|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#41
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (42) باب: الدعاء في الصلاة الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 309.عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، وَفِي بَيْتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا (وفي رواية: كَثِيرًا) وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». الشرح: قال المنذري: باب: الدعاء في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء (4/2078) وبوب عليه النووي: باب استحباب خفض الصوت بالذكر. قوله «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، وَفِي بَيْتِي» وفيه: حرص الصحابة على الخير، وسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية الدعاء عن أسباب المغفرة والتوبة والرحمة، وطرق دخول الجنة والنجاة من النار ونحو ذلك، وفيه: أدبهم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السؤال. قوله: «قل: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً» وفي رواية «كبيراً» اشتمل هذا الدعاء على الاعتراف بالذنب، ومع فضل أبي بكر رضي الله عنه وارتفاع رتبته، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه هذا الدعاء، ليكون قدوة لغيره من هذه الأمة. والاعتراف بالذنب من سمات الأنبياء والرسل، وقد تكرر في دعواتهم، مع عصمتهم من الكبائر. فـآدمُ عليه الصلاة والسلام لما عصى ربه، تاب وأناب، واعترف بالذّنب، فقال هو وزوجه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. فتاب الله عليهما كما قال: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه:122). ونوح عليه السلام قال: {رب إني أعوذُ بك أنْ أسألك ما ليس به علم وإلا تغفر وترحمني أكن من الخاسرين} (هود: 47). وموسى عليه السلام قال: {ربّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر فغفر له إنه هو االغفور الرحيم} (القصص: 16). قال عليه الصلاة والسلام: «دَعْوَةُ ذِي النّونِ، إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: «لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بـها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ، إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ». رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث صحيح. وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجّد من الليل أن يقول: «اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلمُ به مني، أنت المقدمُ وأنت المؤخر لا إله إلا أنت». رواه البخاري ومسلم. وأيضا كان عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم اغفر لي جِدي وهزْلي، وخطئي وعمدي، وكلُ ذلك عندي». رواه البخاري ومسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه، دِقَّـه وجِلَّه، وأولَه وآخرَه، وعلانيتَه وسرَّه». رواه مسلم. واستقصاء دعاؤه صلى الله عليه وسلم وأحوال الأنبياء في ذلك يطول ذكره. وقد أثنى الله على عباده الذين يَسألونه المغفرة، مُعترفين بالذنب فقال سبحانه: {واللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (آل عمران: 15-17). ودعاء سيدُ الاستغفار يتضمُّن الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة، مع العلم يقينا بأنه لا يغفر الذّنوب إلا الله تعالى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «سيدُ الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذُ بك من شرّ ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغْفِرْ لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: من قالها من النهار مُوقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة». رواه البخاري. فالعبد لا يرى نفسه إلا مُقصِّرا في حق ربّه وسيده ومولاه جل جلاله، ولو قدم ما قدم من الأعمال الصالحة. وأيضا: فإن اعتراف العبد بِذنبِه، واعترافه بأنه لا يَغفر الذنوب إلا الله تعالى، من أسباب المغفرة. ففي الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أذنب عبدٌ ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رَبّـاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له رَبّـاً، يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رَبّـاً، يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعملْ ما شئت فقد غفرت لك». فقولُه: «اعمل ما شئت فقد غفرتُ لك» يدلّ على أن اللهَ تعالى لا يزال يغفر لعبده كلما استغفره، طالما أنه موقنٌ أن له ربّاً يأخذ بالذنب ويعاقب به، ويغفره إذا استغفره العبد منه، ما لم يُصرّ على معصيته فيترك التوبة، أو يموت على الشرك. وكما في قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطان قال: وعزتك يا رب، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني». رواه الحاكم وغيره وهو حديث صحيح. قوله: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي» من عندك، دليل على أن المغفرة لا تكون إلا من الله تعالى، لا من أحد غيره مهما كان قدره ومنزلته، كما في قوله تعالى {ومن يغفر الذنوب إلا الله} آل عمران. والمغفرة ستر الذنوب وتغطيتها، وعدم الفضيحة لأصحابها. قال السعدي: (العفو - الغفور - الغفار) الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح موصوفا، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} (طه: 82). (انظر النهج الأسمى 1/175 -180). وما الفرق بين المغفرة والرحمة؟ قلنا: إن المغفرة هي ستر الذنوب، وأما الرحمة فهي أعم من ذلك، فتشمل المغفرة وزيادة، من إفاضة الإحسان إليه، ودخول الجنة، والنجاة من النار. وقد عطف الله الرحمة على المغفرة في قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (آل عمران: 157). فعطف، وكذلك في هذا الحديث، والعطف يقتضي المغايرة. قوله: «إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ختم الدعاء بما يُناسِب الحال من طلب المغفرة والرحمة، كما هي عادة القرآن الكريم، وعليه جرت الأدعية النبوية، ففي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المتقدِّم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني» قال في خاتمته: «أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت». فلما ذَكَر الذنب المتقدِّم والمتأخِّر قال: أنت المقدم وأنت المؤخر. والحديث يدل على استحباب قول هذا الدعاء في الصلاة وخارجها. أما موضع هذا الدعاء في الصلاة: فلم يَرِد بيان لموضع قول هذا الدعاء، وإنما قال: «في صلاتي» أي: في عموم صلاتي، وهو يدل على أنه في مواطن الدعاء في الصلاة، ومواطن الدعاء في السجود، وبعد التشهد قبل السلام، كما سبق بيانه، وفي دعاء الوتر. وفي قوله «وفي بيتي» ما يدل على جواز قول هذا الدعاء في غير الصلاة. والله تعالى أعلم
__________________
|
#42
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 43 ) باب: لعن الشيطان في الصلاة والتعوذ منه الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 110- 310.عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ، ثَلَاثًا»، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا، لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قَالَ: «إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ، جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ، لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ». الشرح: قال المنذري: باب: لعن الشيطان في الصلاة والتعوذ منه. والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/ 385) وبوب عليه النووي (5/28-29) باب: جواز لعن الشيطان في الصلاة، والتعوذ منه، وجواز العمل القليل في الصلاة. قوله: «فسمعناه يقول: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ» فيه: جواز الاستعاذة من الشيطان أثناء الصلاة، إذا حصل للمصلي شيء من نزغات الشيطان، كما قال الله تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} (فصلت: 24)، ثُمَّ قَالَ: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ، ثَلَاثًا»، فيه أيضا: جواز لعن الشيطان في الصلاة والدعاء عليه، عند حضوره، فأما النهي عن لعن الشيطان فسيأتي الكلام عنه. وأصل اللعن: الإبعاد، وهو في العرف إبعادٌ مقترن بسخط وغضب. وفي الرواية الأخرى: «ألعنك بلعنة الله التامة»، قال القاضي: يحتمل تسميتها تامة أي لا نقص فيها، ويحتمل: الواجبة له، المستحقة عليه، أو الموجبة عليه العذاب سرمداً. قال النووي: فيه دليل لجواز الدعاء لغيره وعلى غيره بصيغة المخاطبة، خلافا لابن شعبان من أصحاب مالك، في قوله: إن الصلاة تبطل بذاك. قلت (أي النووي): وكذا قال أصحابنا تبطل الصلاة بالدعاء لغيره بصيغة المخاطبة، كقوله للعاطس: رحمك الله أو يرحمك الله، ولمن سلّم عليه: وعليك السلام وأشباهه، والأحاديث السابقة في الباب الذي قبله في السلام على المصلي، تؤيد ما قاله أصحابنا ، فيتأول هذا الحديث أو يُحمل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة أو غير ذلك انتهى . وهو الصحيح الذي دلت عليه السنة النبوية ، أعني جواز الدعاء في الصلاة بما شاء المصلي من خير الدنيا والآخرة ، ودلت عليه الأدعية النبوية الكثيرة . قوله: «إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ، جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ ، لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي»، وفي الرواية الأخرى: «إنّ عفريتاً من الجن جعل يفتك علي ليقطع على صلاتي»، وفي رواية: «يتفلت»، تفلت: أي: تعرض لي في صلاتي فجأة، والفتك الأخذ في غفلة وخديعة، والعفريت هو العاتي المارد من الجن. قوله: «فذعته»، أي: خنقته . قوله: «وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَة»، وفي الأخرى: «فلقد هممت أن أربطه حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم»، فيه دليل: على أن الجن موجودون، وأنهم قد يراهم بعض الآدميين، وأما قول الله تعالى: {إنه يَراكم هو وقبيله منْ حيثُ لا ترونهم} (الأعراف: 27)، فمحولٌ على الغالب، فلو كانت رؤيتهم محالا، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال من رؤيته إياه، ومنْ أنه كان يربطه لينظروا كلهم إليه، ويلعب به ولدان أهل المدينة. وقوله: «وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ»، معناه: أن سليمان عليه السلام مختصٌ بهذا، فامتنع نبينا صلى الله عليه وسلم . إما أنه صلى الله عليه وسلم لم يقدر عليه، وإما لكونه لما تذكر ذلك، تركه تأدبا مع نبي الله سليمان عليه السلام وتواضعا. أما مسألة لعن الشيطان: فلعن الشيطان أمرٌ حاصل ومفروغ منه، فقد لعنه الله تعالى في كتابه في أكثر من موضع، لما تكبر وامتنع عن امتثال أمر الله له بالسجود لآدم عليه السلام لما خلقه، سجود تكريم وإجلال، ووصفه الله تعالى بأنه رجيم، وأنه لعين، وأنه من المطرودين عن رحمة الله إلى يوم الدين، ومن المبعدين عن جنته يوم القيامة، فقال: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (الحجر: 35). وقال تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللّهُ} (النساء : 16-17). وقال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {وإن يدعون إلا شيطانا مريداً}، لعنه الله: أصل اللعن الإبعاد، وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط وغضب، فلعنة الله على إبليس -عليه لعنة الله- على التعيين جائزة، وكذلك سائر الكفرة الموتى، كفرعون وهامان وأبي جهل.. انتهى . وقد ثبت النهي عن قول: تعس الشيطان عند المصيبة أو العثرة؛ لأن ذلك ربما يزيده تعاظماً، كما في حديث أبي المليح عن أبيه قال: كنتُ رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثر بعيري، فقلت: تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تقلْ تعسَ الشيطان، فإنه يَعظم حتى يصير مثل البيت، ويقول: بقوتي صرعته، ولكن قل: بسم الله فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة». أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح . وقال الطحاوي في مشكل الآثار: نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه بذلك موقع للشيطان أن ذلك الفعل كان منه، ولم يكن منه، إنما كان من الله عز وجل، وأمره أن يقول مكان ذلك: بسم الله، حتى لا يكون عند الشيطان أنه كان منه عنده في ذلك فعل. انتهى. وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة به سبحانه من الشيطان الرجيم، للتخلص من كيده ووسوسته، فقال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (فصلت : 36). وقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (المؤمنون: 97-98). وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: إذا قام إلى الصلاة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه. رواه أحمد والترمذي. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من حال الشيطان بينه وبين صلاته، إلى الاستعاذة منه، ففي حديث عثمان بن أبي العاص: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يُلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك شيطانٌ يقال له خَنْزب، فإذا أحسسّته فتعوّذ بالله منه، واتفلْ على يسارك ثلاثاً». رواه مسلم . وفي الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يلعن الشيطان إذا تعرض له ليضره، ووسوس له ليفتنه عن طاعة الله ونحو، لكن لا يترك التعوذ منه بالله، والإكثار من ذكر الله، وقول: بسم الله، ونحو ذلك من الأذكار والأدعية المشروعة، ليتحصّن المسلم بالله من شره، وعملاً بالآيات والأحاديث السابقة، وينبغي للإنسان أنْ لا يجعل لعن الشيطان ديدنه بدون سبب ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .
__________________
|
#43
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 44 ) باب: الصــــــلاة علـــــى النـبـــــــي صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 111- 311-عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ».الشرح : قال المنذري: باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/305) وبوب عليه النووي (4/124) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. أبو مسعود الأنصاري هو البدري واسمه عقبة بن عمرو. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعني: ثناء الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، كما قاله أبو العالية من التابعين . وقال بعضهم : هي رحمته، أو مغفرته! وهو قول ضعيف، لوجوه: منها: أن الله تعالى فرق بينهما في قوله: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } (البقره: 157). فعطف الرحمة على الصلاة، والعطف يقتضي المغايرة. والوجه الثاني: أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، وأما رحمته فوسعت كل شيء. لكن يصح أن يقال: إن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها. (انظر: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الانام، للإمام ابن القيم ص 82-83، وذكر وجوهاً أخر فراجعها عن شئت). قوله: «أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ» فيه سؤال الصحابة عن مجمل القرآن الكريم، فإن الله تعالى قال للمؤمنين في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب). فأرادوا معرفة تفسير هذه الآية، وكيفية العمل بها؟ فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك . قوله: «فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم » يحتمل سكوته صلى الله عليه وسلم لانتظار الوحي, أو لأجل جذب انتباه السامعين. قوله: «حتى تمنينا أنه لم يسأله». معناه كرهنا سؤاله مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره سؤاله وشقّ عليه. قوله: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد». الآل أصله من: أَوَل، أي من آل الشيء يؤول، أي: يرجع، كما قال تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (النساء). واختلف العلماء في: آل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال صاحب الصحاح: وآل الرجل: أهله وعياله، وآله أيضا: أتباعه، فآل الرجل هم الذين يَرجعون إليه، ويُضافون إليه، ويولهم أن يسوسهم فيكون مآلهم إليه. وقال النووي: أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين: أنهم جميع الأمة. والقول الثاني: أنهم بنو هاشم وبنو المطلب. الثالث: هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم وذريته. وقوله: «وآل محمد». احتج من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وهذا مما اختلف فيه العلماء، فقال مالك والشافعي والأكثرون: لا يصلى على غير الأنبياء استقلالا، فلا يقال: اللهم صل على أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي، أو غيرهم، ولكن يصلى عليهم تبعا، فيقال: اللهم صل على محمد وأصحابه وآل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته، كما جاء في الأحاديث. وقال أحمد وجماعة: يصلى على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب، وبقوله[: اللهم صل على آل أبي أوفي، وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليه. قالوا: وهو موافق لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (الأحزاب:43). والصحيح: القول الأول، ولم ينقل عن السلف استعمالهم لذلك، بل خصوا به الأنبياء والمرسلين، كما خصوا الله تعالى بالتقديس والتسبيح، فيقال: الله سبحانه وتعالى، وقال الله تعالى، وقال عز وجل، وتبارك وتعالى، ونحو ذلك، ولا يقال: قال النبي عز وجل، وإنْ كان عزيزا جليلا، ولا ما بعده. وأما قول الله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (الأحزاب:43).، والأحاديث بأن الصلاة فيها دعاء وترحم. وأما الصلاة على الآل والزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال، ويقال تبعاً ما لا يُقال استقلالا. قوله: كما صليت على آل ابراهيم» اختلف العلماء في الحكمة من قوله: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم» مع أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام؟! فقال عياض: أظهر الأقوال: أن نبينا صلى الله عليه وسلم سأل ذلك لنفسه ولأهل بيته ، ليتم النعمة عليهم ، كما أتمها على إبراهيم وعلى آله. وقيل: بل سأل ذلك لأمته. وقيل: بل ليبقى ذلك له دائما إلى يوم القيامة، ويجعل له به لسان صدق في الأخرين كإبراهيم عليه السلام. وقيل : كان ذلك قبل أنْ يعلم أنه أفضل من إبراهيم عليه السلام . وقيل: إنه على ظاهره، والمراد: اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة لإبراهيم وآله، والمسؤول مقابلة الجملة، فإن الآل يدخل فيهم جميع الاتباع على الصحيح كما ذكرنا، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في آل النبي صلى الله عليه وسلم نبي، فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد، بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء (انظر شرح النووي 4/126) . قوله: «وبارك على محمد البركة» هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: الثبات على ذلك، من قولهم: بركت الإبل، أي ثبتت على الأرض، ومنه: بركة الماء . واختلف العلماء في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في الصلاة ، فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما إلى أنها سنة ، ولو تركت صحت الصلاة ! وذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله: إلى أنها واجبةٌ، ولو تركت لم تصح الصلاة ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله والشعبي وغيرهم، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : «قولوا الله صل على محمد..»، والأمر يفيد الوجوب، وفي الرواية الأخرى عند ابن حبان: كيف نصلي عليك في صلاتنا ؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد...». وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «عجل هذا»، ثم دعاه النبي[ فقال: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه، وليُصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليدع بما شاء» رواه الحاكم وغيره.
__________________
|
#44
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 45 ) باب : التسليم في الصلاة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 312.عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ.الشرح : قال المنذري : باب: التسليم في الصلاة. والحديث رواه مسلم في المساجد (1/ 409 ) وبوّب عليه النووي: باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته. عامر بن سعد هو ابن أبي وقاص، روى عن أبيه وعثمان وعائشة رضي الله عنهم، وعنه ابنه داود وابن شهاب وطائفة ، تابعي ثقة، مات سنة 103 هـ وقيل : 104 هـ ، روى له الستة. وأبوه هو الصحابي المشهور: سعد أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري، فارس الإسلام ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم سابع سبعة، وله مناقب كثيرة، توفي سنة 55 هـ . قوله: «كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ» فيه: أن التسليم ثابت في الصلاة ، ومن عمل النبي صلى الله عليه وسلم المستمر. قال النووي: السلام ركنٌ من أركان الصلاة، وفرضٌ من فروضها، لا تصحّ إلا به، هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة: هو سنة! ويحصل التحلّل بكل شيء ينافيها، من سلام أو كلام أو حدث! أو قيام أو غير ذلك . ويرد ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم : « صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم : «مُفتاح الصلاة الطَّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه النسائي وغيره. وفيه دلالة للجمهور من السلف والسلف: أنه يُسنّ للمصلي تسليمتان. وقال مالك وطائفة : إنما يسن تسليمة واحدة. وهي مما اختلف فيه العلماء: فضعف بعضهم الأحاديث الواردة فيها ، كالنووي وغيره ، وأن الأحاديث في التسليمتين في الصحيحين. وقال: لو ثبت شيء منها، حُمل على أنه فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة. قال ابن رجب في الفتح (5 / 208): «قد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يسلم تسليمةً واحدةً ، من وجوهٍ لايصح منها شيء، قاله ابن المديني والأثرم والعقيلي وغيرهم. وقال الإمام أحمد: لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسليمة الواحدة إلا حديثاً مرسلاً لابن شهابٍ الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم ». وقال بعضهم : إنما كان يفعله في النوافل، كصلاة الليل ونحوها. وحديث التسليمة الواحدة: رواه أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمة واحدة. أخرجه الطبراني في الأوسط ( 2 ،32 ) والبيهقي ( 2، 179 ). قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد): «وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، ولكن لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح ، وأجود ما فيه حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا. وهو حديث معلول، وهو في السنن، (الترمذي: 279) لكنه كان في قيام الليل، والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض والنفل، على أن حديث عائشة ليس صريحا في الإقتصار على التسليمة الواحدة، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة يوقظهم بها، ولم تنف الأخرى بل سكتت عنها ، وليس سكوتها عنها مقدما على رواية من حفظها وضبطها، وهم أكثر عددا وأحاديثهم أصح، وكثير من أحاديثهم صحيح والباقي حسان. واختار العلامة الألباني ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم . وقد ورد صحيحا عن جماعة من الصحابة فعلها، والله تعالى أعلم. والحديث فيه: أن المصلي يلتفت في كل تسليمه، عن يمينه ثم عن شماله، حتى يَرى من على جانبه خده، هذه هي السنة النبوية. ولو سلم التسليمتين عن يمينه، أو عن يساره، أو تلقاء وجهه، أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته، وحصلت تسليمتان ، ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما ( النووي ). وهذا الذي ذكرناه من ألفاظ التسليم، يستوي فيه الإمام والفذ والمأموم. 113- باب: كراهية أن يشير بيده إذا سلَّم من الصلاة. 313.عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. الشرح : قال المنذري: باب: كراهية أن يشير بيده إذا سلَّم من الصلاة. والحديث رواه مسلم في الصلاة ( 1/ 322) وبوب عليه النووي: باب الأمر بالسكون في الصلاة ، والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام. قوله: «كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» فيه: أن السنة للمصلي أن يسلم تسليمتين اثنتين ، وهو مذهب الجمهور كما سبق وأما زيادة: «وبركاته» فذهب بعض العلماء إلى أنه ضعيفة لا تصح، وأن الأحاديث الصحيحة تخلو منها، كما هو ظاهر كلام النووي. والراجح: ثبوتها. وقد وردت في سنن أبي داود : من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وصحح هذه الزيادة الحافظ ابن حجر. ومن العلماء من يرى ثبوتها في التسليمة الأولى لا الثانية ، والأمر فيه واسع ، والحمد لله . قوله: «وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ» أي : كانوا يشيرون بأيديهم مع التسليم ، عن اليمين وعن اليسار مع التسليم ، قبل أن ينهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. قوله: «عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! «تؤمنون أي: تومؤن وتشيرون، والخيل الشُمس : هي التي لا تستقر، بل تضطرب، وتتحرك بأذنابها وأرجلها. فنهاهم عن رفع أيديهم عند السلام إلى الجانبين، قوله: «إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ» أي : أن السنة في السلام من الصلاة : هي أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه وشماله. وقوله «ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ «المراد بالأخ : الجنس ، أي: إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال.
__________________
|
#45
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 46 ) باب: ما يُقال بعد التسليم من الصلاة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 314.عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ[ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدّ».الشرح : قال المنذري: باب ما يقال بعد التسليم. والحديث أخرجه مسلم في المساجد (593) وبوب عليه النووي: باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته . والحديث رواه البخاري في الأذان (844) باب الذكر بعد الصلاة . المغيرة بن شعبة هو الثقفي، الصحابي المشهور، أسلم قبل الحديبية، وولي أمرة البصرة ثم الكوفة، مات سنة (50 هـ) على الصحيح، روى له الستة. ومعاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي، الصحابي الخليفة، ولي الخلافة بالشام أولا ثم تمت له على بقية البلدان، أسلم قبل الفتح، وكتب الوحي، مات سنة (60 هـ) وقد قارب الثمانين، روى له الستة. ورّاد مولى المغيرة الثقفي، أبو سعيد أو أبو الورد الكوفي، كاتب المغيرة ومولاه، تابعي ثقة، روى له الستة. قوله: «كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما» فيه العمل بالكتابة في الرواية، بشروطها ومنها: كونه يعرف خط الكاتب، فلا بد أن معاوية كان يعرف خط وراد، وكون الكتاب عن إذن المغيرة، وكان المغيرة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية. قوله: «لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ورد عند الطبراني «يحيي ويميت وهو حيٌ لا يموت»، قال الحافظ (الفتح 2/332): ورواته موثقون . قوله: «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ» كما قال سبحانه: {ما يفتح اللهُ للناس منْ رحمةٍ فلا مُمسكَ لها وما يُمسك فلا مُرسلَ له منْ بعده وهو العزيز الحكيم} (فاطر: 2). وهذا مما يدعو العبد للتعلق بالله تعالى، والافتقار إليه دائما، وألا يدعو إلا هو، ولا يخاف ولا يرجو سواه، فإنّ الأمور كلها بيديه سبحانه وتعالى. قوله: «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَد»، قال الخطابي: الجد: الغنى، ويقال: الحظ. ومنك هنا: بمعنى ما عندك، أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه ، إنما ينفعه العمل الصالح . وفي الآية: {وأنه تعالى جد ربنا} (الجن: 3). قال الحسن: غنى ربنا. رواه ابن أبي حاتم وعبد بن حميد. وحكى الراغب: أن المراد به هنا: أبو الأب، أي: لا ينفع أحدا نسبه. وقال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه: بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان، والمعنى: لا يُنجيه حظه منك، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك. قال الحافظ: وفي الحديث: استحباب هذا الذكر عقب الصلوات، لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد، ونسبة الأفعال إلى الله، والمنع والإعطاء، وتمام القدرة. وفيه: المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها. 115- باب: التكبير بعد الصلاة 315. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ . الشرح : قال المنذري: باب التكبير بعد الصلاة والحديث أخرجه مسلم في المساجد (583) وبوب عليه النووي باب الذكر بعد الصلاة . وأخرجه البخاري في الأذان (841، 842) باب الذكر بعد الصلاة. قوله: «كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ»، وهذا يدل على أنه لم يحضر الجماعة لصغر سنّه، فكان لا يواظب عليها، ولا يلزم به، قاله عياض. وفي الرواية الأخرى: «إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته». أي: أعلم انصرافهم بذلك ، أي برفع الصوت إذا سمع الذكر يعلم انتهاء الصلاة . وقيل: يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف، فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير. قال الطبري: ففيه صحة فعل من كان يفعله من الأمراء، يكبر بعد صلاته، ويكبر الناس بتكبيره. قال النووي: حمل الشافعي هذا الحديث على على أنهم جهروا به وقتا يسيراً لأجل تعليم صفة الذكر، لا أنهم داوموا على الجهر به! قال : فاختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه، فيجهر حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر، وحمل الحديث على هذا. شرح النووي (5/84) انتهى. وهو قول أبي حنيفة ومالك . قلت: وفيما قاله الشافعي نظر! لأن الأصل بقاء هذه السنة النبوية، واستمرار عمل الصحابة بها. ولذا كان القول الراجح - إن شاء الله تعالى - هو الجهر بالذّكر عقب الصلوات المفروضات، وهذا مذهب ابن الزبير كما في المصنف لابن أبي شيبة، ويدل له أيضا حديثه في صحيح مسلم، وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه تلميذه ابن مفلح ونقل البهوتي في «كشاف القناع» (1/366) عن شيخ الإسلام ابن تيمية استحباب الجهر: قال الشيخ (أي ابن تيمية): ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة « . وقال ابن حزم رحمه الله: «ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن» انتهى من «المحلى» (3 /180) . واختيار ابن رجب ، وهو مذهب السيوطي والسخاوي ، ولهما رسالتان في ذلك ، وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين، وكذا الشيخ مقبل الوادعي . وأما احتجاج منكر الجهر أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : «أيها الناس أربعوا على أنفسكم...» الحديث. فإن الذي قال: «أيها الناس أربعوا على أنفسكم»، هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة ، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله . ثم إن السياق في قوله: «أربعوا على أنفسكم»، يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعا بليغا يشق عليهم ويتكلفونه، ولهذا قال: «أربعوا على أنفسكم». أي: ارفقوا بها ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد. قال العلامة ابن عثيمين رخمه الله: أما من قال: إن في ذلك تشويشا؟! فيقال له : إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك ، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السُنة زال عنه التشويش، وإن أردت أنه يشوش على المصلين، فإنّ المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع؛ لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي، فإن كان قريبا منك بحيث تشوش عليه، فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه، لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيدا منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك. وبما ذكرنا يتبين : أنّ السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح، ولا بنظر صريح. وقال أيضا: لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش، كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ، ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش. وقال رحمه الله: فالمهم أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضا - أعني رفع الصوت - ولا يكون رفعا مزعجا فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في قفولهم من خيبر قال: «أيها الناس، أربعوا على أنفسكم..»، فالمقصود بالرفع ، الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج». انتهى من «مجموع فتاوى الشيخ» (13/247، 261). لكن لا يكون بصورة جماعية أي بصوتٍ واحد، كما تفعله الصوفية يذكر أحدهم والجماعة يرددون خلفه، وقد نبَه العلماء الإجلاء الذين ذكرتهم على هذه البدعة.
__________________
|
#46
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 47 ) باب : التّسبيح والتّحميد والتكبير في دبر الصلاة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 316.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْر». الشرح : قال المنذري: باب: التسبيح والتحميد والتكبير في دبر الصلاة . والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/418) وبوب عليه النووي (5/ 95): باب استحباب الذكر بعد الصلاة ، وبيان صفته. قوله: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ « دُبر الصلاة ، أي: آخرها، وذلك بعد السلام. قوله: «سبح.. ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ» أي: قال : سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين ، والله أكبر ثلاثا وثلاثين. هذا ظاهر الحديث، وقال أبو صالح أحد رواة الحديث عن أبي هريرة: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، حتى تبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين. قال النووي: «وظاهرها أنه يسبّح ثلاثا وثلاثين مستقلة، ويكبر ثلاثا وثلاثين مستقلة، ويحمد كذلك، وهذا ظاهر الأحاديث. قال القاضي عياض: وهو أولى من تأويل أبي صالح . وأما قول سهيل: إحدى عشرة، فلا ينافي رواية الأكثرين ثلاثا وثلاثين، بل معهم زيادة يجب قبولها. وفي رواية: «تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». وفي رواية: أن التكبيرات أربع وثلاثون. وكلها زيادات من الثقات يجب قبولها، فينبغي أن يحتاط الإنسان فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة، ومثلها تحميدات، وأربع وثلاثين تكبيرة، ويقول معها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخرها، ليجمع بين الروايات» (شرح النووي ). ويؤيده حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه بالباب: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مُعقباتٌ لا يخيب قائلهن أو فاعلهن، ثلاثٌ وثلاثون دبر كل صلاة مكتوبة، ثلاثٌ وثلاثون تسبيحة، وثلاثٌ وثلاثون تحميدة ، وأربع ثلاثون تكبيرة». ومعنى معقبات: أنها تفعل أعقاب الصلاة، وقال أبو الهيثم: سُميت معقبات؛ لأنها تفعل مرة بعد أخرى، وقوله تعالى: {له معقباتٌ} أي: ملائكة يعقب بعضهم بعضا. وقوله: «لا يخيب قائلهن أو فاعلهن» لا يخيب: أي لا يخسر ولا يذهب أجره، وقد ذكر بعضهم: أنه لا أجر في الأذكار إذا كانت عن غفلة سوى القراءة. وفيه فضل هذه الكلمات المباركة التي يتهاون بها كثير من المصلين ، ويستعجلون القيام من مصلاهم قبل الإتيان بها! ومما يدل على فضل هذه الكلمات، قوله صلى الله عليه وسلم : «أفلا أُعلّمكم شيئا تُدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم ، إلا من صنع مثل ما صنعتم». وهي في حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: أنّ فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: ذهبُ أهل الدُّثور (أي : أهل الأموال) بالدّرجات العُلى، والنّعيم المقيم! فقال: وما ذاك؟ قالوا: يُصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدق، ويُعتقون ولا نُعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفلا أُعلّمكم شيئا تُدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون احدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة». قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء». وقوله: «دُبر كل صلاةٍ مكتوبة» يدل على أنه يقال بعد الفرائض فقط، دون السنن. قال العلامة الألباني رحمه الله: والحديث نصٌ على أن هذا الذكر إنما يقال عقب الفريضة مباشرة، ومثله ما قبله من الأوراد وغيرها، سواء كانت الفريضة لها سنة بعدية أو لا، ومن قال من المذاهب: بجعل ذلك عقب السنة!! فهو مع كونه لا نص لديه بذلك، فإنه مخالف لهذا الحديث وأمثاله مما هو نص في المسألة. والله ولي التوفيق انتهى. 117- باب: الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال 317 .عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا ، لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ، أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ، أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ. الشرح: قال المنذري: باب: الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/492) وبوب عليه النووي: باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال. والحديث أخرجه البخاري في الأذان (852) باب: الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال. قوله: «لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِه»، أي : أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين. قوله: «أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ»، وقد روى مسلم في الباب: عن السدي قال: سألت أنسا رضي الله عنه: كيف أنصرف إذا صليت؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه. فظاهرذلك التعارض؛ لأنه عبر كل منهما بصيغة أفعل، قال النووي: يجمع بينهما: بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا، وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين . قال الحافظ: وهو موافق للأثر المذكور أولا عن أنس، ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر: وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره ، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس، رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل، وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس، وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي، وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين ، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم . قال : ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن من قال: كان أكثر انصرافه عن يساره، نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه، نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومنْ ثَمّ قال العلماء: يُستحب الانصراف إلى جهة حاجته. لكن قالوا: إذا استوت الجهتان في حقه، فاليمين أفضل، لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن، كحديث عائشة المتقدم في كتاب الطهارة . قال ابن المنير: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها، لأنّ التّيامن مستحبٌ في كل شيء أي من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه، أشار إلى كراهته، والله أعلم . (الفتح 2/338).
__________________
|
#47
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 48 ) باب : مـــنْ أحـــقُّ بالإمامــــة الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 318.عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ». الشرح : قال المنذري : باب : من أحق بالإمامة . والحديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (673) وبوب عليه النووي الباب نفسه. قوله: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ»، الظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد بـ «أَقْرَؤُهُمْ» أَكْثَرهم لَهُ حِفْظًا، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا جاء عَنْ عَمْرو بْن سَلَمَة قَالَ: «اِنْطَلَقْت مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِإِسْلَامِ قَوْمه فَكَانَ فِيمَا أَوْصَانَا : لِيَؤُمّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا، فَكُنْت أَكْثَرهمْ قُرْآنًا فَقَدَّمُونِي»، َأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَقِيلَ: «أَقْرَؤُهُمْ»، أي: أَحْسَنهمْ قِرَاءَة، وَإِنْ كَانَ أَقَلّهمْ حِفْظًا؟! وَقِيلَ : أَعْلَمهُمْ بِأَحْكَامِهِ! (كما في عون المعبود). وقيل: أَكْثَرهمْ قُرْآنًا وَأَجْوَدهمْ قِرَاءَة، كما في حاشية السندي على ابن ماجة. والحديث: فيه تقديم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وبعض الشافعية، ودليلهم هذا الحديث الصريح، وفي الباب أيضا: حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانوا ثلاثةً فليؤمّهم أحدُهم، وأحقُّهم بالإمامة أقرؤُهم». وغيرها من الأحاديث. وقال مالك والشافعي: يقدم الأفقه، قالوا: لأنّ الذي يُحتاج إليه من القراءة مضبوطة، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يَعرض في الصلاة أمرٌ لا يقدر على مراعاة الصواب فيه، إلا كامل الفقه. قالوا: ولهذا قدّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين، مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أنه قرأ منه. وقالوا: بإنّ الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه. لكن قوله صلى الله عليه وسلم : «فإن كانوا في القراءة سواء»، دليل على تقديم الأقرأ مطلقا. قوله: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ»، فيه أن منزلة السنة النبوية المطهرة في الدين بعد كتاب الله تعالى، كما قال عز وجل: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ . وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عظيماً}(النساء:113). وقال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وحي يوحى } (النجم: 3 -4). صلى الله عليه وسلم : «ألا إني أُوتيتُ الكتابَ ومثله معه». قوله: «فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً»، قال النووي: قال أصحابنا يدخل فيه طائفتان: إحداهما: الذين يهاجرون اليوم من دار الكفر إلى دار الإسلام، فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة، عندنا وعند جمهور العلماء، وقوله: «لا هجرة بعد الفتح»، أي: لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام . أو : لا هجرة فضلها ، كفضل الهجرة بعد الفتح . الطائفة الثانية أولاد المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة، وأحدهما من أولاد من تقدّمت هجرته والآخر من أولاد من تأخرت هجرته، قدّم الأول . قوله: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا « وفي الرواية الأخرى» سنّاً «وفي الرواية الثالثة»، فأكبرهم سنّا، أي: إذا استويا في القراءة والفقه والهجرة، يقدم الأقدم إسلاماً ثم الأكبر سنا؛ لأن تقدم الإسلام فضيلة يرجح بها. قوله: «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ»، أي: أنّ صاحبَ البيت، وصاحب المجلس، وإمام المسجد، أحقّ من غيره بالإمامة، وإنْ كان ذلك الغير أقرأ وأفقه وأكبر سنا. لكنْ إذا قدّم صاحبُ المكان، أو إمام المسجد أحداً فله ذلك، وإن كان الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة له أو إلى باقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه ، فله أن يتصرف فيه كيف شاء . وقال أبو عيسى الترمذي (1/460): وحديث أبي مسعود حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بالسنة، وقالوا صاحب المنزل أحق بالإمامة، وقال بعضهم: إذا أَذِن صاحبُ المنزل لغيره فلا بأس أنْ يصلي به، وكرهه بعضهم، وقالوا: السُّنة أنْ يصلي صاحب البيت، قال أحمد بن حنبل: فإذا أذن فأرجو أن الإذن في الكل، ولم يرَ به بأساً إذا أذن له أن يصلي به انتهى. وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث مالك بن الحويرث : « وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود رضي الله عنه: (إلا بإذنه) «انتهى من «نيل الأوطار» (3/170) . ومما يدل أيضا على جواز إمامة الزائر لصاحب المنزل: ما رواه البخاري (424) ومسلم (33) عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ». ويدل على جواز إمامة المسافر للمقيمين: ما رواه الترمذي (545) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سُئِلَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ صَلاةِ الْمُسَافِرِ، فَقَالَ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَحَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ فَصلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ خِلافَتِهِ أَوْ ثَمَانِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، قال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره. وروى مالك في الموطأ (349) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ». وقد رواه أبو داود (1229) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن بسند ضعيف. أما إذا حضر السلطان العام أو نائبه، قدّم على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما؛ لأنّ ولايته وسلطته عامة. ويستحب لصاحب البيت وإمام المسجد أن يأذن لمن هو أفضل منه إذا حضر. قوله: «وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ». وفي الرواية الأخرى: «ولا تجلس على تكرمته في بيته ، إلا أن يأذن لك». والتكرمة: الفراش ونحوه مما يُبسط لصاحب المنزل ويخص به . والله تعالى أعلم
__________________
|
#48
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 49 ) باب: اتِّباع الإمام والعمل بعده الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 319.عن الْبَرَاءِ رضي الله عنه : أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَعَ وَجْهَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ نَتَّبِعُهُ.الشرح: قال المنذري: باب: اتِّباع الإمام والعمل بعده. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/) وبوب عليه النووي: باب متابعة الإمام والعمل بعده. وقد أخرجه البخاري في الأذان برقم (690) باب: متى يسجد منْ خلف الإمام؟ وبرقم (747) باب: رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، وبرقم (811) باب: السجود على سبعة أعظم. عن البراء وهو ابن عازب، وفي مسلم: قال عبدالله بن يزيد: حدثني البراء وهو غير كذوب. وهذا من عادتهم في تأكيد العلم بالراوي، والعمل بما روى. قوله «: أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ [ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا» فيه: متابعة الإمام، وعدم التقدم عليه بالأفعال أو مسابقته، وقد مضى الكلام عليه. قوله «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ:» سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ «لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَعَ وَجْهَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ نَتَّبِعُهُ» وفي الرواية الأخرى «لم أرَ أحداً يحني ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض، ثم يخرّ من وراءه سُجداً» يحني ويحنو كما في الرواية الأخرى، لغتان صحيحتان، من حنى العود أي عطفه. قال النووي: وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أنّ السُّنة ألا ينحني المأمومُ للسجود، حتى يضع الإمام جبهته على الأرض، إلا أن يَعلم منْ حاله أنه لو أخّر إلى هذا الحد، لرفع الإمام من السجود قبل سجوده. ثم قال: قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: في هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه: أنّ السنّة للمأموم التأخر عن الإمام قليلاً، بل يُشرع في الركن بعد شُروعه، وقبل فراغه منه، والله أعلم اهـ وقوله: «حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض» استدل به على أن الجبهة من أعضاء السجود، وإنما اقتصر على ذكرها لأنها أشرف أعضاء السجود، وأشهرها في تحقيق السجود. وفي الحديث: دليل على مراقبة الصحابة رضي الله عنهم لأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة للاقتداء به، ومتابعته في تنقلاته، وإنْ كان الأصل نظر المأموم إلى موضع سجوده، لأنه المطلوب للخشوع في الصلاة، إلا للحاجة. 120- باب: أمر الأئمة بالتخفيف في تمام 320.عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا ! فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ، أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ». الشرح: قال المنذري: باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (466) وبوب عليه ما بوب به المنذري. ورواه البخاري في الأذان (702) باب: تخفيف الإمام في القيام، وإتمام الركوع والسجود. قال النووي: معنى أحاديث الباب ظاهر، وهو الأمر للإمام بتخفيف الصلاة بحيث لا يُخل بسنتها ومقاصدها، وأنه إذا صلّى لنفسه، طوّل ما شاء في الأركان التي تحتمل التطويل، وهي القيام والركوع والسجود والتشهد، دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين، والله أعلم. وفيه نظر ! فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن قيامه وركوعه واعتداله وسجوده وجلوسه بين السجدتين، قريب من السواء. وقال الكرماني في تبويب البخاري: الواو بمعنى «مع»، كأنه قال: باب التخفيف بحيث لا يفوته شيء من الواجبات، فهو تفسير لقوله: في الحديث «فليتجوز»؛ لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدي إلى فساد الصلاة. قوله: «إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا» أي: أتأخّر عن صلاة الجماعة بسبب تطويل الإمام. وقد ظن بعضهم أن المقصود بالإمام: هو معاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو خطأ ! لأن قصة معاذ كانت في صلاة العشاء، وفي مسجد بني سلمة، وهذه كانت في صلاة الصبح وفي مسجد قباء. قال الحافظ ابن حجر: ووهم من فسّر الإمام المبهم هنا: بمعاذ، بل المراد به: أبي ابن كعب، كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن: عن جابر قال: كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء، فاستفتح سورة طويلة، فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة، فلما سمعه استفتحها، انفتل من صلاته، فغضب أبي، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أبياً، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عُرف الغضبُ في وجهه، ثم قال: «إنّ منكم مُنفّرين، فإذا صليتم فأوجزوا، فإنّ خلفكم الضعيف والكبير، والمريض، وذا الحاجة». قال: فأبان هذا الحديث: أن المراد بقوله في حديث الباب «مما يطيل بنا» أي: في القراءة (الفتح 2/ 198). قوله «فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ، أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ» وسبب غضبه إما لمخالفته ما أرشد إليه أصحابه ووعظهم. أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه. أو لزيادة الاهتمام بما يقول، تنبيها له ولأصحابه. قوله: «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ» وهو تفسيرٌ للفتنة في قوله لمعاذ: «أفتان أنت يا معاذ». قال الحافظ: ويحتمل أن تكون قصة أبي هذه بعد قصة معاذ، فلهذا أتى بصيغة الجمع، وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب. قوله: «فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ» قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية، فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم، طويلا بالنسبة لعادة آخرين. قال: وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات، لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك، لأن رغبة الصحابة في الخير، تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا (الفتح 2/ 199). قال الحافظ: وأولى ما أخذ حدّ التخفيف من الحديث: ما أخرجه أبو داود والنسائي: عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أنت إمام قومك، واقدر القوم بأضعفهم» إسناده حسن، وأصله في مسلم اهـ (الفتح 2/ 199). وفي صحيح مسلم بالباب نفسه: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أخفّ الناس صلاة في تمام. وفي زيادة لمسلم: «فإذا صلى وحده، فليصلّ كيف شاء»، وفي لفظ «وإذا قام وحده، فليطلْ صلاته ما شاء». قوله: «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ» وفي رواية «فإن في الناس الضعيف والسقيم» فالمراد بالضعيف النحيف والمسنّ، والسقيم هو المريض. وفي الحديث: جواز التأخر عن صلاة الجماعة، إذا علم من عادة الإمام التطويل الكثير بالقراءة، لمن عجز عن القيام، وإن كان الأفضل حضور الجماعة والصلاة جالسا. والله تعالى أعلم،
__________________
|
#49
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 50 ) باب : استخلاف الإمام إذا مرض وصلاته بالناس الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 321.عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ لَهَا: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَتْ: بَلَى ، ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ» فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا، يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَاتِ، فَعَرَضْتُ حَدِيثَهَا عَلَيْهِ ، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ : لَا، قَالَ : هُوَ عَلِيٌّ . الشرح : قال المنذري : باب : استخلاف الإمام إذا مرض وصلاته بالناس . والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/311) وبوب عليه النووي : باب استخلاف الإمام إذا عَرض له عذرٌ من مرضٍ وسفر وغيرهما منْ يصلي ، وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه ، ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام . قوله « دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ لَهَا: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثقل أي: عجز عن الخروج للصلاة بالمسلمين» . قولها فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» أي: هل صلى الناس الذين ينتظرونني بالمسجد. قولها: «قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» المخضب إناء يغتسل فيه، ونحوه المركن . قولها: «فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ» فيه دليل على استحباب الغسل من الإغماء ، وإذا تكرر استحب تكرر الغسل لكل مرة ، وإن لم يغتسل إلا بعد الإغماء مرات ، كفى غسل واحد . وقد حمل عياض الغسل هنا على الوضوء؟! من حيث أن الإغماء ينقض الوضوء، والصواب: أن الغسل هو الغسل، وهو مستحب لمن أغمي عليه، وأن الواجب عليه فقط هو الوضوء لانتقاض الطهارة . قولها: «ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوء» ذهب لينوء أي: يقوم وينهض . قولها: «فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ» فيه دليل على جواز الإغماء على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا شك في جوازه، فإنه مرض، والمرض يجوز عليهم، بخلاف الجنون، فإنه لا يجوز عليهم؛ لأنه نقص وعيب، وقد نزه الله عنه أنبيائه، كما قال سبحانه: {وما صاحبكم بمجنون}. والحكمة في جواز المرض عليهم وغيرها من مصائب الدنيا، تكثير أجرهم، وكونهم أسوة للناس فتحصل السلوة بهم للمصابين، ولئلا يفتتن بهم الناس ويعبدوهم من دون الناس لما يظهر على أيديهم من المعجزات، والآيات البينات (انظر النووي 4/136) ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فيه دليل على أنه إذا تأخر الإمام عن أول الوقت، ورجي مجيئه قريبا، فإنه ينتظر ولا يتقدم عليه غيره . قولها « والناس عكوف « أي : مجتمعون منتظرون لخروج النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة بهم، وأصل الاعتكاف: اللزوم والحبس . قوله: «لصلاة العشاء الآخرة» فيه دليل على صحة قول الإنسان: العشاء الآخرة، وقد أنكره الأصمعي، والصواب جوازه وقد ورد في الأحاديث النبوية وعن الصحابة. قَالَتْ : فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا -: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ» فيه فضيلة أبي الصديق رضي الله عنه وأرضاه وترجيحه على جميع الصحابة ، وتفضيله عليهم . وفيه تبيهٌ على أحقيته بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة الصلاة ، وهي الإمامة الدينية ، وغيرها من أمور الدنيوية من باب أولى . وفيه أيضا: أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة، استخلف من يصلي بهم ، وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم . وفيه: فضيلة عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر الصديق؛ لأن أبا بكر لم يعدل إلى غيره . وفيه: جواز الثناء في الوجه، لمن أمن عليه الإعجاب والفتنة، لقوله: «أنت أحق بذلك». وقوله: «وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا» أي: كثير الحزن والبكاء ، لا يملك عينيه. قَالَتْ: «فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ» والآخر بيّنه ابن عباس رضي الله عنهما بأنه علي رضي الله عنه. وفي رواية غير مسلم «بين رجلين: أحدهما : أسامة بن زيد» وطريق الجمع بينها: أنهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم ، تارة هذا، وتارة هذا، ويتنافسون في ذلك، وهؤلاء هم خواص أهل بيته ، وأكابر أصحابه. وأكرموا العباس رضي الله عنه لاختصاصه به واستمراره معه، لما له من السن والعمومة، ولهذا سمته عائشة رضي الله عنها وأبهمت الآخر ، والله أعلم . قولها « وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْر» فيه جواز وقوف المأموم إلى جنب الإمام لمصلحة كإسماع المصلين صوت الإمام، أو حاجة كضيق المكان، ونحو ذلك. قولها: «وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَاعِد» أي: كان أبو بكر رضي الله عنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم بصلاته، والناس يتابعون أبا بكر بصوته وحركاته. وللعلماء في الجمع بين الأحاديث التي فيها صلاته قاعدا وهم قيام، وبين الأحاديث السابقة التي صلى فيها وهو قاعد وأمرهم بالقعود، ثلاثة أقوال: أحدها: القول بالنسخ، وأن أمره لهم بالقعود كان أولاً ثم نسخ ، فوجب القيام خلف الإمام الراتب إذا صلى قاعدا ؛ لأن هذا هو الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر ، وإلى هذا ذهب البخاري والنووي وجماعة . الثاني: الجمع بينهما بحمل الأمر بالقعود على الاستحباب، والأمر بالقيام على الجواز ، وهذا هو الأرجح؛ لأن الجمع بين النصوص مقدم على النسخ ؛ لأن فيه عملا بها كلها. الثالث: أنه إذا ابتدأ الصلاة قاعداً وجب عليهم القعود، وإذا ابتدأ الصلاة قائما ثم اعتلّ فجلس، وجب عليهم القيام، جمعا بين الأحاديث ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام في مرضه الأول ابتدأ الصلاة قاعدا، وفي مرضه الأخير ابتدأ أبو بكر بالناس الصلاة قائما، ثم جاء النبي فصلى بهم جالسا . وأرجح هذه الأقوال: الثاني ثم الثالث، والله تعالى أعلم .
__________________
|
#50
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 51 ) - باب : إذا تَخَلَّفَ الإمام تقدَّم غيره الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 322.عن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَبُوكَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قِبَلَ الْغَائِطِ، فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْجُبَّةِ، حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ» أَوْ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ» يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا.الشرح : قال المنذري: باب: إذا تَخَلَّفَ الإمام تقدَّم غيره. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/317) وبوب عليه النووي (4/ 144): باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام، ولم يخافوا مفسدة بالتقديم. قوله: «عن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَبُوكَ» أي كان ذلك في غزوة تبوك. قَالَ الْمُغِيرَةُ: «فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ الْغَائِطِ» أي : قضى حاجته في الغائط، وهو المكان المنخفض للاستتار. قوله: «فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ» أهريق أي: أصب. قوله: «وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَه»، وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الطهارة، ومما جاء فيه من الفوائد: حمل الإداوة – وهي وعاء صغير للماء من الجلد – مع الرجل الجليل القدر لوضوئه. وجواز الاستعانة بالغير في صب الماء في الوضوء. وغسل الكفين في أول الوضوء ثلاثا. وجواز لبس الجبة ، وجواز إخراج اليد من أسفل الثوب للوضوء إذا لم يتبين شيء من العورة. وفيه جواز المسح على الخفين. قوله: «فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى لَهُمْ»، هذا موضع الشاهد من الحديث للباب، وهو أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة تقدّم غيره، إذا لم يخافوا مفسدة بذلك، بإنكار من الإمام أو المصلين. وفيه: أن المتقدم للصلاة نيابة عن الإمام، ينبغي أن يكون أفضل القوم وأقرؤهم وأصلحهم للإمامة. وورد في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما يؤيد هذا، وأن المؤذن هو المكلف بإبلاغ الفاضل بذلك، ليقوم بالإمامة. قوله: «فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ» أي: صلى ركعة مع عبد الرحمن بن عوف، ثم أتم صلاته بركعة أخرى، وذلك أنهم كانوا في سفر. قوله: «فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ»، فيه أن المصلي إذا نابه شيء في صلاته، أو أراد أنْ يُنبه الإمام أو غيره، أو منْ يستأذن عليه، أنْ يسبح إنْ كان رجلاً، فيقول: سبحان الله، وأنْ تصفق المرأة، بأن تضرب ببطن كفها على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كف على بطن كف؛ لأنه يفعل على وجه اللهو واللعب، وهو مما ينافي الصلاة. قوله: «فَلَمَّا قَضَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ» أَوْ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ» يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا. أي: أنه صلى الله عليه وسلم صوّب فعلهم، وهو محافظتهم على إقامة الصلاة بوقتها، فقال لهم: أحسنتم، أي بفعلكم هذا. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة بوقتها، منها حديث عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ : «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. متفق عليه. وأداء الصلاة في وقتها عنوانُ الهدَى، والبراءة من النّفاق، وعلامة التوفيق، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظْ على هذه الصلوات؛ حيثُ ينادى بهنّ، فإنّ الله شرع لنبيّكم سنَنَ الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى». أخرجه مسلم (654). أما أن يتركوا الصلاة حتى يخرج وقتها ولم يصلوا، فهذا من كبائر الذنوب، إلا لعذر شرعي كالنوم والنسيان. وفي الموسوعة الفقهية (10/8): اتفق الفقهاء على تحريم تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر شرعي.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |