تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 38 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4942 - عددالزوار : 2040206 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4516 - عددالزوار : 1310236 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 129100 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4817 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-11-2022, 11:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ مَرْيَمَ
الحلقة (374)
صــ 243 إلى صــ 250



والثاني: أن ملكا من الملائكة استأذن ربه أن يهبط إلى إدريس، فأذن له، فلما عرفه إدريس قال: هل بينك وبين ملك الموت قرابة ؟ قال: ذاك أخي من الملائكة . قال: هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت ؟ قال: سأكلمه فيك [ ص: 243 ] فيرفق بك، اركب ببن جناحي، فركب إدريس فصعد به إلى السماء، فلقي ملك الموت، فقال: إن لي إليك حاجة . قال: أعلم ما حاجتك، تكلمني في إدريس، وقد محي اسمه من الصحيفة، ولم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين ؟ فمات إدريس بين جناحي الملك، رواه عكرمة عن ابن عباس . وقال أبو صالح عن ابن عباس: فقبض ملك الموت روح إدريس في السماء السادسة .

والثالث: أن إدريس مشى يوما في الشمس فأصابه وهجها، فقال: اللهم خفف ثقلها عمن يحملها، يعني به: الملك الموكل بالشمس، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف، فسأل الله عز وجل عن ذلك، فقال: إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته . فقال: يا رب اجمع بيني وبينه واجعل بيننا خلة، فأذن له، [ فأتاه ]، فكان مما قال له إدريس: اشفع لي إلى ملك الموت ليؤخر أجلي، فقال: إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، ولكن أكلمه فيك، فما كان مستطيعا أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك، ثم حمله الملك على جناحه فرفعه إلى السماء، فوضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال: إن لي إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله، قال: ليس ذاك إلي، ولكن إن أحببت أعلمته متى يموت، فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا، ولا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس، فقال: إني أتيتك وتركته هناك، قال: انطلق فما أراك تجده إلا ميتا، فوالله ما بقي من أجله شيء، فرجع الملك فرآه ميتا . وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وكعب في آخرين، فهذا القول والذي قبله يدلان على أنه ميت، والقول الأول يدل على أنه حي . [ ص: 244 ]
أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا وما نتنـزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا .

قوله تعالى: " أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين " يعني: الذين ذكرهم من الأنبياء في هذه السورة، " من ذرية آدم " يعني: إدريس، " وممن حملنا مع نوح " يعني: إبراهيم ; لأنه من ولد سام بن نوح، " ومن ذرية إبراهيم " يريد: إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، " وإسرائيل " يعني: ومن ذرية إسرائيل، وهم موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى .

قوله تعالى: " وممن هدينا " ; أي: هؤلاء كانوا ممن أرشدنا، " واجتبينا " ; أي: واصطفينا .

قوله تعالى : " خروا سجدا " قال الزجاج : " سجدا " حال مقدرة ، المعنى : خروا مقدرين السجود ; لأن الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدا ، [ ص: 245 ] فـ " سجدا " منصوب على الحال ، وهو جمع ساجد ، " وبكيا " معطوف عليه ، وهو جمع باك ، فقد بين الله تعالى أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله سجدوا وبكوا من خشية الله .

قوله تعالى : " فخلف من بعدهم خلف " قد شرحناه في ( الأعراف : 169 ) . وفي المراد بهذا الخلف ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم اليهود ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : اليهود والنصارى ، قاله السدي . والثالث : أنهم من هذه الأمة ، يأتون عند ذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، يتبارون بالزنا ، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زناة ، قاله مجاهد وقتادة .

قوله تعالى : " أضاعوا الصلاة " وقرأ ابن مسعود ، وأبو رزين العقيلي ، والحسن البصري : ( الصلوات ) على الجمع .

وفي المراد بإضاعتهم إياها قولان :

أحدهما : أنهم أخروها عن وقتها ، قاله ابن مسعود ، والنخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، والقاسم بن مخيمرة .

والثاني : تركوها ، قاله القرظي ، واختاره الزجاج .

قوله تعالى : " واتبعوا الشهوات " قال أبو سليمان الدمشقي : وذلك مثل استماع الغناء ، وشرب الخمر ، والزنا ، واللهو ، وما شاكل ذلك مما يقطع عن أداء فرائض الله عز وجل .

قوله تعالى : " فسوف يلقون غيا " ليس معنى هذا اللقاء مجرد الرؤية ، وإنما المراد به الاجتماع والملابسة مع الرؤية . [ ص: 246 ]

وفي المراد بهذا الغي ستة أقوال :

أحدها : أنه واد في جهنم ، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه قال كعب . والثاني : أنه نهر في جهنم ، قاله ابن مسعود . والثالث : أنه الخسران ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والرابع : أنه العذاب ، قاله مجاهد . والخامس : أنه الشر ، قاله ابن زيد وابن السائب . والسادس : أن المعنى : فسوف يلقون مجازاة الغي ، كقوله : يلق أثاما [ الفرقان : 68 ] ; أي : مجازاة الآثام ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " إلا من تاب وآمن " فيه قولان :

أحدهما : تاب من الشرك، وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل .

والثاني : تاب من التقصير في الصلاة ، وآمن من اليهود والنصارى .

قوله تعالى : " جنات عدن " وقرأ أبو رزين العقيلي ، والضحاك ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة : ( جنات ) برفع التاء . وقرأ الحسن البصري ، والشعبي ، وابن السميفع : ( جنة عدن ) على التوحيد مع رفع التاء . وقرأ أبو مجلز وأبو المتوكل الناجي : ( جنة عدن ) على التوحيد مع نصب التاء . وقوله : " التي وعد الرحمن عباده بالغيب " ; أي : وعدهم بها ولم يروها ، فهي غائبة عنهم .

قوله تعالى : " إنه كان وعده مأتيا " فيه قولان :

أحدهما : آتيا ، قال ابن قتيبة : وهو ( مفعول ) في معنى ( فاعل ) ، وهو قليل أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به . وقال الفراء : إنما لم يقل : آتيا ; لأن [ ص: 247 ] كل ما أتاك فأنت تأتيه ، ألا ترى أنك تقول : أتيت على خمسين سنة ، وأتت علي خمسون [ سنة ] .

والثاني : مبلوغا إليه ، قاله ابن الأنباري . وقال ابن جريج : " وعده " هاهنا : موعوده ، وهو الجنة ، و " مأتيا " : يأتيه أولياؤه .

قوله تعالى : " لا يسمعون فيها لغوا " فيه قولان :

أحدهما : أنه التخالف عند شرب الخمر ، قاله مقاتل .

والثاني : ما يلغى من الكلام ويؤثم فيه ، قاله الزجاج . وقال ابن الأنباري : اللغو في العربية : الفاسد المطرح .

قوله تعالى : " إلا سلاما " قال أبو عبيدة : السلام ليس من اللغو ، والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه ، وذلك أنها تضمر فيه ، فالمعنى : إلا أنهم يسمعون فيها سلاما . وقال ابن الأنباري : استثنى السلام من غير جنسه ، وفي ذلك توكيد للمعنى المقصود ; لأنهم إذا لم يسمعوا من اللغو إلا السلام ، فليس يسمعون لغوا البتة ، وكذلك قوله : فإنهم عدو لي إلا رب العالمين [ الشعراء : 77 ] ، إذا لم يخرج من عداوتهم لي غير رب العالمين ، فكلهم عدو .

وفي معنى هذا السلام قولان :

أحدهما : أنه تسليم الملائكة عليهم ، قاله مقاتل .

والثاني : أنهم لا يسمعون إلا ما يسلمهم ، ولا يسمعون ما يؤثمهم ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " قال المفسرون : ليس في الجنة بكرة ولا عشية ، ولكنهم يؤتون برزقهم - على مقدار ما كانوا يعرفون - في الغداة والعشي . قال الحسن : كانت العرب لا تعرف شيئا من العيش أفضل من الغداء والعشاء ، فذكر الله لهم ذلك . وقال قتادة : كانت العرب إذا أصاب أحدهم [ ص: 248 ] الغداء والعشاء أعجب به ، فأخبر الله أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيا على قدر ذلك الوقت ، وليس ثم ليل ولا نهار ، وإنما هو ضوء ونور . وروى الوليد بن مسلم ، قال : سألت زهير بن محمد عن قوله تعالى : " بكرة وعشيا " ، فقال : ليس في الجنة ليل ولا نهار ، هم في نور أبدا ، ولهم مقدار الليل والنهار ، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب .

قوله تعالى : " تلك الجنة " الإشارة إلى قوله : " فأولئك يدخلون الجنة " .

قوله تعالى : " نورث " وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، والشعبي ، وقتادة ، وابن أبي عبلة بفتح الواو وتشديد الراء . قال المفسرون : ومعنى " نورث " : نعطي المساكن التي كانت لأهل النار - لو آمنوا - للمؤمنين . ويجوز أن يكون معنى " نورث " : نعطي ، فيكون كالميراث لهم من جهة أنها تمليك مستأنف . وقد شرحنا هذا في ( الأعراف : 43 ) .

قوله تعالى : " وما نتنزل إلا بأمر ربك " وقرأ ابن السميفع وابن يعمر : ( وما يتنزل ) بياء مفتوحة .

وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال :

أحدها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا " ، فنزلت هذه الآية ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . [ ص: 249 ]

والثاني : أن الملك أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه ، فقال : لعلي أبطأت . قال : " قد فعلت " . قال : وما لي لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ، ولا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم ، فنزلت الآية ، قاله مجاهد . قال ابن الأنباري : البراجم عند العرب : الفصوص التي في فصول ظهور الأصابع ، تبدو إذا جمعت ، وتغمض إذا بسطت . والرواجب : ما بين البراجم ، بين كل برجمتين راجبة .

والثالث : أن جبريل احتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله [ قومه ] عن قصة أصحاب الكهف ، وذي القرنين ، والروح ، فلم يدر ما يجيبهم ، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ، فأبطأ عليه ، فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة ، فلما نزل جبريل ، قال له : " أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك " ، فقال جبريل : إني كنت أشوق ، ولكني عبد مأمور ، إذا بعثت نزلت ، وإذا حبست احتبست ، فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة ، وقتادة ، والضحاك .

وفي سبب احتباس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولان :

أحدهما : لامتناع أصحابه من كمال النظافة ، كما ذكرنا في حديث مجاهد .

والثاني : لأنهم سألوه عن قصة أصحاب الكهف ، فقال : " غدا أخبركم " ، ولم يقل : إن شاء الله ، وقد سبق هذا في سورة ( الكهف : 24 ) .

وفي مقدار احتباسه عنه خمسة أقوال :

أحدها : خمسة عشر يوما ، وقد ذكرناه في ( الكهف ) عن ابن عباس . والثاني : أربعون يوما ، قاله عكرمة ومقاتل . والثالث : اثنتا عشرة ليلة ، قاله مجاهد . والرابع : ثلاثة أيام ، حكاه مقاتل . والخامس : خمسة وعشرون يوما ، [ ص: 250 ] حكاه الثعلبي . وقيل : إن سورة ( الضحى ) نزلت في هذا السبب . والمفسرون على أن قوله : " وما نتنزل إلا بأمر ربك " قول جبريل . وحكى الماوردي أنه قول أهل الجنة إذا دخلوها ، فالمعنى : ما ننزل هذه الجنان إلا بأمر الله . وقيل : ما ننزل موضعا من الجنة إلا بأمر الله .

وفي قوله : " ما بين أيدينا وما خلفنا " قولان :

أحدهما : ما بين أيدينا : الآخرة ، وما خلفنا : الدنيا ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل .

والثاني : ما بين أيدينا : ما مضى من الدنيا ، وما خلفنا : من الآخرة ، فهو عكس الأول ، قاله مجاهد . وقال الأخفش : ما بين أيدينا : قبل أن نخلق ، وما خلفنا : بعد الفناء .

وفي قوله تعالى : " وما بين ذلك " ثلاثة أقوال :

أحدها : ما بين الدنيا والآخرة ، قاله سعيد بن جبير .

والثاني : ما بين النفختين ، قاله مجاهد ، وعكرمة ، وأبو العالية .

والثالث : حين كوننا ، قاله الأخفش . قال ابن الأنباري : وإنما وحد ذلك ، والإشارة إلى شيئين : أحدهما : " ما بين أيدينا " ، والثاني : " ما خلفنا " ; لأن العرب توقع ذلك على الاثنين والجمع .

قوله تعالى : " وما كان ربك نسيا " النسي بمعنى الناسي .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-11-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ مَرْيَمَ
الحلقة (375)
صــ 251 إلى صــ 258



وفي معنى الكلام قولان :

أحدهما : ما كان تاركا لك منذ أبطأ الوحي عنك ، قاله ابن عباس . وقال مقاتل : ما نسيك عند انقطاع الوحي عنك . [ ص: 251 ]

والثاني : أنه عالم بما كان ويكون ، لا ينسى شيئا ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " فاعبده " ; أي : وحده ; لأن عبادته بالشرك ليست عبادة ، " واصطبر لعبادته " ; أي : اصبر على توحيده ، وقيل : على أمره ونهيه .

قوله تعالى : " هل تعلم له سميا " روى هارون عن أبي عمرو أنه كان يدغم ( هل تعلم ) ، ووجهه أن سيبويه يجيز إدغام اللام في التاء ، والثاء ، والدال ، والزاي ، والسين ، والصاد ، والطاء ; لأن آخر مخرج من اللام قريب من مخارجهن . قال أبو عبيدة : إذا كان بعد ( هل ) تاء ففيه لغتان ، بعضهم يبين لام ( هل ) وبعضهم يدغمها .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : مثلا وشبها ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة .

والثاني : هل تعلم أحدا يسمى ( الله ) غيره ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثالث : هل تعلم أحدا يستحق أن يقال له : خالق وقادر ، إلا هو ، قاله الزجاج .
ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننـزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا .

قوله تعالى : " ويقول الإنسان " سبب نزولها أن أبي بن خلف أخذ عظما [ ص: 252 ] باليا ، فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ، ويقول : زعم لكم محمد أن الله يبعثنا بعد أن نكون مثل هذا العظم البالي ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وروى عطاء عن ابن عباس : أنه الوليد بن المغيرة .

قوله تعالى : " لسوف أخرج حيا " إن قيل : ظاهره ظاهر سؤال ، فأين جوابه ؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري :

أحدها : أن ظاهر الكلام استفهام ، ومعناه معنى جحد وإنكار ، تلخيصه : لست مبعوثا بعد الموت .

والثاني : أنه لما استفهم بهذا الكلام عن البعث ، أجابه الله عز وجل بقوله : " أولا يذكر الإنسان " ، فهو مشتمل على معنى : نعم ، وأنت مبعوث .

والثالث : أن جواب سؤال هذا الكافر في ( يس : 78 ) عند قوله تعالى : وضرب لنا مثلا ، ولا ينكر بعد الجواب ; لأن القرآن كله بمنزلة الرسالة الواحدة ، والسورتان مكيتان .

قوله تعالى : " أولا يذكر الإنسان " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بفتح الذال مشددة الكاف . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر : ( يذكر ) ساكنة الذال خفيفة . وقرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل الناجي : ( أولا يتذكر الإنسان ) بياء وتاء . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن : ( يذكر ) بياء من غير تاء ساكنة الذال مخففة مرفوعة الكاف ، والمعنى : أولا يتذكر هذا الجاحد أول خلقه ، فيستدل بالابتداء على الإعادة . " فوربك لنحشرنهم " يعني : المكذبين بالبعث ، " والشياطين " ; أي : مع الشياطين ، وذلك أن كل كافر يحشر مع شيطانه في سلسلة ، " ثم لنحضرنهم [ ص: 253 ] حول جهنم " . قال مقاتل : أي : في جهنم ، وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون داخله ، تقول : جلس القوم حول البيت : إذا جلسوا داخله مطيفين به . وقيل : يجثون حولها قبل أن يدخلوها .

فأما قوله : " جثيا " فقال الزجاج : هو جمع جاث ، مثل : قاعد وقعود ، وهو منصوب على الحال ، والأصل ضم الجيم ، وجاء كسرها إتباعا لكسرة الثاء .

وللمفسرين في معناه خمسة أقوال :

أحدها : قعودا ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : جماعات جماعات ، روي عن ابن عباس أيضا . فعلى هذا هو جمع جثوة ، وهي المجموع من التراب والحجارة . والثالث : جثيا على الركب ، قاله الحسن ، ومجاهد ، والزجاج . والرابع : قياما ، قاله أبو مالك . والخامس : قياما على ركبهم ، قاله السدي ، وذلك لضيق المكان بهم .

قوله تعالى : " لننزعن من كل شيعة " ; أي : لنأخذن من كل فرقة ، وأمة ، وأهل دين ، " أيهم أشد على الرحمن عتيا " ; أي : أعظمهم له معصية ، والمعنى : أنه يبدأ بتعذيب الأعتى فالأعتى ، وبالأكابر جرما ، والرؤوس القادة في الشر . قال الزجاج : وفي رفع " أيهم " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه على الاستئناف ، ولم تعمل " لننزعن " شيئا ، هذا قول يونس .

والثاني : أنه على معنى الذي يقال لهم : أيهم أشد على الرحمن عتيا ؟ قاله الخليل ، واختاره الزجاج . وقال : التأويل : لننزعن الذي من أجل عتوه ، يقال : أي هؤلاء أشد عتيا ؟ وأنشد [ ص: 254 ]


ولقد أبيت عن الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم


المعنى : أبيت بمنزلة الذي يقال له : لا هو حرج ولا محروم .

والثالث : أن " أيهم " مبنية على الضم ; لأنها خالفت أخواتها ، فالمعنى : أيهم هو أفضل . وبيان خلافها لأخواتها أنك تقول : اضرب أيهم أفضل ، ولا يحسن : اضرب من أفضل ، حتى تقول : من هو أفضل ، ولا يحسن : كل ما أطيب ، حتى تقول : ما هو أطيب ، ولا خذ ما أفضل ، حتى تقول : الذي هو أفضل ; فلما خالفت ( ما ) ، و( من ) ، و( الذي ) بنيت على الضم ، قاله سيبويه .

قوله تعالى : " هم أولى بها صليا " يعني : أن الأولى بها صليا الذين هم أشد عتيا ، فيبتدأ بهم قبل أتباعهم . و " صليا " منصوب على التفسير ، يقال : صلي النار يصلاها : إذا دخلها وقاسى حرها .

قوله تعالى : " وإن منكم إلا واردها " في الكلام إضمار ، تقديره : وما منكم أحد إلا وهو واردها .

وفيمن عني بهذا الخطاب قولان :

أحدهما : أنه عام في حق المؤمن والكافر ، هذا قول الأكثرين . وروي عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية للكفار ، وأكثر الروايات عنه كالقول الأول . قال ابن الأنباري : ووجه هذا أنه لما قال : " لنحضرنهم " ، وقال : " أيهم أشد [ ص: 255 ] على الرحمن عتيا " ، كان التقدير : وإن منهم ، فأبدلت الكاف من الهاء ، كما فعل في قوله : إن هذا كان لكم جزاء [ الإنسان : 22 ] ، المعنى : كان لهم ; لأنه مردود على قوله : وسقاهم ربهم [ الإنسان : 21 ] ، وقال الشاعر :


شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم


أراد : طلابها . وفي هذا الورود خمسة أقوال :

أحدها : أنه الدخول . روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الورود : الدخول ، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار - أو قال : لجهنم - ضجيجا من بردهم " . وروي عن ابن عباس أنه سأله نافع بن الأزرق عن هذه الآية ، فقال له : أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر أيخرجنا الله عز وجل منها أم لا ؟ فاحتج بقوله تعالى : فأوردهم النار [ هود : 98 ] ، وبقوله تعالى : أنتم لها واردون [ الأنبياء : 98 ] . وكان عبد الله بن رواحة يبكي ويقول : أنبئت أني وارد ، ولم أنبأ أني صادر . وحكى الحسن البصري : أن رجلا قال لأخيه : يا أخي هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال : نعم . قال : فهل أتاك أنك خارج منها . قال : لا . قال : ففيم الضحك ؟ وقال خالد بن معدان : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : بلى ، ولكن مررتم بها وهي خامدة .

وممن ذهب إلى أنه الدخول : الحسن في رواية ، وأبو مالك . [ ص: 256 ] وقد اعترض على أرباب هذا القول بأشياء ، فقال الزجاج : العرب تقول : وردت بلد كذا ، ووردت ماء كذا : إذا أشرفوا عليه، وإن لم يدخلوا ، ومنه قوله تعالى: ولما ورد ماء مدين [ القصص : 33 ] ، والحجة القاطعة في هذا القول قوله تعالى: أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها [ الأنبياء : 101 ، 102 ] ، وقال زهير :


فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم


أي : لما بلغن الماء قمن عليه .

قلت : وقد أجاب بعضهم عن هذه الحجج ، فقال : أما الآية الأولى ، فإن موسى لما أقام حتى استقى الماء وسقى الغنم ، كان بلبثه ومباشرته كأنه دخل ، وأما الآية الأخرى فإنها تضمنت الأخبار عن أهل الجنة حين كونهم فيها ، وحينئذ لا يسمعون حسيسها . وقد روينا آنفا عن خالد بن معدان أنهم يمرون بها ولا يعلمون .

والثاني : أن الورود : الممر عليها ، قاله عبد الله بن مسعود وقتادة . وقال ابن مسعود : يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم ، فأولهم كلمح البرق ، ثم كالريح ، ثم كحضر الفرس ، [ ثم كالراكب في رحله ] ، ثم كشد الرحل ، ثم كمشيه .

والثالث : أن ورودها : حضورها ، قاله عبيد بن عمير .

والرابع : أن ورود المسلمين : المرور على الجسر ، وورود المشركين : دخولها ، قاله ابن زيد . [ ص: 257 ]

والخامس : أن ورود المؤمن إليها : ما يصيبه من الحمى في الدنيا ، روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : " وإن منكم إلا واردها " ; فعلى هذا من حم من المسلمين فقد وردها .

قوله تعالى : " كان على ربك " يعني : الورود ، " حتما " والحتم : إيجاب القضاء والقطع بالأمر . والمقضي : الذي قضاه الله تعالى ، والمعنى : أنه حتم ذلك وقضاه على الخلق .

قوله تعالى : " ثم ننجي الذين اتقوا " وقرأ ابن عباس ، وأبو مجلز ، وابن يعمر ، وابن أبي ليلى ، وعاصم الجحدري : ( ثم ) بفتح الثاء . وقرأ الكسائي ويعقوب : ( ننجي ) مخففة . وقرأت عائشة ، وأبو بحرية ، [ وأبو الجوزاء الربعي : ( ثم ينجي ) بياء مرفوعة قبل النون خفيفة الجيم مكسورة . وقرأ أبي بن كعب ] ، وأبو مجلز ، وابن السميفع ، وأبو رجاء : ( ننحي ) بحاء غير معجمة مشددة . وهذه الآية يحتج بها القائلون بدخول جميع الخلق ; لأن النجاة : تخليص الواقع في الشيء ، ويؤكده قوله تعالى: " ونذر الظالمين فيها " ، ولم يقل : وندخلهم ، وإنما يقال : نذر ونترك لمن قد حصل في مكانه . ومن قال : إن الورود للكفار خاصة ، قال : معنى هذا الكلام : نخرج المتقين من جملة من يدخل النار . والمراد بالمتقين : الذين اتقوا الشرك ، وبالظالمين : الكفار . وقد سبق معنى قوله تعالى : جثيا [ مريم : 68 ] .
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا .

قوله تعالى : " وإذا تتلى عليهم " يعني : المشركين ، " آياتنا " يعني : القرآن . [ ص: 258 ] " قال الذين كفروا " يعني : مشركي قريش ، " للذين آمنوا " ; أي : لفقراء المؤمنين ، " أي الفريقين خير مقاما " قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، وحفص عن عاصم : [ مقاما ] بفتح الميم . وقرأ ابن كثير بضم الميم . قال أبو علي الفارسي : المقام : اسم المثوى ، إن فتحت الميم أو ضمت .

قوله تعالى : " وأحسن نديا " والندي والنادي : مجلس القوم ومجتمعهم . وقال الفراء : الندي والنادي لغتان . ومعنى الكلام : أنحن خير أم أنتم ؟ فافتخروا عليهم بالمساكن والمجالس ، فأجابهم الله تعالى فقال : " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " ، وقد بينا معنى القرن في ( الأنعام : 6 ) ، وشرحنا الأثاث في ( النحل : 80 ) .

فأما قوله تعالى: " ورئيا " فقرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : ( ورئيا ) بهمزة بين الراء والياء في وزن : ( رعيا ) . قال الزجاج : ومعناها : منظرا ، من ( رأيت ) .

وقرأ نافع وابن عامر : ( ريا ) بياء مشددة من غير همز . قال الزجاج : لها تفسيران : أحدهما : أنها بمعنى الأولى . والثاني : أنها من الري ، فالمعنى : منظرهم مرتو من النعمة ، كأن النعيم بين فيهم .

وقرأ ابن عباس ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وابن أبي سريج عن الكسائي : ( زيا ) بالزاي المعجمة مع تشديد الياء من غير همز . قال الزجاج : ومعناها : حسن هيئتهم .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-11-2022, 11:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ مَرْيَمَ
الحلقة (376)
صــ 259 إلى صــ 266




قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا . [ ص: 259 ]

قوله تعالى : " قل من كان في الضلالة " ; أي : في الكفر والعمى عن التوحيد ، " فليمدد له الرحمن " قال الزجاج : وهذا لفظ أمر ومعناه الخبر ، والمعنى : أن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها . قال ابن الأنباري : خاطب الله العرب بلسانها ، وهي تقصد التوكيد للخبر بذكر الأمر ، يقول أحدهم : إن زارنا عبد الله فلنكرمه ، يقصد التوكيد ، وينبه على أني ألزم نفسي إكرامه . ويجوز أن تكون اللام لام الدعاء على معنى : قل يا محمد : من كان في الضلالة ، فاللهم مد له في النعم مدا . قال المفسرون : ومعنى مد الله تعالى له : إمهاله في الغي . " حتى إذا رأوا " يعني : الذين مدهم في الضلالة ، وإنما أخبر عن الجماعة ; لأن لفظ " من " يصلح للجماعة . ثم ذكر ما يوعدون فقال : " إما العذاب " يعني : القتل والأسر ، " وإما الساعة " يعني : القيامة وما وعدوا فيها من الخلود في النار ، " فسيعلمون من هو شر مكانا " في الآخرة ، أهم أم المؤمنون ؟ لأن مكان هؤلاء الجنة ومكان هؤلاء النار ، ويعلمون بالنصر والقتل من " أضعف جندا " جندهم أم جند رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا رد عليهم في قولهم : " أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا " .

قوله تعالى : " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " فيه خمسة أقوال :

أحدها : ويزيد الله الذين اهتدوا بالتوحيد إيمانا . والثاني : يزيدهم بصيرة في دينهم . والثالث : يزيدهم بزيادة الوحي إيمانا ، فكلما نزلت سورة زاد إيمانهم . والرابع : يزيدهم إيمانا بالناسخ والمنسوخ . والخامس : يزيد الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ . قال الزجاج : المعنى : أن الله تعالى يجعل جزاءهم أن يزيدهم يقينا ، كما جعل جزاء الكافر أن يمده في ضلالته .

قوله تعالى : " والباقيات الصالحات " قد ذكرناها في سورة ( الكهف : 46 ) . [ ص: 260 ]

قوله تعالى : " وخير مردا " المرد هاهنا مصدر مثل الرد ، والمعنى : وخير ردا للثواب على عامليها ، فليست كأعمال الكفار التي خسروها فبطلت .
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا .

قوله تعالى : " أفرأيت الذي كفر بآياتنا " في سبب نزولها قولان :

أحدهما : ما روى البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث مسروق عن خباب [ بن الأرت ] ، قال : كنت رجلا قينا ; [ أي : حدادا ] ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : [ لا ] والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث . قال : فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك ، فنزلت فيه هذه الآية إلى قوله تعالى : " فردا " .

والثاني : أنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، وهذا مروي عن الحسن ، والمفسرون على الأول .

قوله تعالى : " لأوتين مالا وولدا " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر بفتح الواو . وقرأ حمزة والكسائي بضم الواو . وقال الفراء : وهما لغتان ، كالعدم والعدم ، وليس يجمع ، وقيس تجعل الولد جمعا ، والولد بفتح الواو واحدا .

وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد ، فيه قولان : أحدهما : أنه أراد في الجنة على زعمكم . والثاني : في الدنيا . قال ابن الأنباري : وتقدير الآية : أرأيته مصيبا ؟ [ ص: 261 ]

قوله تعالى : " أطلع الغيب " قال ابن عباس في رواية : أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا ؟ وقال في رواية أخرى : أنظر في اللوح المحفوظ ؟

قوله تعالى : " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أم قال : لا إله إلا الله ، فأرحمه بها ؟ قاله ابن عباس . والثاني : أم قدم عملا صالحا فهو يرجوه ؟ قاله قتادة . والثالث : أم عهد إليه أنه يدخله الجنة ؟ قاله ابن السائب .

قوله تعالى : " كلا " ; أي : ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد . ويجوز أن يكون معنى " كلا " : أي : إنه لم يطلع الغيب ، ولم يتخذ عند الله عهدا . " سنكتب ما يقول " ; أي : سنأمر الحفظة بإثبات قوله عليه لنجازيه به ، " ونمد له من العذاب مدا " ; أي : نجعل بعض العذاب على إثر بعض . وقرأ أبو العالية الرياحي ، وأبو رجاء العطاردي : ( سيكتب ) ، ( ويرثه ) بياء مفتوحة .

قوله تعالى : " ونرثه ما يقول " فيه قولان :

أحدهما : نرثه ما يقول إنه له في الجنة ، فنجعله لغيره من المسلمين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء .

والثاني : نرث ما عنده من المال والولد ، بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال قتادة . قال الزجاج : المعنى : سنسلبه المال والولد ونجعله لغيره .

قوله تعالى : " ويأتينا فردا " ; أي : بلا مال ولا ولد .
واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ألم تر أنا أرسلنا [ ص: 262 ] الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا .

قوله تعالى : " واتخذوا من دون الله آلهة " يعني : المشركين عابدي الأصنام ، " ليكونوا لهم عزا " قال الفراء : ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة .

قوله تعالى : " كلا " ; أي : ليس الأمر كما قدروا ، " سيكفرون " يعني : الأصنام بجحد عبادة المشركين ، كقوله تعالى : ما كانوا إيانا يعبدون [ القصص : 63 ] ; لأنها كانت جمادا لا تعقل العبادة ، " ويكونون " يعني : الأصنام ، " عليهم " يعني : المشركين ، " ضدا " ; أي : أعوانا عليهم في القيامة ، يكذبونهم ويلعنونهم .

قوله تعالى : " ألم تر أنا أرسلنا الشياطين " قال الزجاج : في معنى هذا الإرسال وجهان .

أحدهما : خلينا بين الشياطين وبين الكافرين ، فلم نعصمهم من القبول منهم .

والثاني ، وهو المختار : سلطناهم عليهم ، وقيضناهم لهم بكفرهم . " تؤزهم أزا " ; أي : تزعجهم إزعاجا حتى يركبوا المعاصي . وقال الفراء : تزعجهم إلى المعاصي ، وتغريهم بها . قال ابن فارس : يقال : أزه على كذا : إذا أغراه به ، وأزت القدر : غلت .

قوله تعالى : " فلا تعجل عليهم " ; أي : لا تعجل بطلب عذابهم . وزعم بعضهم أن هذا منسوخ بآية السيف ، وليس بصحيح . " إنما نعد لهم عدا " في هذا المعدود ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه أنفاسهم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال طاووس ومقاتل . [ ص: 263 ]

والثاني : الأيام ، والليالي ، والشهور ، والسنون ، والساعات ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث : أنها أعمالهم ، قاله قطرب .
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا .

قوله تعالى : " يوم نحشر المتقين " قال بعضهم : هذا متعلق بقوله : " ويكونون عليهم ضدا ، يوم نحشر المتقين " . وقال بعضهم : تقديره : اذكر لهم يوم نحشر المتقين ، وهم الذين اتقوا الله بطاعته واجتناب معصيته . وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني : ( يوم يحشر ) بياء مفتوحة ورفع الشين ، ( ويسوق ) بياء مفتوحة ورفع السين . وقرأ أبي بن كعب ، والحسن البصري ، ومعاذ القارئ ، وأبو المتوكل الناجي : ( يوم يحشر ) بياء مرفوعة وفتح الشين ، ( المتقون ) رفعا ، ( ويساق ) بألف وياء مرفوعة ، ( المجرمون ) بالواو على الرفع . والوفد : جمع وافد ، مثل : ركب وراكب ، وصحب وصاحب . قال ابن عباس ، وعكرمة ، والفراء : الوفد : الركبان . قال ابن الأنباري : الركبان عند العرب : ركاب الإبل .

وفي زمان هذا الحشر قولان :

أحدهما : أنه من قبورهم إلى الرحمن ، قاله علي بن أبي طالب .

والثاني : أنه بعد الحساب ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " ونسوق المجرمين " يعني : الكافرين ، " إلى جهنم وردا " قال [ ص: 264 ] ابن عباس ، وأبو هريرة ، والحسن : عطاشا . قال أبو عبيدة : الورد : مصدر الورود . وقال ابن قتيبة : الورد : جماعة يردون الماء ، يعني : أنهم عطاش ; لأنه لا يرد الماء إلا العطشان . وقال ابن الأنباري : معنى قوله : " وردا " : واردين .

قوله تعالى : " لا يملكون الشفاعة " ; أي : لا يشفعون ولا يشفع لهم .

قوله تعالى : " إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " قال الزجاج : جائز أن يكون " من " في موضع رفع على البدل من الواو والنون ، فيكون المعنى : لا يملك الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ، وجائز أن يكون في موضع نصب على استثناء ليس من الأول ، فالمعنى : لا يملك الشفاعة المجرمون ، ثم قال : " إلا " على معنى ( لكن ) ، " من اتخذ عند الرحمن عهدا " فإنه يملك الشفاعة . والعهد هاهنا : توحيد الله والإيمان به . وقال ابن الأنباري : تفسير العهد في اللغة : تقدمة أمر يعلم ويحفظ ، من قولك : عهدت فلانا في المكان ; أي : عرفته وشهدته .
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا .

قوله تعالى : " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا " يعني : اليهود والنصارى ، ومن زعم من المشركين أن الملائكة بنات الله ، " لقد جئتم شيئا إدا " ; أي : شيئا عظيما من الكفر . قال أبو عبيدة : الإد والنكر : الأمر المتناهي العظم .

قوله تعالى : " تكاد السماوات يتفطرن " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، [ ص: 265 ] وابن عامر ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم : ( تكاد ) بالتاء . وقرأ نافع والكسائي : ( يكاد ) بالياء . وقرآ جميعا : ( يتفطرن ) بالياء والتاء مشددة الطاء ، وافقهما ابن كثير ، وحفص عن عاصم في ( يتفطرن ) . وقرأ أبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : ( ينفطرن ) بالنون . وقرأ حمزة وابن عامر في ( مريم ) مثل أبي عمرو ، وفي ( عسق : 5 ) مثل ابن كثير . ومعنى ( يتفطرن منه ) : يقاربن الانشقاق من قولكم . قال ابن قتيبة : وقوله تعالى : " هدا " ; أي : سقوطا .

قوله تعالى : " أن دعوا " قال الفراء : من أن دعوا ، ولأن دعوا . وقال أبو عبيدة : معناه : أن جعلوا ، وليس هو من دعاء الصوت ، وأنشد :


ألا رب من تدعو نصيحا وإن تغب تجده بغيب غير منتصح الصدر


قوله تعالى : " وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا " ; أي : ما يصلح له ولا يليق به اتخاذ الولد ; لأن الولد يقتضي مجانسة ، وكل متخذ ولدا يتخذه من جنسه ، والله تعالى منزه عن أن يجانس شيئا أو يجانسه ، فمحال في حقه اتخاذ الولد . " إن كل " ; أي : ما كل ، " من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن " يوم القيامة ، " عبدا " ذليلا خاضعا . والمعنى : أن عيسى وعزيرا والملائكة عبيد له . قال القاضي أبو يعلى : وفي هذا دلالة على أن الوالد إذا اشترى ولده ، لم يبق ملكه عليه ، وإنما يعتق بنفس الشراء ; لأن الله تعالى نفى البنوة لأجل العبودية ، فدل على أنه لا يجتمع بنوة ورق .

قوله تعالى : " لقد أحصاهم " ; أي : علم عددهم ، " وعدهم عدا " فلا يخفى [ ص: 266 ] عليه مبلغ جميعهم من كثرتهم ، " وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " بلا مال ولا نصير يمنعه .

فإن قيل : لأية علة وحد في " الرحمن " و " آتيه " ، وجمع في العائد في " أحصاهم ، وعدهم " .

فالجواب : أن لكل لفظ توحيدا وتأويل جمع ، فالتوحيد محمول على اللفظ ، والجمع مصروف إلى التأويل .
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-11-2022, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (377)
صــ 267 إلى صــ 274




قوله تعالى : " سيجعل لهم الرحمن ودا " قال ابن عباس : نزلت في علي عليه السلام ، وقال : معناه : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين . قال قتادة : يجعل لهم ودا في قلوب المؤمنين . ومن هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا أحب الله عبدا قال : يا جبريل ; إني أحب فلانا فأحبوه ، فينادي جبريل في السماوات : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيلقى حبه على أهل الأرض فيحب " ، وذكر في البغض مثل ذلك . وقال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى [ ص: 267 ] الله عز وجل ، إلا أقبل الله عز وجل بقلوب أهل الإيمان إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .

قوله تعالى : " فإنما يسرناه بلسانك " يعني : القرآن . قال ابن قتيبة : أي : سهلناه وأنزلناه بلغتك . واللد جمع ألد ، وهو الخصم الجدل .

قوله تعالى : " وكم أهلكنا قبلهم " هذا تخويف لكفار مكة ، " هل تحس منهم من أحد " قال الزجاج : أي : هل ترى ، يقال : هل أحسست صاحبك ; أي : هل رأيته ؟ والركز : الصوت الخفي ، وقال ابن قتيبة : الصوت الذي لا يفهم ، وقال أبو صالح : حركة ، [ والله تعالى أعلم ] .
[ ص: 268 ]

سُورَةُ طَه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طه مَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْـزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ ، وَفِي سَبَبِ نُزُولِ ( طَه ) ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَاوِحُ بَيْنَ قَدَمَيَهِ ، يَقُومُ عَلَى رِجْلٍ ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَهُ [ عَلِيٌّ ] عَلَيْهِ السَّلَامُ .

وَالثَّانِي : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ صَلَّى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَّا لِيَشْقَى ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ . [ ص: 269 ]

وَالثَّالِثُ : أَنَّ أَبَا جَهْلٍ ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَالْمُطْعَمَ بْنَ عَدِيٍّ ، قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكَ لَتَشْقَى بِتَرْكِ دِينِنَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .

وَفِي " طه " قِرَاءَاتٌ . قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ : ( طَه ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ . وَقَرَأَ نَافِعٌ : ( طَه ) بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ ، وَهُوَ إِلَى الْفَتْحِ أَقْرَبُ ، كَذَلِكَ قَالَ خَلَفٌ عَنِ الْمُسَيِّبِيِّ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، وَرَوَى عَنْهُ عَبَّاسٌ مِثْلَ حَمْزَةَ . وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ الْحَسَنُ : ( طَهْ ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَمُوَرِّقٌ : ( طِهْ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ مَعْنَاهَا : يَا رَجُلُ ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ بِأَيِّ لُغَةٍ هِيَ ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : أَحُدُهَا : بِالنَّبَطِيَّةِ ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ ، وَالضَّحَّاكُ . وَالثَّانِي : بِلِسَانِ عَكٍّ ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ : بِالسُّرْيَانِيَّةِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ فِي رِوَايَةٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ ، وَقَتَادَةُ . وَالرَّابِعُ : بِالْحَبَشِيَّةِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ فِي رِوَايَةٍ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَلُغَةُ قُرَيْشٍ وَافَقَتْ هَذِهِ اللُّغَةَ فِي الْمَعْنَى .

وَالثَّانِي : أَنَّهَا حُرُوفٌ مِنْ أَسْمَاءٍ . ثُمَّ فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الطَّاءَ مِنَ اللَّطِيفِ ، وَالْهَاءَ مِنَ الْهَادِي ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الطَّاءَ افْتِتَاحُ اسْمِهِ ( طَاهِرٍ ) وَ( طَيِّبٍ ) ، [ ص: 270 ] وَالْهَاءَ افْتِتَاحُ اسْمِهِ ( هَادِي ) ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحُدُهَا : أَنَّ الطَّاءَ مِنْ طَابَةَ ، وَهِيَ مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْهَاءُ مِنْ مَكَّةَ ، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ . وَالثَّانِي : أَنَّ الطَّاءَ طَرَبُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَالْهَاءَ هَوَانُ أَهْلِ النَّارِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الطَّاءَ فِي حِسَابِ الْجُمَلِ تِسْعَةٌ وَالْهَاءَ خَمْسَةٌ ، فَتَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ . فَالْمَعْنَى : يَا أَيُّهَا الْبَدْرُ مَا أَنْزَلَنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ، حَكَى الْقَوْلَيْنِ الثَّعْلَبِيُّ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ شَرَحْنَا مَعْنَى كَوْنِهِ اسْمًا فِي فَاتِحَةِ ( مَرْيَمَ ) . وَقَالَ الْقُرَظِيُّ : أَقْسَمَ اللَّهُ بِطَوْلِهِ وَهِدَايَتِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّ مَعْنَاهُ : طَإِ الْأَرْضَ بِقَدَمَيْكَ ، قَالَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " لِتَشْقَى " : لِتَتْعَبَ وَتَبْلُغَ مِنَ الْجُهْدِ مَا قَدْ بَلَغَتَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ وَبَالَغَ ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُرَاوِحُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ لِطُولِ الْقِيَامِ ، فَأُمِرَ بِالتَّخْفِيفِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " إِلا تَذْكِرَةً " قَالَ الْأَخْفَشُ : هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : " لِتَشْقَى " ، مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَةً ; أَيْ : عِظَةً .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " تَنْزِيلا " قَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : أَنْزَلْنَاهُ تَنْزِيلًا ، و " الْعُلا " جَمْعُ الْعُلْيَا ، تَقُولُ : سَمَاءٌ عُلْيَا وَسَمَاوَاتٌ عُلَى ، مِثْلَ : الْكُبْرَى وَالْكُبَرِ ، فَأَمَّا " الثَّرَى " فَهُوَ التُّرَابُ النَّدِيُّ ، وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ : أَرَادَ : الثَّرَى الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ " ; أَيْ : تَرْفَعْ صَوْتَكَ ، " فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ " وَالْمَعْنَى : لَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ السِّرَّ . [ ص: 271 ]

وَفِي الْمُرَادِ بِـ " السِّرَّ وَأَخْفَى " خَمْسَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ السِّرَّ : مَا أَسَرَّهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ ، وَأَخْفَى : مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ وَسَيَكُونُ ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاكُ .

وَالثَّانِي : أَنَّ السِّرَّ : مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَكَ ، وَأَخْفَى : مَا لَمْ تَلْفِظْ بِهِ ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّ السِّرَّ : الْعَمَلُ الَّذِي يُسِرُّهُ الْإِنْسَانُ مِنَ النَّاسِ ، وَأَخْفَى مِنْهُ : الْوَسْوَسَةُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ : يَعْلَمُ إِسْرَارَ عِبَادِهِ ، وَقَدْ أَخْفَى سِرَّهُ عَنْهُمْ فَلَا يُعْلَمُ ، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ .

وَالْخَامِسُ : يَعْلَمُ مَا أَسَرَّهُ الْإِنْسَانُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَمَا أَخَفَاهُ فِي نَفْسِهِ ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " قَدْ شَرَحْنَاهُ فِي ( الْأَعْرَافِ : 180 ) .
وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى .

قوله تعالى : " وهل أتاك حديث موسى " هذا استفهام تقرير ، ومعناه : قد أتاك . قال ابن الأنباري : وهذا معروف عند اللغويين أن تأتي " هل " [ ص: 272 ] معبرة عن ( قد ) ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أفصح العرب : " اللهم هل بلغت " ، يريد : قد بلغت .

قال وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا عليهما السلام في الرجوع إلى والدته ، فأذن له ، فخرج بأهله ، فولد له في الطريق في ليلة شاتية ، فقدح فلم يور الزناد ، فبينا هو في مزاولة ذلك أبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق ، وقد ذكرنا هذا الحديث بطوله في كتاب " الحدائق " ، فكرهنا إطالة التفسير بالقصص ; لأن غرضنا الاقتصار على التفسير ليسهل حفظه . قال المفسرون : رأى نورا ، ولكن أخبر بما كان في ظن موسى . " فقال لأهله " يعني : امرأته ، " امكثوا " ; أي : أقيموا مكانكم . وقرأ حمزة : ( لأهله امكثوا ) بضم الهاء هاهنا وفي ( القصص : 29 ) . " إني آنست نارا " قال الفراء : إني وجدت ، يقال : هل آنست أحدا ; أي : وجدت ؟ وقال ابن قتيبة : " آنست " بمعنى : أبصرت . فأما القبس ، فقال الزجاج : هو ما أخذته من النار في رأس عود ، أو في رأس فتيلة .

قوله تعالى : " أو أجد على النار هدى " قال الفراء : أراد : هاديا ، فذكره بلفظ المصدر . قال ابن الأنباري : يجوز أن تكون " على " هاهنا بمعنى ( عند ) ، [ ص: 273 ] وبمعنى ( مع ) ، وبمعنى الباء . وذكر أهل التفسير أنه كان قد ضل الطريق ، فعلم أن النار لا تخلو من موقد . وحكى الزجاج : أنه ضل عن الماء ، فرجا أن يجد من يهديه الطريق أو يدله على الماء .

قوله تعالى : " فلما أتاها " يعني : النار ، " نودي يا موسى إني أنا ربك " إنما كرر الكناية ; لتوكيد الدلالة ، وتحقيق المعرفة ، وإزالة الشبهة ، ومثله : إني أنا النذير المبين [ الحجر : 89 ] . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر : ( أني ) بفتح الألف والياء . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( إني ) بكسر الألف ، إلا أن نافعا فتح الياء . قال الزجاج : من قرأ : ( أني أنا ) بالفتح ، فالمعنى : نودي [ بأني أنا ربك ، ومن قرأ بالكسر ، فالمعنى : نودي ] يا موسى ، فقال الله : إني أنا ربك .

قوله تعالى : " فاخلع نعليك " في سبب أمره بخلعهما قولان :

أحدهما : أنهما كانا من جلد حمار ميت ، رواه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وعكرمة .

والثاني : أنهما كانا من جلد بقرة ذكيت ، ولكنه أمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدسة ، فتناله بركتها ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة .

قوله تعالى : " إنك بالواد المقدس " فيه قولان قد ذكرناهما في ( المائدة : 21 ) عند قوله : الأرض المقدسة . [ ص: 274 ]

قوله تعالى : " طوى " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : ( طوى وأنا ) غير مجراة . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( طوى ) مجراة ، وكلهم ضم الطاء . وقرأ الحسن وأبو حيوة : ( طوى ) بكسر الطاء مع التنوين . وقرأ علي بن نصر عن أبي عمرو : ( طوى ) بكسر الطاء من غير تنوين . قال الزجاج في " طوى " أربعة أوجه : ( طوى ) بضم أوله من غير تنوين وبتنوين ; فمن نونه فهو اسم للوادي ، وهو مذكر ، سمي بمذكر على فعل ، نحو : حطم وصرد ، ومن لم ينونه ترك صرفه من جهتين :

إحداهما : أن يكون معدولا عن طاو ، فيصير مثل ( عمر ) المعدول عن عامر ، فلا ينصرف كما لا ينصرف ( عمر ) .

والجهة الثانية : أن يكون اسما للبقعة ، كقوله : في البقعة المباركة [ القصص : 30 ] ، وإذا كسر ونون فهو مثل معى ، والمعنى : المقدس مرة بعد مرة ، كما قال عدي بن زيد :


أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد


أي : اللوم المكرر علي ، ومن لم ينون جعله اسما للبقعة .

[ وللمفسرين في معنى " طوى " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه اسم الوادي ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-11-2022, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (378)
صــ 275 إلى صــ 282



والثاني : أن معنى " طوى " : طإ الوادي ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وعن مجاهد كالقولين . [ ص: 275 ]

والثالث : أنه قدس مرتين ، قاله الحسن وقتادة ] .

قوله تعالى : " وأنا اخترتك " ; أي : اصطفيتك . وقرأ حمزة والمفضل : ( وأنا ) بالنون المشددة ( اخترناك ) بألف . " فاستمع لما يوحى " ; أي : للذي يوحى . قال ابن الأنباري : الاستماع هاهنا محمول على الإنصات ، المعنى : فأنصت لوحيي ، والوحي هاهنا قوله : " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني " ; أي : وحدني ، " وأقم الصلاة لذكري " فيه قولان :

أحدهما : أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة ، سواء كنت في وقتها أو لم تكن ، هذا قول الأكثرين . وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة لها غير ذلك ، وقرأ : " أقم الصلاة لذكري " .

والثاني : أقم الصلاة لتذكرني فيها ، قاله مجاهد . وقيل : إن الكلام مردود على قوله : " فاستمع " ، فيكون المعنى : فاستمع لما يوحى واستمع لذكري . وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وابن السميفع : ( وأقم الصلاة للذكرى ) بلامين وتشديد الذال .

قوله تعالى : " أكاد أخفيها " أكثر القراء على ضم الألف .

ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : أكاد أخفيها من نفسي ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد في آخرين . وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومحمد بن علي : ( أكاد أخفيها من نفسي ) . [ ص: 276 ] قال الفراء : المعنى : فكيف أظهركم عليها ؟ قال المبرد : وهذا على عادة العرب ، فإنهم يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمته حتى من نفسي ; أي : لم أطلع عليه أحدا .

والثاني : أن الكلام تم عند قوله : " أكاد " ، وبعده مضمر تقديره : أكاد آتي بها ، والابتداء : أخفيها ، قال ضابئ البرجمي :


هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله


أراد : كدت أفعل .

والثالث : أن معنى " أكاد " : أريد ، قال الشاعر :


كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى


معناه : أرادت وأردت ، ذكرهما ابن الأنباري .

فإن قيل : فما فائدة هذا الإخفاء الشديد ؟

فالجواب : أنه للتحذير والتخويف ، ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوه كان أشد حذرا . وقرأ سعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، وأبو رجاء العطاردي ، وحميد بن قيس : ( أخفيها ) بفتح الألف . قال الزجاج : ومعناه : أكاد أظهرها ، قال امرؤ القيس :


فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
[ ص: 277 ]

أي : إن تدفنوا الداء لا نظهره . قال : وهذه القراءة أبين في المعنى ; لأن معنى ( أكاد أظهرها ) : قد أخفيتها وكدت أظهرها . " لتجزى كل نفس بما تسعى " ; أي : بما تعمل . و " لتجزى " متعلق بقوله : " إن الساعة آتية " لتجزى ، ويجوز أن يكون على " أقم الصلاة لذكري " لتجزى .

قوله تعالى : " فلا يصدنك عنها " ; أي : عن الإيمان بها ، " من لا يؤمن بها " ; أي : من لا يؤمن بكونها ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع أمته ، " واتبع هواه " ; أي : مراده ، وخالف أمر الله عز وجل ، " فتردى " ; أي : فتهلك ; قال الزجاج : يقال : ردي يردى : إذا هلك .
وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى .

قوله تعالى : " وما تلك بيمينك " قال الزجاج : " تلك " اسم مبهم يجري مجرى ( التي ) ، والمعنى : ما التي بيمينك .

قوله تعالى : " أتوكأ عليها " التوكؤ : التحامل على الشيء ، " وأهش بها " قال الفراء : أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه فترعاه غنمي . قال الزجاج : واشتقاقه من أني أحيل الشيء إلى الهشاشة والإمكان . والمآرب : الحاجات ، واحدها : مأربة ، ومأربة . وروى قتيبة وورش : ( مآرب ) بإمالة الهمزة . [ ص: 278 ]

فإن قيل : ما الفائدة في سؤال الله تعالى له : " وما تلك بيمينك " وهو يعلم ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أن لفظه لفظ الاستفهام ، ومجراه مجرى السؤال ، ليجيب المخاطب بالإقرار به ، فتثبت عليه الحجة باعترافه ، فلا يمكنه الجحد ، ومثله في الكلام أن تقول لمن تخاطبه وعندك ماء : ما هذا ؟ فيقول : ماء ، فتضع عليه شيئا من الصبغ ، فإن قال : لم يزل هكذا ، قلت له : ألست قد اعترفت بأنه ماء ؟ فتثبت عليه الحجة ، هذا قول الزجاج . فعلى هذا تكون الفائدة أنه قرر موسى أنها عصا ، لما أراد أن يريه من قدرته في انقلابها حية ، فوقع المعجز بها بعد التثبت في أمرها .

والثاني : أنه لما اطلع الله تعالى على ما في قلب موسى من الهيبة والإجلال حين التكليم ، أراد أن يؤانسه ويخفف عنه ثقل ما كان فيه من الخوف ، فأجرى هذا الكلام للاستئناس ، حكاه أبو سليمان الدمشقي .

فإن قيل : قد كان يكفي في الجواب أن يقول : " هي عصاي " ، فما الفائدة في قوله : " أتوكأ عليها " إلى آخر الكلام ، وإنما يشرح هذا لمن لا يعلم فوائدها ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه أجاب بقوله : " هي عصاي " ، فقيل له : ما تصنع بها ؟ فذكر باقي الكلام جوابا عن سؤال ثان ، قاله ابن عباس ووهب .

والثاني : أنه إنما أظهر فوائدها وبين حاجته إليها ; خوفا [ من ] أن يأمره بإلقائها كالنعلين ، قاله سعيد بن جبير .

والثالث : أنه بين منافعها ; لئلا يكون عابثا بحملها ، قاله الماوردي .

فإن قيل : فلم اقتصر على ذكر بعض منافعها ولم يطل الشرح ؟ فعنه [ ثلاثة ] أجوبة : [ ص: 279 ]

أحدها : أنه كره أن يشتغل عن كلام الله بتعداد منافعها .

والثاني : استغنى بعلم الله فيها عن كثرة التعداد .

والثالث : أنه اقتصر على اللازم دون العارض .

وقيل : كانت تضيء له بالليل ، وتدفع عنه الهوام ، وتثمر له إذا اشتهى الثمار ، وفي جنسها قولان :

أحدهما : أنها كانت من آس الجنة ، قاله ابن عباس . والثاني : [ أنها ] كانت من عوسج .

فإن قيل : المآرب جمع ، فكيف قال : " أخرى " ، ولم يقل : ( أخر ) ؟

فالجواب : أن المآرب في معنى جماعة ، فكأنه قال : جماعة من الحاجات أخرى ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " قال ألقها يا موسى " قال المفسرون : ألقاها ظنا منه أنه قد أمر برفضها ، فسمع حسا فالتفت ، فإذا هي كأعظم ثعبان ، تمر بالصخرة العظيمة فتبتلعها ، فهرب منها .

وفي وجه الفائدة في إظهار هذه الآية ليلة المخاطبة قولان :

أحدهما : لئلا يخاف منها إذا ألقاها بين يدي فرعون .

والثاني : ليريه أن الذي أبعثك إليه دون ما أريتك ، فكما ذللت لك الأعظم وهو الحية ، أذلل لك الأدنى . [ ص: 280 ]

ثم إن الله تعالى أمره بأخذها وهي على حالها حية ، فوضع يده عليها فعادت عصا ، فذلك قوله : " سنعيدها سيرتها الأولى " ، قال الفراء : طريقتها ، يقول : نردها عصا كما كانت . قال الزجاج : و " سيرتها " منصوبة على إسقاط الخافض وإفضاء الفعل إليها ، المعنى : سنعيدها إلى سيرتها .

فإن قيل : إنما كانت العصا واحدة ، وكان إلقاؤها مرة ، فما وجه اختلاف الأخبار عنها ، فإنه يقول في ( الأعراف : 107 ) : فإذا هي ثعبان مبين ، وهاهنا : " حية " ، وفي مكان آخر : كأنها جان [ النمل : 10 ] ، والجان ليست بالعظيمة ، والثعبان أعظم الحيات ؟

فالجواب : أن صفتها بالجان عبارة عن ابتداء حالها ، وبالثعبان إخبار عن انتهاء حالها ، والحية اسم يقع على الصغير والكبير ، والذكر والأنثى . وقال الزجاج : خلقها خلق الثعبان العظيم ، واهتزازها ، وحركتها ، وخفتها ، كاهتزاز الجان وخفته .

قوله تعالى : " واضمم يدك إلى جناحك " قال الفراء : الجناح : من أسفل العضد إلى الإبط .

وقال أبو عبيدة : الجناح : ناحية الجنب ، وأنشد :


أضمه للصدر والجناح


قوله تعالى : " تخرج بيضاء من غير سوء " ; أي : من غير برص ، " آية أخرى " ; أي : دلالة على صدقك سوى العصا . قال الزجاج : ونصب " آية " على معنى : آتيناك آية ، أو نؤتيك [ آية ] .

قوله تعالى : " لنريك من آياتنا الكبرى " . [ ص: 281 ]

إن قيل : لم لم يقل : الكبر ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه كقوله : " مآرب أخرى " وقد شرحناه ، هذا قول الفراء .

والثاني : أن فيه إضمارا تقديره : لنريك من آياتنا الآية الكبرى . وقال أبو عبيدة : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : لنريك الكبرى من آياتنا .

والثالث : إنما كان ذلك لوفاق رأس الآي ، حكى القولين الثعلبي .
اذهب إلى فرعون إنه طغى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا .

قوله تعالى : " إنه طغى " ; أي : جاوز الحد في العصيان .

قوله تعالى : " اشرح لي صدري " قال المفسرون : ضاق موسى صدرا بما كلف من مقاومة فرعون وجنوده ، فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق حتى لا يخاف فرعون وجنوده ، ومعنى قوله : " ويسر لي أمري " : سهل علي ما بعثتني له . " واحلل عقدة من لساني " قال ابن قتيبة : كانت فيه رتة . قال المفسرون : كان فرعون قد وضع موسى في حجره وهو صغير ، فجر لحية فرعون بيده ، فهم بقتله ، فقالت له آسية : إنه لا يعقل ، وسأريك بيان ذلك ، قدم إليه جمرتين ولؤلؤتين ، فإن اجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل ، فأخذ موسى جمرة فوضعها في فيه ، فأحرقت لسانه وصار فيه عقدة ، فسأل حلها ليفهموا كلامه . [ ص: 282 ]

وأما الوزير ، فقال ابن قتيبة : أصل الوزارة من الوزر وهو الحمل ، كان الوزير قد حمل عن السلطان الثقل . وقال الزجاج : اشتقاقه من الوزر والوزر : الجبل الذي يعتصم به لينجى من الهلكة ، وكذلك وزير الخليفة ، معناه : الذي يعتمد عليه في أموره ويلتجئ إلى رأيه . ونصب " هارون " من جهتين : إحداهما : أن تكون " اجعل " تتعدى إلى مفعولين ، فيكون المعنى : اجعل هارون أخي وزيري ، فينتصب " وزيرا " على أنه مفعول ثان . ويجوز أن يكون " هارون " بدلا من قوله : " وزيرا " ، فيكون المعنى : اجعل لي وزيرا من أهلي ، [ ثم ] أبدل هارون من وزير ، والأول أجود . قال الماوردي : وإنما سأل الله تعالى أن يجعل له وزيرا ; لأنه لم يرد أن يكون مقصورا على الوزارة حتى يكون شريكا في النبوة ، ولولا ذلك لجاز أن يستوزر من غير مسألة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح ياء ( أخي ) .

قوله تعالى : " اشدد به أزري " قال الفراء : هذا دعاء من موسى ، والمعنى : اشدد به يا رب أزري ، وأشركه يا رب في أمري . وقرأ ابن عامر : ( أشدد ) بالألف مقطوعة مفتوحة ، و( أشركه ) بضم الألف ، وكذلك يبتدئ بالألفين . قال أبو علي : هذه القراءة على الجواب والمجازاة ، والوجه الدعاء دون الإخبار ; لأن ما قبله دعاء ، ولأن الإشراك في النبوة لا يكون إلا من الله عز وجل . قال ابن قتيبة : والأزر : الظهر ، يقال : آزرت فلانا على الأمر ; أي : قويته عليه وكنت له فيه ظهرا .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-11-2022, 11:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (379)
صــ 283 إلى صــ 290



قوله تعالى : " وأشركه في أمري " ; أي : في النبوة معي ، " كي نسبحك " ; أي : نصلي لك ، " ونذكرك " بألسنتنا حامدين لك على ما أوليتنا من نعمك ، " إنك كنت بنا بصيرا " ; أي : عالما ; إذ خصصتنا بهذه النعم . [ ص: 283 ]
قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري .

قوله تعالى : " قال قد أوتيت سؤلك " قال ابن قتيبة ; أي : طلبتك ، وهو ( فعل ) من ( سألت ) ; أي : أعطيت ما سألت .

قوله تعالى : " ولقد مننا عليك " ; أي : أنعمنا عليك ، " مرة أخرى " قبل هذه المرة . ثم بين متى كانت بقوله : " إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى " ; أي : ألهمناها ما يلهم مما كان سببا لنجاتك ، ثم فسر ذلك بقوله : " أن اقذفيه في التابوت " وقذف الشيء : الرمي به .

فإن قيل : ما فائدة قوله : " ما يوحى " وقد علم ذلك ؟ فقد ذكر عنه ابن الأنباري جوابين :

أحدهما : أن المعنى : أوحينا إليها الشيء الذي يجوز أن يوحى إليها ; إذ ليس كل الأمور يصلح وحيه إليها ; لأنها ليست بنبي ، وذلك أنها ألهمت .

والثاني : أن " ما يوحى " أفاد توكيدا ، كقوله : فغشاها ما غشى [ النجم : 54 ] [ ص: 284 ]

قوله تعالى : " فليلقه اليم " قال ابن الأنباري : ظاهر هذا الأمر ، ومعناه معنى الخبر ، تأويله : يلقيه [ اليم ] ، ويجوز أن يكون البحر مأمورا بآلة ركبها الله تعالى فيه ، فسمع وعقل ، كما فعل ذلك بالحجارة والأشجار . فأما الساحل : فهو شط البحر . " يأخذه عدو لي وعدو له " يعني : فرعون . قال المفسرون : اتخذت أمه تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ، ووضعت فيه موسى وأحكمت بالقار شقوق التابوت ، ثم ألقته في النيل ، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية ، إذا بالتابوت ، فأمر الغلمان والجواري بأخذه ، فلما فتحوه رأوا صبيا من أصبح الناس وجها ، فلما رآه فرعون أحبه حبا شديدا ، فذلك قوله : " وألقيت عليك محبة مني " ، [ قال أبو عبيدة : ومعنى " ألقيت عليك " ; أي : جعلت لك محبة مني ] . قال ابن عباس : أحبه وحببه إلى خلقه ، فلا يلقاه أحد إلا أحبه من مؤمن وكافر . وقال قتادة : كانت في عينيه ملاحة ، فما رآه أحد إلا حبه .

قوله تعالى : " ولتصنع على عيني " وقرأ أبو جعفر : ( ولتصنع ) بسكون اللام والعين والإدغام . قال قتادة : لتغذى على محبتي وإرادتي . قال أبو عبيدة : على ما أريد وأحب . قال ابن الأنباري : هو من قول العرب : غذي فلان على عيني ; أي : على المحبة مني . وقال غيره : لتربى وتغذى بمرأى مني ، يقال : صنع الرجل جاريته : إذا رباها ، وصنع فرسه : إذا داوم على علفه ومراعاته ، والمعنى : ولتصنع على عيني ، قدرنا مشي أختك وقولها : " هل أدلكم على من يكفله " ; لأن هذا كان من أسباب تربيته على ما أراد الله عز وجل . فأما أخته ، فقال مقاتل : اسمها مريم . قال الفراء : وإنما اقتصر على ذكر المشي ، [ ص: 285 ] ولم يذكر أنها مشت حتى دخلت على آل فرعون ، فدلتهم على الظئر ; لأن العرب تجتزئ بحذف كثير من الكلام وبقليله ، إذا كان المعنى معروفا ، ومثله قوله : أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون [ يوسف : 45 ] ، ولم يقل : فأرسل حتى دخل على يوسف .

قال المفسرون : سبب مشي أخته أن أمه قالت لها : قصيه ، فاتبعت موسى على أثر الماء ، فلما التقطه آل فرعون جعل لا يقبل ثدي امرأة ، فقالت لهم أخته : " هل أدلكم على من يكفله " ; أي : يرضعه ويضمه إليه ، فقيل لها : ومن هي ؟ فقالت : أمي ، قالوا : وهل لها لبن ؟ قالت : لبن أخي هارون ، وكان هارون أسن من موسى بثلاث سنين فأرسلوها ، فجاءت بالأم فقبل ثديها ، فذلك قوله : " فرجعناك إلى أمك " ; أي : رددناك إليها ، " كي تقر عينها " بك وبرؤيتك . " وقتلت نفسا " يعني : القبطي الذي وكزه فقضى عليه ، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، " فنجيناك من الغم " وكان مغموما مخافة أن يقتل به ، فنجاه الله بأن هرب إلى مدين ، " وفتناك فتونا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : اختبرناك اختبارا ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : أخلصناك إخلاصا ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثالث : ابتليناك ابتلاء ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . وقال الفراء : ابتليناك بغم القتيل ابتلاء . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : الفتون : وقوعه في محنة بعد محنة خلصه الله منها ، أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في البحر ، ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جره لحية فرعون حتى هم بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل [ ص: 286 ] الدرة ، ثم قتله القبطي ، ثم خروجه إلى مدين خائفا ، وكان ابن عباس يقص هذه القصص على سعيد بن جبير ، ويقول له عند كل ثلاثة : وهذا من الفتون يابن جبير . فعلى هذا يكون " فتناك " : خلصناك من تلك المحن ، كما يفتن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث . والفتون مصدر .

قوله تعالى : " فلبثت سنين " تقدير الكلام : فخرجت إلى أهل مدين . ومدين : بلد شعيب ، وكان على ثماني مراحل من مصر ، فهرب إليه موسى . وقيل : مدين : اسم رجل ، وقد سبق هذا [ الأعراف : 86 ] .

وفي قدر لبثه هناك قولان :

أحدهما : عشر سنين ، قاله ابن عباس ومقاتل .

والثاني : ثماني وعشرون سنة ، عشر منهن مهر امرأته ، وثماني عشرة أقام حتى ولد له ، قاله وهب .

قوله تعالى : " ثم جئت على قدر " ; أي : جئت لميقات قدرته لمجيئك قبل خلقك ، وكان ذلك على رأس أربعين سنة ، وهو الوقت الذي يوحى فيه إلى الأنبياء ، هذا قول الأكثرين . وقال الفراء : " على قدر " ; أي : على ما أراد الله به من تكليمه .

قوله تعالى : " واصطنعتك لنفسي " ; أي : اصطفيتك واختصصتك ، والاصطناع : اتخاذ الصنيعة ، وهو الخير تسديه إلى إنسان . وقال ابن عباس : اصطفيتك لرسالتي ووحيي ، " اذهب أنت وأخوك بآياتي " وفيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها العصا واليد ، وقد يذكر الاثنان بلفظ الجمع .

والثاني : العصا ، واليد ، وحل العقدة التي ما زال فرعون وقومه يعرفونها ، ذكرهما ابن الأنباري . [ ص: 287 ]

والثالث : الآيات التسع . والأول أصح .

قوله تعالى : " ولا تنيا " قال ابن قتيبة : لا تضعفا ولا تفترا ، يقال : وني يني في الأمر ، وفيه لغة أخرى : وني يونى .

وفي المراد بالذكر هاهنا قولان :

أحدهما : أنه الرسالة إلى فرعون . والثاني : أنه القيام بالفرائض والتسبيح والتهليل .
اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى .

قوله تعالى : " اذهبا إلى فرعون " فائدة تكرار الأمر بالذهاب التوكيد . وقد فسرنا قوله : إنه طغى [ طه : 24 ] .

قوله تعالى : " فقولا له قولا لينا " وقرأ أبو عمران الجوني وعاصم الجحدري : ( لينا ) بإسكان الياء ; أي : لطيفا رفيقا .

وللمفسرين فيه خمسة أقوال :

أحدها : قولا له : قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، رواه خالد بن معدان عن معاذ ، والضحاك عن ابن عباس .

والثاني : أنه قوله : هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى [ النازعات : 18 ، 19 ] ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل . [ ص: 288 ]

والثالث : كنياه ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال السدي . فأما اسمه فقد ذكرناه في ( البقرة : 49 ) ، وفي كنيته أربعة أقوال : أحدها : أبو مرة ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني : أبو مصعب ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . والثالث : أبو العباس . والرابع : أبو الوليد ، حكاهما الثعلبي .

والقول الرابع : قولا له : إن لك ربا وإن لك معادا ، وإن بين يديك جنة ونارا ، قاله الحسن .

والخامس : أن القول اللين : أن موسى أتاه فقال له : تؤمن بما جئت به وتعبد رب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم ، وتكون ملكا لا ينزع منك حتى تموت ، فإذا مت دخلت الجنة ، فأعجبه ذلك ; فلما جاء هامان أخبره بما قال موسى ، فقال : قد كنت أرى أن لك رأيا ، أنت رب أردت أن تكون مربوبا ؟ فقلبه عن رأيه ، قاله السدي . وحكي عن يحيى بن معاذ أنه قرأ هذه الآية ، فقال : إلهي هذا رفقك بمن يقول : أنا إله ، فكيف رفقك بمن يقول : أنت إله .

قوله تعالى : " لعله يتذكر أو يخشى " قال الزجاج : " لعل " في اللغة : ترج وطمع ، تقول : لعلي أصير إلى خير ، فخاطب الله عز وجل العباد بما يعقلون . والمعنى عند سيبويه : اذهبا على رجائكما وطمعكما . والعلم من الله تعالى من وراء ما يكون ، وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى ، إلا أن الحجة إنما تجب عليه بالآية والبرهان ، وإنما تبعث الرسل وهي لا تعلم الغيب ، ولا تدري أيقبل منها أم لا ، وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم ، ومعنى " لعل " متصور في أنفسهم ، وعلى تصور ذلك تقوم الحجة . قال ابن الأنباري : ومذهب الفراء في هذا : كي يتذكر . وروى خالد بن معدان عن معاذ ، قال : والله ما كان فرعون ليخرج من الدنيا حتى [ ص: 289 ] يتذكر أو يخشى لهذه الآية ، وإنه تذكر وخشي لما أدركه الغرق . وقال كعب : والذي يحلف به كعب ، إنه لمكتوب في التوراة : فقولا له قولا لينا وسأقسي قلبه فلا يؤمن . قال المفسرون : كان هارون يومئذ غائبا بمصر ، فأوحى الله تعالى إلى هارون أن يتلقى موسى ، فتلقاه على مرحلة ، فقال له موسى : إن الله تعالى أمرني أن آتي فرعون ، فسألته أن يجعلك معي ; فعلى هذا يحتمل أن يكونا حين التقيا قالا : ربنا إننا نخاف . قال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون القائل لذلك موسى وحده ، وأخبر الله عنه بالتثنية لما ضم إليه هارون ، فإن العرب قد توقع التثنية على الواحد ، فتقول : يا زيد قوما ، يا حرسي اضربا عنقه .

قوله تعالى : " أن يفرط علينا " وقرأ عبد الله بن عمرو ، وابن السميفع ، وابن يعمر ، وأبو العالية : ( أن يفرط ) برفع الياء وكسر الراء . وقرأ عكرمة وإبراهيم النخعي : ( أن يفرط ) بفتح الياء والراء . وقرأ أبو رجاء العطاردي وابن محيصن : ( أن يفرط ) برفع الياء وفتح الراء . قال الزجاج : المعنى : أن يبادر بعقوبتنا ، يقال : قد فرط منه أمر ; أي : قد بدر ، وقد أفرط في الشيء : إذا اشتط فيه ، وفرط في الشيء : إذا قصر ، ومعناه كله : التقدم في الشيء ; لأن الفرط في اللغة : المتقدم ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " أنا فرطكم على الحوض " [ ص: 290 ]

قوله تعالى : " أو أن يطغى " فيه قولان :

أحدهما : يستعصي ، قاله مقاتل . والثاني : يجاوز الحد في الإساءة إلينا . قال ابن زيد : نخاف أن يعجل علينا قبل أن نبلغه كلامك وأمرك .

قوله تعالى : " إنني معكما " ; أي : بالنصرة والعون ، " أسمع " أقوالكم ، " وأرى " أفعالكم . قال الكلبي : أسمع جوابه لكما ، وأرى ما يفعل بكما .

قوله تعالى : " فأرسل معنا بني إسرائيل " ; أي : خل عنهم ، " ولا تعذبهم " وكان يستعملهم في الأعمال الشاقة ، " قد جئناك بآية من ربك " قال ابن عباس : هي العصا . قال مقاتل : أظهر اليد في مقام والعصا في مقام .

قوله تعالى : " والسلام على من اتبع الهدى " قال مقاتل : على من آمن بالله . قال الزجاج : وليس يعني به التحية ، وإنما معناه : أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله وسخطه ، والدليل على أنه ليس بسلام ، أنه ليس بابتداء لقاء وخطاب .

قوله تعالى : " على من كذب " ; أي : بما جئنا به وأعرض عنه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13-11-2022, 11:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (380)
صــ 291 إلى صــ 298

قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنـزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى [ ص: 291 ]

قوله تعالى : " قال فمن ربكما " في الكلام محذوف معناه معلوم ، وتقديره : فأتياه فأديا الرسالة . قال الزجاج : وإنما لم يقل : فأتياه ; لأن في الكلام دليلا على ذلك ; لأن قوله : " فمن ربكما " يدل على أنهما أتياه وقالا له .

قوله تعالى : " أعطى كل شيء خلقه " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أعطى كل شيء صورته ، فخلق كل جنس من الحيوان على غير صورة جنسه ، فصورة ابن آدم لا كصورة البهائم ، وصورة البعير لا كصورة الفرس ، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير .

والثاني : أعطى كل ذكر زوجه ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال السدي ، فيكون المعنى : أعطى كل حيوان ما يشاكله .

والثالث : أعطى كل شيء ما يصلحه ، قاله قتادة .

وفي قوله : " ثم هدى " ثلاثة أقوال :

أحدها : هدى كيف يأتي الذكر الأنثى ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال ابن جبير .

والثاني : هدى للمنكح والمطعم والمسكن ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث : هدى كل شيء إلى معيشته ، قاله مجاهد . وقرأ عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، والأعمش ، وابن السميفع ، ونصير عن الكسائي : ( أعطى كل شيء خلقه ) بفتح اللام .

فإن قيل : ما وجه الاحتجاج على فرعون من هذا ؟

فالجواب : أنه قد ثبت وجود خلق وهداية ، فلا بد من خالق وهاد .

قوله تعالى : " قال فما بال القرون الأولى " اختلفوا فيما سأل عنه من حال القرون الأولى على ثلاثة أقوال : [ ص: 292 ]

أحدها : أنه سأله عن أخبارها وأحاديثها ، ولم يكن له بذلك علم ; إذ التوراة إنما نزلت عليه بعد هلاكفرعون ، فقال : " علمها عند ربي " ، هذا مذهب مقاتل . وقال غيره : أراد : إني رسول ، وأخبار الأمم علم غيب ، فلا علم لي بالغيب .

والثاني : أن مراده من السؤال عنها : لم عبدت الأصنام ، ولم لم يعبد الله إن كان الحق ما وصفت ؟

والثالث : أن مراده : ما لها لا تبعث ولا تحاسب ولا تجازى ؟ فقال : علمها عند الله ; أي : علم أعمالها . وقيل : الهاء في " علمها " كناية عن القيامة ; لأنه سأله عن بعث الأمم ، فأجابه بذلك .

وقوله : " في كتاب " أراد : اللوح المحفوظ .

قوله تعالى : " لا يضل ربي ولا ينسى " وقرأ عبد الله بن عمرو ، وعاصم الجحدري ، وقتادة ، وابن محيصن : ( لا يضل ) بضم الياء وكسر الضاد ; أي : لا يضيعه . وقرأ أبو المتوكل وابن السميفع : ( لا يضل ) بضم الياء وفتح الضاد . وفي هذه الآية توكيد للجزاء على الأعمال ، والمعنى : لا يخطئ ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم . وقيل : أراد : لم يجعل ذلك في كتاب ; لأنه يضل وينسى .

قوله تعالى : " الذي جعل لكم الأرض مهدا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : ( مهادا ) . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : ( مهدا ) بغير ألف . والمهاد : الفراش ، والمهد : الفرش . " وسلك لكم " ; أي : أدخل لأجلكم في الأرض طرقا تسلكونها ، " وأنزل من السماء ماء " يعني : المطر . [ ص: 293 ] وهذا آخر الإخبار عن موسى . ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله : " فأخرجنا به " يعني : بالماء ، " أزواجا من نبات شتى " ; أي : أصنافا مختلفة في الألوان والطعوم ، كل صنف منها زوج . و " شتى " لا واحد له من لفظه . " كلوا " ; أي : مما أخرجنا لكم من الثمار ، " وارعوا أنعامكم " يقال : رعى الماشية يرعاها : إذا سرحها في المرعى ، ومعنى هذا الأمر : التذكير بالنعم . " إن في ذلك لآيات " ; أي : لعبرا في اختلاف الألوان والطعوم ، " لأولي النهى " قال الفراء : لذوي العقول ، يقال للرجل : إنه لذو نهية : إذا كان ذا عقل . قال الزجاج : واحد النهى : نهية ، يقال : فلان ذو نهية ; أي : ذو عقل ينتهي به عن المقابح ، ويدخل به في المحاسن ; قال : وقال بعض أهل اللغة : ذو النهية : الذي ينتهى إلى رأيه وعقله ، وهذا حسن أيضا .

قوله تعالى : " منها خلقناكم " يعني : الأرض المذكورة في قوله : " جعل لكم الأرض مهدا " . والإشارة بقوله : " خلقناكم " إلى آدم والبشر كلهم منه . " وفيها نعيدكم " بعد الموت ، " ومنها نخرجكم تارة " ; أي : مرة أخرى بعد البعث ، يعني : كما أخرجناكم منها أولا عند خلق آدم من الأرض .

ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان [ ص: 294 ] لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى .

قوله تعالى : " ولقد أريناه " يعني : فرعون ، " آياتنا كلها " يعني : التسع الآيات ، ولم ير كل آية لله لأنها لا تحصى ، " فكذب " ; أي : نسب الآيات إلى الكذب وقال : هذا سحر ، " وأبى " أن يؤمن ، " قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا " يعني : مصر ، " بسحرك " ; أي : تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك فتملكها وتخرجنا منها ، " فلنأتينك بسحر مثله " ; أي : فلنقابلن ما جئت به من السحر بمثله ، " فاجعل بيننا وبينك موعدا " ; أي : اضرب بيننا وبينك أجلا وميقاتا ، " لا نخلفه " ; أي : لا نجاوزه ، " نحن ولا أنت مكانا " وقيل : المعنى : اجعل بيننا وبينك موعدا مكانا نتواعد لحضورنا ذلك المكان ، ولا يقع منا خلاف في حضوره . " سوى " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي بكسر السين . وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وخلف ، ويعقوب : ( سوى ) بضمها . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو المتوكل ، وابن أبي عبلة : ( مكانا سواء ) بالمد والهمز والنصب والتنوين وفتح السين . وقرأ ابن مسعود مثله ، إلا أنه كسر السين . قال أبو عبيدة : هو اسم للمكان النصف فيما بين الفريقين ، والمعنى : مكانا تستوي مسافته على الفريقين ، فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر . " قال موعدكم يوم الزينة " قرأ الجمهور برفع الميم . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، [ وقتادة ] ، وابن أبي عبلة ، وهبيرة عن حفص بنصب الميم . وفي هذا اليوم أربعة أقوال :

أحدها : يوم عيد لهم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، والسدي عن أشياخه ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد . [ ص: 295 ]

والثاني : يوم عاشوراء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثالث : يوم النيروز ، ووافق ذلك يوم السبت أول يوم من السنة ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والرابع : يوم سوق لهم ، قاله سعيد بن جبير .

وأما رفع اليوم ، فقال البصريون : التقدير : وقت موعدكم يوم الزينة ، فناب الموعد عن الوقت ، وارتفع به ما كان يرتفع بالوقت إذا ظهر . فأما نصبه ، فقال الزجاج : المعنى : موعدكم يقع يوم الزينة . " وأن يحشر الناس " موضع " أن " رفع ، المعنى : موعدكم حشر الناس ، " ضحى " ; أي : إذا رأيتم الناس قد حشروا ضحى . ويجوز أن تكون " أن " في موضع خفض عطفا على الزينة ، المعنى : موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس ضحى . وقرأ ابن مسعود ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : ( وأن تحشر ) بتاء مفتوحة ورفع الشين ونصب ( الناس ) . وعن ابن مسعود والنخعي : ( وأن يحشر ) بالياء المفتوحة ورفع الشين ونصب ( الناس ) .

قال المفسرون : أراد بالناس : أهل مصر ، وبالضحى : ضحى اليوم ، وإنما علقه بالضحى ليتكامل ضوء الشمس واجتماع الناس ، فيكون أبلغ في الحجة وأبعد من الريبة .

" فتولى فرعون " فيه قولان :

أحدهما : أن المعنى : تولى عن الحق الذي أمر به .

والثاني : أنه انصرف إلى منزله لاستعداد ما يلقى به موسى . " فجمع كيده " ; أي : مكره وحيلته ، " ثم أتى " ; أي : حضر الموعد . " قال لهم موسى " ; أي : للسحرة . وقد ذكرنا عددهم في ( الأعراف : 114 ) . [ ص: 296 ]

قوله تعالى : " ويلكم " قال الزجاج : هو منصوب على ( ألزمكم الله ويلا ) ، ويجوز أن يكون على النداء ، كقوله تعالى : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا [ يس : 52 ] .

قوله تعالى : " لا تفتروا على الله كذبا " قال ابن عباس : لا تشركوا معه أحدا .

قوله تعالى : " فيسحتكم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : ( فيسحتكم ) بفتح الياء من ( سحت ) . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( فيسحتكم ) بضم الياء من ( أسحت ) . قال الفراء : ويسحت أكثر ، وهو الاستئصال ، والعرب تقول : سحته الله ، وأسحته ، قال الفرزدق :


وعض زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف


هكذا أنشد البيت الفراء والزجاج . ورواه أبو عبيدة : ( إلا مسحت أو مجلف ) بالرفع . [ ص: 297 ]

قوله تعالى : " فتنازعوا أمرهم بينهم " يعني : السحرة تناظروا فيما بينهم في أمر موسى وتشاوروا ، " وأسروا النجوى " ; أي : أخفوا كلامهم من فرعون وقومه . وقيل : من موسى وهارون . وقيل : " أسروا " هاهنا بمعنى : أظهروا .

وفي ذلك الكلام الذي جرى بينهم ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم قالوا : إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه ، وإن يكن من السماء كما زعمتم فله أمره ، قاله قتادة .

والثاني : أنهم لما سمعوا كلام موسى قالوا : ما هذا بقول ساحر ، ولكن هذا كلام الرب الأعلى ، فعرفوا الحق ، ثم نظروا إلى فرعون وسلطانه ، وإلى موسى وعصاه ، فنكسوا على رؤوسهم وقالوا : إن هذان لساحران ، قاله الضحاك ومقاتل .

والثالث : أنهم قالوا : " إن هذان لساحران . . . " الآيات ، قاله السدي .

واختلف القراء في قوله تعالى : " إن هذان لساحران " ، فقرأ أبو عمرو بن العلاء : ( إن هذين ) على إعمال ( إن ) ، وقال : إني لأستحيي من الله أن أقرأ ( إن هذان ) . وقرأ ابن كثير : ( إن ) خفيفة ( هذان ) بتشديد النون . وقرأ عاصم في رواية حفص : ( إن ) خفيفة ( هذان ) خفيفة أيضا . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( إن ) بالتشديد ( هاذان ) بألف ونون خفيفة . فأما قراءة أبي عمرو فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روي عن عثمان وعائشة ، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى : والمقيمين الصلاة في سورة [ النساء : 162 ] . وأما قراءة عاصم فمعناها : ما هذان إلا ساحران ، [ ص: 298 ] كقوله تعالى : وإن نظنك لمن الكاذبين [ الشعراء : 186 ] ; أي : ما نظنك إلا من الكاذبين ، وأنشدوا في ذلك :


ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما حلت عليه عقوبة المتعمد


أي : ما قتلت إلا مسلما . قال الزجاج : ويشهد لهذه القراءة ما روي عن أبي بن كعب ، أنه قرأ : ( ما هذان إلا ساحران ) ، وروي عنه : ( إن هذان إلا ساحران ) ، ورويت عن الخليل : ( إن هذان ) بالتخفيف ، والإجماع على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل . فأما قراءة الأكثرين بتشديد ( إن ) وإثبات الألف في قوله : ( هذان ) ، فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : هي لغة بلحارث بن كعب . وقال ابن الأنباري : هي لغة لبني الحارث بن كعب وافقتها لغة قريش . قال الزجاج : وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب ، وهو رأس من رؤوس الرواة : أنها لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون : أتاني الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، وأنشدوا :


فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغا لناباه الشجاع لصمما




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26-11-2022, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (381)
صــ 299 إلى صــ 306




ويقول هؤلاء : ضربته بين أذناه . وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة ، [ ص: 299 ] المعنى : إنه هذان لساحران . وقالوا أيضا : إن معنى ( إن ) : نعم هذان لساحران ، وينشدون :


ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه


قال الزجاج : والذي عندي وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد ، وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد ، فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا ، وهو أن ( إن ) قد وقعت موقع ( نعم ) ، والمعنى : نعم هذان لهما الساحران ، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة ، وأستحسن هذه القراءة ; لأنها مذهب أكثر القراء وبها يقرأ ، وأستحسن قراءة عاصم والخليل ; لأنهما إمامان ولأنهما وافقا أبي بن كعب في المعنى ، ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف . وحكى ابن الأنباري عن الفراء ، قال : ألف ( هذان ) هي ألف ( هذا ) ، والنون فرقت بين الواحد والتثنية ، كما فرقت نون ( الذين ) بين الواحد والجمع .

قوله تعالى : " ويذهبا بطريقتكم " ؟ وقرأ أبان عن عاصم : ( ويذهبا ) بضم الياء وكسر الهاء . وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن عمرو ، وأبو رجاء العطاردي : ( ويذهبا بالطريقة ) بألف ولام مع حذف الكاف والميم .

وفي الطريقة قولان :

أحدهما : بدينكم المستقيم ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وقال أبو عبيدة : بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه ، يقال : فلان حسن الطريقة . [ ص: 300 ]

والثاني : بأمثلكم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال مجاهد : بأولي العقل والأشراف والأسنان . وقال الشعبي : يصرفان وجوه الناس إليهما . قال الفراء : الطريقة : الرجال الأشراف ، تقول العرب للقوم الأشراف : هؤلاء طريقة قومهم ، وطرائق قومهم .

فأما " المثلى " فقال أبو عبيدة : هي تأنيث الأمثل ، تقول في الإناث : خذ المثلى منهما ، وفي الذكور : خذ الأمثل . وقال الزجاج : ومعنى المثلى والأمثل : ذو الفضل الذي به يستحق أن يقال : هذا أمثل قومه ، قال : والذي عندي أن في الكلام محذوفا ، والمعنى : يذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، وقول العرب : هذا طريقة قومه ; أي : صاحب طريقتهم .

قوله تعالى : " فأجمعوا كيدكم " قرأ الأكثرون : ( فأجمعوا ) بقطع الألف من ( أجمعت ) ، والمعنى : يكون عزمكم مجمعا عليه ، لا تختلفوا فيختل أمركم . قال الفراء : والإجماع : الإحكام والعزيمة على الشيء ، تقول : أجمعت على الخروج ، وأجمعت الخروج ، تريد : أزمعت ، قال الشاعر :


يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع


يريد : قد أحكم وأعزم عليه . وقرأ أبو عمرو : ( فأجمعوا ) بفتح الميم من ( جمعت ) ، يريد : لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به ، فأما كيدهم ، فالمراد به : سحرهم ومكرهم .

قوله تعالى : " ثم ائتوا صفا " ; أي : مصطفين مجتمعين ; ليكون أنظم لأموركم وأشد لهيبتكم . قال أبو عبيدة : " صفا " ; أي : صفوفا . وقال ابن قتيبة : " صفا " بمعنى : جمعا . قال الحسن : كانوا خمسة وعشرين صفا ، كل ألف ساحر صف . [ ص: 301 ] 50 قوله تعالى : " وقد أفلح اليوم من استعلى " قال ابن عباس : فاز من غلب .
قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى .

قوله تعالى : " بل ألقوا " قال ابن الأنباري : دخلت " بل " لمعنى جحد في الآية الأولى ; لأن الآية الأولى إذا تؤملت وجدت مشتملة على : إما أن تلقي وإما أن لا تلقي .

قوله تعالى : " وعصيهم " قرأ الحسن ، وأبو رجاء العطاردي ، وأبو عمران الجوني ، وأبو الجوزاء : ( وعصيهم ) برفع العين .

قوله تعالى : " يخيل إليه " وقرأ أبو رزين العقيلي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، وقتادة ، والزهري ، وابن أبي عبلة : ( تخيل ) بالتاء . " إليه " ; أي : [ ص: 302 ] إلى موسى . يقال : خيل إليه : إذا شبه له . وقد استدل قوم بهذه الآية على أن السحر ليس بشيء ، وقال : إنما خيل إلى موسى ، فالجواب : أنا لا ننكر أن يكون ما رآه موسى تخييلا وليس بحقيقة ، فإنه من الجائز أن يكونوا تركوا الزئبق في سلوخ الحيات حتى جرت ، وليس ذلك بحيات .

فأما السحر فإنه يؤثر ، وهو أنواع . وقد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أثر فيه ، [ ص: 303 ] [ ص: 304 ] [ ص: 305 ] ولعن العاضهة ، وهي الساحرة .

قوله تعالى : " فأوجس في نفسه خيفة موسى " قال ابن قتيبة : أضمر في نفسه خوفا . وقال الزجاج : أصلها : ( خوفة ) ، ولكن الواو قلبت ياء؛ لانكسار ما قبلها .

وفي خوفة قولان :

أحدهما : أنه خوف الطبع البشري . [ ص: 306 ]

والثاني : أنه لما رأى سحرهم من جنس ما أراهم في العصا ، خاف أن يلتبس على الناس أمره ولا يؤمنوا ، فقيل له : " لا تخف إنك أنت الأعلى " عليهم بالظفر والغلبة ، وهذا أصح من الأول .

قوله تعالى : " وألق ما في يمينك " يعني : العصا ، " تلقف " وقرأ ابن عامر : ( تلقف ما ) برفع الفاء وتشديد القاف . وروى حفص عن عاصم : ( تلقف ) خفيفة . وكان ابن كثير يشدد التاء من ( تلقف ) ، يريد : تتلقف . وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، وأبو رجاء : ( تلقم ) بالميم . وقد شرحناها في ( الأعراف : 117 ) .

" إنما صنعوا كيد ساحر " قرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : ( كيد السحر ) . وقرأ الباقون : ( كيد ساحر ) بألف ، والمعنى : إن الذي صنعوا كيد ساحر ; أي : عمل ساحر . وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني : ( إنما صنعوا كيد ) بنصب الدال . " ولا يفلح الساحر " قال ابن عباس : لا يسعد حيثما كان ، وقيل : لا يفوز . وروى جندب بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أخذتم الساحر فاقتلوه ، ثم قرأ : ولا يفلح الساحر حيث أتى ، قال : لا يأمن حيث وجد " .

قوله تعالى : " قال آمنتم له " قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم ، وورش عن نافع : ( آمنتم له ) على لفظ الخبر . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : ( آمنتم له ) بهمزة ممدودة . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : ( أآمنتم له ) بهمزتين الثانية ممدودة . [ ص: 307 ]

قوله تعالى : " إنه لكبيركم " قال ابن عباس : يريد : معلمكم . قال الكسائي : الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه ، قال : جئت من عند كبيري .

قوله تعالى : " ولأصلبنكم في جذوع النخل " : " في " بمعنى ( على ) ، ومثله : أم لهم سلم يستمعون فيه [ الطور : 38 ] . " ولتعلمن " أيها السحرة ، " أينا أشد عذابا " لكم ، " وأبقى " ; أي : أدوم ، أنا على إيمانكم ، أو رب موسى على تركهم الإيمان به ؟ " قالوا لن نؤثرك " ; أي : لن نختارك ، " على ما جاءنا من البينات " يعنون : اليد والعصا .

فإن قيل : لم نسبوا الآيات إلى أنفسهم بقولهم : " جاءنا " ، وإنما جاءت عامة لهم ولغيرهم ؟

فالجواب : أنهم لما كانوا بأبواب السحر ومذاهب الاحتيال أعرف من غيرهم ، وقد علموا أن ما جاء به موسى ليس بسحر ، كان ذلك في حق غيرهم أبين وأوضح ، وكانوا هم لمعرفته أخص .

وفي قوله تعالى : " والذي فطرنا " وجهان ، ذكرهما الفراء والزجاج :

أحدهما : أن المعنى : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات وعلى الذي فطرنا .

والثاني : أنه قسم تقديره : وحق الذي فطرنا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26-11-2022, 07:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد


تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (382)
صــ 308 إلى صــ 315




قوله تعالى : " فاقض ما أنت قاض " ; أي : فاصنع ما أنت صانع ، وأصل القضاء : عمل بإحكام . " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " قال الفراء : " إنما " حرف واحد ; فلهذا نصب " الحياة الدنيا " . ولو قرأ قارئ برفع ( الحياة ) لجاز ، على أن يجعل ( ما ) في مذهب ( الذي ) ، كقولك : إن الذي تقضي هذه الحياة الدنيا . وقرأ ابن أبي عبلة وأبو المتوكل : ( إنما تقضى ) بضم التاء على ما لم يسم فاعله ، ( الحياة ) برفع التاء . قال المفسرون : والمعنى : إنما سلطانك وملكك في هذه الدنيا لا في الآخرة . [ ص: 308 ]

قوله تعالى : " ليغفر لنا " يعنون : الشرك ، " وما أكرهتنا عليه " ; أي : والذي أكرهتنا عليه ; أي : ويغفر لنا إكراهك إيانا على السحر .

فإن قيل : كيف قالوا : أكرهتنا ، وقد قالوا : أإن لنا لأجرا ، وفي هذا دليل على أنهم فعلوا السحر غير مكرهين ؟ فعنه أربعة أجوبة :

أحدها : أن فرعون كان يكره الناس على تعلم السحر ، قاله ابن عباس . قال ابن الأنباري : كان يطالب بعض أهل مملكته بأن يعلموا أولادهم السحر وهم لذلك كارهون ، وذلك لشغفه بالسحر ، ولما خامر قلبه من خوف موسى ، فالإكراه على السحر هو الإكراه على تعلمه في أول الأمر .

والثاني : أن السحرة لما شاهدوا موسى بعد قولهم : أئن لنا لأجرا ، ورأوا ذكره الله تعالى وسلوكه منهاج المتقين ، جزعوا من ملاقاته بالسحر ، وحذروا أن يظهر عليهم فيطلع على ضعف صناعتهم ، فتفسد معيشتهم ، فلم يقنع فرعون منهم إلا بمعارضة موسى ، فكان هذا هو الإكراه على السحر .

والثالث : أنهم خافوا أن يغلبوا في ذلك الجمع ، فيقدح ذلك في صنعتهم عند الملوك والسوق ، وأكرههم فرعون على فعل السحر .

والرابع : أن فرعون أكرههم على مفارقة أوطانهم ، وكان سبب ذلك السحر ، ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري .

قوله تعالى : " والله خير " ; أي : خير منك ثوابا إذا أطيع ، " وأبقى " عقابا إذا عصي ، وهذا جواب قوله : " ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى " ، وهذا آخر الإخبار عن السحرة .
إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها [ ص: 309 ] ولا يحيا ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى .

قوله تعالى : " إنه من يأت ربه مجرما " يعني : مشركا ، " فإن له جهنم لا يموت فيها " فيستريح ، " ولا يحيا " حياة تنفعه .

[ أنشد ابن الأنباري في مثل هذا المعنى قوله :


ألا من لنفس لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
]

قوله تعالى : " قد عمل الصالحات " قال ابن عباس : قد أدى الفرائض . " فأولئك لهم الدرجات العلا " يعني : درجات الجنة ، وبعضها أعلى من بعض ، والعلا جمع العليا ، وهو تأنيث الأعلى . قال ابن الأنباري : وإنما قال : " فأولئك " ; لأن " من " تقع بلفظ التوحيد على تأويل الجمع ، فإذا غلب لفظها وحد الراجع إليها ، وإذا بين تأويلها جمع المصروف إليها .

قوله تعالى : " وذلك " يعني : الثواب ، " جزاء من تزكى " ; أي : تطهر من الكفر والمعاصي .
ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونـزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم [ ص: 310 ] غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى .

قوله تعالى : " أن أسر بعبادي " ; أي : سر بهم ليلا من أرض مصر ، " فاضرب لهم طريقا " ; أي : اجعل لهم طريقا ، " في البحر يبسا " قرأ أبو المتوكل ، والحسن ، والنخعي : ( يبسا ) بإسكان الباء . وقرأ الشعبي ، وأبو رجاء ، وابن السميفع : ( يابسا ) بألف . قال أبو عبيدة : ( اليبس ) متحرك الحروف ، بمعنى اليابس ، يقال : شاة يبس ; أي : يابسة ليس لها لبن . وقال ابن قتيبة : يقال لليابس : يبس ويبس .

قوله تعالى : " لا تخاف " قرأ الأكثرون بألف . وقرأ أبان وحمزة عن عاصم : ( لا تخف ) . قال الزجاج : من قرأ : ( لا تخاف ) فالمعنى : لست تخاف ، ومن قرأ : ( لا تخف ) فهو نهي عن الخوف . قال الفراء : قرأ حمزة : ( لا تخف ) بالجزم ، ورفع ( ولا تخشى ) على الاستئناف ، كقوله تعالى : يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون [ آل عمران : 111 ] ، استأنف بـ " ثم " ، فهذا مثله ، ولو نوى حمزة بقوله : ( ولا تخشى ) الجزم وإن كانت فيه الياء ، كان صوابا . قال ابن قتيبة : ومعنى " دركا " : لحاقا . قال المفسرون : قال أصحاب موسى : هذا فرعون قد أدركنا ، وهذا البحر بين أيدينا ، فأنزل الله على موسى : " لا تخاف دركا " ; أي : من فرعون ، " ولا تخشى " غرقا في البحر .

قوله تعالى : " فأتبعهم فرعون " قال ابن قتيبة : لحقهم . وروى هارون عن أبي عمرو : ( فاتبعهم ) بالتشديد . وقال الزجاج : تبع الرجل الشيء وأتبعه بمعنى واحد . ومن قرأ بالتشديد ففيه دليل على أنه اتبعهم ومعه الجنود ، ومن قرأ : ( فأتبعهم ) فمعناه : ألحق جنوده بهم ، وجائز أن يكون معهم على هذا اللفظ ، [ ص: 311 ] وجائز أن لا يكون ، إلا أنه قد كان معهم . " فغشيهم من اليم ما غشيهم " ; أي : فغشيهم من ماء البحر ما غرقهم . وقال ابن الأنباري : ويعني بقوله : " ما غشيهم " : البعض الذي غشيهم ; لأنه لم يغشهم كل مائه . وقرأ ابن مسعود ، وعكرمة ، وأبو رجاء ، والأعمش : ( فغشاهم من اليم ما غشاهم ) بألف فيهما مع تشديد الشين وحذف الياء .

قوله تعالى : " وأضل فرعون قومه " ; أي : دعاهم إلى عبادته ، " وما هدى " ; أي : [ ما ] أرشدهم حين أوردهم موارد الهلكة . وهذا تكذيب له في قوله : وما أهديكم إلا سبيل الرشاد [ غافر : 29 ] .

قوله تعالى : " وواعدناكم جانب الطور الأيمن " لأخذ التوراة . وقد ذكرنا في [ مريم : 52 ] معنى " الأيمن " ، وذكرنا في ( البقرة : 57 ) " المن والسلوى " .

[ قوله تعالى: " كلوا " ; أي : وقلنا لهم : كلوا ] .

قوله تعالى : " ولا تطغوا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدهما : لا تبطروا في نعمي [ فتظلموا ] . والثاني : لا تجحدوا نعمي فتكونوا طاغين . والثالث : لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة .

قوله تعالى : " فيحل عليكم غضبي " ; أي : فتجب لكم عقوبتي . والجمهور قرؤوا : ( فيحل ) بكسر الحاء ( ومن يحلل ) بكسر اللام . وقرأ الكسائي : ( فيحل ) بضم الحاء ( ومن يحلل ) بضم اللام . قال الفراء : والكسر أحب إلي ; لأن الضم من الحلول ، ومعناه : الوقوع ، و( يحل ) بالكسر : يجب ، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع .

قوله تعالى : " فقد هوى " ; أي : هلك .

قوله تعالى : " وإني لغفار " الغفار : الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى ، فكلما تكررت ذنوبهم تكررت مغفرته ، وأصل الغفر : الستر ، وبه سمي [ زئبر ] الثوب : [ ص: 312 ] غفرا ; لأنه يستر سداه . فالغفار : الستار لذنوب عباده ، المسبل عليهم ثوب عطفه .

قوله تعالى : " لمن تاب " قال ابن عباس : لمن تاب من الشرك ، " وآمن " ; أي : وحد الله وصدقه ، " وعمل صالحا " أدى الفرائض .

وفي قوله تعالى : " ثم اهتدى " ثمانية أقوال :

أحدها : علم أن لعمله هذا ثوابا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : لم يشكك ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثالث : علم أن ذلك توفيق من الله [ له ] ، رواه عطاء عن ابن عباس . والرابع : لزم السنة والجماعة ، قاله سعيد بن جبير . والخامس : استقام ، قاله الضحاك . والسادس : لزم الإسلام حتى يموت عليه ، قاله قتادة . والسابع : اهتدى كيف يعمل ، قاله زيد بن أسلم . والثامن : اهتدى إلى ولاية بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله ثابت البناني .
وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا .

قوله تعالى : " وما أعجلك عن قومك يا موسى " قال المفسرون : لما نجى الله تعالى بني إسرائيل وأغرق فرعون ، قالوا : يا موسى ; لو أتيتنا بكتاب من [ ص: 313 ] عند الله ، فيه الحلال والحرام والفرائض ، فأوحى الله [ إليه يعده ] أنه ينزل عليه ذلك في الموضع الذي كلمه فيه ، فاختار سبعين ، فذهبوا معه إلى الطور لأخذ التوراة ، فعجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه وأمرهم بلحاقه ، فقال الله تعالى له : ما الذي حملك على العجلة عن قومك ، " قال هم أولاء " ; أي : هؤلاء ، " على أثري " وقرأ أبو رزين العقيلي وعاصم الجحدري : ( على إثري ) بكسر الهمزة وسكون الثاء . وقرأ عكرمة ، وأبو المتوكل ، وابن يعمر برفع الهمزة وسكون الثاء . وقرأ أبو رجاء وأبو العالية بفتح الهمزة وسكون الثاء . والمعنى : هم بالقرب مني يأتون بعدي . " وعجلت إليك رب لترضى " ; أي : لتزداد رضا ، " قال فإنا قد فتنا قومك " قال الزجاج : ألقيناهم في فتنة ومحنة واختبرناهم .

قوله تعالى : " من بعدك " ; أي : من بعد انطلاقك من بينهم ، " وأضلهم السامري " ; أي : كان سببا لإضلالهم . وقرأ معاذ القارئ ، وأبو المتوكل ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : ( وأضلهم ) برفع اللام . وقد شرحنا في ( البقرة : 52 ) سبب اتخاذ السامري العجل ، وشرحنا في ( الأعراف : 150 ) معنى قوله تعالى : " غضبان أسفا " .

قوله تعالى : " ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا " ; أي : صدقا ، وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : إعطاء التوراة . والثاني : قوله : لئن أقمتم الصلاة إلى قوله : لأكفرن عنكم سيئاتكم . . . الآية [ المائدة : 13 ] ، وقوله : وإني لغفار لمن تاب [ طه : 82 ] . والثالث : النصر والظفر .

قوله تعالى : " أفطال عليكم العهد " ; أي : مدة مفارقتي إياكم ، " أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم " أن تصنعوا صنيعا يكون سببا لغضب ربكم ، " فأخلفتم موعدي " ; أي : عهدي ، وكانوا قد عاهدوه أنه إن فكهم الله من ملكة آل فرعون أن يعبدوا [ ص: 314 ] الله ولا يشركوا به ، ويقيموا الصلاة ، وينصروا الله ورسله . " قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر بكسر الميم . وقرأ نافع وعاصم بفتح الميم . وقرأ حمزة والكسائي بضم الميم . قال أبو علي : وهذه لغات . وقال الزجاج : ( الملك ) بالضم : السلطان والقدرة ، و( الملك ) بالكسر : ما حوته اليد ، و( الملك ) بالفتح : المصدر ، يقال : ملكت الشيء أملكه ملكا .

وللمفسرين في معنى الكلام أربعة أقوال :

أحدها : ما كنا نملك الذي اتخذ منه العجل ، ولكنها كانت زينة آل فرعون فقذفناها ، قاله ابن عباس .

والثاني : بطاقتنا ، قاله قتادة والسدي .

والثالث : لم نملك أنفسنا عند الوقوع في البلية ، قاله ابن زيد .

والرابع : لم يملك مؤمنونا سفهاءنا ، ذكره الماوردي .

فيخرج فيمن قال هذا لموسى قولان : أحدهما : أنهم الذين لم يعبدوا العجل . والثاني : عابدوه .

قوله تعالى : " ولكنا حملنا أوزارا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : ( حملنا ) بضم الحاء وتشديد الميم . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : ( حملنا ) خفيفة . والأوزار : الأثقال ، والمراد بها : حلي آل فرعون الذي كانوا استعاروه منهم قبل خروجهم من مصر . فمن قرأ : ( حملنا ) بالتشديد ، فالمعنى : حملناها موسى ؛ أمرنا باستعارتها من آل فرعون فقذفناها ; أي : طرحناها في الحفيرة . وقد ذكرنا سبب قذفهم إياها في سورة ( البقرة : 52 ) .

قوله تعالى : " فكذلك ألقى السامري " فيه قولان : [ ص: 315 ]

أحدهما : أنه ألقى حليا كما ألقوا .

والثاني : ألقى ما كان معه من تراب حافر فرس جبريل . وقد سبق شرح القصة في ( البقرة : 52 ) ، وذكرنا في ( الأعراف : 148 ) معنى قوله تعالى : " عجلا جسدا له خوار " .

قوله تعالى : " فقالوا هذا إلهكم " هذا قول السامري ومن وافقه من الذين افتتنوا .

قوله تعالى : " فنسي " في المشار إليه بالنسيان قولان :

أحدهما : أنه موسى ، ثم في المعنى ثلاثة أقوال : أحدها : هذا إلهكم وإله موسى ، فنسي موسى أن يخبركم أن هذا إلهه ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني : فنسي موسى الطريق إلى ربه ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : فنسي موسى إلهه عندكم ، وخالفه في طريق آخر ، قاله قتادة .

والثاني : أنه السامري ، والمعنى : فنسي السامري إيمانه وإسلامه ، قاله ابن عباس . وقال مكحول : فنسي ; أي : فترك السامري ما كان عليه من الدين . وقيل : فنسي أن العجل لا يرجع إليهم قولا ، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا . فعلى هذا القول يكون قوله تعالى: " فنسي " من إخبار الله عز وجل عن السامري . وعلى ما قبله فيمن قاله قولان :

أحدهما : أنه السامري . والثاني : بنو إسرائيل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26-11-2022, 07:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد


تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (383)
صــ 316 إلى صــ 323




قوله تعالى : " أفلا يرون ألا يرجع " قال الزجاج : المعنى : أفلا يرون أنه لا يرجع إليهم قولا .
ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح [ ص: 316 ] عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي .

قوله تعالى : " ولقد قال لهم هارون من قبل " ; أي : من قبل أن يأتي موسى ، " يا قوم إنما فتنتم به " ; أي : ابتليتم ، " وإن ربكم الرحمن " لا العجل ، " قالوا لن نبرح عليه عاكفين " ; أي : لن نزال مقيمين على عبادة العجل ، " حتى يرجع إلينا موسى " فلما رجع موسى ، " قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا " بعبادة العجل . " ألا تتبعني " قرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( ألا تتبعني ) بياء في الوصل ساكنة ، ويقف ابن كثير بالياء ، وأبو عمرو بغير ياء . وروى إسماعيل بن جعفر عن نافع : ( ألا تتبعني أفعصيت ) بياء منصوبة . وروى قالون عن نافع مثل أبي عمرو سواء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بغير ياء في الوصل والوقف ، والمعنى : ما منعك من اتباعي ، و " لا " كلمة زائدة .

وفي المعنى ثلاثة أقوال :

أحدها : تسير ورائي بمن معك من المؤمنين وتفارقهم ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني : أن تناجزهم القتال ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث : في الإنكار عليهم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " أفعصيت أمري " وهو قوله في وصيته إياه : " اخلفني في قومي وأصلح " ، قال المفسرون : ثم أخذ برأس أخيه ولحيته غضبا منه عليه . وهذا وإن لم [ ص: 317 ] يذكر هاهنا ، فقد ذكر في ( الأعراف : 150 ) ، فاكتفي بذلك ، وقد شرحنا هناك معنى " يا ابن أم " ، واختلاف القراء فيها .

قوله تعالى : " ولا برأسي " ; أي : بشعر رأسي . وهذا الغضب كان لله عز وجل لا لنفسه ; لأنه وقع في نفسه أن هارون عصى الله بترك اتباع موسى .

قوله تعالى : " إني خشيت " ; أي : إن فارقتهم واتبعتك ، " أن تقول فرقت بين بني إسرائيل " وفيه قولان :

أحدهما : باتباعي إياك ومن معي من المؤمنين . والثاني : بقتالي لبعضهم ببعض .

وفي قوله تعالى : " ولم ترقب قولي " قولان :

أحدهما : لم ترقب قولي لك : " اخلفني في قومي وأصلح " .

والثاني : لم تنتظر أمري فيهم .
قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما .

قوله تعالى : " فما خطبك يا سامري " ; أي : ما أمرك وشأنك الذي دعاك إلى ما صنعت ؟! قال ابن الأنباري : وبعض اللغويين يقول : الخطب مشتق من الخطاب . المعنى : ما أمرك الذي تخاطب فيه ؟

واختلفوا في اسم السامري على قولين :

أحدهما : موسى أيضا ، قاله وهب بن منبه ، وقال : كان ابن عم موسى بن عمران . [ ص: 318 ]

والثاني : ميخا ، قاله ابن السائب .

وهل كان من بني إسرائيل أم لا ؟ فيه قولان :

أحدهما : لم يكن منهم ، قاله ابن عباس .

والثاني : كان من عظمائهم ، وكان من قبيلة تسمى سامرة ، قاله قتادة . وفي بلده قولان :

أحدهما : كرمان ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : باجرما ، قاله وهب .

قوله تعالى : " بصرت بما لم يبصروا به " وقرأ حمزة والكسائي : ( تبصروا ) بالتاء . فعلى قراءة الجمهور أشار إلى بني إسرائيل ، وعلى هذه القراءة خاطب الجميع . قال أبو عبيدة : علمت ما لم تعلموا . قال : وقوم يقولون : بصرت وأبصرت سواء ، بمنزلة أسرعت وسرعت . وقال الزجاج : يقال : بصر الرجل يبصر : إذا صار عليما بالشيء ، وأبصر يبصر : إذا نظر . قال المفسرون : فقال له موسى : وما ذاك ؟ قال : رأيت جبريل على فرس ، فألقي في نفسي : أن أقبض من أثرها ، " فقبضت قبضة " وقرأ أبي بن كعب ، والحسن ، ومعاذ القارئ : ( قبصة ) بالصاد . وقال الفراء : والقبضة بالكف كلها ، والقبصة - بالصاد - بأطراف الأصابع . قال ابن قتيبة : ومثل هذا : الخضم بالفم كله ، والقضم بأطراف الأسنان ، والنضخ أكثر من النضح ، والرجز : العذاب ، والرجس : النتن ، والهلاس في البدن والسلاس في العقل ، والغلط في الكلام ، والغلت في الحساب ، والخصر : الذي يجد البرد ، والخرص الذي يجد البرد والجوع ، والنار الخامدة : التي قد سكن لهبها ولم يطفأ جمرها ، والهامدة : التي طفئت فذهبت البتة ، والشكد : العطاء ابتداء ، فإن كان جزاء فهو شكم ، والمائح : الذي يدخل البئر فيملأ الدلو ، والماتح : الذي ينزعها .

قوله تعالى : " فنبذتها " ; أي : فقذفتها في العجل . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، [ ص: 319 ] والكسائي ، وخلف : ( فنبذتها ) بالإدغام . " وكذلك " ; أي : وكما حدثتك ، " سولت لي نفسي " ; أي : زينت لي ، " قال " موسى " اذهب " ; أي : من بيننا ، " فإن لك في الحياة " ; أي : ما دمت حيا ، " أن تقول لا مساس " ; أي : لا أمس ولا أمس ، فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع ، لا يمس أحدا ولا يمسه أحد ، عاقبه الله بذلك ، وألهمه أن يقول : " لا مساس " ، وكان إذا لقي أحدا يقول : لا مساس ; أي : لا تقربني ولا تمسني ، وصار ذلك عقوبة لولده ، حتى إن بقاياهم اليوم فيما ذكر أهل التفسير بأرض الشام يقولون ذلك . وحكي أنه إن مس واحد من غيرهم واحدا منهم ، أخذتهما الحمى في الحال .

قوله تعالى : " وإن لك موعدا " ; أي : لعذابك يوم القيامة ، " لن تخلفه " ; أي : لن يتأخر عنك ، ومن كسر لام ( تخلف ) أراد : لن تغيب عنه .

قوله تعالى : " وانظر إلى إلهك " يعني : العجل ، " الذي ظلت " قال ابن عباس : معناه : أقمت عليه . وقال الفراء : معنى " ظلت " : فعلته نهارا . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو الجوزاء ، وابن يعمر : ( ظلت ) برفع الظاء . وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وابن أبي عبلة : ( ظلت ) بكسر الظاء . وقال الزجاج : ( ظلت ، وظلت ) بفتح الظاء وكسرها ، فمن فتح فالأصل فيه : ( ظللت ) ، ولكن اللام حذفت لثقل التضعيف والكسر ، وبقيت الظاء على فتحها ، ومن قرأ : ( ظلت ) بالكسر ، حول كسرة اللام على الظاء . ومعنى " عاكفا " : مقيما ، " لنحرقنه " قرأ الجمهور : ( لنحرقنه ) بضم النون وفتح الحاء وتشديد الراء . وقرأ علي بن أبي طالب ، وأبو رزين ، وابن يعمر : ( لنحرقنه ) بفتح النون وسكون الحاء ورفع الراء مخففة . وقرأ أبو هريرة ، والحسن ، وقتادة : ( لنحرقنه ) برفع النون وإسكان الحاء وكسر الراء [ ص: 320 ] مخففة . قال الزجاج : إذا شدد ، فالمعنى : نحرقه مرة بعد مرة . وتأويل " لنحرقنه " : لنبردنه ، يقال : حرقت أحرق وأحرق : إذا بردت الشيء . والنسف : التذرية . وجاء في التفسير : أن موسى أخذ العجل فذبحه ، فسال منه دم ; لأنه كان قد صار لحما ودما ، ثم أحرقه بالنار ، ثم ذراه في البحر ، ثم أخبرهم موسى عن إلههم ، فقال : " إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو " ; أي : هو الذي يستحق العبادة لا العجل ، " وسع كل شيء علما " ; أي : وسع علمه كل شيء .
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما .

قوله تعالى : " كذلك نقص عليك " ; أي : كما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى وقومه ، نقص عليك " من أنباء ما قد سبق " ; أي : من أخبار من مضى ، والذكر هاهنا : القرآن . " من أعرض عنه " فلم يؤمن ولم يعمل بما فيه ، " فإنه يحمل يوم القيامة " وقرأ عكرمة ، وأبو المتوكل ، وعاصم الجحدري : ( يحمل ) برفع الياء وفتح الحاء وتشديد الميم . " وزرا " ; أي : إثما ، " خالدين فيه " ; أي : في عذاب ذلك الوزر ، " وساء لهم " قال الزجاج : المعنى : وساء الوزر لهم يوم القيامة حملا ، و " حملا " منصوب على التمييز .

قوله تعالى : " يوم ينفخ في الصور " قرأ أبو عمرو : ( ننفخ ) بالنون . وقرأ الباقون من السبعة : ( ينفخ ) بالياء على ما لم يسم فاعله . وقرأ أبو عمران الجوني : [ ص: 321 ] ( يوم ينفخ ) بياء مفتوحة ورفع الفاء ، وقد سبق بيانه . " ونحشر المجرمين " وقرأ أبي بن كعب ، وأبو الجوزاء ، وطلحة بن مصرف : ( ويحشر ) بياء مفتوحة ورفع الشين . وقرأ ابن مسعود ، والحسن ، وأبو عمران : ( ويحشر ) بياء مرفوعة وفتح الشين ، ( المجرمون ) بالواو . قال المفسرون : والمراد بالمجرمين : المشركون . " يومئذ زرقا " وفيه قولان :

أحدهما : عميا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال ابن قتيبة : بيض العيون من العمى ، قد ذهب السواد والناظر .

والثاني : زرق العيون من شدة العطش ، قاله الزهري . والمراد : أنه يشوه خلقهم بسواد الوجوه وزرق العيون .

قوله تعالى : " يتخافتون بينهم " ; أي : يسار بعضهم بعضا ، " إن لبثتم " ; أي : ما لبثتم إلا عشر ليال . وهذا على طريق التقليل لا على وجه التحديد .

وفي مرادهم بمكان هذا اللبث قولان :

أحدهما : القبور ، ثم فيه قولان : أحدهما : أنهم عنوا طول ما لبثوا فيها ، روى أبو صالح عن ابن عباس : إن لبثتم بعد الموت إلا عشرا . والثاني : ما بين النفختين ، وهو أربعون سنة ، فإنه يخفف عنهم العذاب حينئذ ، فيستقلون مدة لبثهم لهول ما يعاينون ، حكاه علي بن أحمد النيسابوري .

والقول الثاني : أنهم عنوا لبثهم في الدنيا ، قاله الحسن وقتادة .

قوله تعالى : " إذ يقول أمثلهم طريقة " ; أي : أعقلهم وأعدلهم قولا ، " إن لبثتم إلا يوما " فنسي القوم مقدار لبثهم لهول ما عاينوا . [ ص: 322 ]
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما وكذلك أنـزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما .

قوله تعالى : " ويسألونك عن الجبال " سبب نزولها أن رجالا من ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ; كيف تكون الجبال يوم القيامة ؟ فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

قوله تعالى : " فقل ينسفها ربي نسفا " قال المفسرون : النسف : التذرية . والمعنى : يصيرها رمالا تسيل سيلا ، ثم يصيرها كالصوف المنفوش ، تطيرها الرياح فتستأصلها ، " فيذرها " ; أي : يدع أماكنها من الأرض إذا نسفها ، " قاعا " قال ابن قتيبة : القاع من الأرض : المستوي الذي يعلوه الماء ، والصفصف : المستوي أيضا ، يريد : أنه لا نبت فيها .

قوله تعالى : " لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " في ذلك ثلاثة أقوال : [ ص: 323 ]

أحدها : أن المراد بالعوج : الأودية ، وبالأمت : الروابي ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وكذلك قال مجاهد : العوج : الانخفاض ، والأمت : الارتفاع ، وهذا مذهب الحسن ، وقال ابن قتيبة : الأمت : النبك .

والثاني : أن العوج : الميل ، والأمت : الأثر ، مثل الشراك ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أن العوج : الصدع ، والأمت : الأكمة .

قوله تعالى : " يومئذ يتبعون الداعي " قال الفراء : أي : يتبعون صوت الداعي للحشر ، لا عوج لهم عن دعائه : لا يقدرون أن لا يتبعوا .

قوله تعالى : " وخشعت الأصوات " ; أي : سكنت وخفيت ، " فلا تسمع إلا همسا " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : وطء الأقدام ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد في رواية ، واختاره الفراء والزجاج .

والثاني : تحريك الشفاه بغير نطق ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثالث : الكلام الخفي ، روي عن مجاهد ، وقال أبو عبيدة : الصوت الخفي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 463.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 457.84 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]