زاد العقول شرح سلم الوصول - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 6066 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4594 - عددالزوار : 1302032 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4139 - عددالزوار : 828763 )           »          معركة.. نافارين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 259 )           »          "عدالة الجرافات".. ظاهرة عدوانية جديدة تستهدف المسلمين في الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          فقد الأحبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 235 )           »          الوصية بـ (أحب للناس ما تحب لنفسك) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 113 )           »          فضل الرباط في سبيل الله عز وجل (شرح النووي لصحيح مسلم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          شرح حديث : كل امرئ في ظل صدقته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 106 )           »          تأمّلات في قول الرسول.. "ما نقصت صدقةٌ من مال" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 292 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 12-02-2020, 02:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (11/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام






النـسخ

49 - النَّسْخُ رَفْعُ حُكْمِ سَابِقِ الْخِطَابْ
بِلاَحِقٍ وَجَائِزٌ نَسْخُ الْكِتَابْ


50 - وَسُنَّةٍ، وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ أَوْ
فِي الْحُكْمِ أَوْ كِلَيْهِمَا [وَقَدْ] رَوَوْا



معاني المفردات:
سابق: متقدِّم.

بلاحِق: متأخِّر.

الرسم: الكتابة.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: النسخ استِبدالُ حكمٍ مُتقدِّم بآخَر مُتأخِّر، ووقوع النَّسخ مُمكِنٌ في الكتاب وفي السنَّة، ويقَع النسخ على صُوَرٍ؛ منها: رفع الرسم؛ أي: رفع الآية من الكتاب مع بَقاء المعنى، ومنها: رفع الحكم مع بَقاء الآية، ومنها: رفع اللفظ والحكم جميعًا.

المباحث التي تشتَمِل عليها الأبيات:
تعريف النسخ.

أقسام النسخ.

المبحث الأول: تعريف النسخ:
عرَّف الناظم النسخ تبعًا لصاحب الأصل، وفاتَتْه أمورٌ لم يُورِدها من تعريف المصنِّف صاحب الأصل.

قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 16: "وأمَّا النسخ فمعناه الإزالة، وقيل: معناه النقل، من قولهم: نسَختُ الكتابَ؛ أي: نقلته"، ا.هـ.

فهذا تعريف النَّسخ في اللغة، ولم يُورِده الناظم.

وقال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 16: "وحدُّه: هو الخِطاب الدالُّ على رفْع الحكم الثابت بالخِطاب المتقدِّم على وَجْهٍ لولاه لكان ثابتًا، مع تَراخِيه عنه"، ا.هـ.

ففات الناظم أنْ يذكر تَراخِي الناسخ عن المنسوخ، لذا قال الشرف العمريطي في "نظم الورقات":

وَحَدُّهُ رَفْعُ الخِطَابِ اللاَّحِقِ
ثُبُوتَ حُكْمٍ بِالخِطَابِ السَّابِقِ


رَفْعًا عَلَى وَجْهٍ أَتَى لَوْلاَهُ
لَكَانَ ذَاكَ ثَابِتًا كَمَا هُو


إِذَا تَرَاخَى عَنْهُ فِي الزَّمَانِ
مَا بَعْدَهُ مِنَ الخِطَابِ الثَّانِي


ويُستَفاد من اشتراط التَّراخي أنَّه لا يجوز سبْق الناسخ لمنسوخه، ولا يجوز أنْ يأتي معه في نفس النصِّ، وإنما يُشتَرط تَراخِيه عنه.

فقوله - تعالى -: ï´؟ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ï´¾ [آل عمران: 97]، فقوله - تعالى -: ï´؟ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ï´¾ ليس بناسخٍ لما قبله ï´؟ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ï´¾ [آل عمران: 97]؛ لأنَّه مُتَّصِل بنفس الخِطاب، وشرط النسخ التَّراخِي.

المبحث الثاني: أقسام النَّسخ:
النَّسخ له صُوَر:
1 - يجوز نسخ رسم الآية وبَقاء الحكم؛ نحو آية الرجم التي رُفِعت لفظًا وبقيَتْ حكمًا، ونصُّها: "والشيخ والشيخة إذا زَنَيا فارجموهما البتَّة".

2 - ويجوز نسخ الحكم وبقاء الرسم:

وهو كثيرٌ في كتاب الله، ويأتي على صورتين:
أ - نسخ كلي؛ كما في قوله - تعالى -: ï´؟ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ï´¾ [البقرة: 144].

حيث حُوِّلت القبلةُ إلى البيت الحرام من المسجد الأقصى، فارتَفَع الحكم الأوَّل بالكليَّة.

ب - رفع جزئي، وهو يَرفَع بعضَ الحكم، ويترُك بعضَه؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ï´¾ [النور: 4].

وقد نُسِخ هذا الحكم عند الأحناف بالنسبة للأزواج إذا قذفوا زوجاتهم بقوله - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ï´¾ [النور: 6].

فصارَ حكمُ الزوج إذا قذَف زوجَتَه ولم يكن عنده بيِّنة أربع شهود أو يُلاعِن.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
فاتَ الناظم إيراد تعريف النَّسخ في اللغة؛ حيث إنَّ الجويني - رحمه الله - قد أورَدَه في الأصل، كما بيَّنَّاه آنفًا في مبحث تعريف النَّسخ.

وقد نظَمَه الشرف العمريطي في "نظم الورقات" فقال:

النَّسْخُ نَقْلٌ أَوْ إِزَالةٌ كَمَا
حَكَوْهُ عَنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فِيهِمَا


التتمَّة الثانية:
فاتَ الناظم إيراد شرْط التراخي بين الناسخ ومنسوخه كشرطٍ للنسخ، فلا بُدَّ أنْ يَتراخَى الناسخ فلا يأتي مع المنسوخ في نصٍّ واحد أو يسبقه، راجع مبحث "تعريف النسخ".

وقد أجاد الشرف العمريطي بذكره، بل قد أجاد في تعريف النسخ، فأورد كلَّ ما قاله الجويني - رحمه الله - قال الشرف العمريطي في "نظم الورقات":

وَحَدُّهُ رَفْعُ الخِطَابِ اللاَّحِقِ
ثُبُوتَ حُكْمٍ بِالخِطَابِ السَّابِقِ


رَفْعًا عَلَى وَجْهٍ أَتَى لَوْلاَهُ
لَكَانَ ذَاكَ ثَابِتًا كَمَا هُو


إِذَا تَرَاخَى عَنْهُ فِي الزَّمَانِ
مَا بَعْدَهُ مِنَ الخِطَابِ الثَّانِي


التتمَّة الثالثة:
لفظ النسخ أتى في كتاب الله على ثلاث معانٍ:
1 - جاء بمعنى الرفع والإبطال من غير تَعوِيض شيءٍ عن المنسوخ؛ كما في قوله - تعالى -: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [الحج: 52].

2 - وجاء بالمعنى الاصطلاحي الذي ذكَرناه آنفًا؛ قال - تعالى -: ï´؟ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ï´¾ [البقرة: 106].

3 - وجاء بمعنى نسخ الكتاب ونقله؛ قال - تعالى -: ï´؟ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾ [الجاثية: 29].

التتمة الرابعة:
الرد على مَن أنكر النسخ:
أنكَرَ قومٌ النسخَ، وإنكارهم مردودٌ شرعًا وعقلاً:
أمَّا من جهة الشرع:
قال - تعالى -: ï´؟ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ï´¾ [البقرة: 106].

وقال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل: 101].

أمَّا عقلاً فهو جائزٌ؛ لأنَّ النسخ لا يلزمه البَداء الذي هو الرأي المتجدِّد؛ لأنَّ الله يشرع الحكم الأوَّل وهو يَعلَم أنَّه سينسخه في الوقت الذي تَزُول مصلحتُه فيه، وتَصِير المصلحة في النسخ، فإذا جاء الوقتُ نسخ الحكم الأوَّل وعوض منه الحكم على وفْق ما سبَق في علمه - تعالى - أنَّه سيَفعَله، كما أنَّ المرض بعد الصحَّة وعكسه، والموت بعد الحياة وعكسه، والفقر بعد الغنى وعكسه، ونحو ذلك؛ لذا قال - تعالى -: ï´؟ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ï´¾ [الرعد: 39].

التتمة الخامسة:
الفرق بين النسخ والتخصيص:
قد يُطلِق البعضُ اسمَ النَّسخ على التَّخصِيص والتقييد، أمَّا الأصوليُّون فلا يَفعَلون ذلك، ويُفرِّقون بين النَّسخ والتخصيص، وذلك من وجوه:

1 - أنَّ النَّسخ بيانٌ، أمَّا التخصيص فغير مُرادٍ باللفظ.

2 - أنَّ التخصيص قد يأتي متَّصلاً بالعام في نصٍّ واحد، أو يسبق العام، أمَّا النسخ فلا يكون إلاَّ في خطابَيْن منفصلَيْن متراخيَيْن، يسبق المنسوخ فيهما الناسخ.

3 - أنَّ النسخ يَدخُل في الشيء الواحد؛ كنسخ استِقبال بيت المقدِس بالصلاة إلى بيت الله الحرام بمكة، فالمنسوخ واحدٌ، بخلاف التخصيص؛ فلا يدخُل إلاَّ في عام له أفراد مُتعدِّدة يَخرُج بعضها بالتخصيص ويَبقَى البعض.

4 - أنَّ النَّسخ لا يَدخُل الأخبار، وإنما هو في الإنشاء فقط، بخِلاف التخصيص؛ فإنَّه يكون في الإنشاء وفي الأخبار.

قال الناظم:

51- وَجَازَ لِلْأَخَفِّ أَوْ لِلْأَثْقَلِ
وَبَدَلٍ كَذَا لِغَيْرِ بَدَلِ



معاني المفردات:
بدل: عوض.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: والنسخ يُمكِن أنْ يأتي بحكمٍ أخف من الحكم المرفوع، ويجوز أنْ يكون بحكمٍ أشد منه، وكذا قد يأتي ببدلٍ أو لغير بدلٍ.

المباحث التي يشتمل عليها البيت:
نسخ الأثقل بالأخف.

نسخ الأخف بالأثقل.

نسخ البدل.

المبحث الأول: نسخ الأثقل للأخف:
وهو الغالب في هذا الباب.

أمثلة:
1 - قال - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ï´¾ [البقرة: 240].


نُسِخ بقوله - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ï´¾ [البقرة: 234].

2 - وقال - تعالى -: ï´؟ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ï´¾ [الأنفال: 65].

نسخ بقوله - تعالى -: ï´؟ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾ [الأنفال: 66].

المبحث الثاني: نسخ الأخف بالأثقل:
أمثلته:
1 - نسخ حبس الزواني في البيوت:
قال - تعالى -: ï´؟ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ï´¾ [النساء: 15]، نُسِخ بقوله - تعالى -: ï´؟ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ï´¾ [النور: 2].

والجلد أشدُّ من الحبس في البيوت.

2 - نسخ شرب الخمر:
قال - تعالى -: ï´؟ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ï´¾ [النحل: 67].

نُسِخ بقوله - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ï´¾ [المائدة: 90 - 91].
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 12-02-2020, 02:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

المبحث الثالث: نسخ البدل:
يجوز أنْ ينسخ الحكم بآخَر مكانه، أو بلا بدل.

قال صاحب "المراقي":

وَيَنْسَخُ الأَخَفُّ مَا لَهُ ثِقَلْ
وَقَدْ يَجِيءُ عَارِيًا مِنَ البَدَلْ


مثال النسخ ببدل:
نسخ استِقبال بيت المقدس بالصلاة باستقبال الكعبة؛ قال - تعالى -: ï´؟ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ï´¾ [البقرة: 144].

ومثال النسخ بلا بدل:
قوله - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ï´¾ [المجادلة: 12].

قد نُسِخ بقوله - تعالى -: ï´؟ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ï´¾ [المجادلة: 13].

تتمَّات البحث:
التتمة الأولى:
إنْ قيل: كيف تَمَّ نسْخ الأخفِّ بالأثقل والأثقل بالأخف مع أنَّ الله يقول: ï´؟ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ï´¾ [البقرة: 106]، فإنْ كان الأثقل هو الخير لما جاز أنْ ينسخ بالأخف، وإنْ كان الأخف هو الخير فما جاز أنْ ينسخ بالأثقل.

قلت: الخيريَّة دائرةٌ بين الأخفِّ والأثقل، فتارَةً تكون في الأخفِّ للسهولة والتيسير، وتارَةً تكون في الأثقل لكثْرة الأجر وتَقوِيم النفس.

فيدور النسخ بين التخفيف والثقل، وفي كلاهما خيرٌ.

والظاهريَّة يُنكِرون نسخ الأخف بالأثقل؛ واستدلُّوا لذلك بقول الله - تعالى -: ï´؟ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ï´¾ [البقرة: 185].

وبقوله - تعالى -: ï´؟ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ï´¾ [النساء: 28].

ونحو هذه الآيات في التيسير والتخفيف.

وهذا مردودٌ بأنَّ التخفيف والتيسير المقصودان إنما هما من باب الجملة، فلا يُنافِي أنَّ الله - تعالى - ربما شرع حكمًا أثقل ممَّا قبله لمصلحةٍ، كما أوجب الصيام بعد التخيير.

وهذه المسألة لا بُدَّ أنْ يُنظَر لها من وجهٍ آخَر، ألاَ وهو نسبيَّة التخفيف والتشديد، وهنا لا بُدَّ أنْ أُقدِّم بمقدمات سريعة:
- لا يُكلِّف الله إلاَّ بما يُستَطاع؛ قال - تعالى -: ï´؟ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ï´¾ [البقرة: 286].

- أنَّ الله هو الذي يُقدِّر التخفيفَ والتشديدَ؛ قال - تعالى -: ï´؟ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ï´¾ [النساء: 19].

فتحريم الخمر وهو من جنس تحريم الأخفِّ إلى الأثقل فيه خيرٌ كثيرٌ، ومع ذلك هم لا يستَطِيعون ردَّه.

قال الناظم:

52- وَيُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ
وَسُنَّةٌ بِسُنَّةٍ سِيَّانِ


53- وَيَنْسَخُ الْكِتَابُ سُنَّةً وَقَدْ
اخْتَلَفُوا فِي عَكْسِهِ لَكِنْ وَرَدْ


54- وَيُنْسَخُ الْآحَادُ بِالْآحَادِ
وَالْمُتَوَاتِرِ بِلاَ انْتِقَادِ


55- وَمُتَوَاتِرٌ بِمِثْلِهِ نُسِخْ
لاَ بِالْآحَادِ قَالَ هَذَا مَنْ رَسَخْ



معاني المفردات:
سيَّان: مثلان.

مَن رسَخ: مَن ثبَت وتمكَّن من أهل العلم.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: يجوز نسخ القرآن بالقرآن، كما يجوز نسخ السنَّة بالسنَّة، وأنَّ الكتاب يَنسَخ السنَّة، واختلفوا في نسخ السنَّة للكتاب، وإنْ كان هذا قد ورَد في مواضع.

ويجوز نسخ خبر الآحاد بمثله، والمتواتر يَنسَخ الآحاد، ولا يصحُّ أنْ يُنسَخ المُتَواتِر بالآحاد.

المباحث التي تشتَمِل عليها الأبيات:
المبحث الأول: تعامُل الكتاب مع السنة، والسنة مع الكتاب في مسألة النسخ:
1 - الكتاب ينسخ الكتاب:
قال - تعالى -: ï´؟ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ï´¾ [الأنفال: 65].

نُسِخ بقوله - تعالى -: ï´؟ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾ [الأنفال: 66].

2 - الكتاب ينسخ السنة:
السنَّة المتواترة:
قال - تعالى -: ï´؟ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ï´¾ [البقرة: 144].

فهذه الآية نسَخت السنة الفعليَّة للمسلمين بالتوجُّه إلى بيت المقدِس.

عن البَراء - رضِي الله عنه - قال: صلَّينا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نحو بيتِ المقدِس ستَّة عشر - أو سبعة عشر - شهرًا، ثم صرَفَه الله نحو القِبلة؛ متفق عليه[1].

السنة الأحادية:
نُسِخ ردُّ المسلِمات إلى الكفَّار كما نصَّ على ذلك صُلح الحديبية.

قال - تعالى -: ï´؟ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ï´¾ [الممتحنة: 10].

3 - نسخ السنة للقرآن:
قال الإمام أحمد - رحمه الله - في قولٍ له: لا ينسخ القرآن إلا القرآن.

ونقَل أبو المعالي الجويني ذلك عن الإمام الشافعي - رحمه الله - حيث قال في "البرهان" 2/253: "قطَع الشافعيُّ جوابه بأنَّ الكتاب لا يُنسَخ بالسنة"، ا.هـ.

وأغلبُ أهلِ الأصول على عدَم جَواز نسخ الكتاب بالسنَّة، بينما ذهَب غيرُ واحدٍ إلى القول بجواز ذلك متى صَحَّ الحديث وخَلا من مُعارِض؛ منهم: الإمام ابن حزم - رحمه الله - وهو من أكثر المُنتَصِرين لهذا القول - راجع لذلك مبحث النسخ في كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" - والإمام أحمد في الرواية الثانية له، وأبو المعالي الجويني كما في "البرهان"، والعلاَّمة الشوكاني - رحمه الله - ومن المُعاصِرين العلاَّمة الشنقيطي - رحمه الله.

قلت: والصواب في المسألة أنَّ السنَّة يجوز لها التعامُل مع الكتاب تخصيصًا، وتقييدًا، وتبيينًا، ونسخًا.

وخُلاصَة ما استدلَّ به القائلون بالمنْع:
أ - قوله - تعالى -: ï´؟ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ï´¾ [البقرة: 106].

وقوله - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل: 101].

ب - حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((القرآن يَنسَخ حديثي، وحديثي لا ينسخ القرآن))؛ أخرجه الدارقطني[2].

جـ - عدم وجود مثال صحيح على نسخ السنَّة للكتاب.

قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الأصول من علم الأصول" ص 77: "ولم أجدْ له مِثالاً صحيحًا"، ا.هـ.

قلت: وهذه الاستِدلالات مردودةٌ جميعها:
- أمَّا الآية الأولى فالاستدلال بها مردودٌ من وجوه:
أنهم اعتمَدُوا في قولهم على قوله - تعالى -:ï´؟ بِخَيْرٍ مِنْهَا ï´¾ [البقرة: 106].

قلت: والخيريَّة المرادة ليست خيريَّة الرُّتبة؛ لأنَّ القرآن ليس بعضه أفضل من بعض من هذه الوجهة، وإنما المراد خيريَّة الحكم، وإلاَّ لَلَزِمَهم القولُ بأنَّ بعض القرآن خيرٌ من بعضه، وهذا ما لا يقولون به.

فإنْ كان المراد خيريَّة الحكم فلا مانع من أنْ تبدِّل السنَّة حكمًا في القرآن.

فإذا عُلِم ذلك وأُضِيف إليه أنَّ الكتاب والسنَّة كلاهما مُوحى به من عند الله جازَ أنْ يُنسَخ حكمٌ في أحدهما بدليلٍ من الآخَر؛ لأنَّ كلاهما من عند الله، وبأيِّهما عملتَ فقد عملتَ بالوحي.

قال - تعالى -: ï´؟ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ï´¾ [النجم: 4 - 5].

قال - تعالى -: ï´؟ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ï´¾ [يونس: 15].

فتبيَّن أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَنطِق بشيءٍ من تِلقاء نفسه، ولا يملك تبديلَ حكمٍ بحكمٍ إلاَّ بوحيٍ من الله.

وإلاَّ ففي ترْك القول بجواز نسْخ القرآن بالسنَّة الأحاديَّة تركٌ لطاعة الله؛ لأنَّ الله نفسَه قد ساوَى بين القُرآن والسنَّة في وجوب الطاعة؛ قال - تعالى -: ï´؟ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ï´¾ [النساء: 80].

وقال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ï´¾ [النساء: 59].

- أمَّا الآية الثانية فيردُّ عليها بما قالَه الإمام ابن حزم - رحمه الله - حيث قال في "الإحكام في أصول الأحكام" 4/507: "وهذا لا حجَّة لهم فيه؛ لأنَّه لم يقل - تعالى -: إنِّي لا أبدِّل آيةً إلاَّ مكان آية، وإنما قال لنا: إنَّه يُبدِّل آيةً مكان آية، ونحن لم نُنكِر، بل أثبَتْناه، وقلنا: إنَّه يُبدِّل آية، ويفعل غير ذلك"، ا.هـ.

- أمَّا الحديث: فهو حديثٌ موضوع؛ ذكَر ذلك الإمام الذهبي - رحمه الله - في كتابه "ميزان الاعتدال" 1/387.

أمَّا إنكارهم المثال:
قلت: سأُورِد له مثالاً هو: نسخ الوصيَّة للوالدَيْن والأقربين الثابتة بالكتاب بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا وصيَّةَ لوارثٍ)).

وقيل: إنَّ الآية منسوخةٌ بالكتاب.

قلت: هذا لا يمنَع؛ فإنَّه من باب تَوارُد الأدلَّة[3].

4 - السنَّة تنسخ السنَّة:
عن بريدة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تُذكِّر الآخِرة))؛ أخرَجَه مسلم[4].

فائدة:
وقد اختَلفُوا في نسْخ السنَّة الأحاديَّة للمتواتر، واستدلُّوا على ذلك بأنَّ المتواتر قطعيٌّ، وخبر الآحاد ظنٍّي، ولا يجوز تعامُل القطعي مع الظني.

قلت: ولَمَّا جاز نسخ أخبار الآحاد للكتاب، جاز نسخ أخبار الآحاد للمُتواتِر من باب أَوْلَى.

[1] أخرجه البخاري في "صحيحه": (كتاب تفسير القرآن/ باب: (ولكل قبلة هو موليها.../ ح 4492).
وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب المساجد ومواضع الصلاة/ باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة/ ح 11، 12) واللفظ للبخاري.

[2] في "السنن": (كتاب النوادر / 1 / 145).
قلت: في إسناده: جبرون بن واقد الإفريقي.
قال الذهبي في "الميزان" 1/387: "متهم"، ا.هـ.

[3] راجع: "التأسيس"؛ لشيخنا: مصطفى سلامة (2/409).

[4] في "صحيحه": (كتاب الجنائز/ باب: استئذان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ربَّه - عزَّ وجلَّ - في زيارة أمِّه / ح 106).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 12-02-2020, 02:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول


زاد العقول شرح سلم الوصول (12/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




التعارض والترجيح


56- إِذَا تَعَارَضَ عُمُومَانِ وَقَدْ
أَمْكَنَ جَمْعٌ لَهُمَا فَيُعْتَمَدْ

57- وَحَيْثُ لاَ، فَيُوقَفُ الْأَمْرُ إِلَى
أَنْ يَظْهَرَ النَّسْخُ وَتَرْجِيحٌ جَلاَ

58- وَأَنْ يُخَصَّ بِكَذَا وَأَنْ يَعُمّْ
مَعَ الْخُصُوصِ خُصِّصَا كَمَا عُلِمْ




معاني المفردات:
تعارض: تناقض.
يُعتَمد: يُقرُّ.
يوقف الأمر: يتوقف فيه.
جلا: ظهَر وبان.

المعنى الإجمالي:
إذا تعارَض نصَّان عامَّان وأمكَنَ الجمعُ بينهما فيُقَر الجمع ويُعتَمد، وإنْ لم يمكن الجمعُ بينهما يُتَوقَّف فيهما، إلى أنْ يعلم المتقدِّم من المتأخِّر فيُنسَخ المتقدِّم بالمتأخِّر.
وإنْ كان أحدُهما عامًّا من وجه، وخاصًّا من وجه، فيُخَصُّ عموم كلِّ واحدٍ منهما بخصوص الآخَر.

المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
1- التعارض.
2- الترجيح.

المبحث الأول: التعارض:
في اللغة: التقابل والتمانع.
أمَّا في الاصطلاح فهو: تقابُل دليلَيْن صحيحَيْن على سبيل الممانَعة.

والتعارُض يقَع على صورتين:
1- تعارض كلي:
وهو الذي يكون التعارُض فيه من كلِّ وجْه؛ بحيث لا يمكن الجمعُ بين الدليلَيْن المتعارِضَيْن بحالٍ من الأحوال.

2- تعارض جزئي:
وهو الذي يكون التعارُض فيه من وجهٍ دون وجهٍ؛ بحيث يمكن الجمعُ بينهما بشكلٍ من أشكال الجمع المُعتَبَرة.
وقد ذهَب الجويني - رحمه الله - إلى أنَّه إذا تعارَض نصَّان، فلا يخلو أنْ يكونا عامَّين، أو خاصَّين، أو أحدهما عام والآخر خاص، أو كلُّ واحد منهما فيه عموم من وجهٍ وخصوص من وجهٍ آخَر.

فإنْ كانا عامَّين وأمكن الجمع بينهما جمع، وإنْ لم يمكن الجمعُ بينهما يتوقَّف فيهما جميعًا إنْ لم يُعلَم التاريخ.
فإنْ علم التاريخ يُنسَخ المتقدِّم بالمتأخِّر، وكذا إذا كانا خاصَّين.
وإنْ كان أحدهما عامًّا من وجهٍ وخاصًّا من وجهٍ، فيُخَصُّ عمومُ كلٍّ منهما بخصوص الآخَر.

أمثلة على الجمع بين النُّصوص:
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح الأصول من علم الأصول" ص554: "هذا الباب الذي نحن بصدده مهمٌّ جدًّا؛ حيث إنَّ الإنسان قد يظنُّ أنَّ في كتاب الله أو سنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يكون مُتعارِضًا مُتناقِضًا، مع أنَّ الله يقول: ï´؟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ï´¾ [النساء: 82].
فحَثَّ على التدبُّر، وبيَّن أنَّه بالتدبُّر لا يمكن أنْ يقَع خِلافٌ أبَدًا، والخِلاف الذي يقَع بين الآيات في الظاهر نتيجة لقصور الإنسان في علمه، أو لقصورٍ في فهمه، أو تفريطٍ في عدم التدبُّر.
أمَّا إذا اجتَمَع التدبُّر والعلم والفهم، فإنَّه لا يمكن أنْ يوجد في كتاب الله أو سنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تعارُضٌ أبدًا.

ولكن يوجد التعارُض لأحد هذه الأمور الثلاثة:
(الأول): القصور في العلم.
و(الثاني): القصور في الفهم.
و(الثالث): التقصير في التدبُّر"، ا.هـ.

لذلك قال ابن خُزَيمة - رحمه الله -: لا أعرف حديثين متضادَّين، فمَن كان عنده فليأتِني بهما لأُولِّف بينهما.

أمثلة على مبحث التعارض:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا عدوى))؛ متفق عليه[1].
فهذا نصٌّ صريحٌ صحيح في نفْي العَدوَى.

وقد جاءَتْ نصوصٌ فيها إبهام تعارُض مع هذا الحديث منها:
عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد))؛ أخرجه البخاري تعليقًا[2].
عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يورد الممرض على المصحِّ))؛ متفق عليه[3].
وقد جمَع غيرُ واحدٍ من أهل العلم بين هذه النصوص.

قال العلامة الألباني - رحمه الله -: "واعلَم أنَّه لا تعارُض بين هذين الحديثين، وبين أحاديث ((لا عدوى...))؛ لأنَّ المقصود بهما إثبات العدوى، وأنها تنتَقِل - بإذن الله تعالى - من المريض إلى السليم، والمراد بتلك الأحاديث نفْي العدوى التي كان أهلُ الجاهليَّة يعتَقِدونها، وهي انتقالها بنفسها، دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك، كما يرشد إليه قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للأعرابي: ((فمَن أعدى الأول؟)).
فقد لفَت النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نظَر الأعرابيِّ بهذا القول الكريم إلى المسبِّب الأوَّل، ألاَ وهو - عزَّ وجلَّ - ولم يُنكِر عليه قوله: "ما بالُ الإبل تكون في الرَّمل كأنها الظِّباء، فيُخالِطها الأجرَب فيُجرِبُها"، بل أقرَّه على هذا الذي كان يُشاهِده، وإنما أنكَر عليه وقوفه عند الظاهر فقط بقوله له: ((فمَن أعدى الأوَّل؟)).

وجملة القول: إنَّ الحديثَيْن يُثبِتان العَدوَى، وهي ثابتةٌ تجربةً ومُشاهدةً، والأحاديث الأخرى لا تنفيها، وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله الخالق لها.
وما أشبَهَ اليوم بالبارحة؛ فإنَّ الأطبَّاء الأوروبيين في أشدِّ الغفلة عنه - تعالى - لشِركهم وضَلالهم، وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهليَّة، فلهؤلاء يُقال: ((فمَن أعدى الأوَّل؟)).
أمَّا المؤمن الغافل عن الأخْذ بالأسباب فيذكر بها، ويُقال له كما في حديث الترجمة: ((لا يُورِد الممرض على المصحِّ))؛ أخذًا بالأسباب التي خلَقَها الله - تعالى - وكما في بعض الأحاديث المتقدِّمة: ((فِرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد)).
هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار، وقد قِيل غير ذلك، ممَّا هو مذكورٌ في "الفتح" وغيره، والله أعلم"، ا.هـ.

مثال ثانٍ:
عن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا صلاةَ بعد الصُّبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تَغِيب الشمس))؛ متفق عليه[4].
فهذا نصٌّ صريح صحيح في النهي عن الصلاة ما بين الفجر وطلوع الشمس.
وقد ورد في هذا الباب حديث آخَر قد يظنُّ البعض أنَّ فيه إيهامَ تَعارُضٍ معه.

عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا دخَل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلِّي ركعتين))؛ متفق عليه[5].
وهذا أيضًا نصٌّ صريحٌ صحيح في إيجاب الركعتين قبل الجلوس في المسجد.
وقد جمَع غيرُ واحدٍ بين النصَّين.

قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين في "شرح نظم الورقات" ص 135: "فالأوَّل فيه عموم الصلاة: ((لا صلاة))، وخصوص الزمن، وهو بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، والثاني فيه "عموم الصلاة" وعموم النهي عن الجلوس، لكنَّ الصلاة خاصَّة في تحيَّة المسجد، فهذا رجل دخَل في وقت النهي، إن قلنا: لا تصلِّ أخَذنا بعموم ((إذا دخَل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) فبأيِّهما نعمل؟ نقول: في هذه الحال يعمل بهما جميعًا في الصورة التي يتَّفقان فيها، كما إذا دخَل المسجد في غير وقت النهي، فإنَّه لا يجلس حتى يُصلِّي ركعتين، ويتوقَّف في الصورة التي فيها التعارُض، إلاَّ إذا وجد ما يؤيِّد عموم أحدهما فإنَّنا نعمَل به.
وهنا وجَدنا أنَّ النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح أضعَف من الأمر بالصلاة إذا دخَل المسجد.
وجْه ذلك أنَّ النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح قد ورَد تخصيصُه في عدَّة مَواضِع منها: إعادة الجماعة؛ يعني: لو جئت بعد أنْ صلَّيت الصبح ووجدت الناس يُصلُّون جماعةً فصلِّ معهم، ومنها ركعتا الطواف، فإنها تجوز في وقت النهي، ومنها: سنَّة الوضوء فتمزَّق بذلك عموم النهي عن الصلاة بعد الفجر.
ولذلك نقول: إنَّ الراجح في هذه المسألة أنَّ كلَّ صلاةٍ لها سبب فإنَّه يجوز أنْ تفعَل في وقت النهي؛ لأنَّنا وجدنا أنَّ عموم الأمر في هذه الصلاة التي لها سبب قوي"، ا.هـ.

وقد بيَّن العلاَّمة ابنُ عثيمين - رحمه الله - أثَرَ تخصيص العام على قوَّته عند الجمع والتَّرجِيح في أكثر من موضعٍ في كتبه.
قال - رحمه الله - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" 4/ 89: "بعض العلماء من الأصوليِّين قال: إنَّ العام إذا خصَّ بطلت دلالته على العموم نهائيًّا؛ لأنَّ تخصيصَه يدلُّ على عدم إرادة العموم.
والعموم المحفوظ أقوى من العموم المخصوص"، ا.هـ.
ثم فصَّل ما أجمل هنا في موضع آخَر فقال في "شرح الأصول من علم الأصول" ص 58: "ذهَب بعض الأصوليِّين إلى أنَّ العام إذا خُصِّص بطل عمومه؛ وعلَّل ذلك بأنَّ تخصيصَه يدلُّ على أنَّ العموم لم يُرَد، وإذا لم يُرَد العموم بقي محتملاً، فيحتمل أنْ يخصَّص بغير هذه الصورة، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال.

يقولون: إنَّ العام إذا خُصِّص بطل عمومه نهائيًّا، فما اختلَّ العموم ولا ضعف بل بطل نهائيًّا.
وحجَّتهم: لما وجد التخصيص دلَّ على أنَّ العموم غير مُراد؛ وعليه فيحتمل في كلِّ فردٍ من أفراد العام أنَّه غير مُراد، وحينئذ يَبقَى العموم محتملاً، والمعروف أنَّه إذا وُجِد الاحتمال بطل الاستدلال.

ولكنَّ الصحيح أنَّ العموم إذا خُصِّص بقي عامًّا فيما عدَا التخصيص، ويعني: يخرج التخصيص الباقي على عمومه، وهذا هو الصحيح، وهذا هو مُقتَضى العقل والنظر"، ا.هـ.

فإذا علمتَ ما فات تبيَّن أنَّ عموم النهي عن الصلاة بين الفجر وطلوع الشمس قابِلٌ للتخصيص، أمَّا صلاة ركعتين عند دخول المسجد فما زال على عمومه، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الباقي على عمومه أقوى؛ لأنَّ العموم مرادٌ منه، فيتوجَّه التخصيص إلى العام الذي خصَّ قبل ذلك؛ لأنَّ العموم غير مراد منه ابتداءً.

المبحث الثاني: الترجيح:
هو تفضيل وتقوية دليل على آخَر بوجهٍ مُعتَبر.

وللترجيح أوجُه كثيرة منها:
تقديم القول على الفعل.
تقديم المنطوق على المفهوم.
تقديم الحاظر على المُبِيح.
تقديم النص على القياس.
تقديم الناقل على المبقي.
تقديم المُثبِت على النافي.
تقديم القياس الجلي على القياس الخفي.
تقديم القطعي على الظني.
تقديم حديث صاحب الواقعة على غيره.
ووجوه الترجيح كثيرة.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
الطرق المُعِينة على درء تعارض الأدلَّة:
1- التثبُّت من صحَّة الأدلَّة المتعارِضة:
فوقوع التعارض بين نصَّين أحدهما صحيح والآخَر ضعيف لا يُعَدُّ من باب التعارُض؛ حيث إنَّ التعارُض لا يكون إلاَّ بين دليلين صحيحين لا يمكن الجمعُ بينهما، فإنْ ترجَّح أحدهما على الآخَر زالَ التعارض.

2- النظر في أدلَّة المسألة مجتمعةً:
حيث إنَّ إغفال بعض الأدلَّة يُورِث قصورَ النظر؛ فلا يُستَطاع الوصول إلى الصواب؛ حيث إنَّ من أكبر أسباب إيهام التعارُض قلَّة العلم، وقلَّة النظر، كما أشار إلى ذلك الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - آنفًا.

3- معرفة دلالات الألفاظ ومعانِيها، وفهْم النص وسِياقه، ومعرفة سبب نزوله أو وروده، وهذا لا يتأتَّى إلا بمعرفة لُغة العرَب.

[1] أخرجه البخاري في صحيحه - واللفظ له -: (كتاب الطب/ باب: لا عدوى/ ح 5773، 5775).
وزاد في الأوَّل: قال أبو سلمة بن عبدالرحمن: سمعت أبا هريرة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يورد الممرض على المصحِّ)).
وزاد في الثاني: فقام أعرابي، فقال أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظبا، فيأته البعير الأجرب فتجرب، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فمن أعدى الأول؟)).
وأخرجه مسلم في "صحيحه": (كتاب السلام / باب: لا عدوى ولا طيرة / ح 101، 102، 103، 104).

[2] علقه في: (كتاب الطب/ باب الجذام).
قال: وقال عفان حدثنا سليم بن حبان، حدثنا سعيد بن سيناء، قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد.
وصححه العلامة الألباني - رحمه الله – في "صحيح الجامع" برقم 111.

[3] أخرجه البخاري في "صحيحه": (كتاب السلام / باب: لا عدوى / ح 5772)، وأخرجه مسلم في "صحيحه": (كتاب السلام / باب: لا عدوى ولا طيرة / ح 104).

[4] أخرجه البخاري في مواضع كثيرة من "صحيحه": (كتاب مواقيت الصلاة/ باب: لا تتحرَّى الصلاة قبل غروب الشمس / ح 586).
وأخرجه مسلم في "صحيحه": (كتاب صلاة المسافرين / باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها / ح 288".

[5] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الصلاة / باب: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل يجلس / 244)، وأخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب استحباب تحية المسجد بركعتين/ ح 69، 70).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 13-02-2020, 02:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (13/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام



الإجماع


59- إِنَّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَا فِي حُكْمِ
حَادِثَةٍ إِجْمَاعَهُمْ نُسَمِّي



معاني المفردات:
نُسمِّي: نُطلِق عليه مسمى الإجماع.

المعنى الإجمالي:
اتِّفاق العُلَماء على حُكم حادثة يُسمَّى: "الإجماع".

المباحث التي اشتمل عليها البيت:
المبحث الأول: تعريف الإجماع:
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 18: "الإجماع: هو اتِّفاق عُلَماء العصر على حكم الحادثة"، ا.هـ.

وهذا هو القدر الذي اكتَفَى الناظِم بإيراده في نظمه في البيت الذي مرَّ بنا آنِفًا.
ولكنَّ الجويني - رحمه الله - زاد بيان بعض المبهمات في تعريفه، فقال: "ونعني بالعلماء: الفقهاء، ونعني بالحادثة: الحادثة الشرعيَّة"، ا.هـ.

قلتُ: وهذان بَيانان مهمَّان لا يُستَغنى عنهما، ويُضاف إليهما ما فات صاحِب الأصل، والناظم من قيودٍ وهي:
تقييد العُلَماء بعُلَماء هذه الأمَّة.
وفاتَه من التعريف: بعد عصر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

فلو وقَع إجماع من أمَّةٍ أخرى كاليهود أو النصارى أو الهندوس لا يُعَدُّ إجماعًا، ولا يُعتَدُّ بقولهم.

فقول النصارى: إنَّ الله ثالث ثلاثة مُتَّفق عليه بين أغلب طَوائِفهم، بل اتَّفَق عليه أحبارُهم ورُهبَانهم في مَجامِعهم، ومع ذلك لا يُعدُّ إجماعًا لكونه صادرًا عن غير هذه الأمَّة.

وتقييدنا له بأنْ يقَع بعد عصر النبوة؛ لأنَّه إذا وقَع في زمن النبوَّة ما جاز ذلك؛ إذ لا اجتهادَ مع نصٍّ، والنصُّ قد يُعمَل به اليوم ويُنسَخ غدًا؛ لأنَّه يرد في أوَان التشريع.

فإن اتَّفقوا في زمن النبوَّة على مستند إجماع جازَ أنْ يُنسَخ أو يُخصَّص، أو يُقيَّد، أمَّا إذا وقَع بعد موت النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما جاز أنْ يقع شيءٌ من ذلك.

إذًا فتعريف الإجماع: اتِّفاق مجتهدي عصرٍ من العصور من هذه الأمَّة بعد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على حكمٍ شرعي.
فاتِّفاق غير المجتَهِدين لا يُعدُّ إجماعًا.
وكذا إذا وقَع في عصورٍ متفرِّقة، فلم يكتَمِل الاتِّفاق في عصرٍ واحدٍ منها لا يُعدُّ إجماعًا.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
فاتَ الناظم ذكْر ما أبهم صاحب الأصْل في بَيان المبهَمات في تعريف الإجماع.
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 18: "ونعني بالعُلَماء: الفُقَهاء، ونعني بالحادثة: الشرعيَّة"، ا.هـ.

فإجماع غير الفُقَهاء لا يُعتَدُّ به في الفقه، وإجماع غير المحدِّثين لا يُعتَدُّ به في علم الحديث، وإجماع غير القرَّاء لا يُعتَدُّ به في القراءات.
وإجماع العامَّة لا يُعتَدُّ به في أيِّ فرعٍ من هذه الفروع.
أمَّا تقييد الحادثة بكونها شرعيَّة فلأنَّنا نبحث في شرعيَّات.

قال الناظم:
60- وَذَاكَ حُجَّةٌ لِأَجْلِ الْعِصْمَهْ
مِنَ الضَّلاَلَةِ لِهَذِي الأُمَّهْ



معاني المفردات:
حجَّة: برهان.
العصمة: الحفظ من الزَّلَل.
الضَّلال: العُدول عن الطريق القويم.

المعنى الإجمالي:
والإجماع حُجَّة؛ لحفظ الله - تعالى - هذه الأمَّة من الاجتِماع على ضَلالة.

المباحث التي يشتمل عليها البيت:
المبحث الأول: حجيَّة الإجماع:
ذهَب داود بن عليٍّ الظاهري وابن حَزم وغيرهما إلى عدم جَواز الاحتِجاج بالإجماع، فهما يَنفِيانه.

قلت: وإنْ كان الإجماع متعسِّرًا لافتِراق العُلَماء في أطراف الأرض، وكذا عدم القدرة على حصْرهم، إلاَّ أنَّه غير ممتنع، ولو وقَع كان حجَّة، خلافًا لمذهب داود بن علي وابن حزم.
لذا تجد أغلب الإجماعات المُعتَبَرة واقعةً في عصر الصحابة؛ لعدم افتراقِهم، ولإمكان حصرِهم.

الأدلَّة على حجيَّة الإجماع:
قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

قال العلاَّمة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - عند تفسير هذه الآية في "تيسير الكريم الرحمن": وقد استدلَّ بهذه الآية الكريمة على أنَّ إجماع هذه الأمَّة حجَّة، وأنها معصومةٌ من الخطأ.
ووجْه ذلك أنَّ الله توعَّد مَن خالَف سبيلَ المؤمنين بالخذلان والنار، و﴿ سَبِيلِ ﴾ مُفرَد مضاف، يَشمَل سائر ما للمؤمنين من العقائد والأعمال.

فإذا اتَّفَقوا على إيجاب شيءٍ، أو استحبابه، أو تحريمه، أو كراهته، أو إباحته - فهذا سبيلهم، فمَن خالَفَهم بعد انعِقاد إجماعهم عليه، فقد اتَّبَع غيرَ سبيلهم"، ا.هـ.

قال - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الأصول من علم الأصول" ص 89: "فقوله: ﴿ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ يَشمَل الشهادة على أعمالهم، وعلى أحكام أعمالهم، والشهيد مقبول القول"، ا.هـ.

قال - تعالى -: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59].
يُفهَم من هذه الآية أنَّ ما لم يَتنازَعوا فيه واتَّفَقوا عليه فحكمُه إليهم.

قال - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
ووجهُ الدلالة: أنَّ الله - تعالى - أخبَرَ أنَّ المؤمنين من هذه الأمَّة لا يَأمُرون إلاَّ بالمعروف.

فإذا اتَّفقُوا على إيجاب شيءٍ أو استِحبابه فهو ممَّا أمروا به، فيتعيَّن بنصِّ الآية أنْ يكون معروفًا، ولا شيء بعد المعروف إلاَّ المنكر، وكذلك إذا اتَّفقُوا على النهي عن شيءٍ فهو ممَّا نهوا عنه، فلا يكون إلاَّ منكرًا.

قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الأصول من علم الأصول" ص 90: "إجماعُ الأمَّة على شيءٍ إمَّا أنْ يكون حقًّا، وإمَّا أنْ يكون باطلاً، فإنْ كان حقًّا فهو حجَّة، وإنْ كان باطلاً فكيف يجوز أنْ تجتمع هذه الأمَّة التي هي أكرَمُ الأُمَم على الله منذ عهد نبيِّنا إلى قِيام الساعة على أمرٍ باطل لا يَرضَى به الله؟ هذا من أكبر المحال"، ا.هـ.

وأمَّا حديث: ((لا تجتمع أمتي على ضَلالة))؛ أخرَجَه ابن ماجه في "سننه" (ح 390) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه.
وقد ورَد عن عددٍ من الصحابة غير أنسٍ، وطرُقُه لا تخلو من مَقالٍ، ولكنَّها تعتضد وتتقوَّى، وقد صَحَّ موقوفًا عن ابن مسعود.

قلت: ومن طرقه: عن ابن عمر - رضِي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله لا يجمَع أمَّتي على ضَلالة، ويَدُ الله مع الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ إلى النار))؛ أخرجه الترمذي[1].

قال الناظم:
61- يَكُونُ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ
وَبِالسُّكُوتِ فِي أَصَحِّ قَالِ



معاني المفردات:
قالِ: قول.

المعنى الإجمالي:
قال الناظم: إنَّ الإجماع يصحُّ بقولهم إذا نصُّوا على شيءٍ بالقول، وبفعلهم إذا عُرِف عنهم، وبقول بعضهم أو فِعلهم وسكوت الباقين.

المباحث التي يشتَمِل عليها البيت:
المبحث الأول:
الاحتِجاج بما سُكِت عنه من أقوال أو أفعال البعض:
اختُلِف في حكم ما سُكِت عنه من الأقوال والأفعال، واعتباره من الإجماع على أقوال:
الأول: أنَّه إجماعٌ مُعتَبَر، وهو منقولٌ عن أحمد، وبه قال أكثر الشافعيَّة، والمالكيَّة.

والثاني: أنَّه حجَّة لا إجماع.

والثالث: أنَّه ليس بحجَّة ولا إجماع؛ لأنَّ الساكت قد يَسكُت وهو غيرُ راضٍ لأسبابٍ مُتعدِّدة؛ منها:
عدم وصول الأمر إليه.
أو اعتِقاده أنَّ كلَّ مجتهدٍ مُصِيب، أو أنَّه لا إنكارَ في مسائل الاجتِهاد، ونحو ذلك.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 13-02-2020, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (13/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام

وتحرير هذه المسألة أنَّ لها ثلاث حالات:

1- أنْ يُعلَم من قرينة حالِ الساكت أنَّه راضٍ بذلك، فهذا الإجماعُ يكون مقبولاً قولاً واحدًا.
2- أنْ يُعلَم من حال الساكت أنه ساخط، فهذا ليس بإجماع قولاً واحدًا.
3- ألاَّ يُعلَم منه رضًا أو سخط.

فالحالة الأولى والثالثة تُسمَّيان: "إجماع سكوتي"، وهو مُعتَبَر عند الجمهور.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
فاتَ الناظم أنْ يُورِد كلامَ صاحب الأصل - رحمه الله - في اشتراط انقِراض العصر لصحَّة الإجماع.

قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 18: ولا يُشتَرَط انقِراض العَصْرِ على الصَّحيح.
فإنْ قُلنا: انقراضُ العَصر شرطٌ فيُعتَبر قولُ مَن وُلِد في حياتهم، وتفَقَّه وصار من أهل الاجتِهاد، ولهم أنْ يرجعوا عن ذلك الحكم"، ا.هـ.
قلت: ورأي الجمهور أنَّه لا يُشتَرط انقِراضُ العصر، وأنَّ الإجماع ينعَقِد من أهله بمجرَّد اتِّفاقهم على الحكم الشرعي، ولا يجوز لهم مخالفته بعد ذلك.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" ص 139: "وهذه المسألة فيها خِلافٌ، هل يُشتَرَط لثُبُوت الإجماع انقِراض العصر، أو أنَّه يحصل الإجماع بأوَّل لحظةٍ أجمَعُوا عليها؟".

المسألة فيها خلاف:
بعضُهم يقول: لا بُدَّ من انقِراض العَصْر؛ وذلك لأنَّه يجوز لأحدِهم أنْ يتغيَّر رأيُه، فلا إجماع حتى ينقَرِض العصر؛ فمثلاً مَن كان من التابعين، متى ينعَقِد الإجماع؟ إذا انقَضَى التابعون، وتابعوهم، وهكذا.
القول الثاني: أنَّه لا يُشتَرط انقِراض العصر.

وهذا هو الصحيح؛ لأنَّه بمجرَّد إجماعهم ثبَت الدليلُ، فلو نقَضُوا فيما بعدُ لصاروا ناقِضين للدليل، فلا عِبرَة بهم"، ا.هـ.

وقد نظَم الشرف العمريطي ذلك في "نظم الورقات" فقال:
ثُمَّ انْقِرَاضُ عَصْرِهِ لَمْ يُشتَرَطْ
أَيْ فِي انْعِقَادِهِ وَقِيلَ مُشْتَرَطْ

وَلَمْ يَجُزْ لِأَهْلِهِ أَنْ يَرْجِعُوا
إِلاَّ عَلَى الثَّانِي فَلَيْسَ يُمْنَعُ

وَلْيُعْتَبَرْ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ وُلِدْ
وَصَارَ مِثْلَهُمْ فَقِيهًا مُجْتَهِدْ



التتمَّة الثانية:
فات الناظم نظمُ قولِ الصحابي وحجيَّته.
قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 19: "وقولُ الواحدِ من الصَّحابة ليس بحجَّةٍ على غَيْرِه، على القول الجديد"، ا.هـ.

قلتُ: قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" ص 141: "أي: على الجديد من مذهب الشافعي؛ لأنَّ الشافعيَّ له مذهبان: مذهب قديم، وهو مذهب العراق، ومذهب جديد، وهو مذهبه في مصر"، ا.هـ.

قلتُ: بل يُؤخَذ به إذا استَوفَى شروطَه وخَلا من الموانع.

ومن الشُّروط التي اشتَرَطها العُلَماء في قبول قول الصحابي، وإعطائه حكمَ الرَّفع:
1- ألاَّ يُعارِض عموميَّات الكتاب والسنَّة.
2- ألاَّ يكون مُعارَضًا بقول غيره من الصحابة، فقول بعضهم ليس بحجَّةٍ على بعض، وكلٌّ يُؤخَذ منه ويردُّ.
3- أنْ يكون فيما لا مجال فيه للرأي، كإثبات الحلال والحرام، وترتيب الثَّواب والعِقاب على الأفعال، وذكر الأمور الغيبيَّة كتلك المتعلِّقة بالآخِرة ونحوها.

التتمَّة الثالثة:
شُرُوط انعِقاد الإجماع:
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الأصول من علم الأصول" ص 92: "للإجماع شروطٌ منها:
1- أنْ يَثبُت بطريقٍ صحيح: بأنْ يكون إمَّا مشهورًا بين العُلَماء، أو ناقِله ثقة واسِع الاطِّلاع.
2- ألاَّ يَسبِقه خلافٌ مستقرٌّ، فإنْ سبَقَه ذلك فلا إجماع؛ لأنَّ الأقوال لا تبطل بموت قائليها.

فالإجماع لا يَرفَع الخلاف السابق، وإنما يمنع من حُدُوث خِلاف.

هذا هو القول الراجح لقوَّة المَأخَذ، وقيل: لا يُشتَرَط ذلك، فيصح أنْ يَنعَقِد في العصر الثاني على أحد الأقوال السابقة، ويكون حجَّة على مَن بعده"، ا.هـ.

التتمَّة الرابعة:
تعذُّر وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة:
وسبَبُ تعذُّره تفرُّق العلماء في الأمصار، وعدَم إمكان حصرهم، خِلافًا للصحابة الذين لم يتفرَّقوا بعيدًا، وأمكن حصرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "لا يُعلَم إجماعٌ بالمعنى الصحيح إلاَّ ما كان في عصر الصَّحابة، أمَّا بعدَهم فقد تعذَّر غالبًا"، ا.هـ.
وقال أيضًا في "مجموع الفتاوى" 11/ 341: "ولكنَّ المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة، وأمَّا ما بعد ذلك فتعذَّر العلم به غالبًا"، ا.هـ.

التتمَّة الخامسة:
أقسام الإجماع:
الإجماع على قسمين:
أ- قطعي:
وهو ما يُعلَم وقوعُه من الأمَّة بالضرورة؛ كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس، وتحريم الزنا.
وهذا النَّوع معلومٌ ثبوتُه، ولا أحد يُنكِر حجيَّته، ويَكفُر مُنكِرُه.

ب- ظني:
وهو الذي يُعلَم بالتتبُّع والاستِقراء.
وهذا النَّوع اختُلِف في حجيَّته، وأرجَحُ الأقوال على حجيَّته، ولكن المُنكِر لثبوته لا يَكفُر.

التتمَّة السادسة:
إذا اختَلَف الصَّحابة في مسألةٍ على قولَيْن ثم اتَّفَق التابعون على واحدةٍ منهما، هل يُسمَّى ذلك إجماعًا أو لا؟


فيه قولان:
1- قال القاضي أبو يَعلَى من الحنابلة وبعض الشافعيَّة: لا يَكون إجماعًا؛ لأنَّ الذين ماتوا لا يَسقُط قولهم بموتهم.
أمَّا إذا اختَلَف الصحابة في مسألةٍ ثم اتَّفقُوا على واحدٍ منها؛ كاختلافهم على إمامة أبي بكر الصدِّيق، ثم اتِّفاقهم بعد ذلك بأنْ رجَع بعضُهم إلى قولِ الآخرين فصار إجماعًا.
وكذا غيرُ الصحابة إذا اختلَفُوا ثم اتَّفَقُوا كان اتِّفاقهم إجماعًا.

قال محمد بن حسين الجيزاني - حفظه الله - في "معالم أصول الفقه" ص 182: "إذا اختَلَف الصَّحابة في مسألةٍ على قولَيْن لم يَجُزْ للتابعين الإجماعُ على أحدهما؛ لأنَّ في انعِقاد هذا الإجماع نسبة الأمَّة إلى تضييع الحقِّ، والغَفلة عن الدليل الذي أوجب الإجماعَ، ولأنَّ نِزاع الصحابة واختلافَهم لا يُمكِن أنْ يكونَ على خِلاف الإجماع، فلا يصحُّ انعِقاد إجماعٍ يُخالِفه الصحابة"، ا.هـ.

قلت: وهذا القول بُنِي على مقدمات:
أ- أنَّ الذين ماتُوا لا يَسقُط قولهم بموتهم.
ب- نسبة الأمَّة إلى تضييع الحق، والغفلة عن الدليل الذي أوجَبَ الإجماع.
ج- أنَّ نِزاع الصحابة لا يُمكِن أنْ يكون على خِلاف الإجماع.
د- أنَّ شرط حُدُوث الإجماع ألاَّ يَسبِقه خلافٌ مستقرٌّ.
هـ- تعذُّر حدوث الإجماع بعد الصحابة.

2- أنَّ الاتِّفاق بعد ذلك يُسمَّى إجماعًا.

واستدلُّوا بأنَّ العُلَماء في تَعرِيفهم للإجماع لم يُقيِّدوه بعصر الصَّحابة، وإنْ وقَع الخلاف - خارج التعريف - على إمكان وُقوعِه بعد عصر الصَّحابة.
قلت: والقول الأوَّل هو الأرجَحُ.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح الأصول من علم الأصول" ص 503: "س: فإذا قدَّرنا أنَّ أهل العصر اختَلفُوا في حكمٍ ثم انقرَضُوا فجاء العصر الثاني فأجمَعُوا على أحد القولَيْن فهل يصحُّ الإجماع؟
ج: لا يصحُّ؛ لأنَّ هناك خلافًا مستقرًّا، فإجماع العصر الثاني على أحد قولَي العصر الأوَّل ليس بإجماعٍ لوجود الخلاف المستقرِّ، والأقوال لا تبطل بموت قائليها"، ا.هـ.

التتمَّة السابعة:
إجماع أهل المدينة:
اختُلِف في اعتباره على قولين:
1- أنَّه ليس بحجَّة؛ لأنَّهم بعض الأمَّة، والمُعتَبَر في هذا الباب هو إجماع الأمَّة كلها، وهذا قولُ جمهور العلماء.
2- أنَّه حجَّة، وهو قول الإمام مالك وأتباعه.

وقد توسَّط قومٌ فقالوا باعتباره إذا جمَع شرطين:
أ- أنْ يكون فيما لا مجالَ فيه للرأي.
ب- أنْ يكونَ منقولاً عن الصحابة والتابعين لا غير.

والراجِح أنه ليس بحجَّة، وإنْ كان يُعتَبر من غير إلزامٍ إذا ما وافَق الدليل.

التتمَّة الثامنة:
اتِّفاق الأئمَّة الأربعة ليس بإجماعٍ عند الجمهور.
والصحيح أنَّه حجَّة وليس بإجماعٍ؛ لأنَّ الإجماعَ لا يكون إلاَّ من الجميع، وهم وأتباعهم بعض الأمَّة.

التتمَّة التاسعة:
لكلِّ إجماع مُستَند، عَلِمَه مَن عَلِمه وجَهِلَه مَن جَهِلَه، ولا يُشتَرط معرفة مُستَند الإجماع للعمل به.


[1] صحيح.
أخرَجَه الترمذي في "سننه": (كتاب الفتن/ باب: ما جاء في لزوم الجماعة/ ح 2167)، وصحَّحه العلاَّمة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع" برقم 1848.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 13-02-2020, 03:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (14/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




الأخبار



62- يَنْقَسِمُ الْخَبَرُ لِلْآحَادِ

وَمُتَوَاتِرٍ وَذِي إِسْنَادِ



63- وَمُرْسَلٍ، فَأَوَّلٌ: مَا أَوْجَبَا

الْعَمَلَ، الثَّانِي بِعِلْمٍ أَكْسَبَا



64- وَهْوَ الَّذِي رَوَاهُ جَمْعٌ يُجْتَنَبْ

فِي الْعَادَةِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْكَذِبْ



65- وَالْمُسْنَدُ الْمُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ

إِلَى الرَّسُولِ صَفْوَةِ الْعِبَادِ



66- وَمُرْسَلٌ إِسْنَادُهُ قَدِ انْقَطَعْ

لَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَنْ تَبَعْ



67- وَمُرْسَلُ الْأَصْحَابِ مُسْنَدٌ جُعِلْ

كَذَاكَ مَا لِابْنِ الْمُسَيَّبِ الْأَجَلّ






معاني المفردات:

أوجب: ألزم.

أكسبا: أعطى ومنح.

يُجتنب: يُبتعَد عنه.

صفوة: الصَّفوة الخِيار والخُلاصة.

الأجَلُّ: العظيم القدْر.





المعنى الإجمالي:

قال الناظم: تنقسم الأخبار إلى آحاد، ومتواتر:

أمَّا الأول فيُوجِب العمل.



وينقسم إلى:

مسْنَد: يعني متَّصِل الإسناد.

مُرْسَل: يعني ما لم يتَّصِل إسناده بين التابعي والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



فإن كان المُرْسَل من مراسيل الصَّحابة قُبِل، وإن كان من مراسيل غيرهم فليس بحجَّة، إلا ما كان من مراسيل سعيد بن المسيَّب، فَحُكْمها حكم المُسْنَد.



والثاني: المُتَواتر، فهو يوجِبُ العلم، وشَرْطُه أن يَروِيَه جمعٌ تُحِيل العادةُ تَواطُؤَهم على الكذب.





المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:

1 - تقسيم الحديث باعتبار عدد النَّقَلة عند أهل العلم.

2 - خبَر الآحاد.

3 - المُتواتر.

4 - الحديث المُسْنَد.

5 - الحديث المُرْسَل.

6 - مراسيل الصَّحابة.

7 - حكم مراسيل سعيد بن المسيَّب.





المبحث الأول:

تقسيم الحديث باعتبار عدد النقلة عند أهل العلم:

ينقسم الحديث بهذا الاعتبار إلى قِسْمَين:

خبَر الآحاد.

الحديث المُتواتر.



فإن روى الحديثَ عددٌ كثير تُحيل العادة تَواطُؤَهم على الكذب، وكان مُستنَدُهم فيه الحِسَّ، سُمِّي "المتواتر".



أمَّا ما قصر عن ذلك فهو الآحاد.



وينقسم هذا الأخير إلى ثلاثة أقسام كما سيأتي - إن شاء الله.





المبحث الثاني:

خبر الآحاد:

وفيه عِدَّة مسائل:

1 - تعريفه:

هو ما قصر عن مرتبة التواتر.



2 - أقسامه:

يَنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أ - المشهور:

وهو ما رواه ثلاثةٌ أو أكثر، في أقَلِّ طبقة من طبقاته، ولم يَبْلُغ مَبْلَغ التَّواتر.



وهو يَنقسم إلى قسمين:

مشهور اصطلاحي:

وهو ما عرَّفْناه آنفًا.



مشهور غير اصطلاحي:

وهو الذي يُقصد به ما اشتهر على ألْسِنَة الناس، وإن لم يَسْتَوفِ شرط المشهور عند أهل الفن.



فقد يَشمل ما له سنَدٌ، وما ليس له سند أصلاً.



ومثاله:

((إن أبغض الحلال عند الله الطلاق))[1]؛ مشهورٌ عند الفقهاء.

((المعدة بين الدَّاء))[2]؛ مشهور عند الأطباء.

((نِعْم العبد صُهَيب، لو لم يخَفِ الله لم يَعْصه))[3]؛ مشهور عند النحاة.



فكلُّها مشتهرة على الألسنة، رغم ضعْفِها كُلِّها.



ب - العزيز:

وهو ما رواه اثْنان في أقَلِّ طبقة من طبقات السَّنَد.



جـ - الغريب.

وهو ما رواه واحدٌ في أقلِّ طبقة من طبقات السَّنَد.

ويُسمَّى أيضًا: "الفرد"، و"الفائدة".



المبحث الثالث:

الحديث المتواتر:

أ - تعريفه:

قال الخطيب البغدادي في "الكفاية" ص 50:

"هو ما يُخبِر به القومُ الَّذين يبلغ عددُهم حَدًّا يُعلَم عند مُشاهِديهم بِمُستقرِّ العادة إنَّ اتِّفاقَهم على الكذب مُحال، وأن التَّواطُؤَ منهم في مِقْدار الوقت الذي انتشر الخبَرُ عنهم فيه متعذِّر، وأن ما أخبروا عنه لا يجوز اللَّبس - الشُّبهة - في مثله، وأن أسباب القهْر والغلَبة، والأمور الدَّاعية إلى الكذب مُنْتفية عنهم"؛ اهـ.



إذًا فالحديث المتواتر، لا بُدَّ أن يشتمل على:

عددٍ كثير، تحدث به الطُّمَأنينة.

في كلِّ الطَّبقات الناقلة للخبر.

أن يكون مُستنَدُ خبرِهم الحسَّ.

تحيل العادة تواطُؤَهم على الكذب.



ب - أقسامه:

ينقسم المتواتر إلى قسمين:

المتواتر اللَّفْظي:

وهو الذي يتَّفِق كلُّ رواته على روايته بلفْظٍ واحد.

ومثاله: حديث: ((مَن كَذب علَيَّ متعمِّدًا))... الحديث.



المتواتر المعنويّ:

وهو ما تواتر عن رُواته نَقْلُ معناه دون لفظه.

ومثاله: أحاديث الشَّفاعة، وأحاديث المَسْح على الخُفَّيْن، وأحاديث رَفْع اليدَيْن في الدُّعاء، وأحاديث الحَوْض[4].



المبحث الرابع:

الحديث المسنَد:

الحديث المُسند هو ما اتَّصل سنَدُه مرفوعًا إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.



هذا عند المُحَدِّثين، أما عند غيرهم فقد يُستعمل مقابل المُنقَطِع، كما هو الحال عند الجُوَينيِّ - رحمه الله - في "الورقات" حيث قال في ص 20: "المُسْنَد: ما اتَّصَل إسناده"؛ اهـ.





المبحث الخامس:

الحديث المُرْسَل:

هو ما قال فيه التَّابعيُّ: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير ذِكْر الواسطة.



هذا تعريفه عند المحدِّثين، وأما عند الفقهاء والأصوليِّين فقد يستعمل فيما هو أعمُّ، حيث يُطْلِقونه على كلِّ انقطاع في السَّند بغضِّ النَّظر عن مكانه من السَّند، أو العدد السَّاقط منه.



فجعله الجوينيُّ - رحمه الله - قسيمًا للمتصل.





المبحث السادس:

مُرْسَل الصحابي:

اختُلِف في الاحتجاج به على مذهبين:

1 - أنه محتجٌّ به وله حكم المُتَّصل؛ إذْ إنَّ جُلَّ رواية الصحابة عن بعضهم، والنَّادر أن يَرْوي صحابيٌّ عن تابعي، فإنْ تبيَّن ذلك وعُلِم أنَّهم عُدول فلا يَضُرُّهم إنْ أسقط بَعْضُهم بعضًا.

وهذا هو المذهب الراجح، الذي قال به الجمهور.



2 - أن مُرسل الصحابي كمرسل غيره.

وهذا قول مرجوحٌ مَدْحوض بما قدَّمْنا في المذهب الأول، فلا يُرَدُّ الأغلب للنادر، مع كونهم كلهم عُدولاً.





المبحث السابع:

حكم مراسيل سعيد بن المسيَّب:

قال الجوينيُّ - رحمه الله - في "الورقات" ص 20:

"فإن كان - يَعْني المُرْسَل - من غير مراسيل الصَّحابة - فليس حجَّة، إلاَّ مراسيل سعيد بن المسيَّب، فإنَّها فُتِّشَت فوُجِدَت مَسانيد عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ اهـ.




قلتُ: وهذا فيه نظر من وجوه:


1 - أنَّ المرسل ضعيفٌ، وسبب ضعْفِه سقوط راوٍ منه لا يُعلم حاله، بل قد يكون الساقط منه اثنَيْن، بل بلَغ في بعض الأحاديث ثلاثة، وأحيانًا أربعة، ووصل السُّقوط في بعضها إلى ثمانية.



إلاَّ أنَّ المُرْسَل ضَعْفه أقلُّ من ضعف غيره، ويَنْجبِر بمِثْلِه، أو بما كان ضَعْفه يسيرًا.



لذا اشترط كثيرون ممن احتجُّوا بالمُرْسَل شروطًا، منها أن يكون المُرْسِل من كبار التابعين، حتى يُقلِّل احتمال سقوط غير الصَّحابي.



2 - أنَّ من احتجَّ بمراسيل سعيد احتجَّ بها بسبب ما اشتُهِر عن الإمام الشافعي - رحمه الله - من الاحتجاج بها.



قلتُ: وهذا فيه تفصيل:

أ - أنَّ للشافعي في ذلك قولَيْن، على خلاف المشتهر عنه بأن له قولاً واحدًا في هذه المسألة.

بل القول بأنَّ مراسيل سعيد كغيرها هو الأخير.



قال السُّيوطي - رحمه الله - في "تدريب الراوي"، (1/ 200):

"قال البلقينيُّ: ذَكر الماوَرْدِيُّ في "الحاوي": أنَّ الشافعي اختُلِف في قوله في مراسيل سعيد، فَكان في القديم يحتجُّ بها بانفرادها؛ لأنه لا يُرْسِل حديثًا إلاَّ يُوجد مُسنَدًا، ولأنَّه لا يَروي إلاَّ ما سَمِعه من جماعة أو مِن أكابر الصَّحابة، أو عضَّده قولهُم، أو رآه منتشرًا عند الكافَّة، أو وافقه فِعْلُ أهل العصر، وأيضًا فإنَّ مراسيله سُبِرَت، فكانت مأخوذة عن أبي هريرة؛ لِمَا بينهما من الصِّلَة والصَّهارة، فصار إرساله كإسناده عنه، ومذهب الشافعي في الجديد أنه كغيره"؛ اهـ.



قلتُ: فبِتَتبُّع كلام البلقينيِّ نقف على ما يلي:

أنَّ الشافعي له مَذْهبان؛ آخِرُهما أنَّ مراسيل سعيدٍ كمراسيل غيره.

أن كلام الشافعيِّ القديمَ نَفْسه منقوض، رَدَّه عليه غيرُ واحد من الشافعية.



ب - قال السيوطي في "تدريب الراوي"، (1/ 199): "قال المُصَنِّف - يعني: النَّووِيَّ - في "شرح المهذَّب"، و"الإرشاد": والإطلاق في النَّفي والإثبات غلطٌ، بل هو يحتجُّ بالمرسل بالشروط المذكورة، ولا يحتجُّ بمراسيل سعيد إلاَّ بها".



قال: "وأصل ذلك أنَّ الشافعي قال كما في "مختصر المزني": أخبرنا مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيَّب أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهَى عن بيع اللَّحم بالحيوان.



وعن ابن عبَّاس: أنَّ جَزُورًا نُحِرَت على عهد أبي بكر، فجاء رجلٌ بعناق، فقال: أعطوني بهذه العناق، فقال أبو بكر: لا يَصْلح هذا.



قال الشَّافعي: وكان القاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وعُرْوة بن الزُّبَير، وأبو بكر بن عبدالرَّحمن يحرِّمون بيع اللَّحم بالحيوان.



قال: وبِهَذا نأخذ، ولا نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خالَفَ أبا بكر، وإرسالُ ابن المسيَّب حسَنٌ".



فاختلف أصحابُنا في معنى قوله: "وإرسال ابن المسيب حسن"، على وجهَيْن؛ حكاه الشَّيخ أبو إسحاق في "اللُّمَع"، والخطيب البغدادي وغيرهما:

أحدهما: معناه أنه حُجَّة عنده، بخلاف غيرِها من المَراسيل، قالوا: لأنَّها فُتِّشَت فوُجِدَت مُسنَدة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 13-02-2020, 03:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (14/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام

والثاني:
أنها ليست بحجَّة عنده، بل هي كغيرها.





قالوا: وإنما رجَّح الشافعي بمرسله، والترجيح بالمُرْسَل جائز.

قال الخطيب: وهو الصَّواب"؛ اهـ.



جـ - واحتجُّوا بأن مراسيل سعيد فُتِّشت فوُجِدَت مُسندة.

قال السَّخاوي في "فَتْح المغيث": (1/ 164): "قال الخطيب في "الفقيه والمتفقِّه": والصَّواب الثاني، وأمَّا الأوَّل فليس بشيء، وكذا قال في "الكفاية": إنَّ الثاني هو الصحيح؛ لأنَّ في مراسيلِ سعيد ما لم يوجد بِحال من وجه يصحُّ.



قال البيهقيُّ: وقد ذكَرْنا لابن المسيَّب مراسيلَ لم يَقْبَلْها الشَّافعيُّ؛ حيث لم ينضمَّ إليها ما يؤكِّدها.

قال: وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنه أصحُّ التابعين إرسالاً فيما زعم الحُفَّاظ"؛ اهـ.





تتمات البحث:

التتمة الأولى:

تقسيم السُّنَّة إلى متواترة أو أحادية له اعتباران:

الاعتبار الأول: بالنِّسبة لعدد النَّقَلة لكلٍّ منهما.



وهو اعتبار صحيح؛ حيث إنَّه يميِّز بينهما، ويصلح ضابطًا عند الترجيح.



الاعتبار الثاني:

بالنِّسبة للاحتجاج والعمل:

وترَتَّب على هذا التقسيم أمورٌ، منها:

أن السُّنة الأحادية لا تَنْسخ القرآن، ولا السُّنة المتواترة.

أن السنة الأحادية لا تخصِّص عُموم القرآن.



اشتراط البعض شروطًا للعمل بالسُّنة الأحادية، منها:

ألاَّ يكون مما تعمُّ به البلوى.

ألاَّ يكون مُخالِفًا للقياس.

أن يكون موافِقًا للكتاب، والسُّنة المتواترة.

ألاَّ يَعمل راويه بخلافه.



وهذا الاعتبار في التقسيم فاسد، حيث دَلَّت نُصوص الكتاب والسُّنَّة على العمل بالسُّنة الأحادية من غير شروط.



قال تعالى: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].



ولفظ "ما" مِن ألفاظ العموم، فيشمل كلَّ أتى به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير تفريق بين ما نُقِل عن الآحاد، أو الجَمْع المتواتر، المهمُّ هو ثبوت صحَّة النَّقل إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم.



قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].



فلفظ "أمر" نَكِرةٌ في سياق الشَّرط، فيُفيد العُموم، فتَدْخل فيه السُّنةُ بقِسْميها، فهو يعمُّ نَقْل الجمع، ونقل الآحاد.



عن العِرْباض بن سارية - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عليكم بِسُنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ))؛ أخرجه أبو داود[5].



التتمة الثانية:

هل يفيد خبر الآحاد العلم القطعي؟



اختُلِف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

أنَّه لا يُفيد العلم مطلقًا، وإنما يُفيد الظَّن؛ وذلك لأنَّه من رواية آحادٍ قد يَقع منهم الخطأ.

أنه يفيد العلم مطلقًا، وهذا مُخالف لقواعد الشرع والعقل.

أنه يفيد العلم إذا احتَفَّت به قرائن.



قال العلاَّمة شمسُ الدِّين ابنُ قيِّم الجوزية - رحمه الله - كما في "مختصر الصَّواعق" (ص 455): "خبر الواحد بحسب الدليل الدالِّ عليه؛ فتارةً يُجْزَم بكذبه؛ لقِيام دليلِ كَذِبِه، وتارة يُظنُّ كذبه إن كان دليل كذبه ظنيًّا، وتارة يتوقَّف فيه فلا يترجَّح صدقه ولا كذبه، إذا لم يَقُم دليل أحدهما، وتارة يترجَّح صدقه، ولا يجزم به، وتارة يجزم بصدقه جزمًا لا يبقى معه شكٌّ، فليس خبَرُ كلِّ واحد يفيد العلم ولا الظن"؛ اهـ.





التتمة الثالثة:

فات الناظِمَ تعريفُ "الخبر".

قال الجويني في "الورقات" ص 19: "وأما الأخبار: فالخبَرُ ما يَدْخُله الصِّدق والكذب"؛ اهـ.



وقال الشرف العمريطيُّ في "نَظْم الورقات":



وَالْخَبَرُ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ الْمُحْتَمِلْ

صِدْقًا وَكِذْبًا مِنْهُ نَوْعٌ قَدْ نُقِلْ








التتمة الرابعة:

فات الناظِمَ ذكر بعض شروط "الحديث المتواتر".



قال الجويني - رحمه الله - في "الورقات" ص 19: "فالمتواتر: ما يُوجب العلم، وهو أن يَروي جماعةٌ لا يقع التَّواطؤُ منهم على الكذب عَن مِثْلِهم إلى أن يَنتهي إلى المُخْبَر عنه.



ويكون في الأصل عن مشاهدة، أو سمَاع، لا عن اجتهاد"؛ اهـ.



قلتُ: ففاته:

أنَّ هذا الجَمْع يَروي عن مثله، وهكذا في جميع الطَّبقات.

وأن يكون مُستنَدُهم في النَّقل: الحِسَّ، لا عن اجتهاد.



قال الشَّرَف العِمْريطيُّ في "نظم الورقات":



فَأَوَّلُ النَّوْعَيْنِ مَا رَوَاهُ

جَمْعٌ لَنَا عَنْ مِثْلِهِ عَزَاهُ



وَهَكَذَا إِلَى الَّذِي عَنْهُ الْخَبَرْ

لاَ بِاجْتِهَادٍ بَلْ سَمَاعٌ وَنَظَرْ



وَكُلُّ جَمْعٍ شَرْطُهُ أَنْ يَسْمَعُوا

وَالْكِذْبُ مِنْهُمْ بِالتَّوَاطِي يُمْنَعُ



يتبع









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 13-02-2020, 03:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

التتمة الخامسة:

فات الناظم نظم صيغ الأداء.



قال الجُوينيُّ - رحمه الله - في "الورقات" ص 20: "والعَنْعنةُ: تدخل على الأسانيد، وإذا قرأ الشيخ يجوز للرَّاوي أن يقول: حدَّثَني أو أخبرني إِجَازة.



وإذا قرأ هو على الشَّيخ يقول: أخبرَني، ولا يقول: حدَّثني.

وإن أجازه الشَّيخ من غير قراءة يقول: أجازني، أو أخبرني إجازة"؛ اهـ.



وقد نظَم الشَّرَف العِمْريطيُّ هذه الجُمَلَ في "نظم الورقات"، فقال:



وَأَلْحَقُوا بِالْمُسْنَدِ الْمُعَنْعَنَا

فِي حُكْمِهِ الَّذِي لَهُ تَبَيَّنَا



وَقَالَ مَنْ عَلَيْهِ شَيْخُهُ قَرَا

حَدَّثَنِي كَمَا يَقُولُ أَخْبَرَا



وَلَمْ يَقُلْ فِي عَكْسِهِ حَدَّثَنِي

لَكِنْ يَقُولُ رَاوِيًا أَخْبَرَنِي



وَحَيْثُ لَمْ يَقْرَأْ وَقَدْ أَجَازَهْ

يَقُولُ قَدْ أَخْبَرَنِي إِجَازَهْ








التتمَّة السادسة:

خالَف النَّاظم الجويني - رحمه الله - في تعريف "الحديث المسند".



قال الجوينيُّ - رحمه الله - في "الورقات" ص 20: "والمُرْسَل ما لم يَتَّصِل إسناده"؛ اهـ.



فجعله قسيمًا للمُتَّصِل، ووَسَّع القول في نوع الانقطاع المتعلِّق به، فجعله شامِلاً لكلِّ صُوَر الانقطاع التي تردُّ على السَّنَد.



وقد وافق رَسْم الفقهاء في ذلك، بينما عَرَّفه الناظم على رَسْم أهل الحديث.



فقال:



وَمُرْسَلٌ إِسْنَادُهُ قَدِ انْقَطَعْ

لَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَنْ تَبَعْ






فقصر الانقطاع فيه على مَن بعْدَ التابعي.



وهذا ممَّا أصاب الناظم فيه؛ حيث إنَّ الأصل في التعريفات اتِّباع رسم أهلها فيها.



بينما حذا الشرف العمريطي حَذْو الجُوينيِّ في تعريف "الحديث المرسل"، حيث قال في "نظم الورقات":



فَحَيْثُمَا بَعْضُ الرُّوَاةِ يُفْقَدُ

فَمُرْسَلٌ وَمَا عَدَاهُ الْمُسْنَدُ








التتمة السابعة:

وَهِمَ النَّاظم، ولم يُجِدْ نَظْم هذا المبحث من كلام الجويني في "الورقات"، فقال:



62- يَنْقَسِمُ الْخَبَرُ لِلْآحَادِ

وَمُتَوَاتِرٍ وَذِي إِسْنَادِ



63- وَمُرْسَلٍ، فَأَوَّلٌ: مَا أَوْجَبَا

الْعَمَلَ، الثَّانِي بِعِلْمٍ أَكْسَبَا








فيُفهَم من أبياته أنَّ الحديث على أربعة أقسام: الآحاد، والمُتَواتر، والمسند، والمرسل؛ لِذَا فقد أجاد العمريطيُّ نَظْمَ كلام الجويني، فأفهم أنَّ الآحاد يَنْقسم إلى: مُسنَد، ومرسل.



قال الشرف العمريطيُّ في "نظم الورقات":



ثَانِيهِمَا الآحَادُ يُوجِبُ العَمَلْ

لاَ العِلْمَ لَكِنْ عِنْدَهُ الظَّنُّ حَصَلْ



لِمُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ قَدْ قُسِمَا

وَسَوْفَ يَأْتِي ذِكْرُ كَلٍّ مِنْهُمَا








[1] ضعيف؛ أخرجه أبو داود في "السُّنَن"، (كتاب الطلاق، باب: في كراهية الطلاق، ح 2178).
وضعَّفَه العلامة ابن الجوزيِّ في "العِلَل المتناهية" (2/ 642).
وضعفه العلامة الألباني - رحمه الله - في "ضعيف الجامع" برقم (44).



[2] لا أصل له.
قال العلاَّمة الألبانيُّ - رحمه الله - في "السلسلة الضعيفة" (1/ 276) ح 252: "قال الحافظ العراقي: لم أجد له أصلاً، وأقره الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة"؛ اهـ.



[3] قال المُلاَّ علي القاري في "الأسرار المرفوعة"، (ص 254): "قال العراقيُّ: لا أصل لهذا الحديث، ولم أقف له على إسنادٍ قَطُّ في شيء من كتب الحديث، وبعض النُّحاة يَنْسِبونه إلى عمر مِن قوله، ولم أر له إسنادًا إلى عُمر"؛ اهـ.



[4] لذا قال السُّيوطيُّ في "ألفيَّتِه":


خَمْسٌ وَسَبْعُونَ رَوَوْا مَنْ كَذَبَا

مِنْهُمُ الْعَشَرَةَ ثُمَّ انْتَسَبَا



لَهَا حَدِيثُ "الرَّفْعِ لِلْيَدَيْنِ"

"وَالْحَوْضِ" "وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ"







[5] صحيح؛ هذا جزء من حديث طويل؛ أخرجه أبو داود وغيره في "السُّنن"، (كتاب السُّنة، باب: في لزوم السنة، ح 4607).
وصحَّحه العلامة الألباني - رحمه الله - في "صحيح الجامع" برقم (2549).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 13-02-2020, 03:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول


زاد العقول شرح سلم الوصول (15/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام



القـياس



68- إِنَّ الْقِيَاسَ رَدُّكَ الْفَرْعَ إِلَى
أَصْلٍ لَهُ لِعِلَّةٍ قَدِ انْجَلَى



♦ ردُّك: إرجاعُك.
♦ الفَرْع: ما بُنِي على غيره.
♦ لعلَّة: العلَّة السبب.
♦ انجلى: وضح، وبان.


المعنى الإجمالي:
القياس هو: ردُّ الفرع الذي لم يُنَصَّ على حُكْمِه، إلى أصل منصوص على حكمه بعلَّة تجمع بينهما.

المباحث التي يشتمل عليها البيت:
المبحث الأول:
تعريف القياس:
القياس في اللغة هو: التقدير، فيُقال: قِسْت الأرض بالمتر؛ يعني: قدَّرْتها به، ويُقال: قِسْتُ الأمر على الأمر؛ أي: حمَلْتُه على نظيره.

أمَّا في الاصطلاح فهو: حَمْل فرْعٍ غير منصوص على حُكْمه، على أصْل منصوص على حكمه بِجامع بينهما.

إذًا فالقياس مبنيٌّ على أربعة:
1 - الفرع: غير المنصوص عليه، والمراد معرفة حكمه.
2 - الأصل: وهو المسألة المنصوص على حكمها، ويُسَمَّى: "المَقِيس عليه".
3 - العلَّة: وهي الوَصْف الجامع بين الأَصْل المنصوص عليه، والفرع غير المنصوص على حكمه.
والعلَّة أعظم أركان القياس.
4 - حُكْم الأصل: وهو الحكم الشَّرعيُّ المنصوص عليه، والذي يُراد تعديته إلى غيره.

أمثلة على القياس:
قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [الجمعة: 9].

هذه الآية نصٌّ في تحريم البيع وقت صلاة الجمعة.
وعلَّة التحريم تفويت صلاة الجمعة، أو التعويق عن حضورها.

فإذا سأل سائل عن حكم العُقود يوم الجمعة ساعة الصَّلاة؟ قُلْنا: لم يَرِد فيها نصٌّ، إذًا العقود وقت صلاة الجمعة "فرْعٌ" غير منصوص على حُكْمه، ونحتاج إلى أصْلٍ منصوص على حكمه؛ حتى نَرُدَّه إليه.

♦ التَّعاقد وقت صلاة الجمعة قد يفوتها، أو يعوق عن حضورها على أقلِّ تقدير.

قلتُ: وهي نَفْس علَّة تحريم البيع يوم الجمعة.
إذًا: البيع وقت صلاة الجمعة "أصل" منصوص على تحريمه، والتَّعاقد يوم الجمعة فرْعٌ له.
إذًا فحُكم التعاقد وقت صلاة الجمعة التحريم.


تتمات البحث:
التتمة الأولى:
حُجِّيَّة القياس:
القياس دليلٌ من أدلَّة الأحكام المعمول بها عند الجمهور، وقد دَلَّت الأدلة الكثيرة على ذلك، ومنها:
♦ قال - تعالى -: ï´؟ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ï´¾ [يس: 81].
♦ قال - تعالى -: ï´؟ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ï´¾ [الأنبياء: 104].

قال العلاَّمة محمَّد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "الأصول من عِلْم الأصول" ص 514: "وهذا قياس: ï´؟ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ï´¾، يعني: أنَّنا لما كُنَّا قادرين على ابتداء الخَلْق كنَّا قادرين على إعادته، ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ï´¾ [الروم: 27]، فهنا قاسَ الإعادة على البدء، وهو قياس واضحٌ جلي"؛ اهـ.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، إنَّ أُمِّي ماتت، وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فدَيْنُ الله أحقُّ أن يُقضَى؛ متفق عليه[1].

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً من بني فَزارة أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا نبيَّ الله، إنَّ امرأتَه ولدَتْ غُلامًا أسود، وكأنه يُعَرِّض أن يَنتفي منه، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألَكَ إبِل؟)) قال: نعم، قال: ما ألوانُها؟، قال: حُمْر، قال: ((هل فيها ذَوْدٌ أَوْرَق؟))، قال: نعم فيها ذودٌ أورق، قال: ((ومِمَّا ذاك؟)) قال: لعلَّه نزَعَه عِرْق، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وهذا لعلَّه يكون نزَعَه عرق))؛ متَّفق عليه[2].


قال الناظم:
69- أَقْسَامُهُ ثَلاَثَةٌ يَا مُنْتَبِهْ
قِيَاسُ عِلَّةٍ، دَلاَلَةٍ، شَبَهْ
70- فَالْأَوَّلُ: الْعِلَّةُ فِيهِ تُوجِبُ
الْحُكْمَ، وَالثَّانِي: لَهُ تُقَرِّبُ
71- وَهُوَ الِاسْتِدْلاَلُ بِالنَّظِيرِ
عَلَى نَظِيرِهِ بِلاَ نَكِيرِ
72- وَثَالِثٌ: فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ
يَدُورُ أَلْحِقْهُ بِأَقْوَى ذَيْنِ




معاني المفردات:
♦ مُنتبِه: مُتَيقِّظ، واعٍ للكلام.
♦ تُوجِب: تُلْزِم
♦ النَّظير: المَثِيل
♦ ذَيْن: اسم إشارة للمثنى المذكَّر


المعنى الإجمالي:
اعلم يا مُنتبِه في طلب العلم أن القياس على ثلاثة أقسام:
♦ قياس علَّة.
♦ قياس دلالة.
♦ قياس شبَه.

فالأول: وهو قياس العلَّة: ما صُرِّح فيه بالعِلَّة الموجِبَة للحكم.
فيكون الجامع بين الأصل والفرع العِلَّة المنصوص عليها، وهنا يجب أن يقَع الحُكْم، ولا يحسن عقلاً أن يتخلَّف الحكم.

والثاني: قياس الدلالة: وهو ما لم يُنَصَّ فيه على العلة، وإنما يُذْكَر في النصِّ لازمٌ من لوازمها، كأثَرِ الحكم، فيكون الجامع هو دليلَ العِلَّة.

والثالث: قياس الشَّبَه: وهو ما يكون الفَرْع فيه متردِّدًا بين أصلين، فيُلْحَق بأقواهما.


المباحث التي تشتمل عليها الأبيات:
المبحث الأول:
أقسام القياس:
قسَّمَ المُصَنِّف - رحمه الله - وتَبِعه على ذلك الناظمُ القياسَ إلى ثلاثة أقسام:
1 - قياس العلَّة:
وهو ما نُصَّ فيه على علَّة الحكم - كما مرَّ آنِفًا.

ومثاله:
قياس الضَّرب على التَّأفيف في قوله تعالى: ï´؟ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ï´¾ [الإسراء: 23]، ويُسَمَّى قياس الأَوْلى.

2 - قياس الدلالة:
وهو ما لم ينصَّ فيه على علَّة الحكم، ولكن يُذْكَر فيه لازمٌ من لوازمه، كما مرَّ آنفًا.

ومثاله:
قياس مال الصَّبي الصغير على مال البالغ الكبير في وجوب الزكاة فيه، لِعِلَّة أن المال نامٍ، ويُسمَّى قياسَ المُسَاوي.

3 - قياس الشَّبَه:
ويكون الفرع فيه متردِّدًا بين أصلَيْن، فيُلْحَق بأكثرهما شبَهًا.

ومِثاله: العبد المقتول، فإنَّه متردِّد في الضَّمان بين الإنسان الحُرِّ من ناحية كونه آدميًّا، وبين ما يُباع ويشترى، فهو يُلحَق بالمال؛ لأنَّه أكثر شبهًا به؛ لكونه يُباع ويُشترى، ويُورث، ويُوقَف، ويُسمَّى قياسَ الأَدْنَى.

تتمَّات البحث:
التتمَّة الأولى:
قياس الشبه أو قياس الأدنى، من أضعف الأقيسة.

وقد استدل على ذلك بعدة أدلة منها:
قوله تعالى - حكايةً عن إِخْوة يُوسف -: ï´؟ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ï´¾ [يوسف: 77]، فلا يَلْزم من كون أخيه سارقًا، أن يكون هو سارقًا أيضًا.

وكذا قوله تعالى - حكاية عن قوم نوح -: ï´؟ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا ï´¾ [هود: 27]، فلا يلزم أن يقوم شبَهُهم به في البشريَّة دليلاً على عدم صحَّة إرساله، فالله هو الذي يختصُّ برسالاته مَن يشاء.


قال - تعالى -: ï´؟ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ï´¾ [الأنعام: 124].

التتمة الثانية:
فات المُصَنِّف - رحمه الله - ذكْرُ أقسامٍ من القياس، فالقياس يُنظَر إليه باعتبارات مختلفة، اكتفى المُصَنِّف منها باعتبار العِلَّة فقط.

وسأذكر بعضًا منها - إن شاء الله.

أوَّلاً: القياس باعتبار القوة:
وينقسم إلى قسمين:
1 - القياس الجليِّ: وهو ما كانت فيه العِلَّة منصوصًا عليها، أو مُتَّفقًا عليها.
ومثاله: أكْلُ مال اليتيم فإنه محرَّم، قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ï´¾ [النساء: 10]، فإنه يلْحَق به إحْراقُ مال اليتيم.

وهذا القسم من أقوى الأَقْيِسة؛ لكونه مَقْطوعًا به، ولا يحتاج في إثباته إلى براهين وأدلَّة، وقد اختُلِف في تسميته قياسًا أصلاً، وألحقه البعضُ بمفهوم الموافقة.

قال الشافعي - رحمه الله - في كتاب "الرِّسالة" ص 515: "وقد يمتنع بعْضُ أهل العلم من أن يسمِّي هذا قياسًا، ويقول: هذا معنى ما أحلَّ الله وحرَّم، وحمد وذمَّ؛ لأنَّه داخلٌ في جملته، فهو بعينه، لا قياس على غيره".

ثم قال: "ويقول غيرُهم من أهل العلم: ما عدا النَّص من الكتاب أو السُّنة، فكان في معناه، فهو قياس، والله أعلم"؛ اهـ.

2 - القياس الخفي: وهو الذي تَثْبت علَّتُه بالاستنباط.
ومثاله: تحريم النَّبيذ قياسًا على الخمر؛ لعِلَّة الإسكار.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 13-02-2020, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

ولبيان العلة الجامعة مقدِّمتان:
أ - أن العِلَّة الثابتة في الأصل لا تثبت إلاَّ بالشرع.
ففي المثال الذي مرَّ بنا آنِفًا أنَّ علَّة تحريم الخمر الإسكار، فهذه العلَّة ثابتة بالشرع.

ب - أن العلَّة الموجودة في الفرع يَجُوز أن تثبت بالحسِّ، والعقل، والعُرْف، وأدلة الشرع.


ثانيًا: القياس باعتِبار الإثبات والنَّفي:
وينقسم القياسُ من هذا الوَجْه إلى قسمين:
1 - قياس الطَّرد: وهو ما اقتضى إثبات الحُكْم في الفَرْع؛ لِثُبوت عِلَّة الأصل فيه.

2 - قياس العكس: وهو ما اقتضى نَفْي الحكم عن الفرع؛ لنفْيِ علَّة الحكم فيه.0

قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى"9/239: "وما أمر الله به من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطَّرد، وقياس العكس، فإنَّه لما أهلك المُكَذِّبين للرُّسل بتكذيبهم، كان من الاعتبار أن يعلم أنَّ مَن فعل مثل ما فعلوا أصابه مثل ما أصابهم فيتَّقي تكذيب الرسل؛ حذرًا من العقوبة، وهذا قياس الطَّرد، ويعلم أن من لم يكذِّب الرُّسل لا يصيبه ذلك، وهذا قياس العكس"؛ اهـ.


ثالثًا: القياس باعتبار محَلِّه:
وينقسم إلى قسمين:
1 - القياس في الأحكام العِلْميَّة "العقائد":
وهو لا يصحُّ، قال - تعالى -: ï´؟ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ï´¾ [النحل: 74].
وإن استَثْنَى منه العلماءُ "قياس الأَوْلَى"، إذا استُدِلَّ به على معرفة الله وتوحيده.
قال - تعالى -: ï´؟ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ï´¾ [النحل: 60].

فيُجْمع بين النصَّيْن من باب العامِّ والخاص، فالآية الأُولى عامَّة، والثانية خاصة، فيصير المعنى: لا تضربوا لله الأمثال إلاَّ المثل الأعلى.

فضَرْبُ الأمثال لله - عزَّ وجلَّ - من مَسالك أهلِ البِدَع والانحراف عن الجادَّة؛ لِذَا قَيَّد أهْلُ الحقِّ هذا بِقَصْره على ضرب المثَلِ الأعلى فقط كما جاءت النُّصوص، فالله - عزَّ وجلَّ - ï´؟ ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ï´¾ [الشورى: 11].

2 - القياس في الأحكام العملية "الفقهية":
وقد تَنازع بعض أهل العلم في حُجِّيته، فنَفاه ابن حزم، بينما جَعَلَه الأحناف في مقابل النَّص.
والصواب أنَّ القياس مصدر من مصادر التشريع، ومع ذلك فهو لا يعارِض النصَّ الصحيح.
فالعقل الصحيح لا يُخالف النص الصريح.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"19/289: "ومن كان متبحِّرًا في الأدلة الشرعية أمكَنَه أن يَستدلَّ على غالب الأحكام الشرعية بالنُّصوص والأقيسة"؛ اهـ.

رابعًا: القياس باعتبار الصِّحة والفساد:
وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - قياس صحيح: وهو ما جمَع بين مُتماثِلَيْن، ولم يوجد فيه فارقٌ مؤثِّر بين الفرع والأصل، كقِيَاس النَّبيذ على الخمر.
2 - قياس فاسد: وهو عكس "القياس الصحيح"، كقِيَاس المرأة على الرَّجل في المواريث بعِلَّة الآدمية.
3 - قياسٌ لم يتبيَّن كونُه صحيحًا أم فاسدًا.

قال الناظم:
73- وَالشَّرْطُ فِي الْعِلَّةِ أَنْ تَطَّرِدَا
دُونَ انْتِقَاصٍ سَرْمَدًا مُؤَبَّدَا
74- وَالشَّرْطُ فِي الْأَصْلِ ثُبُوتُهُ بِمَا
يَكُونُ عِنْدَ خَصْمِهِ مُسَلَّمَا
75- وَاشْتَرَطُوا فِي فَرْعِهِ الْمُنَاسَبَهْ
وَالْحُكْمُ كَالْعِلَّةِ وَهْيَ الْجَالِبَهْ



معاني المفردات:
♦ أن تُطَّردا: تُجْرى مجرى واحدًا مُتَّسقًا.
♦ سرمدًا: السَّرمد، الدائم الذي لا ينقطع.
♦ مسلَّما: مُقرًّا بصحته.
♦ الجالبة: يقال، جلب الشيء يعني: ساقه من مكان لآخر.


المعنى الإجمالي:
وبعد أن عرَّفنا القياس يتبقَّى لنا معرفة شروطه، فشرط العِلَّة أن تكون مُتَّسقة مُنضَبِطة من غير اضطراب، فمتى اضْطربَت فسَد القياس.
وشرط الأصل ثبوتُه بدليل صحيح مُسَلَّم بقبوله عند الجميع.

وشرط الفرع أن يكونَ مناسِبًا للأصل في الأمر الذي يُجمَع به بينهما للحُكْم، إمَّا أن تكون علَّة الفرع مُماثِلَة لعِلَّة الأصل في عينها، كقياس النَّبيذ على الخمر؛ لعِلَّة الإسكار، أو في جِنْسِها، كقياس وجوب القصاص في الأطراف على القياس في النَّفس بجامع الجناية.

وشرط الحكم أن يكون مِثْلَ العلَّة في الوجود والعدم.
فالحُكْم يدور مع العِلَّة وجودًا وعدمًا.
فمتى وُجِدَت العلَّة وُجِد الحكم، ومتى انتفت انتفى.


تتمات البحث:
التتمة الأولى:
1 - شروط العلَّة:
ذكَر منها صاحبُ الأصل - رحمه الله - "الاطِّراد"، وتَبِعَه النَّاظم على ذلك، وفاتَهما عِدَّة شروط، منها:
♦ أن تكون وصْفًا ظاهرًا جلِيًّا في "المَقِيس"، و"المقيس عليه".

♦ أن تكون وصفًا مناسِبًا للحُكْم، فيُفْضِي إلى جلب مصلحة، أو دَرْءِ مفسدة، كالقَصْر في السفر، مناسبٌ له؛ لأن السَّفر فيه مظنَّة المشقة والحَرَج؛ لذا قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((السَّفر قطعة من العذاب))؛ مُتَّفق عليه[3].

♦ أن تكون وصفًا متعدِّيًا، يعني لا تكون العلَّة قاصرة على حُكْم الأصل، بل يمكن تعديتها إلى الفرع، ومِثال العِلَّة القاصرة: "المرض" علَّةٌ لفِطْر رمضان، ولا يَصِحُّ تعديتها إلى أصحاب الأعمال الشاقة.

♦ ألاَّ تكون وصفًا مُلْغى: كاشتراك الولد والبنت في البنُوَّة للتسوية في الميراث؛ حيث أَلْغَى الشَّرعُ هذا الوصف، قال - تعالى -: ï´؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ï´¾ [النساء: 11].

2 - شروط تعدية الأصل إلى الفرع:
اكتفى المصنِّف - رحمه الله - وتبِعَه الناظم في ذِكْر شرط واحد فيما يشترط في الأصل حتى يُعَدَّى إلى الفرع؛ لما ذكر أنَّه لا بُدَّ أن يَثْبت نصٌّ مسلَّم به عند الاحتجاج.

وفاتَهُما:
♦ أن يكون حُكْمًا معقول المعنى؛ يَعني من الممكن أن تُدْرَك علَّة تشريعه، أمَّا العبادات الشرعية التعبُّدية المَحْضة فلا يصحُّ معها القياس، كعدد الصلوات، وجَلْدِ الزاني مائة جلدة.

♦ ألاَّ يكون حكمًا مختصًّا بالأصل فقط، كنكاح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوق أربعة، عن البراء - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذات يوم، فقال: ((مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قِبْلتَنا، فلا يذبح حتى ينصرف))، فقام أبو بُرْدة بنُ نيار فقال: يا رسول الله، فعَلْتُ، فقال: ((هو شيءٌ عجَّلْتَه))، قال: فإنَّ عندي جذعةً هي خيرٌ من مُسنَّتَيْن، آذْبَحُها؟ قال: ((نعَمْ، ثم لا تَجْزِي عن أحد بعدك))؛ متفق عليه[4].
فقَصْر الحكم عليه؛ فلا يجوز تعديته إلى غيره.

♦ ألاَّ يكون الحُكْم منسوخًا.

3 - شروط الحكم:
أن يكون مثل العلَّة في النفي والإثبات؛ أيْ: في الوجود والعَدَم، فإن وُجِدَت العلَّة وُجِدَ الحُكْم، وإن انتَفَت انتفى.

أمَّا إذا كان الحُكْم مُعلِّلاً بِعِلَل فلا يَلْزَم من انتفاء بعضِ تلك العللِ انتفاءُ الحكم، كالقَتْل، فإنَّه يَجِب بِسَبب الرِّدَّة، والزِّنا بعد إحصان، وقَتْل النَّفس المعصومة المماثلة، وترك الصَّلاة، وغير ذلك.

وإلى هذا أشار الناظم بقوله: والحُكْم كالعِلَّة.

[1] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب الصوم، باب: من مات وعليه صوم، ح 1953).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الصوم، باب: قضاء الصيام عن الميت، ح 154).
واللفظ لمسلم.

[2] أخرجه البخاري في غير موضع من "صحيحه"، منها: (كتاب الطلاق، باب: إذا عرض بنفي الولد، ح 5305).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب اللعان، ح 18، 19، 20).

[3] من حديث أبي هريرة.
أخرجه البخاري في غير موضعٍ من "صحيحه"، منها: (كتاب العمرة، باب: السفر قطعة من العذاب، ح 1804).
وأخرجه مسلم "صحيحه"، (كتاب الإمارة، باب: السفر قطعة من العذاب، 179).

[4] أخرجه البخاري في "صحيحه"، (كتاب العيدين، باب: الخطبة يوم الجمعة، ح 965).
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، (كتاب الأضاحي، 9).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 263.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 257.66 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]