تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 38 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قد كان لي قلب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          قيم عائلية مهمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          إن الله يحول بين المرء وقلبه.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 18764 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 6312 )           »          أخلاق العمل في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 12475 )           »          بركـــة طعــام المسلـم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 615 )           »          خشـونـة الركـبـة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #371  
قديم 14-12-2020, 03:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله...)
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140]. ‏
البلاء الذي يصيب المؤمنين يصيب أعداءهم أيضاً
ويقول لهم أيضاً: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140]، أي: كما قد قُتِل منكم سبعون يوم أحد، أربعة من المهاجرين والباقون من الأنصار، فقد قُتِل منهم سبعون وأسر منهم سبعون في بدر، وغنمتم غنائمهم كلها. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140]، والقَرح والقُرح كالضَعف والضُعف: آلام الجراحات بالسهام أو بالسيوف.
من سنة الله تعالى أن الأيام دول
قوله تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، وسيأتينا أنه لما انتهت المعركة جاء أبو سفيان يلاحق ويتابع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاء حتى قارب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: أفيكم ابن أبي كبشة؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر بن الخطاب؟ فقال له عمر رضي الله عنه: هذا رسول الله، وهذا أبو بكر، وأنا عمر، فقال أبو سفيان: الحرب سجال، يوم بيوم، يعني: أصبتم منا في بدر فأصبنا منكم اليوم، فلا تحزنوا ولا تأسفوا، فقال عمر: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فقال أبو سفيان: قد خسرنا إذاً، وهو كذلك. والشاهد عندنا في قول ربنا لهم: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، وسميت الدولة دولة من المداولة؛ لأنها تدول من شخص إلى آخر، والأيام دول، فأيام رخاء وأيام غلاء، أيام سعادة وأيام شقاء، أيام أمن وأيام خوف، وهذا كله ماض حسب سنة الله عز وجل، فهو الذي يؤمن من يشاء ويخوف من يشاء، ولكن يؤمن ويخوف بسنن لا تتخلف.
معنى قوله تعالى: (وليعلم الله الذين آمنوا)
قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:140]، أي: فعل الله تعالى هذا ليُظهر علمه الغيبي إلى العلن والمشاهدة، ولتظهر حكمته وسنته في خلقه، وليعلم الذين آمنوا من الذين كفروا، إذ إنه رجع مع ابن أبي ثلاثمائة مقاتل جلهم منافقون كافرون، ولولا هذا الامتحان لم يظهروا، ولو ما جاء الله بالمشركين إلى المدينة ليقاتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوفق الرسول للخروج إليهم، فكيف يتميز الكافر من المؤمن؟!
معنى قول الله تعالى: (ويتخذ منكم شهداء)
قوله تعالى: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140]، وقد اتخذ منهم سبعين شهيداً، وهذا بالنسبة إلى من قُتِل في سبيل الله في الدنيا، وأما يوم القيامة فنشهد أيها المؤمنون على أمم قد سبقت، فيؤتى بنوح فيقال له: هل بلغت يا نوح؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيؤتى بنا فنشهد أن نوحاً قد بلغ أمته، وذلك أننا قد قرأنا في كتاب الله فعرفنا قصة نوح وقومه -في جميع السور- وأنه قد بلغ رسالته، وبالتالي فيتخذ منا شهداء بمعنى: يُستشهدون في المعركة فيدخلون الجنة، وشهداء على الأمم السابقة واللاحقة، وهذه مرتبة عالية وفضيلة لا تعادلها فضيلة.
معنى قوله تعالى: (والله لا يحب الظالمين)
قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140]، قد عرفنا معاشر المؤمنين والمؤمنات! أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فكل من وضع شيئاً في غير موضعه فقد ظلم وهو ظالم، فالذين عبدوا غير الله وضعوا هذه العبادة في غير موضعها، وبذلك يكونون قد ظلموا وهلكوا، فالرماة الذين نزلوا من الجبل وعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا المركز خالياً فاحتله المشركون، هؤلاء قد ظلموا؛ لأن الرسول وضعهم في هذا الموضع وهم وضعوا أنفسهم خارجه يطلبون الدنيا والمال.وكلمة: (الظلم) عامة، وأفظعها ظلم الله تعالى، وذلك بأن تأخذ حق الله وتعطيه لغيره، وبعض طلبة العلم ترددوا في هذا التعبير، فقالوا: كيف نقول: ظلموا الله؟! فنقول: إذا كانت هذه العبادة شرعها الله له، ثم عبدنا بها غيره فقد ظلمنا ربنا وأخذنا حقه، ووضعنا شيئاً في غير موضعه، ومن الظلم أيضاً: ظلم الناس في أعراضهم، في أموالهم، في أبدانهم، في كل ما يؤذيهم، ومن الظلم كذلك أن تغني في هذا الحلقة العلمية؛ لأن الموضع ليس موضع غناء، وهكذا يقول تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140].
تفسير قوله تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)
قوله تعالى: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:141]. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:141]، والتمحيص: تمحص الشيء حتى يذهب كل ما كان فيه من دخن ودخل، وذلك ليبقى فقط العنصر الصافي الكريم، كما تمحص الجواهر والذهب وغيرها، وهؤلاء قد ابتلاهم الله بهذه المعركة وساقهم إليها، وكتب ما كتب، والعلة: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:141].وهذه الآيات غداً لو ندخل في الإسلام دخولاً جديداً ونواجه نفس المعركة ونتلوا الآيات وكأنها نزلت علينا في يومنا هذا؛ لأنه كتاب خالد بخلود هذه الحياة، ولا يرفعه الله من صدور العباد إلا في نهاية هذه الحياة.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [معنى الآيات: لما حدث ما حدث من انكسار المؤمنين بسبب عدم الصبر ] أي: ما صبروا كما أمرهم قائدهم [ والطاعة اللازمة للقيادة، ذكر تعالى تلك الأحداث -التي تمت في أحد- مقرونة بفقهها لتبقى هدىً وموعظة للمتقين من المؤمنين ]؛ لأن غير المؤمنين لا يستفيدون [ وبدأها بقوله: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران:137]، فأخبر تعالى المؤمنين بأن سننه قد مضت فيمن قبلهم من الأمم، كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، فقد أرسل الله تعالى إليهم رسله فكذبوهم، فأمضى تعالى سنته فيهم، فأهلك المكذبين ونجا المؤمنين بعد ما نالهم من أذى أقوامهم المكذبين، وستمضي سنته اليوم كذلك، فينجيكم وينصركم ويهلك المكذبين أعداءكم، وإن ارتبتم -في الأمر- فسيروا في الأرض، وقفوا على آثار الهالكين، وانظروا كيف كانت عاقبتهم.ثم قال تعالى: هذا الذي ذكرت في هذه الآيات هو بيان للناس يتبينون به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وهو هدىً يهتدون به إلى سبل السلام، وموعظة يتعظ بها المتقون لاستعدادهم بإيمانهم وتقواهم للاتعاظ، فيطيعون الله ورسوله فينجون ويفلحون، هذا ما تضمنته الآيتان: الأولى والثانية.وأما الآيتان: الثالثة والرابعة فقد تضمنتا تعزية الرب تعالى للمؤمنين ] بمعنى: أنه يحملهم على الصبر [ تضمنت تعزية الرب تعالى للمؤمنين فيما أصابهم يوم أحد، إذ قال تعالى مخاطباً لهم: وَلا تَهِنُوا [آل عمران:139]، أي: لا تضعفوا فتقعدوا عن الجهاد والعمل، ولا تحزنوا على ما فاتكم من رجالكم، وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [آل عمران:139]، أي: الغالبون لأعدائكم المنتصرون عليهم، وذلك فيما مضى وفيما هو آتٍ مستقبلاً، بشرط إيمانكم وتقواكم، واعلموا أنه إن يمسسكم قرح بموتٍ أو جراحات لا ينبغي أن يكون ذلك موهناً لكم، قاعداً بكم عن مواصلة الجهاد؛ فإن عدوكم قد مسه قرح مثله، وذلك في معركة بدر، والحرب سجال، يوم لكم ويوم عليكم، وهي سنة من سنن ربكم في الحياة، هذا معنى قوله تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].ثم بعد هذا العزاء الكريم الحكيم ذكر تعالى لهم علة هذا الحدث الجلل والسر فيه وقال: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140] ] أي: ما كانت هذه المعركة لغير حكمة، وإنما كانت مقصودة لهذا البيان [ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140]، أي: ليظهر بهذا الحادث المؤلم إيمان المؤمنين، وفعلاً فالمنافقون رجعوا من الطريق بزعامة رئيسهم المنافق الأكبر عبد الله بن أبي ابن سلول -عليه لعائن الله- والمؤمنون واصلوا سيرهم وخاضوا معركتهم، فظهر إيمانهم واتخذ الله منهم شهداء ]، ولولا الهزيمة لم يكن بيننا شهيد أبداً، إنها حكمة الله تعالى، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140].قال: [ واتخذ الله منهم شهداء، وكانوا نحواً من سبعين شهيداً، منهم أربعة من المهاجرين وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، ثم عبد الله بن جحش صهر النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمته، ثم عثمان بن شماس [ وكانوا نحواً من سبعين شهيداً، منهم أربعة من المهاجرين وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومصعب بن عمير ]، وقبره الآن موجود بجوار قبر حمزة، ومصعب هذا كان شاباً لأبوين لم ينجبا سواه، وقد كانوا يكسونه الحرير وأفضل الملابس، ولما أن دخل في الإسلام وآمن بالله وبلقائه وبرسوله تغير حاله، قال أحد الصحابة: لقد رأيته يرتدي جلد شاة في مكة، وقد استشهد في أحد فما وجد الرسول ما يكفنه به إلا ثوباً واحداً غليظاً من جلد، إن غطَّى به رأسه انكشف نصفه الأسفل، وإن غطَّى أسفله انكشف رأسه، فجيء بالعشب والنبات ووضعوه على رجليه، وما إن هاجر إلى المدينة قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وطاف بهذه الديار حتى دخل الإيمان إلى كل دار من دور الأنصار، وصبر ففاز رضي الله عنه وأرضاه، ونحن ما يمسنا من هذا شيء ومع ذلك نُعرض عن ذكر الله والعياذ بالله!قال: [ والباقون من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين. وقوله تعالى: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:141]، أي: أوجد هذا الذي أوجده في أحد من جهاد وانكسار تخليصاً للمؤمنين من ذنوبهم وتطهيراً لهم ليصفوا الصفاء الكامل، ويمحق الكافرين بإذهابهم وإنهاء وجودهم ]. وهذا تدبير العليم الحكيم، والآن لمَ هبط المسلمون واستعمرتهم أوروبا والغرب؟! لمَ فعل الله هذا؟! ليمحص الله الذين آمنوا، إذ لا يحدث حادث في الكون إلا بعلم الله وعلى وفق سننه سبحانه وتعالى.قال: [ إن هذا الدرس نفعَ المؤمنين فيما بعد، فلم يخرجوا عن طاعة نبيهم، وبذلك توالت انتصاراتهم حتى أذهبوا ريح الكفر والكافرين من كل أرض الجزيرة ]، أي: أن هذه الهزيمة التي كانت في أحد كان لها أثرها الطيب في موالاة الجهاد والانتصارات، وبيان ذلك: أن العلماء قالوا: لو أنهم اغتروا بكون النبي بينهم، وبكونهم مؤمنين يقاتلون في سبيل الله، وأنهم لن ينهزموا، سواء تسلحوا أو رموا بالسلاح، أخذوا بالحيطة أو لم يأخذوا بها، لو قالوا هذا ما انتصروا في المستقبل في أي معركة من المعارك، لكن علمهم الله أنهم رغم أنهم مع نبيهم، ويقاتلون في سبيل الله تعالى، وهم المؤمنون الصادقون، إذا خرجوا عن سنته في الانتصار وتعرضوا للهزيمة هزمهم وأذلهم.وقد ذكرت لكم أيضاً رؤيا منامية ذكرها الشيخ رشيد رضا -تغمده الله برحمته- في المنار فقال: رأى شيخنا محمد عبده -رحمة الله عليه- النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو راجع من أحد إلى المدينة على بغلته، والمؤمنون وراءه، وهو يقول صلى الله عليه وسلم: لو خيرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة على النصر! وهو والله كذلك، إذ لو اغتر المؤمنون بإيمانهم، وأنهم أولياء الله تعالى، حملهم ذلك على الإعراض عن سنن الله، وعدم الأخذ بما وضع الله من السنن في هذا الكون، لا بد وأن ينكسروا ويتحطموا، إذ الإيمان يلزم أصحابه بألا يتركوا سنة من سننه الله تعالى، فكيف يتركون سنناً واجبة في النصر ثم يطلبون الانتصار؟! فهذا درس للمسلمين، وقد استفاد من ذلك أصحاب رسول الله وأولادهم في خلال خمسة وعشرين سنة فقط، حيث قد تم لهم النصر في العالم كله، من إندونيسيا إلى ما وراء نهر السند؛ لأنهم تربوا على هذه التربية الإلهية.قال: [ إن هذا الدرس نفع المؤمنين فيما بعد، فلم يخرجوا عن طاعة نبيهم، وبذلك توالت انتصاراتهم حتى أذهبوا ريح الكفر والكافرين من كل أرض الجزيرة ]، إذ ما مات صلى الله عليه وسلم وفي الجزيرة من يعبد غير الله.
هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات ]، فهيا نتدبر هذه الآيات، فنسمعكموها مرة أخرى ونذكر الهداية وتأملوا من أين استنبطت وأخذت؟ قال تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:137-141].قال المؤلف: [ من هداية الآيات: أولاً: عاقبة المكذبين بدعوة الحق الخسار والوبال ]، أي: عاقبة المكذبين بدعوة الحق الخسران والبوار وإلى يوم القيامة. قال: [ ثانياً: في آيات القرآن الهدى والبيان والمواعظ لمن كان من أهل الإيمان والتقوى ]، أما الذين ما آمنوا وما اتقوا فهم عميان، وأعظم من ذلك أنهم أموات، أو أحياء يمشون في الظلام، وبالتالي كيف يهتدون؟! إما أن نقول: أموات لأن القرآن روح، وهم قد فقدوا الروح فماتوا، فهم يعيشون حياة البهائم، والنور هو القرآن الذي أعرضوا عنه وكفروا به، فهم يمشون في الظلام فكيف يهتدون؟! ومن أراد دليلاً على ذلك فلينظر إلى العالم الإسلامي وهبوطه تتجلى له هذه الحقيقة، إذ العالم الإسلامي لا يحيا حياة حقيقية، واليهود يسخرون منه.قال: [ ثالثاً: أهل الإيمان هم الأعلون في الدنيا والآخرة ]، أي: أهل الإيمان الحق، وكلمة المؤمن معناه: المتأصل في إيمانه العريق فيه، لا مجرد نسبة أو يقول: أنا مؤمن.إذاً: أهل الإيمان هم الأعلون في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا هم الأعلون بشهادة الله تعالى، وفي الآخرة هم في الجنات والكفار في السفلى من الدركات والعياذ بالله.قال: [ رابعاً: الحياة دول وتارات، فليقابلها المؤمن بالشكر والصبر ]، أي: إن كانت رخاءً وأمناً وعافية فليقابلها المؤمن بشكر الله تعالى ليلاً ونهاراً، وذلك بلسانه وبجوارحه وبقلبه، وإن جاءت البلوى والعذاب والفقر والخوف والألم فليقابلها المؤمن بالصبر، وهو فائز في كلا الحالتين.فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُساء فيه ويوم نسروالحرب سجال والدنيا دول وتارات، يعني: مرات، فيجب أن يقابلها المؤمن بالشكر والصبر، فإن كان الموقف موقف سعادة فليكثر من شكر الله عز وجل، وإن كان موقف شقاء فليصبر ولا يخرج عن طاعة الله تعالى وذكره وعبادته حتى يفرج الله ما به. قال: [ خامساً: الفتن تمحص الرجال ]، والفتنة هي التي يُفتن بها الناس في أموالهم وفي أبدانهم وفي عقائدهم، ومن شأن هذه الفتن أنها تمحص الرجال الصادقين فتظهر كمالاتهم، وتودي وتهلك العاجزين الجزعين، ولذا قال المؤلف: [ وتودي بحياة العاجزين الجزعين ]، فهذه هداية الله عز وجل من هذه الآيات. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #372  
قديم 14-12-2020, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (58)
الحلقة (199)

تفسير سورة آل عمران (62)


أنكر الله على عباده المؤمنين ظنهم أنهم سيدخلون الجنة بمجرد الإيمان ودون أن يبتلوا بالجهاد والشدائد، بل لابد لهم من الابتلاء تمحيصاً لهم وإظهاراً للصادقين منهم في دعوى الإيمان والكافرين فيها، وإظهاراً للصابرين الثابتين والجزعين المرتدين، ثم عاب الله عليهم قلة صبرهم وانهزامهم في معركة أحد، مذكراً لهم بتمنيات من لم يحضروا بدراً للقتال حتى يحوزوا ما حازه من سبقهم، وانكشافهم عند وقوع القتال في أحد.
تفسير قوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل القرآن العظيم؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الأربع، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:142-145].قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [آل عمران:142]، أي: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة دار السلام، دار النعيم المقيم التي سقفها عرش الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه، و(أل) هنا في (الجنة) للعهد، وهذا الحسبان باطل، والاستفهام هنا إنكاري. وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]، وعلم الله تعالى هنا علم ظهور وانكشاف، أما العلم الأزلي القديم فقد علم الله أهل الجنة وأهل النار، ولهم خلق الجنة والنار. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ [آل عمران:142]، وخاضوا المعارك في بدر وفي أحد، وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]، على إيمانهم وتقواهم وجهادهم وحبهم لرسولهم، وبالتالي ففرض الله الجهاد عليكم من أجل أن يكشف النقاب ويزيح الستار عن الواقع.إذاً: فلا بد من الابتلاء والامتحان والاختبار، إذ قد فرض الله الجهاد وقدَّره على عباده ليظهر صدق إيمانهم وصبرهم، أو يظهر العكس، أي: يظهر نفاقهم وكفرهم وعدم ثباتهم.
تفسير قوله تعالى: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه...)
قال تعالى: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143].قوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ [آل عمران:143]، وهذا يخص الذين تأسفوا عن عدم حضورهم غزوة بدر، إذ قد علمنا يقيناً أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلن التعبئة العامة في بدر، وإنما ذكر هذا الخبر: أن عيراً لقريش قد خرجت من الشام، فهيا بنا نخرج لعل الله تعالى يرزقنا إياها، فمن شاء خرج ومن شاء لم يخرج، فالذين خرجوا فازوا أولاً بذلكم اللقب الذي لا يُنسى: ( وما يدريك لعل الله قد نظر إلى أهل بدر وقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )، وفازوا بالغنائم، وفازوا بشفاء صدورهم من أعدائهم، إذ قتلوهم وأسروهم، وهناك من المؤمنين من لم يخرج إلى بدر، فتأسف وتحسر وتألم، وتمنى أن لو يأتي غزو آخر لكان أول من يخرج، وأول من يستشهد إن شاء الله تعالى، وهذا معنى قوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ [آل عمران:143]، أي: في المعركة، فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143]، فلِمَ تهربون؟ ولمَ تفرون؟ ولمَ تحجمون؟ ولمَ تقولون وتقولون وقد كنتم تمنيتم ذلك وأراكم الله فقال: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143]؟ وهذا بعد وقوع الهزيمة؛ إذ قد علما أن النصر في أول النهار كان للرسول والمؤمنين؛ لأن القيادة حكيمة، والترتيب كان عجيباً، لكن لما عصى الرماة أمر رسول الله وهبطوا من الجبل، واحتل خالد رضي الله عنه مراكزهم الدفاعية ووقع المسلمون بين فكي مقراظ فكانت الهزيمة، وشاهدوا الموت بأعينهم، فقال تعالى مصوراً ذلك: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143]، فليس من حقكم أن تفروا وتنهزموا وقد كنتم تطلبون الشهادة وتتمنونها، وقد ثبت من ثبت، واستشهد من استشهد.
تفسير قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل...)
قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]قوله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]، وذلك أن ابن قمئة -أقمأه الله- ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بحجر فشج وجهه وكسر رباعيته، وصاح: قتلت محمداً، والشيطان -عليه لعائن الله- استغل هذه الفرصة وصاح: محمد قد قتل، وانتشر الخبر في الصفوف المصابة بالهزيمة، فوقع الذي وقع، فمنهم من قال: هيا بنا إلى ابن أبي يأخذ لنا عهوداً ومواثيق مع أبي سفيان ونعود إلى ديننا، ومنهم من قال: إذا مات محمد فرب محمد لا يموت، فلمَ الهزيمة والرضا بالكفر بعد الإيمان؟! وعلى كل حال كانت الواقعة ذات حسرة عظيمة، وحسبنا أن يقول الله تعالى لنا ولهم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، أي: قد ماتت الرسل قبله ومضت، وهو أيضاً والله سيموت ويمضي. أَفَإِينْ مَاتَ [آل عمران:144]، أي: موتة حسب سنة الله، أو قتل في المعركة، انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]، مرتدين كافرين، وهذا هو الذي أصاب ضعاف الإيمان، وأصاب المنافقين الطابور الخامس.ثم قال تعالى: وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ [آل عمران:144]، منتكساً مرتداً، فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا [آل عمران:144]، إي والله لن يضر الله شيئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، على صبرهم وشكرهم، ومن باب أولى سيجزي الكافرين بمر العذاب وأشده وأليمه، والكافر ضد الشاكر.
تفسير قوله تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله...)
قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145].ثم قال تعالى مقرراً هذه الحقيقة: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:145]، أي: يستحيل أن تموت نفس بدون إذن الله تعالى، وإن شئتم حلفنا لكم بالله، أبعد إخبار الله تعالى إخبار؟! وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ [آل عمران:145]، أي: ما من الأنفس، أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:145] بموتها، إذ هو الذي حدد موعدها وقرره وسجله في كتاب المقادير، فوالله لا تتأخر بلحظة ولا تتقدم بأخرى أبداً، فلو ما كان هذا افلآن يموت منا خمسين أو ستين، فهل نملك نحن ألا نموت؟ الآن في هذه اللحظة يموت أناس، فيتململ الرجل وتخرج نفسه، لكن ما دامت الأرواح والأنفس قد قُدِّر لها مواعيد لموتها، فيستحيل على البشر والجن والملائكة أن يقدموا أو يؤخروا، ومن أجل ذلك انتظمت الحياة ومشت إلى نهايتها، إذ لو كان الموت يأتي فجأة بدون تقدير ولا تقرير ولا قضاء ولا قدر، فإن الحياة لا تنتظم ولا ساعة واحدة. وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145]، أي: بأجل معين ووقت محدد باللحظة والساعة والدقيقة، وقد كشفت الأيام عن هذه الحقيقة، فقد حاول بعض المبطلين إحياء زعمائهم فما استطاعوا ولا ساعة واحدة، فانكشف عوارهم وآمنوا بأن النفس البشرية لا تموت إلا إذا أذن الله بموتها؛ فحدد الله الزمان والمكان، ووضع الأسباب أيضاً والآلات التي تموت بها، وهذه حقيقة تبقى في نفوسنا لا تتغير، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145].ثم قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا [آل عمران:145]، أي: من ثواب الدنيا، وهذا أيضاً موقوف على سنة الله عز وجل في طلب الدنيا، فأنت تريد الدنيا وتتمناها، وأنت صعلوك مثلي لا تقوم ولا تقعد، ولا تبيع ولا تشتري، فكيف تريدها إذاً يا أخي؟! كذلك ثواب الآخرة، فأنت تريد الجنة والحور العين بدون صلاة ولا رباط ولا جهاد! إن ذلك لا يتحقق، ولذلك فافهموا هذا، فإذا أراد العبد الدنيا وعمل بسنن الله تعالى للحصول عليها، فإنه يُعطى منها بقدر ما كتب له، وإن أراد الآخرة ورغب فيها وأحبها فإن الله يعطيه ثوابها، والحمد لله فقد قال تعالى: (ثواب)، والثواب الجزاء على العمل، وليس مجرد أمنية. وهناك آية في سورة هود فاصلة في هذه القضية، وهي قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15]، فكونك فرعون أو طاغية أو كافراً أو مجرماً فهذا لا يجعل الله تعالى يخيبك في زراعتك أو في صناعتك أو في تجارتك أو في شيء آخر. مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15]، فلا تفهم أن الله يحرم الكافر نتاج مزرعته أو مصنعه لأنه كافر، وإنما يعطيه جزاء عمله إذا كان يسهر الليالي، ويربط الحزام على بطنه، ويواصل العمل، وأما إذا كان فاشلاً غير عامل فلا يعطيه إلا على قدر عمله، كذلك حتى لا تقول: كيف أن الله يغني الكفار؟ كيف أن الله ينبت زرعهم؟ إن هذا سؤال باطل، إذ إن الله عز وجل يعطيهم جزاء أعمالهم وإن كانوا صعاليك وأحداثاً وفقراء يشحتون، وقد رأيناهم، ففي فرنسا الصعاليك يشحتون ولا يعملون، لا لأنهم كفروا فأفقرهم، وإنما لأنهم لم يعملوا، ولو عملوا وسهروا وأداروا المصانع لأعطاهم على قدر أعمالهم بدون زيادة. فكذلك الآية هنا: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا [آل عمران:145]، أي: أراد ثواب الدنيا بعمله، وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ [آل عمران:145]، أي: جزاء عمله في الدار الآخرة، نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145] جزاء آخر. فهيا نكن من الشاكرين، ولنبدأ من هذه الليلة، فإذا أكلت أو شربت أو مشيت أو قعدت أو نمت أو استيقظت، فأنت دائماً: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، فهو سبحانه قد أعطاك صحة في بدنك، في عقلك، في فهمك، في علمك، وأعطاك أيضاً قوتاً زائداً أو مالاً كثيراً، فاشكر الله تعالى، وأنفق من ذلك الذي أعطاك لله تعالى، تكن بذلك قطعاً من الشاكرين، وسيكون جزاؤك فوق الثواب المعد لك، إذ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء، والله ذو الفضل العظيم. وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ولم يقتل؛ لأن الله أنزل عليه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، فقبل نزول هذه الآية كان على باب حجرة الرسول حرس ليس كحرسنا اليوم بالراتب، وإنما كان كل مؤمن يقول: نمشي نحرس نبينا ساعة، فيتناوبون في الحراسة، ولا تراهم إلا راكعين ساجدين حول الحجرة والرسول يعلم بذلك؛ لأن أعداءه من اليهود والمنافقين والمشركين يضمرون له شراً عليه الصلاة والسلام. فلما نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، قال للحرس: عودوا إلى دياركم، فقد أغناني الله عنكم، لكن قد يقول قائل: وكيف إذاً انزعج الناس لما سمعوا أن محمداً قد قتل؟ والجواب: انزعجوا لأنها الفتنة، ولأن القائل بهذا منافقون وضعفاء فتتخلخل نفوس السامعين.قال: توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في وقت دخوله المدينة مهاجراً، أي: أن يوم دخوله كان يوم وفاته صلى الله عليه وسلم، وذلك ضحىً حين اشتد الحر، ودفن يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء. قال أنس: لما كان اليوم الذي دخل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، ولما كان اليوم الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من دفن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا. أي: ما إن نفضنا أيدينا من التراب من دفنه عليه الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا، أو ليست هي القلوب التي كانت أمس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنتم يا أهل الدرس اتركوا الدرس وتخلوا عنه وانظروا إلى قلوبكم إذا كنتم حذاقاً، والله لتجدنها تبدلت؛ لأن الحياة مع الله كالحياة مع رسول الله، حياة خلاف الحياة مع غير الله ورسوله، مع الفسقة والماجنين، ومع الدنيا وطلابها.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #373  
قديم 14-12-2020, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله ورحمنا وإياه: [ معنى الآيات: ما زال السياق متعلقاً بغزوة أحد، فأنكر تعالى على المؤمنين ظنهم أنهم بمجرد إيمانهم يدخلون الجنة بدون أن يبتلوا بالجهاد والشدائد؛ تمحيصاً لهم وإظهاراً للصادقين منهم في دعوى الإيمان والكاذبين فيها، كما يظهر الصابرين الثابتين والجزعين المرتدين، فقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ]. وهذا الحسبان باطل؛ لأنه لابد من الابتلاء وإظهار الغطاء [ ثم عابهم تعالى على قلة صبرهم وعلى انهزامهم في المعركة، مذكراً إياهم بتمنيات الذين لم يحضروا وقعة بدر، وفاتهم فيها ما حازه من حضرها من الأجر والغنيمة، بأنهم إذا قدر لهم قتال في يوم ما من الأيام يبلون فيه البلاء الحسن، فلما قدر تعالى ذلك لهم في وقعة أحد جزعوا وما صبروا وفروا منهزمين، فقال تعالى: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143] ]. وكان منهم من وفى بما وعد فقاتل حتى استشهد، وهو أنس بن النضر عم أنس بن مالك، فإنه لما رأى المسلمين قد انكشفوا قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء، وباشر القتال وهو يقول: إني لأجد ريح الجنة، إني لأجد ريح الجنة، ولما قتل وِجد به أكثر من ثمانين طعنة برمح وضربة بسيف، ولم يستطع أحد أن يعرفه إلا أخته، فقد عرفته بعلامة في أصبعه. [ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143]، أي: فلمَ انهزمتم، وما وفيتم ما وعدتم أنفسكم به؟ هذا ما تضمنته الآيتان الأولى والثانية.وأما الآية الثالث فقد تضمنت عتاباً شديداً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اشتدت المعركة، وحمي وطيسها، واستحرَّ القتل في المؤمنين نتيجة خلو ظهورهم من الرماة الذين كانوا يحمونهم من ورائهم، وضرب ابن قمئة -أقمأه الله- رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في وجهه فشجه وكسر رباعيته، وأعلن أنه قتل محمداً، فانكشف المسلمون وانهزموا، وقال من قال منهم: لمَ نقاتل وقد مات رسول الله؟! وقال بعض المنافقين: نبعث إلى ابن أبي يأتي يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان ونعود إلى دين قومنا! فقال تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، وما دام رسولاً كغيره من الرسل، وقد مات الرسل قبله، فلمَ ينكر موته أو يندهش له إذاً؟! بعد تقرير هذه الحقيقة العلمية الثابتة أنكر تعالى بشدة على أولئك الذين سمعوا صرخة إبليس في المعركة (قتل محمد) ففروا هاربين إلى المدينة، ومنهم من أعلن ردته والعياذ بالله في صراحة وهم المنافقون، فقال تعالى: أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، فعاتبهم منكراً على المنهزمين والمرتدين من المنافقين ردتهم، وأعلمهم أن ارتداد من ارتد أو يرتد لن يضر الله تعالى شيئاً، فالله غني عن إيمانهم ونصرهم، وأنه تعالى سيجزي الثابتين على إيمانهم وطاعة ربهم وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيجزيهم دنيا وأخرى بأعظم الأجر وأحسن المثوبات، هذا ما تضمنته الآية الثالثة.أما الآية الرابعة فقد تضمنت حقيقتين علميتين: الأولى: أن موت الإنسان متوقف حصوله على إذن الله خالقه ومالكه؛ فلا يموت أحد بدون علم الله تعالى بذلك، فلم يكن لملك الموت أن يقبض روح إنسان قبل إذن الله تعالى له بذلك، وشيء آخر: وهو أن موت كل إنسان قد ضبط تاريخ وفاته باللحظة فضلاً عن اليوم والساعة، وذلك في كتاب خاص ] وهو كتاب المقادير، أي: اللوح المحفوظ [ فليس من الممكن أن يتقدم أجل الإنسان أو يتأخر بحال من الأحوال، هذه حقيقة يجب أن تعلم من قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145] ] أي: مؤقتاً ليس بمبهم.قال: [ والثانية ] أي: الحقيقة الثانية التي يجب أن نعلمها وقد علمناها [ أن من دخل المعركة يقاتل باسم الله، فإن كان يريد بقتاله ثواب الدنيا فالله عز وجل يؤته من الدنيا ما قدره له، وليس له من ثواب الآخرة شيء، وإن كان يريد ثواب الآخرة لا غير، فالله عز وجل يعطيه في الدنيا ما كتب له، ويعطيه ثواب الآخرة وهو الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وأن الله تعالى سيجزي الشاكرين بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. هذه الحقيقة التي تضمنها قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145] ]. وهنا تعليق قال: رثت صفية بنت عبد المطلب -والرثاء: البكاء على الميت- عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات من الشعر دلت على مدى ما أصاب المؤمنون من حزن وألم بفراق نبيهم صلى الله عليه وسلم، حتى أن عمر -على جلالته- قال على المنبر والسيف بيده: محمد ما مات ولن يموت، وكيف يموت والمنافقون ما زال منهم فلان وفلان؟! وكان أبو بكر في العوالي فجاء فدخل الحجرة فوجد الرسول مسجى في كفنه، فكشف عنه وقبله بين عينيه وقال: ( طبت يا رسول الله حياً وميتاً )، ثم خرج فوجد عمر هائجاً فقال له: اهدأ يا عمر، ثم صعد المنبر وقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، فهدأ الموقف تماماً، فكان رضي الله عنه حكيماً وأهله الله لخلافة رسوله صلى الله عليه وسلم.ونعود إلى الأبيات التي قالتها صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت رضي الله عنها: أفاطم صلى الله رب محمد على جدث أمسى بيثرب ثاوياً تخاطب فاطمة بنت الرسول، فهي تشاركها في حزنها وألمها. فدىً لرسول الله أمي وخالي وعمي وآبائي ونفسي ومالي عرفتم بمَ فدت رسول الله؟ ما تركت شيئاً حتى نفسها. فلو أن رب الناس أبقى نبينا سعدنا ولكن أمر الله قد كان ماضياً هذه هي صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
هداية الآيات
قال المؤلف: [ هداية الآيات ] هذه الآيات الأربع فيها هدايات، إذ والله لا تخلو آية من هداية، تهدي إلى أين؟ إلى ملاعب الكرة؟! إلى المقاهي والمراقص؟! إنها تهدي أصحابها إلى رضا الله وحبه والنعيم المقيم في جواره بالاستقامة عقيدة وقولاً وعملاً، وهذا هو الصراط المفضي بالسالكين إلى دار السلام. قال: [ من هداية الآيات: أولاً: الابتلاء بالتكاليف الشرعية الصعبة منها والسهلة من ضروريات الإيمان ]، ولا تفهم أبداً أنك تؤمن وتخالف ربك؛ لأن بعض الغافلين ممن يدخلون في الإسلام يبقى على الخمر والزنا والباطل، وهذا لا ينفع، إذ لابد من الابتلاء، وأول شيء أن تغتسل بالماء البارد إذا ما عندك ساخن، وأن تناجي ربك خمس مرات في اليوم والليلة، فتأتيه إلى بيته أو إلى مكان طاهر وتناجيه، ثم بعد ذلك تؤمن بكل ما أمرك بالإيمان به، أطاقه عقلك أو عجز عنه، ثم بعد ذلك تحل ما أحل، وتحرم ما حرم، وتواصل ذلك إلى أن تلقى الله عز وجل، أما أن تقول: أنا آمنت فقط، ثم تمرح كما يحلو لك، والله لا يصح هذا الإيمان أبداً، فهذه هي الهداية الأولى، وقد قال تعالى وقوله الحق: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]. [ ثانياً: تقرير رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ]، فقد قال الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران:144]، أي: تقرير للرسالة، إذ إنه ليس بتاجر، ولا بساحر، وإنما قال: رسول فقط، قال: [ وبشريته المفضلة ] أي: أنه بشر قد يموت وقد يقتل كما يقتل البشر ويموتون، ولكنها بشرية مفضلة على كل بشرية، قال: [ وموتته المؤلمة لكل مؤمن ]. [ ثالثاً: الجهاد وخوض المعارك لا يقدم أجل العبد، والفرار من الجهاد لا يؤخره أيضاً ]؛ لأن الله قال: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145]. [ رابعاً: ثواب الأعمال موقوف على نية العاملين وحسن قصدهم ]، أي: أن الثواب على الأعمال متوقف على النية وحسن القصد، فمن جاهد للمال فإنه يثاب بالجنة على جهاده فيعطى المال، ومن جاهد لأجل إعلاء كلمة الله فإنه يعطى كذلك الجنة، وبالتالي فثواب الأعمال كلها موقوف على النية وحسن القصد، حتى لو أن أناساً في المسجد إذا لم يريدوا بعملهم المشروع وجه الله وثواب الله فلا يعطون تعطى إلا ثواب الدنيا فقط. لكن قد يقول بعض الناس: نحن الآن موظفون نأخذ الراتب، وبالتالي ما لنا أجر، فكيف ذلك؟! فأقول: إذا لم يكن عندكم نية والله لا أجر لكم، إذ إنكم قد أخذتم أجركم، وإن كنتم قد وقفتم حياتكم لله من أول اليوم، فكل أعمالكم لله، واقرءوا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، فالمؤمن كما علمتم يتزوج لوجه الله، ويطلق والله لأجل الله، ويبيع ويشتري والله من أجل الله، ويطلب وظيفة ويعمل بالليل أو بالنهار والله من أجل الله، وبالتالي فحياته كلها وقف لله تعالى؛ لأنه إذا عمل ليوفر طعاماً أو شراباً فهو من أجل أن يعبد الله؛ لأنه إذا لم يأكل أو يشرب فقد يموت، وكذلك إذا طلب كسوة يتقي بها الحر أو البرد فهي من أجل الله، وهكذا حياة المؤمن كلها وقف على الله تعالى، فتراه يبني في جدار لله تعالى، وآخر يهدم في جدار لأجل الله حتى لا يؤذي مؤمناً. [ خامساً: فضيلة الشكر بالثبات على الإيمان والطاعة لله ورسوله في الأمر والنهي ]، وسنجزي الشاكرين بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. اللهم يا حي يا قيوم، يا بديع السموات والأرض، يا مالك الملك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك لإخواننا المؤمنين في ألبانيا وفي البوسنة والهرسك وفي غيرها من تلك الديار التي يضايقون فيها ويقتلون ويعذبون من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم تولهم يا رب ولا تتركهم، اللهم أنزل بأعدائهم البلاء والشقاء والفتنة يا رب العالمين، اللهم اصرفهم عن عبادك المؤمنين، واجعل كيدهم ومكرهم فيهم وبينهم، وانصر إخواننا يا رب العالمين بما تشاء أن تنصرهم به، وإن كنا مقصرين وإن كنا مضيعين وإن كنا مهملين فلا تنظر إلى أعمالنا يا ربنا، فإننا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إمائك فانصر يا ربنا إخواننا المؤمنين، اللهم انصرهم وأعزهم وسلط على أعدائهم من يؤذيهم، وسلط عليهم من يهزمهم يا رب العالمين، واشف اللهم مرضى إخواننا، فإننا لنا مرضى في البيوت وفي المشافي وفيما بيننا فاشفنا يا ربنا إنك ولي ذلك والقادر عليه. وصلى اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #374  
قديم 14-12-2020, 03:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (59)
الحلقة (200)

تفسير سورة آل عمران (63)


بعد أن عاتب الله عز وجل المؤمنين المنهزمين في أحد، ذكر لهم أن التاريخ حافل بالأنبياء الذين قاتلوا أهل الباطل، وقاتلهم معهم أتباعهم المؤمنون، حتى قتل منهم من قتل، فما وهنوا لمصابهم في أنفسهم، وما استكانوا لعدوهم من أهل الكفر، بل صبروا وصابروا ورابطوا، وهذا هو الواجب في حق حملة العقيدة وأهل الإيمان.
تفسير قوله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث المباركات من سورة آل عمران عليهم السلام، فهيا بنا نتلوا هذه الآيات ثم نتدارسها رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة )، والله إنها لنازلة، فهل من ضجيج؟ فهل من صياح؟ فهل من صخب؟ فهل من لغط؟ فهل من ظلم؟ فهل هناك من اعتدى؟ أسألكم بالله، أليست هذه هي السكينة؟ ( وغشيتهم الرحمة )، إي والله، ( وحفتهم الملائكة )، والله إن الملائكة لتطوف بالحلقة، ( وذكرهم الله فيمن عنده )، من نحن معشر الإخوان حتى يذكرنا الله ويتحدث عنا في الملكوت الأعلى؟! إننا لو أردنا أن نحصل على هذه الجوائز بدون هذا المجلس والله ما نحصل على ذلك، حتى لو بذلنا أرواحنا وأموالنا ووجودنا كله، ولكنها منة الله وعطيته، فهو يهب ما يشاء لمن يشاء، فالحمد لله رب العالمين، فهيا بنا إلى تلاوة هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران:146]، وفي قراءة سبعية: (وكأين من نبي قُتِلَ معه ربيون كثير)، فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:146-148]، فمن أراد أن يحبه الله فليتحلى بحلية الصبر، ومن أراد حب الله فليحسن النية والعمل، إذ الله يحب الصابرين والمحسنين، فاللهم ارزقنا حبك وحب كل من يحبك، وحب كل عمل يقربنا من حبك يا رب العالمين. إن هذه الآيات خبر من أخبار العليم الخبير، وأخبار العليم الخبير لا تحتمل الصدق والكذب كأخبار الناس، إذ إن أخبار الله كلها صدق؛ لأنه ليس في حاجة إلى أن يكذب، إذ إنه غني غنىً مطلقاً، فبيده ملكوت كل شيء، فأي حاجة له إلى الكذب؟! فهو سبحانه منزه عن الكذب لاستغنائه عن الخلق مطلقاً، وهذا الخبر ذو شأن وعبر. يقول تعالى: وَكَأَيِّنْ [آل عمران:146]، أي: وكم، مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا [آل عمران:146]، بل وصبروا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]، فلمَ لا تكونون مثلهم يا أهل أحد، إذ الآيات في عتاب أهل أحد، وما زال السياق معهم، إنها معركة يعجز المرء عن وصفها، معركة يشج فيها وجه رسول الله، وتكسر رباعيته، ويقتل فيها عمه.
شؤم المعصية وأثرها على حياة الإنسان
إنها وقعة من أعظم الوقائع، وسببها معصية واحدة! فكم هي معاصي المسلمين اليوم؟! لا يحصيها إلا الله، فكيف إذاً نريد أن نعز ونكمل ونسود وننتصر؟! إن معصية واحدة يصاب بسببها أصحاب رسول الله بنكبة ومصيبة لا نضير لها، لأمر عظيم ومخوف، ونحن والله غارقون في الذنوب والمعاصي، والشرك والكفر، والضلال والجهل، وكبائر الذنوب كالربا والزنا وقتل النفس، ثم بعد ذلك نريد أن نسود ونعز وننتصر! إن هذا محال، ولذا فإنه لن يفارقنا الذل والهون والدون حتى نعود إلى الطريق السوي.إن إخواننا في البوسنة والهرسك وغيرها من البلدان ينكل بهم، فيذبحون، وتنتهك أعراض نسائهم، ويقتل أطفالهم، ثم ندعو الله عز وجل، فهل يستجاب لنا ونحن ملطخون بأوضار الذنوب والآثام؟! هل نريد أن نبدل سنن الله تعالى؟! إن سنن الله لا تتبدل ولا تتغير أبداً، قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62] . أصحاب رسول الله وهم أفضل الخلق على الإطلاق من يومهم ذاك إلى يوم القيامة، يرتكبون مخالفة واحدة فينهزمون أمام العدو، وذلك لما انهزم العدو أمامهم، وأصبح فاراً بين أيديهم، تاركاً ما لديه وما معه من سلاح ومال، فيُقبل أصحاب رسول الله على التقاط المال وجمعه، وينزلون من الجبل -جبل الرماة- الذي وضعهم فيه الرسول القائد وقال: ( لا تبرحوا أماكنكم كيفما كانت الحال والظروف ) ، فلما نزلوا من الجبل لجمع الغنائم احتل قائد قريش خالد بن الوليد رضي الله عنه الجبل، ووضع عليه الرماة، فصبوا على المسلمين البلاء، وعاد المشركون بعد الفرار، وإذا بالمسلمين بين فكي مقراظ. وهذه كانت نتيجة مخالفة واحدة، فكيف إذا كانت عشرات المخالفات؟! ومع هذا اسمع إلى الله وهو يعاتبهم فيقول: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ [آل عمران:146] أي: وكم من نبي من أنبياء الله الذين مضوا، قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران:146]، والربي معناه: الرباني المنسوب إلى الرب، إذ كل حياته موقوفة على الله عز وجل، وهم علماء وصلحاء وهداة ودعاة، قاتلوا مع النبيين وقتلوا أيضاً.
معنى قوله تعالى: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله)
قوله تعالى: فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران:146]، وإخواننا رضوان الله عليهم منهم من قال: تعالوا إلى ابن أبي ليفاوض أبا سفيان فنعود إلى دين آبائنا وأجدادنا! وصاح إبليس فيهم: مات محمد، قتل محمد، فيسمع الرسول ذلك فيقول: إليّ عباد الله، إليّ عباد الله، إليّ عباد الله، حتى رجع من رجع، والتفوا حول رسول الله. فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ [آل عمران:146]، من جراحات وقتل وغير ذلك، فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران:146]، لا في سبيل دنيا يريدونها، ولا سلطة يريدون أن ينالوها، ولا غير ذلك من ملذات هذه الحياة الدنيا، ولكن في سبيل الله فقط، من أجل أن يُعبد الله وحده، وأن يُعزَّ أولياؤه وينصر دينه ودعوته.
معنى قوله تعالى: (وما ضعفوا وما استكانوا)
وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا [آل عمران:146]، أي: ما استذلوا وما هانوا، بل بقوا كالجبال والصخور ثابتة، فهكذا يعلم الله المؤمنين بألا يضعفوا وألا يستكينوا، وقد استفادوا وتعلموا، وما أصابهم ما أصابهم في أحد إلا لحكمة وأمر عظيم أراده الله عز وجل، وقد ذكرت لكم رؤيا الشيخ محمد عبده، إذ إن بعض السامعين يقول: لماذا الشيخ يقول: كانت الهزيمة أفضل لهم من النصر؟! قلنا: رأى الشيخ محمد عبده النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو عائد من أحد ورجاله معه وهو يقول: لو خيرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة ؛ لأنهم لو انتصروا مع معصية رسول الله فإنهم يألفون المعصية، ويكفيهم أن يقولوا: نحن مسلمون، ونحن نقاتل في سبيل الله، وبالتالي فلا يضرنا شيء، ويصبحون يغنون ويشربون الخمر في المعارك، ومن ثم ينتهي أمرهم نهائياً، لكنه درسٌ من أقسى الدروس، وللأسف فقد غفل المسلمون عن هذا منذ قرون، إذ لم يتنبهوا للفرق بين المعصية والطاعة. وأقول: دلوني على بلد -باستثناء هذه البقعة- أُمر فيها بإقامة الصلاة إجباراً، هيا فليقم أحدكم ويقول: نعم، دولتنا الفلانية الصلاة فيها إلزامية للمدنيين والعسكريين، للرجال والنساء؛ لأن الصلاة عمدة الدين وعموده، ولا دين بدون صلاة! فأي معصية أكبر من ترك الصلاة، فمن شاء فليصل ومن شاء لم يصل؟! ثم هل هذا بلد إسلامي؟! وهل هذه أمة مسلمة؟! إن هذا مثال فقط لتعرفوا زلتنا، وقد قلت لكم -وإني إن شاء الله على علم-: إن لم يتدارك الله أمة الإسلام في هذه الأيام بتوبة نصوح ورجعة صادقة فقد ينزل بهم البلاء، وليس بلاء الاستعمار أبداً، بل والله لأشد من ذلك؛ لأن لله سنناً لا تتبدل ولا تتخلف، والله يمهل فقط ولكن لا يهمل، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو على هذا المنبر قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى [هود:102]، أي: المدن والحواضر والعواصم، وَهِيَ ظَالِمَةٌ [هود:102]، أي: والحال أنها ظالمة لأنفسها، إذ أعرضت عن ذكر ربها، إن أخذه أليم شديد [هود:102]، ثم قال: ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ). وفعلاً فقد أمهل الله الظالمين من المسلمين زمناً طويلاً، ثم سلط عليهم الغرب والشرق فنالوا منهم وأذلوهم وأخزوهم وداسوا كرامتهم، وليس هذا حباً في النصارى، وإنما والله تأديباً لهؤلاء المسلمين، وشاء الله أن يمتحنهم فقام العلماء والدعاة وطالبوا بالاستقلال والحرية، واستجاب الله لنا فتحررنا من اندونيسيا إلى موريتانيا، واستقلينا عن الغرب والشرق، لكن أبينا أن نعبد الله تعالى، إذ إننا فرحنا بالاستقلال، فأقمنا حفلات الاستقلال تم فيها شرب الخمر، وقول الباطل والزور، وكأننا لا نؤمن بالله ولا بلقائه، والآن نحن أذل من اليهود، فماذا بعد هذا الذل من ذل؟! إن أصحاب رسول الله -والرسول بينهم- يصابون بمصيبة عظيمة فيستشهد منهم سبعون رجلاً، ويجرح نبيهم ويكلم بسبب معصية واحدة ارتكبوها، وذلك تربية لهم حتى لا يعصوه مرة أخرى، وها هو عتاب الله لهم: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا [آل عمران:146]، كما وهنتم أنتم لما أصابهم، وما ضعفوا ولا رموا بالسلاح وهربوا وقالوا: نلتحق بـأبي سفيان، وَمَا اسْتَكَانُوا [آل عمران:146]، والاستكانة: السكون والذل والوقوف.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #375  
قديم 14-12-2020, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (والله يحب الصابرين)
قوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]، ويكره الجازعين الساقطين، وفعلاً فقد صبروا مع أنبيائهم على ما أصابهم، فما استكانوا وما ضعفوا، وما ذلوا وما هانوا، فأحبهم الله تعالى.فهيا نبدأ فنتعلم بأن نصبر، إذ لنا سنوات ونحن نصرخ بذلك فما استطعنا، وما طالبنا المسلمين أبداً بأن يحملوا السلاح ويقاتلوا، فقط عرفنا زلتنا وسقوطنا وهبوطنا، وأن لذلك سبباً عظيماً وقوياً وهو الغفلة والإعراض عن ذكر الله الناشئة عن الجهل بالله ومحابه ومساخطه، فقلنا في رسائل وكتابات: هيا يا معاشر المسلمين! نتب إلى الله تعالى ونرجع إليه، إذ إن تلك التوبة وتلك الرجعة لا تكلفنا ريالاً واحداً، بل ولا قطرة دم واحدة أبداً، وإنما فقط نوقن كما أيقن أولوا البصائر والنهى أن مصيبتنا هي الجهل بربنا ومحابه ومساخطه، ولذلك فسقنا عن أمره وخرجنا عن طاعته، وما زلت أردد -والواقع يشهد-: أروني عالماً بالله عارفاً به يتعاطى الربا والزنا وسفك الدماء، ويمزق اللحوم والأعراض، ويهمل عبادة الله، ويعرض عن ذكره، لا يوجد؛ لأنه علم، وحسبنا أن يقول الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، أيكذب الله عز وجل؟! معاذ الله!ولذلك أي قرية أنت فيها أعلمكم بالله والله لأتقاكم لله، وهذا كله من أجل أن نقرر حقيقة وهي أن الفسق والفجور والهبوط كله ناتج عن الجهل بالله، إذ ما عرفوا الله ولا محابه ولا مساخطه، ولا ما عنده لأوليائه ولا ما لديه لأعدائه، وبالتالي سهل عليهم أن يفسقوا عن أمره، ويخرجوا عن طاعته، ومن ثم انتشر الفسق والظلم والشر والفساد والبخل والشح والعناد. وقد قلت غير ما مرة: لو يخرج عمر في أي بلد إسلامي فلن يستطيع أن يهديهم إلا من طريق التعليم والعلم، إذ العصا لا تنفع، بل لابد للمسلمين أن يقادوا باسم الله إلى حيث يحب الله، إذ أمة هابطة معرضة كيف تقودها وتوجد فيها حكومة إسلامية؟! أنت واهم وتتخبط. إذاً: قد عرفنا ذنبنا، وعرفنا حالنا وضعفنا، فهيا بنا إلى العلاج والخروج من هذا المأزق، وذلك إذا مالت الشمس إلى الغروب عند الساعة السادسة يقف دولاب العمل، ولم يبق دكان مفتوح الباب، ولا مصنع فيه صانع وشغال، ولا مكتب فيه كاتب ولا عامل، وإنما الأمة في القرية أو في الحي تتوضأ وتلبس أحسن ثيابها، وتأتي بنسائها وأطفالها إلى بيت ربها، فيجلس النساء وراء الستارة، ويجلس الأبناء كالملائكة بين الرجال والنساء، وذلك بعد صلاة المغرب مباشرة كما نفعل الآن، ويجلس لهم عالم رباني من الربيين يعلمهم كتاب الله وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي ليلة واحدة يأخذون آية يترنمون بها حتى يحفظوها رجالاً وأطفالاً ونساء، ثم يشرحها لهم ويبين مراد الله منها، ويضع أيديهم على المطلوب منها، فإن كان عقيدة عقدوها فلن تنحل إلى يوم القيامة، وإن كان واجباً عرفوه وصمموا على أن يقوموا به، وإن كان نهياً عن عمل أو قول عرفوه وعزموا ألا يأتوا ما كره الله وما حرمه، وإن كان أدباً في الأكل أو في المشي أو في العطاء أو في الأخذ أو في السلوك عرفوه وتحلوا به على الفور، وهكذا فيأخذون في العلم والعمل والتطبيق والحفظ يوماً بعد يوم، ولا تمضي والله سنة واحدة إلا وأهل القرية كأنهم أصحاب رسول الله، فلا كذب ولا رياء ولا خيانة ولا نفاق ولا أي شيء من هذه القاذورات؛ لأنهم أصبحوا أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والنتيجة والله أنه لا يبقى في القرية من يجوع ويتألم لجوعه، ولا عار يتألم لعريه، ولا مظلوم مهضوم الحق بين إخوانه، وإنما يصبحون أولياء الله تعالى، وهذا لن يتحقق بالمدفع ولا بالهيدروجين ولا بالسحر ولا بالاشتراكية ولا بالمبادئ ولا بالعلمانية، وإنما يتحقق على هداية الله تعالى فقط. معاشر المستمعين! كم سنة وشيخكم يصرخ: أين العلماء؟ أين العارفون؟ أين الربانيون؟ هل بلغوا حكامنا بهذا؟ هل بينوا لهم الطريق؟ هل جمعوا أممهم؟ والجواب: لا، وظاهر واقعنا هكذا، إذ ما زلنا ننتظر محناً أخرى لا قدرة ولا طاقة لنا بها إلا من رحم الله، وكتاب: المسجد وبيت المسلم قد درسناه لمدة سنة كاملة، وهو نموذج لثلاثمائة وستين آية وحديث، وذلك بمعدل يوم آية ويوم حديث، فلو أن أهل قرية فقط اجتمعوا عليه سنة وقالوا: تعالوا زورونا لتشاهدوا أنوار الإيمان والعلم فينا، والله لزرناهم. فهل فعلنا هذا؟ بعضهم يقول: ندرسه بعد صلاة العصر مع عشرة شيوخ، أما إقبال أمة صادقة بنسائها وأطفالها في وقت فراغها وانتهاء عملها اليومي من المغرب إلى العشاء، فإن هذا ما وقع، وقد أخبرنا شخص في غرب الدنيا أنه وقع، لكن لا ندري أصدق أم لم يصدق؟ وقلنا: قد اقتدينا بالغرب في شتى الأمور، إذ إننا قد عشنا في أوروبا وفي الشرق وفي الغرب، فإذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، ورموا بالآلات، ولبسوا أحسن ثيابهم، وخرجوا بنسائهم وأطفالهم إلى المراقص ودور السينما ليروحوا على أنفسهم، فيبقون الساعات الثلاث والأربع والخمس وهم يشاهدون الباطل ويرقصون للكفر، ونحن قد اقتدينا بهم في شتى الأمور إلا في هذا الأمر، إذ إننا لم نستطع أن نغلق الدكان أو نغلق المقهى أو نوقف المطعم عند المغرب! معاشر المؤمنين! هل فيكم من ينكر هذا الكلام؟ إذاً ما الأمر؟ هل ننتظر فقط بلية من الله تعالى؟ إن الله يقول لأصحاب رسول الله مؤدباً ومربياً ومعلماً ومعاتباً: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران:146]، من جراحات وقتل، وما ضعفوا أمام أعدائهم، ولا رموا بالسلاح، ولا طالبوا بالانضمام إلى المشركين، وما استكانوا ولا ذلوا ولا ضعفوا، بل صبروا فأحبهم الله والله يحب الصابرين، ونحن ما نستطيع أن نصبر ساعة ونصف في المسجد نتعلم علم الله وهداه! وبالتالي كيف يحبنا الله تعالى؟
تفسير قوله تعالى: (وما كان قولهم إلا إن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا...)
قوله تعالى: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147]. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ [آل عمران:147]، أي: ما كان قولهم عند المصيبة والمحنة والبلاء والامتحان والاختبار إلا أن قالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147]. وهنا يروي لنا الإمام مسلم في صحيحه دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم، هذه الدعوة التي قد حفظناها وأخذنا ندعو الله تعالى بها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوة فيقول: ( رب اغفر لي خطيئتي وجهلي )، فالرسول يعترف بأن له خطيئة وجهلاً، ويسأل الله أن يغفر له خطيئته وجهله، والسطحيون من أمثالنا لا يبالون بهذا، ووالله لو نتأمل ساعة فقط لرأينا أنفسنا غارقين في الخطايا وليس في خطيئة واحدة، ولو فكرنا لعرفنا جهلنا ولو أخذنا الشهادات العالية والرفيعة وقال الناس فينا: علماء وعالمون، والله إنا لجاهلون. إذ لو عرفنا فقط ربنا لأصبحت فرائصنا ترتعد عند ذكره، ولا يخطر ببالنا الخروج عن طاعته، لكن لأننا جهال ما عرفنا، والرسول يقول: ( رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ) أي: في حياتي كلها، فهل فارقنا الإسراف عند الأكل والشرب والنوم والقعود والبناء والسيارة وعند أحوالنا كلها؟ لا يفارقها الإسراف لو كنا نشعر ونعلم ذلك. وهؤلاء الصلحاء الربانيون من قبل نبينا قالوا: وإسرافنا في أمرنا، فهل نحن نأكل أو نشرب أو ننام أو نجلس مع الناس على مقدارٍ أحبه الله تعالى؟ وهل نحن نعمل بمقادير محددة حتى تخلو من الإسراف؟ من يستطيع أن يقول: نعم؟ فلهذا نفزع إلى الله ونقول: وإسرافنا في أمرنا.وأخيراً: ( وما أنت أعلم به منا )، أي: وذنباً أنت أعلم به منا، إذ إن لنا ذنوباً الله أعلم بها منا، ولا يظهر لنا ذلك ولا نعرفه، وهي خطايا يعلمها الله العليم الحكيم. فهيا نكررها حتى نحفظها ربي اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني )، وقد وقف رسول الله بهذا الدعاء موقفاً للتواضع لم يقفه غيره، فأي تواضع أعظم من هذا؟ يقول: ( ربي اغفر لي خطيئتي ) وهو المعصوم! ( وجهلي ) وهو الذي يتلقى المعارف من الله وحياً! ( وإسرافي في أمري )، ما إسراف رسول الله؟ في طعامه؟ في شرابه؟ لا إسراف بالمرة، ولكن بموقفه وبعبوديته دون الله يخاف الله، ويخاف أن يكون قد أسرف، ( وما أنت أعلم به مني ).والآن لو يأتيني واحد فيقول: يا شيخ! والله لا تقوم من مكانك حتى نحفظ هذا الدعاء، فهل أنتم لستم في حاجة إلى هذا الدعاء؟! أقول: لو أن عبداً من عباد الله عرف وانفتح له باب المعرفة، وسمع هذا الدعاء وقال: والله لا يبرح الشيخ حتى نحفظ هذا الدعاء، فندعو به الليل والنهار، إذ إن هذه الدعوة قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بها، فيعترف بخطيئته وجهله وإسرافه وبأمور أخرى لا يعرفها إلا الله، لكان ذلك خير له في دينه ودنياه. ( ربي اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني ) ، فهذا يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأين نحن من ذلك؟ إنها ليست خطيئة واحدة ولا جهلاً واحداً ولا إسرافاً في باب واحد، وبالتالي فنحن أحق بهذا الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيام الشبيبة مع الشبيبة قلنا لهم: يا شبيبة! الرسول صلى الله عليه وسلم صلى يوماً المغرب بسورة المرسلات، وصلت وراءه أم عبد الله بن عباس، فقالت: حفظتها لما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نعطيك مليوناً إذا حفظتها كما هي، بل قد قرأناها في الألواح وكتبناها وما حفظناها! ولذلك تعجبون عندما يسمع أحدهم أغنية لفريد الأطرش أو للعاهرة الفلانية، فيحفظها الشاب بنفس اللهجة والصوت! إنه مظهر من مظاهر الهبوط، ونفسر لهم فنقول: لأن أصحاب رسول الله كانت هممهم عالية لا يعجزهم شيء، ونحن هابطون لا يقف دوننا شيء في هبوطنا. ( ربي اغفر لي خطيئتي ) فنعترف بأن لنا جهلاً، وللأسف غيرنا لا يعترف بذلك حتى يسأل الله أن يغفر له جهله! ( وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ).
تفسير قوله تعالى: (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة...)
قال تعالى: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148]. فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ [آل عمران:148]، أي: لما دعوا وتضرعوا وثبتوا أعطاهم الله ثواب الدنيا من النصر والعزة والسيادة والطهر والصفاء والسعادة، وثواب الآخرة ألا وهو الجنة دار الأبرار دار النعيم المقيم.ثم ختم العتاب بقوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148]، فمن أراد أن يمسي من أحباب الله فليحسن أولاً في عقيدته، ثم في نياته وأغراضه ونوازع نفسه، فيوجهها التوجيه الذي يرضى الله به، ويحسن في أعماله ومشيته وتناوله للطعام فضلاً عن صلاته ووقوفه في ميادين الجهاد، فيؤدي العمل بالإتقان والجودة والإحسان، فلا عبث ولا لهو لا باطل، وهؤلاء يحبهم الله، وكل هذا يعود إلى أن أعمالهم التي أحسنوها أنتجت لهم الطاقة وأوجدت لهم النور، فزكت أرواحهم، وطابت نفوسهم، فأحبهم الله لطهارة أرواحهم، إذ الله طيب لا يقبل إلا طيباً. والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما درسنا ونسمع، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #376  
قديم 16-12-2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (60)
الحلقة (201)

تفسير سورة آل عمران (64)


عاتب الله عباده المؤمنين على انهزامهم يوم أحد وانكشافهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وسط المعركة، وذكر لهم سبحانه حال أتباع الأنبياء السابقين من العلماء والصالحين الذين صبروا على القتال مع أنبيائهم وما وهنوا ولا ضعفوا ولا استكانوا لعدوهم، ثم بين لهم سبحانه ما كان يجب عليهم من التضرع إلى ربهم وطلب مغفرة ذنوبهم ونصرهم على عدوهم،
كما فعل من كان قبلهم من أتباع الأنبياء.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، الحمد لله أن أهلنا لذلك وجعلنا من أهله.معاشر المستمعين والمستمعات! الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس ما استوفينا دراستها من الكتاب، فهيا نعيد تلاوتها أولاً ثم ندرسها كما هي في الشرح، ثم نذكر فوائدها أو هداياتها التي رزقنا الله عز وجل، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:146-148].
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين والمؤمنات: [ معنى الآيات: ما زال السياق في الحديث عن أحداث غزوة أحد ] أي: ما زال سياق القرآن في الحديث عن أحداث غزوة أحد، وقد عايشناها [ فذكر الله تعالى هنا ما هو في تمام عتابه للمؤمنين في الآيات السابقة، عتابه لهم عن عدم صبرهم وعن انهزامهم وعن تخليهم عن نبيهم في وسط المعركة وحده حتى ناداهم: إليّ عباد الله، إليّ عباد الله، فثاب إليه رجال ] أي: فرجع إليه رجال بعد فرارهم وتشتت جمعهم. [ فقال تعالى مخبراً بما يكون عظة للمؤمنين وعبرة لهم: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ [آل عمران:146]، أي: وكم من نبي من الأنبياء السابقين قاتل معه جمهور كثيرة من العلماء والأتقياء والصالحين، فَمَا وَهَنُوا [آل عمران:146]، أي: ما ضعفوا ولا ذلوا لعدوهم، ولا خضعوا له كما همَّ بعضكم أن يفعل أيها المؤمنون، فصبروا على القتال مع أنبيائهم متحملين آلام القتل والجرح، فأحبهم ربهم تعالى لذلك لأنه يحب الصابرين ] أي: صبروا فأحبهم الله تعالى؛ لأنه تعالى يحب الصابرين. [ هذا ما تضمنته الآية الأولى، ونصها: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]. وأما الآية الثانية فأخبر تعالى فيها عن موقف أولئك الربانيين وحالهم أثناء الجهاد في سبيله تعالى، فقال: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ [آل عمران:147] ] أي: الذي قالوه، قال: [ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147] ] وهذا الذي كان يجب على أصحاب رسول الله أن يقولوه كما قاله أصحاب الأنبياء من قبل، ولكنهم فتنوا، فهو يعلمنا كيف نقول إذا وقعنا فيما وقع فيه إخواننا مرة أخرى. [ ولازم هذا كأنه تعالى يقول للمؤمنين: لمَ لا تكونوا أنتم مثلهم وتقولوا قولتهم الحسنة الكريمة، وهي الضراعة لله بدعائه واستغفاره لذنوبهم الصغيرة والكبيرة، والتي كثيراً ما تكون سبباً للهزائم وللانتكاسات كما حصل لكم أيها المؤمنون، فلم يكن لأولئك الربانيين من قول سوى قولهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147]، فسألوا الله تعالى مغفرة ذنوبهم، وتثبيت أقدامهم في أرض المعركة حتى لا يتزلزلوا فينهزموا، والنصر على القوم الكافرين أعداء الله وأعدائهم، فاستجاب لهم ربهم فأعطاهم ما سألوه، وهو ثواب الدنيا بالنصر والتمكين، وحسن ثواب الآخرة وهي رضوانه الذي أحله عليهم وهم في الجنة دار المتقين والأبرار، هذا ما دلت عليه الآية الأخيرة: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148] ].
الإحسان ثلث الدين الإسلامي
والإحسان ثلث الدين الإسلامي، إذ الدين الإسلامي بعقائده وعباداته وقضائه وأحكامه وشرائعه وآدابه وأخلاقه ثلاثة أجزاء: الجزء الأول: الإيمان، والثاني: الإسلام، والثالث: الإحسان، ففي حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم في حلقة العلم عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال: أخبرني عن الإسلام؟ أخبرني عن الإيمان؟ أخبرني عن الإحسان؟ فجعل الإحسان ثلث هذا الدين، وشيء آخر نعلمه وهو أن الإيمان والإسلام إذا فقدا الإحسان فليس لهما قيمة. ويدلك بوضوح على ذلك أنه إذا توضأ أحدنا ولم يحسن وضوءه فإن وضوءه باطل وصلاته باطلة، أو صلى ولم يحسن صلاته فيقول له الفقيه: صلاتك باطلة، أو حج أو اعتمر ولم يحسن أداء حجه أو عمرته فيقول له الفقيه: حجك باطل وعمرتك باطلة، إذاً ما الإحسان؟ العجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب إجابة لا يرقى إليها سواه، إذ قال له جبريل: ( أخبرني عن الإحسان؟ فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت )، إذاً فالإحسان أن تعبد الله، فالمتوضئ يعبد الله بالوضوء، والمصلي يعبد الله بالصلاة، والصائم يعبد الله بالصيام، والمتصدق يعبد الله بالصدقة، وتالي القرآن يعبد الله بتلاوته، وبالتالي فكل هذه العبادات لا يستطيع المرء أن يحسن أداءها إلا إذا كان يراقب الله تعالى عندها، فإذا راقب الله تعالى عند وضوئه وكأنه بين يدي الله، أو صلى وكأنه أمام الله، أو جاهد أو رابط في سبيل الله، أو قال قولاً، أو فعل فعلاً، وهو كأنه بين يدي الله، فإن مثل هذا لا يخطئ ولا ينقص من العبادة ولا يزيد فيها، وبذلك يكون قد أحسن أداءها؛ فإذا أحسن أداءها أنتجت له النور المطلوب، أي: الحسنات المطهرة للنفس والمزكية لها، فإن عجز على أن يكون في صلاته أو في عبادته كأنه ينظر إلى الله وهو بين يديه، فعلى الأقل ينتقل إلى المرتبة الثانية وهي أن يؤدي العبادة وهو يعلم أن الله ينظر إليه.إذاً: هما درجتان: دنيا، وعليا، فالعليا: أن تعبد الله بما تعبده به وكأنك تراه، وفي هذه الحال لا يمكن أن يسيء عبادته أبداً، فإن عجز عن هذه المرتبة العليا ينزل إلى الدنيا وهي: أن يعلم أن الله ينظر إليه وهو يتوضأ أو يصلي أو يزكي أو يصوم أو يحج، فإذا كان عبد الله أو أمته بهذه الحال والله سيحسن عبادته، وسيتقنها ويجودها، حتى تثمر له ثمرتها، وذلكم هو النور الذي يطهر النفس ويزكيها.إذاً: إذا لم يحسن العبد في إيمانه ما أفاده، وإذا لم يحسن في إسلامه ما ينتفع به، ولهذا الإحسان هو الجزء الثالث من أجزاء الدين الإسلامي، والجزءان قبله مفتقران إليه، فلا ينفعان إذا لم يكن معهما إحسان، وفوق ذلك: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148]، وقد عرفنا من قبل لم يحب الله المحسنين؟ لا تفهمن من الإحسان ذاك الذي يوزع الريالات، أو آصع التمر أو الدقيق، إن ذاك محسن عند العامة، أما المحسن الذي يحبه الله فذاك الذي يحسن في عبادة الله، ويؤديها أداء سليماً صحيحاً موافقاً لما شرع وبين، وبذلك ينتج له النور، فتطهر نفسه وتزكو والله يحب الطاهرين، وهذا هو السر في محبة الله تعالى للمحسنين، إذ إن هو الإحسان تجويد العبادة وإتقانها، وأداؤها على الوجه المطلوب حتى تنتج زكاة النفس وطهارتها، فمن زكت نفسه وطابت وطهرت والله ليحبه الله، وهو المحبوب لله.أما أصحاب الأرواح الخبيثة والأنفس المنتنة العفنة فهؤلاء قد حكم تعالى بخسرانهم، ولن يرضى أبداً أن يجاوروه أو ينزلوا بجنات النعيم في جواره، قال تعالى حاكماً في ذلك: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فهذا حكم الله تعالى ولا معقب بعده، إذ نفى تعالى إذا حكم أن يعقب على حكمه أحد، قال تعالى من سورة الرعد من خاتمتها: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #377  
قديم 16-12-2020, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

طاعة الله ورسوله ضمان لمرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة
ولهذا على من يرغب في جوار الله ومواكبة المواكب الأربعة، فليطع الله والرسول فقط، قال تعالى في سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، يعني: محمداً، فَأُوْلَئِكَ [النساء:69]، أي: المطيعين، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، فمن أراد أن يكون مع هذه المواكب النورانية فليطع الله والرسول فقط، ولم يقل: يخرج من ماله كله، ولا أن يطلق امرأته، ولذلك قال: (ومن)، و(من) هي من ألفاظ العموم، فيدخل فيه الذكر والأنثى، والأبيض والأسود، والفقير والغني، في الأولين والآخرين، بل قل ما شئت، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69]، أي: المطيعين، مع من؟ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بماذا أنعم عليهم؟ برضوانه وبحبه وبجواره، مِنَ النَّبِيِّينَ ، وهذا هو الموكب الأول، وَالصِّدِّيقِينَ ، الموكب الثاني، وَالشُّهَدَاءِ ، الموكب الثالث، وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، الموكب الرابع.وبالتالي فيمكننا أن نكون من المواكب الثلاثة الأخيرة، فلنفرح ولنستبشر، فأولاً: في إمكاننا أن نكون من الصديقين، وأنا أرجو -ورجائي كبير- أنني منهم، ولا تقولوا: الشيخ يمدح نفسه، لا، أنا أشجعكم فقط، فإن قيل كيف ذلك؟ أقول: ذلك سهل، كونك طول حياتك لم تكذب كذبة واحدة، أرجو أن تكون من الصديقين، فإن قلت: أنا إلى الآن قد كذبت أكثر من ألف كذبة! فكيف الخلاص من ذلك؟ أقول لك: من الآن ابدأ حياتك بالصدق، اختم حياتك بالصدق تسجل في الصديقين؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ويربي: ( عليكم بالصدق )، أي: الزموه، ثم قال: ( فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة )، إي والله، ( ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )، فأي مانع من أن نصبح صديقين؟ هل يستطيع أحد أن يقول: يا شيخ! لقد استفدنا من الكذب؟! إنه لا فائدة أبداً من الكذب، وإنما هو خزي وذل وعار وفتنة في النفس.إذاً: هيا نستجب لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: ( عليكم بالصدق )، أي: الزموا الصدق يا عباد الله، لمَ يا رسول الله؟ قال: ( فإن الصدق يهدي إلى البر )، أي: يقود إلى البر، ( وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال المرء )، رجلاً كان أو امرأة، ( يصدق ويتحرى الصدق ) أي: يطلب الصدق ويتحراه في كل أعماله وأقواله وأحاديثه، بل ونياته ظاهراً وباطناً، ( حتى يكتب عند الله صديقاً ) أي: يُعلن أن فلاناً ابن فلان قد تحرى الصدق عشرين عاماً أو ثلاث سنوات أو كذا من السنين، وقد سُجِّل اسمه في ديوان الصديقين، وأصبح من جماعة أبي بكر الصديق.وكما قلت لكم: إذا فات من العمر كذا سنة، وما انتبهنا أو ما وجدنا من يعلمنا ذلك، فمن الليلة لا نكذب أبداً، لا مع المرأة ولا مع الولد، لا مع الظالم ولا مع الحليم، وإنما نتحرى الصدق في كل أحوالنا. ثانياً: في إمكاننا أيضاً أن نكون مع الشهداء، وليس معنى ذلك أن نمشي إلى البوسنة والهرسك أو إلى غيرها من البلدان التي احتلها العدو؛ لأن شيخنا ما قال: هذا جهاد، إذ أين الإمام الذي نجاهد تحت رايته؟ لقد عجزنا عن بيعة إمام فكيف نستطيع أن نقاتل وننتصر؟! إن كل قتال في الإسلام لم يكن تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ببيعة إمام صالح، نصبح معه إذا قال: قولوا: الله أكبر، قلناها لا خلاف بيننا، لا يُعتبر جهاداً وأهله ما هم بالشهداء، وهذا الكلام إذا سمعه المتحمسون -الذين يقولون: الحكام كفار فلنخرج عليهم- ينكرون ذلك أشد الإنكار، وهم في الحقيقة ينتحرون كالمساكين، ودماؤهم تسيل في الشرق والغرب، بل وما ظهروا في بلد إلا أطفئوا نور الله فيه والعياذ بالله؛ لأنهم ما ذاقوا طعم لا إله إلا الله ولا عرفوا معناها.وهذا مثال محسوس على ذلك: جهادنا في الأفغان، عشر سنوات والشيخ على هذا الكرسي يدعوكم إلى أنه يجب ألا يراك الله يا عبد الله في غير هذا الجهاد، إما بنفسك إن قدرت، أو بمالك إن كان لك مال، أو بدعوة إخوانك ليجاهدوا، أو بدعائك للمجاهدين، ومع هذا نقول: إنه جهاد وفيه دخن، فيغضب الذين لا بصيرة ولا نور لهم، ويقولون: كيف يقول: إن فيه دخناً؟! والجواب: لأنهم ما اجتمعوا تحت راية واحدة، ما استطاعوا أن يبايعوا واحداً منهم، إذ إن كلاً منهم يريد الرياسة، فتقاتلنا ونحن أحزاب وجماعات، فهل تتخلف سنة الله من أجل بكائنا أو بكاء نسائنا أو صدقاتهم؟كما قد ذكرت لكم أنه يأتيني كيساً من اليمن كله فضة لصالح الجهاد الأفغاني، وأم أولادي رحمة الله عليها تخلع ذهبها مرتين وتتصدق به على الجهاد في الأفغان، فنشتريه منها ونرده لها، بل شاركت أمة الإسلام كلها وخاصة هذه الديار في ذلك الجهاد، فهل ارتفعت راية لا إله إلا الله؟! وهل أقيم شرع الله؟! وهل تلاقى أولياء الله وتحابوا وتعانقوا؟! لا، إذاً ما هو السر؟ أو ليس عندنا بصيرة؟ بالله الذي لا إله غيره، إن سر هذا الانكسار والهبوط هو أنهم ما قاتلوا تحت راية واحدة يحملها إمام رباني بايعوه في الشرق والغرب، إذ كل قتال من هذا النوع مآله الخسران، ولله سنناً لن تتخلف ولن تتبدل أبداً، فإخواننا في البوسنة والهرسك يقتلون ويذبحون ويشردون من ديارهم، ولو كنا مؤمنين لاجتمع حكامنا في الروضة بعد صلاة الجمعة وبايعوا إماماً للمسلمين، وتحولت تلك الدويلات الإسلامية إلى ولايات ربانية، فيطبق فيها شرع الله كاملاً، وحينئذٍ إذا قال الإمام: الله أكبر، حيِّ على الجهاد، انقادت الأمة لذلك، فإذا غزونا وفتحنا فإنها تُرفع راية لا إله إلا الله، ويُعبد الله عز وجل.أما قتال من أجل الوطنية والتراب والطين فلا ينفع أبداً، وفي أيام الاستعمار -وإن كنتم تغضبون- كان الإسلام في مستعمرات فرنسا وبريطانيا أحسن مليون مرة منه اليوم، ولذا يا أبنائي أنتم أحداث ما عرفتم هذا، ووالله لأيام الاستعمار كان الإسلام فيها أرفع منه اليوم، بل وأظهر وأكثر، والسر والعلة في ذلك: أننا ما قاتلنا باسم الله، ومن أجل إقامة دين الله، وإنما قاتلنا لتحرير البلاد، لتحرير الوطن، فلما تحرر أعرضنا عن الله، وما استطاع إقليم واحد من المتحررين -من باكستان إلى المغرب- أن يقيموا الصلاة فقط، بمعنى: أن يلزموا المسلمين بإقام الصلاة، إذ إنها أول فريضة فرضت في الإسلام، فإذا أُهملت ولم يلتفت إليها فمستحيل أن يوجد طهر وصفاء، بل لا بد من الخبث والظلم والشر والفساد. كذلك إخواننا في فلسطين، كم نتحسر ونتألم عليهم، إذ لو ألهمهم الله فبايعوا إماماً منهم منذ خمسة وأربعين سنة، والتفوا حول رايته وعبدوا الله، وأعطوا قلوبهم لله، وتجمعوا في مكان ما، وخاضوا المعركة باسم الله، والله الذي لا إله غيره لنصرهم الله، ولأقاموا دولة الإسلام في فلسطين، ولنشروا ظلها في باقي البلاد العربية التي لا تطبق شرع الله، ولن يتخلف وعد الله، أما بدون هذه النية وهذا القصد وهذه المعرفة فلا ينصرنا الله أبداً.ولو أن العرب انتصروا على اليهود في تلك الحروب التي شنوها لهبط الإسلام إلى أسفل الأرض، ولا ما بقي من يجرؤ أن يقول: الإسلام والمسلمون، لكن رحمة الله وولايته لأوليائه ما نصرنا ونحن فسقة فجرة، ظلمة بعيدين عن رحمة الله، إذ لو نصر الله العروبة عندما كانت تصول وتجول، لأصبح لا مجال لأن يقال: باسم الله، والجهاد من أجل إعلاء كلمة الله؛ لأنهم انتصروا بقوتهم، فقد كانوا يقولون: قوتنا الضاربة، ويتبجحون في كل مكان، لكن من لطف الله، ومن تدبير العزيز الحكيم أنه أذلهم لحفنة من اليهود، وذلك لتتجلى حكمة الله عز وجل، ويفتح باب التوبة، ولكن ما تابوا وما عرفوا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.وقد قلتها أمس: يا عباد الله! إننا تحت النظارة، إن ربنا لبالمرصاد، فإما أن نستقيم كما أراد الله لنا ذلك على منهج الحق فنعبد الله عز وجل بمحابه فعلاً وبمكارهه تركاً، وإما أننا فقط ننتظر ساعة ينزل فيها البلاء علينا جميعاً، أحب من أحب، وكره من كره، والصالحون ينزل بهم ما ينزل بإخوانهم من العذاب والبلاء، لكن لا يحرمهم الله أجر إيمانهم وصالح أعمالهم، فيرفع الله درجاتهم يوم القيامة.ومن قال: كيف تقول هذا يا شيخ مع وجود هذه الصحوة فينا؟ قلنا: أيام تسلطت علينا فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وهولدنا وبريطانيا، لم يكن المسلمون أسوأ حالاً من مثل هذه، فلم يكن فيهم فسق وفجور بهذه الطريقة، والتكالب على الدنيا وأوساخها، بل كان فيهم حياء وشهامة وكرامة وإيمان، مع ما فيهم من الضلال والجهل والفساد، فسلط الله عليهم الأعداء ليؤدبهم، والآن أوضاع المسلمين مع ما آتاهم الله من هذه الاتصالات وهذه الخيرات وهذا العلم الحديث، المفروض أن يتبدلوا في أربعة وعشرين ساعة، فيصبحون كلهم أولياء الله، وكلمتهم واحدة، وعند ذلك اتحدت البلاد والأصوات، وما أصبحت انقسامات ولا تباعدات.فهم تحت النظارة، وقد سئل أحدهم: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد، فهو يمهل ولا يهمل، قالها أبو القاسم على منبره كما سمعتموها البارحة: ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )، وقرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، فهيا عجلوا بالتوبة، وخفوا من الذنوب والآثام.
هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ من هداية الآيات: أولاً: الترغيب في الائتساء بالصالحين ] وقد رغبنا الله في هذه الآيات بأن نتأسى ونقتدي بالصالحين، ونحاول أن نكون مثلهم [ الترغيب في الائتساء بالصالحين، في إيمانهم وجهادهم وصبرهم وحسن أقوالهم ] أيضاً، وأُخِذت هذه الهداية من قول الله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:146-147]، وكأن الله قال: كونوا كهؤلاء الربانيين أيها المسلمون! فقد كانوا هكذا مع أنبيائهم، فلمَ لا تتأسوا وتقتدوا بهم؟!ونحن قد جعل الله لنا رسولنا أسوتنا فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فيجب أن نتأسى برسولنا عليه الصلاة والسلام، فإذا جعنا فلا نسرق ولا نكذب ولا نخون، وإنما نربط الحجارة على بطوننا ونشدها بإزار كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا سببنا أو شتمنا أو عيّرنا أو هزئ بنا أو سخر منا، فلنصبر كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قاتلونا نقاتل، وإن جرحنا وإن قتلنا نصبر كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إن الدماء -في إحدى المعارك- كانت تسيل من وجهه وهو يقول: ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ).كما نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدق، إذ والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، وأيضاً نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في الشورى، فقد استشار رجاله وأخذ برأي الأكثرية في غزوة أحد، ثم إنهم خافوا وارتعدت فرائصهم، وقالوا: حملنا الرسول على هذا، فقال تلك المقولة المشهورة: ( ما كان لنبي أن يضع لأمته عن رأسه حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ).كذلك نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في النوم، كيف كان ينام؟ هل ينام وعاهرة تغني عند رأسه؟! كيف كان يأكل؟ كيف كان يشرب؟ ولذا يجب أن يكون صورة حية أمام أعيننا نتأسى بها ونقتدي، ومن لم يعرف يسأل: يا شيخ! كيف كان ينام الرسول؟ يا شيخ! كيف كان يتوضأ الرسول؟ كيف كان يتناول الرسول صلى الله عليه وسلم طعامه؟ بم يبدأ؟ كيف ينهي طعامه؟ إذا أراد أن يركب على دابته كيف كان يركب؟ قال: [ ثانياً: فضيلة الصبر والإحسان، وذلك لحب الله تعالى الصابرين والمحسنين ] والصبر: حبس النفس وهي كارهة -وقد يأكلها العويل والصياح- على طاعة الله، ولا يسمح لها أبداً أن تفرط في ذلك، فيبعدها كل البعد عن المعاصي والذنوب والآثام، فإذا أصابها الله بمرض أو بعذاب فإنها تلجأ إلى الله تعالى، ولا يسمع منها إلا: إنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا قضاء الله وحكمه، والحمد الله على كل حال، ولا تتململ أو تتضجر أو تسخط، وهذه مواطن الصبر الثلاثة، أي: حبسها على الطاعة حتى لا تفارقها، وحبسها بعيدة عن المعاصي حتى لا ترتكبها، وحبسها على قضاء الله وقدره، فإذا سئلت وأنت مريض: كيف حالك؟ فقل: الحمد لله، ولا تتضجر ولا تسخط ولا تتململ، وكذلك إن كنت جائعاً.وقد ذكرت لكم قصة لأحد الإخوان، إذ إنه كان يقول: أنا أعرف متى يكون عبد الرحمن مختار لم يتغد أو لم يتعش، فقالوا له: كيف ذلك؟ قال: نسأله: كيف حالك؟ فيجيب: إني في خير، إني في نعمة، الحمد لله، وهو والله ما تغدى ولا تعشى! ويُعرف إذا كان مبتلى أو مصاباً والألم في نفسه، إذ إنه يفزع إلى الله تعالى فيقول: الحمد لله، الحمد لله، هذا إفضال الله وإحسانه إلينا، إننا في خير، إننا في نعمة! وهذا هو شأن الصابرين، ولا يقول: نحن لم نأكل، نحن في بلاء، نحن في شقاء! وأعطيكم صورة من الواقع: جماعتنا في المملكة إذا درس أحدهم وتخرج من الجامعة وما وجد وظيفة، فإنه يأخذ في سب وشتم وبغض الحكومة؛ لأنه لم يجد عملاً، وآخر ما قبل ولده في الجامعة أو في المدرسة، فبدل أن يقول: قضاء الله وقدره، يأخذ في السبب والشتم والبغض لهذه الجامعة أو المدرسة! فكون ما نجحت تجارتك أو ما أفلحت في تعلمك تأخذ في السب والشتم والصياح والضجيج، فهل هذا هو الإيمان والصبر؟! إذا كنت في المعركة والدماء تسيل هل تكون كالربانيين؟ والله ما تكون مثلهم، الذين قالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147].والحقيقة هي أننا ما ربينا في حجور الصالحين، وأحلف لكم بالله، الذي ما يتربى منذ طفولته في حجر صالح وصالحة لا ينمو على الطهر والصفاء، وإنما يكبر ويتعلم وهو هائج، وأدنى شيء أن ينكشف كل عواره.فهيا نربي أولادنا على الكتاب والسنة، ولا نتركهم للتلفاز واللعب واللهو فيشبون على الانحراف والبعد عن الله تعالى.[ ثالثاً: فضيلة الاشتغال بالذكر والدعاء عند المصائب والشدائد بدل التأوهات وإبداء التحسرات والتمنيات، وشرٌ من ذلك: التسخط والتضجر والبكاء والعويل ] فعندما ترى أخاك يكثر من ذكر الله ويدعو فاعرف أنه مصاب، إذ إن الذكر والدعاء يكون عند المصائب والشدائد، وذلك بدل: آه! ما هذا؟ كيف هذه الحياة؟ ماذا نصنع؟ هذه البلاد كذا! هذه الأمة كذا! فهل هذا يليق بالمؤمن؟ بمن عرف الله ولقاءه؟ لا لوم؛ لأننا ما ربينا في حجور الصالحين، إذ الذين تربوا في حجور الصالحين إذا مرضوا أو جاعوا أو تعبوا، لا يفزعون إلا إلى الله، فلا تصدر منهم كلمة سوء، ولا نظرة باطلة، ولا حركة غير معقولة ولا غير مقبولة.[ رابعاً: كرم الله تعالى المتجلي الظاهر في استجابة دعاء عباده الصالحين الصابرين المحسنين ]، قال تعالى: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [آل عمران:148]، أي: تثبيت أقدامهم ونصرهم على أعدائهم، وهذا في الدنيا، وأما في الدار الآخرة فلا تسأل، إذ إنها جنات النعيم، قال تعالى: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148].معاشر المؤمنين! استفدنا من دعاء الربانيين: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147]، بحديث مسلم: ( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني )، فعندما نتأمل هذه الدعوة نجد أنها أحاطت بكل الذنوب فلم تترك شيئاً.فـ(اللهم) معناها: يا الله، وحذفت ياء النداء لأن الله قريب، قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، وقال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، وحذفت ياء النداء وعوض عنها بالميم العظيمة، فبدل أن تقول: يا الله، قل: اللهم، وهذا خاص بالله عز وجل، ولا يعرف إلا مع الله عز وجل.ولفظ: (الخطيئة) في الحديث تشمل كل معصية وكل زلة تزلها أقدامنا، وقوله: (وجهلي)، لو قرأت سبعين سنة فإياك أن تفهم أنك قد علمت، فهذا موسى الكليم عليه الصلاة والسلام يخطب في جمع من بني إسرائيل، فانبهر الناس واندهشوا، فقام شاب من شبيبتهم فقال: هل يوجد من هو أعلم منك يا موسى؟ فقال: لا، فأوحى الله تعالى إليه: بلى، إن عبداً لنا يقال له: الخضر هو أعلم منك، فما كان من موسى الرسول النبي الكريم إلا أن أصبح تلميذاً، وترك الولاية والحكم والدولة وأخذ يتعلم -واقرءوا سورة الكهف- فقال لربه: يا رب! دلني عليه حتى أتعلم منه، فقال الله له: خذ طعامك وشرابك، وخذ تلميذك أو مولاك يوشع بن نون واطلبوه في المكان الفلاني، فمشوا ثم وجدوه، فقال له موسى: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [الكهف:66]، وما قال: أنا موسى، أنا ملك ورسول بني إسرائيل فعلمني! لا، وإنما قال له: من فضلك، هل تسمح لي أن أتعلم منك؟ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف:67]، قال: وكيف لا أصبر وأنا أريد أن أتعلم؟! فمشى معه ليالي وأياماً، وفي أثنائها ركبوا البحار وانتقلوا إلى بلاد أخرى طلباً للعلم. ورسولنا أيضاً عوتب مرة ثانية، وذلك لما سألوه عن شيء فقال: غداً أجيبكم، ولم يقل: إن شاء الله، فعاتبه الله بانقطاع الوحي نصف شهر أو خمسة عشر يوماً، ثم نزل قوله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24]، أي: إلا أن تقول: إن شاء الله، فما تركها حتى مات صلى الله عليه وسلم، إذ كل شيء في المستقبل لا بد أن تقول: إن شاء الله، والعوام عندنا قد أخذوا بهذا حتى في الماضي، فيقال لأحدهم: هل تغديت أم لا؟ فيقول: إن شاء الله، هل صليتم المغرب؟ فيقول: إن شاء الله، فكيف تقول: إن شاء الله وقد صليناها؟! لكن هو أحسن من طلبة العلم ومن العلماء الذين لا يقولون: إن شاء الله، إذ إنه يقول: إن شاء الله دائماً في المستقبل وفي الماضي، والذي يدعي العلم ما يقول: إن شاء الله. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #378  
قديم 16-12-2020, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (61)
الحلقة (202)

تفسير سورة آل عمران (65)


حذر الله عز وجل عباده المؤمنين من طاعة الذين كفروا؛ لأن مآل طاعتهم الردة عن دين الله، وتنكب طريق الحق، وفي ذلك الخسران المبين في الدنيا والآخرة، وإنما الواجب مجاهدتهم وقتالهم، وقد وعد الله عباده المؤمنين حينذاك بنصرهم على عدوهم، وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، لإعراضهم عن الله، وكفرهم به، ومحاربتهم لأوليائه.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا نتلوا هذه الآيات عدة مرات ثم نتدارسها؛ رجاء أن نعلم ما أراده الله منا أن نعلمه، وأن نعمل بما أراده الله منا أن نعمله؛ لنظفر إن شاء الله بجائزة العلم والعمل، وتلاوة هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:149-151].
الحكمة من مناداة الله لعباده المؤمنين
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا النداء الإلهي الكريم موجه إلى المؤمنين؛ إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:149]، أي: يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، وقد علم الأبناء والإخوان أن الله ينادي المؤمنين لأنهم أحياء يسمعون ويعون، يفهمون ويفقهون، أما الأموات فلا يناديهم؛ لأن الله حكيم، والحكيم لا ينادي ميتاً، وإنما الذي يُنادى حي يسمع النداء ويجيب الدعاء.كما قد علمتم -زادكم الله علماً- أن الله تعالى نادى المؤمنين في كتابه القرآن الكريم تسعين نداءً، فيناديهم ليأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم إن هم عملوا به، أو يناديهم لينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم إن هم لم يستجيبوا، أو يناديهم ليبشرهم فتنشرح صدورهم وتطمئن قلوبهم وينطلقون في ميادين الخير والعمل، أو يناديهم ليحذرهم من عواقب الانحراف والخلاف والخروج عن منهج الحق؛ حتى لا يخسروا وينهزموا، أو يناديهم ليعلمهم ما ينفعهم أو ما به كمالهم وسعادتهم.فهذه خمس رحمات ربانية أوصاها لعباده المؤمنين، فلا يناديهم إلا لواحد من هذه الخمسة؛ لأنه وليهم، والولي لا يهمل أولياءه أبداً.
نهي الله للمؤمنين عن طاعة الكافرين
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149]، فهو ينهاهم عن طاعة الكافرين حتى لا يخسروا دنياهم وأخراهم، وذلك لأنه وليهم ومولاهم.معشر المستمعين والمستمعات! ما زال السياق في معركة أحد، وفي التأنيب والعتاب والتأديب والتوجيه لأولئك المؤمنين الربانيين، حيث أصابتهم مصيبة، فها هو تعالى يقول لهم: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:149]، وهم المنافقون الذين كانوا معهم، والكافرون الذين كانوا مع ابن أبي ابن سلول وأبا سفيان في المعركة؛ لأنهم قالوا: هيا بنا نعود إلى دين آبائنا وأجدادنا، وننتهي من هذه الإحن والمحن! وقالوا: من يذهب إلى ابن أبي فيتوسط لنا عند أبي سفيان ونعود إلى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا.المهم اقتراحات قدمت لهم وسمعت، فأنقذ الله أولياءه على الفور، وأنزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149]، أي: ترجعون إلى الجاهلية الأولى، وتتجرعون غصصها، وتذوقون خسرانها في الدنيا والآخرة.إذاً: حذرهم ونهاهم أن يسمعوا أقوال المبطلين من الكافرين، ولنعلم يقيناً أن هذا التوجيه الإلهي، وهذا الإرشاد الرباني، وهذا التعليم الرحماني، ليس خاصاً بوقعة أحد وبأصحابها، وإنما هذا التوجيه إلى أن تطلع الشمس من مغربها، إلى أن يغلق باب التوبة ويستقر الوضع، فالمؤمن مؤمن والكافر كافر، والسعيد سعيد، والشقي شقي، فعلى الأفراد والجماعات والحكومات والمسئولين من المسلمين ألا يطيعوا الكافرين، سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو بوذيين أو علمانيين أو شيوعيين أو مجوسيين، إذ إن طاعتهم تتنافى مع طاعة الرحمن.وأزيدكم بياناً: والله إن الأعداء ما يريدون سعادتنا ولا عزنا ولا كمالنا ولا غنانا ولا علونا أبداً؛ لأن خالق قلوبهم وطبائعهم قد أخبرنا بهذا، وإن شئت فاخل بواحد منهم وقل له: اصدقني القول، هل تريدون للمسلمين أن تعلو رايتهم، وترتفع كلمتهم وسلطانهم، وأن ينتصروا في دينهم ودنياهم؟ يقول لك: والله ما نريد ذلك أبداً؛ لحسدهم وبغيهم، فهم يعرفون أن الإسلام مفتاح دار السعادة، والذي منعهم من أن يدخلوا فيه وينعموا برحمة الله فيه أنهم يريدون أن يحافظوا على مراكزهم ومناصبهم وسيادتهم وما إلى ذلك، فهذا هرقل يعلنها فيقول: لو علمت أنني أخلص إلى محمد لغسلت ما تحت قدميه؛ لأنه عرف أنه النبي المنتظر، وأن هؤلاء هم المؤمنون أهل الجنة، وما منعه أن ينزل من على سرير ملكه إلا حبه للملك والسلطان.إذاً: إياك أن تطلب النصح أو الإرشاد من كافر، سواء كان ابن عمك أو أباك أو أخاك، أبيضاً أو أسود؛ لأن الكافر ميت، فكيف تسترشد بميت؟! ثم إن الكافر ضد المؤمن ضداً كاملاً، فكيف ينصح لك وتقبل نصيحته، وقد تقدم نداء آخر وهو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118]، أي: أحبوا ما يشقيكم ويرديكم، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].يؤتى بنصراني من الحيرة ليكون كاتباً لـعمر فيرفضه، والكفار اليوم هم الذين يوجهون ويرشدون ويبينون الطريق خمسين سنة! فهل عز المسلمون وسادوا؟! وهل استغنوا وارتفعوا؟! وهل نفعت استشاراتهم وتوجيهاتهم وإرشاداتهم؟! والجواب: لا، إذ إن العالم الإسلامي الآن يعيش في ذلة ومسكنة وضعف أيضاً، والحفنة من اليهود تسود العالم الإسلامي وتتسلط، سواء علناً أو سراً.وعلى كل حال نحن لسنا مع اليهود ولا مع النصارى في ديارنا الطاهرة، لكن إخواننا الموجودون في مصر والشام وأوروبا والبلاد التي فيها كفار ننصح لهم ألا يستشيروا كافراً، بل لهم أن يستشيروا زوجاتهم أو إخوانهم من المؤمنين، أما أن تستشير الكافرين فلن ينصحوا لك أبداً، ولن يوجهوك إلا إلى ما فيه الشقاوة والتعاسة لك، فاستغن بالله تعالى، ومن استغنى بالله أغناه الله، ثم هل انعدم الصلحاء والربانيون بيننا؟ والجواب: لا، إذ يوجد بيننا ربانيون وعلماء وصلحاء وأتقياء ذووا بصيرة وعلم ومعرفة، فإذا احتجنا إلى الاستشارة فهم الذين يُستشارون، وإذا وجهونا فهم الذين نطيعهم ونقبل توجيهاتهم، أما الكافر الذي يكرهني ويكره حتى وجودي في هذه الحياة فكيف نستشيره؟!إذاً: هذه رحمة الله وقد نصحنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:149]، وهذا أعظم من النهي: لا تطيعوا، والسبب أنه قد بين لنا الحقيقة كما هي فقال: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:149]، أي: جحدوا ألوهية الله عز وجل ولقائه ورسالة نبيه، وما أنزل من الشرع والأحكام على رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلهذا قلت: يهود ونصارى وبوذيين ومجوس، كلهم جنس واحد كافر.
معنى قوله تعالى: (يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين)
يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149]، أي: ترجعون إلى الشرك والضلالة، وتعودون مثلهم كفاراً، فتنقلبون وترجعون بعد هذه الرحلة الطويلة في مسار الكمال والطهر والصفاء خاسرين ذليلين، وما استفدتم شيئاً من إيمانكم وجهادكم وصبركم القرون الطويلة أو الأيام والأعوام العديدة.
تفسير قوله تعالى: (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)
قال تعالى: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران:150].ثم قال تعالى: بَلِ اللَّهُ [آل عمران:150]، وقرئت قراءة سبعية: (بل اللهَ) بفتح لفظ الجلالة، أي: أطيعوا الله، فهو الذي يجب أن تطيعوه لا الكفار.ثم قال: مَوْلاكُمْ [آل عمران:150]، أي: أن الله مولانا، فهو الذي خلقنا ورزقنا وحفظ علينا حياتنا وتولى كل شئوننا وأمورنا، فكيف لا يكون مولانا؟! إنه مولانا وسيدنا ونحن عبيده، قال: اركعوا فنركع، قال: اسجدوا فنسجد، قال: صوموا فنصوم، قال: اكشفوا عن رؤوسكم وهرولوا بين جبلين، أجبنا وهرولنا؛ لأننا عبيده، قال: لا تشربوا مسكراً، والله ما نشربه، قال: لا تقولوا الباطل، والله ما نقوله، قال: لا تكذبوا ولا تنطقوا بغير الحق، والله ما نكذب ولا ننطق بغير الحق؛ لأننا عبيده ومصيرنا بيده، إن شاء أسعد وإن شاء أشقى، وفوق ذلك أننا نحبه ويحبنا، فكيف إذاً نخرج عن طاعته ونعصيه ونحب من يكرهه ويبغضه ويعصيه؟!ثم قال تعالى: وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران:150]، أي: وإن طلبتم النصر على المشركين والكافرين، وعلى من تحاربون ويحاربونكم، فهو جل جلاله وعظم سلطانه خير الناصرين، فلا تطلبوا النصر من فرنسا أو إيطاليا أو أسبانيا، وإنما اطلبوه من الله، إذ إنه والله خير الناصرين، فهو الذي يملك، وهو الذي بيده قدرة كل ذي قدرة، إن شاء عز وإن شاء ذل، إن شاء هزم وإن شاء نصر، وهذا هو الذي ينبغي أن نطلب منه، ولا نطلب النصر على أعدائنا بمعصيته كما حصل وتم وتذوقنا مرارته وتجرعنا غصصه في حربنا مع اليهود منذ أن دخلوا فلسطين، وأعلنوا عن دولتهم، ونحن في حماس وحرب بعد أخرى وما انتصرنا أبداً.وسر ذلك يا ربانيون! يا علماء! أننا ما قاتلناهم من أجل أن نقيم دين الله، وإنما قاتلناهم من أجل أن نجليهم عن أرضنا ووطننا، فكان هذا هو القصد، وإن قلت: لا يا شيخ، فأقول لك: عندما قاتلتم اليهود، هل كنتم تقيمون دين الله في دياركم؟! وهل أحللتم ما أحل وحرمت ما حرم؟ وهل أقمتم حدوده عليكم وعلى غيركم؟ وهل دعوتم إليه ورفعتم أصواتكم بـلا إله إلا الله وألا يعبد إلا الله؟! الجواب: لا، باستثناء هذه الدويلة، وباقي الدول العربية من المغرب الأقصى إلى الشرق هل كانوا يعبدون الله بما شرع، ويقيمون شرعه ودينه وهم أولياؤه حتى ينصرهم؟! والجواب: لا، إذاً كيف ينصرهم الله؟! ولذلك كانت هزيمتنا أمام اليهود فيها خير كبير، وقبل ذلك هزيمة المؤمنين مع رسول الله في أحد كان لها خير كبير، إذ لو انتصروا مع عصيانهم لقائدهم صلى الله عليه وسلم لكانوا لا يطيعون الله والرسول، ويقولون: نحن مسلمون، والنصر إلى جانبنا، والله معنا، ولا نبالي بالمعاصي إذا ارتكبناها، ومن ثم يخسرون كل شيء، فعلمهم أنهم لما عصوا رسول الله قائد المعركة هزمهم الله وسلط عليهم المشركين، ولذلك لو أن العرب انتصروا على إسرائيل وهم على ما هم عليه من عدم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك والخرافات والضلالات، لقالوا: انتصرنا بقوتنا، ولم يبق مجال لأن يُعبد الله، وكذلك لو انتصر الاشتراكيون في بلاد العالم، وكثر خيرهم وبركاتهم، وعمهم الغنى، لوقع في هذا الفخ اليهودي كل المسلمين إلا من شاء الله، ولكن الله ما أغناهم، فقد تبجحوا وتحطموا، وذلوا وهانوا وافتقروا.وهذا كله ثمرة ولايتنا لله تعالى، إذ الله ولي المؤمنين، فلا يسمح لهم أن يذوبوا في الكفر وينمسخوا ويهبطوا ويصبحوا لا إيمان ولا إسلام ولا إحسان.إذاً: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ [آل عمران:150]، فحققوا الولاية وشدوا بأيديكم، وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران:150]، إن كنتم ترون أن هناك من ينصر فالله خير الناصرين، فاطلبوا النصر منه، ونطلب نصر الله لا بالدعاء فقط، بل نطلبه بطاعته وبامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن أوامره كلها عوامل النصر والفوز، ونواهيه كلها عوامل السقوط والهبوط، فإذا أطعناه فيما أمر وفيما نهى فقد سدنا وانتصرنا وفزنا بسعادة الدارين.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #379  
قديم 16-12-2020, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب...)
قوله تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151].ثم قال تعالى مبشراً عباده المؤمنين: سَنُلْقِي [آل عمران:151]، وقد ألقى وقد فعل، سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [آل عمران:151]، وأقسم بالله لو أن المسلمين في أي مكان أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، وأطاعوا وحملوا راية لا إله إلا الله، وقاتلوا المشركين في أي مكان، والله ليلقين الله الرعب في قلوب المشركين فينهزمون، إذ إنه في خمسة وعشرين سنة فقط وراية لا إله إلا الله من وراء نهر السند إلى اندونيسيا وإلى الأندلس، وهذا الرسول الكريم يقول: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )، وذلك لما حاول ملك الروم أن يغزو النبي محمداً وآله وقومه، فأعد العدة، وجمع ثلاثمائة ألف مقاتل في ديار الشام، وعزم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عزمه على قتاله، فأعلن التعبئة العامة، فجهز اثنا عشر ألفاً من المجاهدين، ولما بلغ الروم عزم رسول الله وخروجه باثني عشرة ألفاً انهزموا وعادوا إلى ديارهم، وعسكر النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك عشرين يوماً، ثم عاد إلى المدينة عليه الصلاة والسلام وقال: ( نصرت بالرعب ).وإن قلت: هذا رسول الله! فنقول: وهذا عبد الله بن رواحة، وهذا جعفر بن أبي طالب، وهذا زيد بن حارثة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم قادوا ثلاثة آلاف مقاتل، وخرجوا إلى ديار الشام، واستقبلهم مائتي ألف مقاتل من الروم، فألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين، وبعد استشهاد القادة الثلاثة الأول فالأول، تولى قيادة الجيش خالد بن الوليد رضي الله عنه، فاستخلص واستل ذلك العدد من مائتي ألف مقاتل كاستلال الشعرة من العجين، إذاً فمن دبر هذا؟ إنه الله عز وجل، وهذا وعده إذ قال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]. بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران:150]، ومن مظاهر النصر أن الله يلقي الخوف والهزيمة في قلوب المشركين، فيتزعزعون ويتخلخلون، ويتساقطون ويخرون، وهذا ليس خاصاً بمعركة ولا ألف معركة، بل ما زال إلى الآن، وفي البارحة وجهت -وأنا آسف لأني أقول ما لا أعرف، وليس هنا من يقبل قولي ولا يرضاه- وقلت: والله لو أن إخواننا الفلسطينيين تجمعوا في طرف المملكة أو في طرف سوريا أو في طرف مصر أو في أي مكان من بلاد العرب، وبايعوا إماماً ربانياً عرف الله معرفة يقينية، قد ملئ قلبه حبه وخشيته، فرباهم سنتين أو ثلاث سنوات، وهم ينمون بأبدانهم وأرواحهم وعقولهم، لأصبحوا أولياء الله، بل إذا سألوا الله أن يزيل الجبال لأزالها، وتجلت فيهم ولاية الله تعالى، فظهر فيهم الصدق والطهر والصفاء والخشوع والإنابة والتقوى، ثم قادهم باسم الله لأن يُعبد الله وحده في أرض القدس والطهر، وقال: الله أكبر، والله لنصرهم الله تعالى، وفر اليهود هاربين، بل ومنهم من سيقع في البحر، ومنهم من سيذعن وينقاد ويستسلم، إذ الله يقول: سَنُلْقِي [آل عمران:151]، وعد الصدق، فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [آل عمران:151]؛ لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً.وقد رأينا هذا في التاريخ الطويل، فمتى ما وجِد المسلمون الربانيون بقيادة ربانية وبقصد سليم ونية حقة أن يعبد الله وحده في الأرض إلا نصرهم الله عز وجل، وبدون هذا فلا نصر ولا فوز، وقد عرفنا هذا في جهادنا في أفغانستان، إذ نحن قد ساهمنا وشاركنا فيه، وشيخكم هذا قد لبس البدلة للجهاد وطلعنا الجبل أيام زيارتنا لنخبرهم: بأنكم لا يقاتلون فقط روسيا، وإنما تقاتلون الكفار كلهم، ولن يتم لكم نصر حق إلا إذا أخذتم بمبادئ الإسلام وتعاليمه، فبايعوا إماماً واحداً، وزرنا إخواننا في مخيماتهم، وقال لي أحدهم: معسكر فلان مصيدة فقط للفلوس وليس قتالاً حقيقياً! والعجيب أنهم قادة يقودون أمة لعزة الإسلام ونصرته! وقلنا لهم: بايعوا إماماً واحداً، واستجيبوا لأمر الله تعالى، فأنتم لا تقاتلون روسيا فقط، وإنما تقاتلون من على الأرض من أهل الكفر، فلا بد وأن يكون الله معكم، فإن لم يكن الله معكم فلا نصر أبداً، وللأسف ما استجابوا لذلك، فعاشوا يقاتلون متفرقين، وما إن انهزمت روسيا بأمر الله ودعاء الصالحين حتى عادوا على بعضهم البعض، وهم الآن في فتنة إلى هذه الساعة، ولن تنتهي هذه الفتنة؛ لأنهم ما بايعوا إماماً واحداً ليعبدوا الله تحت رايته.والآن توجد جماعات في بلاد العرب تنادي بالجهاد، وأن الحكومات كافرة، فيجب أن نجاهد وأن نقاتل الكفر! ونحن نقول: يا أبناءنا! ما هكذا تورد الإبل يا سعد، لا يحل قتال بعضكم بعضاً، من أفتاكم بهذا ؟ من أجاز لكم هذا؟ ثم أنتم تقاتلون جماعات وأحزاباً، فهل أذن الله في هذا القتال؟ من إمامكم؟ من بايعتم أنتم وأمتكم، وصليتم وراءه وقادكم خطوة بعد خطوة ليعدكم للجهاد والقتال؟ إنكم تقاتلون أحزاباً ومنظمات وجماعات، وسوف تنتهي بقتال بعضكم بعضاً، وقد قلت هذا وما زلت أقول: إما أن تنتصر الحكومة التي يقاتلونها، وإذا انتصرت فسوف تنتهي هذه الأنوار وتنطفئ، ويصبح إخوانكم وأمهاتكم وأبناؤكم يتملقون الحاكم الفاجر بالفسق والفجور؛ لأننا عرفنا طبيعة البشر، وإما أن تنتصروا أنتم وهذا من باب البعيد بعد السماء عن الأرض، ثم تقتتلون فيقتل بعضكم بعضاً، ولن تقوم للإسلام دولة على مثلكم؛ لأنكم ما عرفتم الله، ولا ملأ حبه قلوبكم، ولا خوفه من نفوسكم، فأين يُذهب بعقولكم؟ وكيف ينصركم الله تعالى؟! أوجدوا أولاً أمة إذا قلتم: الله أكبر رددوها خلفكم. سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [آل عمران:151]، بسبب ماذا؟ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [آل عمران:151]، والباء هنا للسببية، والميم مصدرية، أي: بإشراكهم بالله ما لم ينزل به سلطاناً، إذ قد أشركوا في عبادة الله تعالى وفي ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته من لا يستحقون ذلك؛ لأنه تعالى ما أمر بعبادتهم ولا بطاعتهم، بل وما أنزل الله به من سلطان.إذاً: العلة في هزيمة الله للكفار والمشركين والمنافقين: أنهم أشركوا بالله تعالى، فعبدوا الأحجار والأصنام والشهوات والبطون والفروج والأهواء، وهذه العبادة -عبادة غير الله- ما أنزل الله بها من حجة ولا برهان أبداً في أي زمان من أزمنة الحياة، إذ كيف يُعبد من لا يخلق ولا يرزق؟! كيف يُطاع ويُذعن له ويتابع من لم يؤمن بالله ولا بلقائه؟! وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ [آل عمران:151]، أي: أن النار مأواهم الذي يأوون إليه، ومصيرهم الذي ينتهون إليه كل المشركين والكافرين.إذاً: أين هذه النار؟ عندنا مثل نكرره للعاقلين، فنقول: غداً إن شاء الله في رابعة النهار في وقت الساعة العاشرة انظر إلى الشمس، هذا الكوكب المضيء النهاري، إذ قال فيه العلماء: إنه أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة! وهذا الكوكب كله نار، والذي أوجده هو الله، ولم تجمع الإنس والجن الفحم والحطب وأشعلوا هناك ناراً، ثم إن هذا الكوكب يسير بانتظام في فلكه لتنتظم عليه هذه الحياة، فلو يهبط بأقل هبوط لاحترق الكون، ولو ارتفع بأكثر ارتفاع لمات الناس بالبرد والجليد، ولا ندري كم سنة وهو في دائرته؟ فهذا هو عالم النار فوقنا، فكيف تسأل عن عالم النار؟! وسوف يأتي لهم هذه الكائنات الموجودات العلوية والتي نشاهدها وكلها تصبح سديماً وبخاراً، وعالم السعادة فوق وعالم الشقاء أسفل.وقد قلت لك حتى تتصور قعر النار: ضع رأسك بين ركبتيك وفكر، وقل: هابط، هابط، هابط، حتى تتعب وتكل، فإلى أين تريد أن تصل؟ لقد وقف عقلك، وبالتالي لا يسعك إن كنت العاقل إلا أن تأخذ بلحيتك وتقول: آمنت بالله.. آمنت بالله.. آمنت بالله، وهذه الصور النيرة قد حفظناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان على كرسيه يعلم إخوانه الكتاب والحكمة ويزكيهم، وفجأة يقول: ( آمنت به، آمنت به )، قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: ( أتاني جبريل فقال لي: إن رجلاً ممن كان قبلكم يركب على بقرة، فرفعت البقرة رأسها وقالت له: ما لهذا خلقت يا رجل! )، أي: ما خلقت ليركب عليها، ولكن لتحلب ويحرث بها، فالرسول تعجب من بقرة تنطق وتفصح بلغة الرجل، فقال عليه الصلاة والسلام: ( آمنت به )، وأمسك بلحيته، ثم قال: ( وآمن به أبو بكر وآمن به عمر )، وهما غائبان عن المجلس وليسا فيه، لكن يقين الرسول في إيمانهم وثقته في معتقدهم قال: ( وآمن به أبو بكر وآمن به عمر ).فهذا هو شأن أهل اليقين، فإذا أخبر الله أو أخبر رسوله بأمر ما فلا مجال للعقل والتفكير فيه، وإنما قل فقط: آمنت به، آمنت بالله. وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151]، أي: وبئس المصير يصيرون إليه، إذ النار مصير سيء وأقبح مصير، وحسبنا أن نذكر ما ثبت عن رسول الله: ( ما بين منكبي الكافر كما بين مكة وقُديد )، أي: مائة وخمسة وثلاثين كيلو متر، فهذا العرض فكيف بالطول؟ قال: ( وضرسه كجبل أحد )، فكم مدة لتأكله النار؟ وكم قرناً ليفنى؟ وإن تعجبت فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سنن أبي داود : ( أُذن لي )، أي: ما نستطيع أن نتكلم بدون إذن؛ خشية أن الناس لا يفقهون ولا يعقلون، إذ الواجب أن نحدث الناس بما يفهمون، ( أذن لي أن أحدث عن ملك رأسه ملوية تحت العرش، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة )، فكم سيكون طوله؟ وقال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1]، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( وتجلى لي جبريل عليه السلام في السماء على صورته التي خلقه الله عليها فسد الأفق كله )، فقد كان معه في الغار وضمه إلى صدره كالأم الرحيمة ثلاث مرات وعلمه، ثم فارقه وظهر في صورته التي خلقه الله عليها بستمائة جناح، فسد الأفق كله.إذاً: عالم الشقاء بئس المصير يصير إليه الآدمي، من الطعام الزقوم، والشراب الحميم، وقعرها وبعدها، فوالله لا يعرف فيها أحداً، لا أماً ولا أباً ولا أخاً ولا عماً، ولهذا قال تعالى: وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ من هداية الآيات:أولاً: تحريم طاعة الكافرين في حال الاختيار ]، أما في حال الاضطرار والعصا والقدوم والمنشار في يده فأطعه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعمار : ( أعطهم يا عمار )، ونزل في ذلك قوله تعالى: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فإذا ما أطقت التعذيب، وطلب منك سب الله وسب رسوله، فقل بلسانك وقلبك بريء من ذلك. [ ثانياً: بيان السر في تحريم طاعة الكافرين، وهو أنه يترتب عليه الردة والعياذ بالله ] والله لو نطيع الكفار الآن كأمريكا وبريطانيا وفرنسا، ونأخذ بتوجيهاتهم، ما هي إلا دقائق ونحن مرتدون والعياذ بالله.[ ثالثاً: بيان قاعدة: من طلب النصر من غير الله أذله الله ] وقد عرفنا هذا وجربناه، إذ إن من طلب النصر من غير الله أذله الله ولم ينتصر.[ رابعاً: وعد الله المؤمنين بنصرهم بعد إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم، إذ همَّ أبو سفيان بالعودة إلى المدينة ] وذلك لما خرجوا بعيداً قالوا: ماذا فعلنا؟ لماذا رجعنا؟ ما زال محمد وأبو بكر وعمر أحياء، فهيا نقضي عليهم جميعاً، ولكن الله جاء بـمعبد، فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان وجيشه وقال: هيا إلى مكة، وصدق الله إذ يقول: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [آل عمران:151] وقد فعل. [ رابعاً: وعد الله المؤمنين بنصرهم بعد إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم، إذ هم أبو سفيان بالعودة إلى المدينة بعد انصرافه من أحد ليقضي عمن بقى في المدينة من الرجال، كذا سولت له نفسه، ثم ألقى الله تعالى في قلبه الرعب فعدل عن الموضوع بتدبير الله تعالى ] وذهب إلى مكة. [ خامساً: بطلان كل دعوى ما لم يكن لأصحابها حجة، وهي المعبر عنها بالسلطان ] كل دعوة سياسية أو دينية أو دنيوية لا تقوم على الحجة والسلطان فلا قيمة لها، والدعاوى باطلة إلا إذا قامت على البراهين الصادعة، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [آل عمران:151].[ خامساً: بطلان كل دعوى ما لم يكن لأصحابها حجة، وهي المعبر عنها بالسلطان في الآية، إذ الحجة يثبت بها الحق ويناله صاحبه بواسطتها ].وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #380  
قديم 16-12-2020, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (62)
الحلقة (203)

تفسير سورة آل عمران (66)


يذكر الله سبحانه وتعالى أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم بما حصل منهم يوم أحد من عصيان بعضهم لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطمعهم بمتاع الدنيا من الغنائم وفرحهم بها بعد أن أظفرهم الله بعدوهم، ثم فشلهم بعد ذلك وتفرقهم من حول نبي الله لما أن دارت الدائرة عليهم، ثم يمتن الله على عباده المؤمنين بعفوه عنهم وتفضله عليهم سبحانه وتعالى.
تفسير قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وهانحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، ومع هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:152-153].هما آيتان اثنتان، فهيا نكرر تلاوتهما ونتأمل معانيهما وما تحملانه من هدى ونور: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:152-153]. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [آل عمران:152]، هذا إخبار من الله تعالى، والمخاطبون بهذا الخطاب هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا غزوة أحد وخاضوا معركتها، وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم صبيحة السبت بألف مقاتل، وفي أثناء الطريق رجع ابن أبي رئيس المنافقين بثلاثمائة منهم، فبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة رجل من الأنصار والمهاجرين، وقد عسكروا بوادي أحد، وهمَّ رجال من بني حارثة وبني سلمة بالعودة أيضاً ولكن الله سلَّم، وكان عدد المشركين ثلاثة آلاف مقاتل، ثم بدأت المعركة واشتعلت نارها. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [آل عمران:152]، أي: بالنصر. إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران:152]، والحس: القتل والقطع. حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ [آل عمران:152]، أي: حتى إذا فشلتم عن قتال المشركين، ووجه الفشل هو أن الرماة -وعلى رأسهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه- الذين وضعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجبل المعروف الآن، وقال لهم: ( لا تبرحوا أماكنكم، انتصرنا أو انتصروا )، لما شاهدوا هزيمة الكفار، وأخذ المجاهدون يجمعون الغنائم، ما ثبتوا، بل اختلفوا ونزلوا من أماكنهم، ولم يبق إلا عبد الله بن جبير ومجموعة معه، ولما خلا الجبل من الرماة احتله خالد بن الوليد قائد خيل المشركين، فوقع المسلمون بين فكي المقراظ، ورجع المشركون لما شاهدوا الهزيمة قد نزلت بالمسلمين، وأن الرماة قد نزلوا من أماكنهم، وأن خالداً قد احتل الجبل، وأصبحت السهام والرماح تأتي على المسلمين من كل جانب، وهذا يدل عليه قوله تعالى: حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ [آل عمران:152]، أي: في القتال.ثم قال تعالى: وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:152]، من هم الذين تنازعوا؟ الرماة، منهم من قال: إن المعركة قد انتهت، والمشركون قد انهزموا، فهيا بنا ننزل لجمع الغنائم، ومنهم من قال: لا، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصانا ألا نبرح أماكننا كيف ما كانت الحال انتصاراً أو انهزاماً، وكان هذا هو التنازع في الأمر. وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152]، أي: من النصر، وهذا عائد إلى الرماة حيث عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا للمادة. مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، فالذين هبطوا من الجبل يريدون الدينار والدرهم والغنائم، والذين ثبتوا على الجبل ولم ينزلوا يريدون الآخرة. ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ [آل عمران:152]، أي: عن المشركين. لِيَبْتَلِيَكُمْ [آل عمران:152]، أي: ليختبر إيمانكم وصدقكم وثباتكم أو هزيمتكم. وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152]، أي: لولا عفوه لما ترك المشركون منكم أحداً، لكن الله صرف المشركين عنكم، ولو واصلوا قتالكم لانتهيتم، ولكنها منة الله تعالى عليكم. وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152]، من أصحاب رسول الله، ومن أهل معركة أحد، بل وعلى كل المؤمنين إلى يوم القيامة، وإنه لذو فضل علينا أيها المستمعون والمستمعات! إن كنا مؤمنين، والله ذو فضل عظيم على المؤمنين، ولولا فضله أن من زلت به قدمه وعصى ربه أنزل به المحنة والكارثة ما بقي أحد، لكن فضله لا ينقضي على المؤمنين أبداً، وهو واضح وبيِّن.
تفسير قوله تعالى: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم...)
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153].اذكروا إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ [آل عمران:153]، يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب هارباً في الصعيد لا يلتفت إلى أحد.ثم قال تعالى: وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ [آل عمران:153]، أي: ليس هناك من يلتفت إلى الوراء أبداً، بل إذا حصلت الهزيمة فالهروب في تلك الصحراء. وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ [آل عمران:153]، أي: يقول: إليّ عباد الله، وذلك لما انهزموا وفروا؛ لأن إبليس صاح فيهم: لقد قتل محمد، وأشاعها المنافقون بين المسلمين، حتى قال من قال: هيا نلحق بـأبي سفيان ونعود إلى دين آبائنا وأجدادنا، ومنهم من قال: توسطوا بـابن أبي ليأخذ لكم عهداً عند أبي سفيان، فكانت محنة ما مثلها محنة، وسببها معصية واحدة لا ثاني لها، ونحن غارقون في معصية الله والرسول! فهذه معصية واحدة فكيف بمن يعصي الله ليل نهار؟! وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ [آل عمران:153]، وأنتم شاردون هاربون في الصعيد. فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153]،، فالغم الأول: الهزيمة، والغم الثاني: فقد الغنيمة، ولنا أن نقول: الغم الثاني: الهزيمة وفقد الغنيمة، والغم الثاني: سماعكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فأصابكم كرب لا حد له، وغم أعظم من ذلك الغم، وأعظم من فوت الغنيمة أو وجود جراحات أو قتلى بينهم. فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153]، لعلة: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [آل عمران:153]، أي: من الغنائم، وَلا مَا أَصَابَكُمْ [آل عمران:153]، أي: من القتل والجرح، وهذا تدبير ذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه، فآمنا بالله وحده، فهو الذي سلط ابن قمئة -أقمأه الله- بأن جرح النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سقوطه في حفرة من الحفر، فكسرت رباعيته، وسالت دماؤه، ثم صاح: قتلنا محمداً، إن هذا تدبير ذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153]، فأعمالنا الباطنة كالظاهرة، والسرية كالعلنية، إذ كلها مكشوفة لله، فهو يعلمها أكثر مما نعلمها، فلا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، والملكوت كله بين يديه.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 234.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 228.46 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]