أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         روائع قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          السلطان نور الدين والقبر النبوي الشريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          وليمة جابر بن عبد الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          سمك العنبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الصحابي عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أو حسبت أن نيل العلا بالتمني..؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          عبادة التفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          نحن وأطفالنا أينا أحوج إلى الآخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قادة غيروا الدنيا عثمان بن أرطغرل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-09-2019, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(31) مفهوم البيعة



علي بن محمد الصلابي




عرف العلماء البيعة بتعاريف عدة، منها تعريف ابن خلدون: العهد على الطاعة لولي الأمر.
وعرفها بعضهم بقوله: البيعة على التعاقد على الإسلام، وعرفت كذلك بأنها: أخذ العهد والميثاق والمعاقدة على إحياء ما أحياه الكتاب والسنة، وإقامة ما أقامه.
وكان المسلمون إذا بايعوا الأمير جعلوا أيديهم في يده؛ تأكيدًا للعهد والولاء، فأشبه ذلك الفعل البائع والمشتري، فسمي هذا الفعل بيعة.
ونتعلم من مبايعة الأمة للصديق بأن الحاكم في الدولة الإسلامية إذا وصل إلى الحكم عن طريق أهل الحل والعقد، وبايعته الأمة بعد أن توفرت فيه الشروط المعتبرة، فيجب على المسلمين جميعاً مبايعته والاجتماع عليه، ونصرته على من يخرج عليه؛ حفاظاً على وحدة الأمة وتماسك بنيانها أمام الأعداء في داخل الدولة الإسلامية وخارجها.
قال رسول الله: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، فهذا الحديث فيه حث على وجوب إعطاء البيعة والتوعد على تركها، فمن مات ولم يبايع عاش على الضلال ومات على الضلال.
وقال رسول الله: «ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».
فالشارع الحكيم قد رتب القتل وأمر به نتيجة الخروج على الإمام، مما يدل على حرمة هذا الفعل؛ لأنه يطلب بيعة أخرى بالبيعة الأولى التي هي فرض على المسلمين.
والذي يأخذ البيعة في حاضرة الدولة هو الخليفة، وأما في الأقاليم فقد يأخذها الإمام وقد يأخذها نواب الإمام، كما حدث في بيعة الصديق، فبيعة أهل مكة والطائف أخذها نواب الخليفة.
والذي تجب بيعتهم للإمام هم أهل الحل والعقد، وأهل الاختيار من علماء الأمة وقادتها، وأهل الشورى وأمراء الأمصار، وأما سائر الناس وعامتهم فيكفيهم دخولهم تحت بيعة هؤلاء، ولا يمنع العامة من البيعة بعد بيعة أهل الحل والعقد.
وهناك من العلماء من قال: لا بد من البيعة العامة؛ لأن الصديق لم يباشر مهامه كخليفة للمسلمين إلا بعد البيعة العامة من المسلمين.

والبيعة بهذا المعنى الخاص الذي تم للصديق لا تعطى إلا للإمام الأعظم في الدولة الإسلامية ولا تعطى لغيره من الأشخاص، سواء في ظل الدولة الإسلامية أو عند فقدها؛ لما يترتب على هذه البيعة من أحكام.


وخلاصة القول: إن البيعة بمعناها الخاص هي إعطاء الولاء والسمع والطاعة للخليفة مقابل الحكم بما أنزل الله تعالى، وأنها في جوهرها وأصلها عقد وميثاق بين طرفين: الإمام من جهة وهو الطرف الأول، والأمة من جهة ثانية وهي الطرف الثاني، فالإمام يبايع على الحكم بالكتاب والسنة والخضوع التام للشريعة الإسلامية عقيدة وشريعة ونظام حياة، والأمة تبايع على الخضوع والسمع والطاعة للإمام في حدود الشريعة.


فالبيعة خصيصة من خصائص نظام الحكم في الإسلام تفرد به عن غيره من النظم الأخرى في القديم والحديث، ومفهومه أن الحاكم والأمة كليهما مقيد بما جاء به الإسلام من الأحكام الشرعية، ولا يحق لأحدهما سواء كان الحاكم أو الأمة ممثلة بأهل الحل والعقد الخروج على أحكام الشريعة أو تشريع الأحكام التي تصادم الكتاب والسنة، أو القواعد العامة في الشريعة، ويعد مثل ذلك خروج على الإسلام؛ بل إعلان الحرب على النظام العام للدولة الإسلامية، بل أبعد من هذا نجد أن القرآن الكريم نفى عنهم صفة الإيمان، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
فهذا مفهوم البيعة من خلال عصر أبي بكر الصديق.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-09-2019, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(32) مصدر التشريع في دولة الصديق

علي بن محمد الصلابي

فمصدر التشريع عند الصديق: القرآن الكريم،قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}. فهو المصدر الأول الذي يشتمل على جميع الأحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة، كما يتضمن مبادئ أساسية وأحكاما قاطعة لإصلاح كل شعبة من شعب الحياة
التصنيفات: سير الصحابة -
قال أبو بكر: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم،

فمصدر التشريع عند الصديق:
أ- القرآن الكريم:
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105].
فهو المصدر الأول الذي يشتمل على جميع الأحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة، كما يتضمن مبادئ أساسية وأحكاما قاطعة لإصلاح كل شعبة من شعب الحياة، كما بين القرآن الكريم للمسلمين كل ما يحتاجون إليه من أسس تقوم عليها دولتهم.
ب- السنة المطهرة:
هي المصدر الثاني الذي يستمد منه الدستور الإسلامي أصوله، ومن خلالها يمكن معرفة الصيغ التنفيذية والتطبيقية لأحكام القرآن .
إن دولة الصديق خضعت للشريعة، وأصبحت سيادة الشريعة الإسلامية فيها فوق كل تشريع وفوق كل قانون، وأعطيت لنا صورة مضيئة مشرقة على أن الدولة الإسلامية دولة شريعة، خاضعة بكل أجهزتها لأحكام هذه الشريعة، والحاكم فيها مقيد بأحكامها لا يتقدم ولا يتأخر عنها.
ففي دولة الصديق وفي مجتمع الصحابة، الشريعة فوق الجميع يخضع لها الحاكم والمحكوم، ولهذا قيد الصديق طاعته التي طلبها من الأمة بطاعة الله ورسوله؛
لأن رسول الله قال: «لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف».

3- حق الأمة في مراقبة الحاكم ومحاسبته:
قال أبو بكر: فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني.
فهذا الصديق يقر بحق الأمة وأفرادها في الرقابة على أعماله ومحاسبته عليها؛ بل وفي مقاومته لمنع كل منكر يرتكبه، وإلزامه بما يعتبرونه الطريق الصحيح والسلوك الشرعي، وقد أقر الصديق في بداية خطابه للأمة أن كل حاكم معرض للخطأ والمحاسبة، وأنه لا يستمد سلطته من أي امتياز شخصي يجعل له أفضلية على غيره؛ لأن عهد الرسالات والرسل المعصومين قد انتهى، وأن آخر رسول كان يتلقى الوحي انتقل إلى جوار ربه، وقد كانت له سلطة دينية مستمدة من عصمته كنبي ومن صفته كرسول يتلقى التوجيه من السماء، ولكن هذه العصمة قد انتهت بوفاته، وبعد وفاته أصبح الحكم والسلطة مستمدة من عقد البيعة وتفويض الأمة له.
إن الأمة في فقه أبي بكر لها إدارة حية واعية لها القدرة على المناصرة والمناصحة والمتابعة والتقويم، فالواجب على الرعية نُصرة الإمام الحاكم بما أنزل الله ومعاضدته ومناصرته في أمور الدين والجهاد، ومن نصرة الإمام ألا يهان، ومن معاضدته أن يُحترم وأن يُكرم، فقوامته على الأمة وقيادته لها لإعلاء كلمة الله تستوجب إجلاله وإكرامه وتبجيله، إجلالاً وإكرامًا لشرع الله الذي ينافح عند ويدافع عنه، قال رسول الله: «إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير المغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط». والأمة واجب عليها أن تناصح ولاة أمورها، قال: «الدين النصيحة» -ثلاثا- قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله -عز وجل- ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
ولقد استقر في مفهوم الصحابة أن بقاء الأمة على الاستقامة رهن باستقامة ولاتها، ولذلك كان من واجبات الرعية تجاه حكامهم نصحهم وتقويمهم.
ولقد أخذت الدولة الحديثة تلك السياسة الرائدة للصديق، وترجمت ذلك إلى لجان متخصصة ومجالس شورية، تمد الحاكم بالخطط، وتزوده بالمعلومات، وتشير عليه بما يحسن أن يقرره.
والشيء المحزن أن كثيرًا من الدول الإسلامية تعرض عن هذا النظام الحكيم، فعظم مصيبتها في تسلط الحكام وجبروتهم، والتخلف الذي يعم معظم ديار المسلمين ما هو إلا نتيجة لتسلط بغيض، «ودكتاتورية» لعينة أماتت في الأمة روح التناصح والشجاعة، وبذرت فيها وزرعت بها الجبن والفزع إلا من رحم ربي، وأما الأمة التي تقوم بدورها في مراقبة الحاكم ومناصحته وتأخذ بأسباب القوة والتمكين في الأرض، فتنطلق إلى آفاق الدنيا تبلغ دعوة الله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-09-2019, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي


أبو بكر الصديق

(33) إقرار مبدأ العدل والمساواة بين الناس



علي بن محمد الصلابي




قال أبو بكر: الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.
إن من أهداف الحكم الإسلامي الحرص على إقامة قواعد النظام الإسلامي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم، ومن أهم هذه القواعد: الشورى والعدل، والمساواة والحريات. ففي خطاب الصديق للأمة أقر هذه المبادئ، فالشورى تظهر في طريقة اختياره وبيعته وفي خطبته في المسجد الجامع، بمحضر من جمهور المسلمين، وأما عدالته فتظهر في نص خطابه، ولا شك أن العدل في فكر أبي بكر هو عدل الإسلام، الذي هو الدعامة الرئيسية في إقامة المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي، فلا وجود للإسلام في مجتمع يسوده الظلم ولا يعرف العدل.
إن إقامة العدل بين الناس أفرادًا وجماعات ودولاً، ليست من الأمور التطوعية التي تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه؛ بل إن إقامة العدل بين الناس في الدين الإسلامي تعد من أقدس الواجبات وأهمها، وقد أجمعت الأمة على وجوب العدل،
قال الفخر الرازي -رحمه الله-: أجمعوا على أن من كان حاكماً وجب عليه أن يحكم بالعدل.
وهذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسنة النبوية، إن من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع الإسلامي الذي تسود فيه قيم العدل والمساواة ورفع الظلم ومحاربته بجميع أشكاله وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إليه بأيسر السبل وأسرعها، دون أن يكلفه ذلك جهدًا أو مالاً، وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إلى حقه.
لقد أوجب الإسلام على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس دون النظر إلى لغاتهم أو أوطانهم أو أحوالهم الاجتماعية، فهو يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق، ولا يهمه أن يكون المحكوم لهم أصدقاء أو أعداء، أغنياء أو فقراء، عمالاً أو أصحاب عمل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
لقد كان الصديق قدوة في عدله، يأسر القلوب ويبهر الألباب، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام فيه تفتح قلوب الناس للإيمان. لقد عدل بين الناس في العطاء، وطلب منهم أن يكونوا عوناً له في العدل، وعرض القصاص من نفسه في واقعة تدل على العدل والخوف من الله سبحانه،
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن أبي بكر الصديق قام يوم جمعة فقال: إذا كنا بالغداة فأحضروا صدقات الإبل نقسمها، ولا يدخل علينا أحد إلا بإذن، فقالت امرأة لزوجها: خذ هذا الخطام لعل الله يرزقنا جملاً، فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- قد دخلا إلى الإبل فدخل معهما، فالتفت أبو بكر فقال: ما أدخلك علينا؟ ثم أخذ منه الخطام فضربه، فلما فرغ أبو بكر من قسم الإبل دعا الرجل فأعطاه الخطام وقال: استقد، فقال عمر: والله لا يستقد ولا تجعلها سنة، قال أبو بكر: فمن لي من الله يوم القيامة؟ قال عمر: أرضه، فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة ورحلها وقطيفة وخمسة دنانير فأرضاه بها.
وأما مبدأ المساواة الذي أقره الصديق في بيانه الذي ألقاه على الأمة فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها الإسلام، وهي من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم، وسبق به تشريعات وقوانين العصر الحاضر، ومما ورد في القرآن الكريم تأكيدًا لمبدأ المساواة قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
إن الناس جميعاً في نظر الإسلام سواسية؛ الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود. لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أو اللون أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء. وجاءت ممارسة الصديق لهذا المبدأ خير شاهد على ذلك؛ حيث يقول: «وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني. القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه».
وكان ينفق من بيت مال المسلمين فيعطي كل ما فيه سواسية بين الناس؛ فقد روى ابن سعد وغيره أن أبا بكر، كان له بيت مال بالسُّنْح معروف، ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل على بيت المال من يحرسه؟ فقال: لا يخاف عليه، قيل له: ولِمَ؟ قال: عليه قفل! وكان يعطي ما فيه حتى لا يُبقى فيه شيئاً، فلما تحول إلى المدينة حوله معه فجعله في الدار التي كان فيها، وقدم عليه مال من معدن من معادن جُهينة، فكان كثيرًا، وانفتح معدن بني سُليم في خلافته، فقدم عليه منه بصدقة، فكان يضع ذلك في بيت المال، فيقسمه بين الناس سوياً، بين الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير على السواء،
قالت عائشة -رضي الله عنها-: فأعطى أول عام الحرَّ عشرة والمملوك عشرة، وأعطى المرأة عشرة، وأَمَتَها عشرة، ثم قسم في العام الثاني، فأعطاهم عشرين عشرين، فجاء ناس من المسلمين فقالوا: يا خليفة رسول الله: إنك قسمت هذا المال فسويت بين الناس، ومن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم، فلو فضلت أهل السوابق والقدم والفضل. فقال: أما ما ذكرتم من السوابق والقدم والفضل فما أعرفني بذلك، وإنا ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه، وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة.
فقد كان توزيع العطاء في خلافته على التسوية بين الناس، وقد ناظر الفاروق عمر أبا بكر في ذلك فقال: أتسوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ للراكب.

ورغم أن عمر غير في طريقة التوزيع فجعل التفضيل بالسابقة إلى الإسلام والجهاد إلا أنه في نهاية خلافته قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لرجعت إلى طريقة أبي بكر فسويت بين الناس.
وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف (القطيفة: كساء مخمل) أتى بهما من البادية، ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، وقد بلغ المال الذي ورد على أبي بكر في خلافته مائتي ألف وزعت في أبواب الخير.
لقد اتبع أبو بكر المنهج الرباني في إقرار العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، وراعى حقوق الضعفاء، فرأى أن يضع نفسه في كفة هؤلاء الواهنة أصواتهم فيتبعهم بسمع مرهف وبصر حاد وإرادة واعية لا تستذلها عوامل القوة الأرضية تحت أقدام قومه، ويرفع بالعدل رؤوسهم فيؤمن به كيان دولته، ويحفظ لها دورها في حراسة الملة والأمة.
لقد قام الصديق منذ أول لحظة بتطبيق هذه المبادئ السامية؛ فقد كان يدرك أن العدل عز للحاكم والمحكوم، ولهذا وضع الصديق سياسته تلك موضع التنفيذ وهو يردد قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
كان أبو بكر يريد أن يطمئنَ المسلمون إلى دينهم وحرية الدعوة إليه وإنما تتم الطمأنية للمسلمين ما قام الحاكم فيهم على أساس من العدل المجرد عن الهوى.
والحكم على هذا الأساس يقتضي الحاكم أن يسمو فوق كل اعتبار شخصي، وأن يكون العدل والرحمة مجتمعين، وقد كانت نظرية أبي بكر في تولي أمور الدولة قائمة على إنكار الذات، والتجرد لله تجردًا مطلقاً جعله يشعر بضعف الضعيف، وحاجة المجتمع، ويسمو بعدله على كل هوى، وينسى في سبيل ذلك نفسه وأبناءه وأهله، ثم يتبع أمور الدولة جليلها ورقيقها، بكل ما أتاه الله من يقظة وحذر.
وبناء على ما سبق يرفع العدل لواءه بين الناس؛ فالضعيف آمن على حقه، وكله يقين أن ضعفه يزول حينما يحكم العدل، فهو به قوي لا يمنع حقه ولا يضيع، والقوي حين يظلم يردعه الحق، وينتصف منه للمظلوم، فلا يحتمي بجاه أو سلطان أو قرابة لذي سطوة أو مكانة، وذلك هو العز الشامخ، والتمكين الكامل في الأرض.

وما أجمل ما قاله ابن تيمية -رحمه الله-: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة... بالعدل تستصلح الرجال، وتستغزر الأموال.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-09-2019, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(34) الصدق أساس التعامل بين الحاكم والمحكوم


علي بن محمد الصلابي




قال أبو بكر: «الصدق أمانة والكذب خيانة». أعلن الصديق مبدأ أساسياً تقوم عليه خطته في قيادة الأمة، وهو: أن الصدق بين الحاكم والأمة وهو أساس التعامل، وهذا المبدأ السياسي الحكيم له الأثر الهام في قوة الأمة؛ حيث ترسيخ جسور الثقة بينها وبين حاكمها، إنه خلق سياسي منطلق من دعوة الإسلام إلى الصدق، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، ومن التحذير منه كقول رسول الله: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر».
فهذه الكلمات: «الصدق أمانة» اكتست بالمعاني، فكأن لها روحاً تروح بها وتغدو بين الناس؛ تلهب الحماس، وتصنع الأمل. «والكذب خيانة»، وهكذا يأبى أبو بكر إلا أن يمس المعاني، فيسمي الأشياء بأسمائها، فالحاكم الكذاب هو ذلك الوكيل الخائن الذي يأكل خبز الأمة ثم يخدعها، فما أتعس حاكما يتعاطى الكذب فيسميه بغير اسمه، لقد نعته الصديق بالخيانة، وأنه عدو أمته الأول.. وهل بعد الخيانة من عداوة؟ حقاً ما زال الصديق يطل على الدنيا من موقفه هذا فيرفع أقواماً ويسقط آخرين!!.
وتظل صناعة الرجال أرقى فنون الحكم؛ إذ هم عدة الأمة ورصيدها الذي تدفع به عن نفسها ملمات الأيام، ولا شك أن من تأمل كلمات أبي بكر تلك أصدقه الخبر بأن الرجل كان رائدًا في هذا الفن الرفيع؛ فقد كان يسير على النهج النبوي الكريم.
إن شعوب العالم اليوم تحتاج إلى هذا المنهج الرباني في التعامل بين الحاكم والمحكوم، لكي تقاوم أساليب تزوير الانتخابات وتلفيق التهم، واستخدام الإعلام وسيلة لترويج اتهامات باطلة لمن يعارضون الحكام أو ينتقدونهم،

ولا بد من إشراف الأمة على التزام الحكام بالصدق والأمانة من خلال مؤسساتها التي تساعدها على تقويم ومحاسبة الحكام إذا انحرفوا، فتمنعهم من سرقة إرادتهم وشرفهم وحريتهم وأموالهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-09-2019, 06:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(35) إعلان التمسك بالجهاد وإعداد الأمة لذلك


علي بن محمد الصلابي



قال أبو بكر: وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، لقد تلقى أبو بكر تربيته الجهادية مباشرة من نبيه وقائده العظيم، تلقاها تربية حية في ميادين الصراع بين الشرك والإيمان، والضلال والهدى، والشر والخير، ولقد ذكرت مواقف الصديق في غزوات الرسول، ولقد فهم الصديق من حديث رسول الله: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم». إن الأمة تصاب بالذل إذا تركت الجهاد، فلذلك جعل الصديق الجهاد إحدى حقائق الحكم في دولته، ولذلك حشد طاقات الأمة من أجل الجهاد؛ لكي يرفع الظلم عن المظلومين، ويزيل الغشاوة عن أعين المقهورين، ويعيد الحرية للمحرومين، وينطلق بدعوة الله في آفاق الأرض يزيل كل عائق ضدها.
إعلان الحرب على الفواحش:
قال أبو بكر: ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، والصديق هنا يذكر الأمة بقول النبي: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا...» إن الفاحشة هي داء المجتمع العضال الذي لا دواء له، وهي سبيل تحلله وضعفه حيث لا قداسة لشيء؛ فالمجتمع الفاحش لا يغار ويقر الدنية ويرضاها، إنه مجتمع الضعف والعار والأوجاع والأسقام وحال الناس أدل شاهد.
لقد وقف أبو بكر يحفظ قيم الأمة وأخلاقها، فقد حرص في سياسته على طهر الأمة ونقائها، وبعدها عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وهو يريد بذلك أمة قوية لا تشغلها شهواتها، ولا يضلها شيطانها، لتعيش أمة منتجة تعطي الخير، وتقدم الفضل لكل الناس.
إن علاقة الأخلاق بقيام الدولة وظهور الحضارة علاقة ظاهرة، فإن فسدت الأخلاق وخربت الذمم ضاعت الأمم، وعمها الفساد والدمار. والدارس لحياة الأمم السابقة والحضارات السالفة بعين البصيرة يدرك كيف قامت حضارات على الأخلاق الكريمة والدين الصحيح؛ كالحضارة التي قامت في زمن داود وسليمان عليهما السلام، والتي قامت في زمن ذي القرنين، وكثير من الأمم التي التزمت بالقيم والأخلاق فظلت قوية طالما حافظت عليها، فلما دب سوس الفواحش إليها استسلمت للشياطين، وبدلت نعمة الله كفرًا، وأحلت قومها دار البوار، فنزلت قوتها، وتلاشت حضارتها.
إن الصديق استوعب سنن الله في المجتمعات وبناء الدول وزوالها، وفهم أن زوال الدول يكون بالترف والفساد، والانغماس في الفواحش والموبقات قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]، أي: أمرناهم بالأمر الشرعي من فعل الطاعات وترك المعاصي فعصوا وفسقوا فحق عليهم العذاب والتدمير جزاء فسقهم وعصيانهم. وفي قراءة: {أَمَّرْنَا} بالتشديد أي: جعلناهم أمراء. والترف وإن كان كثرة المال والسلطان من أسبابه، إلا أنه حالة نفسية ترفض الاستقامة على منهج الله وليس كل ثراء ترفًا.
إن سياسية الصديق في حربه للفواحش حري بحكام المسلمين أن يقتدوا به، فالحاكم التقي الذكي العادل هو الذي يربي أمته على الأخلاق القويمة؛ لأنه حينئذ سيقود شعبًا أحس طعم الآدمية، وجرى في عروقه دم الإنسانية، وأما إن سُلب الحاكم الذكاء وصار من الأغبياء.. أشاع الفاحشة في قومه، وعمل على حمايتها بالقوة والقانون، وحارب القيم والأخلاق الحميدة، ودفع بقومه إلى مستنقعات الرذيلة ليصبحوا كالحيوانات الضالة والقطعان الهائمة، لا هم لها إلا المتاع والزينة الخادعة، فيصبحوا بعد ذلك أقزامًا، قد ودعوا الرجولة والشهامة.
ويصدق فيهم قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
هذه بعض التعليقات التي فتح الله بها بما ترى على البيان الذي ألقاه الصديق للأمة، والذي رسم فيه سياسة الدولة، فحدد مسئولية الحاكم ومدى العلاقة بينه وبين المحكومين، وغير ذلك من القواعد المهمة في بناء الدولة وتربية الشعوب، وهكذا قامت الخلافة الإسلامية، وتحدد مفهوم الحكم تحديدًا عمليًا، وكان حرص الأمة على منصب الخلافة واختيار الخليفة على هذه الصورة، ومسارعة الناس إلى الرضا بذلك, دليلاً على أنهم كانوا يسلمون بأن النظام الذي أنشأه النبي -عليه الصلاة والسلام- واجب البقاء، وأن النبي وإن مات فإنه خلف فيهم دينًا وكتابًا يسيرون على هديه؛ فرضاء الناس يومئذ يعبر عن إرادة الاستمرار في ظل النظام الذي أنشأه النبي.
إن حكومة الصديق تمتع بها المسلمين زمنًا ليس بكثير، وعين أبو بكر حد السلطة العليا فيها بتلك الخطبة الراقية على مستوى أنظمة الحكم في ذلك العصر وفي هذا الزمن؛ فهي حكومة شورية قلَّ أن يجد طلاب الحرية والعدل في كل عصر أحسن لسياسة الأمم منها، قادها التلميذ الأنجب والأذكى والأعلم والأعظم إيمانا للحبيب المصطفى، أبو بكر.

وقد بيَّن الإمام مالك بأنه لا يكون أحد إمامًا أبدًا إلا على هذا الشرط ؛ يقصد بالمضامين العظيمة التي ألقاها الصديق في بيانه السياسي الأول.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23-09-2019, 06:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق
(36) إدارة الشئون الداخلية



علي بن محمد الصلابي




أراد الصديق أن ينفذ السياسة التي رسمها لدولته، واتخذ من الصحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة (وزير المالية)، فأسند إليه شئون بيت المال، وتولى عمر بن الخطاب القضاء (وزارة العدل)، وباشر الصديق القضاء بنفسه أيضاً، وتولى زيد بن ثابت الكتابة (وزير البريد والمواصلات) وأحياناً يكتب له من يكون حاضرا من الصحابة؛ كعلي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان رضي الله عنهم.
وأطلق المسلمون على الصديق لقب خليفة رسول الله، ورأى الصحابة ضرورة تفريغ الصديق للخلافة، فقد كان أبو بكر رجلاً تاجرًا يغدو كل يوم إلى السوق، فيبيع ويبتاع، فلما استخلف أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمور المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ فقالا: انطلق معنا حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة.
وجاء في «الرياض النضرة» أن رزقه الذي فرضوه له خمسون ومائتا دينار في السنة، وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارعها، فلم يكن يكفيه ذلك ولا عياله، قالوا: وقد كان قد ألقي كل دينار ودرهم عنده في بيت مال المسلمين، فخرج إلى البقيع فتصافق «بايع»، فجاء عمر فإذا هو بنسوة جلوس، فقال: ما شأنكن؟ قلن: نريد خليفة رسول الله يقضي بيننا، فانطلق فوجده في السوق فأخذه بيده فقال: تعالَ ها هنا.
فقال: لا حاجة لي في إمارتكم، رزقتموني ما لا يكفيني ولا عيالي. قال: فإنا نزيدك. قال أبو بكر: ثلاثمائة دينار والشاة كلها. قال عمر: أما هذا فلا، فجاء علي وهما على حالهما تلك، قال: أكملها له، قال: ترى ذلك؟ قال: نعم، قال: قد فعلنا.
وانطلق أبو بكر فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس فقال: أيها الناس، إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارعها، وإن عمر وعليا كملا لي ثلاثمائة دينار والشاة، أفرضيتم؟ قال المهاجرون: اللهم نعم، قد رضينا.
وهكذا وقف الصحابة في فهمهم الراقي لولاية الدين وأمانة الحكم يفرضون لإمامهم رزقاً يغتني به عن التجارة، بعد إذ صار عاملاً للأمة تملك منه الوقت والجهد والفكر، ومن ثم يقررون معنى في الإسلام بديعاً يفصل الذمة المالية للأمة عن ذمة الحاكم.
هذا المعنى الذي لم يعرفه الغرب إلا في عهوده القريبة، إذا ظلت راية (ما لقيصر لقيصر) مشرعة خفاقة يقاتل الناس دونها أزماناً طويلة.
إن أصدق تعبير تقف به على دخول الذمة المالية للدولة بأسرها في ذمة الحاكم لهو مقالة لويس الخامس عشر: أنا الدولة والدولة أنا. لقد كان لويس تاجر غلال معروفاً يتجر في قوت أمته، وهي تتضور جوعاً، ثم لا يرى أحد في ذلك شيئاً من العار، أليس هو الأصل والأمة فرع عنه؟.
أين البشرية اليوم من أولئك الصحابة رضوان الله عليهم؟ فإن الخزينة قد أضحت بعدهم بيد أشخاص ينفقون كيف يشاءون، ويتصرفون كما يريدون، كما أصبحت لهم نفقات مستورة لا حصر لها، وفوق هذا فقد تكدست لهم الأموال لكثرتها وأكثرها يعود إلى الحكام وأمراء الشعوب المستضعفة، مع أنه قد ظهر أن هذه الأموال مهما بلغت، والعقارات مهما كثرت، فإنها لا تكفي شيئاً، ولا تغني صاحبها شيئاً، فإن شاه إيران مع ضخامة ما يملك لم يجد أرضا تقبله ليأوي إليها، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فالأمر أشد والحساب عظيم.
فعلى حكام المسلمين أن يقتدوا بهذا الصحابي الجليل الذي أدار دولة الإسلام بعد وفاة الرسول، فما أجمل قوله: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمين فيه.
إن الصديق يؤكد معاني بديعة، فولاية الدين ليست في حد ذاتها مغنمًا، أما ما يفرض لها من رزق فلما تقضي إليه من اشتغال عامل الأمة عن أمر نفسه.
لقد سطر الصديق والصحابة الكرام صفحات رائعة في جبين الزمن، حتى إن البشرية تسعى في سلم التطور وتسعى، ثم إذا هي قابعة عند أقدامهم.

سار الصديق في بناء دولة الإسلام بجد ونشاط واهتم بالبناء الداخلي، ولم يترك أي ثغرة يمكن أن تؤثر في ذلك البناء الذي تركه رسول الله، فاهتم بالرعية وله مواقف مشرفة في هذا الباب، وأعطى للقضاء اهتماماً خاصاً، وتابع أمر الولاة، وسار على المنهج النبوي الكريم في كل خطواته، وإليك شيء من التفصيل عن تلك السياسة الرشيدة:
فتابعونا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-09-2019, 06:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(38) نصحه لامرأة نذرت أن لا تحدث أحدًا


علي بن محمد الصلابي




كان أبو بكر ينهى عن أعمال الجاهلية، والابتداع في الدين، ويدعو إلى أعمال الإسلام، والتمسك بالسنة، فعن قيس بن أبي حازم: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس، يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم، فقال أبو بكر: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: نوت حجة مصمتة فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، قال: فتكلمت، فقالت: من أنت؟ قال: أنا امرؤ من المهاجرين.
قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر. قالت: يا خليفة رسول الله، ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ فقال: بقاؤكم عليه ما استقامت به أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس.
قال الخطابي -رحمه الله-: كان من سنة الجاهلية الصمت، فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت، فنهوا عن ذلك وأمروا بالنطق بالخير، وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بأن من حلف أن لا يتكلم استحب له أن يتكلم ولا كفارة عليه، لأن أبا بكر لم يأمرها بالكفارة، وقياسه أن من نذر أن لا يتكلم لم ينعقد نذره؛ لأن أبا بكر أطلق أن ذلك لا يحل، وأنه من فعل الجاهلية، وأن الإسلام هدم ذلك، ولا يقول مثل هذا إلا عن علم من النبي ، فيكون من حكم المرفوع.

وقال ابن حجر: وأما الأحاديث الواردة في الصمت وفضله فلا يعارض لاختلاف المقاصد في ذلك؛ فالصمت المرغب فيه: ترك الكلام بالباطل، وكذا المباح إن جر إلى شيء من ذلك، والصمت المنهي عنه ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه، وكذا المباح المستوي الطرفين، والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23-09-2019, 06:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(39) اهتمامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


علي بن محمد الصلابي


كان الصديق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبين للناس ما التبس عليهم من الفهم، فعن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}، إني سمعت رسول الله يقول: «إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب». وفي رواية: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها، وإنا سمعنا النبي يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب».

قال النووي: وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}. فليس مخالفاً لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله، ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه.
وكان رضي الله عنه يحث الناس على الصواب، فعن ميمون بن مهران أن رجلاً سلم على أبي بكر فقال: السلام عليك يا خليفة رسول الله، قال: من بين هؤلاء أجمعين؟ وكان يترك السنة مخافة أن يظن من لا علم له أنها فريضة أو واجبة، فعن حذيفة بن أسيد أنه قال: رأيت أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- وما يضحيان مخافة أن يستن بهما. وفي رواية: كراهية أن يقتدى بهما. وكان يوصي ابنه عبد الرحمن بحسن المعاملة لجيرانه، فقد قال له ذات يوم وهو يخاصم جار له: لا تماظ جارك؛ فإن هذا يبقى ويذهب الناس.
وكان باراً بوالده، فلما اعتمر في رجب سنة اثنتي عشرة من الهجرة، دخل مكة ضحوة فأتى منزله، وأبوه أبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان يحوشهم، فقيل له: هذا ابنك فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ ناقته فنزل عنها وهي قائمة –ليقابل أباه في بر وطاعة، وجاء الناس يسلمون عليه، فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ فأحسنْ صحبتهم، فقال أبو بكر: يا أبة لا حول ولا قوة إلا بالله، طوقت أمراً عظيماً لا قدرة لي به، ولا يدان إلا بالله.
وكان يهتم بالصلاة والخشوع فيها ويحرص على حسن العبادة، وكان لا يلتفت في صلاته، وكان أهل مكة يقولون: أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي. وكان عبد الرزاق يقول: ما رأيت أحداً أحسن صلاة من ابن جريج.، وعن أنس قال: صلى أبو بكر بالناس الفجر فاقترأ البقرة في ركعتيه، فلما انصرف قال له عمر: يا خليفة رسول الله، ما انصرفت حتى رأينا أن الشمس قد طلعت، قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
وكان يحث الناس على الصبر في المصائب، ويقول لمن مات له أحد: ليس مع العزاء مصيبة ولا مع الجزع فائدة، الموت أهون مما قبله وأشد مما بعده، اذكروا فَقْدَ رسول الله تصغر مصيبتكم، وعظم الله أجركم.
وعزى عمر عن طفل أصيب به فقال: عوضك الله منه ما عوضه منك.
وكان يحذر الناس البغي، والنكث، والمكر ويقول: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث، والمكر.
وكان يعظ الناس ويذكرهم بالله، ومن مواعظه: الظلمات خمس والسُّرُج خمس: حب الدنيا ظلمة والسراج له التقوى، والذنب ظلمة والسراج له التوبة، والقبر ظلمة والسراج له لا إله إلا الله محمد رسول الله، والآخرة ظلمة والسراج لها العمل الصالح، والصراط ظلمة والسراج لها اليقين.
وكان من خلال منبر الجمعة يحث على الصدق والحياء، ويحث على الاعتبار والاستعداد للقدوم على الله ويحذر من الغرور.
فعن أوسط بن إسماعيل -رحمه الله- قال: سمعت أبا بكر الصديق يخطب بعد وفاة رسول الله بسنة، فقال: قام فينا رسول الله مقامي هذا عام أول، ثم بكى أبو بكر ثم قال: (وفي رواية: ثم ذرفت عيناه فلم يستطع من العَبْرَة أن يتكلم)، ثم قال: «أيها الناس: اسألوا لله العافية، فإنه لم يعط أحد خيرًا من العافية بعد اليقين، وعليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة. وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار. ولا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا.
وقال الزبير بن العوام: إن أبا بكر قال وهو يخطب الناس: يا معشر المسلمين: استحيوا من الله عز وجل، فو الذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعا بثوبي استحياء من ربي عز وجل.
وعن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر فقال: أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاح بالمسألة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]، ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، فاشترى القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه، ولا يطفأ نوره، فصدقوا قوله، وانتصحوا كتابه، واستوضئوا منه ليوم الظلمة؛ فإنما خلقكم للعبادة، ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غُيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، فيردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن أقواماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا مثلهم، فالوحا الوحا، ثم النجا النجا، فإن وراءكم طلبا حثيثاً مَرُّه سريع.
وفي رواية أخرى: أين من تعرفون من إخوانكم ومن أصحابكم؟! قد وردوا على ما قدموا، قدموا ما قدموا في أيام سلفهم، وحلوا فيه بالشقوة أو السعادة. أين الجبارون الذين بنوا المدائن، وحففوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار، أين الوضاءة الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك؟ وأين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر، فأصبحوا في ظلمات القبور، لا خير في قول لا يراد به وجه الله، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم.
إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيرًا، ولا يصرفه عن سوء إلا بطاعته واتباع أمره، وإنه لا خير بخير بعده النار، ولا شر بشر بعده الجنة، واعلموا أنكم ما أخلفتم لله -عز وجل- فربكم أطعتم، وحقكم حفظتم، وأوصيكم بالله لفقركم وفاقتكم أن تتقوه، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تستغفروه إنه كان غفارًا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وهكذا كان الصديق يهتم بالمجتمع فيعظ المسلمين، ويحثهم على الخير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فهذا غيض من فيض، وقليل من كثير.

ب- نصحه لامرأة نذرت أن لا تحدث أحدًا:

كان أبو بكر ينهى عن أعمال الجاهلية، والابتداع في الدين، ويدعو إلى أعمال الإسلام، والتمسك بالسنة ([1])، فعن قيس بن أبي حازم: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس([2]), يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم، فقال أبو بكر: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: نوت حجة مصمتة([3]) فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل ([4])، هذا من عمل الجاهلية، قال: فتكلمت، فقالت: من أنت؟ قال: أنا امرؤ من المهاجرين. قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر. قالت: يا خليفة رسول الله، ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ فقال: بقاؤكم عليه ما استقامت به أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس ([5]).
قال الخطابي -رحمه الله-: كان من سنة الجاهلية الصمت، فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت، فنهوا عن ذلك وأمروا بالنطق بالخير، وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بأن من حلف أن لا يتكلم استحب له أن يتكلم ولا كفارة عليه، لأن أبا بكر لم يأمرها بالكفارة، وقياسه أن من نذر أن لا يتكلم لم ينعقد نذره؛ لأن أبا بكر أطلق أن ذلك لا يحل، وأنه من فعل الجاهلية، وأن الإسلام هدم ذلك، ولا يقول مثل هذا إلا عن علم من
النبي ، فيكون من حكم المرفوع ([6]).


وقال ابن حجر: وأما الأحاديث الواردة في الصمت وفضله فلا يعارض لاختلاف المقاصد في ذلك؛ فالصمت المرغب فيه: ترك الكلام بالباطل، وكذا المباح إن جر إلى شيء من ذلك، والصمت المنهي عنه ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه، وكذا المباح المستوي الطرفين، والله أعلم ([7]).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23-09-2019, 06:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(40) القضاء في عهد الصديق


علي بن محمد الصلابي



يعتبر عهد الصديق بداية العهد الراشدي الذي تتجلى أهميته بصلته بالعهد النبوي وقربه منه، فكان العهد الراشدي عامة، والجانب القضائي خاصة، امتدادًا للقضاء في العهد النبوي، مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في العهد النبوي، وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه.
وتظهر أهمية العهد الراشدي في القضاء بأمرين أساسيين:
1- المحافظة على نصوص العهد النبوي في القضاء، والتقيد بما جاء فيه، والسير في ركابه، والاستمرار في الالتزام به.
2- وضع التنظيمات القضائية الجديدة لترسيخ دعائم الدولة الإسلامية الواسعة، ومواجهة المستجدات المتنوعة.
كان أبو بكر رضى الله عنه يقضي بنفسه إذا عرض له قضاء، ولم تفصل ولاية القضاء عن الولاية العامة في عهده، ولم يكن للقضاء ولاية خاصة مستقلة، كما كان الأمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان الناس على مقربة من النبوة، يأخذون أنفسهم بهدى الإسلام، وتقوم حياتهم على شريعته، وقلما توجد بينهم خصومة تذكر؛ ففي المدينة عهد أبو بكر إلى عمر بالقضاء، ليستعين به في بعض الأقضية ولكن هذا لم يعط لعمر صفة الاستقلال بالقضاء.
وأقر أبو بكر رضى الله عنه معظم القضاة والولاة الذين عينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمروا على ممارسة القضاء والولاية أو أحدهما في عهده، وسوف نأتي على ذكر الولاة وأعمالهم بإذن الله تعالى.
وأما مصادر القضاء في عهد الصديق رضى الله عنه هي:
1- القرآن الكريم.
2- السنة النبوية، ويندرج فيها قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- الإجماع، باستشارة أهل العلم والفتوى.
4- الاجتهاد والرأي، وذلك عند عدم وجود ما يحكم به من كتاب أو سنة أو إجماع.
فكان أبو بكر رضى الله عنه إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى، فإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به، فإن أعياه ذلك سأل الناس، هل علمتم أن رسول الله قضى فيه بقضاء، فربما قام إليه القوم فيقولون: قضى فيه بكذا أو بكذا، فيأخذ بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول عندئذ: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا. وإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به.
ويظهر أن الصديق يرى الشورى ملزمة إذا اجتمع رأي أهل الشورى على أمر؛ إذ لا يجوز للإمام مخالفتهم. وهذا ما حكى عنه في القضاء، فإنه كان إذا اجتمع رأى المستشارين على الأمر قضى به وهذا ما أمر به عمرو بن العاص عندما أرسل إليه خالد ابن الوليد مددًا حيث قال له: شاورهم ولا تخالفهم.
وكان رضى الله عنه يتثبت في قبول الأخبار، فعن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله تعالى شيئا، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، فقال أبو بكر: هل معك أحد؟ فشهد ابن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر رضى الله عنه. كان يرى أن القاضي لا يحكم بعلمه الشخصي، إلا إذا كان معه شاهد آخر يعزز هذا العلم، فقد روى عن أبي بكر رضى الله عنه أنه قال: لو رأيت رجلاً على حد، لم أعاقبه حتى تقوم البينة عليه، أو يكون معي شاهد آخر.
وهذه بعض الأقضية التي صدرت في عهد أبي بكر رضى الله عنه:
أ- قضية قصاص:
قال علي بن ماجدة السهمي: قاتلت رجلاً، فقطعت بعض أذنه، فقدم أبو بكر حاجًّا، فرفع شأننا إليه، فقال لعمر: انظر هل بلغ أن يتقص منه، قال: نعم، عليَّ بالحجَّام، فلما ذكر الحجام، قال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني وهبت لخالتي غلامًا، أرجو أن يبارك لها فيه، وإني نهيتها أن تجعله حجامًا، أو قصابًا، أو صانعًا».
2- نفقة الوالد على الولد:

عن قيس بن حازم قال: حضرت أبا بكر الصديق رضى الله عنه، فقال له رجل: يا خليفة رسول الله، هذا يريد أن يأخذ مالي كله ويجتاحه، فقال أبو بكر رضى الله عنه: إنما لك من ماله ما يكفيك، فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت ومالك لأبيك؟» فقال أبو بكر رضى الله عنه: ارض بما رضي الله به. ورواه غيره عن المنذر بن زياد، وقال فيه: إنما يعني بذلك النفقة.
3- الدفاع المشروع:


عن أبي مليكة عن جده أن رجلاً عض يد رجل فأندر ثنيته (قلع سنه)، فأهدرها أبو بكر.
4- الحكم بالجلد:
روى الإمام مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته: أن أبا بكر الصديق أتى برجل قد وقع على جارية بكر فأحبلها، ثم اعترف على نفسه بالزنا، ولم يكن أحصن، فأمر به أبو بكر فجلد الحد، ثم نفى إلى فدك.
وفي رواية: بأنه لم يجلد الجارية ولم ينفها لأنها استكرهت، ثم زوجها إياه أبو بكر وأدخله عليها.
5- الحضانة للأم ما لم تتزوج:
طلق عمر بن الخطاب امرأته الأنصارية -أم ابنه عاصم- فلقيها تحمله بِمُحَسِّر، ولقيه قد فُطم ومشي، فأخذ بيديه لينتزعه منها، ونازعها إياه حتى أوجع الغلام وبكى، وقال: أنا أحق بابني منك.
فاختصما إلى أبي بكر، فقضى لها به، وقال: ريحها وحجرها وفرشها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه، وفي رواية: هي أعطف وألطف وأرحم وأحن وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج.
هذه بعض الأقضية والأحكام التي حدثت في عهد الصديق رضى الله عنه، هذا وقد تميز القضاء في عهد الصديق بعدة أمور منها:
- كان القضاء في عهد الصديق امتدادًا لصورة القضاء في العهد النبوي؛ بالالتزام به، والتأسي بمنهجه، وانتشار التربية الدينية، والارتباط بالإيمان والعقيدة والاعتماد على الوازع الديني، والبساطة في سير الدعوى واختصار الإجراءات القضائية، وقلة الدعاوى والخصومات.
- أصبحت الأحكام القضائية في عصر الصديق موئل الباحثين، ومحط الأنظار للفقهاء، وصارت الأحكام القضائية مصدرًا للأحكام الشرعية، والاجتهادات القضائية، والآراء الفقهية في مختلف العصور.
مارس الصديق وبعض ولاته النظر في المنازعات، وتولى القضاء بجانب الولاية.
ساهمت فترة الصديق في ظهور مصادر جديدة للقضاء في العهد الراشدي، وصارت مصادر الأحكام القضائية هي: القرآن الكريم، والسنة الشريفة، والإجماع، والقياس، والسوابق القضائية، والرأي الاجتهادي مع المشورة.
هـ- كانت آداب القضاء مرعية في حماية الضعيف،ونصرة المظلوم، والمساواة بين الخصوم، وإقامة الحق والشرع على جميع الناس، ولو كان الحكم على الخليفة أو الأمير أو الوالي، وكان القاضي في الغالب يتولى تنفيذ الأحكام، إن لم ينفذها الأطراف طوعًا واختيارًا، وكان التنفيذ عقب صدور الحكم فورًا.
- الولاية على البلدان:
كان أبو بكر يستعمل الولاة في البلدان المختلفة ويعهد إليهم بالولاية العامة في الإدارة والحكم والإمامة، وجباية الصدقات، وسائر أنواع الولايات، وكان ينظر إلى حسن اختيار الرسول للأمراء والولاة على البلدان، فيقتدي به في هذا العمل، ولهذا نجده قد أقر جميع عمال الرسول الذين توفي الرسول وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحدًا منهم إلا ليعينه في مكان آخر أكثر أهمية من موقعه الأول، ويرضاه، كما حدث لعمرو بن العاص.
وكانت مسئوليات الولاة في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه بالدرجة الأولى امتدادا لصلاحياتهم في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، خصوصاً الولاة الذين سبق تعيينهم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويمكن تلخيص أهم مسئوليات الولاة في عصر أبي بكر وهي:
أ- إقامة الصلاة وإمامة الناس، وهي المهمة الرئيسية لدى الولاة نظرا لما تحمله من معان دينية ودنيوية، سياسية واجتماعية، حيث الولاة يأمون الناس وعلى وجه الخصوص في صلاة الجمعة، والأمراء دائمًا كانت توكل إليهم الصلاة سواء كانوا أمراء على البلدان أم أمراء على الأجناد.
ب- الجهاد كان يقوم به أمراء الأجناد في بلاد الفتوح، فكانوا يتولون أموره وما فيه من مهام مختلفة بأنفسهم، أو ينيبون غيرهم في بعض المهام، كتقسيم الغنائم أو المحافظة على الأسرى، أو غير ذلك، وكذلك ما يتبع هذا الجهاد من مهام أخرى كمفاوضة الأعداء وعقود المصالحة معهم وغيرها، ويتساوى في المهمات الجهادية أمراء الأجناد في الشام والعراق، وكذلك الأمراء في البلاد التي حدثت فيها الردة كاليمن والبحرين ونجد، نظرًا لوجود تشابه في العمليات الجهادية مع اختلاف الأسباب الموجهة لهذه العمليات.


جـ- إدارة شئون البلاد المفتوحة، وتعيين القضاة والعمال عليها من قبل الأمراء أنفسهم، وبإقرار من الخليفة أبي بكر، أو تعيين من أبي بكر رضى الله عنه عن طريق هؤلاء العمال.
د- أخذ البيعة للخليفة، فقد قام الولاة في اليمن وفي مكة والطائف وغيرها بأخذ البيعة لأبي بكر رضى الله عنه من أهل البلاد التي كانوا يتولون عليها.
هـ- كانت هناك أمور مالية توكل إلى الولاة أو إلى من يساعدهم ممن يعينهم الخليفة أو الوالي لأخذ الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء، أو أخذ الجزية من غير المسلمين وصرفها في محلها الشرعي، وهي امتداد لما قام به ولاة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص.
و- تجديد العهود القائمة من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قام والي نجران بتجديد العهد الذي كان بين أهلها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على طلب نصارى نجران.
ز- كانت من أهم مسئوليات الولاة إقامة الحدود، وتأمين البلاد، هم يجتهدون رأيهم فيما لم يكن فيه نص شرعي، كما فعل المهاجر بن أبي أمية بالمرأتين اللتين تغنتا بذم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفرحتا بوفاته، وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى في جهاد الصديق لأهل الردة.
ح- كان للولاة دور رئيسي في تعليم الناس أمور دينهم وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولون عليها، وكان الكثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد يعلمون الناس القرآن والأحكام، وذلك عملاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتعتبر هذه المهمة من أعظم المهام وأجلها في نظر الرسول صلى الله عليه وسلم وخليفته أبي بكر، وقد اشتهر عن ولاة أبي بكر ذلك، حيث يتحدث أحد المؤرخين عن عمل زياد والي أبي بكر على حضرموت فيقول: فلما أصبح زياد غدا يقرئ الناس كما كان يفعل قبل ذلك.
وبهذا التعليم كان للولاة دور كبير في نشر الإسلام في ربوع البلاد التي يتولونها، وبهذا التعليم تثبت أقدام الإسلام سواء في البلاد المفتوحة الحديثة العهد بالإسلام أو في البلاد التي كانت مسلمة وارتدت، وهي حديثة عهد بالردة، جاهلة بأحكام دينها، إضافة
إلى البلاد المستقرة كمكة والطائف والمدينة، كان بها من يقرئ الناس بأمر من الولاة أو الخليفة نفسه، أو من يعينه الخليفة على التعليم في هذه البلدان .
وقد كان الوالي هو المسئول مسئولية مباشرة عن إدارة الإقليم الذي يتولاه، وفي حالة سفر هذا الوالي فإنه يتعين عليه أن يستخلف أو ينيب عنه من يقوم بعمله حتى يعود هذا الوالي إلى عمله، ومن ذلك أن المهاجر بن أبي أمية عينه الرسول صلى الله عليه وسلم على كندة، ثم أقره أبو بكر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يصل المهاجر إلى اليمن مباشرة وتأخر نظرًا لمرضه، فأرسل إلى «زياد بن لبيد» ليقوم عنه بعمله حتى شفائه وقدومه، وقد أقر أبو بكر ذلك، كذلك كان خالد أثناء ولايته للعراق ينيب عنه في الحيرة من يقوم بعمله حتى عودته.
وكان أبو بكر رضى الله عنه يشاور الكثير من الصحابة قبل اختيار أحد من الأمراء سواء على الجند أو على البلدان، ونجد في مقدمة مستشاري أبي بكر في هذا الأمر عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما، كما كان أبو بكر رضى الله عنه يشاور الشخص الذي يريد توليته قبل أن يعينه، وعلى وجه الخصوص إذا أراد أن ينقل الشخص من ولاية إلى أخرى، كما حدث حينما أراد أن ينقل عمرو بن العاص من ولايته التي ولاه عليها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ولاية جند فلسطين، فلم يصدر أبو بكر قراره إلا بعد أن استشاره وأخذ منه موافقة على ذلك، كذلك الحال بالنسبة للمهاجر بن أبي أمية الذي خيرة أبو بكر بين اليمن أو حضرموت، فاختار المهاجر اليمن فعينه أبو بكر عليها.
ومن الأمور التي سار عليها أبو بكر رضى الله عنه أنه كان يعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تولية بعض الناس على قومهم إذا وجد فيهم صلحاء، كالطائف وبعض القبائل، وكان أبو بكر رضى الله عنه عندما يريد أن يعين شخصا على ولاية يكتب للشخص المعين عهدا له على المنطقة التي ولاه عليها، كما أنه في كثير من الأحيان قد يحدد له طريقه إلى ولايته وما يمر عليه من أماكن، خصوصا إذا كان التعيين مختصا بمنطقة لم تفتح بعد، ولم تدخل ضمن سلطات الدولة، ويتضح ذلك في حروب الردة، وفتوح الشام والعراق، وقام الصديق أحيانا بضم بعض الولايات إلى بعض، خصوصا بعد الانتهاء من قتال المرتدين؛ فقد ضم أبو بكر كندة إلى زياد ابن لبيد البياضي، وكان واليا على حضرموت واستمر بعد ذلك واليا لحضرموت وكندة.
وكانت معاملة أبي بكر للولاة تتسم بالاحترام المتبادل الذي لم تشبه شائبة، وأما عن الاتصالات بين الولاية وبين الخليفة أبي بكر رضى الله عنه، فقد كانت تجري بصفة دائمة، وكانت هذه الاتصالات تختص بمصالح الولاية ومهام العمل، فقد كان الولاة كثيرًا ما يكتبون لأبي بكر في مختلف شئونهم يستشيرونه، وكان أبو بكر يكتب لهم الإجابة عن استفساراتهم، أو يوجه لهم أوامره، وكانت الرسل تأتي بالأخبار من الولاة، سواء أخبار الجهاد أو قبل ذلك على جهات حروب المرتدين. كذلك كان الولاة يبعثون بأخبار ولاياتهم من تلقاء أنفسهم، وكان الولاة يتصل بعضهم ببعض عن طريق الرسل أو عن طريق الاتصال المباشر واللقاءات، وتتمثل هذه اللقاءات والاتصالات بالدرجة الأولى بين ولاة اليمن وحضرموت بعضهم مع بعض، وكذلك الحال بالنسبة لولاة الشام، الذين كانوا كثيرًا ما يجتمعون لتدارس أمورهم العسكرية بالدرجة الأولى، وكانت كثير من مراسلات أبي بكر رضى الله عنه تختص بحث الولاة على الزهد في الدنيا وطلب الآخرة، وكانت بعض هذه النصائح تصدر على شكل كتب عامة رسمية من الخليفة نفسه إلى مختلف الولاة وأمراء الأجناد.
هذا وقد قسمت الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر إلى عدة ولايات، وهذه أسماء الولايات والولاة:
أ- المدينة: عاصمة الدولة وبها الخليفة أبو بكر رضى الله عنه.
ب- مكة: وأميرها عتاب بن أسيد وهو الذي ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر مدة حكم أبي بكر.
جـ- الطائف: وأميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقره أبو بكر عليها.
د- صنعاء: وأميرها المهاجر بن أبي أمية، وهو الذي فتحها ووليها بعد انتهاء أمر الردة.
هـ- حضرموت: وليها زياد بن لبيد.
و- زبيد ورقع: ووليها أبو موسى الأشعري.
ز- خولان: ووليها يعلى بن أبي أمية.
ح- الجند: وأميرها معاذ بن جبل.
ط- نجران: ووليها جرير بن عبد الله البجلي.
ي- جرش: ووليها عبد الله بن ثور.
ك- البحرين: ووليها العلاء بن الحضرمي.
ل- العراق والشام: كان أمراء الجند هم ولاة الأمر فيها.
م- عمان: ووليها حذيفة بن محصن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23-09-2019, 06:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبو بكر الصديق علي بن محمد الصلابي

أبو بكر الصديق

(41) موقف علي والزبير رضي الله عنهما من خلافة الصديق


علي بن محمد الصلابي




وردت أخبار كثيرة في شأن تأخر علي عن مبايعة الصديق رضي الله عنهما، وكذا تأخر الزبير بن العوام، وجل هذه الأخبار ليس بصحيح إلا ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان انشغال جماعة من المهاجرين وعلى رأسهم علي بن أبي طالب بأمر جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغسيل وتكفين، ويبدو ذلك واضحا فيما رواه الصحابي سالم بن عبيد رضي الله عنه من أن أبا بكر قال لأهل بيت النبي، وعلى رأسهم علي: عندكم صاحبكم، فأمرهم يغسلونه.
وقد بايع الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- أبا بكر في اليوم التالي لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يوم الثلاثاء. قال أبو سعيد الخدري: لما صعد أبو بكر المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير بن العوام فدعا بالزبير فجاء، فقال له أبو بكر: يا ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحواريه، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟ فقال الزبير: لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام الزبير، فبايع أبا بكر، ثم نظر أبو بكر في وجوه القوم، فلم ير علي بن أبي طالب فدعا بعلي، فجاء، فقال له أبو بكر: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختنه على ابنته، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟ فقال علي: لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام علي، فبايع أبا بكر.
ومما يدل على أهمية حديث أبي سعيد الخدري الصحيح أن الإمام «مسلم بن الحجاج» صاحب «الجامع الصحيح» الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد «صحيح البخاري» ذهب إلى شيخه الإمام الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب صحيح ابن خزيمة فسأله عن هذا الحديث، فكتب له ابن خزيمة الحديث، وقرأه عليه، فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة:
هذا الحديث يساوي بدنة، فقال ابن خزيمة: هذا الحديث لا يساوي بدنة فقط، إنه يساوي بدرة مال.

وعلق على هذا الحديث ابن كثير -رحمه الله- فقال: هذا إسناد صحيح محفوظ، وفيه فائدة جلية، وهي مبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه، وفي رواية حبيب بن أبي ثابت، حيث قال: كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج علي إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء وهو متعجل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر ثم جلس، وبعث في ردائه، فجاءوه به فلبسه فوق قميصه، وقد سأل عمرو بن حريث سعيد ابن زيد رضي الله عنه، فقال له: أَشَهِدْتَ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال له: متى بويع أبو بكر؟ قال سعيد: يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة. قال: هل خالف أحد أبا بكر؟ قال سعيد: لا، لم يخالفه إلا مرتد أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه. قال: هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته؟ قال سعيد: لا. لقد تتابع المهاجرون على بيعته!!.
وأما علي رضي الله عنه فلم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عنه في جماعة من الجماعات، وكان يشاركه في المشورة، وفي تدبير أمور المسلمين.
ويرى ابن كثير وكثير من أهل العلم أن عليا جدد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة الأولى؛ أي بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة.
وكان علي في خلافة أبي بكر عيبة نصح له، مرجحا لما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين على أي شيء آخر، ومن الدلائل الساطعة على إخلاصه لأبي بكر ونصحه للإسلام والمسلمين، وحرصه على الاحتفاظ ببقاء الخلافة واجتماع شمل المسلمين ما جاء من موقفه من توجه أبي بكر رضي الله عنه بنفسه إلى ذي القصة، وعزمه على محاربة المرتدين، وقيادته للتحركات العسكرية ضدهم بنفسه، وما كان في ذلك من مخاطرة وخطر على الوجود الإسلامي،
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما برز أبو بكر إلى ذي القصة، واستوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها، وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: لمَّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا، فرجع.
فلو كان علي رضي الله عنه -أعاذه الله من ذلك– لم ينشرح صدره لأبي بكر وقد بايعه على رغم من نفسه، فقد كانت هذه فرصة ذهبية ينتهزها علي، فيترك أبا بكر وشأنه، لعله يحدث به حدث فيستريح منه ويصفو الجو له، وإذا كان فوق ذلك –حاشاه عنه- من كراهته له وحرصه على التخلص منه، أغرى به أحدًا يغتاله، كما يفعل الرجال السياسيون بمنافسيهم وأعدائهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 178.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 172.78 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (3.29%)]