|
|||||||
| ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
تاريخ علم الصيدلة عند المسلمين د. عبدالله حجازي يعرِّف طاش كبرى علم الصيدلة بـ: "أنه علم باحثٌ عن التمييز بين النباتات المشتبِهة في الشكل، ومعرفة منابتِها بأنها صِينية أو هندية أو رومية، ومعرفة زمانها بأنها صَيفية أو خَرِيفية، ومعرفة جيِّدها من رديئِها، ومعرفة خواصها، إلى غير ذلك". أما البيروني، فيذكر أن علمَ الصيدلة إنها هو "معرفةُ العقاقير المفردة؛ بأجناسها وأنواعها وصُوَرها المختارة لها، وخلط المركبات من الأدوية؛ بكُنْهِ نسخها المدونة، أو بحسب ما يريدُ المريد المؤتمن الصالح". وما من شك أن التعريفينِ مستوحَيَان أصلاً من الواقع الذي كان عليه علمُ الصيدلة من ديار الإسلام؛ إذ لم يكن لعلم الصيدلة وجودٌ في بلاد العرب قبل الإسلام، ولكن إلمام يسير ببعض الأعشاب وأثرِها في معالجة بعض الأمراض، توارثها جيل عن جيل. وعلى الرغم من اهتمام المسلمين بعلم الصيدلة، فقد كان هذا العلم - في أول أمره - مرتبطًا بالنَّبات وبالطب؛ إذ كان الطبيب يقوم بفحص المرضى وتشخيص أمراضهم، ومن ثم كان يقوم بنفسه بتحضير الأدويةِ الخاصة لعلاجهم من الأعشاب والنباتات، وقد استمر الحال كذلك، رغم اتساع معرفة المسلمين بكثير من الأدوية، ولا سيما بعد أن فُتحت فارس، ووصل المسلمون إلى الهند؛ استمر إلى مطلع العصر العباسي، حيث كثرت العقاقير، وتشعَّبت طرق تركيبها وطالت؛ فاشتدت الحاجة إلى من يتفرغ لها ويفتِّش عن الأعشاب الطبيعية في كل مكان، وزاد في هذه الحاجة أنَفةُ بعض الأطباء عند تناولِ ثمن الدواء من المريض؛ لِما في ذلك من حِطَّة؛ وبذا استقلت للطبِّ قواعدُه ودروسه ومدارسه ودكاكينه، ومن ثم أُنشئت المدارسُ لتعليم الصيدلة في بغداد والبصرة ودمشق، ثم القاهرة، وفي قرطبة وطليطلة (في الأندلس). وغدا علمُ الصيدلة - على أيدي المسلمين، وهم المؤسِّسون الحقيقيون للصيدلة - في هذه المدارس مهنةً علميَّة تختص بتحضير الأدوية؛ "من أصل" نباتي وحيواني ومعدني. وصنِّفت الكتبُ في خصائص الأدوية وصفاتها، وكيفية الحصول عليها، وطرق الحفاظ عليها، كما سيتبين بعد قليل. وفي الوقت نفسه بدأ اهتمام المسلمين بعلم النبات، وذلك في أوائل الحُكم العباسي، غير أنه اهتمامٌ انصبَّ - في بدايته - على الأغراض اللغوية؛ إذ كان أهلُ اللغة والحريصون على تدوينها يبحثون عن أسماء النباتات التي تشغل حيزًا كبيرًا من اللغة، فكانوا يذهبون إلى البادية يتلقونها من أهلها الذين لَمَّا تفسد لغتُهم بعد، يختلطون بأهلها ليقفوا على أصولها وجذورها. ثم ما لبث هذا الاهتمامُ أن تنوَّع؛ فانصرف بعضُهم يبحث في النبات وما فيه من أدوية وعقاقير، وهكذا جدَّ جدُّ بعضهم في ترجمة ما وصل إليه من كتبٍ في هذا المجال، وبخاصة كتب الهنود، الذين امتازوا بمعرفة الحشائش، وبرعوا في استخراج خواصها، واشتهروا بمعرفه آثارها في الأبدان، كما أنهم ترجموا كتبًا تعود إلى اليونانين، ولا سيما من كان منهم بجامعة الإسكندرية من أمثال ديوسقوريدس، وجالينوس. تعود لفظة "صَيْدلاني" أو "صَيْدَناني" إلى كلمة "جندناني وجندي"، أو بالأحرى إلى كلمة "جندل" بالهندية، التي تقابل ما يعرف بـ: "صندل"، والصندل هو نبات طيب الريح، أو خشب معروفٌ طيِّب الرِّيح، وفي القاموس: "الصَّندل: خشب معروفٌ، أجوده: الأحمر والأبيض، محلِّل للأورام، نافع للخَفَقانِ والصداع، ولضعف المعدة الحارة، والحميات"، ومنها الصيدلة: المكان الذي يباع فيه الدواءُ والعطر. ربما كان أبو قريش عيسى الصيدلاني - طبيب المهدي العباسي (ت169هـ/ 785م) - أول من لقِّب بالصيدلاني والصيدليُّ أو الصيدلاني يعني في عرف البيروني: "هو المحترف بجمع الأدوية على إحدى صورها، واختيار الأجود من أنواعها مفردة ومركبة، على أفضل التراكيب التي خلَّدها مبرزو أهل الطب". وقد كانت الصيدلة تُعرَف في تلك العصور - قبل أن تختص بالأدوية والغذاء - بصناعة العطر والشراب، وربما كان كتاب ديوسقوريدس: "الحشائش"، الذي ترجمه ابن باصيل إلى العربية لأول مرة، وتَمَّمَ حسداس بن شبروات وابن جلجل ما فات ابن باصيل - وربما ربما كان أهم مصدر اتخذه المسلمون مرجعًا لهم في الأدوية. ومما أثر أن كتاب ديوسقوريدس كان من جملة الهدايا التي بعثها مَلِك الروم إلى عبدالرحمن الناصر سنة 340هـ/951م، وأن الراهب نيقولا - الذي كان من ضمن وفد البعثة - ساعد في تحديد أنواع النباتات التي وردت أسماؤها في الكتاب، فضلاً عن ذلك فقد كان ما ترجم من كتب عن الهندية في العقاقير وأسمائها والمعالجات، والحيات وسمومها، وأمراض النساء وعلاجها - كان ذلك من المصادر المهمة بالنسبة للمشتغلين بعلم الأدوية والأعشاب؛ فلقد كان لكثير من الهنود معرفةٌ جيدة بالعقاقير، حتى قلَّ أن يكون صيدلانيًّا بالعراق إلا وعنده غلامٌ سندي لتحضير الأدوية، وتركيب العلاجات، وبذلك دخلت في اللغة العربية ألفاظ هندية كثيرة في مفردات الأدوية، مثل: زنجبيل وكافور وأبينوس وفُلفل وإهليلج وغيرها. هذا، وقد خضعت مهنة الصيدلة وعلمها إلى تطور مذهل، إبان الحكم الإسلامي، ساهم فيه كثيرٌ من العلماء، وممن ساهم في هذا التطور وفي المعالجة الدوائية سابور بن سهل (ت 255هـ/869م) من مستشفى جندي سابور الذي ألف الأقراباذين الكبير، المؤلَّف من سبعة عشر فصلاً، وقد بقي مستعمَلاً حتى ظهر كتاب ابن التلميذ في الأقراباذين (انظر بعده). وقد عدت العقاقير أصول الأدوية المفردة؛ نباتيةً كانت أو حيوانية أو معدنية، كما عدت الأقراباذين "grabdin=antidotarium" الأدوية المركبة، أو "تركيب الأدوية، وهي ما ترادف اللفظَ "دستور"، أو ما يسمى باليوناني فارماكوبيا "pharmacopoeia". أما أمين الدولة ابن التلميذ (ت560هـ/1165م) رئيس أطباء (ساعور) البيمارستان العضدي ببغداد إلى حين وفاته؛ فقد ألف في الأقراباذين كتابًا كبيرًا سماه "كتاب الأقراباذين الكبير"، بقِي الكتاب المعتمد في التدريس في البلدان الإسلامية عدة قرون، وقد اشتمل الكتابُ على عدد من الأدوية المركبة المحتاج إليها في صناعة الطب؛ كالأقراص والحبوب والسفوفات والمعاجين واللعوقات والأشربة... إلخ. وألَّف كتابًا أصغر سماه: "كتاب الأقراباذين الصغير البيمارستاني"، وضعه لاستعمال المستشفيات؛ إذ كان من عادة الصيادلة أن يرجعوا في إعداد أدويتهم وتحضيرها إلى الكتب المعتمدة في الأدوية. المصدر: لمحات في تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
عاصم بن محمد بهجة البيطار علم من أعلام الشام أ. أيمن بن أحمد ذوالغنى الحمد لله المتفرِّد بالبقاء، القاضي على خَلقه بالهُلْك والفناء، والصَّلاة والسَّلام على خَير الأنبياء، وسيِّد الأصفياء، نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه الخُلَصاء. ولكنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ قَرْمٍ يَمُوتُ بِمَوتِهِ بَشَرٌ كَثيرُ في يوم الجمعة 17 من جُمادى الأولى 1426هـ الموافق لـ 24 من حَزِيران 2005م قضى الله قضاءه الحقَّ بوفاة أستاذنا الكبير العالم اللغَويِّ المربِّي عاصِم بن محمَّد بَهْجَة البَيْطار عن 78 سنةً حافلةً بالبذل والعطاء في ميادين العلم والتَّربية. ومع رحيل الأستاذ عاصم يكونُ قد هوى للعلم نجمٌ، وانطفأ للمعرفة سِراج، مصداقَ قول النبِّي الأمين صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا يَنتَزِعُهُ من صُدور الناس، ولكنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبْضِ العُلَماء، حتَّى إذا لم يَتْرُك عالماً اتَّخذَ الناسُ رؤوسًا جُهَّالاً..))[1]، ومن هنا كان موتُ العلماء مصيبةً لا تَعْدِلُها مصيبة، وفاجِعَةً لا تُدانيها فاجِعَة، فبموتهم يضيعُ علمٌ غزير، وتَخْبو أنوار نُصْح وهداية، وينزلُ الناس درجة. ولقد كان الأستاذُ في مَسيرته العلميَّة والعمليَّة منارةَ رشادٍ وقدوةَ صلاحٍ، في علوِّ الهمَّة ونَزاهَة السِّيرة، وأخذ النفس بالجِدِّ، مع خَفْض الجَناح لطلاَّبه، وبذل الوُكْد في رعايتهم وحسن تعهُّدهم. مضى الأستاذُ إلى بارئه سبحانه مُخَلِّفًا بصمةً واضحةً متميِّزة في سِجِلِّ العاملين المحسنين، الذين يُعطونَ أكثرَ مما يأخذون، ويَعيشونَ للآخرين أكثرَ مما يعيشون لأنفُسهم، يَجدونَ سعادتهم في البذل والعطاء، وهم لايَرَونَ لأنفسهم فضلاً ولامَزِيَّة، ولايَرجونَ من الناس جزاءً ولا شُكورًا. أجل.. مات الأستاذُ ورحل عن دُنيانا الفانية، ولكنَّ أثرَهُ باقٍ خالد، فكلُّ كلمة مُضيئة حبَّرَتها يراعَتُه، أو نطَقَ بها مِقْوَلُه، ستبقى حيَّةً ثابتةً ما بقيَ على وجه الأرضِ قارئٌ أو سامع، وستبقى تعمَلُ عملَها في نفوس من علَّم وربَّى ورَعى، وسيَحمِلُها خَلَفٌ عن سَلَف علمًا وعمَلاً وكِفاحًا ورسالةَ حياة. موتُ النقيِّ حياةٌ لا نَفادَ لها قَد ماتَ قَومٌ وهُم في الناسِ أحياءُ ولعلَّ أهمَّ ما ميَّز أستاذنا - رحمه الله - وبوَّأه المنزلةَ السامية التي ارتَقاها وحازَها : جمعُه بين النبوغ العلميِّ الأصيل، والكِفايَة التعليميَّة والتربويَّة العالية، مع حُسن الخُلُق ولين الجانب، والغَيرة الصادقة على العلم والفضيلة. أما نبوغُهُ العلميُّ وأخلاقُه العاليةُ فقد اكتسبهما بفطرته الغَضَّة، كما يكتسبُ المولودُ لسانَ أبيه وأمِّه، ولا غَرْوَ فهو الناشئُ في بيت علم ودين وصِيانَة، لأُسرةٍ مغربيَّة الأصل هاجرت من الجزائر قديمًا وألقت عَصا تَرحالها في حيِّ المَيْدان بدمشقَ الشام، وآثرت سُكناها على بِقاع الأرض كافَّةً. في هذه الأُسرة الشريفَة وُلِدَ الطفلُ عاصم سنة (1927م) ليجدَ الرعايةَ والعناية تَحوطانه من كلِّ جانب، وتفَتَّحت عيناهُ أولَ ما تفتَّحت على بيت أبيه وقد غَدا دارَةَ علم وفقه وفَتوى، يؤُمُّه العلماءُ والكبراء والطلاَّبُ ينهَلون من معارف أبيه العلاَّمَة.. نعم، فقد كان أبوهُ الشيخ محمد بهجة البَيْطار (ت 1396هـ = 1976م) عَلَمًا من أعلام الشام، ودُرَّةً نفيسةً من دُرَرِها، وأحدَ رجالات النهضَة العلميَّة السلفيَّة فيها، وهو التلميذُ الأكبرُ للشيخ السلفيِّ المجدِّد المحدث جمال الدين القاسِمي (ت 1332هـ = 1914م)، وتَلْمَذَ كذلك لجدِّه لأمِّه العالم المؤرِّخ عبد الرزَّاق البَيْطار (ت 1335هـ = 1916م) صاحب كتاب ((حِلْيَة البَشَر في تاريخ القَرْن الثالثَ عشَر))[2]، ودَرَسَ أيضًا على الشيخ بدر الدين الحَسَني الملقَّب بالمحدِّث الأكبر! (ت 1354هـ = 1935م). وكانت دعوةُ الشيخ بهجة قائمةً على العمل بالكتاب والسنَّة، ونبذ التقليد والعَصَبيَّة والجُمود، وتَحرير العقل من إسار التصوُّف وخُرافات أصحاب الطُّرُق، والتزام العقيدة السلفيَّة الصافية شِرعةً ومنهجَ حياة. وقد لقيَ في تلك السبيل مشقَّةً وعَنَتًا من مشايخ عصره الجامِدين المتعَصِّبين، ولكنه واجَهَ ذلك كلَّه بصبر جميل، وسعة صَدر، وقوَّة حُجَّة. نَعِمَ الأستاذُ عاصم برعاية والده وإرشاده، وتَشَيَّمَ سيرتَه وطريقَتَه، وطلب العلمَ عليه، وتخرَّج به في علوم شتَّى، واكتسبَ منه قبل العلم والمعرفة الخُلُقَ الرضِيَّ، والتواضعَ الجمَّ، ولطفَ المَعْشَر، وعفَّة اللسان. وقد وجد في نفسه مَيلاً شديدًا إلى علوم العربيَّة (نحوها وصَرفها وبلاغَتها وعَروضها) ورغبةً فيها، فشَمَّر عن ساعد الجِدِّ، وكَدَّ في تحصيلها، ورَوَّى نفسَه من علومها وفُنونها وآدابها، حتى قطع شوطًا بعيدًا في مِضْمارها فاق به كثيًرا من أصحابه وعَصْريِّيه. ومما صَقَلَ موهبتَه الأدبيَّة، وأغنى ثقافتَه اللغويَّة، وأثرى معرفتَه العلميَّة : ما كان يسمَعُه بأُذُنَيه ويَعيه بقلبه؛ من أحاديث العلم والفكر والثقافة، تَدورُ في مجالس أبيه العامرة بكلِّ شاذَّة وفاذَّة، من نوادر الفوائد وشَوارد الفرائد، مما تُشَدُّ إليه الرِّحال، ويُدفَع في طلبه الجَمُّ من المال. ولقد كان لأبيه العلاَّمةِ ندوةٌ علميَّة ثقافيَّة تنعَقِدُ كلَّ يوم جمعة في داره، تمتدُّ من بعد صلاة الجمعة إلى وقت صلاة العصر، وكان يَغشاها أساطينُ العلم والثقافَة، ونوابغُ البيان والبلاغَة، وحسبُكَ أن تعلمَ أعضاءها لتُدركَ قيمتَها وأيَّ مجالس كانت، إنهم : أديبُ الفقهاء وفقيهُ الأدباء العالم القاضي الشيخ علي الطنطاوي (ت 1420هـ = 1999م)، وعديلُه أستاذ أساتيذ العربيَّة في الشام الشيخ سعيد الأفغاني (ت 1417هـ = 1997م)، والعالمُ المحقِّق الأديب المُتَبَحِّر عز الدين علم الدين التنوخي (ت 1386هـ = 1966م)، وشاعرُ دمشقَ وغِرِّيدُها المِفَنُّ أنور العطار (ت 1392هـ = 1972)، رحمة الله عليهم جميعًا، كانوا يحضُرون خُطبةَ الجمعة في جامع كريم الدين (المعروف بالدقَّاق) بحيِّ المَيْدان، حيثُ يخطُب الشيخ بهجة، وما إن يَفرُغوا من الصلاة حتى يَلجُوا روضَتَهم الغَنَّاءَ العطرةَ الأثيرَة، يَغْذُون أجسادَهم بطعام الغَداء، وأرواحَهم بأحاديث العلم والفكر والأدب، وقد تركَت تلك المجالسُ في نفس أستاذنا أطيبَ الأثر، وأفادَ منها ما لم يُفِدْه في الجامعة ولا في مَعاهد العلم. ولقد شَرُفتُ بمجاورة الأستاذ عاصم في حيِّ الورود بمدينة الرياض، في آخر سنةٍ من سِنيْ إقامته فيها، وكنتُ كثيرًا ما ألقاهُ بعد صلاة الجمعة في جامع عليِّ بن أبي طالب بحيِّنا، فيتكرَّم عليَّ بجَلسة قصيرة يُؤنِسُني فيها بإيراد أطرافٍ من ذكرياته المشرقَة، ومن تلك الذِّكريات أخبارٌ وقصصٌ عن ندوة أبيه يقصُّها عليَّ ويُنبِئُني نبأها، وعَيناهُ تَرَقْرَقان حَنينًا إلى تلك الأيام الخَوالي، وإلى أولئكَ النفَر الكريم من الرجال العِظام الأعلام، الذين قلَّ أن يَجودَ بأمثالهم الزمان. ومن حديث تلك المجالس: أن الشيخَ بهجة وأهلَ ندوته تعاهَدوا ذات يومٍ على ألا يتكلَّموا إلا شِعرًا، ولا يُسمَح لأحدٍ أن يَنْبِسَ بكُلَيمة في غير شِعر، وحقًّا مضَت الجلسةُ كلُّها يناقشون فيها مسائلَ من العلم، ويتجاذبون أطرافَ الحوار بالشِّعر والشِّعر فقط، لم يقصِّر أحدٌ منهم أو يُفَرِّط. ومن تلك الذكريات: بعضُ ما كان يدور في رحلات أبيه وأصحاب أبيه، ومن ذلك أنَّهم مَضَوا مرةً في رحلة إلى تُركيَّا، وركبوا ثَمَّ سفينةً في بحر أوبُحَيرة، وكان الشيخُ عز الدين التنوخي قاعدًا على حافَةِ السفينة في مُقَدَّمَتها، فأقبل عليه الأستاذُ عاصم وبرفقته خِدْنُ شبابه وزميلُ دراسته الجامعيَّة - الذي غَدا اليومَ عالمًا كبيرًا وأديبًا مَرْموقًا - د. عبدالكريم الأشتر، وسأل الأشترُ الشيخَ عن رأيه بصديقه بهجة البيطار، فأجابَ على البديهَة عفوَ الخاطر: (الشيخُ بهجَةُ بهجَةُ الأشْياخِ) وسكت هُنَيهَةً ثم أكمل: (وإذا تُؤاخي فمثلَ بهجةَ آخِ). وأما كفايَتُه التعليميَّةُ والتربويَّةُ فأثرٌ أيضًا من آثار نُصح أبيه وثمرةٌ من ثَمَرات رعايته، أخبرني أنه لمَّا حصَّل إجازةَ اللغة العربيَّة وآدابها من قسم اللغة العربيَّة بجامعة دمشقَ سنة (1952م) مع دبلوم التربية وأهليَّة التعليم الثانويِّ= عزمَ على أن يخوضَ لُجَجَ التعليم؛ لما كان يجدُه في نفسه من قُدرَة عليه، ومحبَّة لهذه المهنة الشَّريفة؛ التي هي عملُ الأنبياء والدُّعاة والمصلحين، وليُسْلَكَ فيمن قال عنهم شَوقي أميرُ الشعراء : أرأيتَ أشرفَ أو أجَلَّ منَ الَّذي يَبني ويُنشِئُ أنفُسًا وعُقُولا؟ وهنا يُقبل عليه أبوه المربِّي القُدوة يسأله : ها قد تخرَّجتَ يا ولدي، وأنت مُقْدمٌ على التدريس والتعليم، فهل أعدَدتَّ للأمر عُدَّتَه ؟ ويُجيب الابنُ : بفضل الله تعالى لم آلُ في تحصيل العربيَّة ومُلازمة أهلها، وصَرف الجُهْد والطاقة في التمكُّن منها والإحاطَة بعُلومها، وتثقيف نفسي وإعدادها للاضْطِلاع بهذه المسؤولية الجَسيمة والعِبْء الثقيل. ويُسْفِرُ وجهُ الشيخ الحكيم عن ابتسامة رضًا، ويقول : أحسنتَ يا بنيَّ، أحسنتَ، فكلُّ ما ذكَرتَهُ مهمٌّ ومطلوب، وهو من أدوات التعليم التي لا غِنى لكَ عنها، ولكنَّ قبلَ ذلك كلِّه لا بدَّ من أمر مُهمٍّ يجب أن تضَعَه في حُسبانك، وأن توليَه قَدْرًا كبيرًا من عنايتك واهتمامِك، هو أن تَكسِبَ قلوبَ طلاَّبك، وأن تَحملَهُم على محبَّتك واحترامك، فإذا ما نَجحتَ في هذا الأمر، أدَّيتَ رسالتَكَ على الوجه الأكمَل الأتَمِّ؛ لأن طلاَّبَك إذا ما أحبُّوكَ أحبُّوا مادَّتَك واعتَنَوا بما تُقدِّم لهم من علم ونُصح وفائدة، وانتَفَعوا بها. ومنذ تلك اللحظة أخذَ الأستاذُ عاصم على نفسه عهدًا أن يبذُل وُسعَه في التزام وصيَّة أبيه الذهبيَّة، وأن يأخذَ نفسه أخذًا غيرَ رفيق في تمثُّلها والحفاظ عليها، وحقًّا لقد نجح في ذلك النجاحَ كلَّه، فكان نعمَ المعلِّمُ المربِّي؛ لا يتعالى على طلاَّبه ولا يترَفَّع، بل يَحنو عليهم ويتَواضَع. وزادَ من نجاح الأستاذ وتألُّقه في أداء رسالته : ما أُوتِيَه من قُدرَة وبراعة متميِّزة على إفهام الطلاَّب، والأخذ بأيديهم برِفْق ومحبَّة، والمضيِّ بهم رُوَيدًا رُوَيدًا في رحاب العربيَّة، يُدنيهم منها، ويُحبِّبُها إليهم، ويَبذُر في نفوسهم بذورَ تذوُّقها وتفَهُّمها، وكان في ذلك حاذقًا ماهرًا ألمعيًّا، يُعينه عليه أيضًا ما رُزقَه من صفاء ذِهْن، ورُوح دُعابَة، وحُضور بَديهَة، فكان يرطِّبُ جفافَ مادَّة النحو ببعض المُلَح والطَّرائف التي تُنَشِّطُ الطلابَ وتجتذبُهم اجتذاباً، وهذا ما جعلَ الأستاذَ قِبْلَةً لطلاَّب العربيَّة، يأنَسُون بدروسه وتتَشَوَّفُ إليها أبصارُهُم؛ لما يلقَون فيها من علم وفائدَة ومتعة. وقد تخرَّج عليه في الجامعة - ومن قبلُ في المدارس الثانويَّة - أجيالٌ وأجيال، ما زالت تعرفُ له الفضلَ السَّابغَ، وتذكُرُه بالخير، وتشكُرُ له أياديه البِيْض، وإن جلَّ أساتذتنا الأفاضل الذين تلقَّينا على أيديهم العلمَ وتخرَّجنا بهم في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق = كانوا من طلاَّبه وتلامذته ومحبِّيه، فهو أستاذُ أساتيذنا، وشيخُ مشايخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة. وكان الأستاذُ يحرِصُ كلَّ الحِرْص على أن يتولَّى تدريسَ النحو لطلاَّب السنة الأولى، وكان يصرُّ على ذلك إصرارًا في كلِّ مكان يعملُ فيه؛ لأنه كان ذا رسالة ساميَة، همُّه الأولُ والأخير تأسيسُ الطلاَّب التأسيسَ العلميَّ المتين، وإعدادُهم الإعدادَ الجيِّدَ المكين، لمتابعة طريق الطَّلَب والتحصيل على الوَجْه المرضِيِّ. وممن شهدَ له بالمَكِنَة العلميَّة وحُسن أُسلوب التعليم : شيخُه وصَفيُّ أبيه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، بقوله: الأستاذُ عاصمٌ من أعلم مدرِّسي النحو اليومَ، وأحسنهم طَريقة[3]، وعدَّه أحدَ تلامذة الأستاذ سعيد الأفغاني النجَباء الذين حفظَ الله بهم العربيَّةَ في الشام، إلى جَنْب الأساتذة الكبار: أحمد راتب النفَّاخ، ود.مازن المبارَك، والشيخ عبدالرحمن الباني، ود. عبدالرحمن رأفت الباشا[4]. ولا يفوتُني الإشارةُ إلى أثر العلاَّمة الشيخ سعيد الأفغاني في شخصيَّة أستاذنا العلميَّة والتربويَّة، وهو الأثرُ الأبلغُ بعد أثر أبيه فيه، وقد أبانَ عن شيءٍ من ذلك في كلمة الوَفاء التي دبَّجَها لمجلَّة التراث العربيِّ الصادرة عن اتحاد الكتَّاب العرب بسورية[5]، والتي جعلَ عنوانَها : (الأستاذ المعلِّم المربِّي سعيد الأفغاني وحديثُ الذِّكريات)، يقول فيها: ((وإني لأعترفُ بأن أستاذَنا الأفغانيَّ كان له أثرٌ بعيدٌ جدًّا في تكوين فِكرنا النحويِّ، وأن أكثرَ ما نعرفُه من أصول تدريس النحو والصَّرف يعودُ إلى هذه السَّنة الجامعيَّة الأولى التي كان الأستاذُ الأفغانيُّ الرُّبَّانَ الماهرَ لسفينتها، والقائدَ الحكيمَ لمسيرتها... وكان لأستاذنا الكبيرِ فضلٌ كبيرٌ في إعدادنا لنكونَ مدرِّسين، وإنَّ ما أصابَهُ بعضُنا من نجاحٍ مَرموق في أداء رسالته يعودُ في كثيرٍ من جَوانبه إلى العلاَّمة الأفغانيِّ)). امتدَّ عطاءُ الأستاذ عاصم امتدادًا واسعًا في الزمان والمكان، فقد تولَّى التدريسَ والعملَ داخل بلده وخارجَه، ولم تُقْعِدهُ الشيخوخَةُ أو تفُتَّ في ساعده، بل ظلَّ متصلَ العطاء مُتدَفِّقَهُ حتى وافَته منيَّتُه رحمه الله؛ ليمتدَّ عطاؤه زُهاء 60 سنة. وكان بَدء عطائه في وقتٍ مبكِّر جدًّا وهو ما يزالُ في طَراءة الصِّبا ورَيْعان الشَّبيبة، حينما اصطَحَبه أبوه معَهُ إلى بلاد الحجاز نحوَ سنة 1944م؛ تلبيةً لدعوَة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله إلى إنشاء دار التَّوحيد في مدينة الطَّائف؛ لتكونَ مدرسةً داخليَّةً لأبناء نجد، وقد اعتمدَ الشيخُ بهجة في هذا العمل على همَّة ولده النابه الطُّلَعَة، وكلَّفَه التعليمَ فيها، فكان الابنُ يعمل إلى جَنب أبيه، ولولا ثقةُ الشيخ بولده لما كلَّفه بما كلَّفه، وفي نحو سنة 1946م استأذنَ أباه في العودَة إلى دمشقَ لمواصلَة دراسته الثانويَّة وتقديم اختبارات السنة الأخيرَة منها فأَذِنَ له. بعد تخرُّجه في جامعة دمشق عُهدَ إليه التدريسُ في ثانويَّة المَيدان الكواكِبيِّ بحيِّ المَيدان، ولبثَ فيها سبعَ سنين من (1952 - 1959م)، ثم أُعيرَ إلى دولة قَطَر مُفَتِّشًا للغة العربيَّة فيها، عامًا دراسيًّا واحدًا، وفي سنة 1963م انتقَلَ إلى الرِّياض مدرِّسًا لمادَّتَي النحو والصرف بكليَّة اللغة العربيَّة (الكلِّيَّات والمعاهد)، التي غَدَت فيما بعدُ جامعةَ الإمام محمَّد بن سُعود الإسلاميَّة، واستمَرَّ فيها إلى سنة 1968 م، ثم عاد إلى دمشقَ وتولَّى تدريسَ النحو والصرف في قسم اللغة العربيَّة من كليَّة الآداب بجامعتها من سنة (1970 – 1986م)، وبعد نحو عشرينَ عامًا من مُغادَرته الرِّياض قَفَلَ إليها مدرِّسًا في كليَّة الآداب بجامعة الملك سُعود من سنة (1989 - 1994م)، ثم انتقلَ إلى مركز الملك فَيصل مشرفًا لغويًّا ومستشارًا ثقافيًّا، وبقيَ في عمَله هذا نحو 8 سنوات من (1994 - 2002م)، حين آثرَ عدم تجديد العَقْد، والعودةَ إلى مَدْرَج صِباهُ دمشقَ، ليُخْلِدَ إلى شيءٍ من الراحَة، وليرفَعَ عن كاهله عِبْءَ خمسٍ وسبعينَ سنةً قضاها في عمل دائب، وعَزيمة ماضِيَة. وقد أحسنت دمشقُ استقباله، وأنزلَهُ أهلُها المنزلةَ اللائقةَ به وبأمثاله من العُلَماء، فكان أن ندَبَهُ الشيخ د.محمَّد حسام الدِّين فُرْفُور رئيسُ قسم التخصُّص بمعهد الفتح الإسلاميِّ إلى توَلِّي تدريس النحو لطلاَّب السنة الأولى وطلاَّب الدراسات العليا في القسم؛ لتتجَدَّد ذكرياتُ شبابه مع رُفَقاء الأمس وزُمَلاء الطَّلَب والتدريس من قبل: الأستاذ محمَّد علي حَمْد الله، ود. عبد الحفيظ السَّطْلي، ود. مازن المبارك. وتقديرًا لمكانته الرَّفيعة السامية، ولسيرته الزكيَّة العطِرَة، اختارَه أعضاءُ مَجْمَع اللغة العربيَّة بدمشقَ عضوًا عاملاً فيه، بتاريخ 25 من ربيع الآخر 1424هـ = 25 / 6 / 2003م، فانضَمَّ إلى مَجْمَع الخالدين، وكان نعمَ العونُ والنصيرُ لزُمَلائه المجمعيِّين، ليتوِّجَ مسيرةَ عطائه الطويلة بتاج الفَخار الذي تُوِّجَه من قبلُ أبوه العلاَّمة، فقد كان الشيخُ بهجة عضوًا عاملاً في مجمع دمشقَ، وعضوًا مراسلاً في مجمع بغداد[6]. لم يَصْرف الأستاذُ همَّه إلى تصنيف الكتب وتحقيقها؛ إذ كان همُّه مُتَّجهًا إلى التربية والتعليم، وتأليف الرِّجال وإعداد العلماء، فلم يَترُك سوى عدَدٍ يَسيرٍ من الكتُب هي : - (النحو والصرف): وهو أجلُّ كتبه وأشهَرُها، ألَّفه لطلاَّب السنة الأولى في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، وكلية الشريعة، منذ أكثرَ من ربع قرن، وقد انتفعَ به - وما يزال - أجيالٌ وأجيال، وأفادوا منه، وقبل سُنَيَّات حين تولَّى أستاذُنا د.نبيل أبو عمشة رئاسةَ قسم اللغة العربيَّة بجامعة صَنعاء في اليمَن قرَّرَه على الطلاَّب ثَمَّ؛ لإعجابه به وإدراكه قيمتَه ونفاسَةَ مادَّته، وقرَّرَه كذلك أستاذُنا د.محمد أحمد الدَّالي على طلاَّبه بجامعة الكويت. - (من شواهد النحو والصرف فوائدُ وتعليقاتٌ): وهو كتاب تطبيقيٌّ أوردَ فيه شواهدَ كتابه السابق، مُبيِّنًا في كلِّ نصٍّ من نُصوصها موضعَ الشاهد ووَجْهَ الاستشهاد، مع التفسير والإعراب. - (أضواء على شرح ابن عَقيل) 3 أجزاء: بمشاركة الأستاذَين: عبد الفتَّاح الغُنْدور، وحسَن عبده الريِّس، وقد استقلَّ كلٌّ منهم بجُزء من الكتاب، وهو مقَرَّر على طلاَّب المرحلة الثانويَّة في المعاهِد الدينيَّة في الرياض منذ عام 1968م. - (فهارس شرح المفصَّل لابن يعيش النحوي [ت 643هـ]). - (التسهيل) بمشاركة د. عبد الكريم الأَشْتَر، و(الدليل) بمشاركة الأديب خَليل هِنْداوي، ود.مازن المبارك، و(المنهج الجديد): وهي كتبٌ مدرسيَّةٌ لطلاَّب المرحلة الثانويَّة. وله في التحقيق : - (موعظَة المؤمنين من إحياء عُلوم الدِّين): للعلاَّمة الشيخ محمَّد جمال الدين القاسميِّ (ت 1332هـ = 1914م). - (الفَضلُ المبين على عِقْد الجَوهَر الثمين في شرح الأربعين (العجلونية)): للجمال القاسميِّ أيضًا. - (أسرارُ العربيَّة): لأبي البركات الأَنْباري (ت 577هـ)، أعاد تحقيقه، بعد أن كان حقَّقه قديمًا أبوه الشيخ بهجة. ولا يسعُني في الختام إلا أن أدعوَ المولى سبحانه وتعالى وأضرَعَ إليه بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى أن يرحمَ أستاذنا الكبيرَ وفقيدَنا الغاليَ، وأن يتوَلاَّه برحمته وكرَمه وفضله، وأن يُنزلَه منازلَ الأبرار من النبيِّين والصدِّيقين والشُّهَداء، وحَسُنَ أولئك رفيقًا. ـــــــــــــــــــــ [1] متفق عليه من حديث ابن عَمرو. [2] ملاحظة: ذكر الأخُ الأستاذ خليل الصمادي في مقالته عن الأُستاذ عاصم، المنشورة في موقع رابطة أدباء الشام على شبكة المعلومات (الإنترنت): أن الشيخَ عبد الرزَّاق البيطار جدُّ الأستاذ عاصم لأمِّه، وهو خطأٌ، صوابُه: أنه جدُّ أبيه الشيخ بهجة لأمِّه. [3] رجال من التاريخ ص 418. [4] ذكريات الطنطاوي 5 / 266. [5] العدد 92، ذوالقَعدة 1424هـ. [6] ملاحظة : توهَّم الدكتور شوقي المعَرِّي في كلمة له عن الأستاذ عاصم، نشرَها في شبكة المعلومات (الإنترنت)، أن الشيخَ بهجة كان رئيسًا لمجمع اللغة العربية بدمشق، وهذا خطأٌ؛ إذ توالى على رئاسة المجمع منذ افتتاحه سنة 1919 م حتَّى اليوم خمسةٌ من العلماء الأجلاَّء ليس فيهم المذكور، وهم: محمَّد كُرْد عَلي، وخَليل مَرْدَم بك، والأمير مصطفى الشِّهابي، ود. حُسني سَبَح، ود.شاكر الفَحَّام وهو الرئيس الحالي.
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
الفيزيائي الإسلامي ابن الهيثم سيد أحمد الشاعر كان ابنُ الهيثم أستاذَ أوربا في الفيزياء والضوئيات والطبيعة لقرون، وفي جملة الأساتذة المسلمين العظام، الذين أضاءوا الطريق أمام الإنسانية قاطبة، لبلوغ الخير والرشاد. واسمه محمد بن الحسن، أو الحسن بن الحسن، على خلاف، أما ابنُ أبي أصيبعة -المولود بدمشق والمتوفى بصرخد سنة 668 هـ- فقال في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) بأن اسم (ابن الهيثم) محمد بن الحسن بن الهيثم، وبهذه الرواية أخذ خير الدين الزركلي في قاموس أعلامه، ولكن القفطي يقول في كتابه (إخبار العلماء بأخبار الحكماء): إن اسمه ابن الهيثم، وذهب إلى التسمية ذاتها صاحب كشف الظنون في صفحة 138، من الجزء الأول، ولهذا حين أورد (كارل بروكلمان) ترجمته تردد في تسميته فلم يقطع بها، وكذلك المستشرق (سوتير) -حسب ما نقلت دائرة المعارف الإسلامية ص 298- تردد بين أن يكون ابن الهيثم هو الحسن بن الحسن أو الحسن بن الحسين. وأيًّا كان اسمه، فهو ابن الهيثم الكبير، والعالم الجليل. ولد في أواخر القرن الهجري الرابع، ونشأ فقيرًا يشتغل بنسخ الكتب وببيعها، ثم علا في العلم وبرع، وأكبر حادثة في حياته هي استدعاء الحاكم بأمر الله العبيدي بمصر له، أو ذهابه هو بنفسه إلى مصر، ليعمل عملا في النيل. وذلك أن ابن الهيثم قال وهو في الشام: (لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في حالتي زيادته ونقصه)، فسارت هذه الكلمة حتى بلغت الحاكم بأمر الله بمصر، فاستدعى ابن الهيثم في النيل حتى بلغ الموضع المعروف بالجنادل، قبلي أسوان، فعاين ماء النيل واختبره من جانبيه وعجز عن الإتيان بشيء في هندسته، هذه رواية الموسوعة الفرنسية في ص 813. وروايات أخرى تقول (إن ابن الهيثم قال: تأملت في آثار قدماء المصريين من أهرام وغيرها فعلمت أن من بنى هذه الأوابد لم يكن ليعجز عن إقامة هندسة للمياه في أسوان، لو وجد ذلك ممكنًا، أي أن ابن الهيثم رأى استحالة عمل هندسة في النيل (وما راءٍ كمن سمعا)، والقول على التوهم غير القول بعد المعاينة، فلذلك عاد من النيل عاجزًا، ولكنه خاف من إعلان عجزه للحاكم، وكان غشومًا ظلومًا، فأظهر ابن الهيثم الجنون، لينجو من بطش الحاكم، فضبط الحاكم ما عنده من مال ومتاع، وأقام له من يخدمه، وترك في منزله، فلم يزل كذلك إلى أن مات الحاكم. فأظهر ابن الهيثم العقل، وخرج من داره، فاستوطن قبة على باب الجامع الأزهر، وأعيد إليه ماله فانقطع إلى التصنيف والإفادة إلى أن توفي. وقد ذكر الزركلي لابن الهيثم سبعين مؤلفًا، عدد منها كتاب المناظر، ورسالة الشكوك على بطليموس، وكتاب (الإظلال)، وكتاب تهذيب المجسطي، وكتاب (تربيع الدائرة)، ورسالة (الأخلاق)، وقد قال البيهقي في هذا الكتاب: (ما سبقه به أحد)، ولابن الهيثم كتاب مساحة الجسم المتكافئ، وكتاب الأشكال الهلالية، وكتاب المرايا المحرقة، وكتاب (تفسير المقالة العاشرة لأبي جعفر الخازن) وكتاب (ارتفاعات الكواكب). ولكن ابن أبي أصيبعة ذكر له في كتابه (عيون الأنباء) الآنف الذكر مائتي كتاب ورسالة في الرياضيات والفلك والطبيعيات والفلسفة والطب. وعبارة المستشرق (سوتير) في إطرائه: (كان علمًا من أعلام العرب في الرياضيات والطبيعيات، وكانت له إلى ذلك مشاركة في الطب، وفي علوم الأوائل الأخرى، وخاصة في فلسفة أرسطو). لقد كان ابن الهيثم عظيم الأثر في حضارة الأوربيين العلمية، واسمه عندهم (الهازن) ، وهذا الاسم كما يقول (الزركلي): اقرب إلى (الخازن) منه إلى (ابن الهيثم). ولكن الذي يقصده الغربيون من (الهازن) هو ابن الهيثم من غير شك، ولعل السبب في أن سموه كذلك أن أول ما شاع عندهم من كتب ابن الهيثم، هي رسالة (تفسير المقالة العاشرة لأبي جعفر الخازن) من شرح ابن الهيثم، فلعله التبس عليهم اسم المؤلف باسم الشارح، فخلطوا، فكانت تسمية ابن الهيثم عندهم (الهازن). وقد بالغوا في ترجمة كتبه إلى لغاتهم، فكتابه (المناظر) نشر بالألمانية عام 1572م في مدينة (بال) مع رسالة له في الشفق. وقد نقل هذه الرسالة إلى اللاتينية (جيرار دي كومونا)، وكان لكتاب المناظر هذا أثر بالغ في معرفة الغربيين لهذا العلم في العصور الوسطي من (روجير باكون) إلى (كبلر) أي خلال ثلاثة قرون ونصف القرن، إذ إن (روجير باكون) العالم الإنكليزي، ولد سنة 1214م، (وكبلر) مولود بألمانيا 1571م، وكان عالما فلكيا. وقد نشر (فيدمان) الألماني كتاب ابن الهيثم (كيفيات الإظلال) باللغة الألمانية عام 1907م واشترك مع (هيبرج) في نشر كتاب (المرايا المحرقة بالقطوع) في مجلة المكتبة الرياضية بالمجموعة الثالثة في المجلد العاشر سنة 1910م صفحة 201 وكذلك قام (فيدمان) نفسه بنقل كتاب (في المرايا المحرقة بالدوائر) بالمجموعة نفسها من صفحة 293 إلى 307، ثم قام (سوتير) بترجمة كتابه (في مساحة الجسم المتكافئ) بالمجلد الثاني عشر سنة 1912 مع شروح عليه. وقد ذكرت المعجمية الفرنسية أن ابن الهيثم له مؤلفات عدة في الرياضيات والفلك والفلسفة والعلوم الطبيعية وأغلبها ضاع، وبقي منها رسالة في المنحنيات الهندسية، مما يجعلنا نثق بأنه كان على اطلاع تام على كتاب (بديهيات أقليدس)، وإلى ابن الهيثم وحده يرجع فضل اكتشاف البرهان بالعدد (9) على صحة العمليات الرياضية. إن الغربيين اطلعوا في كتاب ابن الهيثم (المناظر) لأول مرة، على وصف دقيق للعين، وعلى أن النظر يأتي من نور الأشياء المرئية لا من نور العين كما كان يظن اليونان، وعرفوا كيف عالج ابن الهيثم -ولأول مرة أيضًا- قضية الانعكاس، والغرفة المظلمة التي كانت هي فاتحة الباب لاختراع آلة التصوير الشمسي. وقد اعترف بفضل ابن الهيثم مع ما ذكرنا العالم (سارتون) الذي قال: (إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطي، ومن علماء البصريات القلائل في العالم كله، وقال فرنسيس باكون 1561- 1627م في كتابه (قيمة تقدم العلوم) الذي ألفه سنة 1605م: (إن الكندي وابن الهيثم دعامتا علم البصريات). وقد توفي ابن الهيثم عام 430هـ - 1039م في القاهرة، عند أكثر المؤرخين، إلا البيهقي في كتابه (تاريخ حكماء الإسلام) فقد قال: إن ابن الهيثم لما خاف على نفسه من الحاكم بأمر الله هرب إلى سورية، ولم يذكر وفاته، ولا عودته إلى مصر. ذلك كان نجمًا في سماء الحضارة الإسلامية، أنار الطريق أمام أوربا، فيمن أنارها من علماء المسلمين، وكان نعم العالم في نعم المناخ يومئذ، مناخ الحرية العلمية والسمو الفكري والخصوبة الحضارية التي زرعها الإسلام حيث دخل وانتشر، فلولا الحضارة الأم ما خرج الأبناء البررة، النشطون إلى كل خير وعلم وصلاح.
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
|
من أعلام الحضارة الإسلامية في العلوم والرياضيات عز الدين الجلدكي أحمد الدمرداش هو عز الدين علي بن أيدامير بن علي الجلدكي، كيمائي عربي، عاش بين القاهرة ودمشق عام 1339 - 1342م في عهد الوحدة الثقافية والاقتصادية والعسكرية بين سوريا ومصر، أيام سلطنة الناصر محمد بن قلاوون التي استمرت قوية الدعائم من عام 1293 إلى عام 1340 ميلادية. ولم يُعرَف تاريخ وفاته، وقيل: عام 1342 - 1343، أو: عام 1360 - 1361م، غير أنه من المؤكد أنه توفي في القاهرة في رجب عام 762 هجرية، ويعتبر آخر الكيميائيين العرب ذوي الشهرة المرموقة، ثم أخذ علم الكيمياء يبدو مترهلاً في العالم الإسلامي؛ ذلك لأن الخمائر التي تكاثرت على يد الكيميائيين العرب منذ عصر جابر بن حيان، أخذت تتوالد ثم تنتشِر في البلاد الأوربية، في حين أنها عجزت عن النمو في الشرق الإسلامي في عهد المماليك الجراكسة الذين تولوا السلطان بعد وفاة الناصر محمد بن قلاوون، الذي كان يَعطف على العلماء، بل كان بهم حفيًّا. ويبدو عز الدين الجلاكسي رمزًا للوحدة الثقافية والعِلمية بين سوريا ومصر؛ فهو كان يحاضر في سهولة ويسر أحيانًا في القاهرة وأحيانًا في دمشق، ويقف الناصر محمد بن قلاوون على قمة الوحدة الشاملة قرابة أربعين عامًا، امتد مجالها إلى جزء كبير من شمال إفريقيا؛ طرابلس وتونس وبرقة منذ عام 1318م، كما امتد جنوبًا إلى بلاد النوبة منذ عام 1317، فتوطدت الركائز الإسلامية في هذه البلاد تبعًا لذلك. واستطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية المتألقة تحت راية الوحدة الشاملة أن تغزو بلاد أرمينيا، وتحتلَّ مدينة سيس عام 736 هجرية، وتوثَّقت العلاقات والمعاملات بين المنطقة العربية والهند، أوشاجُها طرق المواصلات بين ثغور الهند وثغور مصر والشام، وأهمها طريقان: أ- أحدهما طريق البرح من القلزم إلى ظور والقصير وعيذاب وعدن، ومنها إلى سواحل السند. ب- وثانيهما من حلب إلى بغداد والبصرة وعبادان وهرمز، ومنها إلى السند والهند والصين، وهذا الطريق أصابته غزوات المغول في القرن الثالث عشر، فزادت بذلك أهمية الطريق الأول. وبانتصار القوات المسلحة المصرية على المغول والتتر في موقعة مرج الصفر عام 1302م، توحَّدت سوريا ومصر تحت راية الإسلام في شتى المجالات. مؤلفات الجلدكي: يتَّضح من مؤلفات الجلدكي أنه كان يَشتغل بالتدريس، وتفسير مؤلفات علماء مدرسة الإسكندرية القديمة، بالإضافة إلى مخطوطات مَن سبقه من الكيميائيين العرب؛ أمثال: جابر بن حيان، والمجريطي، ومحمد بن أميل التميمي الكيميائي العربي الذي عاش في نهاية القرن التاسع حتى بداية القرن العاشر الميلادي، وتحتوي دار الكتب المصرية على الكثير من مخطوطاته التي نُجملها ذكرًا وشرحًا في الآتي. 1- البدر المنير في أسرار الإكسير. 2- بغية الخبير في قانون طلب الإكسير (كتبه في دمشق عام 1339 - 1340م). 3- البرهان في أسرار علم الميزان. هو مخطوط كبير يَشتمِل على أربعة أجزاء، ويبحث في شرح علم الموازين الذي سبق أن وضعه جابر بن حيان، وهو عِلم يربط بين طبائع المعادن كالحرارة، واليبوسة، والرطوبة، والبرودة، وبين صفاتها التي تتغيَّر إذا ما تغيَّرت موازينُها. ويقول عن الزئبق ما يلي: "إنه سيد الأحجار الموصوفة؛ لأنه أصلها ومبدؤها، وله الفضل عليها كفضل الماء على سائر الأجسام، وقد كوَّنه الله تعالى في بطون أعماق الأرض مثل النطفة في قرار الرحم، فهو أصل لتكوين الأجساد كلها، إلا أن يكون كل جسد منه، إنما يكون تكوينه بحسب ما يَغلب عليه من الأعراض التي تحلُّ به، فيتغير مزاجه بحسبها في كمياتها وكيفياتها، والأعراض لها أوزان في الكم المُدرَك في الكيف، واعلم أن لسان حال الأجساد في أصل تكوينها؛ يقول: إنها ما تكوَّنت إلا لتصير ذهبًا؛ لأنه غايتها، فلا عرضت الأعراض في أصلها الذي هو الزئبق، بعد أن تم جرمه، أقعدت به عن الذهب، فصار للجسد شبه من الطبيعة الغالبة في ذلك التكوين على قدر الزمان والمكان، فللزئبق الفضلُ على جميع الأحجار؛ لأنه أصلها وسببها، وهو رُوحها". هذا ما يقوله الجلدكي عن الزئبق، أما جابر بن حيان فيذكره في كتابه الإيضاح كما يلي: "ويقول أيضًا: إن الأجساد كلها في الجوهر زئبق، انعقد بكبريت المعدن المرتفع إليه في بخار الأرض، وإنما اختلفت لاختلاف أعراضها، واختلاف أعراضها لاختلاف كباريتها، واختلاف كباريتها لاختلاف قُربها ومواضعها من حرارة الشمس الواصلة إليها عند ترددها في دورها، فكان ألطف تلك الكباريت وأصفاها وأعدلها الكبريت الذهبي؛ فلذلك انعقد به الزئبق عقدًا محكمًا مُعتدلاً، ولاعتداله قاوم النار وثبَت فيها، فلم تقدر على إحراقه كقدرتها على إحراق سائر الأجساد". ومن هنا يتَّضح أن هناك ديمومة للأجساد؛ فالزئبق يتطور إلى ذهب إذا ما اتَّحد مع نوع من الكباريت يختلف عن الكبريت الذي نعرفه الآن، بل هو ينبع من بخار الأرض ويرتبط قربًا من الشمس. أما عصرنا الإلكتروني الحاضر فيقول بأن الشمس تَصدر منها إشعاعات غير مرئية، منها: الأشعة الكونية، ومنها النيوترونات، ومنها الإشعاعات المؤينة، فإذا صادف النيوترون عنصر الزئبق حدث التحول العنصري للزئبق إلى ذهب طبقًا للمعادلة الإلكترونية التالية: 196 1 197 197 زئبق + نيوترون = زئبق = ذهب + بوزيترون 80 صفر 80 79 إن العلم العربي يختلف عن العلم الأوروبي الحديث في أنه ينصبُّ على المعاني الكلية، في حين أن العلم الحديث يبحث دائمًا عن العلاقات المطَّردة بين المقادير المتفاوتة، كذلك فهو يسجل لحظات متتابعة كما تسجِّل الصور السينمائية لقطات متجزئة، وهذا هو منبع التفاوت مطلقًا. 4– "الدر المكنون في شرح قصيدة ذي النون" الكيمائي المتصوف الذي كان معتكفًا في أبي تيج بصعيد مصر، التي مطلعها: عجب عجب عجب ![]() بطة سوداء ولها ذنب ![]() ألَّف هذا الكتاب في القاهرة عام 1342م لشرح الرمزية في قصيدة ذي النون، وما كان يقصده من هذه الرمزية في علم السيمياء. 5- الجوهر المنظوم والدر المنثور في شرح ديوان الشذور. 6- غاية السرور في شرح ديوان شذور الذهب في الإكسير. 7- "الاختصاص ودرة الغواص في أسرار الخواص" يبحث هذا الكتاب في خواص الحيوانات والأحجار. 8- كشف الستور (شذور الذهب). 9- المصباح في أسرار علم المِفتاح. تبحث المقدمة في علم الكيمياء عند الكيميائيين العرب الذين سبَقوه على الترتيب، وهم: خالد بن يزيد - جابر بن حيان - محمد بن أميل التميمي - مسلمة بن أحمد المجريطي - الحسين بن علي الطغرائي - علي بن موسى بن عرفة، أبو القاسم العراقي محمد بن أحمد السبعاوي - أبو بكر الرازي الطبيب المشهور. 10- "حمس الماء الورقي"، وهو تفسير كتاب "الماء الورقي والأرض النجمية"؛ لمحمد بن أميل التميمي، وللكتاب عنوان آخر هو: "لوامع الأفكار المضية في شرح مخمس الماء الورقي والأرض النجمية". 11- نتائج الفِكَر في الفحص عن أحوال الحجَر. 12- نهاية الطلب في شرح المكتسب في زراعة الذهب. ويستقي الجلدكي معلوماته في هذا الكتاب عن الذهب من مصنف أبي القاسم محمد بن أحمد السيماوي العراقي "العلم المكتسب في زراعة الذهب"، ذلك المصنَّف الذي أُعجِب به الكيميائي الإنجليزي الشهير هولميارد فترجمه إلى اللغة الإنجليزية بباريس عام 1923م. والجديد الذي أضافه الجلدكي في كتابه هذا أنه أثبت أن المواد لا تتفاعل أو تتَّحد إلا بأوزان ثابتة، مما يُعتبَر إرهاصًا بقانون النِّسَب الثابتة، الذي يُنسب للكميائي الفرنسي "بروست" 1755 - 1826م. 13- شرح قصيدة أبي الإصبع، وهذا الكتاب يعتبَر تفسيرًا للشِّعر الكيمائي الذي ابتدعه العالم العربي عبدالعزيز بن تمام العراقي الذي عاش قريبًا من ديار بكر على نهر دجلة في القرن العاشر الميلادي، ويُسمَّى هذا المصنَّف أحيانًا: "كشف الأسرار للأفهام". 14- شرح الشمس الأكبر لباليناس. 15- التقريب في الأسرار الكيميائية، أو التقريب في أسرار التركيب. 16- أنوار الدرر في إيضاح الحجر. الباب الأول: في معرفة ماهية الحجر الذي عنه يتكون إكسير الفلاسفة. الباب الثاني: في وحدة الحجر وتمييزها عن باقي الوحدات. الباب الثالث: في كيفية الحجر وما يختص به من أصناف الكيف. الباب الرابع: في أوزان الحجر وما يُطلَق عليه من الأوزان في اصطلاح القوم. الباب الخامس: في نار الحجر وأنواعها. الباب السادس: في تكليس الحجر وعلى أي قانون تتصعَّد أجزاؤه. الباب السابع: في تقطير الحجر. الباب الثامن: في تصعيد الحجر وانفصال لطيفِه عن كثيفِه وما يَنبغي له. الباب التاسع: في تطهير أجزاء الحجر حتى يتخلص من أوساخه وأدناسه. الباب العاشر: في تركيب الإكسير وبدء الكون وتماسِّه. أحدث تحقيق لمؤلفاته: أولاً: قام الدكتور "مانوشهر تسليمي" بتقديم رسالة الدكتوراه لجامعة لندن عام 1954م، عن كتاب الجلدكي "نهاية الطلب في شرح المكتسب في زراعة الذهب"، ذلك الكتاب الذي استقى الجلدكي ينابيعه من كتاب أبي القاسم العراقي، وعنوانه: "المكتسب في زراعة الذهب". ويقول الدكتور تسليمي: إن ابن سينا قد انتحل الكثير من أفكاره العلمية من "الفارابي"، كما يقول: إن الجلدكي قد قضى سبعة عشر عامًا في رحلات متمدِّدة ليجمع مؤلفات من سبقوه من الكيمائيين العرب في كافة أنحاء الوطن العربي، ونحن نؤيده في ذلك؛ إذ لم يسبِقْه أحدٌ في معرفة مدرسة أبي تيج الكيميائية التي كان يتزعَّمها المتصوف الكيميائي الطبيب "ذو النون المصري"، وقديمًا اشتهرت أبو تيج بمناخها العِلمي والصناعي. ويقول الدكتور تسليمي أيضًا: إن الجلدكي قد أثرى علم الكيمياء القديم؛ إذ جمع أكثرَ من اثنين وأربعين مؤلَّفًا لجابر بن حيان وتفهَّمَها وناقشها. ويقول "الدومييلي في كتابه: "العلم عند العرب": إن الكتب المنسوبة في القرون الوسطى إلى جابر، والمكتوبة باللغة اللاتينية قد نقلت عن المعلومات الشائعة حينذاك، والتي تتصل بكتب الرازي. غير أن الدكتور تسليمي يؤكد في رسالته أن هناك الكثير المأخوذ من مؤلفات جابر التي عدَّدها الجلدكي في كتابه: "نهاية الطلب"، وهي نفس المعلومات الغزيرة التي كان كيميائيو العصور الوسطى بأوروبا يتناقلونها عن الفيلسوف الأسطوري "جيبر"، والتي يقول "الدومييلي": إنها تتَّصل بكتب الرازي. ومن مؤلفات الجلدكي يتَّضح أنه لم يكن باحثًا تجريبيًّا مُبتكِرًا، بل كان ناقلاً لعلوم مَن سبقه، شارحًا لها كما يشرح الفقيه مذاهب غيره، واصفًا لتجارِبِ غيره وصفًا كيفيًّا لا غير. وفي تصوري أن الجلدكي يُعتبر موسوعيًّا من الناحية الكيمائية، وأنه أراد الحفاظ عليها حتى لا تندثر مع الزمن، على غرار ما عمله المعاصرون الموسوعيُّون له في العصر المملوكي، وأهم تلك الموسوعات هي: 1- نهاية الأرب، وصاحبها هو: أحمد بن عبدالوهاب بن محمد بن عبدالدائم المعروف بشهاب الدين النويري الذي ولد عام 677 هـ بقرية (نويرة) من أعمال بني سويف. 2- مسالك الأبصار؛ لابن فضل الله العمري. 3- لسان العرب؛ لابن منظور. 4- صبح الأعشى؛ للقلقشندي، الذي ولد في قرية قلقشندة إلى الجنوب من مركز طوخ. ثانيًا: قام صاحب المقال بكتابة بحث عن الجلدكي نشر في رسالة العلم، وهي المجلة التي يصدرها خريجو كليات العلوم، عدد ديسمبر عام 1959، وفيه يوضِّح الرمزية في شروحه الوصفية، مثل: في مخطوطه "كتاب البرهان في علم الميزان" (ص: 68) عن استخلاص الذهب، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية؛ حيث يقول الجلدكي بلفظه: "ابن الشمس الذي هو الذهب، إذا خالطه الوسخ الزحلي (أي الرصاص) مع الأنثى التي هي بنت القمر الذي هو الفضة، فلا شك في ذهاب رونق الذهب، وصار بذلك خراجًا عن ملكه، ورتبيته، ومكانته، فلا بد مِن إعانته بأمه التي هي النار العنصرية، وببعض خدمه معها الذين هم أشكالها في الحرارة واليُبس، مثل رأس الكلب الذي هو العظم المحرق، ومثل الرماد المحرق من أتون الحمام المشمس بالقصرمل، والكير، والنفخ بالنار والفحم والحطب، إلى أن يحترق الرصاص (زحل) مع ما يناسبه من الأوساخ، فيبرز الذهب، ويتخلَّص هذا الوجه، ويعود له ملكه ورونقه وقوته فافهم. وأما الوجه الثاني فإن الذهب لا يخلص من الفضة بالروباص، وإنما يحتاج إلى أن يسبك ويخردق في الماء، ثم يجعل في زنجفرته زجاج، ثم يُلقى عليه غمرة من الماء الحلال المستخرَج من البارود والشب وغيره، وهذه الأشياء هم الخدم والعبيد للأمِّ، التي هي النار العنصرية، فيعبر هذا الماء بشدة على حلِّ الفضَّة، وقوة على إخراجها من جسم الذهب، فيبرز الذهب خالصًا نقيًّا لا شايبة فيه، وقد عاد إلى قوته وبهائه وملكه وسلطانه، فافهم". وشرح ذلك أن التكليس يحوِّل الرصاص إلى ليتارج - أي: أكسيد الرصاص الأصفر - ثم الاختزال بالعظم المحروق يخرج الرصاص ودرجة انصهاره أقل مِن درجة انصهار الذهب، فبذلك يُمكن فصل الرصاص عن الذهب. وفي الحالة الثانية من الماء الحلال، وهو حمض النيتريك الذي تكوَّن من البارود والشب وغيره، يذيب الفضة ولا يذيب الذهب، فبذلك يمكن فصل الفضة عن الذهب بهذه الطريقة، ثم يتخلص منها ليبرز الذهب نقيًّا. بقيَت ملحوظة هنا على جانب كبير من الأهمية، يذكرها الجلدكي في (ص: 61) في الفصل الخامس من المبصرات حيث يقول: وحقيقة حصول الضوء من المضيء إلى المستضيء دفعة من غير حركة، لاستحالة استقلال العرض بالانتقال، ومعنى ذلك أن الضوء ينتقل في غير زمان، وهذا كلام أرسطو، ثم كلام ديكارت فيما بعد، مع أن ابن الهيثم قد أثبت انتقال الضوء في زمان، مما يدل على أن الجلدكي لم يقرأ كتاب المناظر لابن الهيثم؛ لأنه لم يذكره بتاتًا، وذلك ناتج من تعصُّب المذهب السُّني وعداوته العنيفة للمذهب الفاطمي الشيعي؛ إذ بعد انتقال مصر من المعسكر الفاطمي إلى المعسكر الأيوبي السُّنِّي أُحرقت كتب الفاطميين وفلاسفتهم وعلمائهم، ومن بينهم ابن الهيثم، الذي عدوه من أنصار المعسكر الفاطمي، وهو بريء من ذلك. ثالثًا: يَذكر الدكتور عزة مريدن عميد كلية الطب بجامعة دمشق، الذي كان عضوًا بالمجلس الأعلى للعلوم في عهد الوحدة الأولى مع سوريا، نقول: يذكر في محاضراته عام 1961م في أسبوع العلم الثاني بدمشق في 25 إبريل أن الجلدكي كان يعرف كُنْهَ الذرة، بل التركيب الإلكتروني لها؛ لذلك يُشبِّهها بالمجموعة الشمسية، وهو يستند في ذلك إلى شعر الجلدكي التالي: فشتان بين اثنين هذا مكوكب ![]() يدور وهذا مركز للمراكزِ ![]() وأنهما عند الحكيم لواحِدٌ ![]() لأنهما من واحد متمايزِ ![]() فهذا على هذا يدور، وهذه ![]() لها مركز رأس بقدرة راكزِ ![]() وبينهما ضدان عالٍ وسافلٌ ![]() بقاؤهما فردَين ليس بجائزِ ![]() وبينهما جسم مشفٌّ كأنه ![]() من اللطف فيما بينها غير حاجزِ ![]() فأعجِبْ بها من أربعٍ حال بعضها ![]() إلى بعضها عن نسبة في الفرائزِ ![]() هذه نظرة عاجلة من تاريخ حياة عالم جليل موسوعي في عصر الوحدة الشاملة بين سوريا ومصر وليبيا في العصر المملوكي، أَولى لجامعتنا العربية أن تُحيي ذِكراه وتجمع مؤلفاته محققة؛ لأنها تمثل حِقبة هامة في تاريخ العلم والفكر الإسلامي.
__________________
|
|
#5
|
||||
|
||||
|
نجوم في فضاء العلوم لطيفة أسير وأنت تطالعُ تراجم العلماء الأعلام من سلف الأمة الصالح، تلمحُ ذاك التجانس المثير للفخر والإعجاب في تحصيلهم للعلوم بشتَّى مشاربها، وذاك النَّهم الشديد الذي كان يستوطن نفوسًا أبيَّة، لم يخنقها حبل التخصص، ولا حجبَها عن زيارة رياض الفكر والأدب للنَّهل من طيب رياحينِه ما ارتاحتْ له نفوسُهم، وتناغمتْ معه ألبابُهم، بل إنك تكادُ تتميز غيظًا وأنت تُبصر ذاك البَوْن الشاسع بين تحصيلهم الذي بلغ المدى، وتحصيلنا الذي ما جاوز حدَّ أنوفنا. وإليكم ابن النفيس، ذاك العالم الموسوعي، والطبيب العربي المسلم، الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وخلَّف أبحاثًا عظيمة في الطب، ما زال الاعتماد عليها ليومنا هذا، هذا العالم الجليل لم ينحصر همُّه في الطب فحسب، بل نَهَل من شتَّى العلوم الدنيوية والشرعية، فكان له باعٌ في البحث والـتأليف، فأنجب في الطب الموسوعة الطبية الشهيرة "الشامل في الصناعة الطبية"، وفي اللغة "طريق الفصاحة"، وفي المنطق "شرح الهداية لابن سينا"، وفي السيرة النبوية "الرسالة الكاملية"، كما كانت له مصنفات في علم الحديث، والفقه وأصوله، وفي علم الكلام، والفلك والحساب، وها هو الخوارزمي عالم الرياضيات الشهير، يبدع - أيضًا - خارج مجال تخصصه، حيث كانت له إسهامات في علم الفلك والجغرافيا، والعلامة أبو الفرج ابن الجوزي ترك إرثًا علميًّا نفيسًا في علوم شتى، سواء في التفسير أو الحديث أو التاريخ أو اللغة أو الطب أو الفقه، وغيرها من العلوم، وجاء الخبر اليقين أن ابن رشد كان فيلسوفًا وطبيبًا وفلكيًّا وفيزيائيًّا، كما كان فقيهًا متمكنًا، وكتابه "بداية المجتهد، ونهاية المقتصد" خير دليل على ذلك، وورد الأثر عن الإمام الطبري أنه كان محدثًا وفقيهًا ومؤرخًا، قال عنه الإمام الذهبي: "كان ثقة حافظًا صادقًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، علاَّمة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات واللغة، وغير ذلك". أليس مدعاةً للفخر هذا الثراء الفكري الذي دأب عليه سلفنا؟ ألاَ يبعث هذا في نفوسنا جملة من الاستفسارات عن سرِّ هذا التفوق الممزوج بهذا التنوع الجميل؟ ألا تُيَمِّمُ غيرتُنا بوجهها شطر هذا الجانب المشرق من سلفنا، فتقتفي أثره، وتُحيي رميم أمتنا؟ إن هذا التنوع البهيج في التحصيل العلمي والإبداع الفكري، يجعلك تؤمن أن العلوم كلها كانت أسرة واحدة، تحنو على طلابها، وتفتح ذراعيها لكل ابنٍ بارٍّ شاء أن يروي ظمأه الفكري، ويسقي عطشه الروحي، وما أن تقهقرت الأمة حتى تمزقت عروة هذه الأسرة، وتباعد أبناؤها، وهامَ كلٌّ منهم في واديه، دون أن يُلقي بالاً للآخر، بل بِتْنا نشعر أن العلوم صار يناصب بعضها بعضًا العداء، ويكفي أن تلقي نظرة على مناهجنا التعليمية، وعلى مستوى مُدرِّسينا وطلابنا؛ لتقف على ذاك الشَّرخ العميق بين العلوم. وعودًا على بدءٍ أحبُّ أن أنوِّه بأمرٍ جميل أثارني في سير هؤلاء الأعلام، وهو تركيزهم على تعلم العلوم الدينية، رغم ميولهم العلمية أو الأدبية، بل إنهم لم يكتفوا بالارتشاف منها بضع رشفات، وانبروا يؤلفون في هذه العلوم، ويبدعون فيها ما أفادهم وأفاد أجيالاً بعدهم، بخلافنا نحن، فطالب العلوم البحتة لا علاقة له بالعلوم الشرعية، بل مما يندى له الجبين أن تجد عالمًا مسلمًا أو أستاذًا جامعيًّا في علوم دنيوية لا يكاد يميز سنن الوضوء من فرائضه، ويستفسر في أمور هي من المُسلَّمات والبديهيات الفقهية، وأضحى خوض غِمار العلوم الدينية حكرًا على أهل التخصص الذين حرَّموا على أنفسهم كذلك الدنو من العلوم الدينية واللغوية. حواجز عقيمة بين العلوم شيدناها بجهلنا وتقاعسنا، فصار طالب العلم يبرح مقاعد الدراسة وقد فقه جزئية من جزئيات العلم، وغابت عنه كلياته، وصار - مثلاً - تدريس القيم والأخلاق مسؤولية مدرس التربية الإسلامية، وتدريس قواعد اللغة وضوابطها من اختصاص أستاذ اللغة العربية، وسائر المواد باتت تدرس باللهجات العامية، دون مراعاة لأيِّ تكامل يفترض أن يكون بين مواد التدريس. ولعلَّ أهم سبب جعل علماء السلف يبزُغ نجمهم ولا يأفل رغم مرور كل هذه القرون، تعاملُهم الراقي مع العلم الذي امتزج فيه الجانب العقدي بالروحي والوجداني؛ إذ لم تكن نيتهم في التحصيل العلمي والمعرفي الظفر بمنصب دنيوي، بل سَمَتْ نيَّاتهم، فجعلوا طلب العلم ركيزة من ركائز الحياة التي تقوم عليها أمةٌ، هم مسؤولون أمام الله عن رقيها وصلاحها، وغدا طلب العلم فريضة يواظبون على أدائها، ولا يبغون عنها حِوَلاً: يا طالب العلم لا تبغي به بدلاً ![]() فقد ظفرت ورَبِّ اللوح والقلمِ ![]() العلم أشرف مطلوب، وطالبه ![]() لله أفضلُ من يمشي على قدمِ ![]() بل إن طلب العلم كان بالنسبة لهم عبادة وقربة من القربات التي يتعبَّدون الله بها، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ما تُقرَّب إلى الله بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم". وقال الإمام الماوردي: "العلم أشرف ما رَغِب فيه الرَّاغب، وأفضلُ ما طلب وجَدَّ فيه الطالب، وأنفعُ ما كسبَهُ واقتناهُ الكاسب؛ لأن شرفه يُثْمر على صاحبه، وفضله ينمي عند طالبه". ولهذا سَمَت همتهم، فلم يرضوا من غنيمة العلم بالإياب، واقتحموا بكل شغف علومًا شتى، فكانت إبداعاتهم تتسم بالشمولية والموضوعية، ورسخت في الذاكرة العلمية للإنسانية. ولأنه عبادة؛ فقد كان إخلاص النية في تحصيله ديدنهم، فما ابتغوا به غير وجه الله تعالى، وإن التبستْ نيتهم في بدء تحصيله، فإنهم سرعان ما يعدلون بوصلة قلوبهم صَوْب مَن أغدق عليهم نعمة الفَهْم والفقه، حتى قال مجاهد: "طلبْنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نيَّة، ثم رزقنا الله النية بعد"، وبعضهم قال: "طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبَى العلم أن يكون إلا لله". وهذا الفهم الثاقب لماهية العلم وكُنْهِ التعامل معه ينسجم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم))، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا، لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها؛ رواه أحمد، وأبو داود، واللفظ له، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار))؛ رواه الترمذي، وحسنه الألباني، لكن هذا لا يمنع - كما قال العلماء - أن يبتغي المرء من تحصيله للعلوم الدنيوية وظيفة أو مالاً أو مكانة، لكنه إذا أخلص لله تعالى أُثيب بقدر إخلاصه. وقال الحافظ الذهبي -في كتابه (سير أعلام النبلاء) ج18، ص192 -: "فَمَنْ طلَبَ العِلمَ لِلعَمل، كَسَرَهُ العلمُ، وبَكَى على نفسه، ومَن طلب العلم للمدارس والإفتاء، والفخر والرياء، تَحَامَقَ، واخْتَالَ، وازْدَرَى بالناس، وأهلَكَهُ العُجْبُ، ومَقَتَتْهُ الأنفُسُ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]؛ أي: دسَّسَها بالفجور والمعصية"؛ ا.هـ. فالإخلاص طوق النجاة الذي لاذ به سلفنا الصالح؛ ولهذا بارك الله في سعيهم، فأينعت أشجار علمهم، وأثمرت ثمارًا انتفعت بها أجيال عديدة على مدى أزمنة مديدة، أما نحن فغاية همنا من التحصيل العلمي الظفر بشهادة تُسعفنا في الحصول على وظيفة تعيننا على نوائب الحياة، ثم ننسى بعدها كل علاقة بالدراسة، ونُطلِّق الكتب طلاقًا بائنًا، إلا من رحم ربي. كما لا يجب أن نغفل طبيعة التنشئة والتربية التي نما بين أحضانها هؤلاء العلماء، والتي كان لها دور مهم جدًّا في بلورة فكرهم، حيث كانت التربية الدينية اللبنة الأساس التي تشيد دعائم الأسرة المسلمة، فكان الطفل ينشأ بدءًا على حفظ كتاب الله، ثم يُعرِّج على كتب الحديث والفقه، ومِن ثَمَّ يطلق العنان للبحث في المجال الذي يستهويه، فينشأ مستقيمًا في علمه وعمله دون عوج ولا أمْتٍ، نافعًا لنفسه ولمجتمعه ولدينه. ليتنا ننشر سير هؤلاء الأعلام بين النشءِ، ليت إعلامنا الفاسد يصبح أداة مُصلحة تعرض لتراجمهم، وتحمِّس للاقتداء بهم، بدل الترويج للسفهاء وأراذل القوم، الذين أفسدوا الأفكار والأذواق والقيم والمبادئ، ليت تعليمنا يغير سياساته العرجاء، ويستقيم على أصوله؛ لينجب طلابًا يكونون مفخرة للأمَّة، لا عالة عليها، ليتنا نعي هذا الكلام الجميل للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد: "فإن الهمم لتخمد، وإن الرياح لتسكن، وإن النفوس ليعتريها الملل، وينتابها الفتور، وإن سيَر العظماء لمِن أعظم ما يذكي الأُوَار، ويبعث الهمم، ويرتقي بالعقول، ويوحي بالاقتداء، وكم من الناس من أقبل على الجِد، وتداعى إلى العمل، وانبعث إلى معالي الأمور، وترقى في مدارج الكمالات، بسبب حكاية قرأها، أو حادثة رُوِيَت له"؛ مقدمة كتابه "تراجم لتسعة من الأعلام" - ( ص 1).
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
|
لاكري حسن جلبي.. قصة الإسلام يعد العالِم العثماني حسن جلبي الملقب بـ “لاگري” أو “لاگاري” واضع اللبنة الأولى لعلم الصواريخ الصاعدة للفضاء، وهو أول عثماني وبشري في التاريخ استقل صاروخًا ليصعد به إلى السماء. ففي أثناء الاحتفالات بمناسبة ولادة الأميرة “قايا” بنت السلطان “مراد الرابع” أظهر مهارته الرائعة من خلال طيرانه على ظهر صاروخ، وذلك بحسب ما سجله الرحالة العثماني الشهير “أوليا جلبي” في كتابه الضخم “سياحة نامة”، إذا قام “حسن جلبي” بحشو البارود بوزن 50 أوقية تقريبًا بداخل صاروخ بطول سبع أذرع، ثم ركب هذا الصاروخ وقام أحد مساعديه بإشعال فتيل الصاروخ، حيث نجح بالطيران به إلى أعلى لمسافة معينة، وعندما انتهى بارود الصاروخ، قام بنشر أجنحة كان قد هيأها من قبل حيث نزل على البحر قرب ساحل القصر السلطاني. وقد كافأه السلطان مراد وأنعم عليه وسجله ضمن صنف “السباهي” في الجيش الإنكشاري. ثم سافر بعد ذلك حسن إلى القرم واستقر بها إلى أن توفي هناك. يصور “أوليا جلبي” هذه الحادثة في كتابه كما يلي: “في مساء ولادة بنت السلطان مراد الرابع الأميرة ‘قايا’، أقيمت أفراح ذبح أضحية العقيقة، وكان “حسن لاگري” قد اخترع قذيفة ذات سبعة أذرع تحتوي على خمسين أوقية من معجون البارود، وقام من داخل قصر السلطان في سراي بورنو وأمام السلطان بركوب هذه القذيفة، ثم أشعل معاونوه فتيلة القذيفة، وقبيل طيرانه نحو السماء، خاطب السلطان قائلاً له: يا مولاي! أستودعك الله، أنا ذاهب للتحدث مع عيسى عليه السلام. ثم انطلق إلى السماء، ثم أشعل القذائف الأخرى التي كانت معه فنشر الأنوار في السماء، وبعد نفاد البارود بدأت القذيفة بالتوجه نحو الأرض، وهنا نشر أجنحة النسر التي كانت معه، ونزل على البحر قرب قصر سنان باشا، ثم أتى إلى حضرة السلطان وقال له مازحًا: مولاي! إنَّ عيسى عليه السلام يسلم عليك، وقد أنعم السلطان عليه بكيس من الذهب كما سجله سباهيا براتب قدره 70 أقجة. والجدير بالذكر تسجيل شهادة العالِم النرويگي Mauritz Roffavik مدير متحف النرويج للطيران في حديث له مع جريدة Weekly World News بتاريخ 15 ديسمبر 1998 والذي قال فيه بأن أول محاولة لرجل للصعود للفضاء لم يكن ذو جنسية روسية أو أمريكية، بل كان رجلًا تركيًا. والذي استقل صاروخ وطار عن سطح الأرض مسافة 900 قدم -أي ما يزيد عن 275 متر تقريبا-. وقد أضاف العالِم النرويجي بأن الصاروخ تكون من جزأين، الجزء الأسفل هو قاعد تم فيها تركيب 6 صواريخ صغيرة كي ينطلق الصاروخ إلى السماء، أما الجزء الثاني فهو الجزء الذي يُدفع إلى الأعلى بواسطة الصواريخ الستة السابقة.
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
|
أبو عبيد البكري أكبر جغرافي الأندلس موقع قصة الإسلام في شهر شعبان لعام 1369هـ / 1949م أطلقت وكالة الفضاء الأميركية ناسا اسمه على فوهة من فوهات القمر؛ اعترافاً وتقديراً لما قدمه من إسهامات علمية وحضارية متميزة في حقل الجغرافيا. إنه أبو عبيد البكري الأندلسي، واحد من أعلام الثقافة الأندلسية، وأول جغرافي الأندلس والمغرب، وأكبرهم إنجازاً وإسهاماً. اسمه ونشأته: هو أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري، نسبه عربي يرجع إلى قبيلة بكر بن وائل أكبر قبائل ربيعة في شبه جزيرة العرب. ولد أبو عبيد البكري في ولبة قرب حاضرة الأندلس إشبيلية، ولا نعلم تاريخا لميلاده، حيث يذهب البعض إلى أنه ولد 432هـ/ 1040م، ولكن الأقرب للصواب أنه ولد بين عام 400هـ/ 1010م وعام 410هـ/ 1020م [1]. نشأ أبو عبيد البكري في بيت إمارة وسيادة، حيث السراوة والشرف والرياسة، وأرباب النعم؛ استمدوا الشرف من صريح أنسابهم في بلاد الأندلس، كما استمدوه من ماضيهم الحربي في فتح الجزيرة، وشغل المناصب العالية في الدولة، فتحدثنا كتب التراجم أن جده أيوب بن عمرو تولى خطة الرد (أي رد المظالم) بقرطبة زمن الدولة الأموية، والقضاء ببلده لَبْلَةُ، والقضاء كان من المناصب التي يحتكرها علية الناس وسرواتهم في الأندلس. وكان لهم تأثير كبير في بلاط قرطبة وإشبيلية، حيث كانوا من أنصار المنصور بن أبي عامر ثم ببني عباد في إشبيلية. فلما انتثر عقد دولة الأمويين، تغلب ملوك الطوائف على ما بأيديهم من البلاد، واستقل البكريون بأَوْنَبَة (وَلْبَة) وشَلْطِيش وما بينهما من البلاد في كورة لبلة، على ساحل البحر المحيط، غربي إشبيلية، وقعدوا منها مقعد أكابر الأمراء، من الخروج عن الطاعة، والاستبداد عن الجماعة. ودامت إمرة البكريين في تلك الناحية نحو أربعين سنة حوالي (سنة 402هـ/1011م إلى سنة 443هـ/1051م)، انتهت تغلب المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية سنة 443هـ على ما جاوره من البلاد والإمارات الصغيرة، وكان آخر البكريين حكما بأونبة أبو مصعب عبد العزيز، والد أبى عبيد صاحب الترجمة، فخرج هو وآله منها. أبو عبيد البكري في قرطبة: انتقل أبو عبيد البكري مع أسرته مدة قصيرة إشبيلية، ولما شعر بتغير موقف المعتضد بن عباد انتقل إلى قرطبة، وكان ذلك في الثلاثينيات من عمره، ولا نعلم كم بقي أبو عبيد في قرطبة وهل تركها في حياة والده أم بعد وفاته؟!، والذي لا شك فيه هو أنه بقي بما فيه الكفاية كي يواصل ثقافته الأدبية والعلمية. أبو عبيد البكري في المرية: ثم انتقل أبو عبيد البكري من بعد إلى المرية بدعوة من أميرها محمد بن معن الصمادحي، ولا شك أن سبب هذه الدعوة كانت شهرة الرجل بصفته أديبا، واستقبله حاكم المرية بترحاب وجعله من خلانه واصطفاه لصحبته، وآثر مجالسته والأنس به، ووسع راتبه. ولذلك كان يلقب بالوزير، جرى بذلك قلم ابن بسام في الذخيرة، بل لقبه الضبي في البغية بذي الوزارتين، ويرى مصطفى السقا في تحقيقه لمعجم البكري أنه لقب بالوزير لأنه وزر لأبيه، أو لمصاحبته الملوك، وإن لم يكن وزيراً على الحقيقة، على ما جرى به العرف الأندلسي، والناس كانوا ولا يزالون يتوسعون في الألقاب بلا حساب، على أن أبا عبيد لم تكن منزلته في نفوس أهل عصره أقل محادة من منزلة الوزراء [2]. الحياة العلمية لأبي عبيد البكري: في قرطبة توسعت الثقافة الأدبية والعلمية لأبي عبيد البكري، حيث درس على كبار علمائها ومؤرخيها، فقد تابع دروس المؤرخ الكبير أبي مروان ابن حيان، وأبي بكر المُصْحفي، وأجاز له ابن عبد البر، حتى صار رأسا في التاريخ واللغة والأدب، وحدث عنه: محمد بن معمر المالقي، ومحمد بن عبد العزيز بن اللخمي، وطائفة. ولا يمكن أن نعرف أي تآليفه ألَّف مدة مقامه الأول في قرطبة؛ لأن تواريخ تآليفه غير معروفة، ولكن الكثير من القرائن تبين أنه لم يكن عديم الشغل، وأن الكثير من تآليفه قد تكون ظهرت في تلك الفترة. وفي ألمرية تحددت الوجهة الجغرافية لدراسات أبي عبيد البكري، حيث تابع فيها دروس أبي العباس أحمد بن عمر العذري (393هـ - 476هـ وقيل 478هـ)، ولا يستبعد أنه قد أثر العذري في الاتجاه الذي ستتخذه دراسة تلميذه البكري، فلقد كان العذري جغرافيا وقد يكون جلب أبا عبيدة نحو هذه الوجهة. فهل من الجرأة أن يُفترض أن تأليفه لكتبه الجغرافية: معجم ما استعجم وكتاب المسالك والممالك يرجع إلى هذه الفترة؟!، ويتأكد هذا الافتراض أكثر إذا ما علمنا انه انتهى من تأليف الكتاب الثاني حوالي سنة 460هـ/ 1058م، اعتماداً على الكثير من الملاحظات المتناثرة التي وردت فيه [3]. كتاب المسالك والممالك: يعتبر أبو عبيد البكري ألمع جغرافيي الأندلس، واتسم عمله بالموضوعية والانسيابية والمنهج العلمي الصارم، ومما لا شك فيه أن كتاب المسالك والممالك كانت له المساهمة الكبرى في شهرة البكري، فقد جمع البكري في كتابه المسالك والممالك بين الجغرافيا والتاريخ، من المسالك ووصف البلدان والشعوب والمدن وتمتزج بالملح والأساطير والاستطرادات التاريخية ويبقى انتباه القارئ دائم اليقظة. وزاد البكري على ما جاء في مؤلفات كتبها مؤرخون سابقون له، كما تطرق إلى التراث الشعبي الموروث لعدد من الشعوب في أرجاء العالم المعروف آنذاك، وأبرز العادات والتقاليد الغريبة، لكنه في نفس الوقت رفض أي شيء يتنافى مع العقل والمنطق في كتاباته. قدم البكري في كتابه هذا أول وصف مفصل لإمبراطورية غانا الإسلامية في غرب أفريقيا، ويعتبر من أهم المصادر التاريخية لتلك الحقبة في جنوب غرب أفريقيا وشمال غرب أفريقيا حيث دولة المرابطين، ونظراً لاستقائه الكثير من المعلومات من التجار والمسافرين، فقد قدم وصفاً دقيقاً لطرق التجارة في الصحراء الكبرى بأفريقيا، والتي تضاهي بأهميتها طريق الحرير التاريخي بين الصين وأوروبا. ذكر البكري بالتفصيل بداية دخول بلدات غرب أفريقيا في الإسلام أواخر القرن العاشر الميلادي، مثل غاو التي تقع اليوم في مالي، وعدد من البلدات والمدن المتناثرة على ضفتي نهر النيجر. إن لكتاب المسالك خصائص مميزة تجعل المعلومات الجغرافية دائمة الامتزاج بالمعلومات ذات الصبغة التاريخية، ويُسجل للبكري أنه استطاع تقديم مصادر جغرافية وتاريخية دقيقة ومهمة بدون أن يغادر بلاده الأندلس. كتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: أما كتابه الخالد الآخر فهو "معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع" وهو جهد توثيقي حاول الكاتب فيه توثيق أسماء الأماكن والبلدان بعد أن لاحظ تعدد التسميات نتيجة تنوع لهجات بني البشر، فأراد أن يكون هناك مصدر تاريخي موثوق يستطيع الباحثون الرجوع إليه للتوصل إلى الأسماء والألفاظ الصحيحة للأماكن. واعتمد البكري في تأليف معجمه الجغرافي والتاريخي على مصدرين: الأول: مصادر تاريخية مثل كتاب "صفة جزيرة العرب" للحسن بن أحمد الهمداني. والمصدر الثاني هو الرواة من المسافرين والتجار، حيث كان البكري يلتقيهم باستمرار لمعرفة أسماء البلدان والبلدات التي مرُّوا بها وأحوال الشعوب فيها. وأبو عبيد البكري يضبط الكلمات بالعبارة لا بالحركات، وهذه إحدى مزاياه، ولولا ذلك لاختل المعجم، وضاعت قيمته، ومن مزاياه أنه أول معجم كتب بالترتيب الألفبائي، ومن أهم مزاياه الضبط الدقيق للأسماء فإنه لهذا الغرض أُلِّف، وقد أبان هو عن ذلك في مقدمته، إذ رأى كثيراً من أسماء البلدان التي ترد في الأحاديث والأشعار والسير والتواريخ، قد دب إليها التصحيف والتحريف، وكان هذا التحريف داء قديما، لم يسلم من آفته حتى أئمة الرّواة وكبار العلماء، كالأصمعي من علماء اللغة، ويزيد بن هارون من المحدّثين، فراعه ذلك، وأوحى إليه بتأليف كتابه. لكن مما يعاب به أنه جعل ترتيب الكلمات في كل باب على ترتيب الحرفين الأول والثاني الأصليين من الكلمة، دون نظر إلى ترتيب ما بعدهما من الحروف، وعلى الرغم من هذا تلقى العلماء المسلمون قديماً وحديثا معجم البكري بالقبول ووثَّقوا صاحبه، ورفعوه مكاناً عليًّا، فوق اللغويين وأصحاب المعاجم. واعتمدوا عليه في تحقيق المشكلات، خصوصاً علماء المغاربة والأندلسيين، من المحدِّثين والأخباريين، ومن أشهرهم: القاضي عياض (ت: 544هـ) في مشارق الأنوار، والسهيلي (ت: 581هـ) في الروض الأنف، وأكثر من انتفع به من أصحاب المعاجم العربية وجعلوه أصلاً لهم: الفيروزابادي (ت: 817هـ) صاحب القاموس، والزبيدي (ت: 1205هـ) صاحب تاج العروس، وشيخه محمد بن الطيب الفاسي (ت: 1170هـ) صاحب الحاشية على القاموس، وكثير غير هؤلاء. فالمعجم يعتبر جهداً متميزاً وفريداً يعتبر إلى اليوم مرجعاً للدارسين في مجالات التاريخ والجغرافيا وعلم الإنسان [4]. مؤلفات أبي عبيد البكري: لم يتخصص أبو عبيد البكري في أي فرع من فروع المعرفة الإنسانية شأنه في ذلك شأن جل العلماء المسلمين في وقته، لقد كان تكوين الرجل المثقف في تلك الفترة يشتمل دائماً على دعامة متينة من العلوم الدينية، فقه، علوم قرآنية، علم كلام، ثم يأتي الأدب واللغة والفلسفة ومواد أخرى حسب الإمكانيات والأذواق الشخصية، فلا غرابة إذن أن نجد ضمن تآليف البكري مصنفات تبحث في مواضيع مختلفة. فالبكري لغوي وأديب قبل كل شيء رغم أنه اشتهر بصفته جغرافيًّا في المشرق والمغرب، ويكفي للتفطن إلى ذلك أن يستعرض القارئ عناوين الكتب التي تنسب إليه، فالأدب له دور كبير في أكبر آثاره الجغرافية. 1- في اللغة والأدب: كتاب الإحصاء لطبقات الشعراء -كتاب اشتقاق الأسماء- التنبيه على أغلاط أبي علي في أماليه -شفاء عليل العربية- كتاب صلة المفصول في شرح أبيات الغريب المصنف (لأبي عبيد القاسم بن سلام) - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال (لابن سلام أيضاً) اللآلي في شرح أمالي القالي. 2- الكتب الجغرافية: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - كتاب المسالك والممالك، وقد طبع منه البارون دي سلين قطعة باسم "كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب"، بالجزائر سنة 1857م. 3- موضوعات مختلفة: أعلام نبوة نبينا محمد عليه السلام -التدريب والتهذيب في دروب أحوال الحروب- كتاب النبات أو أعيان النبات والشجريات الأندلسية. وكان البكرىّ معنياً بكتبه، يكتبها بالخط الجيد، ويجلدها التجليد النفيس، وكان الملوك والرؤساء يتنافسون في اقتنائها، ويتهادونها في حياته [5]. من أخلاقه وثناء العلماء عليه: يقول ابن بشكوال (ت: 578هـ): "كان أبو عبيد البكري من أهل اللغة والآداب الواسعة والمعرفة بمعاني الأشعار والغريب والأنساب والأخبار متقناً لما قيده، ضابطاً لما كتبه، جميل الكتب متهيماً بها، كان يمسكها في سبابي الشرب وغيرها إكراماً لها وصيانة". وحلَّاه الفتح ابن خاقان (ت: 535هـ) في قلائد العقيان، بقوله: "عالم الأوان ومصنَّفه، ومقرط البيان ومشنَّفه، بتواليف كأنها الخرائد، وتصانيف أبهى من القلائد، حلى بها من الزمان عاطلا، وأرسل بها غمام الإحسان هاطلاً، ووضعها فى فنون مختلفة وأنواع، وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع. وأما الآدب فهو كان منتهاه، ومحل سهاه، وقطب مداره، وفلك تمامه وإبداره، وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه، تهادىّ المقل للكرى، والآذان للبشرى". ومن قول ابن بسام الشنترينى (ت: 542هـ) في الذخيرة يصفه: "ومنهم الوزير أبو عبيد البكري، وكان بأفقنا آخر علماء الجزيرة بالزمان، وأولهم بالبراعة والإحسان، أبرعهم في العلوم طلقاً، وأنصعهم في المنظور والمنثور أنقاً، كأن العرب استخلفته على لسانها، والأيام ولته زمام حدثانها، ولولا تأخر ولادته، لأنسى ذكر كنيه المتقدم الأوان: ذرب لسان، وبراعة إتقان". وقال ياقوت الحموي (ت: 626هـ): "وكان مقدماً من مشيخة أولي البيوتات وأرباب النعم بالأندلس...، وكان ملوك الأندلس تتهادى مصنفاته تهادي المقل للكرى، والآذان للقرى" [6]. وفاة أبي عبيد البكري: تعمقت العلاقة كثيراً بين أبي عبيد البكري ومحمد بن معن صاحب ألمرية، فقد ذهب البكري سنة 478هـ/ 1085- 1086م إلى اشبيلية موفداً من قبل محمد بن معن لدى المعتمد بن عباد، عندما ذهب إلى المغرب الأقصى يستنجد بعون المرابطين ضد التهديد النصراني. ثم استقر به الحال سنة (483هـ/1090- 1091م) في قرطبة التي أصبحت عاصمة الأندلس بعد دخول المرابطين لها، والراجح أنه قضى بها بقية حياته، وبها توفي في شوال 487هـ/ 1094م، ودفن بمقبرة أم سلمة [7]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] سعد غراب: مقدمة تحقيقه لكتاب المسالك والممالك للبكري، الناشر: دار الغرب الإسلامي 1992م. [2] ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 4/ 1534. الصفدي: الوافي بالوفيات، 17/ 156. مصطفى السقا: مقدمة تحقيقه لكتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد البكري، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1403هـ، المقدمة، ص1 – 19. [3] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، عني بنشره وصححه وراجع أصله: السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: مكتبة الخانجي، الطبعة: الثانية، 1374 هـ - 1955م، 1/ 277. ياقوت الحموي: معجم البلدان، 2/ 460. 5/ 119. - الذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/ 35. الصفدي: الوافي بالوفيات، 17/ 156. - سعد غراب: مقدمة تحقيقه لكتاب المسالك والممالك للبكري،1/ 10 - 11. [4] مصطفى السقا: مقدمة تحقيقه لكتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد البكري، المقدمة، ص1 – 19. - أحمد الجنابي: أبو عبيد البكري، ضمن سلسلة بالهجري – شبكة الجزيرة نت. [5] الصفدي: الوافي بالوفيات، 17/ 156. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/ 35 – 36. الزركلي: الأعلام، 4/ 98. مصطفى السقا: مقدمة تحقيقه لمعجم ما استعجم للبكري. [6] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، 1/ 277 – 278. ابن بسام: الذخيرة ي محاسن أهل الجزيرة، 3/ 232. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 4/ 1534 - 1535. [7] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، 1/ 278. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 4/ 1536. سعد غراب: مقدمة تحقيقه لكتاب المسالك والممالك للبكري، 1/ 11.
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
|
الجيولوجي الدكتور رشدي سعيد أحمد جدوع رضا الهيتي من أبرز رجال علم الجيولوجيا العرب، ويُعتبَرُ الأبَ الروحيَّ لعلم الجيولوجيا بمصر، ولُقِّب بـ (أبي الجيولوجيا المصرية)، أحد أبرز خبراء الرَّيِّ، وأحد العارفين بأسرار نهر النيل، وكان أولَ مصريٍّ يحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد الأمريكية قبل أكثر من 60 عامًا، ومشروعه الأساسي الذي كرَّس له سنوات عمره هو "نهضة مصر والارتقاء بالإنسان المصري". تولَّى منصبَ أستاذ بجامعة القاهرة، ثم تولَّى إدارة مؤسسة "التعدين والأبحاث الجيولوجية"، وساهم في الاكتشافات التعدينية التي مكَّنت مصر من التغلُّب على ما فقدته بعد احتلال سيناء، وقد كرَّمه الرئيس عبدالناصر، ثم حصل على جائزة الريادة لعام 2003 من الجمعية الأمريكية؛ تقديرًا لأعماله العلمية في مجال جيولوجيا مصر والشرق الأوسط. التحق بكلية العلوم عام 1937، وتخرج فيها عام 1941 بمرتبة الشرف الأولى، ومن ثَمَّ عُيِّن معيدًا بالكلية، بدأ عمله بالتدريس داخل الكلية بعد عودته من بعثته العلمية بالمعهد العالي الاتحادي السويسري في زيورخ بسويسرا، وبمقابلته لعميد كلية العلوم في ذلك الوقت وافق على نقله إلى جامعة هارفارد الأمريكية؛ ليحصل على درجة الدكتوراه من هناك؛ كأول مصري يحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد، وهي واحدة من أعظم الجامعات في العالم. بدأ تميُّزُه العملي عندما اتصل رئيس شركة القصير للفوسفات بالدكتور علي مصطفى مشرفة - عميدِ كلية العلوم آنذاك - لترشيح جيولوجيٍّ متخصص لرئاسة الشركة، وقد قام باختيار الدكتور رشدي سعيد، ليبدأ حياته العملية، ويعيد تنظيم إدارة الشركة ليتضاعف دخلها عدة مرات، وفي سنة 1968 رأس مؤسسة "التعدين والأبحاث الجيولوجية" في الفترة من (1968 - 1977م)، ويُعدُّ أبرزَ مَن تولَّى إدارة المؤسسة، التي تولى بِناءها من الصفر، وحوَّلها لمؤسسة تستخدم أحدث الطرق العلمية في البحث والكشف عن ثروات مصر المعدنية، بعد أن كانت من مخلفات شركات القطاع الخاص عند تأميمها، فكان له دور كبير في تنمية هذه المؤسسة، إلى جانب دوره في الاكتشافات التعدينية، التي مكَّنت مصر من التغلب على ما فقدته بعد احتلال سيناء عام 1967، وطوَّر هيئة المساحة الجيولوجية لتصبح مركزًا علميًّا، وأضاف إلى مهامها دراسةَ وبناءَ المشروعات التعدينية. واختار الدكتور رشدي سعيد تخصصًا نادرًا، وهو جيولوجيا مصر، وأصدر مجموعة من المراجع العلمية المتخصصة نالت إعجاب علماء العالم، وأصبح مُعترَفًا بها على المستويين: المحلي، والعالمي؛ وبذلك انتقل الدكتور رشدي سعيد من الجامعة إلى المجتمع، ومن العلم إلى الثقافة، حين استطاع أن يقتحم الموضوعات المسكوت عنها؛ مثل: نظام الحكم، وعَلاقة الحكومة بمؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب دوره في الاكتشافات التعدينية، التي مكَّنت مصر من التغلب على ما فقدته بعد احتلال سيناء. وأُتيحت له فرصة العمل السياسي في فترة الستينيَّات والسبعينيَّات كعضو في مجلس الشعب وفي الاتحاد البرلماني الدولي.. ولم يجد أمامه طريقًا إلا تقديمَ استقالته، بعد أن تغيَّرت اهتمامات مصر، واضطر للهجرة خارج الوطن، وبَيْعِ مكتبتِه العلمية؛ ليستطيع الحياة في الولايات المتحدة، ولا يزال مشروع الدكتور رشدي الذي كرَّس له سنوات عمره - وهو "الارتقاء بالإنسان المصري" - مستمرًّا، ليس فقط من خلال أبحاثه ودراساته العلمية فحسب، بل أيضًا من خلال عالم الثقافة والتنوير، ونشر المنهج العقلاني الإنساني المتحرِّر من آفة التعصُّب والعنصرية، وهي السِّمات الأساسية في تكوين شخصيته، التي يدعو إليها بين كل المصريين. وله إصدارات كثيرة، منها: كتاب المنخريات في شمال البحر الأحمر Foraminifera of the northern Red Sea، كتاب جيولوجيا مصر The geology of Egypt، كتاب المسح الجيولوجي في مصر The geological survey of Egypt,، كتاب مذكرات تفسيرية مرافقة لخريطة مصر الجيولوجية Explanatory notes to accompany the geological map of Egypt، كتاب المنطقة الجيولوجية تحت سطح أرض القاهرة Subsurface geology of Cairo area، كتاب التقييم الجيولوجي لنهر النيل The geological evolution of the Nile River، كتاب نهر النيل The Nile river، كتاب الحقيقة والوهم في الواقع المصري، كتاب رحلة عمر، كتاب العلم والسياسة في مصر، له عددٌ كبير من المقالات حول التَّعْدِينِ والرَّيِّ والزراعة في مصر والمنطقة بوجه عام. مذكرات الدكتور "رشدي السعيد" تحت عنوان رحلة عمر، اختار الجيولوجي الدكتور رشدي سعيد بلوغَه الثمانين عامًا مناسبةً لكتابة مذكراته، التي جاءت تحت عنوان: "رحلة عمر"، واتخذت لنفسها عنوانًا فرعيًّا هو: "ثروات مصر بين عبد الناصر والسادات"، ويَعرِضُ الدكتور رشدي سعيد أحد أهم جوانب مشاكل البحث العلمي في مصر، وهو: عدم القدرة على إقامة عَلاقات علمية متكافئة مع الأجانب، والجهل بأولويات البلاد، والخضوع للإغراءات، والاكتفاء بالشكلية عند إقامة مثل هذا النوع من العَلاقات بين غير الأنداد. له العديد من الإسهامات، منها: اختار هذا العالم الفريدُ تخصصًا نادرًا، وهو "جيولوجيا مصر"، وأصدر كتابًا بهذا الاسم نال به إعجاب علماء العالم، وأصبح مرجعًا يُعترَفُ به على المستوى المحلي والعالمي، ساهم في الاكتشافات التعدينية التي مكنت مصر من التغلب على ما فقدته بعد احتلال سيناء. تولَّى العديد من المناصب، كرَّمه الرئيس المصري في عام 1962؛ حيث سلَّمه "وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى"، حصل على جائزة الريادة لعام 2003 من الجمعية الأمريكية لجيولوجيا البترول؛ وذلك تقديرًا لأعماله العلمية في مجال جيولوجيا مصر والشرق الأوسط، التي وصفها بأنها فتحتْ آفاقًا جديدة لتطبيق هذا العلم في مجال البحث عن البترول في المنطقة. شغَل منصب أستاذ بجامعة القاهرة في الفترة من 1950 حتى 1968، وتولَّى إدارة مؤسسة التعدين والأبحاث الجيولوجية في الفترة من 1968 - 1977، وأتيحت له فرصة العمل السياسي في فترة الستينيَّات والسبعينيَّات كعضو في مجلس الشعب وفي الاتحاد البرلماني الدولي.
__________________
|
|
#10
|
||||
|
||||
|
ترجمة الدكتور الجيولوجي إبراهيم الراوي أحمد جدوع رضا الهيتي من علماء الجيولوجيا في العراق الدكتور إبراهيم الراوي الدكتور إبراهيم الراوي: حصل على شهادة البكالوريوس في الجيولوجيا من كلية العلوم جامعة بغداد. ومِن ثَمَّ ابتُعث إلى المملكة المتحدة لإكمال دراسته العليا؛ حيث نال شهادة الدكتوراه من إحدى جامعات إنكلترا. تدرج في العمل الوظيفي كجيولوجي في دائرة المسح الجيولوجي. ومِن ثَمَّ انتقَل إلى وزارة الري؛ حيث تبوأ منصب رئيس مؤسسة المياه الجوفية. بالإضافة إلى عمله خبيرًا في منظَّمة الفاو الدولية fao التابعة للأمم المتحدة. ساهم في كتابة العديد من البحوث والتقارير، وأشرف على العديد من المشاريع خلال مسيرته العملية.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |