فن الكتابة فى الصفحة البيضاء - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 394 - عددالزوار : 92390 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 14111 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 53254 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 46909 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 15433 )           »          الثقافة والإعلام والدعوة في مواجهة الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 21 )           »          أساليب نشر العلمانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3626 )           »          الصوابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          القوامة الزوجية.. أسبابها، ضوابطها، مقتضاها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2021, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (9)

قواعدُ إدارةِ النزاعاتِ مع ابنكِ: من القرآن..


أسماء محمد لبيب


-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -

حين تحدثُ أزمةٌ بينِكِ وببنَ وَلَدِكِ، ما القواعدُ التفصيليةُ التي تمشينَ عليها تَطبيقًا لما سَبَقَ من القواعدِ العامة؟
بدايةً.. استحضِرِي الغايةَ الكبرى: إرضاءُ ربُ العالمين.. واستحضِري نظرَه إليكِ وتسخيرَهُ لملكينِ عِندَكِ يَرصُدانِ كلَ ما تلفِظِينَ من قولٍ أو فِعل... {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
وبناءً عليه..
-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
وليس ((نفسيتَكِ)) أنتِ/ وتفريغَ انفعالاتِكِ: {ونَهَى النفسَ عنِ الهَوَى}..
-بالتالي لاتَغضَبي لنفسِكِ.. اغضبِي للهِ فقط: { {ليس لكَ مِنَ الأمرِ شيء} }
-فإن كان الغضبُ لغيرِ اللهِ وإنما لعارضٍ مِن الأمورِ الحياتِيةِ مثلا، فاذكُرِي اللهَ وتَعَوَّذِي مِن الشيطانِ واتْلِي قُرآنًا لتسكينِ القلوبِ وترغيمِ الشيطانِ وتَهيئةِ النفوسِ للخير:{ {وإما يَنزَغَنكَ مِنَ الشيطانِ نَزغٌ فاستعِذ بِالله} }/ { {ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القلوب} }/ {إنَّ هذا القرآنَ يَهدِي للتِي هِيَ أقوَمُ}..
-ثم أنزِلِي حُكمَ اللهِ على المشكلةِ كما فَصَّلنا في مَقالَتَيْ العدلِ/ والكتابِ والميزان: { {وأنِ احكمْ بينهم بما أنزلَ اللهُ} }.. {فلا وربكَ لا يؤمنونَ حتى يُحَكِّمونَكَ فيما شَجَرَ بينَهم ثم لا يَجِدُوا في أنفُسِهِم ((حَرَجًا)) مما قَضَيتَ.. ويُسَلِّمُوا تَسلِيمًا}.. { {وَمَن لَمْ يَحكُمْ بِما أنزلَ اللهُ فأولئكَ هم الظالمون} }
-وإن ثبتَ أنكِ أنتِ المُخطِئة، فاعترفي بالحقِ بشجاعةٍ وتواضُع: { {كونوا قوامينَ بالقِسطِ شُهُداءَ للهِ ولو عَلَى أنفُسِكُمْ أو الوالدينِ والأقربين} }
-ولا تترددي في إعطاءِ صاحبِ الحقِ حقَه،ُ ولا تنسِبِي الخَطَأَ لغيرِكِ بغيرِ حَقّ: {وَمَن يَكسِبْ خَطيئةً أو إِثمًا ثمَ يَرمِ بِهِ بريئًا فقدِ احتَمَلَ بُهتانًا وإثمًا مُبِينًا}
-ولا تُتْبِعِي ذلكَ الحَرَجَ بويلاتِ عقوباتٍ وجزاءاتٍ شتَّى حِفظًا لماءِ وجهِكِ وتنفيسًا عن ضِيقِكِ من كَونِكِ المخطئة.. كلا: فكما قلنا: {ثم لا يَجِدُوا في أنفسِهِم حَرَجًا مما قضَيْتَ}.. { {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} }... { {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا.. اعدِلُوا هُوَ أقرَبُ للتقْوَى} }.. { {وقد خابَ من افتَرَى} }.. {وقد خابَ من حَمَلَ ظُلمًا}...
-واحذَرِي من مُعاقَبَةِ كل البيتِ بجريرةِ شَخصٍ واحد: { {ألا تزِرُ وازرةٌ وِزرَ أُخرَى} .. { وأن ليسَ للإنسانِ إلا ما ((سَعَى))} ..}
{ {وَلَا تَعْتَدُوا.. إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} }/ { {واللهُ لا يُحِبُ ((الظالِمِين))} ..}
-وإياكِ أن تتهاوَنِي في حَقِ الناسِ إرضاءً وانحيازًا لأحدِ أبنائِكِ لو كانتْ الأزمةُ تَمَسُّ حَقًا للهِ أو الآخَرِين: {إنما أموالُكُمْ وأولادُكُم فِتنةٌ واللهُ عندَهُ أجرٌ عظيم}.. {لا تُلهِكُم أموالُكم ولا أولادُكُم عن ذِكرِ اللهِ.. وَمَنْ يفعلْ ذلكَ فأولئكَ هُمُ الخاسِرُون}.. {إنَّ مِن أزواجِكم وأولادِكُم عَدُوًا لكم فاحذَرُوهُم}..
-خاصةً حقوقُ الناسِ فلا تَرضَيْ فيها بالظلمِ ثم أنتِ عندَ حقِكِ وحقِ أبنائِكِ تُقِيمِينَ الدنيا حرائقَ وتقولينَ "هذا لا يُرضِي الله"، كلا.. فهذا مِن أمراضِ القُلُوب: { {ويلٌ للمطففين} }.. { {وإذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِه ليَحكُمَ بينهم إذا فريقٌ منهم مٌعرِضُون.. وإن يَكُن لهمُ الحقُّ يأتُوا إليهِ مُذعِنين} }
-و كلُّ ما عَدَا حَقِّ اللهِ والآخَرِين، وتقدِرِين على العَفوِ فِيه، وتعلَمِينَ أن عَفوَكِ لَن يُفسِدَ وَلَدَكِ ولن يُجَرِؤه أكثرَ على التمادِي، فاعفِي واصفَحِي: {وأن تعفُوا أقرَبُ للتقوَى}.. {والصُلْحُ خَيرٌ}.. {والكاظِمين الغيظَ والعافِينَ عنِ الناسِ}.. {وإذا ما غَضِبُوا هُم يَغفِرُون}
-واجعليهِ عَفوَ الكرام لا عفوٌ فيهِ مَنّ وأذَى: { {فاصفَحِ الصَفحَ ((الجميل))} }.. { {قَولٌ معروفٌ ومَغفرةٌ خَيرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتبَعُها أَذَى واللهُ ((غَنِيٌّ حَلِيم)).. يا أيها الذينَ آمَنُوا لا تُبطِلُوا صَدقاتِكُم بِالمَنِّ والآذَى} }..
-وإياكِ وكُفرانَ العِشِير، فلا تَشطُبِي مواقفَهمُ الطيبةَ بِسببِ غَضَبِكِ: {ولا تَنسَوا الفَضْلَ بينكُم}.. {إن اللهَ يأمُرُ بالعَدلِ والإِحسانِ}
-وَتَخَيِّرِي ألفاظَكِ بعنايةٍ فمِن الكلامِ ما قَتَل: {وقُل لعبادِي يَقولُوا التي هِي أحسَنُ إنَّ الشيطانَ يَنزَغُ بينَهُم}.. {وقُولُوا للناسِ حُسنًا..}.. {لا يُحِبُ اللهُ الجَهرَ بالسوءِ مِنَ القَولِ إلا مَن ظُلِم}.. { {وهُدوا إلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ} }..
-و اسمعي منه فقد يكونُ مُجردَ سُوءِ فَهم: { {فتبينوا أن تُصِيبُوا قومًا بجهالَةٍ فتُصبِحُواعلى ما فَعَلتُمْ نادِمِين} }
-وإن عَجَزتِ عَن حَسمِ الحُكمِ واشتبهَتْ عليكِ المسألة، فلا تَتَعَجَّلِي بحُكمٍ عَشوائِيٍّ لإنهاءِ المَوقِفِ وحَسب، بل فَهِّمِي أبناءَكِ أنك فَوَّضْتِ الحُكمَ للهِ عَالمِ الغيبِ والشهادة.. هذا أفضلُ عندَ رَبِكِ وأبنائِكِ من أن تَتَبِعِي الهوَى فتظلِمِي: {فلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أن تَعدِلُوا}
-ولا تُكثِرِي مِن الحَلِفِ باللهِ وأنتِ غَضْبَى كيلا تَندَمِي.. ولو أقسَمْتِ على شَيء، فَبَرِّي قَسَمَكِ إن لم يِكُنْ فيهِ إثمٌ أو عذابٌ وَعَنَتٌ على أهلِك، وإلا فَلتَحنثي ولتُكَفّرِي عَن يَمِينِكِ طالما الخيرُ والإصلاحُ في ذلك: {ولا تجعَلوا الله عُرضَةً لأيمانِكُم أن تَبَرُّوا وتَتَقُوا وتُصلِحُوا} { {واحفَظُوا أيمانَكم} }.. فحِفظُها يَكُونُ عنِ الكَذِب/ أو الإسرافِ/ أو الحِنْثِ إِلا لِخَير..

وختامًا..
أعلمُ أن كَبحَ زِمامِ النفسِ شديد، وأننا لن نُوَفَّقَ فيهِ دومًا..
لكنه يسهلُ بالاستعانةِ بالِله: { {واستعينوا بالصبرِ والصلاة} }...
وبالمجاهدةِ المستمرةِ كما في الوصيةِ النبوية: "استَعِن باللهِ ولا تَعجَز"/ إنما العِلمُ بالتعلمِ وإنما الحِلمُ بالتحلُم.."
مع تَذكِيرِ النفسِ دَومًا أنهم أمانةٌ في حُجُورِنا قد وهَبْنا غَرسَها للهِ بلا حَظِ نَفسٍ أو مَصلحةٍ سِوَى الفِردَوس..
وبذلك لن يكونَ سَهلًا عَليكِ ظُلمُهُم والثأرُ لِنفسِكِ، وسيكونُ ذِكرُ اللهِ رفيقَكِ، وستَقطِفِينَ ثمرَةَ حُبِهِم واطمِئنانِهم مَعَكِ، فتغنَمِينَ في الدنيا والآخرةِ ما يُعَوِّضُ صَبرَكِ، فمَن تَزَكَّى فإنما يتزكَّى لنفسِه...

فإن سألتِ: كيفَ نوازن بين الحِرصِ على نفسيتِهِم و" {ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء} "،
وبين تعلِيمِهِمْ تَحَمُّلِ عواقِبِ الأمور؟
فالجوابُ في القاعِدةِ القادمة بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-10-2021, 09:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (10)

تفصيل قاعدة {ليس لك من الأمر شيء}


أسماء محمد لبيب





فإن سألتِ: كيفَ نحقق قاعدةَ "ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء"، دون إهمالِ تَعلِيمِهم تَحَمُّلِ عَواقِبِ الأمور؟

مثلا، إذا سَقَطَ منه كوبُ العصير دون قصدٍ أو إهمال، أو لم يصنعْ لكِ كوبَ قَهوَتِكِ كما تحُبِينَهُ، أو دَخَلَ إلى المنزِلِ بحذائِهِ الممتليءِ بالرملِ، أو أغلقَ السيارةَ قبل أن تنزِعوا المفاتيحَ منها، أو أضاعَ هاتفَهُ أو نَزَلَ إلى المَسبَحِ ناسيًا أن الهاتفَ فِي جَيبِهِ.. إلى آخِرِ تلكَ المواقفَ اليوميةِ العفويةِ التي لا تتماسُّ مع العقوقِ أو الحقوقِ، ومتصلةٌ بأمورٍ دنيويةٍ لا دينية، وليس فيها شُبهَةُ إهمالٍ أو سوءُ خُلُق..
فبدايةً:
-استهدِي باللهِ وحَوقِلِي واسترجِعِي واحمَدِي اللهَ علَى كُلِ حال..
ثم اقبَلِي اعتِذارَهُ ولا تُشعِلِي البيتَ حرائقَ على مِثلِ تلكَ الأمور، مهما كانتْ مُوجِعةً لكِ وسخيفة..

-وفهّمي ولدَكِ أنها دنيا لا تُساوِي عِندَ اللهِ جَناحَ بَعوضةٍ فلن تغضَبِي لفواتِ دُنيا، وأنكِ ستحتَسِبِينَ أجرَ كَظمِ الغيظ، لأنكِ دومًا تَدْعِين أن يُصَبِرَكِ اللهُ على مصائبِها ومُنَغِّصاتِها وسخافاتِها كي تَغنَمِي أجرَ الصبرِ الجميلِ، وأنكِ تَحمَدِينَ اللهَ أنها ليست مَصائبَ في الدينِ ولا فِيهم فالحمدُ للهِ أنهم بِخير.. وأن قُدوَتَكِ في ذلكَ النبيُ ﷺ الذي لم يغضَب لنفسِهِ ولا انتقمَ لها قَط ..
-واجعَلِيهِ يُساهِمُ في إصلاحِ الخطأِ قدرَ استطاعتِهِ، فلا تَحمِلِي عنهُ واجِبَ الإًصلاحِ إلا قليلًا حسبَ تقديرِكِ للظرفِ الراهِنِ، بكلِ هدوءٍ وصبرٍ وحِلم..
فمادامَ قد أخطأَ رُغمًا عنهُ ودونَ إهمال، ووَجَدتِهِ نادمًا، فسامحِيه.. ولا تلومِيهِ كأنه مُتُعَمِدٌ.. ففي الحديث: «رُفِع عن أمَّتِي الخطأَ والنسيانَ وما استُكْرِهُوا عَلَيه»
ولو كان أخطأَ عن قَصدٍ وهناكَ شبهةُ إهمالٍ، لكنهُ نادمٌ، فاجعلِي غايتَكِ أن يَتَعَلمَ الدرسَ المُستفادَ مِن خَطَئِهِ، وسُرعَةَ إزالتِهِ بإقرارٍ واعتذارٍ وإصلاحٍ: {ويدرؤون بالحسنةِ السيئة}، وقال النبي ﷺ: «أتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمْحُها» ..
ولا تكن غايتُكِ أن يرى قدراتَكِ على الانتقامِ والبَطشِ/ وشِدةَ اعتدادِك بحظِّ نفسِكِ والعياذُ بالله/، ورَفْضَكِ لقبولِ الإصلاحَ مِنه/
فلا يدفَعُكِ حِرصُكِ على ردعِهِ إلى أن تفعَلي ذلك..: {إنما التوبةُ على اللهِ للذينَ يعمَلُونَ السُوءَ بجهالةٍ ثم يتُوبُونَ مِن قَرِيب} .. {إلا من ظَلَمَ ثُم بَدَّلَ حُسْنًا بعدَ سُوءٍ فَإنِي غَفورٌ رحيم} ..
فإن الشعور َبالذنبِ أقوَى رادعٍ عن الخطأِ بالفِعل، وقد تحقَقْ لكِ..

أما إن كان قد أخطأَ عامدًا مُتَعَمِّدًا وتكرارًا، ولديهِ استهانةٌ بحقِ الآخرينَ أو النعمةِ، مع عدمُ الشعورِ بالذنبِ أو الندم، فلتكُنْ غايتُكِ هنا كذلكَ وأنتِ تتخيرينَ وسيلةَ الردعِ، أن تربيَهُ على النفورِ من تَكرارِ الخطأِ والحرصِ على الحقِ واجتنابِ الظلمِ، لا أن تَجعَلِيهِ يكتئِبُ وييأسُ من نفسِهِ بسببِ شِدةِ ردِّ فِعلِكِ..
وأحيانًا تَضعُفُ مقاومَتُنا ولا رَيْب.. فلو غَضِبتِ لنفسِكٍ في موقِفٍ ليسَ لديكِ نيةٌ للهِ من ورائِهِ بل ثأرًا لحظِّ نفسِكِ فقط، وتَجاوَزتِ الحَدَّ في رِدِّكِ وظَلَمْتِ وقَصَّرتِ في تطبيقِ القواعد، فحذارِ أن تُبَرِرِي ذلكَ بأعذارٍ تَنفِي بها أنّ ما صدرَ مِنكِ كان خَطَئًا وظُلمًا يَستَوجِبُ توبةً واعتذارًا، ولا تُلقِي بالخطأِ على ولدِكِ كما قلنا سابقًا،
بل على النقيض: بادِري بالإقرارِ بشجاعةٍ وتواضُعٍ أنه كان سلوكًا خاطِئًا وكلُنا ذوُو خَطأٍ وخَيرُ الخطائينَ التوابون.. {يا أيُّها الذِينَ آمَنُوا كونُوا قَوامِينَ بالقِسطِ شُهَداءَ للهِ ولو على أنفُسِكُم}..

وإن كان خَطَؤُهُ في أمورٍ دينيةٍ أو أخلاقيةٍ، كتَكاسُلٍ عن مَوعِدِ الصلاةِ مَثَلاً أو التلفُظِ بالسبِّ أو الكذِبِ أو خيانةِ أماناتٍ وأسرار
أو السخريةِ والاغتيابِ لغيرِه وما إلَى ذلك، فاغضَبِي ها هنا للهِ إن شِئتِ ولا حرج عليكِ، لأنك تُعَلِّمِينَهُ بغضَبِكِ هنا أن يَعمَلَ حِسابًا لغَضَبِ الله لا غَضَبِك، فغَضَبُكِ هنا تربيةٌ إسلاميةٌ قَوِيمةٌ، وإن رأوْا أوداجًا مُنتَفِخَةٌ ووَجهًا مًتَمَعِّرًا حتى، فليسَ عليكِ مَلام..

وفهِمِيهِم كلَ مَرةٍ هذا التمايُزَ السلوكِيَ بينَ المواقفِ التِي ((للهِ))، والمواقفِ التي ((لنَفسِكِ))، غرسًا لقِيمةِ الأُولَى في نفُوسِهم، وطلبًا للمساعدةِ منهم كصُحبَةٍ صالحةٍ، حالَ ضَعفِكِ في الثانية،
وأن رسولَهم ﷺ لم يغضَبْ لنفسِهِ قَط، إلا إنّ يَقَعَ مُنكَرٌ أمامَه أو تَهاوُنٌ في حقوقِ الغَير وما إلى ذلك، وأن غضَبَهُ ﷺ كان درجاتٍ:

-أولُها يَسكُتُ ويَتَغَيَّرُ وجهُهُ بالعُبُوسِ أو بتعبيراتِ الاستياءِ، وتَختَفِي ابتسامتُه الحَنونةُ الدائمةُ، وقد تَحِلُّ مَحِلَّها ((ابتسامةُ المُغضَب)) كما حدثَ في قِصةِ كعبٍ بنِ مالِكٍ وغزوةِ تَبُوك.
-ثانيها يسكُتُ ويَحْمَرُّ وجهُهُ ويُقرَأُ الغضبُ في وجهِه، وتَضطَرِبُ لذلكَ قلوبُ رِجالٍ كالفاروقِ عُمَر..
-ثالِثُها يَنهَرُ المُخطِيءُ بغضَبٍ واضحٍ يَهابُ مِن وَقعِهِ الحاضِرُون..

فخِتامًا...
كُونِي قدوةً في الاعتِرافِ بالخطأِ/ والتواضعِ للحقِ/ والتوبةِ من قريبٍ/ والغضبِ للهِ لا للنَفسِ/ وكُونِي في ذاكِرَتِهِم الأمَّ التقيةَ الرحيمةَ العَفُوَّةَ، التي تُسامِحُ في أمورِ الدنيا إجمالًا، لكِنَها في حَقِ اللهِ وتربيتِهم على الاستقامةِ لا تِتهاوَن..

وبذلكَ تُحَقِقِينَ التَوازُنَ في {لَيسَ لَكَ مِنَ الأمرِ شَيءٌ} ، وتُضاعِفِينَ مِن أمانِ أبنائِكِ النفسيِّ والدِينِيّ، بإذن الله..

وأعلمُ أن كثيرًا منا قد تَرَبَّى خلافَ هذا ورُبَمَا يَعوقُهُ ذلكَ كثيرًا عن المجاهدَة..
والجواب في القاعدة القادمة بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-11-2021, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (١٢)

{فَبُهُداهُمُ اقتَدِه}: لا قُدوة على غَيرِ هُدًى..


أسماء محمد لبيب




قالَ تَعَالَى آمِرًا نَبِيَهُ الكريمَ ﷺ: {أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقتِدِهْ} ..
يأمرُهُ بالاقتداء بالصالِحِين، وهو ﷺ أكمَلُ الناسِ صَلاحًا وَخُلُقًا وَطَرِيقةً، وأعلمُهُم بِالهُدَى..!
فكيف بنا نحن؟
لا شَكَ سنقولُ جَميعًا: ((لكننا قُدوَةٌ صالحةٌ لأبنائِنا بالطبعْ..!))
فأتساءلُ: ومِن أينَ استقَينا المَعْرِفَةَ أو المعلوماتِ التي تُؤَسِّسُ أفعالَنا وقناعاتِنا الصادرةَ أمامَهم لِيَقتَدُوا بِنا فِيها كي نَجزِمَ بيقينٍ أننا قُدوةٌ صالحة؟ ألا نُدرِكُ أن الأفعالَ هي ثمَرةُ القناعاتِ؟ وأن القناعاتِ هي ثمَرةُ المعرفةِ؟
إن القدوةَ هي مُحاكاةٌ لنَموُذَجٍ ما، سواءٌ كان النموذجُ غائِبًا أو حاضِرًا.. فالنَمُوذجُ الحاضِرُ قُدوَةٌ عَمَلِيَّةٌ حِسِّيَّةٌ -أي نَتلقَّاها بالحواسّ-/ والنمُوذجُ الغائبُ: قُدوَةٌ عِلميةٌ خَبَرية -أي نتلقاها بالأخبارِ والمَعرِفة..
تَظُنِينَ حبيبتي أن اللهَ سيأمُرُ نبيَهُ بالاقتداءِ بقومٍ مِن زَمانٍ آخرَ لم يُعاشِرْهم، ثُم لا يَمُدُّهُ بمَعلوماتٍ عن هَديِهِم وطَرِيقتِهِم وأخلاقِهِم؟
القاعدةُ الأصوليةُ الفِقهِيةُ المَعروفَةُ تقول: ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا بِهِ فهو واجبٌ..
فلا يَشُكُّ عاقلٌ أن الأمرَ الإلهيَّ بالاقتداءِ بالقُدواتِ الغائبةِ، مُتَضَمِّنٌ لأمرٍ آخَرَ مَنطِقِيٍّ لا ينفكُّ عَنهُ وَلا يَتِمُّ إلا بِه، ألا وهُو: تَعَلُّمُ سِيرِتِهِم وأفعالِهم أولًا..
هذا... وهو النبيُّ واسِعُ العِلمِ بالأخلاقِ والفضائلِ وأركانِ الصلاحِ الإنسانِيَّ الشامِلِ عِلميًا وعَمليًا،
فما بالكم نحن، وَنحنُ لم نُتَمِمْ بَعدُ ما لا يَسَعُ المسلمَ جَهلُهُ في أبسَطِ أصولِ ومعارِفِ دينِنا الإيمانيةِ والأخلاقيةِ والسلوكيةِ؟ كيف سنربِي أولادَنا على شَيءٍ لم نتَرَبَّ بِهِ نحنُ أولًا كقدوةٍ حاضرةٍ أمامَ حواسِّهم الخَمسَة؟
كيف سأكون صبورةً وأُربي ولدي على مَراتِبِ الصبرِ، ولم أَتَعَلمْ مثلًا قِصةَ أيوبَ ويوسفَ ونُوح؟
كيف سأربي نفسِي ووَلَدِي على معاني العِفَةِ، ولم أتعلَمْ مثلا قِصةَ يوسفَ ومريمَ؟
كيف سأربيهم على الحياءِ ولم أتعلمْ قصةَ موسَى وبناتِ شُعَيب؟
كيف سأربيهم على الصِدقِ دونَ أن أتعلمَ قِصةَ كعبٍ بنِ مالِكٍ،
أو على الدعوةِ بلا يأسٍ أو قنوطٍ دُونَ أن أتعلمَ قِصةَ نوحٍ ويونُسَ؟
بل كيف سأربيهم على أي خَصلَةِ خيرٍ دونَ أن أتعلمَ قَصصَ الأنبياءِ والصحابةِ والصالحينَ من سلفِ الأمةِ كافَّة؟
تلك هي القدواتُ المطلوبُ منكِ أنتِ أولًا تَعَلُّمَ سِيرتِها الصحيحةِ معرفيًا، قبلَ أن تكونِي فيها قُدوةً عَمَلِيًا،
إن كنتِ تريدينَ غَنِيمَةَ الآخرةِ لكليكُما كما قالَ تعالَى: {لقد كانَ لكُمْ فِيهِمْ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرجُو اللهَ واليومَ الآخِرَ}
تَأَمَّلِي بَنِي إسرائيل حينما استَنكَرُوا وِلادةَ مريمَ لطِفلٍ دونَ زوجٍ وظنوا السوءَ بها، ماذا قالوا أولَ شَيء: {يَا أُختَ هارُونَ ما كان أبوكِ امرأَ سَوءٍ وما كانتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} ... يُذَكِّرُونَها بقدواتِ بيتِها الكرامِ ويستنكرُونَ أن يَصْدُرَ مِنها ما ينافِي سيرتَهُم العفيفةَ وأخلاقَهم القويمةَ..
تَأَمَّلِي كذلكَ كلمةَ "كما" في قولِ اللهِ تعالَى: {فاصبِرْ ((كما)) صَبَرَ أولُوا العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ}
القدوةُ إذًا -حاضرةً أو غائِبةً- هي أقوَى الأدلةُ إقناعًا وأشدُّها َحَثًا لأولئكَ البراعمَ المقتفينِ لأثَرِنا، أنَّ كلامَنا عَمَلِيٌّ تطبيقيٌّ، لا مُجِردَ شِعاراتٍ نظرِيةٍ عَصِيَّةٍ على التنفيذ.. فيَصبِرُونَ كما تَصبُرِين، ويَعفُونَ كما تَعفِينَ، ويستُرُونَ كما تَستُرِين، ويَجُودُونَ بالخيرِ كما تَجُودِين، ويَتَرَفَّعُون عنِ الفواحشِ كما تترَفَّعِين، وهَلُمَّ جَرًا..
بالتالي... فإنَّ على رأسِ القُدواتِ المطلوبُ مِنا تَوفيرُ أصولِها في أنفسِنا لأبنائِنا: النبيَ محمد ﷺ..
فهو الذي قِيلَ فيه أنه ((قرآنٌ يَمشِي على الأرضِ)).. والقرآنُ هو الذي قِيلَ فيه أنه {يَهدِي للتي هِيَ أقوَمُ} ..
فصار ﷺ أسوةٌ حسنةٌ حاضرًا وغائبًا، على أكملِ وأجملِ ما يكونُ..
فتعلَمِي عنهُ هُو بالأخص:
كيفَ يُعَظِّم اللهَ وشعائرَه/ وكيف لا يَغضبُ لنفسِهِ ولا يَسُبُ ولا يَكذِبُ ولا يَسخَرُ/ وكيف يَعدِلُ ويَحكُمُ بما أنزلَ اللهُ دونَ حَرج/ وكيفَ كَرَمُه وحياؤُهُ وصِدقُهُ وعَفوُهُ ورِفقُهُ وتواضُعُهُ/ وكيف هِمَّتُهُ وعبادتُهُ واعتناؤُهُ بالعِلمِ وزُهدُهُ في الدنيا/ وغيرُ ذلكَ من هَديِهِ القويمِ في المُعاملاتِ والآدابِ وكلِّ فَضِيلَةٍ تَستَطِيعِينَ تَحصِيلَ عِلمَها وتَطبيقَها، قَبلَ أن تطلُبِي من أولادِكِ الالتزامَ بها..
وصَدَقَ مَن قال:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
فأعيذُكِ أن تكوني كمن قال فيهم ﷺ: "مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ ويَنسَى نفسَهُ، كمثلِ السِراجِ: يُضِيءُ للناسِ... و((يُحرِقُ نفسَهُ))"..
وكلُ ذلكَ لن ينجحَ دونَ الاستعانةِ بحولِ اللهِ وقُوتِهِ، على أنفسِنا وأبنائِنا..
فسدِدُوا وقارِبُوا.. وأبشرُوا..
فالتوازنُ مطلوبٌ، دونَ مِثالِيةٍ مُحبِطةٍ، ولا عَفَوِيَّةٍ مُهلِكَةٍ، ولا تناقُضاتٍ مُخجِلَةٍ..

فكيف نُحَقِّقُ هذا التوازنَ؟ ومتى ينبغِي أن ننتبِهَ لأمرِ القدوةِ؟ ومَتَى تبدأُ المحاكاةُ عادَةً؟ وإنْ خُدِشتِ القدوةُ أمامَ الأبناءِ يَومًا فكيفَ التصرُفُ؟ وإنْ كَبُرَ وَلَدِي وأنا لازِلتُ أجاهِدُ نفسِي ولم تَكتَمِلْ قُدوَتِي لهُ بَعدُ فِي حَدِّها الأدنَى ويُقَلِدُنِي، فما الحل؟
والجوابُ في القواعِدِ القادمةِ تِباعًا بإذن الله..










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-11-2021, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (١٣)

كل ابن آدم خطاء": ليسوا ملائكة.. ولا أنتِ!


أسماء محمد لبيب



ثمةُ أمهاتٍ يُعامِلنَ أولادَهُنَّ كملائِكَةٍ لا يَعصُونَ اللهَ ما أمَرَهُم ويَفعَلونَ ما يُؤمَرون..

رُغمَ إقرارِهِنَّ أنَّ كلَ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، إلا أنهُنَّ عَمَلِيًا يَنسَوْنَ هذا القانونَ البَدَيهِيَّ..
حبيبتي..
ابنُكِ دونَ الحُلُمِ مَرفُوعٌ عنهُ القلمُ لأنهُ سيُخطِيءُ كثيرًا عن جهلٍ وعُذْرٍ، وليسَ القلمُ مَرفوعًا عنهُ لأنهُ لن يُخطِيءَ..!
فلماذا سيُخطِيءُ كثيرًا؟
لأنه غيرُ مُكتَمِلِ النُمُوِّ الجسديِّ والعَقليِّ والنفسيِّ والاجتماعيِّ.. فلا يُمُيِّزُ الصوابَ من الخطأِ ولا يُدرِكُ عواقِبَ الأمورِ ولا يُلِمُّ بقوانينِ الحياةِ كلِها بَعْد.. فيتَعَثَّرُ تمامًا كَتَعَثُرِهِ حينَ يتعلمُ المَشْيَ أولَ مَرَّة..
ويُصبحُ مكلفًا مُحاسَبًا بأهليةٍ وجَدارَةٍ حين يَبلُغُ الحُلُمَ ويَشتَدُّ عُودُه، دونَ أدنَى ظُلمٍ له مِن ربِهِ أرحمِ الراحِمينَ وأحكمِ الحاكِمين..
ونِسبَةُ الخطأِ والتَعَثُرِ تَقِلُّ تدريجيًا كلما كَبَرُوا وانتقلوا بسلامٍ من المرحلةِ العُمرِيَّةِ الأدنَى إلى الأعلَى، وكانت تربيتُهم فِي جَوٍّ أُسِرِيٍّ آمِنٍ وصِحِيٍّ وإسلامِيّ، بلا عَقبَاتٍ قاصِمة فِي طريقِ نُمُوِهِمُ الشامِل..
فعليكِ:
-إدراكُ ذلك
-والإلمامُ بالحدِ الأدنَى من المعرفةِ بطبيعةِ وسِماتِ واحتياجاتِ المرحلةِ العُمْرِيةِ، وبكيفيةِ تحقيقِ التوازُنِ بين طبيعةِ كلِ مَرحَلَةٍ ومُتَطلباتِها وخُطَةِ التربيةِ التي رسَمتِها لهم
-واستيعابُ أنَّ صبرَكِ على أخطائِهِم ليسَ تَفَضُّلًا وإنعامًا مِنكِ حبيبتي، إنَما هو شَهادةٌ في حَقِكِ بالرُشدِ والحِكمَةِ، وأنكِ عاقِلَةٌ فِكرِيًا ومُتَزِنَةٌ انفعاليًا، مُستَوعِبَةٌ للبَدِيهِياتِ وتُعطِينَ الأمورَ حَجمَها، وتُمَيزِين جيدًا مَنِ الصغيرُ ومَنِ الكبيرُ/ ومَنِ القويُ ومَنِ الضعيفُ/ ومَنِ العالِمُ ومَنِ الجاهلُ/ ومَنِ المُكَلَفُ ومَنِ المَرفُوعُ عنهُ القلمُ..
ليسوا ملائكةً.. وكذلك أنتِ.. كلاكُما ابنُ آدم وكُلُ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ..
فلو تَعذُرِينَ نَفسَك؟ِ= فَهُم أجدرُ بالمَعذِرة، فعلَى الأقلِ هم مَعذُورون لقلةِ رُشدِهِم ونُضجِهم وخِبراتِهم، بينما أنتِ كبيرةٌ وراشدةٌ وخبيرةٌ، فكيفَ عُذرُكِ مُقارَنةً بهم؟
ولو عذرُكِ في عَصَبِيتكِ هو الضُغوطُ والمسؤولياتُ؟= فأعِيدِي مُراجعةَ وترتيبَ أوضاعِكِ مِن جديدٍ وأزيحِي منها ما أمكَنَ، مِن عَمَلٍ أو دِراسَةٍ أو رسائلَ عِلمِيةٍ قد لا يكونوا بالضرورةِ العاجلةِ التي تبدو لكِ بل ربما الأفضلُ لكِ ولبيتِكِ تأجيلُها لأجواءٍ أكثرَ بركةً في التحصِيل، واكتفِي مُؤقتًا بالضغوطِ الأصلِيةِ في حياتِكِ كأمٍ وابنةٍ وأختٍ وزوجة، فنحنُ جنودٌ لله، نَعمَلُ حيثُ سخَرَنا وقَدَّرَ لنا، وتَذَكَّرِي دعاءَ النبيِّ ﷺ بالجنةِ حينَ قال: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ"، أي إذا أُقِيمَ في مُقَدِمَةِ الجَيشِ لِحراسَتِه رَضِيَ وقامَ، وإنْ أُقيمَ في السَّاقةِ مُؤَخِّرةِ الجَيشِ رَضِيَ وقامَ، ولا يَضُرُّهُ تفاوتُ المَواضِع، لابتغائِهِ وَجهِ اللهِ، وهو خامِلُ الذِّكرِ بِلا مَكانةٍ بيْنَ النَّاسِ ولا يَسعَى لوَجاهَةٍ بيْنَهُم..
فطُوبَى كذلكَ لأُمٍ آخذةٍ بعِنانِ نفسِها ولِجامِ أمرِها في سبيلِ اللهِ، مُنطَلقةً تُجاهِدُ في تربيةِ أبنائِها بإحسانٍ، مُستَدبرَةٍ زخارفِ الدنيا، خَفِيةِ الذِكرِ بينَ الناسِ بِلا مكانةٍ عِلمِيةٍ أو شَرَفِيَةٍ، لكنها عندَ ربِها حَفيةُ الذِكرِ شريفةُ القدرِ مَحفُوظةُ الأجرِ..
ولو عُذرُكِ هُو جَهلُكِ بقواعِدِ التربيةِ تِلك، فها قد عَرَفتِ فالزَمِي، وقولي ربِّ زِدنِي عِلمًا.. وأكمِلِي مَسيرَةَ طلبِ العِلمِ التربوِيِّ، لتفكيكِ ما يُضاعِفُ تَعَثُرَكِ مَعَهُم.
ولو عُذرُكِ ضَعفُ مُقاومَتِكِ؟= فكيفَ بِمَن هم أضعَفُ وأَعجَزُ مِنكِ؟ لا شكَ أنكِ بَشَرٌ تَضعُفِينَ وتَعجَزِينَ، لكنِ الصغارُ أضعَفُ وأضعَف.. اجبُرِي ضعفَكِ بحَوقَلاتٍ واستغفاراتٍ وركعاتِ بَثٍّ مِن نوعِيةِ "أرِحنا بِها يا بلال"، وبمُحاسَبَةٍ دَورِيةٍ وإصلاحٍ، وبالاستعانةِ بمن يَدعَمُكِ ويَحمِلُ عَنكِ/
وَلَبِنَةٌ فوقَ لَبِنَةٍ يَكتَمِلُ البِناءُ.. فاستعِنْ باللهِ ولا تَعجَز..
ولو عُذرُكِ هُو حُزنُكِ لتأخُرِ الثَمَرةِ وتُبَرِّرِينَ عَصَبِيَتَكِ بذلك؟= فكما قُلنا مِرارًا: كُلُّ نَبتَةٍ لها مُدةُ إنباتٍ..
هناك بِذرَةٌ تحتاجُ سبعَ سنواتٍ لتُزهِرَ، كشجرةِ المانجو مثلًا، وهناك بِذرةٌ تحتاجُ لسبعَةِ أيامٍ، كالعَدَسِ مثلًا.. فتأمَّلِي! سبعُ سنواتٍ وسبعُ أيامٍ، والماءُ واحدٌ والتُربَةُ واحدةٌ.. وفي السماءِ رِزقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ.. والرِزقُ يحتاجُ لسَعْيٍ، فاسعَيْ وتَرَقَّبِي رِزقَهُ برضا وتَوَكُلِ الطيرِ= فتَغدِينَ بكفوفٍ خاويةٍ، وتَعُودِينَ بها عامرةً بالأزهارِ..

فاسقَي.. واستمِرِي.. واصبرِي.. وأبشرِي.. ربُكِ سيسألُكِ عن السقايةِ، لا ثمرتِها، ما دُمتِ رَعَيتِها بِما علَّمَكِ..
وثمةُ أمهاتٍ تتعاملُ مع خَطئِها بجلدٍ للذات مُفرِطٍ ومُحبِطٍ..
فَلا تنسَي: أنتِ لستِ ملاكًا.. فلا تُسَوِّقي نفسَكِ عِندَهُم كالملاكِ أو قريبٍ مِنه، حتى إذا زَلَلْتِ تكونُ صدمةٌ لكليكُما..
بَل أدرِكِي ضَعفَ نَفسِكِ، واعلَمِي أن هناكَ مِساحاتُ عَجزٍ وقِلَةِ حِيلَةٍ نستعينُ فيها باللهِ ذِي القوةِ والطولِ، والتقصيرُ مَعفِيٌّ عنهُ طالما نجتهدُ ونجاهِدُ بنفسٍ لوامةٍ بغيرِ إفراطٍ، تُصحِحُ المسارَ أولًا بأول..
وكَرِّرِي عليهم أن كُلَ ابنِ آدمَ خَطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابُون، وأنكِ قُدوةٌ تُسارِعُ إلى الخيرِ الذي تأمُرُ بِه، وتمتَنِعُ عن الخطأِ الذي تَستَنكِرُه.. ولا تَمنَعَنَّكِ زلاتُكِ عن الاستمرار..
قِيلَ عنِ الحسنِ البَصرِيِّ أنهُ ما بَلَغَ ما بَلَغَهُ مِن مكانةٍ إلا لكَونِهِ إذا أمَرَ الناسَ بشَيءٍ يَكونُ أسبقَهُم إليه، وإذا نهاهم عن شَيءٍ يكونُ أبعدَهم مِنهُ.. وهوَ نفسُهُ الذِي حِينَ قِيلَ لَهُ أنَّ فُلَانًا لَا يَعِظُ مَخافَةً أن يقُولَ مَا لَا يفْعَلُ، قال: [وَأَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟-يَقصِدُ ((كُلَّ)) ما يَقول- [وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّ يظَفِرَ بِهَذَا فَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ]..
=فالأساسُ أن فِعلُكِ مُوافِقٌ لقولِكِ، لا انفصامَ بينَهُما ولا ازدواجيةً للمعايير، فقاعدتُكِ: {وما أُريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}/ {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}/ {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
=والخطأُ والتقصيرُ وارِدٌ، وقاعِدتُكِ: {كل ابن آدم خطاء}/ و{إن أريد إلا الإصلاح ((ما استطعت))}..
=وبادِرِي بالإقرارِ والاعتذارِ إن أخطأتِ، وقاعدتُكِ: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}..
=وتَجَنَّبِي مَواطنَ الشُبهَةِ وبَرِّئِي سُمعَتَكِ... وقاعدتُكِ: {ما عَلِمنَا عليه من سوء}.. كما فعلَ النبيُ ﷺ حين كان مع صفيةٍ في الطريقِ ليلًا، فبعضُ الصحابةِ أَسرَعُوا الخُطَى، فَبَرَّأَ ﷺ موقفَهُ وأوضحَ أنها زوجتُه.. ذَكَرَ ابنُ حَجَر ضِمنَ فوائدِ الحديثِ: ((اجتنابُ التَعَرُّضَ لسوء الظن بنا وتقديم العذر فيه))..

غَفَرَ اللهُ لنا انفلاتَ أعصابِنا معَ المَرفُوعِ عنهُم القَلَمُ..
شَمِلتْهُم رحمتُهُ تعالَى، وضاقَتْ عنهم رحمَتُنا...
فاللهم سامِحْنا واجبُرْ عَجزَنا واجبُرْهُم.. وما أُبَرِّيءُ نفسِي فكُلنا خطَّاؤُون.. وخيرُ الخطائِينَ التوابُون..
فإن سألتِ: متى وكيفَ ننتبِهُ لأمرِ القُدوَةِ؟ ومَتَى تَبدأُ المُحاكاةُ عادَةً؟
فالجوابُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-11-2021, 09:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (15)

{قُلْ هُوَ مِن عِندِ أَنْفُسَكُمْ}.. فتِشِي بالداخل..!


أسماء محمد لبيب



إِحدَى صَدِيقاتِي كانتْ تَشكُو إِلَيَّ بِشدةِ من وَلَدِها.
جَلَسْتُ مَعَهُ في أولِ زِيارةٍ لهم.. يبدُو جميلًا وزكيًا حفظَهُ الله، مُندمِجٌ بشكلٍ صِحِيٍّ مع أولادِي ولا تَظهَرُ عليهِ أيُّ أماراتِ اعوجاجِ سُلُوكٍ..! فسألتُها: مَالَهُ وَلَدُكِ؟! أراهُ بِخَيرٍ، ففيمَ شكواكِ مِنهُ؟ فقالتْ لِي إِجمالًا: نَعَم، هو وَلَدٌ رائعٌ ومنيرٌ، لكنِ اختَلِفِي مَعَهُ فقط في الرأيِ وستُظلِمُ الدنيا فِي وَضَحِ النهارِ..!
في الحقيقةِ، أنا سَكَتُّ ولم أُعَقِّبْ، لأنها رَمَتْهُ بدائِها وانسَلَّتْ وهِي لا تَشعُرُ، وكُنتُ أتمنَّى إخبارَها أن هذا الشِبلَ مِن ذاكَ الأسدِ للأسفِ وأنه اكتسَبَ العِنادَ مِنها ولطالما عانيْتُ مِن ذَلِكَ مَعَها، لكِني استحيَيْتُ لأنِي في بيتِها ولأنَ عَلاقتَنا لمْ تَتَعافَ بَعدُ مُنذُ آخِرِ صِدام!
أيتها الأمهاتُ الطيبةُ..
لا تأتِينِي شاكيَةً مِنْ عَيبٍ أو خَطَأٍ مِن أولادِكِ، أنتِ شخصيًا الكبيرةُ الراشدةُ ذاتُ الإرادةِ تَفعَلِينَهُ وتَعجَزِينَ عن تَركِهِ وتَعذُرِينَ نفسَكِ بأنَّ هذا وُسعُكِ وتُماطِلِين فِي المُجاهَدَةِ والتزكِيةِ..
فمثلما تَعذُرِينَ نفسَكِ في تَركِ التَزكِيةِ، للأسفِ هُم كذلكَ يَعذُرُونَ أنفسَهم وينتظِرُونَ مِنكِ إعذارًا بِالمِثلِ.
غَضَبُكِ الكاسِحُ، كَذِبُكِ، سِبابُكِ، اغتيابُكِ للناسِ، نقرُ الغُرابِ في صلاتِكِ، احتقارُكِ للناسِ، شكواكِ المستمرةُ على كلِ حال، نُكرانُكِ للجَمِيل، فُجورُكِ في الخُصومَةِ، ضَعفُ شَخصيتِكِ، كسلُكِ، إهمالُكِ لمسؤولياتِكِ، تَدخينُكِ، جَزَعُكِ عِندَ المُصيبةِ...... إلى آخِرِ مُنكَراتِ السلوكِ والعباداتِ كافةً، إن رأيتِ أولادَكِ يُحاكونَها ولا تُبادِرِينَ بتزكيةٍ مُعلَنَةٍ وصادقةٍ، فراجِعِي نفسَكِ قبلَ فواتِ الأوان..
وقبلَ أن تشتكِي من وَلَدِكِ، هناكَ أمورٌ ينبغِي فعلُها أولًا، وأمورٌ ينبغِي ألا تفعَلِيها..
فإياكِ أن يكونَ أولَ ما تفعلينَهُ هو تبريرُ خطئِكِ لتبرِئَةِ نفسِكِ أمامَهُ.. لا تستهِينِي ببطاقةِ الذاكرةِ وعملياتِ الفرزِ والتحليلِ التي يُجرِيها عقلُهُ كلَّ ثانيةٍ للمُدخَلاتِ، والتي من ضِمنِها اقتناصُ نقاطِ التعارُضِ وازدواجيةِ المعايير..
ثم إننا كأمهاتٍ طَمُوحَةٍ نَبتَغِي تربيةَ أجيالَ العِزَةِ، ليسَ في قاموسِنا التَربَوِيِّ مُصطلَحُ "أنا فقطْ أسبُّ أو أصرُخُ أو أُدَخِنُ أو ألطُمُ وَجهِي عِندَ المُصيبَةِ أو أُشاهِدُ المسلسلاتِ" مثلا..
أي نَعَمْ هناكَ أمورٌ خاصةٌ بالكبارِ فقط لا إثمَ فيها وَلَيستْ مِن صلاحياتِ الصِغار، لكِنَها تكونُ منطقيةً وبتقبلونَها بالحوارِ المُقنِعِ الهاديءِ الودودِ، وبالدليلِ الشرعيِ أو العقليِ مِن مَنطِقِ الحياةِ إجمالًا: مِثلُ سَهَرُكِ بالليلِ أحيانًا وهو لا، وقيادةُ والدِه للسيارةِ وهو لا..
إياكِ أيضًا أولَ شيء أن تَبحثِي عن آخَرِين تُلصِقِينَ بِهم تُهمَةَ فسادِ سُلُوكِ وَلدِكِ تَبرِئَةً لنفسِكِ مِنَ المَعَرةِ التربويةِ كذلك، على غرار: ((ابنُ فلانٍ سَيءُ الخُلُقِ وهُوَ الذي عَلَّمَ وَلَدِي يَفعَلُ الخطأ))..
وأنا لا أنفِي تأثيرَ البيئةِ الخارجيةِ ولا دَورَ الصُحبَةِ السيئةِ معهم -(ولنا كلامٌ عنها لاحقًا بإذنِ الله)- ولا أنكِرُ تَأثُّرَ الصِغارِ ببعضِهِمِ البَعضَ بطبيعةِ الحالِ فالتقليدُ فِطرَةٌ غريزيةٌ عامَّةٌ كما قلنا،
لكنِ المَطلوبُ: ألا نلجأَ أولَ شَيْءٍ لهاتَينِ الحِيلَتَينِ النَفسِيتَينِ دُونَ رَوِيَّةٍ وَتَبَيُّنٍ وصِدْقٍ مَعَ النَفسِ، لمجَردِ تَبرِئَةِ نفسِكِ كقُدوَة..
وأن نعرفَ أن غالبيةَ مشاكلِ التربيةِ داخليةٌ وليستْ خارجيةً، أيْ مِن بُيُوتِنا ولَيسَتْ مِن خَارِجِها، غالبًا ولكلِ قاعدةٍ استثناءٌ.. {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} {وَمَا أَصابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِنْ نَفسِكَ} {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا.. قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}..
فما أَوَّلُ شَيءٍ نَفعَلُهُ حِينَها لنَفهَمَ مَوطِنَ الداءِ؟
أولًا: نُفَتِشُ عن تربيتِنا نحنُ لأولادِنا.. هل ربيناهُم على ذلكَ السوءِ؟ ثُم هل حصَّنَّاهُم مِنَ المُدخَلاتِ الخاطِئَةِ وعَلَّمناهُم كيفَ لَا يكونُوا إِمَّعَةً -إذَا أحسَنَ الناسُ أحسنُوا وإذا أساؤُوا أساؤُوا؟ بل يقولون للمُخطِيءِ: "أنتَ مُخطِيءٌ.. وَكُفَّ عن السُوءِ فإنهُ لا يَلِيقُ بالمُسلِم"، ولا يُسارِعُون في تقلِيدِ الخطأِ كلَ مَرَّة....؟
فإن كانتْ تربيتُكِ تَرتَكِزُ على أن يكونَ ولدُكِ هو المُؤَثِرَ في الآخرينَ بالخَيرِ وليسَ العَكسَ، ونشّأتِهِ على تَجَنُبِ المُنكراتِ وسَيِّءِ الأخلاقِ وعَدَمِ محاكاتِها، وعلى التَحَلِّي بالفضائلِ وتقليدِها== ومَع ذلكَ يُقلِدُ أقرانَهُ في أخطائِهم، فحينَها: { {لا يَضُرُّكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُمْ} }، فلا لَوْمٌ عليكِ ولا حَرجَ، ولْتُكمِلِي تِكرارَ النُّصحِ والإصلاحِ، وأجرُكِ على الله..

ثانيا: نُفَتِشُ عَن قدوتِنا نحنُ في مِرآتِهِمُ السلوكيةِ لنَرَى هل نحنُ نفعَلُ ذلكَ السُوءَ أمامَهم؟
وإن رأينا انعكاسَهُ مِنا بالفعلِ، وشعُرنا بالذنبِ والندمِ والعزمِ على الإصلاحِ، فالحمدُ للهِ: لقد وضعنَا أيدِينا على بدايةِ طريقِ التقويمِ الفعّالِ وتعديلِ السلوكِ مُمتَدِ الأثَرِ فينا وفيهم بإذنِ اللهِ..
فحين نتعامل هكذا مع جذور المشكلة بكل تَجَرُّدٍ للحقِ وصِدقٍ معَ اللهِ والنفسِ== سنتعلم من أخطائِنا ونُصلِحُ ما أفسدناهُ لاستئصالِ السوءِ من مَنبَعِهِ، وحينَها كذلك: {لَا يَضُرُّكُمْ مَن ضَلَّ إِذَا هتَدَيتُمْ}..
أما خِلافُ ذلك؟=== { {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أنفُسِهِم} }.....!؟
فلا نَدفِنُ رأَسَنا في الترابِ لتفادِي مُواجَهَةِ الحقائقَ والمُورِثَةِ للحُزنِ والضِيقِ والجُهدِ التَزكَوِيِّ والتَربَوِيِّ المُضاعَف..
فلن يورِثَنا ذلكَ الهروبُ إلا راحةً مُزَيَفَةً مُؤقَتَةً نَشقَى ونتخَبَطُ بعدَها أكثرَ..
واللهُ لا يُغَيِرُ ما بقومٍ حتَى يُغَيرُوا ما بأنفُسِهِم...
فإن سألتِ:
بعدما يَتَضِحُ أنَ الخطأَ {فبِما كَسَبَتْ أيديكم} ، كيفَ أغنَمُ الآيةَ {لا يَضُرُكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُمْ} ، وقُدوتِي لَهُم مَخدُوشةٌ للأسف ولازِلتُ أُجاهِدُ نفسِي في الإصلاحِ؟
والجوابُ في القاعدة القادمة بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-11-2021, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (16)

{لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}


أسماء محمد لبيب




من جميلِ كلامِ الشيخِ عليِّ الطنطاوي، حين عُوتِبَ في حَلقِه للِحيَتِه:
((أمَّا حَلقُ اللحيةِ فلا واللهِ ما أجمَعُ على نفسِي بين الفِعلِ السيءِ والقولِ السيء، ولا أكتمُ الحقَ لأني مُخالِفُهُ، ولا أكذبُ على اللهِ ولا على الناس.. وأنا مُقِرٌ على نفسِي أَني مُخطِىءٌ في هذا، ولقد حاولتُ مِراراً أن أدَعَ هذا الخطأَ، ولكن غَلَبَتْنِي شهوةُ النفسِ وقوةُ العادةِ، وأنا أسألُ اللهَ أن يُعِينَنِي على نفسِي حتى أُطلِقَها، فاسألوا اللهَ ذلكَ لي فإنّ دعاءَ المؤمنِ للمؤمنِ بظهرِ الغيبِ لا يُرَدُّ إن شاء الله))
ثُمّ وفقهُ اللهُ بعدها فأرخَى لِحيتَهُ وأعفاها.

يُلهِمُنا هذا بالكثير..
فما إن يبدأُ وَلَدُكِ في تَقليدِك في خطأٍ ما لازِلتِ تجاهدينَ نفسَكِ في الإقلاعِ عنه والتزكية، فبإمكانِكِ رُغمَ ذلكَ وبفضلِ اللهِ اغتنامُ الآيةِ: { {لا يضُرُكُم مَنْ ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم} }..
حتى وإن استَمَرَّ هوَ على الخَطأِ..
كيف؟
-أولُ خُطُواتٍ كما قلنا في القاعدةِ السابقة: عدمُ البدء بإلصاقِ الخطأِ بالبيئةِ الخارجيةِ دون دليلٍ، للتَمَلُّصِ وتبريرِ الخطأِ بحِجج وحِيَلٍ نفسِيةٍ والتبرؤِ مِن الحَرَج..
-بل نفتشُ في الداخلِ وفي مِرآتِنا السلوكيةِ أولًا، وإن ثَبَتَ أن المَنبَعَ مِن عِند أنفسِنا، فالخُطوَةُ التاليةُ: إقرارٌ واعتذارٌ..

فتقولين لولدكِ:
=أنا مُخطِئَةٌ في هذا السلوكِ وهو لا يُرضِي اللهَ وقد قالَ فيه كذا، فلا تفعلْ مِثلي يا بُنَي..
=وأنا أتوب إلى الله من ذلك وأجاهِدُ نفسِي دَومًا، لكنّي أحيانًا أضعُفُ ويَستحوِذُ عليَّ الشيطانُ ويُنسِيني ذِكرَ اللهِ وأحتاجُ حِينَها لصُحبَةٍ صالِحَةٍ مِثلِكَ يا بَطليَ الصغيرَ المؤدب، لتُذَكِّرَني باللهِ، فتغنمُ صُبَحتِي وأغنَم: {اجعل لِي وزيرًا مِن أهلِي.. هارونَ أخِي.. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.. كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا.. إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}...
=لا صحبةٍ سيئةٍ تُكرِرُ خَطَئِي فتأثَمُ وتُؤثّمُنِي أكثرَ ونُضاعِفُ عَدَدَ المسلمينَ المُسِيئِينَ المُسرِفين..
=الإنسانُ يا بُنَيّ قليلٌ بنفسِهِ كثيرٌ بإخوانِهِ ولا حولَ له ولا قُوةَ إلا بإعانةِ رَبهِ ثم بالتعاونِ مَع غيرِه على الصلاح..
=فإن رأيتَني أفعلُه مُجَددًا فقُل لي:
أمي هذا خطأٌ ولا يُرضِي اللهَ ولا يَلِيقُ بالمسلم كما عَلَّمْتِنِي، ولْنتعاوَنْ في تَركِهِ بمتابَعةٍ عَمَلِيةٍ حَثِيثَةٍ، وقاعدتُنا يا أمي: { {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} }..

---هذا مثالٌ للأمهات، أو كما تَرَينَ الردَ المناسبَ، المهمُ أن يكونَ بمصداقيةٍ تُعَوّضُ وتُفسِّرُ عَجزَكِ كقُدوةٍ، عن تعديلِ سلوكِك في نفسِ الخطأ..
-وعليكِ إظهارُ حَسرتَكِ الحقيقيةَ كَونَ هذا العيبَ فِيكِ..
-والتمني بشدةٍ أن يعافيكِ اللهُ منه..
-ومجاهدةُ نفسِكِ فيه فِعليًا كلَ مَرةٍ خاصةً أمامَه، وتَعَمُّدُ جَذْبِ انتباهِه لذلكَ بمواقفَ عمليةٍ صَرِيحَةٍ تَشرَحِينَ له فيها كيفَ قاوَمْتِ هنا بصِدقٍ وإصرارٍ واستعانةٍ بالله/ وكيف ضَعُفتِ هنا وتلومينَ نفسَكِ/ وماذا ستفعلينَ المرةَ القادمةَ أكثرَ بخُطواتٍ: واحدٍ اثنانِ ثلاثة..
-وتقديمُ الأسبابِ الشرعيةِ والعقليةِ لقُبْحِ هذا العيبِ، والحرصُ أن تكونَ أسبابًا تَلمِسُ قلبَهُ وتحركُ فِكرَهُ وتؤثرُ فيه وتستعرِضُ عواقبَ هذا الخطأِ في الدنيا والآخرة، والاستعانةُ بقصصٍ واقعيةٍ لأناسٍ هَلَكُوا بسببِه أو خَسِرُوا خيرًا كثيرًا..
وبالمِثل: استِعراضُ المقابلَ الصالحَ من هذا السلوكِ وعواقبَهُ الطيبةَ في الدارينِ كذلك، شرعًا وعقلًا وواقعًا ملموسًا صادقًا..

=مع مُضاعفَتِكِ لسلوكياتِكِ الزكيةِ أمامَ حواسِّه..
=والاستتارِ بالسلوكِ السيئِ الذي لازِلتِ بعدُ تُجاهِدِينَهُ..
فمثلًا لو أنكِ لازالتِ تُقاوِمِينَ التدخينَ أو مُشاهَدَةَ الأفلامِ والأغانِي عافانا اللهُ، فعلَى الأقلّ لا تفعليهِ أمامَ وَلَدِكِ بل استَتِرِي، وجاهِدِي حتَى يتوبَ اللهُ عليكِ ويعافِيَكِ من المَعَرَّةِ والمَلامَةِ والذنبِ، وقاعدتُك هنا "كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ"..

=وهكذا إذًا...
إذا خُدِشَتْ قُدوَتُكِ في مَوطِنٍ، تُعَوِّضِينَها في مواطِنِها الأخرى، بخمسِ قواعِدَ قرآنيةٍ ونبويةٍ،
احفظِيها عَني:
=واحد: الاعترافُ بالحقِ مباشرةً: {وآخَرُونَ اعترَفُوا بذنُوبِهم خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيئًا عسَى اللهُ أن يتوبَ عليهِم}
=اثنان: التوبةُ فورًا: {ثم يَتُوبُون من قريب}..
=ثلاثة: عدمُ الإصرارِ والتمادِي في الخطأِ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)).. أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ}
=أربعة: البِدءُ بإصلاح النَفسِ قَبلَ الآخَرِين: {قُوا أنفُسَكُمْ وأهلِيكُم نارًا}
=خمسة: الإكثارُ مِن السلوكياتِ الطيبةِ سرًا وعلنًا لمزاحَمَةِ الأخطاءِ ومَحوِها: "أتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمحُها"، {إن الحسناتِ يذهبن السيئات}

فأدركي أمرَكِ قبلَ أن ينفَرِطَ عُقْدُ القُدوةِ من بينِ يديكِ وتجدينَ ولدَكِ يومَ القيامةِ يقولُ: {إنا وَجَدنا آباءَنا كذلكَ يَفعَلُونَ وإنَّا على آثارِهِم مُقتَدُون}، والعياذُ بالله..
أعلمُ أن لدينَا طِباعًا يَغلِبُنا فيها التطَبُّعُ والمُجاهدةُ، ولا يكلفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها، لكِنْ يَظهَرُ لولدِكِ بوضوحٍ كيف أنكِ تحاولينَ تغييرَها بصدقٍ، من خلالِ تنفيذِك لتلك القواعد..

أما إذا اتضح أن وَلَدَكِ مُجرد يُترجِمُ فِعلَكِ بِشكلٍ خاطِيءٍ فيُحاكِيكِ في سلوكٍ ظاهرُه خطأٌ فحَسْب، وليسَ خطأً مطلقا =فبيِّنِي لهُ أنّ ما رآهُ ليسَ كما فَهِمَ، وبَرِّئِي نفسَك فأنتِ قدوة.. مِثال: رآكِ تُلقِينَ الفُطورَ في سَلَّةِ القِمامةِ فَألقَى طَعَامَ الغَداءِ مثلَكِ..! فسألتِه: لماذا بُنَيَّ فعلتَ ذلك؟ فأجاب: رأيتُك تفعلينَهُ يا أمي..! فتقولين: لكنِّي ألقيتُهُ لأنهُ فاسدٌ لا يَصلُحُ للأكلِ الآدَمِي، وألقيتُهُ في القمامةِ المُجَمَّعَةِ لقِططِ الشوارِعِ، فعمَلِي مأجورَةٌ عليهِ، بينما عَملُكَ لا يُرضِي اللهَ لأنكَ ألقيتَ نَعمَةً يحتاجُها المَساكينُ.. في المرةِ القادمةِ بُنيَّ تَبَيَّنْ أولًا قبلَ تقلِيدِ أحد، ولا تُقَلِّدْ الخطأَ.. وَوَجَبَ عَلَيّ كذلكَ أنْ أُبيِّنَ فِعلِي لِئلَّا يُساءَ الظنَّ بِي ويُقتدَى بِي بِالخطأ..

وختامًا..
إذا اتضح بعد نقاشِكُما أنّ مصدرَ السلوكِ الخطأِ الذي يُحاكِيهِ ليسَ مِنكِ، ففتِشِي عن الصُحبَةِ والأقاربِ والمَرئِياتِ، كما سنتكلمُ عنهم لاحقًا بإذنِ اللهِ لأهميتِهم..
فلكَيْ تَستَقِيمَ النَبتَةُ علَى سَوقِها، تَحتَاجُ لمناخٍ مُلائِمٍ وصَوبَاتٍ خاصة.. أم نتركُها في مَهَبِّ الرِيح وهي لازالَت خَضراءَ طريةً، بزَعمِ أنّ هذا يُقَوِّيها؟
والجواب في القاعدة القادمة بإذن الله..













__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25-11-2021, 10:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (18)

فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ.. ترتيبُ التلقين للأبناء.


أسماء محمد لبيب



تكلمنا في المقالة السابقةِ عن ترويضِ أبنائِنا بالإسلامِ، واليوم نتكلمُ عن أولويات السقايةٍ الحكيمةِ المُثمِرَةِ بإذنِ الله، فقد لا تَظْهَرُ الثمرةُ أحيانًا لاختلالِ أولَوِياتِ رِعايةِ النبتَةِ وكثافةِ سِقايتِها وعدمِ مُراعاةِ أحوالِ البُذور..
فمن أينَ نبدأُ؟ وكيفَ نَتَرَقَّى؟ كيفَ نُرَتِّبُ أولوياتِ التلقِينِ الذي يترتبُ عليهِ تعديلُ السلوك؟
نتأملُ مثلًا وَصيةَ النبي ﷺ لِمعاذِ بنِ جبلٍ حينَ ابتعَثَهُ لأهلِ اليمَنِ ليُعَلِمَهمُ الإسلامَ:
"إنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ.. فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إلى أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لكَ بذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم صَدَقَةً..." (إلى آخر الحديث)
ونتأملُ قولَ عائشةَ عنِ القرآنِ: "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ، نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ.. وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا...".. (والمُفَصَّلُ هو الأجزاءُ الأخيرةُ من المُصحف)..
▪️فلدينا تلقينُ ((إيمانٍ)) و((قُرآنٍ)) و((عباداتٍ))..
▪️فنَزَلَ مِنَ القرآنِ ما يُرَسِّخُ الإيمان..
▪️ثم نَزَلَ تِباعًا مِن القرآنِ ما يُؤَسِّسُ للعباداتِ والآدابِ والأخلاقِ المَبنِيةِ على هذا الإيمان..
يُؤكدُهُ ما قالَهُ جُندَب بنُ عبدِ الله: "كُنَّا مَعَ النبي ﷺ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ (أي قاربنا البلوغ)، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا"..
وليس معنى كلامِه تَركُ القرآنِ أو تأخيرُه في المرتبةِ الثانية!
بل الاستعانةُ بالقرآنِ في تعليمِ الإيمانِ.. فالقرآنُ هو الإيمانُ جملةً وتفصيلًا..
هو كتابُ التوحيدِ والعقيدةِ الأولُ الذي نِسكُبُهُ في مَسامِعِ صِغارِنا وهُم أجِنَّةٌ في بطونِنا، ذَهَبًا مُسالًا في عُرُوقِهِم رُويْدًا رويدًا..
فالقرآنُ والإيمانُ كلاهُما بَوابَةٌ للآخَرِ ووَقُودٌ لَه..
▪️▪️وأول ما نزل كان القرآنُ، ليُعَلمَ النبيَ ﷺ الإيمانَ: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"..
▪️▪️وقد كانَ يَنزِلُ الوَحيُ على مَسامِعِ صِغارِ الصحابةِ قَبلَ تَعَلُّمِهِ:
قالَتْ عائشةُ: "لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}../ وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ" (تقصِدُ بعدَ زواجِهِ بها ﷺ في المدينة..)
إذًا... جاريةٌ صغيرةٌ تتلقَّى القرآنَ بأذنَيها وتَحفَظُهُ قبل أن تَفهَمَهُ..
▪️ ▪️ كما عَلَّقَ ابنُ تيميةَ على حديثِ جُندَبٍ قائلًا: [[القرآنُ يُعطِي العِلمَ المُفَصَّلَ، فيِزِيدُ الإيمان.. وتَعَلُّمُ الصحابةِ للإيمانِ قَبلَ (((استِكثارِهِم))) مِنَ الحِفظِ، ساهَمَ فِيهِ أنّ أُسُسَ الإيمانِ مَبثُوثَةً فِي سُوَرِ المُفَصَّلِ؛ ولذا سَمَّى ابنُ مَسعودٍ سُوِرَ المُفَصّلِ بلُبابِ القُرآنِ.]] (انتهى كلامه)

فلا نُعَطِلُ تَحفيظَهُ للصغارِ ريثما نُتَمِمُ تَلقينَ العقيدةِ، بلِ المذمومُ هو تكديسُ حِفظِ القرآنِ كلِهِ مِن فاتِحَتِهِ إلى خاتِمَتِهِ، على حِسابِ تعليمِ الإيمان..
كذلك، ليسَ مَعنى الحديثينِ تأخيرُ تلقينِ بقيةِ شُعَبِ الإيمان -من أخلاق وعبادات- أو عدم دمجِها مع تلقينِ العقيدة، فقد جمعها النبي ﷺ معًا:
▪️كما في حديث الغُلام: "يا غلام: سَمِّ اللهَ=(عقيدة)/ وكُل بِيمينِكَ=(عبادات)/ وكُل مما يَلِيك=(أخلاق)"،
▪️وكما في حديثِ شُعَبِ الإيمانِ،
▪️وكما في آيةِ تعريفِ البِرّ، الجامعةِ لأصولِ الدينِ الثلاثةِ: الإيمانُ والأخلاقُ والأعمالُ..
بل إن أركانَ الإسلامِ الخمسةَ ذاتَها= تربيةٌ للنفس وتعديلٌ مستمرٌ للسلوك وتنميةٌ لروحِ الثبات على مُرادِ الله.. فكيف نؤجلُ تلقينَها وتعليمَها للبراعم...؟
لذلك:
▪️مَنْ يَستَنكِرُ البِدءَ بتعليمِ أركانِ الإسلامِ قَبلَ أركانِ الإيمانِ...
▪️أو يستنكرُ بِدءَ تحفيظِ الصغارِ القرآنَ قبلَ إتمامِ الإيمانِ....
فليُراجِعْ حَدِيثَ الغلامِ/ وجُندَبٍ/ وعائشة/ وغيرِهِم..

فلا يعنِي الترتيبُ أنَّ التربيةَ تتناولُ رُكنًا بعدَ رُكنٍ مُنفَصِلِين بالضرورة.. بل هناك تداخلٌ وتكاملٌ بينَها في كلِ مرحلةٍ بلا استثناء، لكنْ فقط ستزدادُ كثافةُ رُكنٍ مُعينٍ عَن كثافةِ بقيةِ الأركانِ ليكونَ لهُ الأثرُ الأقوَى في المَرحلةِ، دونَ إهمالٍ لبقيةِ الأركانِ لأنهم كالبُنيانِ التربوِيِّ المرصوصِ يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا.. وهذا ما نراهُ بوضوحٍ في التربيةِ القُرآنيةِ والنبويةِ للفئاتِ العُمرِيةِ المختلفةِ..

▪️▪️ وتَنقَسِمُ مراحلُ التربيةِ والتلقينِ حَسْبَ الفِئاتِ العُمرِيةِ مِن المَهدِ إلى الرُّشدِ، إلى مراحلَ ثلاث:
1-مرحلةُ ((البُذُور)): وهي مِن الجَنِينِيةِ والمَهدِ إلَى بدايةِ سِنِّ التمييزِ.
2-مرحلةُ ((الساق)): وتَشمَلُ سِنَّ التمييزِ والمراهقةِ إلى البلوغ..
3-مرحلةُ تَمَدُّدِ الجُذُورِ وتَفَتُحِ ((الثمار)): وهي من البُلُوغِ إلى الشبابِ والرشدِ.
ومصادِرُ التلقينِ المُعتَمَدَةُ لتَعدِيلِ السلوكِ هِيَ: القرآنُ وصحيحُ السُنةِ، وسِيرةُ النبيِّ ﷺ والصالحينَ سَلَفًا وخَلَفًا، وقواعِدُ الدين ومُحكماتُهُ بِفَهمِ سَلَفِ الأُمة..
▪️أولا: مَرحلةُ البُذورِ- حتى سَبْعِ سِنِين..
هي مرحلةٌ تأسِيسيةٌ مَعرِفِيةٌ لأصولِ الدينِ الثلاثة، فلا يكادُ يَطغَى هنا رُكنٌ مَعرِفِيٌّ على آخَر..
فنبدأ بسقايةِ نَبتَةِ العقيدةِ في قلوبِ الصغارِ بتَعرِيفِهم بِربهم وقَدرِهِ،/ ورسولِهم ومَنزِلَتِهِ ﷺ،/ وكتابِهِم وعَظَمَتِهِ،/ والملائكةِ والشياطينِ/، والغايةِ من وجودنا في الدنيا،/ والخيرِ والشرِ، واليومِ الآخِرِ والجزاءِ والجنةِ والنارِ...
ولو بأبسَطِ أدواتِ التَلقينِ كالقَصَصَ والأمثالِ والعلومِ، كما سنتكلمُ في [[الأدواتِ التربويةِ]] بإذن الله..
فيتعلمونَ هنا أركانَ الإسلامِ وأركانَ الإٍيمانِ إجمالًا،/ وأسماءَ اللهِ الحُسنى،/ وقِصَصَ الأنبياءِ والقرآنِ والصحابةِ وسِيَرَ أعلامِ النُبلاءِ عُمومًا،/ والأذكارَ والآدابَ والأخلاقَ والعباداتِ ومعانيها حَسْبَ استيعابِهِم،/ وثوابَ وعقابَ الأعمالِ والأقوالِ إجمالًا.. ويُمنَعُونَ مِن الحرامِ ويُعَوَّدُون على تَركِه ويُخاطَبُون بالعِلَّةِ مِنَ المَنعِ كما فعلَ النبيُّ ﷺ مع تَمرَةِ الحسن والحسين التي أخذاها من تمر الصدقة وهما يلعبان..
ونستعينُ في هذه المرحلة:
-بالقدوةِ والمكافآتِ والتشجيعِ واللعبِ..
-وبتحفيظِهِم ما تيسَّرَ فَهمُهُ وحِفظُهُ مِنَ المُفَصَّلِ وأحادِيثِ الصِغارِ المُوجَزَةِ، وتقويةِ لُغَتِهِمُ العَرَبِيةِ.. (وحديثُ عائشةَ يُعلِمُنا أنَّ حتى مَرحَلَةَ [[تَحفيظِ القُرآنِ]] لها سُلَّمٌ بِداخِلِها مِثلَ بقيةِ المراحِل..)
وبِقَدرِ ترسِيخِنا هنا في قلوبهمْ لمقامِ اللهِ وحلاوةِ الجنةِ وفظاعةِ النارِ، سنتمكنُ من تدريبهم على الفضائلِ والقِيمِ بحولِ اللهِ وقوتِه..
▪️ثانيا: مَرحَلَةُ الساقِ: سِنُّ التمييزِ والمراهقةِ إلى البلوغ..
وهي مرحلةٌ تطبيقيةٌ رئيسيةٌ قبلَ التكليفِ، يَغلِبُ الاهتمامُ فيها بثلاثة أمور:
1-بالتوسُّعِ في تلقينهم أصولِ الدينِ وفروعِهِ ودقائقِهِ.
2-بالتطبيقِ العمليِّ الجادِّ المنتظِمِ، لِما عَلَّمناهُم إيَّاهُ في المرحلةِ السابقة.
3-وبمَدَى ظُهورِ وثباتِ أثرِهِ على تَطوُّرِ سُلوكِهم..
---ويُؤكدُ ذلك، حديثُ "مُرُوا أولادَكُم بالصلاةِ لسَبعٍ، واضربُوهُم عليها لعشرٍ"..
فنعاوِدُ هنا المرورَ على أركانِ الإسلامِ والإيمانِ وأصولِ الدينِ، مِن عقيدةٍ ومُعامِلاتٍ وعباداتٍ وأعمالِ البِرِّ عُمومًا، لكن:
-بتفصيلٍ وتفرُّعٍ أكبرَ يُناسبُ تطورَ نُمُوِّهِم العَقلِيِّ والفكريِّ والنفسيِّ والمَهارِيِّ..
-وبتعويدٍ مُنتَظِمٍ وجادٍّ يُمَهِّدُ لمرحلةِ التكليفِ..
ويُرشدُنا لذلكَ المفهومِ، أنَّ الصغارَ لو مارسُوا الطاعاتِ والفضائلَ، يُكتبُ لهم أجرُها سبحان الله، وما ذلكَ إلا لتشجيعِ فئاتِ ما قبلَ البُلوغِ على التطبيقِ والتَعَوُّدِ بالمُمارَسَةِ العَمَلِيةِ كثيرًا، وإن كانتْ الفريضةُ لا تَسقُطُ عنهم إلا بأدائها عند البلوغ بالطبع..
•••ومن أهمِّ المُعِيناتِ في تلكَ المرحلةِ: المُصاحبةُ والقدوةُ الصالحةُ وبِيئةُ المَسجِدُ، بجانِبِ ربطهُم أكثرَ بقدواتِ السلفِ وعُظمائِهِ، والتعمقُ في إثباتِ صِدقِ وإعجازِ وربانيةِ القرآنِ والسُنةِ، وتشجيعُهم على طَرحِ الأسئلةِ بلا خوف، دُونَ دخولٍ في جدلياتٍ مذمومةٍ شرعًا.
▪️ثالثا: مرحلةُ الثمارِ- مِنَ البُلوغِ إلى الرُّشدِ..
وهي مرحلةٌ حصاديةٌ قِياسِيةٌ، فتُعتَبَرُ المِقياسُ السلوكيُّ الحقيقيُّ لحصادِ ((التلقين))ِ و((التطبيقِ))، الذَينِ حَدَثا في مَرحَلَتَيِ ((البذورِ)) و((الساقِ))..
ويغلبُ الاهتمامُ فيها:
-بتحميلِهم همومِ الأُمةِ..
-ودفعِهم للقيادةِ والدعوةِ والإصلاحِ والإنتاجيةِ
-والاستزادةِ من طَلَبِ العِلمِ
-وإتقانِ العباداتِ والمعاملاتِ الشرعيةِ
خِتامًا نُلَخِّصُ فَنَقول،،،

نبدأُ بالإيمانِ..
فأولُ حُبٍّ نَغرِسُهُ: حُبُّ اللهِ ورسولِهِ وقرآنِه..
وأول مَنطِقٍ نُؤَسِّسُهُ: خَلْقُهُ إيَّانا لِنَعْبُدَهُ..
وأولُ عُلُومٍ نَسكُبُها: كمالُ وإِحاطةُ علمِهِ وقدرتِه وتدبيرِه وحِكمتِهِ ومُلكِه لكلِ شيء، وأننا مِن دُونِهِ نَضِيعُ..
وأولُ أمنيةٍ نُعَلِّقُهُم بِها: جَنتُهُ ورِضاه..
وأولُ مَحذُورٍ نُخَوِّفُهُم مِنهُ: نارُه وغَضَبُه..
دُونَ فصلِ تَعَلُّمِ الإيمانِ عن تَعلمِ بَقيةِ أصولِ الدين من أخلاقٍ وآدابٍ وعباداتٍ، كُلٌّ حَسْبَ مَرحَلَتِهِ العُمرِية، ثم كلما ازدادَ البُنيانُ مَتانةً ورُسوخًا رفَعنا دَورًا جَديدًا كما رَفعَ إبراهيمُ وإسماعيلُ القواعدَ من البيت، حتى تصيرَ النبتَةُ شجرةً طيبةً أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماءِ، وتصيرَ الشجرةُ جنَّةً بِربوَةٍ أصابَها وابِلٌ فآتَتْ أُكُلَها ضِعفَين..
ولدينا فطرةٌ نقيةٌ مُهيأةٌ تلقائِيًا لقبولِ ذلك، وقرآنٌ تسقينَ بهِ كلَّ بِذرَةٍ تُلقينَها في قلوبِهِم..
فاغتنمي البُكورَ.. قد بُورِكَ للأُمَّةِ في بُكُورِها..

انتهتِ القواعدُ التربويةُ العامةُ التي تنطبقُ على أيِّ عمليةٍ تربويةٍ.. يَتَفَرَّعُ عنها قواعدٌ فرعيةٌ وجزئية لا حصرَ لها، يَختَلِفُ تَطبيقُها وكثافتُها حَسْبَ الأسرةِ وأفرادِها والأحوالِ والطباعِ وغيرِهم، مُستَنبَطَةٌ كذلكَ مِنَ الوَحيينِ، لنا كلامٌ عنها في مَقالاتِ الأقسامِ القادِمةِ بإذنِ الله..

--


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 25-11-2021, 10:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (19)

في ختام القواعد: "دليلُكِ التربَوِيُّ المُختَصَرُ"..


أسماء محمد لبيب




في خِتامِ القواعِد.. نُذَكِّرُ بأنه لدينا:
▪️ قواعدُ عامةٌ/ أو كُليةٌ/ ثابتة/ أو أركانٌ... أيًّا كان مُسمَّاها فهي تِلكَ القوانينُ الثابِتَةُ التي تَنطَبقُ على أيِّ عَمَليةٍ تربويةٍ أو مرحلةٍ عُمريةٍ بالضرورة، فلا يتعطلُ تفعيلُها ولا تنحَسِرُ نِسبَتُها في وقتٍ دونَ وقت..

▪️وهناك قواعدُ جزئيةٌ/ أو متغيرة، تتفرَعُ وتتشعَبُ عن القواعِدَ الكليةِ تلك وتَتَرَتبُ عليها، ولكن تختلفُ وتتغيرُ ضَرورَةُ ونِسبَةُ تفعيلِها بحسبِ الأُسرةِ والثمرةِ الملموسةِ والمراحلَ العُمريةِ والفروقِ الفَرديةِ..


▪️▪️القواعدُ الكليةُ مثلًا تَمَثَلَتْ في:

-النيةُ من التربيةِ
-الاكتفاءُ بتربيةِ الوحيينِ، وتركُ التربوياتِ الغربية
-الدعاءُ والصبرُ وحسنُ الصلةِ بالله
-إعلاءُ الطموحاتِ التربوية
-عدمُ التعلقِ بالثمرةِ بشكلٍ يؤدِي إلى تَركِ السَعيِ، فالعبرةُ بالسعيِ مادامَ وِفْقَ التربيةِ الحَق.
-قَدرُ الأمومةِ والأبوةِ في الإسلام، وفِتنَةُ البُنُوَّة..
-أهميةُ تنشئةِ الأبناءِ في طاعةِ اللهِ وكيفيتُها..
-قيمةُ القُدوَةِ ومَرجِعِيتُها وفِطرَةُ المُحاكاة..
-قيمةُ الصِدقِ والعدلِ في تأسيسِ علاقةٍ أسريةٍ متينةٍ مُحَصنة.
-مَرجعيةُ قوانينِ الأسرةِ وإدارةِ الأزماتِ داخلَ البيت.
-تحييدُ حظِ النفسِ وتشوهاتِ الماضي عند تربيةِ الأبناء..
-ضرورةُ التعايُشِ مع واقعِ أن الخطأَ والمحاكاةَ طبيعةٌ بشريةٌ، وأهميةُ التفرقةِ بين العَمدِ والسَهوِ..
-أهميةُ تفعيلِ الصوباتِ التربويةِ للوقايةِ مِن الفتن..
-وأخيرًا... كيفيةُ ترتيبِ تلقينِ القناعاتِ والقِيمِ السلوكيةِ المَطلوبةِ للأبناءِ حسبَ المراحلَ العمريةِ، والتي يَنبَنِي عليها تعديلُ السلوكِ بشكلٍ عام..

فكلُها قواعدُ لا خَيارَ لنا في التأسِيسِ عليها كالأركان للبنيان، ولا تَحتَمِلُ التعطيلَ أو التأويلَ أو التقييدَ أو التجزِئةَ.. فَصَّلنا كثيرًا مِنها وأجمَلنا البعضَ..

▪️▪️أما القواعدُ الجزئيةُ:

-فتطبيقُها نِسبِيٌّ لتَوَقُفِهِ على عواملَ مُتَغَيرة،
-وهي قواعدُ لا حَصرَ لها ولا يَتَسِعُ لها المجالُ هنا،
-وأؤجلُها للكتابِ بإذنِ الله..

لكن مبدئيًا نُوجِزُ نُبذَةً عنها ونقول:
-أن بعضَها كما قلنا يَتَرَتبُ على القواعِدَ الكُلية..
-وبعضُها مَوجودٌ مُباشَرةً في توجِيهاتِ التربيةِ النبوية وقواعِدِ الفِقه، أو مُستخلَصٌ مِن مَقاصِدِ الشريعةِ العامةِ..

**أمثلةٌ لقواعِدَ جُزئية:
تقنينُ الأجهزةِ الالكترونيةِ والانترنت/ اختيارُ مدارسَ مُعينة/ المكافأةُ على الصالحات والرشاوَى التربوية/ الضربُ على ترك الصلاة/ الضربُ التأديبي/ التدريج/ المُحاورةُ في الشبهاتِ ابتداءً وتفنيدُها/ الإيفاءُ بالوعد/ التبكيتُ/ التخييرُ/ العقابُ بالهَجر/ التعويدُ على صلاةِ المَسجدِ للصبيانِ وعلى الحجابِ للفتيات/ حَملُ القرآن/ مراعاةُ المشاعِر/ التقليلُ من التنعُمِ/ الدفعُ بهم في مُعتَرَكِ الحياةِ ليشتدَ عُودُهم..........

إلى آخر قائمةٍ من قواعدَ بحجمِ الحياةِ كافة، لا حَصرَ لها ولا قوالبَ تطبيقيةً ثابتةً لها غالبًا على وَجهِ الدِقة.. تتنوعُ حسبَ الواقعِ عمومًا وبيئةِ المحاضِنِ التربويةِ المُتَغَيرةِ كما قلنا..

▪️▪️ويُقابِلُ القواعدَ أو يُماثِلُها في القُوةِ والإطلاقِ والتأسِيسِيةِ:
((المَمنوعاتُ التربوية))..


وبعضُها ممنوعاتٌ عامةٌ/ كُليةً كَذلك، وبعضُها ممنوعاتٌ جُزئية..

**أمثلةٌ للممنوعاتِ التربويةِ عُمومًا، كُليةٌ أو جُزئيةٌ:
عدمُ الدعاءِ على الأبناءِ/ عدمُ سبِّهِم أو احتقارِهم أو السخريةِ منهم/ عدمُ المجاهَرَةِ بالمعاصِي أمامَهم/ عدمُ إدخالِهم مَدارِسَ مُختَلَطَةٍ/ عدمُ إرغامِهم على الأكل/ عدمُ تركِهِم وحدَهُم بدون رَقيب/ عدمُ التَجَسُسِ عليهم.......

فالممنوعاتُ إذًا تُعتَبر في حقيقتِها (((قواعدُ))) لكن بالسَّلبِ والإحجام والاجتنابِ..
لذا سنتناولُ بعضَها بإذنِ اللهِ مباشَرةً بعدما أنهينا القواعدَ الكُلية..
ثم بعدَها سنتكلمُ عن بَعضِ الأدواتِ التربويةِ التي هي وسائلُ الوالِدَينِ لتعديلِ السلوكِ وغَرسِ القِيَم، تحتَ مِظَلَةِ القواعدَ والمَمنوعاتِ بالطبعِ..

وننوهُ هنا إلى أننا قد نَجِدُ قاعدةً ما أو مَمنُوعًا مُعَيَّنًا، هو أداةٌ في نفسِ الوقت....

مِثال:
-الدعاءُ... هو قاعدةٌ/ وفي نفسِ الوقتِ وسيلةٌ لتعديلِ السلوك..
-كذلك الصدقُ والعدلُ.. قاعدةٌ/ وفي نفسِ الوقتِ أدواتٌ لكسبِ قلوبِ الأبناءِ وثِقَتِهِم..
-كذلك "ادفَعْ بالتِي هِيَ أحسن"... قاعدةٌ عند زلاتِهِم/ وفي نفسِ الوقتِ أداةٌ لتعزيزِ الحُبِ والامتنان..
-كذلك "لا تدعُوا على أولادِكم"... هي من الممنوعات، وأيضا وسيلةٌ لترسيخِ الأمان..

فلن نختلفَ كثيرًا هنا في تصنيفِ الأدواتِ والقواعدَ والممنوعاتِ، لشدةِ تداخُلِهِم وتضافُرِهم أحيانًا، إنما فقط عمليةُ العناوينِ والسَّبرِ والتَقسِيمِ هَذِهْ، مُجَردُ محاوَلةٌ تَنظيميةٌ لخريطةِ التربيةِ قَدرَ المُستَطاع، لكن بِمُرونَةٍ وبساطةٍ بإذن الله..

ويأتي السؤالُ الأهمُ على الإطلاق لدى الأمهات:
ماذا علَى الأمِ من خُطواتٍ لتبدأَ التربيةَ بَعدَ ما تَضطَلِعُ على كل ذلك؟

والجوابُ:
-مبدئيًا عليها اتباعُ القواعِدَ الكُليةِ مُطلَقًا، واجتنابُ المَمنُوعاتِ الكُليةِ مُطلقًا..
-ثم تَتَبُعُ القواعدَ والممنوعاتِ الجُزئيةِ/ والأدوات، وتفعيلُهم مع الأبناءِ دوريًا حسبَ المَرحَلةِ العُمريةِ والمَنفعةِ المَرجُوةِ والمصلحةِ الراجِحة..

وخِتاما نَجمَعُ القواعِدَ الكليةَ إجمالًا في عِقدٍ مُترابِطٍ بعُنوانِ ((دليلُكِ التربويُّ المُختَصَرُ)) بإذنِ اللهِ، فنقول:

1-نيتُكِ من التربيةِ هي إرضاءُ اللهِ وأداءُ الأمانةِ وإعزازُ الأُمةِ برجالٍ يَحرُسونَ بيضَتَها ويُعَبِّدُونَ الأرضَ لله..: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}..
2-وهدفُكِ من التربيةِ هو حَجزُ مَكانٍ لأبنائِكِ تحتِ ظِلِ عَرشِ الرحمنِ..: ((شاب نشأ في طاعة الله))..
3-وطموحُكِ في التربيةِ هو بحَجمِ أعظَمِ جزاءاتِ الله...: ((وإذا سألتَ فاسألِ الفِردَوس)).
4-ومرجعيتُكِ في التربيةِ هي القرآنُ والسُنةُ بفَهمِ سَلَفِ الأُمة، فَدعِي عَنكِ تربيةَ الغَربِ وأقبِلِي على تربيةِ ربِ العالمين...: {{إن هذا القرآنَ يَهدِي للتِي هِي أقومُ..}}، ((وإن أحسَنَ الهَديِ هَدْيُ مُحمدٍ ﷺ..))، {{وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِه}}..
5-وزِمامُ الأمورِ بِيَدَيكِ وسوفَ تُسألِين..: ((كُلكُم راعٍ.. وكُلكُم مَسؤولٌ..))
6-والمُثابَرَةُ وتَحسِينُ الصِلَةِ باللهِ وَقودُ التربيةِ وسَببٌ لثمرتها..: {وَالذِينَ جاهَدُوا فينا لنَهدِينَّهُم سبُلَنا} .، ((فأعنِي على نفسِكَ بكثرةِ السُجُود))..
7-وبعدَ بَذلِ الوُسْعِ بِصِدقٍ وإخلاصٍ وعِلمٍ فلا نَدَم...: {لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إذا اهتديتم}
8-ولْتَطمَئِنِي على ذريتِكِ مادُمتِ بدأتِ البنيانَ بالعقيدةِ الحَقِّ....: {وَالذِينَ آمنُوا واتَبَعَتْهُم ذُريتُهُم بِإيمانٍ ألحَقْنا بِهِم ذُرِّيتَهُم}
9-والإقرارُ بالخطأِ والاعتذارُ عنه واجبٌ وليس فَضلا...: {وَلم يُصِرُّوا على ما فَعلوا وهُم يَعلَمون}
10-والفَصلُ في أمورِ الأبناءِ يَكونُ بحُكمِ اللهِ لا بالهَوَى...:{وأنِ احكُمْ بينَهُم بما أنزلَ اللهُ}
11-والدعاءُ والصبرُ والتقوى مفاتيحُ الفَرَج....:{إنهُ مَن يَتَقِ ويَصبِرْ فإنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجرَ المُحسِنِين}
12-واليأسُ من رحمةِ اللهِ كُفرٌ، وانتظارُ الفَرَجِ عِبادةٌ... والثبات على تربيتهم رغم تأخر الثمرة واجبٌ لا فضل..:{معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون}..{فاصبرْ صبرًا جميلًا} .. و «استعِن باللهِ ولا تَعجَز»
13-((وكُلُ ابنِ آدمَ خطاءٌ.. وخيرُ الخطائينَ التوابون))....:{فَمن تابَ وأصلَحَ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنُون}
14-وأنهُ مَن يَترُكْ بيتَهُ بلا سقفٍ فلا يَندِبُ حَظَهُ العاثِرَ حينَ تَهطِلُ السُيول.. {فأوُوا إلى الكهفِ يَنشُرْ لكُم رَبكم مِن رَحمَتِهِ ويُهَيِّءْ لكم مِن أمركمْ مِرفَقًا}

وإلى لقاءٍ مع (((الممنوعاتِ التربوية))) في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..



--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها​​​​​​





















__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 25-11-2021, 10:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات (مقدمة):

{هاؤُمُ اقرأُوا كِتابِيَهْ}: أنقّى صَحِيفَةٍ تَربَوِيَّة..


أسماء محمد لبيب


إليك أنظفَ صَحِيفَةٍ تربويةٍ يمكنُها أن تُقِرَّ عينَ أيَّ أُم، سواءٌ في الدنيا أو في الآخِرَةِ لدى ربِها الملِكِ الديّانِ عز وجل مهما كانت تَفِدُ إليه سبحانه بتقصير تربويٍّ وتفريط..
  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
المَمنوعاتُ العَشرُ

... يا بُنَيَّ يا فلذَةَ كبِدِي وقِطعَةَ نَفسِي:
أنا وللهِ الحمدُ ربِ العالمين:
1-أبدًا ما عصيتُ اللهَ لأُرضِيَك..
2-أبدًا ما دعوتُ عليك..
3-أبدًا ما شَتَمتُك..
4-أبدا ما شَمِتُّ فِيك..
5-أبدا ما فَضَحتُك..
6-أبدًا ما ربيتُكَ لأجلِ منفعتِي الخاصة..
7-أبدا ما لَطَمتُكَ على وَجهِكَ ولا ضَربتُكَ الضَربَ المُحَرَّمَ..
8-أبدًا ما كذبتُ عليك..
9-أبدًا ما خدَشْتُ فِطرَتَك..
10-أبدًا ما تَعَدَيْتُ على حُقوقِكَ المكفولةِ لكَ شرعًا وأنا أعلم ذلك وسكتُّ"...

أيتها الأمهاتُ الطيبات..
رأيتُنَّ تلكَ المُجتنَبَاتِ العَشْر...؟
هي في رأيي المتواضع تمثلُ:
أنظفَ صَحِيفَةٍ تربويةٍ يمكنُها أن تُقِرَّ عينَ أيَّ أُم، سواءٌ في الدنيا لدَى ولدِها مهما كان بينهما من نِزاعَات وتَجاذُبات، أو في الآخِرَةِ لدى ربِها الملِكِ الديّانِ عز وجل مهما كانت تَفِدُ إليه سبحانه بتقصير تربويٍّ وتفريط..

فجهزي تلك العَشَرَة من الآن، بالمُجاهَدةِ والمُثابَرَةِ والصبرِ والاستعانةِ بالله، كي تتمكنينَ بحولِ اللهِ وقوتِهِ من قَولِها لولدِكِ بكلِ فَخرٍ وثِقَةٍ وصِدقٍ حينَ يَكبُرُ، وبين يديْ ربِكِ ضِمنَ الصائِحِين فَرَحًا وسُرورًا{هاؤُمُ اقرَؤُوا كِتابِيَهْ...}..

أعلَمُ أن كثيرًا مِنكُنّ مُفَرِّطَةٌ في إحدى النقاط العَشْرِ- وربما كلِها والعياذُ باللهِ مِن ذلكَ العَجزِ والتَفرِيطِ- ويَنكَوِي قلبُها الآنَ وهي تَستَمِعُ بحسرَةٍ للكلامِ وتقولُ لنفسِها: ((هيهاتَ هيهاتَ لتلكَ المَنزِلَةِ الرفيعةِ وهذا الفَخرِ المَجِيدِ يا مِسكينة!))، لِعلمِها أنها قد سَقَطَتْ في اختبارِهم منذ زمنٍ وما عادَ يُمكِنُها أن تقولَ "أبدًا ما فَعَلْتُ كذا فيكَ بُنَيْ"...
وكم كانت تتمنى ذلكَ النقاءَ لصحيفتِها التربوية..!

وأقولُ لصواحِبِ تلكَ الأنَّاتِ الأسيفةِ الرَّئِيفَةِ: لا زالت أمامكِ تلكَ الفرصةَ أخيتِي رُغم أننا لا نَستطيعُ إرجاعَ عقاربَ الساعةِ للوراءِ..
أجَل...! فاقتَنِصِيها..
  • تُوبي عن أولئِكَ العشرةِ فورًا تَوبةً نصُوحًةً صادقَةً.
  • وقَدِمِي لولدِكِ إقرارًا واعتذارًا وأظهِرِي فيهما ندمَكِ ذاك بكل صدقٍ وتجرد.
  • وأخبرِيهِ أن كلَ ابنِ آدمَ خطاءٍ وأن خيرَ الخطائينَ التوابينَ.
  • وأنكِ الآن مِن هؤلاءِ وتبتغِينَ تَصحيحَ مسارَكِ، إرضاءً للهِ وإفراحًا لَهُ سبحانه بالتوْبِ والأوبِ وَدُونَ تَباطُؤ..
فكما قال الحكماءُ:
"عندما تركبُ القطارَ الخطأَ، حاوِلْ أن تنزِلَ في أوَّلِ مَحطَةٍ، لأنه كلما زادَتْ المَسافةُ، زادَتْ تكلِفَةُ العَودَة"..
وقال رَبُكِ أحكمُ الحاكِمين:
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:70]
وقال أيضًا: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِم} [آل عمران:136]

إذًا...
أشهِدِي ولدَكِ على نيتِكِ الإقلاعِ عن كلِ ذلكَ بعَونِ الله، وحينها ستستطِيعِين يومًا ما قريبًا غيرَ بعيدٍ بإذنِ اللهِ وحولِهِ وقُوتِهِ أن ترفَعي رأسَكِ وتقولِي لَهُ في الدنيا ولرَبِكِ في الآخِرَةِ تلكَ المَفخَرَةَ العزيزةَ والمَصفُوفَةَ الغاليةَ للممنوعاتِ العَشرِ:
".. يا بُنَيَّ يا فلذَةَ كبِدِي وقِطعَةَ نَفسِي:
أنا وللهِ الحمدُ ربِ العالمين، منذ تُبتُ وأنَبْتُ إلى اللهِ وعَرَفْتُ الصوابَ مِنَ الخطأِ في أمانةِ تَربيتِكَ وفي ديني وأن كلَنا رُعاةٌ وكلَنا مسؤولون عن رَعيتِنا:
1-أبدًا ما عصيتُ اللهَ لأُرضِيَك..
2-أبدًا ما دعوتُ عليك..
3-أبدًا ما شَتَمتُك..
4-أبدا ما شَمِتُّ فِيك..
5-أبدا ما فَضَحتُك..
6-أبدًا ما ربيتُكَ لأجلِ منفعتِي الخاصة..
7-أبدا ما لَطَمتُكَ على وَجهِكَ ولا ضَربتُكَ الضَربَ المُحَرَّمَ..
8-أبدًا ما كذبتُ عليك..
9-أبدًا ما خدَشْتُ فِطرَتَك..
10-أبدًا ما تَعَدَيْتُ على حُقوقِكَ المكفولةِ لكَ شرعًا وأنا أعلم ذلك وسكتُّ".

حبيباتِي جاهِدنَ أنفُسَكُنَّ وصابِرنَ... وأبشِرنَ،،، {إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النمل:11]

هذا إجمالٌ...
وفي المقالاتِ القادِمَةِ من هذا القسم الجديد [[ممنوعاتٌ تربويةٌ]]،
نَستَعرِضُ بتفصيلٍ تلك العَشْرةَ، لنتعاونَ معًا على إغلاقِ مداخِلِها وتثبيتِ التوبةِ مِنها بحولِ الله وقوتِهِ، ومعرفةِ كيفيةِ تَدارُكِ الزَلَلِ فيها بإذنِ الله.. لنستكمل معًا بقية قواعد وأدوات التربية من الوحيين..{..وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ}[طه:82]









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-11-2021, 11:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات (2) تابع :

ألم يدعُ النبيُّ ﷺ علَى بعضِ أهلِهِ والمُسلِمِين؟


أسماء محمد لبيب



وقفنا عند أسئلة:
-ألم يدعُ النبيُّ ﷺ على بعضِ أهلِه والمسلمين؟ ألم يقل لبعضِ صحابَتِه " «ثَكِلَتْكَ أمُك» !" أيْ: "فَقدَتْكَ" أيْ: دعاءٌ بالموتِ كما نقولُ بالعامية "ربنا ياخدَك"؟
-وما الحلُ لمن دَعَتْ بالفعلِ على أولادِها وينهَشُها الخوفُ من إجابةِ اللهِ لدعائِها؟
-ومَن تابتْ وتجاهدُ ولكنْ لازالَ لسانُها يفلِتُ، ماذا تَفعَلُ؟

نبدأُ بالسؤالِ الأولِ..
أولًا... تلك الكلمةُ في لهجةِ العَرَبِ ليسَ معناها طلَبُ تَحَقُقِ الشيءِ وتمنِّي وُقوعِهِ، فليستْ دعاءً على أحدٍ بالموتِ حقيقةً -حتى وإن كان هذا معناها الحرفيُّ لُغَوِيًا..
إنما تُطلَقُ على سبيلِ العادةِ التي جَرَتْ بها ألسنةُ العَرَبِ آنذاك مِن وَصلِهم لكلامِهم دونَ قَصدٍ أو نِية، مثل: تربَتْ يَمينُك،/ ولا أشبَعَ اللهُ بَطنَك،/ ولا كَبِرَ سِنُك، وغيرهم...
قال النوويُّ في شرحِ صحيحِ مُسلم :
"وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَلِمَةٌ اعتادتْ الْعَرَبُ اِسْتِعْمَالهَا غَيْرُ قَاصِدَةٍ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ، فَيقولون: تَرِبَتْ يَدَاك، وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ! وَلَا أُمَّ لَهُ وَلَا أَبَ لَك، وَثَكِلَتْهُ أُمُّه، وَوَيْلَ أُمِّهِ..... وَمَا شابَهَهُم مِنْ أَلْفَاظٍ يَقُولُونَهَا عِنْدَ إِنْكَارِ الشَّيْءِ، أَوْ الزَّجْرِ عَنْهُ، أَوْ الذَّمِّ عَلَيْهِ، أَوْ اِسْتِعْظَامِه، أَوْ الْحَثِّ عَلَيْهِ، أَوْ الْإِعْجَابِ بِهِ". انتهى كلامُه بتَصَرُّفٍ يَسِير.

وقد قالها ﷺ في مواقفٍ تَستَجلِبُ الدهشةَ.. مثلا:
*حين قال لإحدَى زوجاتِه «تَرِبَتْ يداكِ» حين تعجَّبَتْ مِن وُجودِ ماءٍ للمَرأةِ كالرجلِ..

*وحين قال: «لا كَبِرَ سِنُكِ!» لبنتِ أمِ سُلَيمٍ الصغيرةِ اليتيمة! حيث رآها ﷺ يومًا بعدما كَبُرِتْ قليلًا، فاندهشَ وقالَ لها مُتَعَجِّبًا: «أنتِ هِي؟ كَبُرْتِ..! لا كَبِرَ سِنُكِ!»... مثلما يُقالُ ربما -واللهُ أعلمُ- بالعاميةِ المصريةِ دونَ قصدٍ الدعاءِ: "يُقصُفْ عُمرَك عَملتَها إزاي دي!" أو "يِخَيِّبَك! صلحتها إزاي!" أو يا مَقصُوفِ الرقبة!...

فعادتْ اليتيمةُ إلى أمِها تبكِي مِن الخوفِ سبحانَ الله، فلما سألَتْها قالتْ: دعا علَيَّ النبيُّ ﷺ أن لا يَكبُرِ سِني أو قِرْنِي -أي أقرانِي وأشباهُ سِني..
فهَرَعَتْ أمُ سُليمٍ إليهِ على عَجلٍ تستَفهِمُ، فلما رآها وَجِلَةً قال: «مالَكِ يا أمَّ سُلَيم!؟»فقالت: يا نبيَّ اللهِ! أدعوتَ على يَتِيمَتِي؟ فتعجبَ وسألَها! فلما أخبرَتْهُ ضَحِكَ ﷺ.. ثم قال يُطَمئِنُها: «أما تَعلَمِينَ أنِّي اشتَرَطْتُ علَى ربِّي فقُلتُ: إنَّما أنا بشرٌ أرضَى كما يَرضَى البشرُ، وأغضَبُ كما يَغضَبُ البشرُ، فَأيُّما أحَدٍ دعَوتُ عليهِ مِن أُمَّتِي بِدَعوةٍ ليسَ لها بِأهلٍ، أنْ تجعلَها لهُ طَهُورًا وزكاةً وقُربةً يُقرِّبُهُ بها مِنهُ يومَ القيامةِ»(رواه مسلم)
كذلك قالَها ﷺ في مَواقِفَ تَستَوجِبُ الإنكارَ والاستِعظام... كما حَدَثَ حين سألَهُ سيدُنا مُعاذٌ مُتَعَجِّبًا: يا رسولَ اللهِ! أنؤاخَذُ بكلِّ ما نتكلمُ به؟.. فأجابه النبي ﷺ مُنَبِّهًا إياهُ مُندَهِشًا من السؤال: «ثَكِلَتْكَ أُمُكَ يا مُعاذ! وهلْ يُكَبُّ الناسُ على مَناخِرِهِم فِي جهنمَ إلا حصائِدُ ألسنتِهم!؟» (رواه الترمذي)
فكلُها مِن كلامِ العربِ الدارِجِ للتعبيرِ عن الدهشةِ ونحوِها.. وربما أَحَدُ معانِيها الذِي يتبادَرُ لذِهنِي مُباشرَةً، هو: التَنَبُؤُ بما سيَقَعُ في المستقبلِ لهذا الشخص. فكأنها باللغةِ البسيطةِ واللهُ أعلَم: "سَوفَ تَهْلَكُ يا فلانُ إن لمْ تَنتَبِهْ لكذا!"..
المهمُ أنها ليستْ للدعاءِ على أحدٍ كما يَفعلُ معظمُنا للأسفِ وقتَ الغضَب.. وإنَّما وقعُ هذا مِنهُ ﷺ نادِرًا؛ فلم يَكنْ فاحشًا ولا لعَّانًا لكنه فقط بَشرٌ..
ثانيًا... وحتى إذا صدَر منه ﷺ دعاءٌ على مُسلمٍ غيرُ كلامِ العَربِ الدارِجِ- وتَلَفَّظَ بهِ ﷺ في لحظةِ غَضبٍ بشريةٍ حقيقيةٍ عَفَوِيةٍ كذلكَ -لأنهُ بَشرٌ يَغضبُ مثلَنا كما يَصِفُ نفسه ﷺ:
  • فيكونُ ذلكَ فِي مَوضِعٍ شَرعِيٍ تربويٍ مِحوَرِيٍّ جدًا يَستَوجِبُ الغضبَ لله.
  • بالإضافةِ إلى أنه ﷺ يُرَمِّمُ ويَتَقِي عاقبَةَ تلكَ الغَضبةِ البشريةِ العفويةِ بِنفْسِ الحَلٍ الوِقائِيِّ المُستدَامِ الذي فعلَه فِي قصةِ أم سليم، بِقولِه: «اللهم إني أتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَإنَّما أَنَا بَشَرٌ.. فَأَيُّ المُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ، شَتَمْتُهُ، لَعَنْتُهُ، جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لهُ صَلاةً وزَكاةً وقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِها إِلَيْكَ» فبذلك تُصِيبُ دعواتُه المنافقين وأمثالَهم فقط..

1*مثلما قال ﷺ يومًا لإحدَى زَوجاتِهِ«قَطَعَ اللهُ يدَكِ!».
والقصةُ كما تحكيها هي بنفسِها، أنها -رضي اللهً عنها- غَفَلَتْ عن أمرٍ عظيم استودَعَها ﷺ إياه، حيثُ كانَ ﷺ قد أحضَرَ أسيرًا لتَحبِسَهُ عندها في بيتِه، وأمرَها ألا تغفَلَ عنهُ فيهرُب.. فزارتْها صويحباتُها فانشَغَلَتْ بهِنَّ عنه فهرَب..
كافرٌ يحاربُ دينَ اللهِ ويؤذِي المسلمين، وَأُسِرَ بعدَ معاناةِ الحَربِ، ويحبِسُونَهُ غالبًا حتى تَتِمَّ مبادلتُهُ بأسرَى مُسلمين لدَى العدوِّ، أو ربما يأخذونَ فديةً عنهُ تُرَدُّ إلَى بيتِ مالِ المسلمين..
هذا الأسيرُ هَرَب من يَدِ المسلمين! لغفلةِ أمِّنا الفاضلةِ تلكَ عَنهُ بصويحِباتِها -رضي اللهُ عنها- فغضبَ النبيِّ ﷺ وقالَ لها: " «قطعَ اللهُ يَدَكِ»
ولم يَقُلْها قبلَ سؤالِها والتَحَقُّقِ من السببِ أولًا وأنها غَيرُ مَعذورَةٍ فيما يَظهَرُ له...
ثم هي زوجتُه وليستْ ابنتَه أو أطفالًا لم يَبلُغُوا الحُلُمَ بعد...
فأين نحنُ من ذلك مع أبنائِنا....؟

لكن -ورغمَ كلِ ذلك- حينَ عادَ ﷺ مرةً أخرَى للبيتِ -بعدما أرسل الصحابةَ في ملاحقةِ الأسيرِ ووجدوه وأعادوه- ووجدَها مُتأَثِّرةً وخائفةً من الكلمةِ التي قالها لدرجةِ أنه وَجدَها قد مَدَتْ يديْها تُقَلِّبُ فيهما بقلقٍ تَتَرَقَّبُ أيتُهما تُقطَعُ، لأنها ليسَتْ مُعتادةً على ذلك مِنهُ ﷺ -هذا أولًا- ولأنها تَعلَمُ أن دعاءَهُ مُستجابٌ..
فبَشَّرَها ﷺ بالعهدِ والشرطِ الذي أخذَه مَعَ ربهِ فيما يَخُصُّ الدعاءَ على أحدٍ من أُمَّتِهِ.. فاطمأنَّتْ..

فأين نحنُ مِن ذلكَ، بما نفعلُهُ مَعَ أولادِنا؟

2*ومثالٌ آخَر لدعائه على أحدٍ في الغَضَب:
قالتْ عَائِشَةُ: دَخَل عَلَى رسولِ الله رَجُلانِ.. فكلَّماهُ بشَيءٍ لا أَدرِي ما هُو، فأَغْضَبَاهُ -
فلَعَنَهما وسبَّهما -(واللعنُ دعاءٌ بالطردِ من رحمة الله، وسيأتي كلامُنا عن السبِ في مَوضِعِهِ بإذنِ اللهِ)- فلمَّا خَرَجَا قالتْ له ما معناه أن هذين الرجلين قد حُرِما من الخير لا مَحالة..! فقال: «وما ذاك؟» قالت: لَعَنْتَهُما وسَبَبْتَهما! فقال ﷺ: «أوَما عَلِمْتِ ما شارَطتُّ عليه ربِّي؟ قلتُ: اللَّهُمَّ إنَّما أنا بَشَرٌ، فأيُّ المسلِمين لَعَنْتُه أو سَبَبْتُه فاجْعَلْه له زَكاةً وأجْرًا»

فالنبي ﷺ إذًا...
- قد يجتهدُ في الحُكمِ فيَظهر له ﷺ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة استحقاقُ أحد الناس للدعاء عليه لأنه منافقٌ مثلا، بينما هو عند الله قد لا يكون أَهْلًا لِذَلِكَ، فلأنه ﷺ لا يعلمُ الغيب يحكم بالظاهر وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر..
- أو قد يَغضبُ عَفَوِيًّا كما يَغضَبُ البشرُ فيدعو كذلك على من لا يَستحقُ من أمَّتِه..
- أو قد يتَفَوه بدعاءٍ من كلامٍ العربِ الدارجِ غيرِ المقصود بعينهِ كدعاء...

فماذا فعل....؟
أمَّنَ واحتاطَ للمؤمنين من ذلك كلِه:
-بتفويضِ اللهِ في تحديدِ أهليةِ واستحقاقِ الشخصِ لدعائِهِ عليه من عدمِه،
-وتقريرِ مَن هو منافقٌ أهلٌ للدعاءِ عليه فتَصيبُه دعوتُه، ومن هوغيرُ أهلٍ لذلكَ وكان مسلمًا فتكونُ لَهُ طَهُورًا وقُربَةً..
-وقبل كل ذلك أمَّنَهُم بأن عَفَّ لسانَهُ عن تلكَ الأمور ابتداءً إلا نادرًا فهو بَشرٌ مثلُهم لكنه أكملُهم
-ثم لو تَتَّبَعْنا مواطنَها فلن نجِدَها إلا عندَ مواطِنِ الغَضَبِ لِحَقِّ اللهِ والناسِ، لا الغَضَبِ للنفسِ أو الدنيا.. قالت عنه عائشة:"ما انتقم لنفسه قطّ إلاَّ أن تُنتَهَكَ حرماتُ الله"..

لأنها ليستْ طبيعةَ لسانِهِ الشريفِ ولا قلبِهِ الرئيف، فقلبه لا يُبَيِّتُ رَغبِةً أبدًا في إيذاءٍ مُسلمٍ... فكيف بأهلِ بيتِه وأبنائِه....؟
بل ويحكي عن الأنبياءِ الرحماءِ مِن قبلِه، منهم نبيٌ قد ضَرَبَهُ قومه فأدمَوه فكان يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.."

فأين نحن من كل ذلك مع أبنائنا قبل أن نسألَ ألم يَدْعُ النبيُّ على بعضِهم؟

ونأتي للسؤالِ الثاني الخاصِّ بالأمِ التي دَعَتْ على أولادِها وينهشُها الخوفُ الآنَ ِمن استجابةِ اللهِ للدعاءِ، وكلما حدثَ لهم مكروهٌ أنَّبَتْ نفسَها..
فكلُ ما عليها هو أن تتوبَ إلى اللهِ مما قالتْ وتستبدلَهُ بدعاءٍ لهم ليلَ نهارٍ، وتُشهِدُ اللهَ وتُشهِدُهُم أنها لا تَقصِدُ إيذاءَهُم، وتطلبُ منه سبحانَهُ أن يَجعلَ فَلَتَاتِ لِسانِها السابقةَ خيرًا لهم في حياتِهم وقُربَةً لَهم عندَه، وإذا حدَثَ لهم مَكروهٌ فعليها ألا تُصابَ بالوساسِ أنهُ بسببِ دعائِها عليهم، ولْتطْمَئِنَّ بربٍ توابٍ حَليمٍ رحيمٍ..

وأخيرًا يأتي السؤالُ الثالثُ المُتَبَقِّي:
ما الحلُ لِمَن لازالَ لسانُها يَفلِتُ؟
والجوابُ:
حلٌ عمليٌ مُصاغٌ في سِتِ نِقاطٍ، نَجمَعُها فِي المقالةِ القادمةِ، بعدما نحكي قصةَ جُرَيج بإذنِ الله...


أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها












__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 178.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 172.97 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (3.29%)]