|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الصور النمطية) ومن محددات العلاقة بين الشرق والغرب ذلك الإنتاج الفني المتمثل في التقارير والأفلام السينمائية التي دأبت على تصوير العرب (المسلمين) صورًا لا تليق بالإنسان والحضارة، سواء من النواحي غير الأخلاقية، أم من تصوير العرب من خلال مواقفهم السياسية وتعاملهم معها بالعنف والتخريب والهدم "الإرهاب"؛ فالمسلمون في هذه الأفلام إما شهوانيون يشربون الخمر ويتعاطون المخدِّرات ويرقصون ويعاشرون الحريم ويكثرون من الجواري والقيان، وإما غشاشون مدلسون محتالون ماكرون في التعامل مع الرحالة الأجانب والمستشرقين ومع المنصرين والمستكشفين والبعثات الدبلوماسية، وإما غواة يعشقون التفجير والخطف والاغتصاب والإهانات الأخرى. وهذه الصورة النمطية في التقارير المرئية والسينما والمسلسلات الغربية إنما جاءت بإيحاء من المحدد السابق المتعلق بالاستشراق، وربما اليهود، على اعتبار أن هناك اتفاقًا بين كثير من المعنيين على بروز سيطرة اليهودية على الفن عمومًا، وعلى المدن التمثيلية بخاصة، مثل هوليوود في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى سيطرتهم على شبكات القنوات التلفزيونية، وبالتالي القنوات الفضائية التي ملأت الأرض بما تبثه من أفكار ومشاهد، بينما اكتفت كثير من الفضائيات العربية باللهو والرياضة. وقد نوقشت هذه الظاهرة في تصوير المسلمين هذه الصور من مجموعة من المهتمين بتحسين الصورة العربية والمسلمة أمام الآخرين، من أمثال الدكتور جاك جي.شاهين،[1] والدكتور عبدالقادر طاش - رحمه الله تعالى - الذي كتب عن الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي[2]، وإدوارد سعيد وزينب عبدالعزيز وغيرهم[3]، في كتب معلومة وبحوث ودراسات علمية[4]، ومقالات مبثوثة في الصحافة الثقافية والدوريات العلمية[5]، فيرجع إليها في مظانها لمن أراد المزيد من البحث والدراسة. وقد يقال: إن العرب قد ساعدوا على ترسيخ هذه الصورة النمطية في الإعلام الغربي من خلال التراث الأدبي والفني العربي المأخوذ من ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومجالس بعض الخلفاء المزعومة، من أمثال مجالس الخليفة العباسي هارون الرشيد وأبنائه وأحفاده. والمشكلة هنا أننا أخذنا صورة الخليفة هارون الرشيد هذه من الغرب عن طريق الاستشراق، ثم عن الإعلام الغربي، فهارون الرشيد ذو المواقف التاريخية، الذي كان يحج عامًا ويغزو عامًا تراه - رحمه الله - عند بعضنا مثالًا للغَواية، حتى ذكر بعض المستشرقين أنه قد فصل ثوبين، ثوبًا يدخل رأسين، رأسه ورأس جعفر البرمكي، وذلك من ولعه وحبه بجعفر، ويعلق المستشرق على هذا الخبر بأنه يعطي صورة لمدى الغَواية التي وصل إليها الخلفاء المسلمون تعميمًا،ومع أن هذا الخبر مكذوب على خليفة واحد، فإنه أيضًا يسري عند هؤلاء على بقية خلفاء المسلمين. وكما اتُّهِمَ الخليفة العباسي في عِرضه - رحمه الله - يتهم بشهوانيته، وأنه يتكئ على النهود العارية للجواري الصافات على الدرج وهو يرتقيه ليهجع في منامه! وهذا الاتهام ليس لآخر خلفاء بني أمية الذين أسهموا في انتقال الخلافة إلى بني العباس، مع أنه لا يثبت، وليس اتهامًا لآخر خلفاء بني العباس الذين طردهم المغول فأسهموا في سقوط الخلافة، مع أنه لا يثبت كذلك، وإنما هو اتهام لخليفة يُعَدُّ عصرُه عصرَ ازدهار الحضارة الإسلامية. يأخذ الإعلام الغربي هذه الآثار ويصورها للعامة بعد أن يزيد عليها، ليقول للغربيين خاصة: هذا هو الدين الذي سيغزوكم، وهؤلاء هم الحكام الذين يسعون إلى الوصول إليكم،ولعل من آخر هذه الحملات وليس آخرها: فيلمًا خرج أخيرًا بعنوان "المأخوذة Taken"، تختطف فيه فتاة أمريكية في باريس عن طريق عصابة ألبانية، وينتهي بها المقامُ في أحضان شخصية عربية تشتري العذارى! فيُنقذها والدها، ويقتل كل من يقف في طريقه، بما فيهم تلك الشخصية العربية التي ظهرت في الفيلم بصورة شهوانية مقززة! إذا ما فرغ الإعلام الغربي من التراث، عرَّج على الواقع من خلال حوادث موجودة، ولكنها منعزلة هناك، تؤيد أن يبنى عليها قصصٌ وروايات هي مجال رحب للتمثيل، كاختطاف الطائرات والبواخر وتفجير الملاعب والمحافل العامة وأخذ الرهائن، وينسج عليها روايات، ويطعمها بمشاهد تقرب من الواقع العربي ومن المجتمع العربي، ليقول للعامة من سذج الغربيين: هؤلاء هم الناس هناك في الشرق، يملي عليهم دينهم هذه الأعمال الشهوانية والتخريبية، ويَعدهم جزاءً لها الجنة؛ لأنهم مجاهدون في سبيل الله،وهكذا تدخل المصطلحات الإسلامية هذا العبث في المدلول، فيحصل التشويه، وتعمم الصورة على الماضي والواقع والتطلعات. إذا كانت هذه الصورة النمطية المتمثلة في مجموعة المشاهد قد بدأت من السينما، فإنها انطلقت إلى بقية وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بالمشهد أو المقالة أو الصورة الهزلية "الكاريكاتير" في صحف واسعة الانتشار، وفي صحف غربية محلية لم يسلم منها سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم[6]. عندما فكرت المملكة العربية السعودية في استجلاب جبال الجليد للحصول على ماء حالٍ "محلًّى" قابل للشرب، صُوِّرت هذه الفكرة في إحدى الصحف المحلية (مدينة جينسفيل بولاية فلوريدا، 1397هـ/ 1997م) بجمل يجر جبلًا جليديًّا، ومع مراحل جلب هذا الجليد عن طريق جره بالجمل يذوب الجبل تدريجيًّا عند مروره على خط الاستواء، حتى إذا وصل إلى محطته الأخيرة لم يبقَ منه إلا مكعب ثلج يضعه العربي، بلباسه العربي، في كأس من الخمر فيشربه! هذه صورة واحدة أو مشهد واحد من المشاهد التي انتقلت بالصورة النمطية إلى بقية وسائل الإعلام الأخرى،والصور كثيرة جدًّا، أضحت مجالًا مؤثرًا وفاعلًا في تحديد العلاقة مع الغرب؛ إذ إنها لعبت لعبتها في العقلية الغربية التي آلت في مفهومها عن المسلمين بهذه الصورة النمطية إلى رفض قيام علاقة جادة بين الشرق/ المسلمين والغرب؛ لما يتوقع من التأثير الإسلامي على الحياة الغربية تأثيرًا سلبيًّا، إذا كان هذا هو الإسلام وإذا كان هؤلاء هم المسلمين،كما أنها أثرت في المجال الإسلامي تجاه الغرب الذي آمن بهذه الدعاية، وجعلها هي الوسيلة التي يحكم بها على أناسٍ هم على النقيض من ذلك تمامًا. رغم محاولات تصحيح الصورة بالجهود العلمية والثقافية من خلال الكتاب والمقالة والمحاضرة والحوار، فإن الطريق طويل للتصحيح، لعله يبدأ من داخل المسلمين أنفسهم، الذين لا نقول: إنها تتحقق فيهم الصورة النمطية عنهم، ولكنهم - من دون شك - أسهموا في بروز هذه الصورة النمطية، ولو بنسبة ضئيلة جدًّا، فلو لم يجد الغرب أرضية يتكئ عليها، لما وُفِّق كثيرًا في هذا التشويه للإسلام والمسلمين،ومهما كان الطريق طويلًا نحو التصحيح، وبالتالي التأثير، فإنه يبدأ بالخطوة الأولى، ولعله قد بدأ. [1] انظر: جاك جي.شاهين،الصورة النمطية للعرب في الأفلام الأمريكية - بالإنجليزية. [2] انظر: عبدالقادر طاش،الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي - الرياض: الدائرة للإعلام، 1409هـ. [3] انظر: سوزانا طربوش،صورة العرب في الغرب: حلقة نقاشية عقدت في أكسفورد 7 - 9 حزيران 1998م/ ترجمة طلال فندي، مراجعة عواد علي - عمان: المعهد الملكي للدراسات الدينية، 1998م - ص 79. [4] انظر رسالة الدكتور علي بن زهير القحطاني حول صورة العرب والإسلام والمسلمين في صحيفتي الواشنطن بوست والنيو يورك تايمز، لما بعد 11 سبتمبر،باللغة الإنجليزية The Post - September 11 Potrayal of Arabs،Islam،And Muslims in The Washington Post and The New Yorok Times: A Comattive Content Analysis Study -،Washington،D،C،Howard Univesit،2002. [5] انظر الوقفة ذات العنوان: الاستشراق، تلك التي تتحدث عن إدوارد سعيد من خلال كتابه: خارج المكان. [6] انظر: علي بن إبراهيم النملة،الاستشراق والرسول صلى الله عليه وسلم: مقدمة لنقد وراقي "بيبليوجرافي" - مجلة الجامعة الإسلامية - ع 147 مج 42 (1/ 1430هـ - ديسمبر 2008م) - ص 168 - 203.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الفوقية والدونية) حوار الأديان قضية قديمة تتجدد مع الزمان،ويزيد من الاهتمام بها ازدياد الإقبال على الإسلام، فتهبُّ العقائد الأخرى، لا سيما النصرانية، في محاولة التركيز على نقاط اللقاء،ومعلوم لدينا أن هذا الحوار قد بدأ مع أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة - كما سبق ذكره أكثر من مرة - فحاورهم النجاشي حوارًا أراد منه أن يصل إلى الحق؛ ولذلك عندما وصل إليه آمن بالبعثة، وتوفي مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قدم وفد نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان بينه وبينهم حوار انتهى بإسلام بعضهم على الأقل،وكان هناك حوار بين موفَد النبي صلى الله عليه وسلم وهرقل عظيم الروم،وكل هذه الحوارات مسجلة في سيرة المصطفى - عليه الصلاة والسلام[1]،واستمر الحوار إلى يومنا هذا في نماذج فريدة، يريد منها المحاور المسلم إقناع الآخر بالرسالة؛ طمعًا في إسلامه، أو درء شره على الأقل، إن أصر على الكفر بالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم[2]. الذي يجمع بين الحوارات الفاعلة انطلاق المحاور المسلم من قوة الإيمان بالله تعالى، وبالرسالة، والرسول صلى الله عليه وسلم،ويكفي أن نتذكر موقف ربعي بن عامر رضي الله عنه في قوله لكسرى: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء، من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضِيق الدنيا إلى سَعتها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام"[3]. أما إذا لم ينطلق المحاور المسلم من هذه القوة، فإن الأمر لم يَعد يأخذ صفة الحوار، بل يمكن أن نسميه بأي اسم آخر؛ كالاعتذار، أو الدفاع، أو التسويغ لأحداث وقتية قد تلصق بالإسلام، أو قد تنطلق على أنها من هذا الدين، بينما هي ليست بالضرورة منه،وقد تكون منه، ولكن الاعتذار أو التسويغ أو الدفاع يأتي لأنها أوامر أو نواهٍ لا تُعجِب الآخر، فنتقدم بها معتذرين عنها ونحن بصدق نشعر بالدونية في مقابل الآخر. متى ما سيطر عامل الدونية والفوقية في أي حوار، فإنه لا يسمى حينئذ حوارًا بالتعريب الإجرائي للحوار بين عقيدتين، ومثله في ذلك حوار رئيس العمل الجاف الجِلف مع عامله الضعيف المنكسر الخائف[4]. إن حوارات الزمن الحالي بين المسلمين وغير المسلمين لا يصدق عليها مفهوم الحوار الإجرائي بين عقيدتين أو أكثر؛ ذلك أن أغلب المحاورين، وليس كلهم، متَّهمون باتباعهم الأساليب الاعتذارية والدفاعية والتسويغية في حواراتهم مع الآخر؛ ذلك أن الآخر ربما يركز في حواره على ظاهرات اجتماعية طارئة على المجتمع المسلم دفع إليها وضع غير طبيعي في ذاك المجتمع[5]. من ناحية أخرى، يظهر أن المحاور الآخر قد وضع تصورًا في ذهنه للحياة والعلاقات، وأراد من الآخرين أن يقربوا منها في وقت هو فيه الغالب والمسيطر على الحياة الاقتصادية والثقافية والفكرية؛ ولذا فإن مقياسه نابع من نظرته هو. لذا يقوم حواره على اتهام الآخر بأنه لم يصل إلى المستوى الاقتصادي والسياسي والفكري الذي وصل إليه هو، وإن يكن قد بنى هذا كله على مقدمات خاطئة وقواعد غير راسخة، ولكنه لا يعترف بذلك، ومن هنا، ولهذين العاملين المتوافرين في المتحاورين من الجهتين، يفقد الحوار الغرض الذي قام من أجله، ولا يكون الإقناع والاقتناع هدفًا أساسيًّا من أهدافه، فالقوي في هذا الحوار يريد أن يملي أفكاره، والضعيف فيه يريد أن يعتذر عن أفكاره، رغبةً خاطئة منه في محاولة الاقتراب. وقد بدا في لقاءات الحوار التي تتم في بعض البلاد العربية شيءٌ من هذا من الطرفين أو من الأطراف المتحاورة، ومن خلال المتابعة الإعلامية لهذه الحوارات يظهر أنه قد تجسدت فيها مفهومات الدونية والفوقية، وإن لمس الاعتذار من الطرف الآخر في مسألة البوسنة والهرسك مثلًا، الأمر الذي أدى بالجانب المسلم إلى الاعتذار عن الصرب أنفسهم، وأنهم لا يمثلون النصرانية التي تسود اليوم! وليت هذا الاعتذار قد جاء من جانب آخر، لكان الأمر أسهل، ولَدَخل في منطق التسويغية التي تهيمن على حوارات اليوم[6]. إننا لا نزال نحتاج إلى الوقت غير المحدد الذي نقوي فيه انتماءنا لهذا الدين، فنفهمه فهمًا يؤهلنا إلى تقديمه إلى الآخر بالقوة المطلوبة، التي لا تعني بالضرورة العنف، كما قد يفهم منها،وهذا أمر متحقق، والمسألة مسألة وقت ومزيد من الوعي. [1] انظر: عبدالسلام هارون،تهذيب سيرة ابن هشام - ط 3 - القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة، 1396هـ/ 1967م - ص 471. [2] انظر: محمد خاتمي،حوار الحضارات/ ترجمة: سرمد الطائي - دمشق: دار الفكر، 1423هـ/ 2002م - ص 152. [3] انظر: عبدالسلام هارون،تهذيب سيرة ابن هشام - مرجع سابق - ص 471 - وانظر أيضًا: أبو الحسن علي الحسني الندوي،الإسلام والغرب - بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405هـ/ 1985م - ص 19 - 20. [4] انظر نماذج من هذا الموقف الاعتذاري في: كلثوم السعي،نحن والغرب: حوارات مع: حمادي الصيد، وسهيل إدريس، والطاهر لبيب، وعبدالمجيد الشرفي، ومحد الطالبي - تونس: مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله، 1992م - ص 138،وانظر في ذلك كذلك: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 231،وفي هذا المرجع الأخير الذي بذل فيه الكاتب جهدًا كبيرًا قدر عال من السخرية، خلط فيه الكاتب بين من يستحق ومن لا يستحق من منطلق تغريبي يبرز فيه قدر من التأثر بالكتَّاب الغربيين المتطرفين المتحاملين على الإسلام. [5]انظر حوارات أحمد الشيخ مع رهط من المثقفين العرب في: أحمد الشيخ،من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب - القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية، 2000م - ص 319،وقد حاور فيه واحدًا وعشرين مفكرًا عربيًّا. [6]تبنَّت مكتبة الإسكندرية عقد ندوات للحوار بصورة دورية، بحيث تختار موضوعًا محددًا للحوار مع الآخر،وهي سلسلة من الندوات موجودة على موقع المكتبة الإلكتروني.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (العِرقية) نظرة الغرب إلى الآخر غير الغربي محدد أساسي من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، بل إن الشخص الأوروبي ينظر إلى غير الأوروبي نظرة قائمة على الفوقية[1]، بغَضِّ النظر عن الخلفية الثقافية لهذا الشخص، فيستوي في ذلك الشرقي وغير الشرقي، سواء أكان هذا الشرقي مسلمًا، أم كان من ذوي الثقافات الأخرى؛ كالهندوس والبوذيين والزرادشت والمجوس والوثنيين الآخرين؛ ولذا لم يتحمل الغرب أن ينظر إلى الإسلام على أنه دين شامل، بل نظر إليه على أنه دين آتٍ من الشرق، ومن العرب تحديدًا؛ ولذا يُستخدم المصطلحان الإسلام والعرب تبادليًّا، بل إن مصطلح العرب عند الغرب طاغٍ على مصطلح الإسلام،ويندر ذكر مصطلح الإسلام في مقابل مصطلح العرب، إلا لدى المستشرقين الذين تمكنوا من التفريق بين المصطلحين. أما العامة من الغربيين فإن العرب عندهم تعني الإسلام والمسلمين؛ ولذا فإنه من الغريب عندهم أن يوجد من بين العرب نصارى أو يهود، ويستغرب الغربي أن يتحول الأوروبي إلى الإسلام، وكأنهم ينظرون إليه على أنه تحول عرقًا من الجنس الأنجلوساكسوني أو الجنس الآري إلى الجنس العربي، ولم يتحول من النصرانية أو اليهودية إلى الإسلام دينًا. والإصرار على تغليب العرب مصطلحًا على الإسلام ناتج، فيما يظهر، عن الرغبة في التوكيد على محلية الإسلام، وأنه مقصور على العرب الذين كانت لهم نظرة خاصة عن غيرهم، مبنية على ما كانوا عليه قبل الإسلام، في مقابل الأمم الأوروبية المتحضرة، من رومان ويونان (إغريق) وبيزنطيين قبل النصرانية وبعدها. وهم يدركون بحماسهم العرقي أنهم يتنازلون هنا عن الحماس الديني، من حيث التوزيع الجغرافي؛ ذلك أنهم برغم كونهم في الغالبية نصارى كاثوليك أو بروتستانت أو أرثوذوكس، يدركون أن النصرانية إنما جاءت من الشرق، ولا يزالون يقصِدون "يحجُّون" بيت المقدس، وأعظم قداس عندهم عند الاحتفال بمولد عيسى ابن مريم - عليهما السلام - هو ذلك القداس الذي يقام في بيت لحم ليل الخامس والعشرين من الشهر الثاني عشر من التقويم الميلادي، على اعتبار أن بيت لحم في فلسطين المحتلة هي المكان الذي ولد فيه عيسى ابن مريم - عليهما السلام - تلك الليلة أو ذلك اليوم[2]. وكذا الحال يقال عند اليهود؛ إذ إن جغرافية اليهودية انطلقت من الشرق موطن العرب الآن،ولدينا في هذه المواطن مواطنون عربٌ لا يزالون يحتفظون بديانتهم النصرانية الأرثوذوكسية غالبًا، واليهودية،ويدرك هؤلاء أهمية الفصل بين المصطلحين الإسلام والعرب؛ لأنهم عربٌ، ولكنهم غير مسلمين، ويفتخرون بعروبتهم كما يفتخرون بنصرانيتهم ويهوديتهم، وإن قدموا إحداهما على الأخرى في التفضيل من منطلق الولاء والبراء، بل إن منهم من يفتخر بأن ثقافته إسلامية رغم أنه غير مسلم؛ وذلك لِما لقِيَه وبني عقيدته من تعايُش ودي بين المسلمين. وتأسيسًا على ذلك يمكن الزعم بأن هذه النظرية العرقية الفوقية قد حالت دون تقبل الأوروبيين (الغرب) للإسلام، وحالت دون قبوله دينًا شاملًا، رغم تزايد أعداد المسلمين في المجتمعات الغربية من المهاجرين ومن المقيمين. ولا تزال بعض المجتمعات الغربية لا تعترف بالإسلام دينًا يمنح أتباعه ميزاتٍ رسمية في العمل والدراسة، وتراعي سلوكياتهم المبنية على ما يمليه عليهم الإسلام؛ كالذبح الحلال، واللباس المحتشم للرجال والنساء، والأعياد، لا سيما عيدي الفطر المبارك والأضحى، وصلاة الجمعة، وإقامة المساجد والمراكز الإسلامية، وغير ذلك؛ كالمدارس والمقابر. في حين أن المسلمين قد تخلَّوْا عن العرقية المؤدية إلى التفاضل الجنسي، منذ أن أبدلهم الله الإسلام نسبًا عن أي انتماء آخر؛ فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وأصبحت التقوى هي معيار التفاضل، ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]،وإنما هي فورة عربية ظهرت عندما بزغ التوجه إلى القومية العربية، فحاول القوميون التوكيد على العروبة أولًا، ثم الدين أيًّا كان ثانيًا، حتى ليقول عمر فروخ - رحمه الله -: إنه كان من العيب التعرُّف على دين العربي على حساب الوحدة والقومية العربية[3]. وإنما جاءت هذه الفورة في وقت خفَتَ فيه نجمُ المسلمين،وعندما عاد الإسلام إلى الإشعاع تقهقرت الدعوة إلى القومية العربية، ونُظِر إلى العرب بقدر ما يحملون رسالة الإسلام إلى الآخر، الأمر الذي سيؤثر إيجابًا على تقهقر الفوقية العرقية لدى الغرب لمصلحة الإسلام، الذي لم يفرق بين أبيض وأسود؛ أي لم ينظر إلى العرق أو الجنس على أنه عامل من عوامل الانتماء لدى الناس. وعليه، فإن العِرقية في كونها محددًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، لا سيما الإسلام، هي عامل موقَّت، يزول مع وضوح الرؤية نحو الإسلام بانتشاره في المجتمع الغربي على الصورة الصحيحة، التي يراد له الانتشار بها دينًا قيمًا صافيًا نقيًّا خالصًا من أي شائبة تنفِّر الناس منه،ويزول كذلك مع التخلي التدرجي للغرب عن عرقيته وشعوره بالفوقية تجاه الأمم والشعوب الأخرى التي يراها من أنصاف البشر،وسيزول بذلك شعور الغربي بأنه نصف إله. [1] انظر: إدوارد سعيد،الآلهة التي تفشل دائمًا/ ترجمة حسام الدين مصطفى - بيروت: التكوين للطباعة والنشر والتوزيع، 2003م - ص 7 - 8. [2] وعند المحققين كلام حول هذه النظرية له علاقة بوجود النخلة في موسم الرطب، مما يعين على الدقة في تحديد مكان الميلاد وزمانه، سيأتي مجال التعرض إليه؛قال الله تعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]. [3] انظر: عمر فروخ،الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة - ص 125 - 143 - في: الإسلام والمستشرقون/ تأليف نخبة من الكتَّاب المسلمين - جدة: عالم المعرفة، 1405هـ/ 1985م - ص 511.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الحروب - الإرغام) من محددات العلاقة بين الشرق والغرب تلك الحروب التي قامت بين المسلمين وغير المسلمين على مر العصور الإسلامية؛ ولذا نجد من التهم التي توجه إلى الإسلام أنه انتشر بالسيف، وأجبر الناس على القبول به بالقوة؛ أي إن الإسلام صنع الناس مسلمين رغمًا عنهم،وتزعَّم هذه التهمةَ نفرٌ من المستشرقين، وجعلوا الجهاد في أحد مفهوماته في الإسلام دليلًا صارخًا على انتشار الإسلام بالسيف، ووجدوا في القرآن الكريم آيات بينات تدعو إلى القتال، بالإضافة إلى آيات الجهاد، فانبرى نفرٌ من المسلمين الاعتذاريين المدافعين يؤكدون على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل بالإقناع، ويستدلون على ذلك بانتشار الإسلام في شرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا. الواقع أن الحروب بين المسلمين والغرب تشكل حقبةً تاريخية واضحة المعالم في العلاقة بين الشرق والغرب؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ ينشر الإسلام بالدعوة، وإرسال الوفود إلى قيادات العالم القديم، ثم لما لم يستجيبوا لجأ إلى الغزوات، التي انطلقت إلى شمال الجزيرة العربية؛ أي إلى الغرب، أو الروم، ثم تلاه خلفاؤه من بعده؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ثم الخلافة الأموية فالعباسية فالعثمانية،وكانت هناك غزوات، قاتل فيها المسلمون الكفارَ والمشركين، ولم يجبروا أحدًا على الدخول في الإسلام، بل إنهم حموا أولئك الذين آثروا البقاء على دينهم؛ اليهودية أو النصرانية مقابل الجزية، التي تؤخذ من القادرين منهم؛ ذلك أنهم دخلوا في حمى الإسلام، وإن لم يدخلوا فيه مسلمين،فصارت لهم أحكامٌ خاصة بهم تعارف أهل العلم على تسميتها بأحكام أهل الذمة الآتي ذكرها، وعاملهم المسلمون على أنهم جزء من المجتمع المسلم[1]. ثم يأتي ختام القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي لتبدأ سلسلة من الحروب الهجومية القادمة من الغرب وقد حملت الصليب شعارًا لها، ودغدغت فيه عواطف العامة قبل الخاصة، ووعَدَت الجميع بالنعيم في أرض فلسطين، أرض الميعاد،وكانت تحمل شعارات الإغراء الديني قبل الدنيوي، وتحمل الصليب، مما يؤكد على أن الدافع الأول لهذه الحملات المتتابعة كان دينيًّا، ثم تأتي الدوافع الاقتصادية والسياسية بعد ذلك،وهي دوافع غير مغفَلة، ولكنها ليست الدوافعَ الأساسية لهذه الحملات، وإن استغل الحكام السياسيون رجال الدين في حروب الفرنجة "الحروب الصليبية"، فإن رجال الدين أيضًا قد استغلوا الحكام السياسيين[2]. والتقى الجميع مع التجار في تأجيج هذه الحملات، وصاحبَتْها نوعيةٌ خاصة من الناس ممن لفظهم المجتمع الغربي، فبحثوا عن البديل في أرض السمن والعسل في أرض الميعاد، ولكن هذه الفئة كانت قليلة، ذكرتها تفصيلًا بعض كتب التاريخ التي عاصرت هذه الحملات،وهناك نصوص تاريخية عجيبة ذات صلة بأبعاد اجتماعية وسلوكية ومعرفية كانت من حصيلة الاحتكاك بالفرنجة، قد لا تسمح طبيعة هذا الكتاب بذكرها على الملأ، فيرجع إليها في مظانها[3]. ولدينا باحثون مؤرخون معاصرون تخصصوا في التاريخ لحروب الفرنجة، التي سماها الغرب بالحروب الصليبية، ليس لمجرد السرد التاريخي، فقد سُبقوا إلى ذلك ممن عاصروا حملات من هذه الحروب من المسلمين وغير المسلمين، ولكن متخصصي اليوم يدرسون هذا التاريخ المهم ويفسرونه ويحللون الأحداث ويقفون عند النصوص،وعن هؤلاء المتخصصين نأخذ الحكم على هذه الحروب ونوازن بينها؛ ذلك أنه تحكُمُ هؤلاء المعاصرين انتماءاتهم التي لا بد أن تنعكس على أحكامهم، رغم علميتهم ونزعتهم الموضوعية،ويهمنا منهم المنصفون الذين تتبعوا هذه الحروب ففطنوا إلى منطلقاتها وبواعثها، وأدركوا غاياتها وأهدافها، ومزجوا بين الدافع الديني والدوافع الأخرى الاقتصادية والسياسية، ولم يعتذروا للآخر بطمس دافع على حساب دافع آخر[4]. وعلى أي حال، استمرت هذه الحروب قرنين من الزمان (495 - 692هـ/ 1095 - 1290م) لم يتهيأ فيها النصر للصليبيين، بل وفَّق الله تعالى المسلمين إلى إجلائهم وإعادتهم إلى حيث أتوا، على يد القيادات الإسلامية من أبناء المسلمين، من أمثال عماد الدين زنكي، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي من القيادات السياسية، وأمثال عدد كبير من القيادات العلمية الإسلامية المعاصرة لتلك الحملات. ومع انتهاء هذه الحروب الصليبية لم ينته الشعور بها، فلا تزال تذكر وتردد، سواء بسواء بين المسلمين والنصارى،فمن القيادات النصرانية الحديثة الجنرال الفرنسي غورو الذي قدمه على قبر صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله تعالى - في دمشق قال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"[5]،ومنهم من دخل بيت المقدس، وهو الجنرال اللنبي، إبان الاحتلال البريطاني فقال: "الآن انتهت الحروب الصليبية"[6]. ومن المسلمين من يردد أن الحروب الصليبية لا تزال قائمة، ووضحت وضوحًا قويًّا إبان حروب البوسنة والهرسك مع الصرب، إلى درجة أن قائد صرب البوسنة الملاحق قضائيًّا رادوفان كاراديتش قال فيما نقل عنه: "لو كان الأمر لي لما توقفت إلا في مكة"! كما صرح وزير الإعلام الصربي بقوله: "نحن طلائع الحروب الصليبية الجديدة"[7]، وكذا الحال في الحرب ضد المسلمين في كوسوفا،كما أن الكلمة "الصليبية" قد خرجت من لسان الرئيس الأمريكي يوم الاعتداء على مركز التجارة العالمي بنيويورك وعلى مبنى وزارة الدفاع بواشنطن في 11/ 9/ 2001م الموافق 22/ 6/ 1433هـ، واضطر للاعتذار بعد ذلك، وقام بزيارة للمركز الإسلامي في واشنطن تعبيرًا عن أسفه عن الإساءة لمشاعر المسلمين، وتهدئة لهذه المشاعر[8]. على أن سيجموند فرويد يؤكد على عدم صحة القول بسبق اللسان؛ إذ إن ما يخرج بالنطق - كما ينظر - يعبر عن المكنون. وعلى أي حال، فإن الحروب التي دارت رحاها بين المسلمين والغرب قرونًا طويلة لا تزال محددًا قويًّا من محددات العلاقة بين المسلمين والغرب، وستظل كذلك ما اعتقد الغرب أن الإسلام يهدد وجوده، وأنه خطر داهم، وأنه العدو الجديد[9]، أو التحدي الجديد[10]، الذي سيقضي على المكتسبات الحضارية التي نعم بها الغرب وسعى إلى تصديرها إلى العالم الآخر ردَحًا من الزمان، لا سيما بعد زوال الخطر الأحمر[11]. ويؤجج ذلك الشعور عناصر تستفيد ماديًّا من هذا التأجيج، وتسعى إلى الإعانة على طمس الحقائق بالتشويه لهذا الدين الذي يحتاج إلى أشخاص يواجهون حملات التشويه ببيان الحقيقة لهذا الدين، فإذا قامت الحجة على الآخرين برئت ذمة المسلمين، سواء قَبِل الآخرون بالإسلام أم لم يقبلوا به،وسواء توقفت هذه الحروب أم استمرت[12]،وفي هذا يقول المستشرق الألماني فريتس شتيبات (1923 - 2006م): "لست أضيف جديدًا إذا قلت: إننا نلاحظ منذ سنوات قليلة ميلًا شديدًا ومفاجئًا في الغرب إلى اعتبار الإسلام خطرًا يهدد العالم الحر، بل اعتباره مصدر الإزعاج الباقي للسلام على الأرض، لقد بدأت هذه الظاهرة مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية"[13]. ويضيف شتيبات القول: "وتفسير هذه الظاهرة يفرض نفسه بنفسه، فمن الناس من يشعر، ببساطة، بالحاجة الدائمة لمواجهة خطر أو عدو يهدده، وإذا كان الخطر الشيوعي قد انحسر، فإن الإسلام والمد الإسلامي هما البديل المناسب،ولديَّ يقين مؤكد بأن الدوافع الكامنة وراء هذا الموقف دوافع غير عقلانية؛ولهذا أعتقد أنه لا ينبغي أن تترك هذه الظاهرة بغير تفسير وتعليق، لا سيما إذا تبنتها جهات محترمةٌ، أو ارتفعت بها أصوات مؤثرةٌ"[14]. [1] مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخٌ كبيرٌ ضرير البصر، فضرب عمر عضده من خلفه وقال: مِن أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي،قال له: فما ألجأك إلى ما أرى؟! قال: أسأل الجزية والحاجة والسن،فأخذ رضي الله عنه بيده، وذهب إلى بيته فأعطاه ما يكفيه يومه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له: "انظر هذا وضرباءه؛ فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرَمِ"،﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة: 60]، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب"، ووضَع عنه وأمثالِه الجزيةَ،انظر: أبو يوسف،القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، ت 182هـ/ 798م،كتاب الخراج - بيروت: دار المعرفة، د،ت - ص 126. [2] انظر: أيوب أبو دية،حروب الفرنج حروب لا صليبية - مرجع سابق - ص 182. [3] انظر على سبيل المثال: سهيل زكار،الحروب الصليبية - 2 مج - دمشق: دار حسان، 1401هـ/ 1984،وانظر أيضًا: سعيد عبدالفتاح عاشور،الحركة الصليبية: صفحة مشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العصور الوسطى - 2 مج - ط 6.- القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1994م،وانظر كذلك: أمين معلوف،الحروب الصليبية كما رآها العرب/ ترجمة عفيف دمشقية - ط2 - بيروت: دار الفارابي، 1998م - ص 352،وانظر كذلك: كلود كاهن،الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية/ ترجمة أحمد الشيخ - القاهرة: دار سينا للنشر، 1995م - ص384،وانظر كذلك: فوشيه الشارتري،تاريخ الحملة إلى القدس/ ترجمة: زياد العسلي - عمان: دار الشروق، 1990م - ص 267،وانظر كذلك: حسن حبشي/ مترجم ومعلق ومحقق،الحرب الصليبية الثالثة: صلاح الدين وريتشارد - 2 ج - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م - (سلسلة: تاريخ المصريين: 181 - 182)،وانظر كذلك: جوناثان رلي - سميث،الحملة الصليبية الأولى وفكرة الحروب الصليبية/ ترجمة محمد فتحي الشاعر - ط 2 - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م - ص 295. [4] انظر: فيليب فارج ويوسف كرباج،المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي/ ترجمة بشير السباعي - القاهرة: سينا للنشر، 1994م - 220ص،وانظر كذلك: أليكسي جوارفكسي،الإسلام والمسيحية/ ترجمة خلف محمد الجراد، راجَع المادة العلمية وقدم له: محمود حمدي زقزوق - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1417هـ/ 1996م - ص 236 - (سلسلة: عالم المعرفة: 215). [5] انظر: جلال العالم،قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام، أبيدوا أهله - ط 9 - القاهرة: دار السلام، 1399هـ/ 1979م - ص 33. [6] انظر: صالح مسعد أبو نصير،جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن - بيروت: دار الفتح، د،ت - ص 65. [7] انظر: مهدي رزق الله أحمد،الحملات التنصيرية في العالم الإسلامي: أهدافها وبرامجها (خاصة العالم العربي: السودان ومصر والعراق والجزائر، نماذج) - ص 317 - 388 - في: مجلة البيان ومبرة الأعمال الخيرية بالكويت،مؤتمر تعظيم حرمات الإسلام - مرجع سابق - ص809. [8] انظر: جون ل.غسبوزيتو،الإسلام والغرب عقب 11 أيلول/ سبتمبر: حوار أم صراع حضاري؟ - أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2003م - ص 17. [9] انظر: فريتز شتيبات،المنظومة الإبراهيمية للحوار - ص 183 - 196 - في: صاموئيل هانتنغتون وآخرون،الغرب وبقية العالم بين صدام الحضارات وحوارها - بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 2000م -؟؟؟ ص. [10] انظر: في تفسير دعاة التصدي: الإسلام هو "العدو الجديد"، وانظر كذلك: في تفسير دعاة التراضي: الإسلام هو "التحدي الجديد" - ص 41 - 54 - في: فواز جرجس،أمريكا والإسلام السياسي/ ترجمة غسان غصن - بيروت: دار النهار، 1998م - ص 363. [11] انظر: جون ل.غسبوزيتو،التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟/ ترجمة قاسم عبده قاسم - ط2 - القاهرة: دار الشروق، 1422هـ/ 2002م - ص 424. [12] انظر الفصل الرابع: الإسلام والغرب: خطر الإسلام أم خطر على الإسلام؟ - ص 111 - 135 - في: فريد هاليداي،الإسلام والغرب: خرافة المواجهة، الدين والسياسة في الشرق الأوسط/ ترجمة عبدالإله النعيمي - بيروت: دار الساقي، 1997م،ص259،وتكرر الكتاب تحت عنوان: الإسلام وخرافة المواجهة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط/ ترجمة محمد مستجير - القاهرة: مكتبة مدبولي، 1997م - (القسم الرابع، الجزء الثاني: الإسلام والغرب: خطر الإسلام أم خطر على الإسلام) - ص 128 - 156 - ص 260. [13] انظر: الفصل الثاني: ملاحظات عن دور البحث العلمي في حوار الأديان؟ - ص 64 - 65 - في: فريتس شتيبات،الإسلام شريكًا: دراسات عن الإسلام والمسلمين - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2004م - ص 206 - (سلسلة عالم المعرفة: 302). [14] انظر: الفصل الثاني: ملاحظات عن دور البحث العلمي في حوار الأديان؟ - ص 64 - 65 - في: فريتس شتيبات،الإسلام شريكًا: دراسات عن الإسلام والمسلمين - المرجع السابق - ص206.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الحروب - البغضاء) أجرت مجلة التسامح مقابلة مع برنارد لويس المستشرق البريطاني الأصل والأمريكي الجنسية[1]، وهي مجلة علمية إسلامية فكرية تصدر عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بسلطنة عُمان، أكد فيها هذا المستشرق المعروف جدًّا لدى المهتمين بهذا الجانب من جوانب المعرفة، أنه لا يؤمن بهذا المصطلح "الاستشراق"، وأنه يرى أنه استخدم في حقبة من حقب التاريخ، وبالتالي فلا بد من وضع هذا المصطلح "الاستشراق" في "زبالة التاريخ"؛ هكذا في نص المقابلة التي أجريت معه في المجلة. وليس الحديث بصدد مناقشة زبالة التاريخ؛ لأن لذلك متخصصيه، إلا أن الذي يقول ذلك شخص مؤثر اليوم في السياسة الخارجية للمعسكر الغربي، هكذا كان يعبر عنه، وللولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، وذلك فيما له علاقة بالإسلام والمنطقة التي نسميها الآن الشرق الأوسط، ويستشار بكثافة في ذلك. وقد استشير في مسألة احتلال العراق، ويستشار في مسألة العلاقة بين اليهود في فلسطين المحتلة والعرب أو المسلمين المحيطين بها،وقد تكون له رؤى مطبقة الآن على الساحة، لا سيما أن هذا المستشرق، وهو مؤرخ كذلك حسب رغبته، يهوديٌّ قد أعلن انتماءه في أكثرَ من موقف إلى الصهيونية[2]. ومن هنا يستحضر ما كتبه روبرت مكنمارا ونقلته عنه صحية الحياة، وقد كان هذا الرجل وزيرًا للدفاع إبان الحرب الأمريكية في فيتنام، ثم صار يدير البنك الدولي، فقد ذكر أن الحرب في فيتنام كما الحرب في العراق مصحوبةٌ بالكره والبغض للفيتناميين وللعرب المسلمين في العراق، وليست كالحرب مع دولة أوروبية، تشارك في الهوية الدينية والثقافية والفكرية؛ولذلك فإن هذا العامل ظاهر في التعامل مع العراقيين، ومن ذلك من وقعوا في الأسر، أو تعرضوا للاستجواب[3]، كما حصل في معتقل جوانتانامو بكوبا، وفي سجون العراق التي برز منها سجن أبو غريب، وفي السجون السرية في أفغانستان وأوروبا. وليس هذا موضع اختلاف أو اتفاق، سوى أن ماكنمارا رسخه في مقالته في صحيفة الحياة، وسوى أنه لكونه وزير دفاع سابقًا ينتظر أنه ترك له بصمات فكريةً في الوزارة قد لا تختلف عما وضعه المستشرق المؤرخ برنارد لويس، ويضعه الآن من أفكار لا يستبعد أن تكون البغضاء والكره دافعًا من دوافعها،وقد تكون لهذا الدافع بصمات كذلك فيما يحدث في المنطقة بعامة من عمليات إرهابية، مما هو محير فعلًا، ويحتاج إلى المزيد من التأمل مع التصدي وسد المنابع، والعمل على اقتلاع الفتنة من جذورها. ولقد شاعت مقولةٌ تحمِّل اليهود كل ما يجري في المنطقة، ثم أضحت هذه المقولة طُرفة تتداول،ويبدو أنها عادت الآن تطرق أبواب النظرة الجدية بعيدًا عن الطرفة؛ إذ يعود السبب الرئيسي لما تشهده المنطقة من قلاقلَ متلاحقةٍ إلى الاحتلال وسياسات القمع التي تمارسها الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين، حتى إنه ليقال بأن الحرب على العراق كانت في أساسها تأمينًا وضمانًا وحمايةً للدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة، وإن أخطأت الطريق إلى العراق بدلًا من جارتها الشرقية (!) طبقًا للوثائق التي ظهرت مؤخرًا عن جماعات المسيحيين المحافظين الجدد، الذين يسيطرون على الإدارة الأمريكية[4]. وكان من الممكن أن يكون الحال على غير ما هو عليه على مختلف الصُّعُد لو لم يكن هذا العامل قد فرض نفسه بهذه القوة غير الذاتية لليهود في فلسطين المحتلة، حتى من قِبل أهل المنطقة نفسها، بحيث أضفى على الكيان الصهيوني، لا في فلسطين المحتلة فحسب بل على مستوى عالمي، هالةً من القوة ليست لها، ومن الرهبة منها ما لا تستحقه، فجعلها هذا الموقف تكسب معارك سياسية وحربية لم تخضها قط[5]،ولعل هذا الشعور لا يُلغي أننا أمام طريق طويل لا بد أنه بدأ بخطوة أو خطوات، مما يعني أن الوصول إلى نهاية الطريق مهما طالت - بإذن الله تعالى - متحقق،فكان الله في عون السائرين على طريق الحق. [1] انظر: أسرة تحرير التسامح،العرب والإسلام والغرب والظروف الراهنة: مقابلة مع برنارد لويس - التسامح - ع 5 (شتاء 1425هـ/ 2003م) - ص 263 - 272. [2] انظر في إشكالية العلاقة بين الصهيونية واليهودية في إسرائيل: رشاد عبدالله الشامي،القوى الدينية في إسرائيل بين تكفير الدولة ولعبة السياسة - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1414هـ/ 1994م - ص 13 - 44،(سلسلة عالم المعرفة؛ 186). [3] وهذه كلمة من خبير ممارس يقول عنه جيري ماندر، نقلًا عن الدكتور جان زيغلر في كتابه الأخير بعنوان سادة العالم الجدد: قتل ماكنمارا من الناس، وهو على رأس البنك الدولي، أكثر مما فعل عندما كان وزيرًا للدفاع في الولايات المتحدة مسؤولًا عن مذابح فيتنام،انظر: جان زيجلر،سادة العالم الجدد: العولمة، النهابون، المرتزقة، الفجر/ ترجمة محمد زكريا إسماعيل - بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003م - ص 159. [4] انظر: Stephen J.Sniegoski،The War on Iraq conceived in Israel - WTM Enterprises، 2003 -www.thronwalker.com/ dith / sneg concl htm). [5] انظر: عبدالوهاب المسيري،موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - ط 2 - القاهرة: دار الشروق، 2005م - 1: ص 156 - 158.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الحروب - الاعتذار) يشهد العالم اليوم محاولات لتصحيح التاريخ،ويتمثل التصحيح من خلال جملة من الاعتذارات التي يقدمها مَن جَنَوْا على غيرهم في الزمن الماضي، وقد رصد عددًا كبيرًا منها الأستاذ/ محمد السماك في كتابه مقدمة للحوار الإسلامي - المسيحي[1]،ومن هذه الاعتذارات الآتي: ارتكبت اليابان مجازر ضد الصين في الحرب المعروفة بالحرب الصينية - اليابانية قبل الحرب العالمية وأثناءها، فاعتذرت اليابان على لسان الإمبراطور عندما زار بكين سنة 1412هـ / 1992م، وأبدى استعداد بلاده لتعويض الصينيين بتمويل مشروعات تنموية ضخمة. ونتيجة لما ارتكبته اليابان كذلك في حق الصين والفلبين وكوريا، لا سيما النساء منهم، اعتذرت عن ذلك، وتعهدت بتقديم تعويضات لأسر آلاف النسوة اللاتي أسيء التعامل معهن خلال الحرب العالمية الثانية. وتعرض المواطنون الأمريكيون المتحدرون من أصول يابانية للإهانة من بني وطنهم الجديد، عندما ضربت اليابان بيرل هاربر، فجمعوا في معسكرات (محميات) اعتقال إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية، فاعتذرت الولايات المتحدة لهم عن ذلك، وعوَّضتهم ماديًّا. وتعرض الأمريكيون المتحدرون من أصول إفريقية للتمييز العنصري والاضطهاد لأجيال عديدة، وتطرح الآن قضية الاعتذار لهم من مواطنيهم البِيض، وتعويضهم بالمشروعات التنموية الاجتماعية والاقتصادية، ولعل في اختيار رئيس للبلاد تتحدر أصوله منهم [باراك حسين أوباما] ضربًا من الاعتذار المبطن، والملبس بلباس الديموقراطية. وأساءت روسيا معاملة الأسرى اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد قتل جميع الأسرى في الجبهة الشرقية، فاعتذرت روسيا لليابان، وكان هذا الاعتذار مدخلًا لمناقشة وضع الجزر اليابانية التي احتلتها روسيا. وارتكبت النازية جرائم بحق العالم، فاعتذرت لليهود فقط، وقدمت ألمانيا لهم تعويضات مالية ضخمة وما تزال، كان لها أثرٌ كبيرٌ في بناء الاقتصاد اليهودي في فلسطين المحتلة. وقد كفَّر الفاتيكان العالم الإيطالي الشهير جاليليو سنة 1042هـ/ 1633م، عندما قال بكروية الأرض، فصدر الاعتذار من الفاتيكان في وثيقة سنة 1412هـ/ 1992م تبرئ جاليليو من تهمة الكفر. ويعتقد النصارى أن الذين صلبوا المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - هم اليهود، وكانت الإدانة قد صدرت رسميًّا سنة 906هـ/ 1581م، فجاء الاعتذار في الثمانينيات الهجرية/ الستينيات الميلادية (1385هـ/ 1965م)، ببراءة اليهود من صلب المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام[2]. واعتذر الفاتيكان مرة أخرى لليهود سنة 1413هـ/ 1993م، بسبب سكوته عن المجازر التي ارتكبتها النازية بحق اليهود، وأوقف بناء دير قرب معسكر أوشوفتز في بولندا؛ لأن بناءه يُعَد إجراءً مدنسًا لأرواح اليهود الذين قتلوا في المعسكر. واعتذرت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية لليهود بعد موافقة المرجعية الدينية العليا للكنيسة في الفاتيكان، وجاء الاعتذار بسبب الدور السلبي الذي مارسته الكنيسة إزاء الاعتقالات التي تعرض لها اليهود الفرنسيون أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا. وتعرضت الشعوب الأصلية "الهنود الحمر" في أمريكا اللاتينية للاضطهاد وأعمال السخرة من قِبل الحملات الاحتلالية "الاستعمارية" البرتغالية والإسبانية التي سارت تحت راية التنصير الكاثوليكي، فاعتذر الفاتيكان عن ذلك. هذه سلسلة من الاعتذارات أريد منها "براءة الذمة"، وتصحيح مسار التاريخ،وينتظر المسلمون جملة من الاعتذارات كذلك منذ الحروب الصليبية إلى حروب البوسنة والهرسك وكوسوفا وفلسطين المحتلة وغزو أفغانستان والعراق، وما يجري الآن تجاه المسلمين في أصقاع متعددة، يستدعي الاعتذار تصحيحًا لمسار التاريخ. ولن يتم ذلك إلا بتغيير الصورة النمطية السائدة عن العرب والمسلمين في مناهج التعليم والإعلام والسينما في الدول الغربية، التي تصور الإسلام على أنه همجيةٌ وأصولية وما إلى ذلك من النعوت، التي يوسم بها الإسلام والمسلمون،ولعل هذا هو شكل من أشكال الحوار الذي قدم له الأستاذ محمد السماك في كتابه المذكورِ عنوانُه في مقدمة هذه الوقفة[3]. ولن يحصل الاعتذار الذي يصحح مسار التاريخ حتى يقوى هذا الحوار ويأخذ أشكالًا بناءة قائمة على الحجة؛ فالفكر يقارَع بالفكر ليس إلا. [1] انظر: محمد السماك،مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي - بيروت: دار النفائس، 1418هـ/ 1998م - ص 199. [2] ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]. [3] انظر: محمد السماك،مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي - مرجع سابق - ص 199.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (اليهودية- التعاطف) اليهودية محدد من محددات العلاقة بين الشرق "المسلمين" والغرب؛ ذلك أن اليهود قد حاربوا النصرانية حين ظهورها، حتى اتهمهم النصارى أنفسهم بقتل المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - صلبًا؛ فاتخذت النصرانية الصليب بعدئذ شعارًا لها،ولم تبرئ اليهود من مقتل عيسى ابن مريم - عليهما السلام - إلا في الثمانينيات من القرن الرابع عشر الهجري، الستينيات من القرن العشرين الميلادي (1965م)، إبان رعاية البابا بولس السادس للكنيسة الكاثوليكية - كما مر ذكره - فيما سمي بفاتيكان اثنين، إشارة إلى المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني[1]،ويُعَدُّ هذا البراء وجهة نظر كاثوليكية قد لا تتفق مع الطوائف الأخرى، لا سيما الكنيسة الشرقية؛ فالعداء بين اليهود والنصارى مستحكم وراسخ في الصحيح: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ [البقرة: 113]. ونظرة المسلمين لعيسى ابن مريم - عليهما السلام - ونظرية القتل والصلب واضحة، نزل بها القرآن الكريم: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء: 157]. وقد دخل بعض اليهود في النصرانية منذ سنواتها الأولى، ويعد مطلع النصف الثاني من القرن الأول الميلادي نقطة تحول في الديانة النصرانية، حين تنصر بولس أو شاؤول (ت 67م)، الذي كان يضطهد النصارى ويؤذيهم في دينهم وكنائسهم، ثم تحول إلى النصرانية وأراد أن يشوهها من داخلها، وقد فعل وسُمِّي بالمخلص عند طائفة من النصارى، مما أعان على التحريف في هذه الديانة الربانية[2]. ومعظم التحريف جاء في مصلحة اليهود؛ لأنه قام أصلًا على أيادٍ يهودية تحولت إلى قسس وكاردنالات، بل وبابوات،فكان أن تحولت النصرانية عند بعض طوائفها إلى دين يتعاطف مع اليهود، حتى وصل الأمر إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة على أيدي النصارى، من الحكومات الغربية ورجال الدين والفكر والمال في الغرب،ومراحلُ التمهيد للوطن القومي والبحث لليهود عن مكان: معلومةٌ، حتى استقر الأمر ليكون قلبَ العالم الإسلامي في فلسطين، منذ أن سعى هرتزل إلى ذلك سنة 1898م؛ أي: قبل خمسين عامًا من قِيام دولة لليهود في فلسطين المحتلة سنة 1948م/ 1367هـ. ويدعم الغرب اليهود في فلسطين المحتلة، حتى تحولت بعض دور العبادة النصرانية في الغرب إلى منابر تأييد للوجود اليهودي في فلسطين، على حساب المسلمين والنصارى الشرقيين، ولهم في ذلك آثار يزعمون أنها دينية، ومنها أن المؤمنين - النصارى هنا - سيقاتلون الكفار - المسلمين هنا - في فلسطين بمعاونة اليهود. ولا تكاد تجد كنيسة مشهورة، أو قسًّا مشهورًا، لا يدعو إلى دعم قيام دولة اليهود في فلسطين،هذا في المجتمع الغربي بصورة خاصة، وليس في المجتمع النصراني الشرقي الذي خبَرَ اليهود وأصر على موقفه منهم. وانتشر الوباء اليهودي في الغرب، حتى تحول الغرب نفسه إلى مؤسسات تخدم مصالح اليهود،وتزعم اليهود فيها معظم الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام، وإن لم يكن السياسيون المباشرون بالضرورة جميعهم يهودًا. وقد حذر بنجامين فرانكلين من فتح باب الهجرة لليهود إلى أمريكا الشمالية، وأكد أن الأمريكيين النصارى سيكونون عمالًا لليهود إذا ما حل اليهود بأرض القوم،وهذا مضمون وثيقة محفوظة في قاعة الاستقلال في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية[3]. وقد انضم المجلس العالمي للكنائس إلى المنظمة الصهيونية العالمية علنًا عام 1397هـ/ 1977م[4]،وظهر مصطلح المسيحية الصهيونية، وهي "حركة معاصرة هدفها مساندة الصهيونية اليهودية التي اتخذت من فلسطين المحتلة - ما يسمى "بدولة إسرائيل" - كيانًا لها"[5]،وقد انطلقت هذه الحركة من أمريكا لتعضيد دولة اليهود في فلسطين المحتلة، وتدَّعي أن عودة اليهود لفلسطين هو تحقيق للنبوءات، وتهيئة لعودة المسيح[6]. ومما يعملون عليه في هذا المسار سحب العالم الغربي لتأييد اليهود في كل مكان، بما في ذلك تأييده ودعمه لوطن يهودي قومي في فلسطين المحتلة، حتى وصل الأمر الآن إلى ترسيخ الاسم الذي اختاره اليهود لدولتهم: "إسرائيل"، وحتى ليكاد يطغى على الاسم الأصلي "فلسطين" الذي عرفه النصارى والمسلمون من قبل، بل وعرفه اليهود قبل ذلك. وكان هذا الموقف الغربي إزاء اليهود، وبالتالي المسلمين، محددًا قويًّا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب؛ إذ يحرص على استمرار هذا الشد بين الشرق والغرب؛ لأن اليهود يدركون أنه ليس في مصلحتهم وجود بذور تقارُب أو تلاقٍ بين الطرفين؛ لأن ذلك سيكون على حساب الوجود اليهودي، ليس في المنطقة فحسب، بل على الأرض كلها؛ إذ إن الصورة الصادقة عن اليهود إنما هي عند المسلمين ولدى بعض النصارى غير الظاهرين للناس،ويكفي أن نتذكر الآن موقف الغرب كله من روجيه جارودي[7] والقس الفرنسي الذي آزره في قضية واحدة حديثة تتعلق بادعاء اليهود إبادة الملايين الستة منهم في خضمِّ الحرب العالمية الثانية[8]. ولأن العالم، بما في ذلك المسلمون، يعلم طبع اليهود، تظهر النفرة بين العالم واليهود، وتنعكس هذه النفرة على العلاقة بين المسلمين والغرب، ويتعرض من يحذر من ذلك للمضايقة والتجاهل،والسياسة في الغرب تغلِّب جانب المصالح على أي معنى آخر من المعاني الإنسانية القائمة على الموضوعية والحقوق، إلا في الشأن اليهودي؛ فإن دعم اليهود في فلسطين المحتلة يتعارض مع المصالح العليا للشعوب الغربية[9]. هذا على المستوى المعلن الذي تترتب عليه قراراتٌ ومصائر، أما غير المعلن رسميًّا والمتروك للمجالس الخاصة فإن الغرب، أفرادًا ومؤسسات، يدرك الهوية اليهودية والطبع اليهودي المخادع، ولا يصرح بهذا الإدراك شخصٌ إلا فقَدَ مكانته السياسية أو العلمية، حتى لو جاء التصريح على سبيل الطرفة واللطافة،ويذكر في هذا المقام ما حل بوزير البيئة جيمس وات في بداية ولاية رونالد رجين في مطلع الأربعمائة والألف الهجرية - الثمانينيات الميلادية، عندما لمز اليهود بتصريح كانت نتيجته أن أجبر على تقديم استقالته من الوزارة[10]،ومن خلال حوادث أخرى متفرقة صرح بها بعض الأشخاص البِيض عن موقفهم من اليهود؛ ففقدوا مكانتهم، وتكتَّم الآخرون على هذا الإدراك وجعلوه خارج نطاق حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الفكر[11]. والشائع الآن أن اليهود في الغرب يسيِّرون معظم المجتمع على ما يرون من مفهوم للحياة،ولم يقتصروا في تسييرهم هذا على الغرب، بل سعَوا إلى انتشار نفوذهم على البلاد والمجتمعات الأخرى التي أفادت من الحضارة الغربية، على حساب حضارتها وثقافتها ومبادئها ومُثُلِها،وهذا ظاهر واضح في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وضوحًا تامًّا. والعقبة الكَأْدَاءُ التي وقفت في طريق تنفيذ الرغبة اليهودية رغم كل شيء هي الإسلام وأتباعه المسلمون، الذين ينبني عليه دينهم - على ما هم عليه من إضعاف - مع ما ينبني عليه من فهم حقيقة اليهود وتطلعاتهم في الحياة، ومواقفهم من الأمم السابقة، ومن الأنبياء والرسل من قبل. ويحاول عبدالوهاب المؤدب مرة أخرى الاعتذار لليهود بالتفريق بين اليهود زمن المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الذين نزل بهم القرآن الكريم ويهود اليوم، ويرى أن هناك من "ينظر إلى يهود المدينة (من معاصري النبي محمد) وإلى يهود إسرائيل المتحاربين مع الفلسطينيين والعرب النظرة نفسها؛ أي إن العداء لليهودية يختلط بالعداء للصهيونية، ثم يتطور عداءً للسامية دون التنبه إلى أن هذا الأخير من مستوردات الغرب"[12]،وهذه إشكالية لا تفتأ تتردد حول التفريق بين اليهودية والصهيونية[13]، لا سيما فيما له علاقة باليهود في فلسطين المحتلة وقيام دولتهم على البعد الديني والقومي[14]. ويُدرك اليهودُ هذا الموقف من الإسلام، وعُرِف عنهم أنهم يقرؤون النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تبين هذه الحقيقة، كما تبين مصير اليهود على أيدي المسلمين؛ ولذا نجدهم ينفقون أغلب جهودهم في تأخير هذا المصير. [1] انظر: زينب عبدالعزيز،حرب صليبية بكل المقاييس - دمشق: دار الكتاب العربي، 2003م - ص 27 - 53،(سلسلة صليبية الغرب وحضارته: 1). [2] انظر: علي بن إبراهيم النملة،التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص295. [3] يشكك عبدالوهاب المؤدب في صحة الوثيقة، ويرى أن اليمين الأمريكي المتطرف قد زورها في العشرينيات من القرن العشرين الميلادي المنصرم، ونسبها إلى مدبج الدستور الفدرالي بنجامين فرانكلين،انظر: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 136. [4] انظر: أسعد عبدالرحمن،المنظمة الصهيونية العالمية 1882 - 1982م - ط2،بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990م - ص 202. [5] انظر: سليمان بن سالم بن ناصر الحسيني،الحملات التنصيرية إلى عمان والعلاقة المعاصرة بين النصرانية والإسلام - لندن: دار الحكمة، 2006م - ص 494. [6] انظر: إكرام لمعي (القس)،المسيحية الإنجيلية (البروتستانتية) والموقف من الآخر - ص 153 - 262 - في: رقية العلواني وآخرين،مفهوم الآخر في اليهودية والمسيحية/ تحرير منى أبو الفضل ونادية محمود مصطفى - دمشق: دار الفكر، 1429هـ/ 2008م - ص 264 - (سلسلة التأصيل النظري للدراسات الحضارية؛ 2). [7] انظر: روجيه غارودي،الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية - ط 3 - ترجمة: حافظ الجمالي وصياح الجهيم - بيروت: دار عطية، 1997م - ص 373. [8] انظر: رضا هلال،المسيح اليهودي ونهاية العالم: المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا - القاهرة: مكتبة الشروق، 1422هـ/ 2001م - ص 272. [9] انظر: غريس هالسل،يد الله: لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟ ترجمة محمد السماك - ط 2 - القاهرة: دار الشروق، 1423هـ/ 2002م - ص122. [10] انظر: بول فندلي،من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي - ط5 - بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2002م - ص 622. [11] انظر من ذلك: أحمس حسن صبحي،المسلمون والمسيحيون تحت الحصار اليهودي - القاهرة: مكتبة مدبولي، 2002م - ص 253. [12] انظر: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 137. [13] انظر في هذه المسألة: عبدالرحمن بن محمد الدوسري،يهود الأمس: سلف سيئ لخلف أسوأ/ راجعه وخرج نصوصه وعلق عليه: مصطفى بن أبو النصر الشلبي - جدة: مكتبة السوادي، 1413هـ/ 1992م - ص 280. [14] انظر في تنظيم الصهيونية: أسعد عبدالرحمن،المنظمة الصهيونية العالمية 1882 - 1982 - ط2،بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990م - ص 272.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (اليهودية - الشرخ الأسطوري) ومن الكتب التي أعطت موضوع اليهود اعتبارًا مناسبًا لهذه المحددات كتاب حديث، ألَّفه جورج قرم بعنوان: شرق وغرب: الشرخ الأسطوري،ولم يكن هذا هو الكتاب الأول للمؤلف؛ فقد سبقه بعشرة أخرى منذ سنة 1401هـ/ 1981م، وزاد عليه بعد ذلك، وكلها إسهامات يغلِب عليها طابع الفكر السياسي[1]،هذا الكتاب مليء بالمعلومات الموثقة بالمراجع الحديثة حول موضوع الشرق والغرب. ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب أبدًا من التعرض لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، ذلك الموقف الذي بانت آثاره إلى اليوم على العلاقة بين الشرق والغرب، لا سيما ما يسمى بالشرق الأوسط الذي يدين معظم قاطنيه بالإسلام، وتتبنى غالبية القاطنين فيه من غير المسلمين داخل المجتمع المسلم الثقافة الإسلامية، حتى يهود هذه المنطقة العربية قبل الاحتلال كانوا يتبنون الثقافة الإسلامية، دون أن يؤمنوا بالإسلام دينًا؛ إذ إن لهم دينهم الذي يؤمنون به. ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، لا سيما من المفكرين الغربيين والمستغربين، من الحديث عن المحرقة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية التي بدأت سنة 1360هـ/ 1939م وانتهت سنة 1366هـ/ 1945م،ومن ذلك الحديث عن معاداة السامية وأسباب هذه المعاداة، فكانت هناك "مماحكات ثقافية عديدة عن طبيعة النازية، وجنون معاداة السامية وأسبابه، فقد تحولت إلى مشاحنات مزقت العالمين الأكاديمي والإعلامي لسنوات، من دون أن يتم الاتفاق حول المسؤولية المنسوبة إلى هذا العامل أو ذاك فيما جرى، وبالأخص المسؤولية التي تقع على عاتق الألمان بشكل جماعي"[2]،وما أثاره كتاب دانيال ج.جولدهاجن بعنوان: الجلادون المتطوعون لهتلر: الألمان العاديون والهولوكست، باريس 1417/ 1997م،وكتاب نورمان فنكلشتاين بعنوان: صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال عذابات اليهود، باريس 1421هـ/ 2001م؛ حيث يرى أن ما قام به الألمان في المحرقة أوجد نوعًا من الطقوس أخذت طابع القدسية[3]. يقول جورج قرم: "إن صورة اليهودي "التائه" صورة خلقتها الثقافة الغربية؛لذا من الخطأ القول: إن معاداة السامية ترقى إلى أقدم الأزمنة، بل إن رفض التعددية والفردانية وإيثار ما يجمع ويوحد في إضمار الأخوة الشاملة في المسيحية، هي التي أدت إلى نبذ كل الذين لا يعترفون بالمسيح، واضطهادهم في أزمنة القلاقل والحروب،لكن هذا النبذ كان يلائم المحافظين والمتشددين من اليهود، الذين بدا لهم عالم "المشركين" مدنسًا،مما ساهم في تعزيز عقلية الغيتو"[4]،ويعرف الغيتو بالهامش على أنها كلمة "تشير إلى الأحياء التي انكفأ إليها اليهود في المدن الغربية، لتجنب الاضطهاد، وكذلك لتجنب الحياة المشتركة مع "الكفار" من غير اليهود"[5]. ورغم المحاولات لدمج اليهود في المساق الوطني كما فعلت فرنسا، ورفع شعور اليهود بالدونية، إلا أن اليهودية لا تزال تعيش نوعًا من الانفصام العقائدي، "وتتنازعها التيارات المتعارضة"،فكان أن أنشئت دولة يهودية، أو أنشئ وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة باسم دولة إسرائيل، التي وصفها المؤلف جورج قرم بطفل الأنابيب، لا عيبًا بطفل الأنابيب، ولكن المراد أعمق من ذلك، فلقد "بذلت الدول الغربية جهودًا خارقة لإرساء دولة إسرائيل، بل سعت بكامل وعيها إلى إيجاد هذه الدولة مسخرة كل طاقاتها الممكنة"[6]. ثم يتساءل المؤلف تساؤلًا منطقيًّا: "كيف يمكن أن يكون الغرب علمانيًّا وجمهوريًّا ويساهم في الوقت نفسه من دون تحفظ في إيجاد دولة مصطنعة تطالب بــ: "حقها" في الوجود استنادًا إلى نص ديني؟ إذا كان التبرير الأخلاقي الذي شرع وجودها بنظر الغرب هو الاضطهاد الذي ألحق باليهود على يد شعب آخر (أي الألمان)، فإنما تم ذلك بمصادرة أرض شعبٍ آخر، أي الفلسطينيين، لا علاقة له بما حصل من اضطهاد في أوروبا للجماعات اليهودية"[7]. والسؤال منطقي، والمسوغ غير منطقي،ويبدو أن هذه القضية التي أثارت ما أثارت في المنطقة، بحيث تكون سببًا رئيسيًّا فيما يجري في المنطقة، هذه القضية لم تخضع للمنطق، بل إنها دليل "صارخ" على الكيل بمكيالين، مما هو موضع قناعة تامة من قبل عدد غير قليل من المفكرين والمناطقة الغربيين، ويزداد هذا العدد مع مرور الأيام، فهل سيصل ذلك العدد المتزايد من ذوي الاقتناع أو الاقتناعات بعدم منطقية زرع وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة إلى أن يكون هناك تأثير ما على هذا الوجود اليهودي في قلب العالم الإسلامي؟ وبالتالي يخفف من حدة التوتر في العلاقة بين الشرق والغرب؟ [1] انظر: جورج قرم،المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين - بيروت: دار الفارابي، 2007م - ص 407. [2] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 86 - 87. [3] انظر: نورمان فنكلشتاين،كيف صنع اليهود الهولوكست؟/ ترجمة ماري شهرستان - دمشق: دار الأوائل، 2003م. [4] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 87. [5] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 87. [6] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 87 - 88. [7] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 88.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (اليهودية - العهود) في العدد (13610) من السنة الخامسة والأربعين لجريدة عكاظ السعودية الصادر يوم الاثنين 7 شوال 1424هـ الموافق 1 ديسمبر 2003م،وفي الصفحة السابعة (زاوية ثقافة)، نشرت الجريدة مقالًا مطولًا (شغل الصفحة كلها) عن المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد الذي: "نافح عن قضايا الأمة بلغة يفهمها الغرب"، كما تقول الصحيفة،والمقال لم يكن لكاتب واحد، إلا أن المحرر الأستاذ جمال المجايدة استعرض أقوال مجموعة من المفكرين العرب، أمثال الأستاذ شفيق الحوت والدكتور محسن الموسوي والدكتور يوسف الحسن والأستاذ فواز الطرابلسي والأستاذة عائشة إبراهيم سلطان وغيرهم، وذلك بمناسبة الاحتفاء بالمفكر العربي الراحل إدوارد سعيد. ولقد كانت لي سياحة فكرية مع المفكر الراحل إدوارد سعيد في هذه الوقفات تحت محدد: الاستشراق، عرضت فيها سيرته الذاتية التي كتبها بأسلوبه المعتاد بعنوان خارج المكان،وقد ترجمت سيرتُه شعورَه بأنه لم يكن يقيم في أمريكا إلا بصفته لاجئًا يقيم خارج موطنه الذي عاد إليه، لا بصفته منتصرًا، ولكن أيضًا بصفته لاجئًا في بلده الأصلي. ولا إطالة في هذا، فقد كُتب عن الرجل من الكتابات الصحفية والفكرية ما يستحقه من الإشادة، وسيُكتب عنه كذلك كتابات فكرية وعلمية ناقدة؛لأن الرجل قد أكد أننا أقوياء إذا وثقنا بأنفسنا، كما يقول فواز الطرابلسي[1]. وربما يُترك الخوض في هذا الموضوع إلى الصفحة نفسها التي نشر فيها الاستطلاع والتحقيق الصحفي؛ إذ برز في أسفل الصفحة من جريدة عكاظ صورتان، صورة لقبة الصخرة في القدس الشريف، ويعبر بها عادة عن المسجد الأقصى، وليست هي المسجد الأقصى. والصورة الثانية التي تسترعي التوقف طويلا جدًّا والتأمل والاعتبار، والتي لا يقل وقعها عن وقع الصورة الحية لمقتل الصبي محمد الدرة - غفر الله له - من حيث شناعة المنظر، والإساءة إلى حق من حقوق الإنسان، وهو الحياة أو النفس التي نعدها إحدى الضرورات الخمس: الصورة كما وردت في الجريدة تمثل امرأة مسلمة فلسطينية عليها الحجاب الأبيض بين مجموعة من اليهود الجنود، وامرأة أخرى خلفها لا يبدو أنها مسلمة، بل ربما كانت يهودية، تسحب حجاب المرأة الفلسطينية من الخلف، بينما يقوم طفلٌ (صبي) يهودي يلبَس غطاء الرأس المميز لليهود بركل المرأة المسلمة من خلفها، وجنود يهودَ واقفون يتفرجون، وأقرب اعتذار لهم لمن أراد أن يعتذر لهم أن حالهم يقول: "لم أُرِدْها ولم تَسُؤْني"؛ ذلك أنهم مطالبون أمام آلات التصوير بالحفاظ على الأمن من وجهة نظرهم، ولكنهم على ما يبدو يحافظون عليه فعلًا من وجهة نظرهم التي تسمح لهم بالإساءة إلى كرامة الإنسان أي إنسان. تلك المحافظة التي سمحت لهم أن يبول أحدهم على رأس أسير فلسطيني في أحد السجون اليهودية أمام آلة التصوير المتحرك، من دون أن يكون لهذا الفعل رد فعل على أي صعيد من الصُّعُد، ولو على صعيد منظمات حقوق الإنسان، وحقوق أسرى الحرب، على اعتبار أن الفلسطينيين يعدون في حال حرب مع اليهود منذ أن اغتصب اليهود أرضهم. والصورة ليست جديدة في حق المرأة المسلمة؛ فقد اعتدى عليها يهود بني قينقاع في سوقهم، مما أدى إلى نشوب حربٍ انتصارًا للمرأة المسلمة، وربما كانت سببًا من أسباب إجلاء اليهود عن المدينة المنورة[2]،وأهينت امرأة في العصر العباسي (القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي) أيام الخليفة المعتصم، فاستنجدت به: "وامعتصماه"، فما كان منه إلا أن نجدها في معركة عَمُّورية التي قال فيها أبو تمام قصيدته المشهورة التي مطلعها: السيفُ أصدقُ إنباءً مِن الكُتُبِ ![]() في حدِّه الحدُّ بين الجِدِّ واللعِبِ وبالتالي فإنه أصبح لزامًا على جميع المسلمين الانتصار بأي لغة مناسبة غير لغة العنف والإرهاب، لأي شخص، ذكرًا كان أم أنثى، يتعرض للإهانة في كرامته من قبل أعداء الأمة. ولعل في تصور الصورة مع هذه الوقفة ما يكفي عن المزيد من التعليق الذي قد يساء فهمه، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى عدم ترك أي مجال لسوء الفهم، الذي قد يوظف ضد القضية التي نحن بصددها، وهي الانتصار لكل من يتعرض للإساءة، بسبب هويته الدينية أو الثقافية. ولا يظهر أن هذه الصورة المعبرة لا تستحق قدرًا من العناية والاهتمام لدى المَعْنيين المخوَّلين القادرين على العمل على تلافي الصورة أو الصور المتكررة بحسب معطيات الزمان والظروف. [1] عقد الباحث ملحقًا عن إدوارد سعيد - ص 121 - 129 - في كتاب بعنوان: الالتفاف على الاستشراق: محاولة التنصل من المصطلح - الرياض: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، 1426هـ/ 2005م - ص 182. [2] انظر: محمد بن فارس الجميل،الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات،ط 2 .- الرياض: دار الفيصل الثقافية، 1425هـ/ 2004م - ص 70 - 80.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال- المصطلح) لا يُرضي بعضَ الباحثين مصطلح الاستعمار، ويفضل المصطلح البديل: الاحتلال، بل لقد ظهر علينا مصطلح جديد بديل للاستعمار، وهو نقيضه: الاستخراب أو الاستدمار؛ لأنه هو الذي يعبر عن الحال التي جثم فيها الغرب على الشرق فلم يعمره، وإنما سعى إلى هدمه وخرابه والقضاء عليه[1]،إلا أن مصطلح الاستعمار قد طغى وصار مميزًا لهذا الحديث، بحيث ينصرف الذهن إلى مفهوم الاحتلال عندما يطلق مصطلح الاستعمار،ويفضل الباحث استخدام مصطلح "الاحتلال" بديلًا لـ: "الاستعمار" من دون ربطه بالمبدل منه "الاستعمار" كلما وجد[2]. وقبل الدخول في مفهوم الاحتلال محددًا من محددات العلاقة بين الشرق، المسلمين هنا، والغرب لا بد من احتمال هذا المصطلح لزمن، تحدَّد خلاله العلاقة بين الاستشراق والاحتلال من جهة، والتنصير والاحتلال من جهة أخرى، مع الاعتراف بالتداخل بين هذه العوامل الثلاثة، المحددة للعلاقة على التفصيل القادم عند الحديث عن التنصير ثم الاستشراق ثم العلاقة بين التنصير والاستشراق. وأثبت البحث العلمي أن هناك علاقة قوية بين كل من الاستشراق والاحتلال[3]؛ ذلك أن الاحتلال قد أفاد كثيرًا من الاستشراق، واستخدم بعض المستشرقين مساندين للمحتلين في وجوه: الوجه الأول: أن المستشرقين قد استخدموا مستشارين في وزارات الحربية ووزارات الاحتلال، وكانت هناك وزارات للاحتلال، ثم وزارات الخارجية،وكان بعض المستشرقين موظفين في هذه الوزارات في وظائف استشارية. الوجه الثاني: أن بعض المستشرقين قد رافقوا المحتلين في حملاتهم الاحتلالية، وأعانوهم على الوصول إلى المناطق التي عرفوها قبل وصول المحتلين إليها، بل إن من المستشرقين من صاغ البيانات الاحتلالية في البلاد العربية المحتلة وباللغة العربية، ومنهم من أذاع هذه البيانات الاحتلالية في الإذاعات الاحتلالية، التي قامت حال وصول المحتل إلى الأرض المحتلة. الوجه الثالث: أن بعض المستشرقين كانوا قد سبقوا المحتلين إلى الأراضي التي سيطر عليها المحتلون، بل إن منهم من وُلد في هذه الأراضي، لا سيما في الشام العربي والشمال الإفريقي العربي وشبه الجزيرة الهندية،وسِيَرُ بعض المستشرقين تؤكد على ذلك؛ إذ إن ولادة بعضهم كانت على الأراضي العربية أو الإسلامية[4]. والوجه الرابع: أن بعض المستشرقين عملوا وكأنهم قواعد معلومات، يستهدي بهم المحتلون، من دون أن يكونوا بالضرورة جميعهم عاملين متفرغين في تلك الوزارات. والوجه الخامس: أن الاستشراق كان دافعًا قويًّا للاحتلال، بما قدمه من معلومات سابقة لم تكن مقصودة بالضرورة لغرض احتلالي بعينه، ولكنها كانت معلومات جاهزة، فيها دعوة غير صريحة لاحتلال تلك الديار، لما ينتظر منها أو فيها من معادن وثروات طبيعية، وبما يمكن أن يستفاد من أهلها في بناء المجتمعات الغربية، لا سيما البنية الأساسية لتلك المجتمعات باستخدام ما يسمى خطأ لغويًّا بالعمالة الرخيصة؛ أي العمال الرخيصين، التي ظهرت أخيرًا، هم بشر غير رخيصين، إلا أن المقصود أنهم غير مَهَرة في الغالب، فتكون أجورهم قليلة، بل ربما ذهبنا إلى أبعد من ذلك عندما نلتفت إلى إفريقيا - في مسألة أخذ الرقيق (العبيد) منها يخدمون في البيوت والمزارع "الإقطاعات" والحظائر وغيرها. وهناك وجوه أخرى اتضحت فيها جهود بعض المستشرقين في مؤازرة الاحتلال الذي هجم على العالم الإسلامي حينًا من الدهر، على ما سيأتي بيانه في وقفة لاحقة بإذن الله تعالى. ومع هذا كله، فإن هذه الوقفة ركزت على التبعيض، وتعمدت الابتعاد عن التعميم، فلم يكن جميع المستشرقين على هذه الشاكلة، بل إن منهم من نأى بنفسه عن الاحتلال ومؤسساته. كما نأى غيرهم بأنفسهم عن الولوج في غيابات التنصير، واكتفت هذه الثلة من المستشرقين بالبحث والدراسة والإنتاج العلمي، من نشر ودراسة وتحقيق وفهرسة وتكشيف، وغيرها من الأنشطة العلمية،ومن العدل إثبات ذلك والوقوف عنده،كما أنه من العدل أيضًا إبراز جهود المنصرين في مؤازرة الاحتلال،(إعادة قراءة). ------------------------------ [1]انظر: عبدالحليم عويس، عرض ودراسة،في العمل الإسلامي،ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات - حصاد الفكر - ع 146 (ربيع الآخر 1425هـ/ يونيو 2004م) - ص 63 - 68. [2]انظر: علي بن إبراهيم النملة،إشكالية المصطلح في الفكر العربي - مرجع سابق - ص 250. [3]انظر الفصل الأول من الباب الثاني: العلاقة بين الاستشراق والاستعمار - ص 79 - 103 - في: علي بن إبراهيم الحمد النملة،ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات - مرجع سابق - ص 210. [4] انظر: نجيب العقيقي،المستشرقون - 3 مج - ط 5 - القاهرة: دار المعارف، 2006م - 110: 1 - 125.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |