|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم التاسع والعشرون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}(سورة الحديد ). يربي أحدنا ولده على الأدب والتحلّي بالشمائل الحميدة ، فإن أخطأ مرة وحاد عمّا رُبّي عليه نظر الأب إليه نظرة عتاب دون أن يكلمه ، فلعلَّ النظرة – في هذه الحالة – خير مُربٍّ. فإن عاد فأذنب واستمرأ الخطأ قال له والده مؤنباً مستأخراً توبته :أهكذا ربّيتك ياولدي، أما آن لك أن تقلع عن خطئك وتتوب عن زلاّتك،وقد ربيتك على فضيلة وغذَوتك العملَ الصالح ومكارم الأخلاق؟! ومن ربّى تابع مهمّته وقوّم الاعوجاج بالنصح والإرشاد ثم بالعتاب واللوم ، ثم بالتوبيخ والتقريع، ثم بالعقوبة المناسبة تعليماً وزجراً. وقوله تعالى { أَلَمْ يَأْنِ } عتاب واستعجال للكمال في العباد الذين رباهم رسوله صلى الله عليه وسلم على التزام الصراط القويم ، ولا بدّ من التذكير كل فترة، فالإنسان خُلق من ضعف وشبّ على نقص ، ويحتاج إلى شحذ الهمة والدفع إلى الخيرات والتحذير من الوقوع في الآثام والمعاصي. وفي معنى قوله تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا } خطاب غير مباشر للذين آمنوا حين تحدث عن الغائبين لفظاً، الحاضرين حالاً ،وكان أول ما أمروا به أن تخشع القلوب للخالق جل وعلا ، والقلبُ لب الجسم بخشوعه تخشع الجوارح ، وكلما كان القلب خاشعاً لله خائفاً منه محباً لذاته أكثرَ من ذكره ،وارتبطت حياته بطاعته سبحانه . إنَّ ذِكرَ الله علامة الإيمان وسبيلُ العفو والمغفرة ، (وأفضل الذكر لا إله إلا الله). ومن وهب لله حياته عمل بمقتضى إيمانه ونال رضا مليكه ،ففاز بثوابه ونجا من عقابه. والغفلة تورث البعد ، والبعد يورث الضلال، والضلال سمة الضالين من أهل الكتاب الذين قست قلوبهم حين فرغت من ذكر الله وعبادته، وضعف اتصالها به. وكما يحيي الله الأرض بماء المطر يحيي القلوب بفيض عطائه ونور شريعته ،وكما يحيي الأرض بماء السماء يعيد إحياء المخلوقات يوم الدين. إنها معادلة واضحة لكل ذي عينين. يذكر القرطبي رحمه الله في شرح هذه الاية أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ترَفَّهوا بالمدينة , فنزلت هذه الآية , فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يستبطئكم بالخشوع ) فقالوا عند ذلك : خشعنا. وسمي الفاسق فاسقاً لخروجه عن الفطرة واتباعه الهوى والشيطان ،وركونه إلى الدنيا ورغبته فيها ونسيانه الآخرة والعملَ لها. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28)}(الحديد ). من النصارى قومٌ ظلوا على دين التوحيد يؤمنون بعيسى عليه السلام نبياً، وهؤلاء صبروا على التوحيد حتى بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من التقوى بمكان مكين ،فلهم حين يؤمنون برسالة الإسلام ويعملون لها : 1- أجرٌ مضاعفٌ،يُؤتَون أجرهم مرتين بما صبروا وآمنوا .والكِفل : الحظ والنصيب الوافي من الأجر والثواب فينجّيهم الله تعالى ، في دنياهم من الضلال وفي الآخرة يدخلهم الجنة . 2- ويغدق المولى سبحانه عليهم من رحمته وينير قلوبهم وحياتهم في دنياهم ويضيء لهم آخرتهم حين لا شمس إذ ذاك ولا نجوم ولا قمر. 3- تُغفر ذنوبُهم ، ومن غُفر ذنبُه كان من أهل الرضوان والسعادة الأبدية. كثير ممن كانت لهم رياسة النصرانية أو اليهودية وخدموها بما أوتوا ثم تبيّن لهم الهدى من الضلال ، فأسلموا قيادهم لله تعالى رفعَ الله سبحانه أقدارهم في الدنيا بإيمانهم ودعوة الناس إلى الإسلام والتفاني بهذه الدعوة ،وبشّرهم بنعيم الآخرة وخلود الحياة فيها في جواره – سبحانه- وكرمه. ولا تسل عن عقاب أهل الكتاب الذين حرّفوا وبدّلوا فقست قلوبهم وزاغوا عن درب الهداية وباعوا نفوسهم للشيطان فكانوا ادوات في الإفساد والصد عن سبيل الله ، هؤلاء ظلموا أنفسهم ورموا بها في مهاوي الدركات السفلى من النار . إن لكلٍّ من عمله واجتهاده نصيباً، فأنعم بمن باع حياته لله ، وأبئِس بمن باع نفسه للشيطان وغوايته، إنه سبحانه يدعونا إلى خشيته والخشوع في عبادته والتقرّب إليه لنيل مرضاته .. هل نعد بذلك ونسعى إليه ؟! اللهم اهدنا لأحسن الأحوال ، لا يهدينا لأحسنها إلا أنت ، وأبعد عنّا سيئها ، لا يُبعد عنّا سيئها إلا انت . يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثلاثون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) سورة المجادلة ذكرت أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرأة التي ظاهرها زوجها تشتكي إليه فلم تسمع ما قالت ، وسمع الله –سبحانه- شكواها : { قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}(المجادلة). فسبحانك يارب من إله عظيم تسمع كل شيء وترى كل شيء ، فسبحانك ، سبحانك ( إن الله يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء ). فهو محيط بخلقه ،مطّلع عليهم يسمع كلامهم ويرى مكانهم حيثما كانوا وأينما حلّوا ، يعلم السرَّ وأخفى ،ومع ذلك تكتب رسُلُه من الملائكة ما يتناجى به عباده لتوثيقه ،فيُعرض عليهم يوم القيامة بتفاصيله كاملة وقد نبهنا الله تعالى محذراً : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}(الزخرف) ، فلا يغيب عنه من أمورهم شيء { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } قال الإمام أحمد رحمه الله : افتتح الآيةَ بالعلم واختتمها بالعلم . يقول ابن كثير رحمه الله: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة وكانوا إذا مر بهم الرجل، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره، فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم ،فترك طريقه عليهم ،فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى ،فلم ينتهوا وعادوا إليها ،فنزل قولُه تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّـهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)}(المجادلة) . والنجوى تَسارُّ اثنين بينهما ثالث لا يسمع ما يقولان ، فيُهيّأ إليه أنهم يقصدان به الشرَّ ، وقد نهى القرآن والسنّة عنه ، وما نُهي عنه عُدَّ في الإثم. وأما العدوان فتجاوز الحقوق مما يورث الخوف والكراهية . أما معصية الرسول ومخالفته فقد اصر اليهود عليها فحين يرونه صلى الله عليه وسلم يحيونه بقول فيه ظاهره تحية وفي باطنه سبٌّ ودعاء عليه ، فقال تعالى فاضحاً سرّهم وموبخاً : { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ } ، فعن عائشة قالت : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم ( والسامُ: الموتُ) فقالت عائشة : وعليكم السام والذامّ واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ) قلت ألا تسمعهم يقولون السام عليك" ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أوما سمعت أقول: وعليكم ) ، وقال ( إنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا ) . وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ أتى عليهم يهودي فسلم عليهم فردوا عليه ،فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( هل تدرون ما قال ؟ ) قالوا :سلَّمَ يا رسول الله . قال : ( بل قال سام عليكم ) أي تسامون دينكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ردوه ) فردوه عليه فقال نبي الله : ( أقلت سام عليكم )؟ قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك ) ، أي عليك ما قلت. والذي أتعجب منه أنه لم يُخف ما قاله ولا أنكره ، إنما قاله متحدياً ، وهذا دأبهم وسوء أدبهم يتكرر ويستمرّ. يفعل اليهود هذا ويظنون أن الله تعالى سيعاجلهم بعذاب الدنيا لو كان محمد نبياً ، وإذ لم يعاجلهم بالعقوبة الدنيوية السريعة فهو – سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – ليس نبياً بزعمهم.وهذا تجرّؤٌ فاجر على الله تعالى فقال الله تعالى : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)}(سورة المجادلة) نُهي المسلمون عن التناجي المؤذي الذي اتصف به المنافقون وغيرهم من كفار أهل الكتاب وأمرهم أن يتناجّوا بفعل الخير وقوله، وأن تكون تقوى الله نصب أعينهم ومرضاتُه هدفَهم. فهو سبحانه مطّلع عليهم – ظاهرهم وسرائرهم- ويوم القيامة يعرضها عليهم . عرض رجل لعمر رضي الله عنه فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنْ قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكفار والمنافقون { وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}(هود). أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة. { إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} (سورة المجادلة). إنَّ المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءا إنما تصدر من المتناجين بتسويل من الشيطان وتزيينه ليسوء المسلمين، وبما أن النفع والضر بيد الله وحده فليستعذ المسلم بالله وليتوكل عليه ،ومن توكل على الله لم يضرَّه أحد. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ) أخرجه مسلم. من الآداب الإسلامية العالية أن لا يحدث التناجي الذي يورث حزناً وألماً للمسلم، فإن كان الحضور في المكان نفسه كثيراً وتناجى كل اثنين أو ثلاثة بأمر خاص بهم وانشغلوا عن الآخرين فلا تناجيَ إذاً . وينبغي أن تسود في المجتمع المسلم سمات الود والمحبّة والأُلفة ، نمتنع عما يسيء إلى إخواننا ونفعل ما يسرهم ويقرّب بعضهم من بعض.ويزرع السعادة والأمان في ربوعهم . إنه سبحانه ينادينا إلى آفاق حياة الطيبة ويدعونا إلى سلامة الصدر ، فهل نحن واعون منتبهون؟ يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثاني والثلاثون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)سورة الممتحنة نداء للمؤمنين أن يكونوا حذرين في التعامل مع الأعداء الذين إن رأوا من المسلمين قوة أظهروا لهم من طرف اللسان حلاوة وهم يمكرون بهم ويعملون جهدهم للإيقاع بهم ، كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة فقد كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم ،بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال " اللهم عمِّ عليهم خبرنا " فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا ،فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث في أثر المرأة، فأخذ الكتاب منها قال عليٌّ رضي الله عنه : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب .قلنا لتخرجِّن الكتاب أو لنلقين الثياب. قال فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا حاطب ما هذا ؟ " قال لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه صدقكم " فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدرا ما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فأنزل الله سورة الممتحنة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ...} 1- فالولاية للذين آمنوا، وأما العدو فلا ولاية له على المسلمين، بل الحذر والتاهب لما قد يبدر منه. 2- ومن كان عدوّاً لله فهو عدوٌّ لأولياء الله المسلمين ، قولاً واحداً، فلا ينبغي أن نأمن جانبهم. 3- يمكن أن يعاملوا بحذر أما المودّة والحب والتآخي فللمؤمنين ليس غير . 4- سبب العداوة الكفرُ بالله ومحادّتُه ومحادّة أوليائه والغدرُ والإيقاع بهم . 5- ومن الدلائل على كرههم للمسلمين أنهم عذّبوهم في مكة وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فاضطر المسلمون إلى الهجرة جنوباً ( الحبشة) ثم شمالاً ( المدينة المنوّرة) والحروب التي شنوها على المسلمين في بدر وأحد والخندق وغيرها رغبة في استئصال الإسلام وأهله. وما يفعلونه بالمسلمين من حقد وإيذاء على مدى التاريخ وإلى أن تقوم الساعة أكبر دليل على مكرهم بالمسلمين وغدرهم بهم. 6- والمجاهد في سبيل الله لا يتخذ من الكفار أصدقاء يُسِر لهم بالمودّة بل يتقرب إلى الله بمحبته وطاعته ومجاهدة الكفار والمنافقين . 7- والله تعالى بعلمه لما نخفي وما نعلن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فينبهنا إلى العمل الصالح الذي يرضيه ، ومن نأى عن ذلك فقد ضل الطريق الصحيح إلى مرضاته سبحانه. فبِم يتصف هؤلاء الأعداء الذين حذَّرَنا الله منهم؟ يقول تعالى : { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}(الممتحنة) 1- إن تمكنوا من المسلمين ففاقوهم قوة وعدداً أظهروا العداوة التي أضمروها في ضعفهم . 2- وبطشوا بالمسلمين قتلاً وذبحاً وتنكيلاً فساموهم الذل والإهانة وسبوهم وشتموهم وعابوا دينهم وأظهروا خبيئة أنفسهم { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة). 3- ويودون أن يرتدّ المسلمون عن دينهم ، ويعملون لذلك ليكونوا في الكفر مثلهم. { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}(الممتحنة) ليس للقرابة والنسب عند الله تعالى قيمة ما لم يشفعها إيمان وعمل صالح،ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ،ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء . فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ؟ قال " في النار" فلما قفّى دعاه فقال " إن أبي وأباك في النار" ورواه مسلم وأبو داود. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}(الممتحنة). البَون بين المؤمنين والكفار واسع ، لا لقاء في الهدف الأصيل ، إنما نلتقي في بعض المصالح الدنيوية المؤقتة ، ثم يستمر الصراع بين الطرفين ، أحدهما الحقُّ والثاني الباطل ،وكل يسعى إلى الانتصار على الآخر ويحشد له كل القوى. وفي هذه الآية الأخيرة من السورة يأتي النهي واضحاً عن موالاة الكافرين كما نهى عنها في أولها وليسوا سوى اليهود والنصارى والملاحدة ممن غضب الله عليه ولعنه واستحق الطرد والإبعاد فكيف يواليهم المسلمون ويتخذونهم أصدقاء وخُلاّناً وقد جحدوا الآخرة حين أنكروا الحساب والعقاب والثواب ! إن الكفار بإنكارهم يوم الدين اقتنعوا أنهم لن يروا آباءهم ومن سبقهم إلى الموت ،وأنه لا بعثَ ولا نشور،كما أن الكفار من أصحاب القبور حين عاينوا الحقيقة ورأوا أنهم من أصحاب النار يئسوا من النجاة منها وايقنوا أنهم من أهلها . فما ينبغي للمسلم – إذاً – أن يتولى الكافر فيقدم مصلحته على المسلمين وإلا كان منهم . إننا نرى كثيراً ممن يُحسبون على المسلمين والَوا الكفار وعملوا في خدمتهم واندمجوا فيهم واتخذوهم قدوة وكانوا جنوداً يخدمون مصالحهم ، هؤلاء على خطر كبير ينزع الإيمان من نفوسهم ويودي بهم في ما لا يُحمد عقباه من غضب الله ومقته، والعياذ بالله. إنه سبحانه ينادينا منبهاً ومحذّراً ، فهل وعينا الأمر واصلحنا أمرَنا وسرنا على هدى الحكيم الخبير؟ يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثالث والثلاثون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّـهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) سورة الممتحنة من بين ما اتفق عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع سهيل بن عمر في صلح الحديبية أنّ من جاء المسلمين وقد آمن ردّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش ، ومن جاء قريشاً قد ارتد عن الإسلام فلا يُردُّ إلى المسلمين . فلمّا هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط إلى المدينة قَدِم أخواها عمارة والوليد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه في ردّها ، فمنع القرآن المسلمين أن يرُدّوا النساء إلى المشركين وأنزل آية الامتحان، فكان صلى الله عليه وسلم يسألُهنَّ بالله : ما خرجَتْ بُغضاً لزوج ، ولا رغبة عن أرضٍ لأرض، ولا التماساً لدنيا ،ولا رغبة في زوج آخر، إنما خرجت حبّاُ لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام. وكنَّ يشهدنَ أنه لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسولُ الله. هذه الآية حرَّمت المسلمات على المشركين ، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ، فكان أبو العاص ابن الربيع زوج زينب رضي الله عنها ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه ، فلما وقع في الأسرى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه، فبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فأقامت بالمدينة في السنة الثانية للهجرة إلى أن أسلم زوجها سنة أربع فردها عليه بالنكاح الأول ولم يُحدِثْ لها صَداقا ، فقد كان إسلامه قبل تحريم المسلمات على المشركين بسنتين . فإذا انقضت عدّةُ المهاجرة ولم يُسلم زوجها انفسخ نكاحهما – إن أرادت- وتزوجت مسلماً. ويعاد للمشرك ما دفعه من مهر. ومن تزوج المهاجرة مَهَرَها صَداقَها، كما أنه لا يجوز للمسلم أن يحتفظ بزوجته المشركة ، وله أن يُطالب بمهرها الذي دفعه ، فإن أبى وليُّها المشركُ أخذه من بيت مال المسلمين ،أوْ من غنيمة يغنمها المسلمون وكانت بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة : 1- أن يوحدنَ الله فلا يُشركن به شيئاً 2- ان يكُنّ عفيفات فلا يسرقنَ ولو مِن أزواجهنّ ولا يأخذْنَ من أموال أزواجهن إلا بالمعروف . 3- وأن يحفظن فروجهنّ فلا يزنين ، إن المرأة الحرة لا تزني والمؤمنة تحفظ شرفها وشرف أهلها وشرف زوجها . 4- أن يعتنين بأولادهنّ وينشِئنَهم نشأة إسلامية طيبة ، فهم أمانة في أعناقهنّ. 5- لا كذب ولا نميمة ولا غيبة ويُعفِفن السنتهنّ عن قالة السوء، 6- أن يُطِعْنَ النبي صلى الله عليه وسلم في أوامره ، وينتهين عن نواهيه ويعملن الخير الذي يأمرهنّ به. فلما بايعنه على ذلك قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعَتَهُنَّ واستغفر لهنّ الله تعالى ، وما أسرع قبولَ رب!ِ العزة استغفارَ نبيه للمؤمنين والمؤمنات، إن الله تعالى غفور رحيم يحب عباده التائبين، ويقبل توبتهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، ويقلب سيئاتهم حسنات ...سبحانه من ربٍّ كريم. إن الله تعالى ينادينا – معشر المؤمنين- ليدخلنا رحمته ويجازينا رضوانَه فهل ترانا نسرع إلى ذلك ؟ اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك. يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الرابع والثلاثون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) (سورة الجمعة) في يوم الجمعة ، وكان يُسمّى يومَ العروبة: 1- كمُلَت جميع الخلائق. 2- خُلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرِج منها 3- وفيه تقوم الساعة 4- وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل فيها الله خيرا إلا أعطاه إياه كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح . 5- وثبت أن الأمم قبلنا أمِروا به فضَلّوا عنه ،واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم، واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدئ فيه الخلق ،واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة ، روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ،ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ،فهدانا الله له ،فالناس لنا فيه تبعٌ.اليهود غداً والنصارى بعدَ غد ( لفظ البخاري) ، وفي لفظ لمسلم : أضلَّ الله عن الجمعة من كان قبلنا ،فكان لليهود يومُ السبت وكان للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا ،فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة ،نحن الآخِرون من أهل الدنيا والأوَّلون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق 6- وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ } والسعيُ القصدُ والعَمدُ والاهتمام ، وهذا ما نفهمُه من قوله تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19)}(الإسراء) وكان عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما يقرآنها " فامضوا إلى ذكر الله " فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نُهي عنه لِما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة ،وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا ،فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا . رواه البخاري ، وقال الحسن البصريُّ :أمَا والله ما هو بالسعي على الأقدام ،ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع. وقال قتادة في قوله تعالى : { فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ } أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشْيُ إليها ،وكان يتأول قوله تعالى : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ...(102)}(الصافات) أي المشْيَ معه .وروي عن محمد بن كعب وزيد بن أسلم وغيرهما نحو ذلك .( عن تفسير ابن كثير بتصرُّف) ويستحب لمن جاء إلى الجمعة : 1- أن يغتسل قبل مجيئه إليها لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء أحدُكم الجمعة َ فليغتسل . ولهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غُسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حقٌ لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ،يغسل رأسه وجسده ، رواه مسلم وعن جابر رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسلُ يومٍ، وهو يوم الجمعة . رواه أحمد والنسائي وابن حِبّان . 2- أن يكون ليوم الجمعة أثرٌ إيجابي على الأهل ، فعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من غسَّل واغتسل يوم الجمعة ،وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب ،ودنا من الإمام واستمع ،ولم يَلْغُ كان له بكل خطوة أجرُ سنةِ صيامِها وقيامِها . وهذا الحديث له طرق وألفاظ ،وقد أخرجه أهل السنن الأربعة ،وحسنه الترمذي . 3- ان يأتي للجامع مبكِّراً زيادة في الثواب والأجر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة ،ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ،ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشا أقرن ،ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ،ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر . والمقصود بالساعة هنا التبكير وقصْدُ الثواب ورضا الله تعالى . 4- أن يلبس أحسن ثيابه – إن أمكنَ- ويتطيبَ ويتسوَّك ويتنظف ويتطهر. فعن ابي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواكُ وأن يمس من طِيب أهله . وروى ابو أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة ومسَّ من طيب أهله إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد ،فيركعَ إن بدا له ،ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج إمامُه حتى يصلي كانت كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى . وروى ابو داود وابن ماجة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر : ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبَي مهنته . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثيابَ النمار فقال : ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته . رواه ابن ماجه . وكثيراً ما نرى بعض المصلين يدخلون المسجد بثياب العمل فيوسخون المسجد ويؤذون المصلين . 5- الانصراف إلى متابعة الخطيب والانشغالُ بما يقول عن الدنيا ، فقد كان لأحدهم تجارة قدمت والمسلمون يسمعون خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر الجمعة فانصرف اكثرهم إليها وبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم القليل من المصلين، فنزل العتاب على ذلك في قوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا . لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى نداءٍ واحد ( أذان)يُؤَدّى بين يديه وهو على المنبر ، واستمرّ هذا على عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما، فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس زاد النداءَ الثاني على أرفع بناء قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ( الزوراء) ،إذ أمر عثمانُ رضي الله عنه أن ينادى قبل خروج الإمام ،حتى يتذكر الناسُ صلاة الجمعة مبكرين فيجتمعون . واتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني ، واختلفوا هل يصح إذا تعاطاه متعاطٍ أم لا ؟ على قولين وظاهر الآية عدم الصحة كما هو مقرر في موضعه ،والله أعلم . إن الاهتمام بصلاة الجمعة خير كثيرٌ لا تدانيه الدنيا ولو اجتمعتْ . آداب ما بعد صلاة الجمعة: 1- ينتشر الناس في الأرض ويعودون إلى ممارسة أعمالهم بعد أن أطاعوا الله تعالى في السعي إلى الجمعة. كان أحد الصالحين إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين. 2- ذكرُ الله تعالى وشكره على تمام نعمة العبادة { وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فما عند الله من الثواب في الدار الآخرة { خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } لمن توكل عليه وطلب الرزق في وقته .. كانت العرب تسمّيه العروبة وقيل سمّاه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه وإليه، وقال الزمخشري في كشّافه : « قيل إن الأنصار قالوا : لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلمّوا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر اللّه فيه ونصلي فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكَّرهم فسمّوه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه ، فأنزل اللّه آية الجمعة فهي أول جمعة كانت في الإسلام . وأما أول جمعة جمعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فهي أنه لما قدم المدينة مهاجرا نزل قباءَ على بني عمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسّس مسجدهم ،ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ،فخطب وصلّى الجمعة ، وعن بعضهم : أبطل اللّه قول اليهود في ثلاث : 1- افتخروا بأنهم أولياء اللّه وأحباؤه فكذبهم في قوله : { ... فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6)}(الجمعة 2- وبأنهم أهل الكتاب ،والعربُ لا كتاب لهم فشبّههم بالحمار يحمل أسفارا 3- وبالسبت وأنه ليس للمسلمين مثله فشرع اللّه لهم الجمعة. إنه سبحانه ينادي عباده ليقيموا شعيرة الجمعة ويجعلوا من صلاة الجمعة منبراً فكريا سياسياً اجتماعياً ، ويجتمعوا على العبادة والحب في الله ،والإخلاص لله سبحانه فلعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الخامس والثلاثون سورة ( المنافقون) فضيحة كبرى لهم فقد شهد المولى سبحانه أنهم كاذبون في دعواهم ( الإيمان)، فهم يعترفون للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوّة لساناً ، وقلوبهم منكرة لذلك ،فوصفهم الله تعالى بالكذب : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)}. وما أكثر الذين يكذبون فيحلفون الأَيمان الغليظة إنهم لعلى حق ، يُظهرون الموافقة بلسان عسليٍّ ينقط منه سمُّ الأفاعي القاتل. ولكِن نتساءل : هل دخل الإيمان إلى قلوبهم ثم ارتدّوا أو ظلوا – ابتداءً من الكافرين؟ والجواب صريح في هذه السورة : { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) ،فقد دخل الإيمان قلوبهم فترة ،ثم انقلبوا على أعقابهم كافرين ، فكانت قلوبهم أظلم من قلوب الكفار الذين لم يؤمنوا أبداً . هؤلاء عرفوا الحقيقة وأنار الإسلامُ قلوبهم ،ثم انقطع النور فجأة فعاشوا في ظلام أشد مما كانوا عليه قبل إسلامهم. من صفات هؤلاء المنافقين في هذه السورة الفاضحة: 1- أنهم كاذبون ، يستمرئون الكذب ليُضلوا الناس عن الحق. 2- قلوبهم – بسبب ارتدادهم مُربَدَّة سوداءُ، موسومة بوسم الجهل وسوء التصرّف. 3- حبهم للحياة – أيّةِ حياة – يخافون الموت ويفرون من المعركة 4- منظرهم غير مخبرهم ، يعجبك منظرهم وحديثهم ،ويفضحهم جبنهم وخوفهم. 5- يستكبرون على الإيمان ويكرهون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . 6- يدْعون عملياً إلى مقاطعة المسلمين والتضييق عليهم مادياً ومعنوياً لصرفهم عن الدين. 7- يصرحون في فلتات ألسنتهم بالكره العميق للإسلام واهله ، ويودون للمسلمين الذلة والانكسار. يأتي النداء الإلهي - بعد فضح المنافين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّـهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}. يحض المؤمنين على : 1- ذكر الله تعالى الدائم ، بل ينبغي أن يكون من أولويات الحياة الدنيا . ولن ينفع المرءَ ولدُه ولا ماله إن قصر في عبادته لله تعالى 2- الإنفاق في سبيل الله علامة الإيمان به سبحانه فالله تعالى هو الرزاق ، والمال فضلٌ منه وخير ، وما يكون شكر الله إلا بالإنفاق في سبيل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}(البقرة) ، وعند الموت ولقاء الله يُحس المسلم أنه كان بخيلاً شحيحاً ويتمنّى لو كان كريماً ، ويسأل الله أن يُعيده للحياة ليكون من أهل البرّ والجود ، وهيهات هيهات .كان ما كان وأتى ما هو آتٍ وتابعْ معي هذه الصورة متدبراً حال الكفار يستجْدون العودة إلى الدنيا ليؤمنوا ويُصلحوا ما كان ، { وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44)}(إبراهيم) ، وتأمل الصورة الأخرى المشابهة في قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}(المؤمنون). فهل يستجيب الله لهم ، حاشا وكلاّ، لقد سبق السيفُ العذلَ، فهل وعينا نهايتنا فعملنا لما يُنجينا .. اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك. ملاحظة نحويّة توضح المعنى: قوله تعالى: { رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ } المقصود : ربِّ: لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ، فإنْ أصَّدَّقْ أفُزْ وأكن من الصالحين. أكُن معطوفة على جواب شرط محذوف ( أفُز) أمّا (المصدر المؤول من أنْ و أصَّدَّق الأولى فمعطوفة على مصدر متصيد من أخّرتني) وكأنك تقول: ( هلاّ تأخيرٌ فتَصَدُّق ) ... والله أعلم . يتبع
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السابع والثلاثون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّـهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1) سورة الطلاق. في هذه السورة نجد قواعد الطلاق التي تحكم مسار المسلمين في حياتهم الزوجية وتنير لهم درب الأسرة المسلمة . 1- خوطب النبي صلى الله عليه وسلم { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ }ربما لأن المناسبة نزلت في تطليقه – صلى الله عليه وسلم - حفصة بنتَ عمر رضي الله عنهما وهي حائض ، ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرة قبل أن يمسها ،فتلك العِدة التي أمر بها الله عز وجل، كما خوطب النبي صلى الله عليه وسلم أولا تشريفا وتكريما ثم خوطبت الأمة تبعاً ، 2- وتبقى المطلقة في بيت مطلقها ما لم تجترحْ فاحشة واضحة، ومن طرَدَ امرأته وهي في عدتها فقد أساء إلى نفسه بعصيان أمر الله وتعدّي حدوده. ولعل بقاءها في البيت يحنِّنُ قلبه فيراجعها، فتبقى الأم ويبقى الأب على رأس أولادهما يربيانهم بحب وحنان، وتعود الأمور إلى مجاريها . 3- كان الناس في الجاهلية يطلقون نساءهم مرات عديدة ويراجعونهنَّ فجعلها القرآن ثلاث طلقات ، 4- لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً ،إن كره منها خُلُقاً رضي منها خُلُقاً آخر ، فإن طلقها فليسرِّحها بالمعروف ، وهذا من التقوى التي أُمِرَ بها المسلم.ومن اتقى الله أعانه الله في حياته ورزقه الخير العميم لا يدري كيف يأتيه. 5- التوكل على الله باب الوصول إلى المراد فيما يرضي الله ، ومن توكل على الله فهو حسبُه وكافيه، ، ومن توكل على الله أكرمه الله تعالى القادر على كل شيء الفاعل لما يريد ( عبدي أنت تريد ، وأنا أريد ، وأنا أفعل ما أريد ، فإن سلّمْتَ لي فيما أريد كفيتُك ما تريدُ ، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتُك فيما تريد ،ولا يكون إلا ما أريد.) 6- عدّة الحامل تنتهي حين تضع حملها ، وعِدّةُ غير الحامل ثلاثة قروء ، وكذلك عدّة المرأة التي يئست من الحيض وعدة الفتاة الصغيرة التي لم تبلغ الحيض. 7- اهتمامٌ رائعٌ بالتقوى في كل آية فيها قاعدة بيّنة {.. وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} وقوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)} . 8- تسكن المطلقة في بيتها الذي طُلِّقتْ فيه، ولا ينبغي التضييق عليها ، ويُنفقُ على الحامل حتى تضع حملها، ويُحدد لها أجر إرضاع ولدها، فإن أبت إرضاعه لم تُكرَه على ذلك ، وترضعه غيرها. 9- لا يكلف الله الرجل أن يصرف على مطلقته وهي في بيته أو ترضع ولدها إلا بما يستطيع.ولعل الله تعالى يرزقه بطاعته أمر الله رزقاً وفيراً . 10- تحذير من عصيان أمر الله، وإلا نال المجتَمعَ عذابٌ شديد يضاهي عقابَ الأمم السابقة كعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب .. ثمَّ ينادي الله تعالى المؤمنين في سورة الطلاق : {..فَاتَّقُوا اللَّـهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّـهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّـهُ لَهُ رِزْقًا (11)}: 1- من صفات المؤمنين أنهم من أولي الألباب ، وأصحاب الفهم والدراية والقلوب الذكية الزكية ، وقليل ما هم. 2- فضل الله على الناس أنه لم يخلقهم ويتركهم، إنما أرسل لهم الرسل الكرام وأنزل عليهم الكتب الهادية إلى الصراط المستقيم .ألم يقل الله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}(الحجر)؟ 3- الانبياءُ رسلُ الله إلى عباده وشهداؤهم عليهم.يهدي بهم الله تعالى عباده إلى العمل الصالح ويخرجهم بهم من الظلمات إلى النور . فجزاهم الله عنا الخير كله وجازى سيدنا محمداً خير ما جازى نبياً عن أمته. 4- إنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره..وان جزاء الله للمتقين الطائعين جزيلٌ يدل على واسع عفوه وكرمه. ... إنه سبحانه كريم وعفوّغفور، يدعونا إلى سُبُلِ الخير وجنة المأوى ، وإلى رضاه أولاً وآخراً ..فهل نرى أولي الألباب من المؤمنين يسارعون إلى مرضاته سبحانه؟. يتبع القسم الأخير
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثامن والثلاثون /الأخير بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) سورة التحريم يقول المثل العربي : درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج. والوقاية من النار بالتأديب والتعليم والعمل بطاعة الله واتقاء المعاصي وبذكر الله المتواصل لساناً وقلباً ، ومساعدتهم على ذلك ، ويعلم أهله وقرابته وما له عليه دالَّةٌ ما فرض المولى سبحانه وما نهى. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ، رواه ابو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن يؤمر بهذا تدريباً و تمرينا له على العبادة لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعاصي وترك المنكر. إنها النار التي تصهر كلَّ ما يلقى فيها ووقودها الكفار من البشر وأصنامُهم وما كانوا يعبدون من دون الله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}(الأنبياء) قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاية وفي اصحابه شيخ يسأله: يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لصخرةٌ من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلها " قال فوقع الشيخ مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حي فناداه قال " يا شيخ قل لا إله إلا الله " فقالها ، فبشره بالجنة قال : فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا ؟ قال " نعم يقول الله تعالى : { ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)}(إبراهيم) هذا حديث مرسل غريب . أما الملائكة الغلاظ الشدادُ فطباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله وتركيبهم في غاية الشدة والمنظر المخيف. قال عكرمة : إذا وصل أول أهل النار إلى النار وجدوا على الباب أربعَ مئة ألف من خزنة جهنم سودٌ وجوهُهم كالحة أنيابُهم ،قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة ،لو طار الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر، ثم يجدون على الباب التسعةَ عشرَ، عرضُ صدر أحدهم سبعون خريفا ثم يهوون من باب إلى بابٍ خمسَ مئة سنة ،ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها هؤلاء { لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } يبادرون إليه لا يتأخرون عنه طرفة عين وهم قادرون على فعله ،ليس بهم عجز عنه . وهؤلاء هم الزبانية – لا مفرّ للكافر منهم، نعوذ بالله أن نكون من أهل النار . ولن يُقبل من الكافر اعتذارُه ولن يُرحم بكاؤُه، نسأل الله العافية وحُسْنَ الختام. وقد مدح الله تعالى سيدنا إسماعيل إذ ربَّى أهله على الأخلاق الحميدة ،وتابعهم في توجههم إلى الله فوصفه بصدق الوعد ومتابعة صلاة أهله ،وتأديبِهم على مكارم الأخلاق ودفع الزكاة ، ومساعدة المحتاجين ، فكان عند ربه في مكانة رضيّة { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} (سورة مريم). ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ...(8)}(التحريم) والتوبةُ النصوح هي الصادقة التي تمحو ما قبلها من السيئات ومن شروطها 1- (أن يتوب من الذنب، ثمّ لا يعود فيه) 2- ويندم على ما سلف منه في الماضي .ويبغض الذنبَ كما أحبَّه من قبل. 3- ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل ما كان يفعله قبل أن يتوب.ويستغفر منه كلما ذكره. 4- وفي حق الآدمي لا بد من إعادة الحق إليه وكشف الظلامة عنه. عن عبد الله بن مسعود أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الندم توبة " عن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة . 1- منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها وذلك مما حرم الله ورسولُه ويمقت اللهُ عليه ورسوله 2- ومنها نكاح الرجل الرجلَ وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله . 3- ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله . وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا قال زر : فقلت لأبيِّ بنِ كعب فما التوبة النصوح ؟ فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبدا " . والإسلام يجُبُّ ما قبله ، فيعود التائب كأنه لم يكن فعل شيئاً ، وبما أن الإنسان خطّاء وخير الخطّائين التوابون ، فقد يعود المرء إلى الوقوع في الذنب فعليه أن يستغفر الله ويسأل اللهَ سبحانه العفو والمغفرة ، روى ابو هريرة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فيما يحكي عن ربِّه عزَّ وجلَّ قال " أذنَب عبدٌ ذنبًا . فقال : اللهمَّ ! اغفِرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنَب عبدي ذنبًا ، فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ، ويأخذ بالذَّنبِ . ثم عاد فأذنب . فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذُ بالذنبِ . ثم عاد فأذنب فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنبَ عبدي ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذ بالذنبِ . اعملْ ما شئت فقد غفرتُ لك " . قال عبدُالأعلى : لا أدري أقال في الثالثةِ أو الرابعةِ " اعملْ ما شئت "رواه مسلم . من فوائد التوبة: 1- تكفير السيئات ، ومن كُفّرت سيئاته وبقيت حسناته ناد منادٍ أن سعد فلان بن فلان سعادة لا شقاء بعدها.ولعلنا بفضل الله نكون من هؤلاء. 2- ومن ذابت سيئاته وانقلبت حسنات بفضل المليك وعفوه استحق الجنة ، وصار من أهلها إنها جنات عدن أو جنة المأوى أو الفردوس الأعلى أو غيرها، والله كريم يهب عباده الصالحين ما لا يخطر على البال. 3- ويحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان صاحب الحبيب في المحشر لا يُخزيه الله أبداً . 4- نور المؤمنين يملأ الوديان والبطاح ويسير أمامهم يضيء لهم ماهم فيه يومَ لا شمس ولا قمر. يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نورَ المنافقين قد طفئ، فعن أبي ذر وأبي الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " فقال رجل يا رسول الله وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ قال : " غُرٌّ محجَّلون من آثار الطهور ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " هذه أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يكرمها الله تعالى بالنور الكامل يوم القيامة .. إن الله تعالى ينادينا ليجعلنا من المقرّبين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . انتهى بحمد الله
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |