|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() دور الخطباء في المجتمع ظهرت في الآونة الأخيرة وجهات نظر في بعض عالمنا الإسلامي تؤيد فكرة إقامة دور للمسنين تقوم برعايتهم والعناية بهم، وجزء من هؤلاء المسنين ربما كان من الأمهات اللائي أنفقن ما أنفقن في سبيل رعاية وتربية الأولاد ذكورًا وإناثًا بقدر ما أوتين من القدرة على التربية والرعاية. ويقول البعض: إنه ليس من الضرورة أن تكون دور المسنين لأولئكم الذين رزقوا بالأولاد، وإنما هي دور ترعى هؤلاء الذين لم يبقَ لهم في المجتمع إلا اللجوء إلى مؤسسات اجتماعية يبحثون فيها عن الستر والصون، وأعلم أن هناك شيخًا ضريرًا مسنًّا تقطعت به الأسباب المادية، ولكنه كان قوي العلاقة مع الله سبحانه وتعالى فيرزقه تعالى من يقدم إليه من مكان بعيد ويحمله معه في منزله وبين أولاده ويتردد به على الأطباء والمستشفيات، ولسان حال هذا الشيخ يلهج بالدعاء لابن الحلال حتى توفاه الله، فما خسر صاحبنا شيئًا، بل لعله فاز فوزًا لا يقدر بالجهد الذي بذله في سبيل العناية بهذا الشيخ الكبير. وهذا هو منطلقنا في هذا المجتمع بخاصة وفي المجتمع المسلم عمومًا تجاه المسنين، ومنهم الأمهات، ومرة أخرى لن أعمد في هذا الحديث لأبين فضل الأم وما ورد في مقامها من آيات وأحاديث وأقوال للعلماء، فتلكم مهمة مؤكدة، فلقد درسنا في السنوات الأولى من الابتدائية: "كل ما في البيت عندي.. لا يفي أمي الجزاء".. ولا أدري هل لا تزال هذه القطعة في كتاب "المحفوظات" أم لا؟ ومرة أخرى كذلك أضع الأئمة والخطباء ورجال العلم مجالًا للحديث فيما يتعلق بموقف المجتمع عمومًا من الأم وموقف الأبناء - ذكورًا وإناثًا - منها، ولا بد من التأكيد هنا على هذا القانون العجيب في حياة الأمم الذي اختصر في عبارة جميلة: "اعمل ما شئت، كما تدين تدان"، وقد ذكره العامة بعبارة أخرى، مؤداها أن المرء إذا عمل للآخرين عملًا سيعمل له الآخرون كما هذا العمل، (ما سويت سوي بك)، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء الآخرون هم بأنفسهم مَن تلقوا المعاملة من الشخص، فالذي يعق والديه مثلًا يعقه أبناؤه، وتتردد قصص عربية وشعبية تؤيد هذا التعادل. والرجال عمومًا أكثر خوفًا من العقوق لأمهاتهم؛ نظرًا لارتباطهم بزوجاتهم، ونظرًا لما يحصل من عدم انسجام بين الأم التي تتوقع شيئًا من الانتباه الأكثر من ابنها فِلذة كبدها، وبين الزوجة التي تشعر أن أم زوجها تنافسها في حبه في كثير من الأحيان وفي كثير من المواقف، كل ذلكم يمكن أن يتطور ويصل إلى حدود غير مرغوب فيها، إن لم يكن للوازع الديني أثر في هذه العلاقة، ولم يكن للابن "الزوج" أثر في توضيح العلاقة بينه وبين والدته وبينه وبين زوجه. والأم حتمًا هي العامل المؤثر الأول في العلاقة، وتبقى مؤثرات أخرى تحدد العلاقة بين الأم وأبنائها، قد تكون علاقة الزوج بزوجته أو بأبنائه، أو بهما معًا، كما أن عامل الشباب لدى الأبناء له أثره على هذه العلاقة التي أوجبها الدين الحنيف حيال الأم حتى يتزوج الابن ويرزق بالأبناء، حينذاك يمكن أن يكون إدراكه أكثر واقعية، وقد يتجاهل البعض الآخر أن يكون هناك علاقة، ولعلنا سمعنا بما قيل من أن واجب الأم يتوقف عندما يصل الابن إلى درجة يستطيع فيها أن يعتمد على نفسه، ولنلاحظ أن هناك إيحاءً من قبل كثير من منظري علوم الاجتماع في الغرب وفي الشرق بأن ما تقوم به الأم إنما هو واجب عليها تجاه أبنائها، ولكننا قد لا نلحظ بالمقابل أي إيحاء بأن ما يجب أن يقوم به الأبناء تجاه أمهاتهم إنما هو من واجباتهم تجاه هذه الأمهات. كيف يستطيع الخطباء ورجال العلم أن يركزوا فكرة "البر" بالوالدين في المجتمع؟ هل العصر يفرض أسلوبًا آخر أو شكلًا آخر من أشكال ترسيخ فكرة البر؟ هل يكفي أن يقف الخطباء ورجال العلم من موقف الأبناء من أمهاتهم موقف المدافع؟ فيبينون فضل الأم وما يجب لها من حقوق على أبنائها مع التعرض من قريب أو بعيد للمجتمعات الأخرى التي كثرت فيها مؤسسات رعاية المسنين، فأصبح المسنون آلة أو أداة ووسيلة للرزق، بل وللتجربة، وأصبح المسنون مجالًا للإيحاء بالمنَّة عندما تربت على أكتافهم الممرضة أو الاختصاصية الاجتماعية أو تتبسط معهم مديرة الدار، إن أمثلة العقوق كثيرة جدًّا، صبغت بأصباغ مختلفة، ولكن الجوهر واحد ينصب في مفهوم العقوق، وللعقوق جزاؤه عاجلًا وآجلًا، ولعل من المطلوب تبيانه أن الحياة - المؤقتة - لا يمكن أن تصفو لشخص ما دام يمارس في حياته طرقًا تتنافى أو تتعارض مع سنة هذه الحياة ومع سنة الله في تسيير هذا الكون. ولا يريد أن يصل المرء إلى مقياس أن كثرة مؤسسات العناية بالمسنين إنما هي دليل صريح على كثرة العقوق في المجتمع، والذي يبدو أن المرء يكن أن يصل إلى هذا الافتراض وهو مطمئن، بل وربما ذهب إلى أكثر من هذا، بحيث يصل إلى مقياس أن كثرة مؤسسات العناية بالمسنين في بلاد الغرب والشرق إنما هي سبب في كثرة النوائب والنوازل التي تحل بتلك المجتمعات على مستوى الأفراد والجماعات، ولعل الخطباء ورجال العلم يستطيعون الربط بين هذا وذاك، كما استطاعوا الربط بين قلة المطر والإحجام عن دفع الزكاة، وكما استطاعوا الربط بين قدرة الخالق سبحانه وتعالى وبين النوازل الأخرى التي تحل بالعالم بالأمس واليوم وربما غدًا، بدلًا من التفسير المادي "العلمي" لهذه النوازل، وذلكم أيضًا مفهوم عام يحتاج إلى وقفة أخرى تناقش فيها فكرة "التفسير العلمي" عندما يراد به تفسيرًا ماديًّا للظواهر في مقابل التفسير الديني لها، وكأن هناك فصلًا قويًّا بين التفسير العلمي والتفسير الديني، بينما القدرة الإلهية هي الأساس المكين لكل مكتسبات الإنسان في هذا الكون، ولعقوق الوالدين أثر كبير في الوصول إلى تفسير النوازل. إن مسؤولية العلماء والخطباء لا تتوقف عند ذكر الدليل، ولكنها تتطلب من هؤلاء الذين رضُوا بحمل هذه الأمانة أن يدخلوا إلى العقول والقلوب، فيرسخوا المفاهيم الإسلامية التي شملت وتشمل كل شيء، ولهذا الهدف مقوماته التي تعين على الوصول إليه، منها: قدرة الخطيب على الإحاطة الكاملة بعلوم الدين ومستجدات الحياة، وكان الله في عون الجميع! ___________________________________________ الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الأمن الفكري.. واجب الخطباء يوسف سليمان الهاجري تتنوع معاني الأمن التي يحتاجها المجتمع، فهناك الأمن النفسي والاستقرار الأسري، وهناك ما يسمى بالأمن الغذائي وأمن الصحة الوقائي، وكذلك الأمن البيئي والزراعي؛ مما يوفر حياة سليمة من الأمراض المعدية، وعلى صعيد آخر هناك الأمن العقدي، والدعوي، والفكري، والعقلي، والعلمي، والاقتصادي، وكذلك الأمن العسكري، والسياسي. فالحاجة إلى الأمن بكافة صوره وأشكاله من أهم الحاجات الفطرية التي لا يمكن أن يكون سلوك الإنسان سويا بدونها، وكما أنه لا حياة للبدن إلاّ بإشباع حاجاته الفطرية، كذلك لا حياة ولا سرور ولا قرار ولا استقرار للقلب والنفس والروح إلا بهذا الأمن. نعمة الأمن بيد أن هذا الأمن نعمة وعد الله تعالى بها عباده الذين يعبدونه ويوحدونه ويذبون عن دينه ويحمون حماه؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، كما أن رسول الله [ حرص على بيان هذا المعنى فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله [: «من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا». قواعد الإيمان ولقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب لإرساء قواعد الإيمان الصحيح الذي يقوم على سلامة الاعتقاد والقول والعمل، ولا يكون ذلك إلا بسلامة القلب الذي هو بيت الفكر والإرادات والمشاعر وسلطان الجوارح، ولن يكون القول سليماً مرضياً ولا العمل صحيحاً مقبولاً إلاّ إذا كان القلب سالماً لله عز وجل، سليماً من الآفات والعلل ورديء الهمم والعزائم؛ قال تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم} ورسول الله [ يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». الأمن الفكري إن الأمن الفكري حالة تُشعر الفرد والمجتمع بالطمأنينة على ثقافته ومعتقداته وأعرافه ومكونات أصالته ومنظومته الفكرية المستمدة من الكتاب والسنة من أن يصيبها التشويه أو التشويش أو الاختراق أو الضبابية أو التعتيم، وإن الأمن الفكري هو السبيل الوحيد لبلوغ الأمة عزها ومجدها وإحرازها خيريتها واستخلافها وتمكينها أيما تمكين؛ فوحدة الفكر على عقيدة الإسلام تثمر وحدة الشعور بالمسؤولية والواجب، وتحيي الضمائر وتدفع إلى المعالي؛ فيتحقق للأمة سعادتها وفلاحها وعزها وكرامتها، وإذا كان الشباب هم عماد النهضة وأمل المستقبل فبالأمن الفكري نحميهم ونصونهم من الشبهات وضبابيات الأفكار المنحرفة. دور الخطيب وواجب تعزيز الأمن الفكري بالمجتمع على الجميع من علماء ودعاة وخطباء ومعلمين ومربين ومصلحين وأولياء الأمور...إلا أنني أخصص بحديثي هنا الخطيب ودوره في جانب تعزيز هذا الأمن الفكري؛ حيث يحظى الخطيب بمكانة كبيرة بين أوساط المجتمع المسلم، ويرتبط المسلمون معه كل أسبوع باستمرار ويستمعون إليه بإنصات بالغ؛ ولذلك كان لابد له من بذل جهد مضاعف في تحقيق هذا الهدف في المجتمع ولاسيما الشباب؛ فينبغي على الخطيب أن يختار بعناية فائقة موضوع خطبته وعناصرها مع كيفية توصيل هذا الموضوع إلى الناس في هذا الوقت الوجيز، ولا يغفل طريقة المعالجة بشكل صحيح؛ لكيلا يقع الناس في الفهم غير الصحيح أو الناقص. القيم الدينية كما ينبغي على الخطيب أن يحرص حرصا شديدا على غرس القيم الدينية والعقدية والفكرية والأخلاقية في نفوس الناس؛ لكي تكون لديهم مناعة ذاتية ضد أي انحراف أو لوثة تقابلهم أو تصادفهم، ولاسيما في هذا الزمن الذي انفتحت فيه وسائل الإعلام على الناس من كل صوب، ومن المهم مراعاة جميع الانحرافات من إفراط أو تفريط وغلو أو تساهل، ثم معرفة القيم التي تعالج هذه الانحرافات. ويجب أن يراعي الخطيب الظروف التي تمر بالمجتمع وتحتاج منه إلى وقفة تجاهها كالتفجيرات والأعمال التخريبية والمفسدة أو قضايا المخدرات والقتل وغيرها، فيعالجها مباشرة ولا يتأخر، ويبين للناس المنهج الصحيح في مثل هذه القضايا، مع ذكر الأدلة الصحيحة الشرعية، والخطيب الموفق هو الذي يأسر قلوب الناس بنصحه الصادق وكلماته الواضحة وأدلته القاطعة وبيانه الساطع وعلمه الواسع. أسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ ولاة أمرنا ووطننا من كل سوء ومكروه، والله يرعاكم.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم يفهم إلا بذلك محمد بن صالح العثيمين ♦ عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا))؛ رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامًا فصلا، يفهمه كل من يسمعه))؛ رواه أبو داود. قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: قال المؤلف - النووي رحمه الله تعالى-: (باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم يفهم إلا بذلك)؛ والمعنى أنه ينبغي للإنسان إذا تكلم وخاطب الناس أن يكلمهم بكلام بيِّن لا يستعجل في إلقاء الكلمات، ولا يدغم شيئًا في شيءٍ ويكون حقه الإظهار، بل يكون كلامه فصلا بينا واضحًا حتى يفهم المخاطب بدون مشقة وبدون كلفةفبعض الناس تجده في الكلام ويأكل الكلام حتى إن الإنسان يحتاج إلى أن يقول له: ماذا تقول؟ فهذا خلاف السنة، فالسنة أن يكون الكلام بينًا واضحًا، يفهمه المخاطب وليس من الواجب أن يكون خطابك باللغة الفصحى. فعليك أن تخاطب الناس بلسانهم وليكن بينًا واضحًا كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه فقوله: (حتى تفهم عنه) يدل على أنها إذا فهمت بدون تكرار فإنه لا يكررها، وهذا هو الواقع فإن الرسول عليه الصلاة والسلام نسمع عنه أحاديث كثيرة يقولها في خطبة وفي المجتمعات ولا يكرر ذلك، لكن إذا لم يفهم الإنسان بأن كان لا يعرف المعنى جيدًا فكرر عليه حتى يفهم أو كان سمعه ثقيلا لا يسمع أو كان هناك ضجة حوله لا يسمع فهنا يستحب أن تكرر حتى يفهم عنك. وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثًا؛ معناه أنه كان لا يكرر أكثر من ثلاث، يسلم مرة فإذا لم يجب سلم الثانية فإذا لم يجب سلم الثالثة فإذا لم يجب تركه. وكذلك في الاستئذان كان صلى الله عليه وسلم يستأذن ثلاثًا؛ يعني إذا جاء للإنسان يستأذن في الدخول على بيته يدق عليه الباب ثلاث مرات فإذا لم يجب انصرف، فهذه سنته عليه الصلاة والسلام أن يكرر الأمور ثلاثًا ثم ينتهي. وهل مثل ذلك إذا دق جرس الهاتف ثلاث مرات؟ يحتمل أن يكون من هذا الباب، وأنك إذا اتصلت بإنسان ودق الجرس ثلاث مرات وأنت تسمعه وهو لم يجبك، فأنت في حل إذا وضعت سماعة الهاتف ويحتمل أن يقال: إن الهاتف له حكم آخر وأنك تبقى حتى تيأس من أهل البيت لأنهم ربما لا يكونون حول الهاتف عند اتصالك، فربما يكونون في طرف المكان ويحتاجون إلى خطوات كثيرة حتى يصلوا إلى الهاتف؛ فلذلك قلنا باحتمال الأمرين. ثم ذكر المؤلف - رحمه الله - حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كلامه فصلًا؛ يعني مفصلًا، لا يدخل الحروف بعضها على بعض ولا الكلمات بعضها على بعض، حتى لو شاء العاد أن يحصيهلأحصاه من شدة تأنيه صلى الله عليه وسلم في الكلام، وهكذا ينبغي للإنسان أن لا يكون كلامه متداخلًا؛ بحيث يخفي على السامع لأن المقصود من الكلام هو إفهام المخاطب، وكلما كان أقرب إلى الإفهام كان أولى وأحسن ثم إنه ينبغي للإنسان إذا استعمل هذه الطريقة يعني إذا جعل كلامه فصلا بينًا واضحًا وكرره ثلاث مرات لمن لم يفهم، ينبغي أن يستشعر في هذا أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يحصل له بذلك الأجر وإفهام أخيه المسلم، وهكذا جميع السنن اجعل على بالك أنك متبع فيها لرسول صلى الله عليه وسلم حتى يتحقق لك الاتباع. المصدر: «شرح رياض الصالحين» (4/64-67)
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() مواصفات المقدمة الجيدة وأساليب الدخول إلى الموضوع الشيخ عبدالله محمد الطوالة الحمدُ للهِ كثيرًا كثيرًا، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا.. أمَّا بعدُ: فطالما تأملتُ الفرقَ بين افتِتاحِيَّةِ الكلامِ عندَ خطباءِ المسلمينَ وعند غيرِهِم، فإذا هيَ عندَ المسلمينَ حمدٌ وشكرٌ وثناءٌ على الله بما هو أهلهُ، مع توشِيحِيها بشيءٍ من آيات الذِّكرِ الحكيمِ، وأقوالِ سيِّدِ المرسلينِ عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ.. فهي إذن بدايةٌ ثابتةُ (الغرضِ)، متجددةٌ المعاني واللفظِ.. بينما هي عندَ غيرِ المسلمينَ بدايةٌ مُبهمةٌ وغيرُ محددةٍ، لا يدري المتكلمُ من أين يبدأُ، ولا بأيِّ شيءٍ يستفتِحُ.. ولذا فبدايةُ الكلامِ عندهم هي أصعبُ مراحِلهِ، حتى قال أحدُ خُطبائِهم المشهورين: «قبل دقيقتينِ من بِدء خطابي أُفضلُ لو أنَّني أُجلدُ على أن أبدأ، وبعد دقيقتينِ من البدءِ أُفضلُ أن أُقتلَ على أن أتوقف».. يقولُ ذلك لأنهُ يحمِلُ همًَّا خاصًا لافتتاحيَّةِ الكلامِ.. بينما الخطيبُ المسلمُ قد كُفيَ هذا الهمَّ تمامًا، بل وتحولت المقدِّمةُ عندهُ إلى نُقطةِ تميزٍ وقوةٍ، ومصدرِ اطمئنانٍ وثقةٍ، تجعلُهُ ينطلقُ بلا تردُدٍ ولا وجلٍ، خصوصًا إذا أَحسنَ إِعدادها، وبذلَ عنايةً خاصَّةً في تجهيزها.. يقول ديفيد بيبولز: «أنت مجهولٌ لمدة دقيقتين، ثمَّ سيُفَسرُ كلَّ ما ستقولهُ لاحقًا بناءً على الانطباع الذي تمَّ تكوينهُ عنك في هذه البداية».. إذن فالمقدِّمةُ الجيدةُ لها أثرٌ فعَّالٌ في جذب الانتباهِ لما بعدَها، وفي إثبات براعةِ المتكلمِ، وكسبِه لثقةِ السامعينَ منذُ البدايةِ، وجعلِهم يتفاعلونَ معهُ بشكلٍ أفضلَ.. بل هي مناطُ الحُكمِ على المتكلمِ، حيثُ أنَّ السامعَ في أول الخطبةِ مُتهيئٌ للنقدِ، مُتحفزٌ للحُكم على ما يسمع، حتى إذا ما بهرهُ الخطيبُ ببراعةِ استهلالهِ، وقوةِ بيانهِ، وكانت مُقدمتهُ مُحكَمةَ مؤثرة.. فإنَّ السامعَ حينها سيُرخِي لهُ عِنانهُ، وينجذبُ لسحرِ بيانه، ويتشوقُ لبقية الموضوع.. وبذلك يتمكَّنُ الخطيبُ من الاستمرارِ بكلِّ ثقةٍ وثباتٍ.. ولذلك فالخطيبُ اللبيبُ هو من يعرفُ للافتتاحيةِ أهميتَها الكبيرة، فيُعِدُّ لها إعدادً جيدًَا، ويبذلَ لها جُهدًا مضاعفًا.. وهذا ما لا يفعلهُ الكثيرون، بل إن البعضَ (وفقهم الله) غالبًا ما يَسْتفتحونِ خُطبَهُم بألفاظٍ مكْررَةً، يداومون عليها في كلِّ مرةٍ، حتى أصبحت مُقدِماتُهم عاديةً مألوفة، لا تُثِيرُ فُضُولًا، ولا تجذِبُ انتباهًا، بل رُبما سَببتِ مللًَا وسرحانًا.. والمقدمةُ المتكامِلةُ عادةً ما تبدأُ بالحمد والثناءِ على الله تعالى، ثمَّ شهادةُ التوحيدِ وشيءٌ من تعظيم الربِّ جلَّ وعلا، ثم الصلاةُ على رسولهِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، والترضي عن صحابتهِ الكرامِ، ثمَّ الوصيةُ بتقوى الله جلَّ وعلا، وشيءٌ من الحِكم والمواعظِ والتوجيهاتِ والرقائق، تُختتمُ بآيةٍ مُناسبةٍ.. ثم المدخلُ إلى الموضوع، وهو الجزءُ الأخيرُ من المقدمة، وغرضهُ الأساس التشويقُ واثارةُ الفضولِ وجذبُ الانتباهِ للموضوع.. وله أساليبَ متنوعةٍ، من أشهرها ما يلي: 1) أسلوبُ اللغز: وهو أن يبدأ الخطيب حديثهُ عن أمرٍ مُبهمٍ غامِضٍ كاللغزِ، يثيرُ الفضولَ وحبَّ الاستطلاع، ويجذبُ الانتباه.. مثاله: عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ ورَقُهَا، وهي مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي ما هي؟ فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ البَادِيَةِ، ووَقَعَ في نَفْسِي أنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عبدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أخْبِرْنَا بهَا؟ فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هي النَّخْلَةُ.. الخ الحديث.. مثال آخر: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إن عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ.. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ.. 2) أسلوبُ العنوانِ الغامِض: وهو قريبٌ من الأسلوبِ الأولِ، وهو أن يقدمَ الخطيبُ لموضوعة بعنوانٍ غامضٍ مبهمٍ، يحارُ السامعُ في تفسيرهِ، ويتطلعُ لمعرفته، ثم يبدأُ هو في توضيح الحقيقةِ شيئًا فشيئًا.. مثالهُ: وبعد: فحديثنا اليوم عن القاتل رقم واحد.. إنه القاتلُ الأكثرُ ضحايًا على مستوى العالم ِكُلهِ، بل على مستوى التاريخِ اجمع.. لستُ أعني الحروبَ، فالحروبُ وإن فتكت بملايين البشرِ فليست هي القاتل رقم واحد.. ولست أعني الأمراضَ، فالأمراضُ على كثرةِ ضحاياها، فليست هي القاتل رقم واحد.. ولست أعني الحوادثَ، فحوادثُ السياراتِ والطائراتِ وجميعِ وسائلِ المواصلاتِ، ليست هي القاتل رقم واحد.. ولستُ أعني الجوعَ والفقرَ، ولستُ أعني الحرائقَ وحوادثَ البيوتِ، ولستُ أعنى الزلازلَ والبراكينَ، وجميعَ الكوارثِ الطبيعيةِ، فكلُ ذلك ليس هو القاتل رقم واحد.. أتدرونَ من هو القاتل رقم واحد على مستوى العالم كُلهِ: إنَّهُ التدخينُ يا عباد الله.. 3) أسلوبُ الأوصافِ العامةِ: وهو قريبٌ من الاسلوبين السابقينِ أيضًا، وهو أن يبدأَ الخطيبُ كلامهُ بتقديم أوصافٍ عامةً عما سيتحدثُ عنه، لدرجةٍ يحارُ معها السامِعُ في تحديدِ الموضوعِ بدقةٍ، حتى يكونَ الخطيبُ هو الذي يُفصِحُ عن ذلك، وفي هذا من جذبِ الانتباهِ، وشدّ المتابعينَ ما فيه.. مثالهُ: حديثنا اليوم عن خُلقٍ عظيمٍ من أخلاقِ الإسلامِ الراقيةِ؛ وصِفةٍ عظيمةٍ جامِعةٍ لمكارِم الأخلاقِ، ضابطةٍ لحسنِ السّلوكِ.. خلُقٌ جميلٌ، فيه سَلامةُ العِرضِ، وراحةُ الجسَدِ، واجتلابُ المحامدِ.. صفةٌ كريمةٌ، تدلُ على أصالةِ النفسِ، وطيبِ المعدنِ، وحُسنِ التربيةِ.. صِفةٌ طالما تحدَّثَ الناسُ عنها، ومدحوها واستحسنوها، ولكنّها السلوكُ الغائبُ، والخلُقُ المفقودُ لدى الكثيرين.. خُلقٌ يحبه الله ورسوله، ويقولُ عنه المصطفى ﷺ: "مَا كَانَ في شيءٍ إلا زَانَه، وَمَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلا شَانَه".. أظنكم عرفتموه.. إنه الرّفقُ يا عباد الله.. 4) أسلوبُ طرحِ الأسئلةِ: من الافتتاحياتِ المميزةِ والجذابةِ، أن يبدأَ الخطيبُ حديثهُ بطرح سؤالٍ أو أكثر لاستدراجِ الجمهورِ إلى التفكيرِ في كنهِ موضوعهِ، وشدِّ انتباهِهم لمتابعتِه للإجابةِ على تلك الأسئلةِ، حتى وإن كانت إجاباتُ تلك الأسئلةِ معروفةً عند الكثيرين.. والسنةُ النبويةُ مليئةٌ بالأمثلةِ على هذه الافتتاحياتِ الجذابةِ.. أتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ.. أتدرونَ ما أكثرُ ما يُدخلُ النَّاسَ النارَ؟ قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلم، قال: فإنّ أكثرَ ما يُدخلُ النَّاسَ النارَ الأجوفانِ: الفرجُ والفمُ، أتدرونَ ما أكثرُ ما يُدخلُ الناسَ الجنّةَ؟ قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلمُ، قال: فإن أكثرَ ما يُدخلُ الناسَ الجنةَ تَقْوى اللهِ وحُسْنُ الخلقِ. أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ. 5) أسلوبً القصةِ المثيرةِ: الكلُّ يُحبُ سماعَ القصصِ ويتابعُ أحداثها بتلهُفٍ وشغفٍ، ولذا فلو بدأ الخطيبُ حديثهُ بقصةٍ مُشوقةٍ، تكونُ كالمدخلِ لما يُريدُ الحديثَ عنهُ، فسيضمنُ انجذابَ المتابعينَ لهُ وتفاعُلِهم معهُ.. اليكم المثال التالي: معاشر الإخوة الكرام: في غرفةٍ رثةٍ مُتهالِكة، ليس لها سقفٌ، وإن كان لها ما يشبهُ الباب، عاشت أرملةٌ فقيرةٌ مع طفلِها الصغير.. وفي ليلةٍ شتويةٍ مُلبدةٍ بالغيوم، هطلَت أمطارٌ غزيرةٌ، لا عهدَ لهم بمثلِها.. نظرَ الطفلُ إلى أُمهِ نظرةً حائِرةً، فقد تبللت ثيابُهُ وأخذَ ينتفِضُ كالعصفور العاجزِ.. أسرعت الأمُ إلى بابِ الغرفةِ فخلعتهُ، ثم وضعتهُ بشكلٍ مائلٍ على أحدِ الجدرانِ، واسرعت تختبئُ تحتهُ هي وطفلِها الصغيرِ.. وعندما ذهبت روعةُ الموقفِ، نظرَ الطفلُ إلى أمهُ وعلى محياهُ ضِحكةٌ صافيةٌ، وقال يا أمـاه: الحمدُ للهِ أنَّ عندنا باب.. تُرى ماذا سيفعلُ الفقراءُ الذين ليس عندهم باب، إذا نزل عليهم مثل هذا المطرِ الغزير.. أيها الأحبة الكرامُ: حدثنا اليومَ عن الرضا.... 6) أسلوبُ ضربِ الأمثالِ: ضربُ الأمثالِ ايضًا يثيرُ الأذهانَ، ويزيدُ من تفاعلِ المستمعين.. انظر إلى هذا المثالِ النبويِ الكريمِ: إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً.. وكذلك قوله عليه الصلاةُ والسلامُ: "أرأيتُم لو أنَّ نهرًا ببابِ أحدِكم، يغتسلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ، هل يبقى من درَنهِ شيءٌ. قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيءٌ. قال: فكذلك مثلُ الصلواتِ الخمسِ، يمحو اللهُ بهنَّ الخطايا".. 7) أسلوبُ (الإجمالِ قبل التفصيل): من المقدمات الناجحة أن يقدمَ المتحدثُ لمستمعيهِ عرضًا مُجملًا لعناصر الموضوع، فيه من الغموض ما فيه، ثم يشرعُ في التفاصيل، فتكون المقدمة تهيئةً وتحفيزًا لأذهان المستمعين، وإثارةً لفضولهم.. مثالهُ من القرآن الكريم: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.. ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾..
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() فن اختيار الوقت في الموعظة يُشكِّل اختيارُ الوقت ومناسبته للحال عاملاً مهمًّا في نجاح الواعِظ في دروسه مِن نواحٍ عدَّة، منها: 1- اختيار الوقت المناسِب للوعْظ والإرشاد، فليس كلُّ وقت يصلح لوعْظ الناس وإرشادهم. 2- ومِن ناحية الموضوع ومناسبته للحال، فليس كلُّ ما يُعلم يُقال، ولا كلُّ ما يُقال يناسِب الحال. 3- ومِن ناحية استعداد المدعُوِّين نفسيًّا لسماع ما يُلقَى عليهم مِن دروسٍ ومواعظَ، لا بدَّ مِن مراعاة ذلك، مِن خلال التفرُّس في وجوه مَن يَحضُرون الدرس. ولهذا سنبيِّن - أولاً - منهجَ الرسول الداعي الأوَّل - صلَّى الله عليه وسلَّم - في استغلاله لعامِل الوقْت في الدعْوة إلى الله في مناسبات عِدَّة، تتعلَّق بمعاش العِباد، وأمور حياتهم ومعادهم، وما كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتَّبعه مِن أساليبَ في إيصال الحقِّ إلى الناس، ثم نبيِّن ما على الداعي إلى الحقِّ من أساليبَ ناجحة، تُمكِّنه من أن يؤثِّر فيمن يدعوهم ويعلِّمهم، ومِن الله التوفيق والسداد. منهج الرسول في اختياره للوقت في الدعوة: ويكمن ذلك المنهج السديد في نِقاط عدَّة، منها: 1- عدم إطالة الموعِظة؛ خشيةَ الملل والسآمة: وهو ممَّا كان يحرِص عليه الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "إَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانَ يَتخَوَّلُنا بالموْعِظَةِ في الأيَّامِ؛ كراهِيَةَ السَّآمةِ عليْنا"[1]، ولم يكن مِن هديه إعطاءُ دروسٍ في جميع الأيام؛ ذلك لأنَّ دعوته تأخذ أشكالاً مختلفة، تارةً بالقول، وأخْرى بالسلوك والقُدوة الحسنة. 2- استغلال الحَدَث والموقِف في التعليم والتربية: فقد جاء في الحديثِ عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه قال: "خرجْنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهَيْنا إلى القبر، فجلَس رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجلسْنا حوله، كأنَّ على رؤوسنا الطيرَ، وفي يدِه عُودٌ ينكت به في الأرض، فرفَع رأسه فقال: «استعيذوا بالله مِن عذاب القبر..»[2]، والموعظة عندَ القبر كان يفعلُها - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحيانًا. وجاء في حديث قدوم تجَّار البحرين، حيث رأى مِن حرْصهم، فاستغلَّ الموقف في توجيه نصيحةٍ تربوية انطوتْ على تحذيرٍ من فِتنة الدنيا، وتبشير للأمَّة بالرخاء المادي، فقال: «فأبشِروا وأمِّلوا ما يَسرُّكم، فواللهِ لا الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَطَ عليكم الدنيا، كما بُسطِت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أَهْلكتهم»[3]. 3- إطالة الموعظة أحيانًا لطارئٍ أو حادثٍ مهم: وممَّا يدلُّ على ذلك موعظتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أمور جِسام ستَقع في الأمَّة، حتى طالتْ موعظتُه فوقَ العادة، ففي صحيح مسلم عن عمرِو بن أخطبَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: "صلَّى بنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الفجرَ، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاة الظهر، ثم نزَل فصلَّى بنا الظهر، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاةِ العصر، ثم نزَل فصلَّى العصر، ثم صعِد المنبر فخطبَنا حتى المغرب، فما ترَك شيئًا مما يكون إلاَّ أخْبر به أصحابَه، حفِظَه مَن حفِظه، ونسِيَه مَن نسيه، يقول: فأعْلَمُنا أحفَظُنا"[4]. 4- تحيُّن الموعظة عندَ إقبال السامِع وفراغِه ونشاطه، وتَرْكها عند انشغالهم، فهو أدْعَى إلى القَبول: ومِن ذلك: أمرُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدعوين بالانصراف إلى أهلِهم؛ لما رأى من تشوُّقهم إليهم؛ فعن أبي سليمان مالكِ بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: "أتَيْنا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونحن شبَبَةٌ متقاربون، فأقمْنا عندَه عشرين ليلة، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رحيمًا رفيقًا، فظنَّ أنَّا قد اشتقْنا أهلنا؛ فسَألْنا عمَّن تركْنا من أهلنا، فأخبرْناه، فقال: «ارْجعوا إلى أهلكم، فأقيموا فيهم، وعلِّموهم وبرُّوهم، وَصَلُّوا كذا في حين كذا، وصلُّوا كذا في حين كذا؛ فإذا حضرتِ الصلاة فليؤذِّن فيكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم»[5] 5- مناسبة المقال لمقتضَى الحال: فقد كانت مواعِظُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - واختياره الأمثل لمقتضَى الحال، مما له أبلغُ الأثر في المدعوِّين في حالة الفَرَح أو الحزن وغيرها مِن الأحوال في عامَّة مواعظِه وإرْشاده - صلَّى الله عليه وسلَّم. 6- توجيه الأنظار للتدبُّر والتفكُّر: كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغلُّ عامِل الوقت والزمن؛ لأجْل صرْف العقول للتدبُّر في خلْق الله، وعجائب قدرته، مثْل وقت كسوف الشمس، وخسوف القمر وهبوب الرِّياح، فقد قال عندما وقَع الكسوف: «إنَّ الشمس والقمر آيتان مِن آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يُخوِّف بها عباده»[6]. 7- أوقات إقبال القلْب على ربِّه أدْعى لقَبول النُّصح والإرشاد، خاصَّة بعد صلاة الفجْر، وفي الحديث عن أبي نَجيح العِرْباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - موعظةً بليغة، وجلتْ منها القلوب، وذرفَتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ الله، كأنَّها موعظة مودِّع، فأوصِنا، قال: «أُوصيكم بتقوى الله، والسَّمْع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشي، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمور، فإنَّ كل بدعة ضلالة»[7]، وكان ذلك بعدَ صلاة الفجْر، وهو وقتٌ تكون فيه النفوس بعيدةً عن الشواغِل والملهيات. 8- الترغيب في العمل الصالِح في أوقات ومناسَبات معروفة؛ مثل: صيام يوم عاشوراء ورمضان، وشوَّال وذي الحجَّة، وصلاة الاستسقاء، وما يناسِب تلك الحال مِن موعظة وإرشاد. 9- الحثّ على التوبة في وقْت الاحتضار: وهي لحظةُ انتقال الإنسان إلى عالَم جديد، يتقرَّر فيه مصيرُه؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمَرِض، فأتاه يعوده، فقعَد عند رأسه، فقال له: «أسْلِم»، فنَظَر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يقول: «الحمد لله الذي أنْقذَه مِن النار»[8]. لقد حقَّقت دعوة الرسول الكريم انقلابًا عجيبًا في كيان الإنسان، بفضْل ما كان يمتلكه من وسائلَ فعَّالة ناجحة في الدعْوة إلى الله، فقد تحوَّل ذلك الإنسانُ مِن محبٍّ عاشِق للدنيا يموت ويحَيا مِن أجلها، لا يُفكِّر أبعد مِن شهوته وبطنه، إلى إنسانٍ يفكِّر ويجول نظره في الكون الفسيح، إلى ما وراء ذلك مِن الشوق إلى نعيمِ الآخِرة ولذَّتها، يحمل هَمَّ الدعوة والجهاد في سبيل الله، وإخراج مَن حوْله مِن البشر مِن ظُلم العباد إلى عدْل الإسلام ومساواته، ومِن عبادة الحجَرِ والبشر إلى عبادة الديَّان الذي لا يموت. وما في قصص الصحابة الأوائل مما عجَز التاريخُ عن تفسيره، إلا بفِعْل الإيمان والتربية الحقَّة التي تلقَّوْها من المربِّي الأول، والمعلِّم الكريم محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم. ما ينبغي على الداعي مراعاته: ينبغي على الداعي أن يُراعيَ عامِلَ الوقت؛ حتى يكونَ ناجحًا في مواعظه، وإلا ملَّتْه النفوسُ، وسَئِمت مِن سماعه، ومن ذلك: أولاً: ليس كلُّ وقت يصلُح لوعْظ الناس وإرشادهم، فليس مِن الحِكمة - مثلاً - موعظةُ الناس بعْد صلاة الظهر، وهو وقتُ انشغال الناس بأعمالهم وأمور معاشِهم، أو وقت انصرافِ الناس إلى نومِهم وراحتهم في اللَّيْل، وهو مِن أخطاء بعض الوعَّاظ، يُريد أن يُلْقي مواعظَه دون إعطاء أهميَّة لحالِ مَن يدعوهم، وكأنَّه لا يخاطِب بشَرًا، لهم مشاعِرُ وأحاسيس. ثانيًا: مناسبة الموعظة للحال، والبعض منهم يُلقي دروسًا في الصبر على البلاء، والفِتن الواقعة في الأمَّة، وتحمُّل المصائب والنكبات في يومِ فرَح الناس وأعراسهم، حتى يُحوِّل الفرح إلى عزاء ومصيبة، ومِن الحكمة استغلالُ تلك المناسبة في موعِظة عن الشُّكر، وبيان هَدْي الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأعراس والمناسبات. ثالثًا: على الداعي أن يتفرَّسَ في وجوه الحاضرين، ومدَى استعدادهم لتلقِّي ما يُقال لهم، فالموعظةُ الغرضُ منها هو أن يستفيدَ الحاضرون، والبعضُ من الوعَّاظ يرى تملْمُلَ الناس من درْسه وترْكهم لمجلسه، ومع ذلك تراه يستمرُّ في درسه ووعْظه، ويطيل الكلام ويُكرِّر الموعظة، وكأنه يطلب إعادةَ الثقة به، وهذا له نتائجُ عكسية تمامًا، وقد كان مِن هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه يُحدِّث بالحديث لو عدَّه العادُّ لأحصاه؛ لذا فمِن الحكمة قطعُ الموعظة إن لم يكن فيها مرغِّب أو مشوق آخر. رابعًا: عدم توفُّر الوقت الملائم لإلْقاء الموعظة، وليس مِن الضروري إلْقاء الموعظة وكأنَّها حِمْل على كاهله يريد التخلُّص منه، بل الموعظة دُررٌ وفوائدُ أثمنُ مِن المال، لا بدَّ من تحيُّنِ فرصة مناسبة؛ ليُنتفعَ منها، وتقعَ موقعها في النفوس، فتدعوهم للعمل الصالح، وترْك ما أَلِفوه من المنكرات، ويحصُل ذلك عندما يتهيَّأ الداعي إلى إلْقاء موعظته، فيحدُث أمرٌ مفاجئ؛ لذا عليه أن يدَّخِر الموعظة لوقتٍ مناسب آخر. خامسًا: خيرُ الكلام ما قلَّ ودلَّ: إنَّ إطالة المواعِظ لتتعدَّى أحيانًا ساعة وأكثر، هي مشكلةُ بعض الوعَّاظ، وليعلمْ هؤلاء أنَّ طاقة ذهْن الإنسان محدودةٌ لا يمكن في العادة أن تتابعَ الكلام بتركيز وانتباه لأكثرَ مِن رُبع ساعة، وبعدَها يُصاب الذِّهن بالشرود والتعب؛ ولهذا مِن الأفْضل على الواعظ أن يتَّخذ بعضَ التدابير، مثل: تدوين رؤوس الدرس والخطوط العامَّة منه في ورقة صغيرة؛ لئلاَّ يتحرَّج فيخلط في الكلام، أو يستطرد في أمْر لا علاقة له بصُلب الموضوع، كما يُشاهَد على بعض القنوات الفضائية مِن مواعظَ تتجاوز مدتها الزمنية السَّاعة والساعتين. ومِن الأخطاء أيضًا في هذا الجانب أنَّ بعض الوعَّاظ يضع له مواعظَ مُقسَّمة على الأيام والشهور، وكأنَّها قوالِب لوضع المستمعين والمدعوين فيها، وهو خطأٌ منهجي في الدعوة، والمنهجُ السليم أن تكون الموعظةُ مما يتلاءَم مع حال المدعوين، فينظر الداعي أيَّ مرَض أو آفة اجتماعية تغلُب على قومِه أو مجتمعه، فيتحدَّث فيها، ويُحذِّر منها، وقد قيل في تعريف الحِكمة هي: فِعْل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.[9] إلقاء الدرس قبْلَ وبعْد صلاة الجمعة: سُئِل عن ذلك فضيلةُ العلاَّمة الألْباني، فأجاب - رحمه الله تعالى -: "الذي نعتقِده ونَدين الله به أنَّ هذه العادة التي سَرَت في بعض البلاد العربية، وهي: أن ينتصبَ أحدُ المدرِّسين أو الخُطباء ليلقيَ درسًا، أو كلمةً، أو موعظةً، قبل أذان الجمعة بنِصْف ساعة أو ساعة من الزَّمان، هذا لم يكن مِن عمل السلف الصالح - رضي الله عنهم - هذا مِن جهة. ومِن جهة أخرى، فمن المعلوم لدَى علماء المسلمين قاطبةً أنَّ هناك أحاديثَ صحيحةً تأمُر المسلمين بالتبكير للحضور إلى المسْجد الجامع يومَ الجمعة، كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام -: «مَن راح في الساعة الأولى فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قَرَّب بقَرةً...، وهكذا حتى ذكَر الكبش والدجاجة والبيضة»، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ حَضَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المسلمين على التبكير في الرواح يومَ الجمعة إلى المسجد الجامع ليس هو لسماعِ الدَّرْس وإلْقائه، وإنَّما هو للتفرُّغِ في هذا اليوم لعبادة الله - عزَّ وجلَّ - ولذِكْـره، وتلاوة كتابه، وبخاصَّة منه سورة الكـهف، والجلوس للصـلاة على النبـيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحقيقًا لقوله في الحديث الصحيح، والمروي في السُّنن وغيرها ألاَ وهو قوله - عليه السلام -: «أكْثِروا عليَّ مِن الصلاة يومَ الجمعة؛ فإنَّ صلاتَكم تبلُغني»، قالوا: كيف ذلك وقد أَرِمْت؟! قال: «إنَّ الله حَرَّم على الأرض أن تأكلَ أجساد الأنبياء.....». أما بعْدَ الصلاة، فقد قال - رحمه الله تعالى -: "إنْ كان أحدٌ يريد أن يُدرِّس فبعْدَ الصلاة؛ حيث يتفرَّغ الناس لسماع مَن شاء منهم، ومَن شاء القضاء، أمَّا أن ينتصبَ المدرس قبلَ صلاة الجمعة فيَفْرِض نفسه على الناس فرضًا، وفيهم المصلِّي والتالي والذاكر، فهذا هو الإيذاءُ للمؤمنين، فلا يجوز"[10]. أمثلة على ما مَرَّ: الأمثلة في هذا الباب كثيرة، وعلى الداعي أنْ يتعود تدبر سيرة المصطفى والأحوال والظروف التي مر بها[11]، وهديه في موعظة الناس وإرشادهم؛ ليكون على بصيرة من دعوته. ثم الاستفادة من تجارب الآخرين؛ ليضيف إلى رصيده في الدعوة إلى الله، وهذه أمثلة عامة تناسب أحوال عامة: 1- في بداية شهر رمضان يناسب إلقاء موعظة عن أحكام الشهر الفضيل، وما يَجوز وما ينبغي تجنبه، وفي شهر ذي الحجة ما يتعلق بأحكام الحج وأركانه، والترغيب فيه، وفي ليلة العيد - الأضحى والفطر - ما ينبغي فعله للمسلم من سنن وأعمال صالحة من صِلَةِ رحم وغير ذلك، مع تقديم الدروس مقرونة بالترغيب والترهيب، وفي ليلة الجمعة ما ينبغي على المسلم عمله للحصول على أجر وثواب الجمعة. 2- يناسب في أيام الأفراح والأعراس التحدُّث عن الترغيب في الزواج، وبيان فضائله، وشكر نعمة الله على نعمة العِفَّة والإحصان، وفضل إدخال السُّرور على قلب المسلم، والصلح بين الإخوان. 3- في يوم العزاء وفَقْد الأحبة الحث على الصبر، وتحمُّل المصائب، وثواب الصابرين، وما يترتب عليه من أجر وأهمية الإيمان بالقدر والقضاء، وأن الموت يَجري على كل نفس، وبيان عظم الجزاء للصابرين، والحذر من الجزع والتسخط، وأنَّه لا يأتي بنتيجة، بل يستوجب غضب الله ومقته، وبيان أهمية مواساة المسلم في المصيبة. 4- في وقت حدوث نزاع أو قتال أهمية الصلح بين المسلمين، وأنَّه أفضل درجة من الصيام والقيام، وأن الساعي إليه من أفضل عباد الله، وأن المسلمين إخوة متحابون، وأن الساعي للفتنة من شر عباد الله، وخاصَّة الفتنة بين الزوجين والأحبة، والتفريق بينهما، وأنه من أقرب الناس للشيطان. 5- في وقت احتلال بلاد الإسلام، وانتهاك دياره وحرماته، وسلب خيراته - الحث على الجهاد - النفس والعدو - وأنَّه عز المسلمين وسبب لنصرهم، وأنَّ التخاذُل يوجب تسلط الأعداء، والواجب على كل مسلم إعانة المجاهدين، ولو بالكلمة، وأن من لم يحدث بالغزو مات ميتة جاهلية، ويتم ذلك وَفْقَ مشورة أهل العلم والرأي الصائب؛ كي تؤتي ثمارها. 6- في وقت انشغال الناس بالدنيا وملذاتها، وغفلتهم عن معاني الآخرة وأهوالها، والاستعداد لها - التذكير بأحوال الموتى، وما يلاقيه كل من المؤمن والكافر من نعيم أو عذاب في القبر، وربطه بمعاني التوحيد والعقيدة الإسلامية، وما بعد الموت من نعيم مقيم أو عذاب أليم، والحساب على الصغيرة والكبيرة وَفْقَ ميزانٍ دقيق لا يظلم فيه أحد من عباد الله، والاستشهاد الجيد بالآيات، والأحاديث، والتنوع ما بين حديث وآية وشعر، وقول مأثور، وحكمة جليلة. 7- في وقت وقوع الزلازل والكوارث، ووقوع القتل والفتن، وتكالب الأعداء - الحث على الاعتصام بحبل الله والتوبة، والخروج من المظالم، والتضرع إلى الله، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ما يقع هو بسبب ذنوب بني آدم وفسادهم، والواجب على كل مسلم التوبة والرُّجوع وعدم التسويف، بل المبادرة والإقلاع عن المعاصي. 8- في وقت الحاجة والفقر، وانتشار العوز في بلاد الإسلام - الحث على الإنفاق في سبيل الله، وأنَّ المال هو وديعة بيد المسلم، وأنَّ الواجب تقديمُ الدعم المادي لإخوة الإسلام في أيِّ مكان مهما اختلفت أشكالُهم وألوانهم، وكذا في وقت نشر الأفكار الهدَّامة ودعمها من قبل المؤسسات الغربية، وغيرها، الواجب تذكير الأمة بأهمية التصدي للباطل، إما بالكلمة أو بالمال؛ لئلا يستشري الباطل، وتضل الأمة عن الطريق القويم، وأنَّ من لم يقم بواجبه فلا يَلومَنَّ إلا نفسه. 9- في وقت خروج الفئات الباغية على شرع الله، ومنازعة أولي الأمر، وقيامهم بأعمال تضر بالمجتمع المسلم من قتل للأبرياء، وسَفْكٍ للدماء - الواجب التحذير منهم ومن أفعالهم، وبيان ما يعتقدونه من أفكار باطلة، وأنه الواجب طاعة أولي الأمر؛ لئلا ينفلت وتكون فوضى في بلاد الإسلام؛ مما يوجب العبث، وتسلُّط الكفرة على ديار المسلمين، ومثله التصدي لأفكار من ينتسب إلى الإسلام في الظاهر وهو يُخالفه في الاعتقاد كالرافضة، فالواجب بيان عقائدهم وضلالهم، وأنَّهم يستعملون التقيَّة في نشر الباطل، فالواجب الاعتصام بين المسلمين، والتصدي لترويج باطلهم وإفكهم. 10- في وقت يرى فيه الداعية أنَّ المسلمين قد هجروا كتاب ربهم، وتدبر آياته، والعمل به - لا بُدَّ من بيان فضل تلاوته، وأنَّه حبل الله المتين، ونجاة المسلم في الدنيا والآخرة، وأنَّه يشفع لقارئه، وأنَّ هجرانه يعني ظلام القلوب والبيوت، والبُعد عن رحمة الله، وبيان فضائله من الآيات والأحاديث، وهذا مِمَّا ينبغي التذكير به في كل مناسبة. جامع ينبغي التذكير به دومًا: ينبغي ربط كل موعظة وإرشاد بالأصل العظيم، وهو طاعة الله وطاعة رسوله، وأن نجاة المسلمين وسعادتهم في كل زمان ومكان تكمُن في تحقيق هذين الأمرين، وأي موعظة تخلو من التذكير بهذا الأصل القويم سيكون تأثيرها مؤقتًا، وتصل الموعظة إلى القلوب هامدة ميتة؛ ولهذا ينبغي التذكير بالهدف والغاية التي خلق من أجلها الخلق، ألاَ وهي عبادة الله وحدَه لا شريك له والعمل على مرضاته، وطاعة رسوله الكريم، والتطلع إلى ما عند الملك الكريم من الجزاء العاجل في الدنيا من الاطمئنان، والسعادة الحَقَّة وفي الأجل من الفوز بنعيم الجنة، وما أعَدَّ الله لأهلها من الكرامة والنعيم المقيم، وقد أخبر الله أنَّ أهلَ طاعة الله وطاعة الرسول هُم من أهل الرحمة؛ قال - تعالى -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]، وفي الدار الآخرة أخبر بما أعده للمؤمنين والمؤمنات من الخيرات، والنعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، فقال - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72]. وصَلَّى الله على محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين. ـــــــــــــــ [1] "صحيح البخاري"، (يتخول): يتعاهد، (السآمة): الملل والضجر. [2] أخرجه أبو داود وغيره مطوَّلاً ومختصرًا من حديث البراء - رضي الله عنه. وللأخ بلقسام عبدالدائم بحثٌ حول الموعظة عند القبر، وقد خلص إلى ما أشرْنا إليه، تجده على موقِع أهل الحديث. [3] حديث صحيح أخرجه الشيخان. [4] رواه مسلم ح (2892). [5] أخرجه البخاري (5661). [6] متفق عليه. [7] العرباض بن سارية في سنن الترمذي - رقم (2676)، وهو حسن صحيح. [8] الحديث رواه البخاري في صحيحه، وفي رواية للبيهقي: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)). [9] مدارج السالكين (2/479). [10] من كتاب "الأنباء بأخطاء الخطباء" (ص: 60 - 78) بقلم سعود بن ملوح سلطان العنزي، قدَّم له الشيخ سُلَيم بن عيد الهلالي. [11] كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد"، لابن القيم، وكتاب "الرحيق المختوم" بحث في السيرة النبوية من أفضل الكتب التي تفيد الواعظ، وتجعله مهتديًا مقتديًا بسنة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم. __________________________________________________ ____ الكاتب: مرشد الحيالي
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() نصائح مهمة لتحسين الأسلوب الكتابي والخطابي الشيخ عبدالله محمد الطوالة الحمد لله كثيرًا، والصلاة والسلام على المبعوث بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا؛ أما بعد: فإن الكتابةَ هي فنُّ صياغةِ الأفكارِ في قالبٍ أدبيٍّ مُقنعٍ ومُمتع.. ويمكنُ تعريفُها على أنها: سلسلةٌ من الإجراءات والمراحلِ التي يتمُّ تنفِيذها لإنتاج نصٍّ أو مقالٍ يُلبي أهدافَ الكاتبِ ويحقِّقُ تطلعاته، ولتحقيق ذلك لا بدَّ للكاتب أن يمتلك مجموعةٍ من المهارات الخاصةِ بمجال الكتابة.. والمهاراتِ عمومًا أشبهُ بعضلات الجسم، تتحسنُ وتتطورُ كثيرًا إذا ما دُربت بشكلٍ صحيح. وفيما يلي مجموعةٌ من النَّصائح المُهمَّة في هذا المجال: 1- بدايةً فإنَّ مِشوارَ الكتابةِ طويلٌ، ويحتاجُ إلى الكثير من التَّدريب والممارسةِ، ولفتراتٍ طويلةٍ؛ فلا بدَّ من التَّحلِّي بالصبر والمجاهدةِ. أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ![]() ومُدمِنُ القرعِ للأبواب أن يلجا ![]() 2- تذكر أنَّ الأمورَ في بدايتها عادةً ما تكونُ صعبةً بعض الشيءِ، لكنها مع مرورِ الوقتِ تصبِحُ أسهلَ وأسهل. وتذكر أنَّ كل من جدَّ وجد، ومن ثبتَ نبت، ومن صبرَ ظفر، وأنَّ كلَّ من سارَ على الدربِ وصل. 3- النَّجاحُ في أي فنٍّ يرتكزُ على أمرين: (معلومات) لا بدَّ من تعلُّمِها وفهمِها، و(مهارات) لا بدَّ من التَّدرُّب الجادِّ والمنظَّم عليها. وكلَّما ازدادَ الكاتبُ أو الخطيبُ اطلاعًا وثقافةً، واجتهدَ في المران والتَّدرُّبِ على مهارات الصِّياغةِ والبلاغةِ، انعكسَ ذلك على موهبته فارتقت، وعلى بلاغته فتحسنت، وعلى سلوبه فتطور. 4- اصنع لنفسك جوًا خاصًا يُساعدك على الابداع في الكتابة؛ هيئ مكانًا خاصًا للكتابة، واحرص أن يكونَ مكانًا هادئًا مُريحًا للجسم والنَّفسِ، جيدَ الإضاءةِ والتَّهويةِ، خاليًا من عوامِلِ التَّشتُتِ وصرف التركيز.. واختر لنفسك أنسبَ الأوقات، حيثُ يكون الجسمُ نشيطًا، والذهنُ صافيًا، والشواغلُ قليلة. 5- أسس (عادةٍ يوميةٍ ثابتة) لممارسة مهارات (القراءة، الكتابة، الالقاء)، فهذا من أقوى الأساليب لتحقيق النجاحِ والتَّميز.. وحقيقةً لو أصبحَ عندك عادةٌ ثابتةٌ تمارسُ من خلالها هذه المهاراتِ، فقد قطعتَ بالفعل أكثرَ من نصف الطريق، وليس شرطًا أن تكتبَ كثيرًا، المهمُّ ألا تتوقفَ عن الكتابة؛ على سبيل المثال: أن تكتبَ كُلَّ يومٍ لمدة نصفِ ساعةٍ، هذا أفضلُ بكثير من أن تكتبَ لمدة 5 ساعاتٍ مرةً في الأسبوع.. فالقيامُ بأعمالٍ صغيرةٍ تتكررُ بشكلٍ مُستمرٍ (عادة) يؤدي إلى تراكُم النتائجِ بشكلٍ أفضل.. فإنَّما السيلُ اجتماعَ النُّقط. 6- إذا كانت أفضلَ طريقةٌ لتعلم السباحةِ هي أن تُلقى بنفسك وسطَ الماءِ وتسبح.. فقد يكونُ الأمرُ شبيهًا لمن يتعلمُ مهاراتِ الكتابةِ والخطابة.. فاكتسابُ الفصاحةِ والبلاغةِ وتحسينِ الأسلوبِ الكتابي إنما يكونُ بالتعلُّم والتَّكلُّفِ والممارسةِ العمليةِ لأساليبه وفنونهِ. وقد قالوا - عن أحد الشعراء المميزين -: ما زالَ يهذي حتى قالَ شعرًا. وقالوا في إتقان التَّجويد: وليسَ بين أخذهِ وتركهِ إلا رياضةُ أمرئٍ بفكه. 7- الكُتّابُ الجيّدون هم أيضًا قرّاءٌ جيّدون، والقراءةُ الكثيرةُ والمستمرةُ والمتنوعةُ، هي أهمُّ وأكبرُ نصيحةٍ أجمَعَ عليها خُبراءُ الكتابةِ؛ فعوِّد نفسك على القراءة بشكلٍ يومي، ووسِّع آفاقك من خلال القراءةِ المتنوعةِ، واطَّلع على مُختلفِ الأساليبِ الأدبية، سواءً تلك التي تُعجِبك، أو التي لا تُعجِبك، فذلك سيعملُ على تحفيز عقلِك لاستقبال مُختلفِ الكلماتِ الجديدة وبناءِ قاموسٍ لُغويٍ ثريٍ وقوي، مع ضرورةِ الاستمرارِ في الكتابة. 8- احرص على قراءة الكتبِ السهلةِ ذاتِ الأسلوبِ الواضحِ، فهذا سينعكسُ على أسلوبك ولا شك؛ ككتب الطنطاوي، والمنفلوطي، ومحمود شاكر.. الخ. 9- فتش عن الكنوز وابحث عن الدرر، وليكن برفقتك دائِمًا مُفكرة صغيرة (أو كروت تسجيل)، لتسجل بها ما يروقك من العبارات الحسنة، والأقوالِ الجميلة، والحِكمِ البليغة، والأبياتِ الرائعة، ثم قم بتصنيفها في ملفاتٍ مناسبة.. وليكن لك هدفٌ (مستقبلي) أن تصنعَ منها مرجعًا أدبيًا خاصًا تجمعهُ على مَهْلٍ، ثم تعودُ إليه المرةَ بعد المرة.. حتى توشك أن تحفظهُ من كثرةِ مُطالعتهِ. 10- تذكر أنَّ الكلامَ لا يستحقُ أن يكونَ بليغًا حتى يبلغَ الغايةَ والروعةَ في التعبير عن المراد، وحتى يجمَعَ بين اللفظِ الفصيحِ والمعنى المليح، وحتى يتناسقَ لفظهُ مع معناه، ومعناهُ مع لفظه، وينهضَ كُلٌّ منهما بالآخر. 11- عندما يستوقِفُكَ نصٌ ما لبلاغته، فحاول أن تُحلّلهُ لتعرِفَ مصدرَ روعتهِ.. ركِّز على أسلوب الصياغةِ، ونوعيةِ الكلماتِ، وتماسُكِ العِباراتِ، وجمالِ التَّصويرِ، وقوةِ التشبيهِ، وتناسُقِ الالفاظِ مع المعاني، وكميةِ المشاعِر، وحلاوةِ النَّبرةِ والجرْسِ.. ثمَّ حاول أن تُقلِّدهُ، وأن تُعيدُ صياغتهُ بطريقتك الخاصَّةِ، ثم قارن ما فعلتهُ مع الصِّيغةِ الأصليةِ. 12- عندما تبدأُ بكتابة موضوعٍ جديدٍ، فلا تُلزِم نفسكَ بأن تبدأ بشيءٍ ذا قيمةٍ، فهذا سوف يُقيدك ويجعلُك تأخذُ وقتًا طويلًا في التفكير، وإنما قم بتسجيل كُلّ ما يخطرُ على بالك من أفكارٍ ومعانٍ على الورقة.. ومع الوقت ستصبحُ أفكارك أكثرَ عمقًا، وعباراتُك أدق وصفًا، وصياغتك أبلغ أسلوبًا. 13- حاول أن تجعلَ أسلوبَ المحادثةِ هو الأسلوبُ الغالبُ على كتاباتك؛ فجمهورُ القراءِ يفضلونَ أن توجهِ لهم الحديثَ مُباشرةً وأن تتحاورَ معهم، وأن تجعلَ كلَّ فردٍ منهم يشعرُ أنَّ هذه الرسالةِ من أجله، وموجهةً خصيصًا له. 14- واظب على تمرين الكتابةِ الحرةِ لتدفق الأفكارِ؛ وطريقتهُ كالتالي: جهز ورقةً وقلمًا.. اختر موضوعًا مُعينًا (أي موضوع)، اضبط المؤقتَ لـ(10 د) ثم ابدأ الكتابة دون توقف.. اكتب كُلَّ ما يخطرُ على بالك حولَ الموضوعِ، ولا تهتمَ لأيِّ شيءٍ آخرَ.. فقط ركِّز على الكتابة بأكبر سُرعةٍ ممكنةٍ قبل أن ينقضي الوقت. 15- تقبّل الفشلَ ولو تكرَّر: وإن كُنتَ تعتقد أنَّ مشاهيرَ الكُتَّابِ لم يُعانوا من الفشل فغيِّر رأيك؛ فغالبًا ما تنتهي المحاولات الكتابية الأولى بفشلٍ ذريعٍ.. فلا داعيَ لأن تشعُرَ بالإحباط. 16- اتركَ فاصلًا زمنيًا بينك وبين النَّص.. فبمجرد أن تنتهي من كتابة المسودةِ الأولى أبعد نفسك عنه قليلًا بحيث تنسى بعض تفاصيله، وبالتالي تكون إعادتك لقراءته أشبَه بما يدورُ في عقل القارئ.. فتستطيعُ من خلال ذلك اكتشاف الكثيرِ من الأخطاء الواضحةِ، والتي قد تغيبُ عن نظرك في أثناء الكتابةِ الأولية. 17- البحثُ عن الكمال هو العدو الأولُ لأيِّ كاتبٍ، وهو العقبةُ الرئيسيةُ بينهُ وبين إتمامِ المسودةِ الأولى.. ولذا فتيقن أنهُ مهما أجدت الحبك والترتيبَ فسوفَ تحتاجُ إلى الكثير من التعديل والتصويبِ.. فلا تجعل البحثَ عن الكمال يُعطلك عن بناء الأفكارِ الرئيسةِ والعناصرِ الأساسية، بل اتركهُ للمراحل الأخيرة. 18- عندما تنتهي من كتابة جميعِ الأفكارِ والمعاني، يمكنك أن تبدأَ بإعادة الصياغةِ وتحسينِ الأسلوبِ الكتابي إلى أن ترضى عن النَّص بالدرجة الكافيةِ.. ولا تظن أنك ستصلُ للصياغة الأنسبِ من مرةٍ أو مرتين.. علمًا أنهُ لا يوجدُ عددٌ معينٌ من المرات.. ولكن سدِّد وقارب، واجتهد قدرَ الإمكان، وحسبَ الوقتِ المتاح. 19- استخدم قدرَ الإمكان: جملًا قصيرةً ذاتُ ألفاظٍ واضحةٍ وتسلسلٍ مُتناغم، وإذا صادفتك كلمةٌ صعبةُ النَّطقِ فاستبدلها بأخرى سهلةٍ ومفهومة.. وإذا وجدتَ كلمةً أو جملةً غير مُفيدةٍ فاحذفها، فإن لم يتأثرِ المعنى فلا حاجة لها. 20- اهتم بترتيب الأفكار والفقرات، وليكن ترتيبًا منطقيًا مناسبًا، فذلك مما يساعدُ على فهم المقالِ بسهولةٍ ويسر.. ولكي تعرفَ هل الترتيب الذي تتبعهُ مُناسبٌ أو لا.. حاول أن تقرأ الموضوعَ بسرعةٍ عالية، فإن توقفتَ لتفهمَ شيئًا ما فاعلم أنَّ ترتيبَ الفقراتِ يحتاجُ إلى تحسين. 21- قد تُصادِفك فقرةٌ ركيكة، فتحاولَ تحسينها فلا تصلُ إلى شيءٍ، فيكونُ الحلُّ الأخيرُ هو حذفُها بالكامِل وإعادةُ كتابتها من جديد.. أو تركِها كما هي، وكتابتها من جديد في مكان آخر، ثم مقارنةُ المحاولتين واختيارُ الأفضلِ منهما. 22- ضع نفسك مكان القارئ وتساءل: هل المعنى واضحٌ وسهل؟ هل الصياغةُ سلسلةٌ ومتناغمة؟ هل الموضوعُ مترابطٌ بشكلٍ جيد؟ هل هناك فقرةٌ طويلةٌ تستدعي تقسيمها إلى فقرتين؟ هل هناك جزئيةٌ تتطلبُ شرحًا أكثر؟... الخ. 23- ليس صحيحًا أن تكتبَ عن كلِّ ما جمعته من عناصر الموضوعِ.. اكتب ما هو مهمٌ فقط.. والقاعدةُ الذَّهبية هنا: ما قلَّ وكفى، خيرٌ مما كثرُ وألهى.. ولمعرفة درجةِ أهميةِ معلومةٍ ما، اسأل نفسك: هل هذه المعلومةُ تخدم الهدفَ الأساسَ للموضوع؟ فإن كانت لا تخدمهُ إلا بدرجةٍ ضعيفةٍ فالأفضلُ الاستغناءَ عنها. 24- اهتمَ بقواعد اللُّغةِ، وبالقدر الذي يضمنُ لك تقليلَ الأخطاءِ الشائعة، واستفد من الأدوات والقواميسِ الإلكترونيةِ الحديثةِ، ومن المدقق الإملائي، ومن برامج تشكيلِ النَّصوص، لضمان تقليلِ الأخطاءِ قدرَ الإمكان. 25- القرآنُ العظيمُ هو أساسُ الفصاحةِ، ومنبعُ البلاغةِ، ومصدرُ الحكمةِ.. فهو متانةُ بُنيان، وإشراقةُ بيان، وقوةُ بُرهان، وظهورُ سُلطان، ومعانٍ حِسان.. فليحرص الخطيبُ على حفظه وكثرةِ تلاوتهِ بالتَّجويد ليستقيمَ لسانهُ، ويتقوى بيانهُ، فإذا أضافَ لذلك الاهتمامَ بمعاني كلماتِ القرآن، فسيُثري ذلك قاموسهُ اللغوي ثراءً عظيمًا. وأمَّا كلامُ المصطفى ﷺ، فليس في كلامِ الناسِ قطُّ ما هو أعمُّ نفعًا، ولا أحسنَ موقعًا، ولا أفصح بيانًا، من كلامه ﷺ فقد أوتي جوامعَ الكلمِ، وملكَ زِمامَ الفصاحةِ، وفُجرت لهُ ينابيعُ الحِكمةِ، واختُصِر لهُ الكلامُ اختصارًا. وكثيرٌ ممن وفق لحفظ القرآنِ الكريمِ وقدرًا جيدًا من الحديث الشريفِ وآثارِ السلفِ الصالحِ وأقوالهم، تراهُ فصيحَ اللسانِ، قوي البيانِ، سليمًا من اللحن والركاكة، مع أنَّ نصيبهُ من بقية علومِ العربيةِ قد يكونُ قليلًا جدًا. 26- من التدريبات الـمُعينةِ على جودة الصياغةِ: تمرينُ الارتجال.. حضِّر موضوعًا مألوفًا، واجمع له من الأدلةِ والشواهدِ والمعلوماتِ ما يكفي، ورتب عناصره بصورةٍ مُناسبة.. واحفظ له ما يُناسبُ من أبيات الشعر، والأقوالِ البليغة، والأمثالِ والحكم، ولا بأسَ بحفظ بعضِ المقاطعِ الجيدةِ (من أقوال المميزين) حولَ الموضوع.. ثمَّ قف وألقهِ أمامَ المرآةِ لمدة عشرِ دقائق.. ثمَّ كرِّر نفس الموضوعِ يوميًا لمدة شهرٍ كامل. وإن صورت نفسك في أول الأمر وأوسطهِ وآخرهِ، لترصد مدى تقدمِك وتحسن أسلوبك.. فسيكونُ هذا دافِعًا قويًّا لك للاستمرار في التَّدريب. 27- إن أمكن أن تسجلَ في ورشة عملٍ مُتخصصةٍ في مهارات الكتابة، أو ليكن لك شريكٌ في الكتابة (ولو من خلال النت): فهذا سيتيحُ الفرصةَ للجميع أن يتبادلوا الآراء والملاحظات فيما يكتبهُ كُلٌّ منهم، ويُعطيهِ وجهاتِ نظرٍ مختلفةٍ قد لا تخطرُ بباله، ويمكِّنكم سويًا من الارتقاء بأساليبكم الكتابيةِ بصورةٍ أسرعَ وأقوى. 28- مما يُسهِمُ في إثراءِ قاموسِكَ اللُغَوي، وتطويرِ أسلوبك الكتابي والخطابي.. الاعتناءُ بتكوين مكتبةٍ خطابيةٍ وأدبيةٍ متكاملة، وما لم تجدهُ في المكتبات الورقية، فابحث عنه في شبكة المعلومات الإلكترونية. 29- بالاستعانة بأحد القواميسِ السهلة (أو النت) تعلَّم في كل يوم كلمةً جديدة أو أكثر.. واختر الكلمات الجزلةَ البليغةَ وأكثر من استخدمِها في كلامك وكتاباتك ولو لفترة من الزمن.. فهذا سيثري قاموسِكَ اللُغَوي، ويطورُ من أسلوبك الكتابي. 30- عليك باغتنام فرصةِ نشاطِ النَّفسِ، وصفاءِ الذهنِ، فإن استثمارَ القليلِ من تلك الساعاتِ أكرمُ جوهرًا، وأغزرُ إنتاجًا، وأجلبُ لكلِّ معنى بديعٍ، ولفظٍ جميلٍ، وخيرٌ من قضاء الساعاتِ بالكدِّ والمطاولةِ، ومجاهدةِ الذهنِ دونما فائدةٍ تذكرُ.. نسأل الله أن يكلل جهودك بالنجاح والتوفيق، وأن يبارك في علمك وعملك، وأن يتقبل منا ومنك، و﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾..
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() كيف يتعامل الخطيب المبتدئ مع الخوف والارتباك.. الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد: فإن سكون النفس، وطمأنينة القلب ثمرة لحسن الظن بالله، وقوة التوكل عليه، وتمام الثقة به جل وعلا، وكثرة ذكره: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، ومن أيقن يقينًا راسخًا أن الله تعالى معه، وأنه أرحم به من أمه، فسيحسن الظن بربه، ولن يتشاءم بالسوء أو يفكر في الفشل والإخفاق، ولن يحزن على العواقب مهما ساءت، لأنه راضٍ عن الله وما يأتي منه، ولا شك أن فقد هذه الأشياء أو نقصها سيثير الخوف والارتباك، وسيقود إلى الإخفاق، مما يعطل الطاقات، ويوقف الإنجازات، وأكثر الناس إنما يُؤْتَون من قِبل أنفسهم؛ وصدق من قال: "ما يبلغ الأعداء من جاهل، ما يبلغ الجاهل من نفسه". فكم من الإنجازات أحبطت! وكم من المشاريع تعطلت! وكم من الناس توقفت بسبب الخوف والانهزام النفسي، وعدم إدراك الشخص مقدارَ ما أودع الله فيه من طاقات وقدرات فائقة، وإمكانيات عالية متنوعة، ومهارات مذهلة رائعة، لو استعان بالله تعالى وأحسن توظيفها واستثمارها لحقق ما يريد، ولجاء بالمدهش العجيب! أما بعد: فإلى كلِّ من عزم على السير في هذا الطريق النوراني المبارك: اعلم - أخي الكريم - أن الخوف من خوض التجارب الجديدة أمر "طبيعي"، يشعر به الجميع؛ تأمل: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67]، وقال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28]، لكن هذا الخوف "الطبيعي" يتفاوت من شخص لآخر، فيبلغ عند البعض الحد الذي يبث فيه حماس التحدي، ويحفزه للاستعداد، وهذا هو الخوف الإيجابي النافع، ويبلغ بآخرين درجةً تجعله يؤثر الهروب والانسحاب، وهذا هو الخوف السلبي الضار، والذي عطل الكثيرين عن نفع أنفسهم وأمتهم. إذًا؛ فالخوف الذي يعتري الجميع قبيل لقاء الجماهير هو خوف طبيعي، وأمر إيجابي مفيد، إن كان سيولد في الإنسان طاقةً وحماسًا يدفعانه لأن يستعد جيدًا، وأن يبذل قصارى جهده لتطوير نفسه، وليؤدي المهمة على أحسن وجه، أما إذا تجاوز هذا الخوف حده (الطبيعي)، فسيتحول إلى قيد يكبل صاحبه، ويجعله يتراجع وينسحب، ثم اعلم - وفقك الله لكل خير - أن للخوف السلبي عدة مصادر: الأول: هو الخوف من تكرار تجارب أليمة حدثت في الماضي، تجعله يخاف وينسحب؛ لكيلا يتكرر معه نفس الألم، ومثاله: الخوف من أسلاك الكهرباء، ومن الأشياء الحارة والمواد الحادة، ومن المرتفعات والمنحدرات، وغيرها من الأشياء الخطرة. والثاني: هو الخوف من المجهول وخشية الوقوع فيما لا يستطيع الإنسان مواجهته، ومثاله: الخوف من الظلام والأمكنة المهجورة. وهناك مصدر ثالث للخوف: وهو الخوف من النقد وكلام الآخرين - وهذا أمر لا يسلم منه أحد - لكن الموفق هو من يستفيد من النقد الإيجابي، ويتغافل عن النقد السلبي. وعلى كل حال: فالخوف نعمة من الله وفضل، فبه ندافع عن أنفسنا، وبه نشعر بالخطر؛ فنحتاط ونسلم، إنه طاقة إيجابية تساعدنا على البقاء؛ وسببه إفراز أجسامنا لهرمون الأدرينالين بمجرد شعورنا بوضع غير آمن، فطب نفسًا أنك تمتلك مثل هذا الهرمون الرائع النافع. وإذا كان من الطبيعي كما ذكرنا أن يشعر الجميع بشيء من الخوف والتوتر خصوصًا في البدايات، فلا شك أن هناك وسائل وأساليب مجربة، يمكنها - بفضل الله تعالى - أن تقضي على الخوف والتوتر، أو أن تخفف منه بدرجة كبيرة، وذلك بحسب درجة الأخذ بهذه الأساليب والوسائل: الوسيلة الأولى: رسائل التفاؤل الإيجابية: فنحن نعلم من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه الفأل، وفي أثر جميل: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، فعلى الخطيب المبتدئ أن يعطي نفسه دفعةً قوية من التفاؤل وحسن الظن، وأن ينظر نظرةً إيجابيةً كلها استبشار وأمل، وأن يبتعد كليًّا عن التشاؤم وزعزعة الثقة وسوء الظن، وأن يحذر من الرسائل السلبية المحبطة: "أنا لا أستطيع أن ألقي أمام الآخرين"، "أنا لا يمكنني أن أعتلي المنبر"، "أنا لن أجرؤ على النظر في وجوه الناس"، إلى آخر هذه الأوهام والمبالغات، بل عليه أن يتخيل نفسه وقد أتم الإلقاء بكل نجاح، ويتخيل وجوه الناس وقد ارتسمت عليها مشاعر الإعجاب، ويرى نظرات الرضا تملأ وجوههم، ويسمع كلمات الثناء والدعاء، ويشعر بأيديهم وهي تصافحه وتسلم عليه، وهو مبتسم، فرِح، مسرور؛ إلخ. وهكذا، فعلى كل مبتدئ بالذات، أن يعيش تلك المشاعر الإيجابية بخياله، وأن يترك عنه المشاعر السلبية المحطمة، فمن المعلوم أن الإنسان هو أول من يهزم نفسه. الوسيلة الثانية: التدرج في الحديث أمام الأعداد الكبيرة، فيبدأ وحده أمام المرآة، ثم أمام اثنين، ثم خمسة، ثم عشرة، ثم عشرين، وهكذا حتى يتمكن من الحديث أمام الجمهور الكبير. الوسيلة الثالثة: أن يختار الخطيب المبتدئ المواضيع السهلة (إعدادًا وإلقاءً)؛ كالحديث عن فضائل الأخلاق، ونعيم الجنة، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو المواضيع التي يحبها الخطيب ويسهل عليه التعامل معها، وعليه أن يكثر من القصص الهادفة، فهي محبوبة عند كل الناس، قوية التأثير، سهلة التذكر، سهلة الإلقاء. الوسيلة الرابعة: التغافل: فقد يخفى على البعض أن الخطيب المتوتر لا ينتبه له أحد، إلا إذا لفت هو الانتباه لنفسه، ولو استحضر الملقي حين إلقائه أن كل الحاضرين ينظرون له نظرةً أخويةً ودودة، وأنهم جميعًا يتمنون له التوفيق والنجاح، لسكنت نفسه، ولمرت الأمور بخير وسلام، دون أن يلاحظ أحد ما يعتلج في صدره من توتر وقلق. أمر آخر مهم جدًّا، وهو أن جزءًا كبيرًا من الخوف والتردد سببه نقص الخبرة والتجربة، وليس نقص المهارة والمقدرة؛ بمعنى: إننا نخاف من الإلقاء ليس لأننا لا نستطيع أن نلقي، بل لأننا لم نمارسه ولم نتعود عليه، وهذا هو السبب فيما يسمى بالخوف الوهمي؛ حيث تؤكد دراسات كثيرة أن 90% من مخاوفنا مجرد أوهام وتخيلات، لا وجود لها إلا في عقولنا فقط، ولولا خشية الإطالة لذكرت بعض هذه الدراسات العجيبة، وعليه فلن يهزم الخوف والإحجام، إلا الجرأة والإقدام. نعم أخي الفاضل، تأكد تمامًا أن السبيل الوحيد لتجاوز ما قد تشعر به من خوف طبيعي، هو أن تقتل وحش الخوف وهو صغير، وأن تحاول وتحاول، وأن تستمر وتواصل، وأن تكرر المحاولة حتى تنجح وتصل، ولا سبيل بغير ذلك. تأمل جيدًا فالأسد، ومثله بقية السباع المفترسة، التي تعتمد في غذائها على الصيد، فهم لا ينجحون إلا في ربع أو خمس محاولاتهم للصيد فقط، ويفشلون في بقية المحاولات، ومع ذلك فإنهم لا يتوقفون عن تكرار المحاولة؛ لأنه لا سبيل للبقاء إلا بذلك. ولو تأملت ما يجري في لعبة كرة القدم وما شابهها من الألعاب، فستجد أن نسبة الهجمات الناجحة؛ أي: التي تثمر أهدافًا، لا تتجاوز الثلاثة في المائة، بينما يمكن أن نطلق على بقية الهجمات بأنها فاشلة، ومع ذلك فإن طوفان الهجمات الفاشلة هذا، لا يتوقف أبدًا، لأنه لا سبيل للفوز إلا بذلك. وهكذا يكون المشاركون في كل المسابقات الأخرى (السباحة والجري وركوب الخيل وسباق السيارات وغيرها كثير)، كلها تتدنى فيها نسب النجاح إلى حد كبير، ومع ذلك فلم يتوقف أحد عن المشاركة فيها بحجة الخوف من الفشل؛ لأنه لا سبيل للفوز والنجاح إلا بذلك، فإذا أردت أن تفوز وتحقق هدفك، فهذا هو قانون اللعبة: (واصل حتى تصل، وكرر محاولاتك، حتى تنجح وتحقق هدفك). ذكر أن قائدًا عسكريًّا انهزم في إحدى الجولات الحربية، فانهارت معنوياته وقرر أن ينسحب ويلوذ بالفرار، ولكنه قبل أن يعلن انسحابه، شاهد من مكانه نملةً تحاول أن تحمل حبة طعام فتعجز، وكلما حملتها وسارت بها خطوةً أو خطوتين سقطت منها، ولكنها وبإصرار عجيب، كانت تعاود المحاولة من جديد، فتحمل الحبة ثانيةً وثالثةً ورابعةً، حتى أحصى لها أكثر من تسعين محاولةً، دون أن تستسلم أو تتوقف، وإلى أن تكللت مهمتها بالنجاح أخيرًا، وهنا التفت القائد المهزوم إلى نفسه قائلًا: وهل النملة أقوى مني إرادةً وعزيمةً؟ ثم عاد إلى جيشه المنهزم بنفسية أخرى، وأخذ يبث فيهم الحماس، والإصرار على الصمود، فكان يخسر جولةً ويكسب أخرى، وكلما خسر جولةً تذكر معلمته النملة وصمودها العجيب، ومحاولاتها المتكررة، فيحاول من جديد، ويكرر المحاولة مرةً بعد أخرى، حتى تحقق له النصر أخيرًا، وكسب الحرب كلها. فلا تنسَ - أخي الخطيب - هذه المعلمة الـملهمة، وتذكر أنه لا يوجد شيء اسمه (فشل)، إنما يوجد شيء اسمه استسلام أو انسحاب أو توقف؛ لأنك عندما تكرر المحاولة، فقد تخطئ وقد تصيب، أما عندما تنسحب وتتوقف عن المحاولة، فلا مجال لأن تصيب أبدًا، وهذا هو الفشل الحقيقي. ولأنك عندما تكرر المحاولة، فإما أن يتحقق لك النجاح والظفر، وإما أن تتعلم وتتطور، وتقترب من النجاح أكثر وأكثر، كرماة السهام، كلما صوبت أكثر، اقتربت من هدفك أكثر وأكثر. إذًا، فواصل واستمر، ولا تخشَ الفشل ولو تكرر، فالفشل هو مدرسة النجاح، وكل الناجحين تخرجوا من مدرسة الفشل، وما ثَمَّ معصوم إلا الرسل، فمن الذي ما أخطأ قط، ومن له الحسنى فقط. واصل واستمر، وكرر محاولاتك بلا يأس ولا استسلام، فكل النجاحات جاءت في المحاولة الأخيرة، ولو يعلم المنسحب، كم كان قريبًا من النجاح! لما استسلم ولما توقف. واصل واستمر، ولا تحتقر نفسك وقدراتك، فأنت جوهرة حقيقية، والجوهرة لا تفقد قيمتها مهما تكرر سقوطها على الأرض. واصل واستمر، وإن تعثرت فقُم، فإنما يتعثر الماشي فقط، أما الجالس فلا يتعثر، والماشي يوشك أن يصل إلى هدفه، أما الجالس فلن يبرح مكانه. واصل واستمر، وإن قال لك المثبطون: لن تستطيع، فقل لهم: سأحاول، وإن قالوا: صعب ومستحيل، فقل لهم: سأجرب، وإن قالوا: جربت وفشلت، فقل لهم: طالما أستطيع المحاولة، فسأكرر حتى أنجح. واصل واستمر، واعلم أن الوقت لم يفت بعد، لكي تكون ما ينبغي لك أن تكون، لكن ذلك يتطلب منك أن تبذل قصارى جهدك، وأن تبذل كل ما في طاقتك ووسعك، وأن تستثمر كل ما تمتلكه من إمكانيات، ومواهب وقدرات، فإذا فعلت ذلك فأبشر بعون الله وهدايته؛ فهو القائل سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. __________________________________________________ ___ الكاتب: الشيخ عبدالله محمد الطوالة
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() مقدمة في فن الإلقاء والخطابة الشيخ عبدالله محمد الطوالة الحمد لله كثيرًا، والصلاة والسلام على المبعوث بالحق بشيرًا ونذيرًا؛ أما بعد: فإن الإلقاء والخطابة هي أهم وأسرع وأقوى وسائل الدعوة، وأكثرها تأثيرًا، وهل بغير الكلمة الخطابية تلين القلوب، وتستقيم النفوس، وتصلح المجتمعات، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]. لذلك فقد اعتنى علماء الإسلام قديمًا وحديثًا بهذا الفن وأولوه عنايةً خاصة، كيف لا ومعجزة الإسلام الكبرى، إنما هي قرآن يتلى، وبيان يلقى؛ قال جل وعلا: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]. ولا شك أن من يملك ناصية الكلمة، فهو يملك أقوى أدوات التأثير والتغيير، فقد كان للكلمة ولا يزال أثرها الكبير، ودورها الفعال في كل عمليات التطور الإنساني على مر العصور وتعاقب الأجيال، وعلى تغير الظروف وتنوع الأحوال، بل إن الكلمة إذا ما ركزت بعناية، واستثمرت بفعالية، فليس على وجه الأرض أقوى تأثيرًا منها، فهي القوة العجيبة المسؤولة عن كل حركات البناء والهدم في التاريخ، ولو تأملت مليًّا فستجد أن الكتب المنزلة كلمة، ورسالة الأنبياء والمرسلين كلمة، ونتاج المؤلفين كلمة، وخطب القادة والأئمة كلمة، ومواعظ الدعاة والمرشدين كلمة، وتوجيهات المصلحين والمربين كلمة، ودروس المعلمين والمحاضرين كلمة، وبيان الأدباء والشعراء كلمة، بل إن شهادة التوحيد كلمة، والنداء للصلاة كلمة، وحكم الولاة والقضاة كلمة، وشهادة الشهود كلمة، واستحلال الفروج بكلمة، والحرب مبدأها كلام؛ ولأمر ما قال موسى عليه السلام داعيًا: ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 27، 28]. والكلمة الطيبة صدقة جارية، تهدي العقول، وتنير القلوب، وتزكي النفوس، وتسمو بالأرواح، تأمل: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]. والكلمة الطيبة إذا أُحسن توظيفها جاءت بالمدهش العجيب: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 24، 25]. واهتمام العرب بالخطابة وتوظيفهم لها قديم قبل الإسلام، حتى إن كل قبيلة كانت تنتخب من أفذاذها شاعرًا وخطيبًا، يفاخرون باسمها، ويدافعون عن شرفها ومكانتها، ويقومون بمهام الإصلاح بين المتنازعين، والوفادة على الملوك والسلاطين، ومراسم التهنئة والتعزية، كما أن لهم عند الحروب والغارات صولات وجولات. فلا عجب أن يوظف الإسلام الكلمة الطيبة أحسن توظيف، وأن يهتم بها غاية الاهتمام، حتى إنه جعلها فريضةً أسبوعية، وعبادةً مرعية، ومعلمًا بارزًا من معالم الشريعة الإسلامية، ومظهرًا رائعًا من أجمل وأجل مظاهر توحد الأمة المحمدية، كما أن من دلائل اهتمام الإسلام بها، أنه رغب كثيرًا في النظافة والتجمل والتطيب من أجلها، وحث على التبكير في الوقت عند الخروج لها، وعلى الدنو من الإمام، والإنصات التام، وعدم مس الحصى فضلًا عن الكلام، ثم رتب عليها من الثواب والعقاب، ترغيبًا وترهيبًا، ما لم يرتبه على عبادة غيرها، فجعل الخطوة الواحدة إليها تعدل عمل سنة كاملة صيامها وقيامها، كما أن في القرآن الكريم أمر مؤكد بالسعي إليها، وترك كل ما يشغل عنها، ووعد بالخير الوفير لمن يحرص عليها؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]. كما أن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، عرف قيمتها، واهتم بها، وأحسن توظيفها، واتخذ المنبر من أجلها، وأكثر من استخدامها، وكانت هي وظيفته الأولى هو ومن بعده من الخلفاء والعلماء والقادة والمصلحين، وكانت هي أقوى ما استخدموه لقيادة أممهم إلى حياة البر والكرامة، والتقوى والاستقامة. ومن ثم فقد قامت خطبة الجمعة بدور حيوي كبير في المسيرة الإسلامية الطويلة، فمن خلالها نشرت تعاليم الشريعة، ورسخت مبادئ العقيدة، وحُوربت البدع والمنكرات، وزُكيت الأخلاق والسلوكيات، ومن خلالها شُخصت أوضاع المجتمعات، وبُث الوعي الصحيح، وعُولجت المشكلات. وهكذا فقد كان الخطيب الفذ ولا يزال هو خير من يعبر عن الدين والدنيا، ويجول في كل شؤون الإنسان وشجونه، يقنع العقول، ويحرك المشاعر، ويشكل القناعات، ويرفع الهمم، ويربط الناس بخالقهم العظيم، ويدافع عن حقوق المظلومين، ويرد شبه الأعداء والمظلين، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]. وها هي المساجد العامرة، ذات المنابر المؤثرة، لا تزال تستقبل أفواج التائبين، ومواكب العائدين، وما تزال أصوات الخطباء الأفذاذ تصدح عاليًا في كل جمعة، تنير الطريق للسائرين، وتروي عطش الظامئين. أما وقد وصلنا اليوم لما وصلنا إليه، وأصبح الواقع غير ما كنا عليه، وتراجع المسلمون إلى مؤخرة الركب، وأمسى العالم كله أسيرًا لتيار إعلامي عالمي موجه، ذي إمكانيات ضخمة هائلة، وقنوات متخصصة مؤثرة، وبرامج فاتنة آسرة، فيها من بهرج العرض، وجمال الإخراج، وزخرف القول، ما يجعل المتابعين يتناولون السم يحسبونه عسلًا، ويقتنون الخزف يظنونه ذهبًا، وبذلك استحوذوا على الكثير من أوقاتهم واهتماماتهم، وغيروا الكثير من قناعاتهم ومسلماتهم. إلا أنه وبالرغم من كل ذلك، فلا يزال الخطيب المسلم هو فرس الرهان، وفارس الميدان، خصوصًا إذا علمنا أن أعداد المنابر في عالمنا الإسلامي الكبير كثيرة جدًّا، وأن الذين يستمعون لها باهتمام وإنصات يتزايدون بشكل مضطرد، ولله الحمد والمنة، لكن الذي يضعف الكفة، أن أكثر خطبائنا الكرام - مع شديد الأسف - بعيدون عن القيام بأدوارهم الدعوية، مفتقدون للكثير من المهارات الأساسية، فالبعض يبالغ في هدوئه، فتأتي كلماته جافةً باردة، تموت قبل أن تصل، والبعض الآخر جامدون تقليديون، خطبهم مكررة، وكلماتهم مجملة، لا توقظ غافلًا، ولا تحرك ساكنًا. يقول الشيخ عائض القرني: "رأيت على المنابر من يقرأ علينا صحفًا اكتتبها فهي تلقى عليه بكرةً وأصيلًا، يسردها سردًا بلا تأثير ولا جاذبية، ولا أداء ولا حرارة، ورأيت من يغطي وجهه بأوراقه، فهو محجوب عن الناس طيلة الخطبة، وهناك من يخطب فيتلعثم ويرتبك من شدة الخوف، نعم، هناك من يحسن الإلقاء والأداء، ولكنه ضحل المادة، بخيل المحصول والعطاء، فكأنه ما قال شيئًا، وهناك صاحب الحجة والبرهان، الحافظ المطلع، لكنه بارد رتيب، في صوته خيوط النعاس، ومقدمات الكرى"[1]. فلا بد إذًا من تطوير وتحسين أساليب خطبائنا الكرام، لا بد من تميز الخطيب وقوته، وإتقانه لدوره ومهمته، لنضمن لهذه الدعوة المباركة مكانًا عليًّا، وقبولًا حسنًا، ونضمن لهذا المنبر الهام تأثيرًا قويًّا، وتفاعلًا مثمرًا مرضيًا، ولن يتأتى ذلك إلا بأمرين أساسين: الأول: دراسة وفهم أصول وقواعد فنون الخطابة نظريًّا. الثاني وهو الأهم: التدرب الجاد (المنظم) لاحتراف أساليبه وإتقان مهاراته عمليًّا. وحيث إن هذا المقال بمثابة مقدمة في فن الإلقاء والخطابة فسأكتفي بإيراد تعريف الخطابة مع شرح مختصر، ثم أذكر أهداف الخطابة في الإسلام ومميزاتها وأسباب رقيها، وسيأتي الحديث عن بقية فنون الخطابة ومهاراتها تباعًا في مقالات أخرى بإذن الله وتوفيقه. الخطابة إذًا: هي فن مشافهة الجمهور لاستمالته للمأمول. وحين نتأمل هذا التعريف المختصر يتبين أنه مكون من خمسة عناصر، يمكن شرحها على النحو التالي: الأول: أنه فن؛ أي: إنه علم له أصول وقواعد نظرية، لا بد من دراستها وتعلمها، وله مهارات عملية لا بد من مواصلة التدرب عليها قدرًا كافيًا حتى يتقنها. الثاني: المشافهة، وهو توجيه الكلام من شخص واحد لمجموعة من السامعين، مباشرةً وبدون حوائل. الثالث: الجمهور، ويشمل كافة قطاعات وشرائح المجتمع (العالم والجاهل، الكبير والصغير، الموافق والمخالف؛ إلخ). الرابع: الاستمالة، وهي استجابة المتلقي عمليًّا لتوجيهات الخطبة، من خلال اقتناع العقل بالأدلة والبراهين، وتأثر الوجدان بالبيان البليغ. الخامس: المأمول، وهي أهداف الخطيب الخاصة والعامة، التي يريد من السامعين أن يقتنعوا بها ويطبقوها عمليًّا. إذًا ففن الخطابة علم جليل، وفن جميل، ينير الطريق للراغبين، ويوضح السبيل للسالكين، ولكنه لا يضمن لمن أراد تعلمه أن يتقن مهاراته ما لم يتدرب على تلك المهارات ويطبقها بالقدر الكافي، تمامًا كفن التجويد الذي يبين لك كيف تقرأ القرآن الكريم بطريقة صحيحة، لكنه لا يضمن لك أن تتقن مهارة التلاوة ما لم تتدرب عليها بنفسك، وبدرجة كافية، كما قال الناظم: وليس بين أخذه وتركه ![]() إلا رياضة امرئ بفكه ![]() ![]() ![]() وإذا كان الشيء يستمد أهميته من أهدافه،فإن أهداف الخطابة في الإسلام عظيمة وجليلة؛ ومنها ما يلي: 1- تبليغ دعوة الله عز وجل، ونشر العلم الصحيح. 2- تربية المجتمع على الأخلاق والفضائل، ونهيه عن الشرور والرذائل. 3- رفع المستوى العلمي والثقافي والفكري والأدبي للسامع والخطيب. 4- تقوية وبناء الروابط الأخوية بين المسلمين. 5- رد شبهات الأعداء، والذب عن جناب الدين وأحكامه وعلمائه ورموزه. 6- ترقيق القلوب بالترغيب والترهيب، والتذكير بعظمة علام الغيوب. كما أن للخطابة في الإسلام مميزات عظيمة؛ من أبرزها ما يلي: 1- وجوب أداء خطبة وصلاة الجمعة في كل حي أو بلدة من بلاد الإسلام. 2- تكرارها دوريًّا (أسبوعيًّا أو سنويًّا). 3- تهيئة المكان والجو المناسب للإلقاء والإنصات (المسجد). 4- التفرغ التام لها من جميع الأشغال والأعمال. 5- الاستعداد الخاص لها بالنظافة والتجمل والتطيب. 6- كونها عبادة جليلة، وشعيرة عظيمة، ومعلمًا بارزًا من معالم الشريعة. 7- كونها من أنجح وسائل الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 8- نقل هموم وآلام الجسد الواحد من مكان لآخر للتلاحم والتعاون. 9- إثراء المكتبة الإسلامية، والمواقع المتخصصة بالعلوم النافعة والخطب المؤثرة، لنشرها على أوسع نطاق. أما أسباب رقي الخطابة في الإسلام: فيمكن إجمالها في النقاط التالية: 1- قوة الاستشهاد بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. 2- بروز كوكبة من الخطباء الأفذاذ، على رأسهم سيد الفصحاء وأخطب الخطباء عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. 3- كثرة المحافل الخطابية وتكررها دوريًّا (كالجمعة والأعياد والجهاد وغيرها). 4- ارتفاع شأن الخطيب وعلو منزلته في المجتمع المسلم. 5- استخدام الخطابة من قبل الخلفاء والأمراء والعلماء لقيادة الشعوب وتأليف القلوب وإصلاح الأوضاع. 6- وجود إرث كبير من الثروة الخطابية والكنوز البيانية مما يساعد المبتدئين على الانطلاق بقوة. 7- شمولية الخطب لكل مناحي الحياة وشؤونها. نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يبارك في الجهود وينفع بها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [1] إلى الخطباء، عائض القرني، ص 5.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() منغصات الواعظ في دروسه مرشد الحيالي يحدث للداعية أن تَعترضه بعضُ المُنغصات خلال إلقاء دروسه ومواعظه؛ مما يُفسد عليه أحيانًا ثمرة الموعظة، وما يصبو إليه من هداية المدعوين واستجابتهم له؛ ولذا وجَب عليه أن يكون على بيِّنة ومعرفة بتلك المُنغصات أو المُشغلات، ودفْع انعقاد أسبابها ومواردها؛ ولذا سنذكر في هذا البحث اللطيف بعضَ هذه المُنغصات على سبيل التمثيل لا الحصر[1]، والتدابير التي يمكن للواعظ أن يتَّخذها، مما يُعينه على إتمام مهامِّه في الدعوة على الوجه النافع المفيد، ويُحقق له ثمرة الدعوة، وبالله التوفيق: الغرض من الدرس: إن الغرض من إلقاء الدرس والهدف الأسمى منه، هو ربط حياة المدعوين بالمسجد، والعيش في ظلاله؛ حيث نزول السكينة، وغشيان الرحمة، والدرس يُعَد فرصة ثمينة للداعية في أن يوثِّق علاقته بمن يدعوهم، وأن يُعلمهم أحكام الإسلام وتعاليمه السَّمحة؛ كي يرتقيَ بهم إلى التقوى والاستقامة على الطاعة، والتحذير من الوقوع في مزالق الشيطان وحبائله ومكايده؛ ليكونوا بذلك أداةً صالحة لبناء المجتمع، وليس الغرض من الدرس والموعظة والغاية منه هو إظهار قدرة الواعظ البيانية والبلاغية، وبيان سَعة معرفته بالدين؛ بل لأجل هداية الناس وتبصيرهم بالإسلام وتعاليمه. منغصات ومشغلات: لا يتصوَّر الواعظ الصادق أن الدَّرب لتوجيه الناس وتعليمهم مفروشٌ بالورود واليَاسَمين، وأنه سيجد الثناء والشكر دومًا من الناس، بل عليه أن يعلم جيدًا أن هذا هو دربُ الأنبياء والمخلصين[2]، وأنه حتمًا ستَعترضه الكثير من المُنغصات المُلهيات؛ لتَشغله عن الدعوة، وتَصرفه عن تبصير الناس، وأن الشيطان لن يدَعه وشأنه، بل سيسعى إلى وضْع العراقيل والعَقبات؛ لأجل أن يَجعله ينقطع عن الهدف الذي يسعى إليه، وهو إنقاذ الناس من الحَيرة والضلال، ويُثبِّطه عن المُضي في إلقاء كلمة الحق، ومما يُعينه على التغلب على عدوه، والنصر على شيطانه من الإنس والجن، ما يلي: أوَّلاً: الإخلاص في الدعوة، وألا يبغي من دعوته شُهرة أو جاهًا، أو سلطانًا أو ثناءً، بل يقصد من دعوته هداية الخلق، والدعوة للحق، فإن فعَل ذلك، فسيجد تأييدًا ونصرًا، وحفظًا من الله، وسيجد راحة وانشراحًا، وأنسًا واطمئنانًا في دروسه، ويَفتح الله عليه من خزائن العلم والمعرفة ما لم يَخطر له ببالٍ. ثانيًا: دراسة مشغلات الدعوة بجِدٍّ، والعمل على تفاديها والوقاية منها على حد قول الشاعر: عرَفتُ الشرَّ لا لِلشْ ![]() ر لكِنْ لتوقيهِ ![]() ومَن لم يَعرِف الشرَّ ![]() من النَّاس يَقعْ فِيهِ[3] ![]() ومن تلك المنغصات ما يلي: 1- خروج بعض المدعوين من درسه: في بداية الدرس أو خلاله؛ مما يحزُّ في نفس الواعظ، ويولِّد لديه شعورًا بالإحباط وسوء الظن، وهو في الغالب ينشأ من أمرين: أولاً: أن يعرف الناس عادته في الموعظة، وأنه ممن يُطيل الدرس دون أن يتخلَّله أي مُشوِّق أو مُرغِّب[4]. ثانيًا: أن يكون السبب ممن يدعوهم، وأنهم ليس لهم الرغبة؛ لانشغالهم بملذَّات الدنيا وزُخرفها، وعدم معرفتهم بالحاجة إلى الموعظة في صلاح نفوسهم، وقد يكون لارتباطهم بأعمال أُسرية ونحو ذلك. وفي جميع الأحوال ينبغي على الداعية المخلص لدينه، الحريص في دعوته - أن يوطِّن سيره في الدعوة على منهج الرسول، ويأخذ من مِشكاته؛ كي يكون موفَّقًا في قوله وعمله، فما من حالة يمرُّ بها الداعية، إلا ولها شبيه أو قريبٌ منها في سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وليكن سلاحه ومِعْوَلُه الصبرَ ولو انفضَّ الجميع عنه، وعليه أن يَصبر في قطف الثمار؛ لأن المدعوين سيعودون في النهاية إلى الإصغاء والاستماع له، خاصة إذا علِموا منه الصدق في القول والفعل، وأنه حريص عليهم وعلى هدايتهم، وليَحذر من معادتهم وبُغضهم؛ لكونهم ترَكوا درسه ومواعظه - كما يفعله بعض الوُعَّاظ هداهم الله[5] - لأن ذلك سيزيد من الهُوَّة والشُّقة بينه وبينهم، وبدلاً من ذلك عليه مراجعة حساباته، ومحاسبة نفسه على تقصيره، وفي السيرة النبوية نماذجُ تضيء للداعية دَربَه، وتُبصره بأخطائه، وتجعله يمشي على علم وبصيرة، فمن ذلك ما جاء عن الملأ من قريش الذين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده صهيب وخبَّاب، وبلال وعمار، وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء عن قومك؟ أفنحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطرُدهم عن نفسك، فلعلك إن طرَدتهم، اتَّبعناك، فقال - عليه السلام -: ((ما أنا بطارد المؤمنين))، فقالوا: فأقْمهم عنَّا إذا جئنا، فإذا أقَمنا، فأقعِدهم معك إن شئتَ، فقال: ((نعم))؛ طمعًا في إيمانهم. ورُوِي أن عمر قال له: لو فعَلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون، ثم ألحُّوا، وقالوا للرسول - عليه السلام -: اكتُب لنا بذلك كتابًا، فدعا بالصحيفة وبعليٍّ ليكتب، فنزَلت هذه الآية، فرمى الصحيفة، واعتذر عمر عن مقالته، فقال سلمان وخباب: فينا نزَلت، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقعد معنا وندنو منه، حتى تمس رُكبتنا رُكبته، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام، فنزل قوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف: 28]. فترك القيام عنَّا إلى أن نقوم عنه، وقال: ((الحمد لله الذي لم يُمتني حتى أمرني أن أصبرَ نفسي مع قوم من أُمتي، معكم المحيا ومعكم الممات))[6]. والشاهد من ذلك أن الرسول الكريم لم يَمنعه نفورُ أشراف قريش وزعمائها عن مجلسه من الانقطاع عن الدعوة. ثالثًا: الإحراج: وذلك لأن من يقوم الواعظ بتعليمهم، يُشكلون شرائحَ مختلفة من المجتمع، وألوانًا متعددة، وثقافات متباينة، وقد يتصرَّف البعض منهم بما ينافي الآداب والأخلاق السامية؛ من استفزازٍ، أو طرْح بعض الأسئلة المُحرجة، مما هو خارج عن إطار الموعظة، يُراد من ورائها التعجيز، أو إثارة بعض الشُّبهات من بعض المُشككين، أو يَحضُر درسه شخصيات مرموقة في المجتمع، وهذا ونحوه يُربك الداعية، ويُشوِّش عليه مما يكون قد أعدَّ له، وعليه؛ فينبغي أن يكون الداعية حذِرًا فطنًا، وأن يعدَّ لذلك جوابًا شافيًا، وبصدر رحبٍ، وأن يتسلَّح بالعلم والمعرفة، وكيفية تفنيد الشُّبهات، والرد على الأسئلة، وأن يتعامل وَفْق ذلك كله بالحكمة والموعظة، وعدم الانجرار إلى النقاش الذي لا طائل من ورائه، أو الوقوع في الطيش والعجَلة، وليعلم أن مَن حضَر لن يضروه أو ينفعوه، فلا داعي للرهبة منهم، أو الخجل منهم؛ فهم يحتاجون إلى التعليم والتوجيه مهما كان موقعهم في المجتمع، وللعلماء تدابيرُ في الوقاية من الإحراج مذكورة في كُتبهم، ومما يُستأنس به ما أورده ابن الجوزي - رحمه الله - عن محمد بن زكريا، قال: حضرتُ مجلسًا فيه عبيدالله بن محمد بن عائشة التميمي، وفيه جعفر بن القاسم الهاشمي، فقال لابن عائشة: ها هنا آية نزَلت في بني هاشم خاصة، قال: ما هي؟ قال: قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [الزخرف: 44]. فقال ابن عائشة: قومه قريش، وهي لنا معكم، قال: بل هي لنا خصوصًا، قال: فخُذ معها ﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ [الأنعام: 66]، فسكت جعفر، فلم يجد جوابًا[7]. ومن ذلك أيضًا أن يهوديًّا ناظَر مسلمًا في مجلس المرتضى، فقال اليهودي: إيش أقول في قوم سماهم الله مدبرين؛ يعني: النبي وأصحابه يوم حُنين؟ فقال المسلم: فإذا كان موسى أدبَر منهم، قال كيف؟ قال: لأن الله قال: ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ [النمل: 10]، وهؤلاء ما قال فيهم: ولم يُعقبوا، فسكَت[8]. رابعًا: النسيان والذهول: إن ثقة بعض الوُعَّاظ بأنفسهم إلى حد الإفراط، تحملهم أحيانًا على عدم الإعداد للدرس، والتهيُّؤ له بشكل تام، والذاكرة قد تخون صاحبَها عند الحاجة إليها، فنسيان بعض مفردات الدرس يخلط على الواعظ الأوراق، فيُقدِّم ما حقُّه التأخير، ويؤخِّر ما حقه التقديم؛ ولذا من تمام التدبير ما يلي: 1- حفظ مادته وما يتضمَّنه من آياتٍ قرآنية وأحاديثَ نبوية، وفوائدَ مستنبطة من الدرس، وإن تطلَّب ذلك كتابة الدرس، فهو الأفضل؛ حتى يكون له مَلكة على حفظِ الدروس تلقائيًّا. 2- كتابة المحاور الرئيسة والخطوط العامَّة في ورقةٍ صغيرة إن خُشِي النسيان، والنظر إليها عند الحاجة، ولا يَنقص ذلك من قدره كما يظنُّ البعض [9]. ومن التدابير المؤقتة في حال النسيان، تَكرار تلاوة الآية، ريثما تَنقدح في نفس الواعظ فائدة، أو يتذكَّر ما نَسِيه؛ ليستمرَّ في وعظه. أمور شكلية ولكنها مهمة: مثل الحرص على ضبْط السمَّاعات الداخلية والخارجية؛ ليصل الصوت إلى الجميع - رجالاً ونساءً - خشية حدوث خللٍ يُنغص على الداعية استمراره في الإلقاء، ويتم ذلك بالتعاون مع إدارة المسجد من مؤذِّن ونحوه، وليكن الداعية ابن وقته، يؤدي دوره في التعليم والتوجيه في أصعب الظروف والأحوال، فإن بعض الوعاظ لا تَطيب نفسه إلا إذا كان كل شيء في المسجد على ما ينبغي ويُرام، فلو حدث أدنى خللٍ أو نشازٍ، لعكَّر من مزاجه، وجعله ينقطع عن الدرس والموعظة، وهذا خطأ واضح؛ لأن الداعية لا يُسَيِّر نفسه على نمطٍ معين، بل يتأقْلَم مع الوضع، ويكون هدفه توصيل كلمة الحق بالوسائل المتاحة المُتيسرة لديه في الوقت الراهن، وفي السيرة النبوية مواقف من دعوة رسولنا الكريم، ووسائل عدة يمكن للواعظ أن يَقيس نفسه على حال صاحب الدعوة، ففي السيرة أنه - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا كان يخطب على ناقته[10]، وأحيانًا يُراوح بين رِجليه من طول الوقوف[11]، والغالب هو دعوته في حال الجلوس، ومما يُذكر عن المُقرئ الشيخ محمد صديق المنشاوي - رحمه الله - قيام أحد الحسَّاد بعمل حيلةٍ في أحد المحافل، لَمَّا رأى من إقبال الجمهور للاستماع إلى تلاوته، وهذا الجمهور قد قارَب الـ10 آلاف مستمع، فأوصى صاحبَ الجهاز بتعطيل المايكروفون، والقصَّة معروفة في ترجمة الشيخ، فما كان من الشيخ إلاَّ أن قام من أجْل الهدف الذي يبغيه من إيصال صوت الحق إلى الناس كافَّة، فبدأ يقرأ وهو يَمشي بين الجمهور، حتَّى بَهَر الحضور بصوته العذب، وأدائه المتميِّز، فانصرف ذلك الحاسِد مغمومًا[12]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيِّه وصفوة خلقه سيدنا محمد، وعلى آله وصحْبه أجمعين. [1] من يُجند نفسه للدعوة والإصلاح، فسَيجد الكثير من المُنغصات، بل حربًا ضروسًا من مؤسسات غرَضها إفساد دعوة المصلحين العاملين، واقتَصرتُ في هذا البحث على مُنغصات الداعي في إطار درس المسجد، ومن أحبَّ مراجعة المزيد، فعليه قراءة كتاب "أصول الدعوة"؛ للأستاذ الدكتور عبدالكريم زيدان. [2] يُستحب قراءة كتاب: "الرحيق المختوم"؛ للشيخ صفي الرحمن المباركفوري من ص 64 (أدوار الدعوة) إلى هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 138، طُبِع في دار الأرقم للطباعة والنشر. [3] انظر: ديوان الأمير الشاعر أبي فراس الحمداني، وقد طُبِعَ في سوريا؛ تحقيق الدكتور سامي الدهان، انظر هذه الأبيات، ص 431. [4] وهو مما كان يحرِص عليه الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "إن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يَتخَوَّلنا بالموعظة في الأيام؛ كراهية السآمة علينا"، ولم يكن مِن هديه إعطاءُ دروسٍ في جميع الأيام؛ ذلك لأنَّ دعوته تأخذ أشكالاً مختلفة، تارةً بالقول، وأخرى بالسلوك والقُدوة الحسنة، وبعض الوُعَّاظ يرى تملمُل الناس وضَجرهم من طول الموعظة، بل وخروجهم من المسجد، ويُصر على عادته، وكأنه يخاطب حجرًا لا بشرًا. [5] إن الجهل وقلة الخبرة، وعدم تطوير الذات - من عوامل عدة تَحول بين الداعية ومعرفة مجالات في التأثير وأساليبه ووسائله، وبدلاً من ذلك يلجأ هؤلاء إلى تصرُّفات تُسيء إلى الدعوة، بدلاً من خدمتها. [6] تفسير ابن كثير، ص 77، المجلد الثالث، طبْع المكتبة القيِّمة للطباعة والنشر، عام 1993؛ مراجعة دار البحوث بالأزهر. [7] أخبار الأذكياء؛ لابن الجوزي، ص 103، الباب العشرون، طُبِع بدار الوعي العربي، حلب - سوريا. [8] المصدر السابق، ص 108. [9] بعض الوُعَّاظ يتحرَّج من ذلك، ويظن أن ذلك يعد نقصًا، وهو خطأٌ واضح؛ لأن الغرض هو إيصال المعلومة الصحيحة، ومعرفة كيف يتسلَّل الواعظ إلى نفوس الحاضرين دون أن يشعروا بذلك. [10] رُوي عن عكرمة بن عمار، قال: أخبرني الهرماس بن زياد الباهلي، قال: أبصرتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على ناقته العَضْباء بمنًى؛ رواه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب مَن قال: خطَب يوم النحر، رقْم (1954)، وحسَّنه الألباني - رحمه الله - في صحيح أبي داود (1/ 368)، رقْم (1721). [11] عن عثمان بن عبدالله بن أوس عن جده أوس بن حذيفة، قال: قدِمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف، فنزلوا الأحلاف على المغيرة بن شُعبة، وأنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبة له، فكان يأتينا كلَّ ليلة بعد العشاء، فيُحدثنا قائمًا على رِجليه؛ حتى يراوح بين رجليه، وأكثر ما يحدِّثنا ما لَقِي من قومه من قريش، ويقول: ((ولا سواء، كنا مستضعفين مُستذلين، فلما خرجنا إلى المدينة، كانت سجال الحرب بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويُدالون علينا))، فلما كان ذات ليلة، أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: يا رسول الله، لقد أبطأت علينا الليلة، قال: ((إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن، فكرِهت أن أخرج حتى أتمَّه))، قال أوس: فسألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تُحزِّبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصَّل؛ رواه ابن ماجه في سننه، رقم 1345، باب في كم يُستحب يُختَم القرآن، وفي سنن أبي داود، الصفحة أو الرقْم 1393. [12] انظر: بحث تجويد المنشاوي، دراسة وتحليل، على موقع الألوكة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |