمل أن تكون القصة واحدة، وتكون رواية راجحة وأخرى مرجوحة، أو أن يكون المقصود أنه قارب أن يكبر ولكنه لم يكبر، فالاحتياط في ذلك أن الإنسان يقطع الصلاة ويستأنف الصلاة بهم. تراجم رجال أسانيد الأحاديث الواردة في صلاة الجنب بالقوم قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل المنقري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [عن زياد الأعلم ]. هو زياد بن حسان الأعلم وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة فقيه يرسل ويدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث هذا في إسناده الحسن وهو مدلس. وقوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه ]. هو حماد بن سلمة بإسناده ومعناه يعني: أن الإسناد هو الإسناد، وليس متفقاً معه في اللفظ، يعني: أنه بمعنى اللفظ الذي ذكر أولاً. [قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. وقوله في هذه الرواية: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف) توافق ما في الصحيحين. [قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني و ابن عون و هشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ابن عون هو: عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو تابعي، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. [وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة. و إسماعيل بن أبي حكيم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كبر في الصلاة). هذا أيضاً مرسل. [قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الربيع بن محمد ]. الربيع بن محمد مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، فالروايات التي فيها أنه كبر وأنه دخل في الصلاة، ما تسلم من ضعف، ففيها إما الإرسال وإما احتمال الإرسال أو التدليس. شرح حديث: (... حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي ح وحدثنا عياش بن الأزرق أخبرنا ابن وهب عن يونس ح وحدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء حدثنا رباح عن معمر ح وحدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه وقد اغتسل ونحن صفوف)، وهذا لفظ ابن حرب ، وقال: عياش في حديثه: (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأنه أقيمت الصلاة وصفوا، فلما قام الرسول صلى الله عليه وسلم في مصلاه وأراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة، فقال: فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم، وهذا يعني أنهم لم يدخلوا في الصلاة، وانتظروه حتى اغتسل، وجاء صلوات الله وسلامه عليه، ثم كبر وصلى بهم. إذاً: فالثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يكبر، وقد جاء الحديث في الصحيحين وفيه أنه لم يكبر، وهو أرجح مما تقدم من أنه كان قد دخل في الصلاة، لكن يمكن كما ذكر أهل العلم أن يحمل قوله: (دخل) على أنه كاد أن يدخل أو أراد أن يدخل أو أنه على وشك أن يدخل، فيكون الصحيح والثابت الذي لا إشكال فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وأنه لما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (... حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل ...) قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا محمد بن حرب ]. هو محمد بن حرب الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الزبيدي ]. هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ ح وحدثنا عياش بن الأزرق ]. ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعياش بن الأزرق ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء ]. إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا رباح ]. هو رباح بن زيد الصنعاني وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي مولاهم، البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة يدلس ويسوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [كلهم عن الزهري ]. يعني: هؤلاء الذين انتهت عندهم الأسانيد التي ذكرها أبو داود تلتقي كلها في الرواية عن الزهري ، و الزهري تقدم ذكره. [عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد مر ذكره. [عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره. [وهذا لفظ ابن حرب ]. يعني: اللفظ المذكور لفظ محمد بن حرب ]. وهو الإسناد الذي فيه : عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عن الزبيدي ، وهو الإسناد الأول. أما الآن لو تذكر الإمام أنه على جنابة، فهل له أن يوقف المأمومين إلى أن يغتسل؟ لا ينبغي إذا وجدت مشقة عليهم، لا سيما إذا كان بيته بعيداً ويحتاج إلى وقت، فيقدم واحداً منهم ليصلي بهم، ويكون في ذلك رفقاً بهم، وعدم تأخيرهم، وإذا لم يكن هناك مشقة وانتظروه فلا بأس بذلك؛ لأنه جاء ما يدل عليه، لكن الأرفق بالناس هو أن ينيب. الرجل يجد البلة في منامه شرح حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يجد البلة في منامه. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً قال: يغتسل ، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه، فقالت: أم سليم : المرأة ترى ذلك أعليها غسل ؟ قال: ""نعم، إنما النساء شقائق الرجال"") ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب الرجل يجد البلة في منامه، يعني: عندما يقوم من النوم يجد في ثيابه بللاً، ولا يذكر أن ذلك عن احتلام، فهل يجب عليه أن يغتسل؟ إذا كان هذا البلل الذي وجده منياً، فلا شك أنه يجب عليه الغسل، وهذا هو الذي يتفق مع حديث أم سليم الذي سيأتي: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء)، فإذا حصل احتلام، وحصل رؤية الماء، فقد اجتمع الاثنان، فعليه الغسل، لكن إذا ما تذكر احتلاماً ووجد ماءً، فإن كان متحققاً أنه مني فعليه أن يغتسل، وإن كان غير متحقق أنه مني، وأنه يمكن أن يكون بولاً ويمكن أن يكون منياً فإن الأحوط في حقه أن يغتسل، ويقطع الشك باليقين، ويأخذ بحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، أما إذا رأى في المنام احتلاماً، ولكنه ما وجد شيئاً بعد ذلك فإنه لا غسل عليه، كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها المتقدم. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها وفيه شيء من التفصيل : (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، قال: يغتسل) يعني: إذا كان متحققاً بأنه مني فهذا أمره واضح، وإذا كان غير متحقق فعليه أن يغتسل حتى يقطع الشك باليقين. قوله: (وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه). وهذا متفق مع ما جاء في حديث أم سليم . قوله: (فقالت أم سليم : المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال)]. أي: المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها غسل؟ نعم الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، والأحكام التي تقال في حق الرجال تسري على النساء إلا إذا وجد شيء يخصص الحكم بالرجال أو يخصص الحكم بالنساء، فعند ذلك لا يكون التساوي ولا يكون الأمر لازماً للجميع، وإنما يكون الأمر لازماً لمن ألزم به، وأما إذا لم يأت ما ينص على تخصيص الرجال أو تخصيص النساء بالحكم؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام؛ ولهذا إذا ذكر الرجال في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس الحكم يختص بهم؛ لأن الخطاب في الغالب يكون معهم. وحديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه أن أم سلمة قالت هذه المقالة، وقال: لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم، إنما النساء شقائق الرجال) يوضح هذا، فمعناه: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، والأحكام التي تقال للرجال تقال في حق النساء. ومعنى كونهن شقائق الرجال أنهن مثلهم، ولهن أحكامهم، وكلهم جاءوا من طريق واحد، فلا فرق بين الرجال والنساء إلا إذا جاء نص يميز النساء عن الرجال أو الرجال عن النساء. يتبع
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [040] الحلقة (71) شرح سنن أبي داود [040] من رحمة الله تعالى وحكمته أن نهى عن جماع الحائض، فالحيض أذى، وفي جماعها أثناءه أضرار كثيرة عليها وعلى زوجها، ولكن جاءت الرخصة عن النبي عليه الصلاة والسلام في معاشرة الحائض والاستمتاع بها بما دون الجماع مخالفة لليهود. غسل الجنب رأسه بالخطمي شرح حديث: (أن النبي كان يغسل رأسه بالخطمي...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء) ]. يقول الإمام أبو داود رحمه الله باب: [في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟]. الخطمي هو نبات يغسل به الرأس وينظف به الرأس، والمقصود من الترجمة: هل استعمال الخطمي في غسل الجنابة يجزئ دون أن يضاف إليه ماء، هذا فيه تفصيل: الأصل أن الاغتسال يكون بالماء، وإذا أضيف إلى الماء شيء طاهر كالخطمي وغيره، فإن كان يصب عليه ماء بحيث يحصل التنظيف بعد ذلك بالماء، بحيث يكون غسل الرأس بالخطمي وتنظيفه بعد ذلك بالماء حتى يذهب أثره؛ فلا شك أن هذا مجزئ وكاف، وإذا اغتسل أولاً بالماء فقد حصل ارتفاع الجنابة من الإنسان، فإذا أضاف بعد غسله الخطمي فقد حصل الاغتسال قبل أن يأتي بالخطمي، لكن إذا جعل الخطمي في الماء وخلطه به وامتزج به، ثم بعد ذلك اغتسل به فهل يجزئه أو لا يجزئه إذا لم يضاف إليه الماء؟ في ذلك نظر وإشكال، والأحوط للإنسان أن يأتي بالماء حتى تبرأ ذمته، فيغتسل بالماء حتى يجري على سائر الجسد، وحتى يزيل آثار ذلك الذي تنظف به من خطمي أو غيره. أورد أبو داود هنا حديثاً لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسه وهو جنب بالخطمي يجتزئ بذلك) أي: يكتفي بذلك دون أن يضيف إليه ماء أو يصب عليه ماء بعد ذلك، والحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً، غير معروف. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يغسل رأسه بالخطمي...) قوله: [ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ]. محمد بن جعفر بن زياد ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قيس بن وهب ]. قيس بن وهب ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ عن رجل من بني سواءة بن عامر ]. رجل من بني سواءة بن عامر، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء شرح حديث: (كان رسول الله يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء. حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء]، قيل: المقصود بهذه الترجمة: ما يفيض بين الرجل والمرأة بسبب التقائهما من الماء الذي هو المني أو المذي الذي يكون نتيجة لاجتماعهما والتقائهما، أي: كيف يغسل وكيف يطهر؟ والحكم في هذا: أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي أن يرش بالماء كما سبق أن مر بنا في الحديث: أنه أخذ كفاً من ماء فرشه به، وأما إذا كان منياً على الثوب فالمني طاهر وليس بنجس، وإذا كان المني يابساً فيكفي أن يفرك حتى تذهب هيئته وشكله، لا لأنه نجس وإنما لأن منظره ليس بطيب، ولا ينبغي للمسلم أن يظهر به، وإن كان رطباً غسله، يعني: صب عليه ماء حتى يزيل هيئته وشكله، وإلا فإنه طاهر ليس غسله من أجل التطهير، وإنما من أجل إظهار أو إذهاب المنظر الغير حسن، مثل البصاق في الثوب، هو طاهر لكن منظره غير مستساغ وغير مستحسن، فكونه يغسل حتى يذهب أثره طيب. إذاً: حكم ما يصير بين الرجل والمرأة نتيجة لالتقائهما من مني حيث يكون الإنزال أو من مذي حيث لا يكون إنزال، فإن المذي نجس، وتطهيره بأن يرش عليه شيء من ماء، والمني طاهر، وهو لا يغسل من أجل التطهر من النجاسة؛ لأنه ليس بنجس، ولكن يغسل من أجل أن يذهب المنظر الذي لا يستساغ ولا ينبغي أن يخرج به الإنسان، هذا هو المقصود من الترجمة فيما يظهر ويبدو. أورد أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً في إسناده ذلك الرجل المجهول في الإسناد السابق، وهو رجل من بني سواءة، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه). في بعض النسخ (عليه) يعني: على الماء الذي يجري بين الرجل والمرأة؛ لأن الماء في الترجمة المقصود به المني أو المذي، وقوله: (أخذ كفاً من ماء) هو الماء الذي يتطهر به، (فيصبه علي ويأخذ كفاً ويصبه عليه) ، وعلى نسخة: (علي) تعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رش ماء على ثوبها بكف من ماء، ويرش على ما في ثوبه بكف من ماء، وعلى نسخة: (عليه) فالضمير يرجع إلى ذلك الماء الذي هو مذي أو مني: يعني: يصب عليه كفاً من ماء، ثم يأخذ كفاً من ماء فيصبه عليه، فكأنه يكرر ذلك مرتين، والحديث عبارته فيها غموض، لكن هذا هو الذي يتبادر ويظهر من معناها. والحكم فيما يسيل من المذي والمني من الرجل والمرأة التطهر منه إذا كان مذياً برشه، سواء في ذلك الرجل أو المرأة، وإذا كان منياً فبفركه إن كان يابساً وبغسله إن كان رطباً، حتى يذهب الأثر الذي لا يستحسن الظهور به. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء...) قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة عن عائشة ]. قد مر ذكر الأربعة. ما جاء في مؤاكلة الحائض ومجامعتها شرح حديث: (... جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت؛ فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ..)[البقرة:222] إلى آخر الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في مؤاكلة الحائض ومجامعتها، لما فرغ من ذكر الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة شرع في ذكر الأبواب المتعلقة بالحيض وأحكام الحيض. وسبق أن ذكرت عند البدء بأبواب غسل الجنابة: أن أبا داود رحمه الله تعالى جعل ما يتعلق بالطهارة كتاباً واحداً، فقال في أوله: كتاب الطهارة، وأتى بكل ما يتعلق بالطهارة تحت كتاب واحد، ثم أتى بكتاب الصلاة، و البخاري في صحيحه لم يأت بكتاب اسمه كتاب الطهارة، ولكنه أتى بأربعة كتب متفرقة يشملها كتاب الطهارة، فأتى بكتاب الوضوء، ثم أتى بكتاب غسل الجنابة، ثم أتى بكتاب الحيض، ثم أتى بكتاب التيمم، ثم بعده كتاب الصلاة، ولا مشاحة، وكل ذلك مستقيم، إن جمعت في كتاب واحد فيشملها الطهارة؛ لأنها طهارة صغرى وطهارة كبرى، طهارة كبرى تشمل الطهارة من الحيض، وتشمل التيمم الذي يقوم مقام الماء عند فقده، أو عند عدم القدرة على استعماله في الطهارة. ولما فرغ أبو داود رحمه الله من الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة بدأ بالأبواب المتعلقة بالحيض، وبدأ بمؤاكلة الحائض ومجامعتها، والمقصود بالمجامعة غير الجماع، فالمجامعة هي: الاجتماع والمصاحبة والمخالطة، فيذكر الاتصال بها، ويراد به مؤاكلتها ومشاربتها ومجالستها ومضاجعتها، وهذا يقال له مجامعة، وليس المقصود بالمجامعة الجماع؛ لأن الجماع ممنوع في الحيض، ولهذا قال في نفس الحديث: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). وقوله: (جامعوهن في البيوت) يعني: خالطوهن، فقوله: المواكلة يعني: كونه يأكل ويشرب معها، ويخالطها، وقوله: يجامعها بمعنى أنه يلتقي بها، ويحتك بها، وتمس بشرته بشرتها، ويفعل كل شيء إلا الجماع. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن اليهود كان عندهم أن الحائض إذا حاضت أخرجوها من البيت أو اعتزلوها فلم يخالطوها، وأجاز الإسلام مخالطتها ومؤاكلتها ومشاربتها ومضاجعتها، وأباح منها كل شيء إلا الجماع كما قال الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فبين الإسلام أن هذا الذي يفعله اليهود لا يفعل، بل تخالط المرأة، ويجتمع بها، وتضاجع، وتباشر، قال عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، فلما بلغ اليهود ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من مجامعة النساء ومخالطتهن، وعدم مفارقتهن قالوا: ما يريد هذا الرجل إلا أن يخالفنا في كل شيء! يعني: إذا رآنا نعمل شيئاً أمر بخلافه، وأرشد إلى خلافه، فهو يحرص على أن يخالفنا في كل شيء، فجاء عباد بن بشر و أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراه أن اليهود قالوا: كذا وكذا، أفلا ننكحهن؟ يعني: من أجل المبالغة في مخالفة اليهود؛ لأننا خالفناهم في كونهم لا يخالطوهن، ونحن نخالط ونضاجع ونؤاكل ونشارب، ونفعل كل شيء إلا النكاح -الجماع- أفلا ننكحهن؟ فعند ذلك غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المخالفة لا تكون في معصية، وقد كانوا في زمن التشريع، والوحي ينزل، فيمكن أن يكون هناك نص، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: ظهر عليه الغضب، قال الصحابة: حتى ظننا أنه وجد عليهما، يعني: أن في قلبه شيئاً عليهما. ثم قاما وخرجا، فجيء بهدية للرسول صلى الله عليه وسلم وهي لبن، فأرسل في أثرهما، وجاءا وسقاهما من ذلك اللبن، قالوا: فظننا أنه لم يجد عليهما، يعني: ما دام أنه دعاهما وأسقاهما، وأشركهما في هذه الهدية، وهذا يدل على أن الغضب الذي كان قد زال، وأنه ليس في نفسه عليهما شيء. هذا الحديث فيه بيان ما كان عليه اليهود من التشدد، ومن مجانبة النساء في حال الحيض، والابتعاد عنهن، ويقابلهم النصارى الذين يجامعوهن في حال حيضهن، فالإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء، لا جماع ولا اعتزال، لا مجانبة ومباعدة ومفارقة، وإنما اجتماع واختلاط ومؤاكلة ومشاربة ومؤانسة إلا النكاح، فالنصارى زادوا حتى بلغوا إلى أنهم ينكحونهن ويجامعونهن في حال حيضهن، فالإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء. قوله: [ عن أنس رضي الله عنه: أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت ] معنى (يجامعوها) يعني: يخالطوها في البيت، وليست القضية قضية الجماع الذي هو النكاح، بل أكثر من هذا، فحتى المجالسة لا يجالسون الحائض، وكأن فيها وباء معدياً. قوله: [ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] ]. وهذا فيه بيان سبب النزول، وهو أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يفعله اليهود، فأنزل الله: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى). قوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح) ]. (جامعوهن في البيوت) يعني: خالطوهن في البيوت، ولا تفارقوهن ولا تعتزلوهن، واصنعوا كل شيء إلا النكاح، بل للزوج أن يتمتع بها في غير فرجها، فالأذى يجتنبه، وغير ذلك سائغ له، لكن الذي يخشى أن يقع في المحرم فعليه أن يبتعد عن المكان، فيستمتع بما فوق الإزار. قوله: [ (وقالت اليهود: ما يريد هذا أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول: كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما) ]. (قد وجد عليهما) يعني: غضب، من الموجدة، وهي: الغضب، وقالوا: إن كلمة (وجَد) تتفق في الماضي والمضارع، ولكنها تختلف في المصدر في أمور متعددة، يقال: وجَد من الغضب موجِدة يعني: غضب، ووجَد مطلوبه وجوداً، فالمصدر هنا وجوداً، وفي الضالة يقال: وجد ضالته وجداناً، وإذا كان من الغنى يقال: وجد يجد جِدة بمعنى: استغنى، فهي ألفاظ تتفق في الماضي والمضارع، ولكنها تختلف في المصادر باختلاف المعاني، هذه فائدة ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأنا أشرت إليها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري فيما يتعلق بالفوائد اللغوية. قوله: [ (فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما) ]. (فاستقبلتهما) يعني: هما خارجان والهدية أقبل بها صاحبها، وحصل التلاقي بين اللذان خرجا من عند رسول صلى الله عليه وسلم وبين الذي جاء بالهدية، فلما دخل صاحب الهدية أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهما، ولما رجعا سقاهما، وهذا فيه بيان أن ما في نفسه عليهما قد زال، ولهذا قالوا: إن ظن الأولى جاءت على بابها وهو غير اليقين، وظن الأخيرة جاءت بمعنى اليقين، والظن يأتي لليقين ولما دون اليقين للشك وللتردد في الشيء وعدم الجزم به، فمثال مجيء ظن بمعنى استيقن: قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة:46] يعني: يستيقنون ويعتقدون أنهم ملاقو ربهم، فهنا الظن بمعنى اليقين، ويأتي بمعنى الشك أو التردد الذي هو غير يقين، مثاله قوله هنا: حتى ظننا أنه وجد عليهما، ولما ردهما وأعطاهما من اللبن وسقاهما تيقنوا أنه ليس في نفسه عليهما شيء. يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ13 الحلقة (52) شرح سنن أبي داود [024] من الأمور الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه: تخليل اللحية، ومسح العمامة، وغسل ما بين أصابع اليدين والرجلين، فعلى المؤمن أن يحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. تخليل اللحية [شرح حديث تخليل اللحية] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخليل اللحية.حدثنا أبو توبة -يعني: الربيع بن نافع - حدثني أبو المليح عن الوليد بن زوران عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل)]. أورد أبو داود هذا الترجمة: باب تخليل اللحية، وتخليل اللحية: هو إدخال الماء من خلالها بالأصابع بحيث يدخل الماء إلى داخلها، فهذا يسمى التخليل، مثلما أن تخليل الأصابع يكون بإدخال إصبع بين الأصابع حتى يصل الماء إلى الداخل، فهنا تخليل اللحية: إدخال الأصابع بين الشعر حتى يصل الماء إلى الداخل، ولكن تخليل اللحية مستحب وليس بواجب، بخلاف تخليل الأصابع؛ فإن الأصابع يجب إن يصل الماء إلى داخلها بحيث إن كل أجزاء الرجل وأجزاء اليد يصل إليها الماء، وأما اللحية إذا لم يصل الماء إلى داخلها فلا بأس وليس بلازم؛ لأنه أمر مستحب، فإن وجد فطيب، وإن ما وجد فلا شيء عليه، لكن الأصابع إذا لم يصل الماء إليها فإنه لا يجزئ الوضوء، إذ لا بد من استيعاب أعضاء الوضوء بالماء، وأما اللحية فالواجب هو غسل الوجه وما تحصل به المواجهة من اللحية، وهو الشيء البارز، فهذا هو الذي يغسل، وأما إدخال الأصابع بين اللحية وبين أجزائها فهذا أمر مستحب. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ أخذ كفا فأدخله تحت حنكه وخلل لحيته) يعني: أدخل أصابعه بين لحيته صلى الله عليه وسلم حتى يصل الماء إلى داخلها وقال: (هكذا أمرني ربي).والحديث في إسناده من هو متكلم فيه، ولكن قد جاء من طرق متعددة، وجاءت أحاديث متعددة تدل على ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.فتخليل اللحية مستحب وليس بفرض فإذا توضأ الإنسان ولم يخلل اللحية صح وضوءه. [تراجم رجال إسناد حديث تخليل اللحية] قوله: [حدثنا أبو توبة يعني: الربيع بن نافع]. أبو توبة كنيته، وهو مشهور بها، وقوله: (يعني) أي: أن هذه الكلمة الربيع بن نافع قالها من دون أبي داود لأن أبا داود لا يقول: (يعني) وإنما ينسب شيخه كما يريد أو يختصر كما يريد، وهو هنا اختصر فقال: حدثنا أبو توبة ولم يزد على ذلك، فجاء بعض تلاميذه أو بعض من دونه في الإسناد عنه فأضافوا (الربيع بن نافع)، ولكن الذي أضافه قال: (يعني) حتى لا يظن أن كلمة (الربيع بن نافع) من كلام أبي داود في هذا الحديث، بل هي من كلام غيره أضافها توضيحا وتبيينا، وكلمة (يعني) هذه قائلها من دون أبي داود و (يعني) فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود. وأبو توبة الربيع بن نافع هو الذي اشتهرت عنه الكلمة المشهورة في معاوية حيث كان يقول: إن معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ على الكلام عليه فإنه يجترئ على من وراءه. يعني: أن من تكلم فيه تكلم في غيره، ومن سهل عليه الكلام فيه سهل عليه الكلام في غيره من الصحابة.وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [حدثنا أبو المليح]. الحسن بن عمر الرقي ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن الوليد بن زوران]. الوليد بن زوران لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود وحده. [عن أنس بن مالك]. أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.ويكون تخليل اللحية عند غسل الوجه بغرفة مستقلة أو بنفس الماء الذي غسل به الوجه. والحديث فيه الوليد بن زوران ويقال: زروان بتقديم الراء أو تقديم الواو، وهو لين الحديث، ولكن التخليل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه عديدة، فهو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وهو من الأمور المستحبة وليس من الأمور الواجبة؛ لأن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما ذكر الذين حكوا وضوءه- أنه كان يغسل وجهه ثلاثا واثنتين ومرة واحدة، وما ذكروا التخليل، ولكن الذين ذكروا التخليل دل ما جاء عنهم على أنه من قبيل المستحبات وليس من قبيل الأمور الواجبة. [قال أبو داود: والوليد بن زوران روى عنه حجاج بن حجاج وأبو المليح الرقي]. أراد المصنف أن يعرف أو يذكر من روى له وأنه روى عنه اثنان: حجاج بن حجاج وأبو المليح الرقي. المسح على العمامة [شرح حديث: (وأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على العمامة. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)].أورد أبو داود رحمه الله باب المسح على العمامة، والمسح على العمامة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي العمامة التي تكون مشدودة، وبعضهم يقول: لابد أن تكون محنكة يعني: أنه قد أدير شيء منها تحت الحنك أو تحت الحلق، وهي التي يكون في نزعها شيء من المشقة، وليست إزالتها سهلة مثل العمائم التي نلبسها الآن، ومثل الطواقي والعمائم التي توضع على الرأس وترفع وهي قطعة واحدة مثلما توضع الطاقية، فمثل هذه لا يمسح عليها، وإنما المسح على الشيء المشدود الذي يكون شده ونقضه وإعادته فيه شيء من المشقة، فهذه هي العمائم التي يمسح عليها.والمسح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم مسح على الرأس، ومسح على العمامة.والمسح على الرأس وعلى العمامة أو على الناصية والعمامة يكون فيما إذا كان شيء من الرأس مكشوفا إلى الأمام، ثم وضعت العمامة، فإنه يمسح على ما بدا من الناصية، ويمسح على العمامة أيضا، فيجمع بين هذا وهذا.والمسح يكون للرأس كما جاء في القرآن، والمسح يكون على العمامة وعلى الناصية والعمامة كما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سرية، والسرية: هي قطعة من الجيش تذهب لمهمة وتعود إلى الجيش، وقيل: إنها من ثلاثين إلى ثلاثمائة، وقيل: إنها إلى أربعمائة، وقيل: المشهور فيها أنها أربعمائة. والحاصل: أنها قطعة من الجيش ترسل لمهمة، كغزو إلى جهة معينة ونحو ذلك، وكان هناك برد، فلما قدموا أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمسحوا على العصائب والتساخين، والعصائب: هي العمائم، وهي التي يشد بها الرأس، ويقال لها: عصابة؛ لأنه يشد بها الرأس، والمقصود بها العمائم التي يشد بها الرأس وتغطيه، وأما إذا كانت العصابة أو الشيء الذي يشد به الرأس ليس عمامة فهذا لا يمسح عليه، إلا أن يكون ذلك من أجل جرح فيه أو ما إلى ذلك فإنه يمسح عليه وعلى ما ظهر من الرأس. والتساخين قيل: هي الخفاف، وقيل لها تساخين لأنها تسخن القدم، ويحصل له بها سخونة ودفء، سواء كان جوربا وهو الذي يكون من الصوف أو من القماش أو يكون خفا وهو الذي يكون من الجلود. [تراجم رجال إسناد حديث: (وأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)] قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة. [حدثنا يحيى بن سعيد]. يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ثور]. ثور هو ابن يزيد الحمصي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [عن راشد بن سعد]. راشد بن سعد الحمصي ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وتعليقا وأصحاب السنن.وغالبا أن الراوي إذا أخرج له البخاري تعليقا أنه لا تذكر الرواية عنه في الأدب المفرد؛ لأن الأدب المفرد كتاب خارج الصحيح، والرواية عنه تعليقا هي داخل الصحيح، فيكتفى غالبا بالتعليق عن ذكر الأدب المفرد وعن الكتب الأخرى غير الأدب المفرد كجزء القراءة ورفع اليدين وما إلى ذلك. وفي تهذيب الكمال قال: خرج له البخاري في الأدب المفرد، لكن أبا الأشبال يقول: علق له البخاري في الجهاد في باب ركوب الدابة الصعبة والفحولة من الخيل، فذكر هذا، ولكن المشهور أنه من أخرج له في الصحيح ولو تعليقا فإنه لا يذكر شيء من الكتب الأخرى خارج الصحيح، وأما ذكر بعضها إذا كانت خارج الصحيح فإنهم أحيانا يذكرون عددا منها، كما في ترجمة شعيب والد عمرو بن شعيب قالوا: أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد، وأما ابنه عمرو بن شعيب فأخرج له البخاري في جزء القراءة، فجمع بين الكتابين؛ لأنهما خارج الصحيح، لكن ما كان داخل الصحيح ولو تعليقا فالمعروف أنهم لا يضيفون إليه شيئا آخر. [عن ثوبان]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [شرح حديث أنس: (رأيت رسول الله يتوضأ وعليه عمامة قطرية)] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة)]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده تحت العمامة ومسح على مقدم رأسه ولم ينقض العمامة) وهذا فيه ذكر المسح على مقدم الرأس وليس فيه ذكر المسح على العمامة.والحديث غير صحيح، لكنه لو ثبت فيمكن أن يحمل على أنه مسح على الناصية وأنه سكت الراوي عن ذكر المسح على العمامة، وغيره ذكر الناصية والعمامة، لكن الحديث في إسناده من هو مجهول، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيضا إذا لم يكن فيه المسح على العمامة فمعناه أنه مسح على بعض الرأس وهذا خلاف هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يمسح على الرأس كله من مقدمه إلى قفاه، ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه، والأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسح الرأس فيها المسح على الرأس كله، فهنا يمكن أنه ذكر المسح على الناصية وهو ما ظهر أو ما كان قريبا من مقدم العمامة، ولم يذكر المسح على العمامة وإنما قال: إنه لم ينقضها، فيحتمل أن يكون مسح عليها ثم مسح على مقدم الرأس، والجمع بين المسح على الناصية ومقدم الرأس -يعني: ما بدا منه- وعلى العمامة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.والقطرية: قيل: هي برود يكون فيها حمرة، وقيل: إنها برود جياد تأتي من قرية أو بلدة من بلاد البحرين، والمراد بالبحرين الساحل الذي على الخليج فإنه يقال له: البحرين، هذا هو المعروف، وكذلك كل ما كان في تلك الجهة يقال له: البحرين، وليس مقصورا على الجزر التي في داخل البحر كما هو مشهور الآن من إطلاق البحرين، بل الإطلاق المعروف أن تلك المنطقة التي هي على الساحل وقريبة من الساحل فإنه يقال لها: البحرين. [تراجم رجال إسناد حديث أنس: (رأيت رسول الله يتوضأ وعليه عمامة قطرية)] قوله: [حدثنا أحمد بن صالح]. أحمد بن صالح الطبري المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.وأحمد بن صالح الطبري جاء فيه كلام، لكن بعض العلماء يقولون: المقصود به شخص آخر، وليس المراد به هذا الذي هو أحمد بن صالح المصري؛ لأنه أحيانا الأسماء إذا كانت متشابهة أو متقاربة فإنه يحصل الخطأ في ذم أحدهما وليس هو المقصود، فقد يكون الشخص ضعيفا فيتكلم في الثقة من أجله، وقد يكون ثقة، فيضعف من أجل شخص ضعيف، أي: أن ذلك الشخص الذي هو ثقة يفسر بأنه الضعيف، مثلما سبق أن مر قريبا أن أبا جعفر محمد بن جعفر بن جرير الطبري قيل عنه: إنه يقول بالمسح على الرجلين، وهذا الكلام ليس له وإنما هو لرافضي يطابقه في الاسم يقال له: أبو جعفر محمد بن جرير وليس الطبري، فبعض الناس قد يفهم أن ما أسند إلى ضعيف أو إلى شخص متكلم فيه قد يتوهم أنه لذلك الشخص الثقة، وهو ليس له وإنما هو لغيره، وكذلك هنا أحمد بن صالح الطبري تكلم فيه بسبب غيره، وذكره الحافظ في التقريب فقال: أحمد بن صالح المصري أبو جعفر ابن الطبري ثقة حافظ من العاشرة تكلم فيه النسائي بسبب أوهام له قليلة، ونقل عن ابن معين تكذيبه، وجزم ابن حبان بأنه إنما تكلم في أحمد بن صالح الشمومي. يعني: أن الكلام الذي جاء عن ابن معين هو في أحمد بن صالح الشمومي، فـ النسائي ظن أنه تكلم في الطبري والسبب هو أنه قد يأتي أحمد بن صالح بدون ما تأتي الطبري أو تأتي الشمومي. [حدثنا ابن وهب]. عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني معاوية بن صالح]. معاوية بن صالح بن حدير الحمصي صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [عن عبد العزيز بن مسلم]. عبد العزيز بن مسلم مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة. [عن أبي معقل] .قيل: هو عبد الله بن معقل وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.وليس لـ عبد العزيز بن مسلم ولا لـ أبي معقل عند أبي داود وابن ماجة إلا هذا الحديث الواحد، وهذا يعني أنه لن يأتي ذكرهما في كتاب أبي داود مرة أخرى، وكذلك عند ابن ماجة لا يأتي ذكرهما متكررا؛ لأنهما لم يرويا إلا هذا الحديث الواحد ولم يأتيا إلا في هذا الإسناد الواحد. [عن أنس]. أنس رضي الله عنه قد مر ذكره. [شرط المسح على العمامة] ويشترط في المسح على العمامة ما يشترط في المسح على الخفين، يعني: أنه لا بد أن يكون المسح بعد أن يلبسها على كمال الطهارة، وكذا التوقيت. غسل الرجلين [شرح حديث تخليل أصابع الرجلين] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب غسل الرجلين.حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره)]. أورد أبو داود رحمه الله غسل الرجلين، وسبق أن مر في صفة وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فيها غسل الرجلين ثلاثا، وغسلها اثنتين، وغسلها واحدة، وهنا أورد هذه الترجمة وهي: غسل الرجلين، ولعله أراد بذلك ذكر الدلك، وهو أكثر وأزيد من مجرد كون الماء يأتي ويجري على العضو؛ لأنه إذا جرى على العضو ولو لم يحصل دلك فإنه يجزئ، لكن هذا مما يؤكد ويوضح أن المسألة فيها غسل، وأن الذين يقولون: إن فيها المسح كل هذا ليس بصحيح، فالرافضة الذين يقولون بمسح الرجلين يقال لهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدلك، والدلك شيء أكثر من الغسل ولا يقال للمسح: دلك، وإنما الغسل هو الذي يكون معه الدلك، وهو إجراء اليد عليه ودلكه حتى تحصل النظافة، وهذا لا يتأتى بالمسح، فـ أبو داود رحمه الله ذكر ترجمة غسل الرجلين والغسل الذي هو أحد فروض الوضوء للرجلين جاء في الأحاديث الكثيرة، ولكنه ذكر هنا حديثا يدل على شيء يبعد مفهوم المسح ألا وهو الدلك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يدلك أصابعه بخنصره، يعني: يدلك ما بين الأصابع حتى يستوعب، وهذا يفيد الغسل ولا يفيد المسح؛ لأنه لو كانت القضية قضية مسح فالمسح يصيب ما يصيب ويترك ما يترك، ولكن كونه يخلل ما بين الأصابع بخنصره يدل على أن هناك شيئا أكثر من جريان الماء وهو الدلك، ولكن الدلك ليس بواجب، فجريان الماء على العضو ولو لم يحصل الدلك فإنه يحصل به المقصود. [تراجم رجال إسناد حديث تخليل أصابع الرجلين] قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن لهيعة]. هو عبد الله بن لهيعة، صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة ومسلم روى له مقرونا بغيره. [عن يزيد بن عمرو]. يزيد بن عمرو المصري صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن أبي عبد الرحمن الحبلي]. هو عبد الله بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن المستورد بن شداد]. المستورد بن شداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج حديثه البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن.والحديث صحيح، وقضية المسح والغسل قد جاءت في الأحاديث الكثيرة، وابن لهيعة فيه كلام، لكنه لم ينفرد بهذا، ثم أيضا يقبل حديثه إذا كانت الرواية عنه قبل الاختلاط، فينظر هل روى قتيبة عن ابن لهيعة قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |