|
الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() تأملات في شريط العاصفة الشعبية
« إسرائيليو الثورات والأمة » (4) د. أكرم حجازي 23/6/2011 ![]() لا ينكر أحد أن النظم استفادت من ثورتين سابقتين، وقعتا في لحظة عصف عاتية. والمؤكد أن بعضها، إن لم تكن جميعها، تلقت نصائح وتوجيهات ومعدات خاصة للسيطرة على الاحتجاجات الشعبية بصورة بالغة السرعة. لكن مهما بلغت قدرات الأنظمة وإجراءاتها الاستباقية في الاحتواء والسيطرة إلا أنها تفقد كل قيمة في مواجهة فكرة يعتقد الناس أنه آن أوانها. ومع أن النظم تدرك اللحظة التاريخية التي تواجهها إلا أنها تصر على اعتراض الثورات القائمة أو القادمة بـ « القوة المسلحة»!! أو بـ « البلطجة» أو بـ « الشبيحة» أو بـ « الطائفية» باعتبارها ذروة خلاصات النظم في لحظات الاحتضار. هذا على مستوى « الهامش». أما على مستوى « المركز » فإن الاعتراض الدموي بات حاجة ملحة بحيث تبدو الكلفة باهظة بنظر شعوب أخرى، ومن أجل كسب المزيد من الوقت في مواجهة عاصفة قوية ومباغتة وبالغة السرعة لم تعد تتيح مجالا للتفكير إلا بانتهاج القتل كوسيلة ترهيب ناجعة. لكن الأعجب ليس فيما تفعله النظم المهددة من اعتراضات بل في اعتراض النظم الانتقالية الجديدة للثورة، كما في تونس ومصر. فهذه لم تتوقف عن السعي الحثيث لإعادة تطبيع النظام بذات الرموز والأدوات الفاسدة والمجرمة. أما الأسوأ في « التطبيع» فهو ذاك الذي يصر على التمسك بألد أعداء الأمة والدين، وتمكينهم من المناصب الكبرى والحساسة، والثناء عليهم، والزج بهم في ميادين العمل العام .. هؤلاء هم الذين يتصدرون اليوم واجهة الثورة المضادة، ويستفزون الأمة في أقدس حرماتها، ويجاهرون، بلسان صهيوني، في تجريدها من هويتها وعقيدتها .. مجاهرة بالغة الفظاعة، لم يجرؤ على التصريح بها، من قبل، أولياء نعمتهم .. هؤلاء لم يكونوا، تاريخيا، إلا مسوخ ذات النظام الذي استهدفته الثورة أصلا!!! هؤلاء هم الذين يعول عليهم « المركز» في سرقة الثورات، ووأد طموحات الأمة وآمالها في التحرر والانعتاق من التبعية والهيمنة .. وهم من يستحقون عن جدارة لقب « إسرائيليو الثورات». نموذج تونس كثيرة هي التقارير التي تحدثت عن خدمات أمنية قدمها الرئيس التونسي المخلوع لإسرائيل. وبالتأكيد لن يكون آخرها « سقوط دولة الفساد » الذي أنتجه وبثه التفزيون التونسي بعد الثورة (19/4/2011). ولا يمكن قراءة بث البرنامج وما تضمنه من علاقات وخدمات أمنية قدمها بن علي للموساد الإسرائيلي إلا كإدانة وثائقية وشعبية دامغة على خيانة الرئيس للشعب والأمة والدين. ومع ذلك فقد يكون هذا مفهوما لمن هم في منزلة الطغاة، أما أن تصدر الخيانة عمن اختيروا أعضاء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة فلا معنى لذلك إلا أن يكون « إسرائيليو الثورات»، من القوى المتسلقة على دماء الناس وتضحياتهم، خاصة من اليساريين، قد اغتصبوا أخطر المناصب، وشرعوا في تصدر الثورة المضادة كما يحصل في مصر بالضبط. ففي 5/6/2011 تناقلت المواقع التونسية والصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي معلومات بالغة الخطورة تقول، مع بعض التصرف في البيان اللغوي،: « منذ شهر تقريبا، وخلال إحدى الجلسات التي تعقدها الهيئة لمناقشة مسودة العقد الجمهوري، اقترح أحد الأطراف المشاركة في الاجتماع أن يقع التنصيص في ديباجة العقد على بند يقول أن تونس ترفض التطبيع مع إسرائيل ما دامت فلسطين محتلة. فإذا بـ حوالي 40 عضوا من أعضاء الهيئة يرفضون مناقشة الأمر من أساسه بدعوى ابتعاد الاقتراح عن موضوع الجلسة، ثم ينضم إليهم رئيس الجلسة عياض بن عاشور ليحذف النقطة من جدول النقاش، ويطلب من العضو الذي أثار النقطة عدم تناول الموضوع في الإعلام والصحافة. وعند فحص أسماء الرافضين للنقاش تبرز أسماء: • أعضاء التجديد الذين لم ينسوا أن حزبهم تأسس في 1920 على أيدي يهود تونسيين كانوا يرفضون حتى سنة 1944 مبدأ استقلال تونس عن فرنسا بدعوى رفض الشوفينية؛ • ممثلات النساء الديمقراطيات اللواتي أرسلن وفدا إلى زوريخ ( بشرى بن حميدة) لطلب التمويل لأنشطتهن ضد الأصولية يضاف إليهن مثقفون وسياسيون قريبون من التجمع الدستوري الحاكم؛ • بارونات المال، وأكاديميون في مقدمتهم محمد عربي شويخة الذي اختير باللجنة المركزية المستقلة للانتخابات، وهو أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، سبق له أن زار إسرائيل وألقى محاضرة في جامعة بار إيلان بتل أبيب في شهر ديسمبر سنة 1999، وكذا عبد الحميد الأرقش، الذي رافق شويخة في زيارته للكيان الصهيوني». تفاعلات مسألة التطبيع مع إسرائيل، لدى حركة التجديد، لم تتوقف عند هذا الخبر. وبلغت الجرأة حدا دفع الحبيب القزدغلي، أحد أعضاء الحركة، وأستاذ التاريخ المختص في المسألة اليهودية، إلى الإدلاء بتصريحات استفزازية نشرتها صحيفة الصباح التونسية ( 14 /6/2011 ) جاء فيها: « إن اللجنة المنبثقة عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، المكلفة بصياغة العقد الجمهوري، حسمت أمرها في هذه المسألة. وأكد أن مناهضة الصهيونية ليست من ثوابت الشعب التونسي بل هي مسألة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يتفاوضون من أجل حلها». نموذج مصر وفي مصر، بالإضافة إلى أبرز رموز نظام الرئيس المخلوع، فقد تصدرت هذه النخب قيادة الثورة المضادة. فتحالفت بشكل فج مع الكنيسة الأرثوذكسية، ولبت مطالبها الظالمة، وما زالت تجهد بافتعال الفتن، ، زيادة على التحريض السافر والفاجر بحق القوى الإسلامية، وقلب الحقائق، والزج بأنبل شباب مصر في السجون، وتصفية الحسابات معهم، كما يحصل للشيخين أبو يحيى ومدير المرصد الإسلامي خالد حربي، بل أن يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء، وقرة عين شنودة، تطاول على السلفيين واصفا إياهم بـ: « أصحاب العقول المظلمة .. وليسوا من الإسلام»، وعلى الله عز وجل مرتين، الأولى، في برنامج « مصر النهاردة – 14/3/2001» حين قال: « ربنا لو نزل الانتخابات وحصل على 70% يبقى ربنا يحمد ربنا»، والثانية، في 7/5/2011 خلال مؤتمر نظمته « شبكة اللبراليين العرب»، ورد فيه على منتقدي تصريحاته بالقول: « يقولون الله قال كذا، على الرغم من أن الله لم يقل شيئا منذ 1400 عام»!!! بطبيعة الحال ليس يحيى الجمل وحده في ميدان الهجوم على الإسلام والسخرية منه وطحنه إنْ استطاع، فهناك جيوش وضيعة من المرتزقة كأنس الفقي، وزير الإعلام السابق، وصاحب الثناء البالغ على الغرب واليهود، والتشهير الفج بالعرب، والتشويه المتعمد والرخيص لمصر وعقيدتها وتاريخها. وفي الجوقة نفسها ثمة شيخ العلمانيين محمد البرادعي وقرينه عمرو موسى، عراب التطبيع مع إسرائيل، وكذلك عمرو حمزاوي، الذي تخصص في هدم المادة الثانية من الدستور المصري، ومهاجمة الإسلام حتى من قلب الكنيسة الأرثوذكسية في العباسية، حيث أعلن عن تأسيس حزبه. خلف هؤلاء وأمثالهم، ثمة دعاة ولاية القبطي على المسلم، أمثال أسامة القوصي والمفتي علي جمعة، وثمة النجم الصاعد للرئاسة، زميل ساويريس في الحكمة!!! د. محمد سليم العوا، خصيم الخلافة، الذي سبق له وأنكر إسلام كاميليا شحاته، ورفض تكفير نائب شنودة الأنبا بيشوي. ففي ندوة نظمتها كلية الآداب بجامعة طنطا (1/6/2011)، بعنوان: « مصر إلى أين؟» أعلن « العوا »، المرشح الرئاسي الذي يتمتع بـ « النزاهة والاحترام» بحسب زميله « السعيد بترشحه» عبد المنعم أبو الفتوح، أن: « فكرة الخلافة الإسلامية غير مطروحة على الإطلاق في هذا الوقت، وأنه لن يقبل بعودة نظام الخلافة الذي ارتبط بفترة حكم النبى وخلفائه الراشدين»!! أما عذره في ذلك فجاء أقبح من الذنب نفسه. فقد برر رؤيته بالقول أن: « التفرد بالحكم أورثنا الذل والمهانة وصنع الفراعين واللصوص»!!! فبماذا يختلف تطاول الجمل على الله عز وجل عن تطاول العوا على نظام الخلافة؟ وهل كانت الخلافة مسؤولة عن صناعة مبارك أو توريث العوا الذل والمهانة؟ حقا! إن مما أدرك من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت. أما أبو الفتوح فمن حقه أن يسعد بترشح من يقاسمه أفكاره. فإذا كان العوا لا تعجبه الخلافة ولا تكفير الكافر!! فهو أيضا لا يعجبه القول بأن « حد الردة » في الإسلام كفر مخرج من الملة!! وقد سبق له أن صرح بذلك، ثم كرر تصريحاته، بعد الثورة، حرفيا بأن: لا وجود لحد الرِّدة في الإسلام باعتبار « الرِّدة»، بالنسبة له، خروج على النظام الاجتماعي وليس خروجا على الإسلام!!!!؟ فأي نوع من المسلمين هؤلاء؟ وماذا نفعل بالحديث الصحيح للرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: « من بدل دينه فاقتلوه»؟ أما الملياردير الفاسد المتغطرس نجيب ساويريس ومعه شنودة، عربيد الكنيسة الأرثوذكسية، فلم يكن وحده من تحالف مع النظام السابق، ودعم التوريث، وبكى بكاء مرا على سقوط مبارك، فهناك من حالفه وحالف الكنيسة من رموز القوى اللبرالية المحسوبة على المعارضة، والتي كانت داعمة سرية لمشروع التوريث الذي أشرف عليه وقاده، صاحب الوجه البلاستيكي، صفوت الشريف، الأمين العام للحزب الوطني آنذاك. ومن بين هؤلاء ما كشفته صحيفة المصريون (11/6/2011) استنادا إلى وثيقة رسمية موقعة صادرة عن وحدة الأحزاب في جهاز مباحث أمن الدولة، وتحمل توقيع رئيس الوحدة، العقيد محسن السعيد . أما الوثيقة فتضم أسماء ما يقرب من 40 عضوا من قيادات أحزاب المعارضة. ومع أن الصحيفة تحفظت على أسمائهم إلا أنها أشارت إلى انتماءات بعضهم على النحو التالي: • ثلاث قيادات رفيعة في حزب « التجمع»؛ • أربعة من القيادات البارزة بحزب « الوفد» من أعضاء الهيئة العليا للحزب، من بينهم رئيس مجس إدارة صحيفة معروفة، وعدد من الشخصيات الوفدية الأخرى منها صحفيون؛ • أسماء ثلاثة من الشخصيات القيادية بحزب « الغد»، من أعضاء جبهة أيمن نور، بالإضافة إلى قيادتين بارزتين ومشهورتين. • ثلاثة شخصيات بارزة وقيادية من كل من حزب « الأحرار» و « الحزب العربي الناصري». أخيرا مشكلة هذا النوع من النخب، المنتشرة كالفطر في كافة بلاد العالم الإسلامي، أنها فاسدة، وبلا مرجعية من أي نوع إلا بما تؤمن به أو تُساق إليه، وتبعا لذلك، لا تنبت أو تترعرع إلا في بيئات مماثلة أو معادية .. وهي على أصناف: فثمة شريحة منها تظهر حرصا على الإسلام بينما هي في قمة الزندقة، وثانية: غربية العقل والهوى. وهذه تعلم أن ما تفعله وتدعو إليه يصب في خانة أعداء الأمة بلا مواربة، وثالثة:، وهي الأشد طرافة،: متبرئة من كل ما يمت للعروبة والإسلام بصلة، حتى أنها ترى في عدم يهوديتها نقصا في نشأتها الإنسانية وتكوينها النفسي، وهو ما جاهر به أحد رموزها المليارديريين، حين قال، في يوم ما: « لا ينقصني شيء .. فكل ما أتمناه أملكه .. عيبي الوحيد، أنني لم أولد يهوديا» !!! أما عن علاقاتها، فهي واقعة في صلب دوائر « المركز». ولولا تبنيها من قبل النظم الاستبدادية و « المركز»، وتمكينها من وسائل الإعلام والتغطية، لما تمتعت بأي حضور اجتماعي يذكر. هذه النخبة عدوة للثورات قبل اندلاعها، أو متسلقة عليها، أو معول هدم لها بعد انتصارها .. ومع أنها نخبة مكشوفة وضعيفة وهشة، فليس من الحكمة تجنبها كي لا تخلو لها الساحة ويتضاعف خطرها. لذا لا بد من ترصدها باستمرار، وتعرية خطابها ومعتقداتها ومواقفها، وإلا فهي قادرة أن تلبس على الناس، وأن تعيث في الأرض فسادا. ولو وجدت فضائية واحدة تنتصر للحقيقة، ولهذه الثورات، لكان للأمة مع هؤلاء وأمثالهم شأن آخر. فصبر جميل والله المستعان. هكذا نختم بسؤال للتأمل: ما هو الفرق بين « أشرار الثورات والأمة» و « إسرائيليوها» إذا كان كلاهما واقع، في المحصلة، في خدمة « المركز»!!!؟ الحلقة القادمة: « ثورات مهاجرة»
__________________
أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا *** هذي الحياة كجنة فيحاء أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها *** مفت بجوف الكعبة الغراء أنا معْ أسامة حيث آل مآله *** ما دام يحمل في الثغور لوائي أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه *** أو شابه خطأ من الأخطاء أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا *** أو حاز منزلة مع الشهداء |
#2
|
|||
|
|||
![]() تأملات في شريط العاصفة الشعبية
ثورات مهاجرة (5) د. أكرم حجازي 27/6/2011 ![]() من مفارقات الثورات العربية أنها ألقت المزيد من الأضواء على الأزمات الاقتصادية والمالية التي تطحن المركز، وتهدد بانهيار النظام الرأسمالي برمته. فالأزمة المالية العالمية التي سبق وفجرتها البنوك العقارية في الولايات المتحدة سنة 2008 لم تنته بعد. إذ أن المشكلة واقعة في صلب النظام الرأسمالي نفسه الذي لا يخرج، بالمحصلة، عن كونه سلعة أيديولوجية ذات قيم جشعة ومضامين متوحشة .. أو منتج استهلكه الزمن فتآكلت قدراته ونخرت العيوب مناعته إلى أن صارت الأزمات تعصف به من كل جانب. فما الخلاص من مرض لا شفاء منه؟ ما من خلاص. وكما يقولون في المثل الشعبي: « اتسع الخرق على الراقع ». فما يدافع النظام الرأسمالي به عن نفسه ليس سوى « تلبيس طواقي»، لستر عورات وفضح أخرى بانتظار لحظة الإعلان عن الانهيار، كما قال الباحث عامر عبد المنعم في مقالته الشهيرة: « أمريكا ماتت فلا تكونوا كجن سليمان». فكيف يكون الحال وقد اتسع الخرق ليصل إلى أوروبا؟ ها هي مسألة الديون المستفحلة في الولايات المتحدة تتفاقم لتبلغ ما قيمته 14.3 تريليون دولار. ولهذا حذر الرئيس الأمريكي، في تصريحات نشرت في 14/6/2011، من حدوث أزمة مالية عالمية، إذا لم يوافق الكونغرس على زيادة سقف الدين العام للبلاد بقيمة 2 تريليون دولار، لتغطية العجز في الإنفاق الحكومي حتى حلول موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012. واعتبر أن: « التخلف عن رفع السقف يعد تهديدا للنهوض الاقتصادي ليس في الولايات المتحدة وحسب وإنما سيتجاوزها لبقية العالم ويؤدي إلى أزمة مالية جديدة». وحتى 24/6/2011 فشلت مفاوضات الكونغرس في تحقيق أي تقدم لرفع سقف الدين .. لكن دون أن يستبعد المحللون اتفاق اللحظة الأخيرة. يحدث هذا في الوقت الذي تستفحل فيه الديون لتضرب دول أوروبا الواحدة تلو الأخرى. وفي سيناريو عجيب، يشبه ما حدث في تونس ومصر، فقد بدأت الأزمة تتفجر في اليونان وإسبانيا إلى الحد الذي أجبرت فيه بن برناركي، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، بعد مراقبة أمريكية للوضع اليوناني لأكثر من عام، على إطلاق صيحة فزع (22/6/2011)، تجاه الوضع « الصعب» في اليونان، والتحذير مما بات حقيقة تؤكد أن أزمة الديون اليونانية تهدد النظام المالي العالمي برمَّته، « إذا لم يوجد لها حل». أما عن إجمالي المشكلات الاقتصادية في أوروبا فـ: « سيكون لها انعكاسات على أسواق المال العالمية، ممَّا سيضر أيضا بالاقتصاد الأمريكي .. لاسيما .. المؤسسات المالية الأمريكية». بل أن برناركي ذهب أبعد من ذلك حين نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عنه في مؤتمر صحفي (26/6/2011) القول أن: « فشل حل الأزمة اليونانية يمثل خطرا على النظام المالي في أوروبا، وعلى العالم، ويهدد الوحدة الأوروبية». والواقع أن الأزمة دفعت بقطاع من المستثمرين، وفق ما أشارت إليه صحيفة « الفايننشال تايمز 25/6/2011»، إلى سحب أموالهم من الأسواق الأوروبية. فقد سحبت البنوك الأميركية 51 مليار دولار تمثل سندات غير حكومية من أوروبا، وحولتها إلى سندات خزينة أميركية. وأكثر من ذلك، فـ: « البنوك الأميركية ذاتها تحولت من السندات الحكومية الأوروبية إلى السندات الأميركية أيضا بسبب الخشية من تدهور أزمة اليونان». وبحسب الصحيفة ذاتها فإن: « المسحوب من الأسواق الأوروبية لا يزال أقل بكثير من الأموال التي سحبتها المؤسسات المالية من أسواق المال الأميركية في الأشهر التي أعقبت الأزمة المالية سنة 2008، وبلغت 400 مليار دولار». وهذا يعني، مبدئيا، أنه ثمة وقت لتدارك الأزمة. أما أكثر التوقعات قتامة، فقد استقبلها ديفد كوتوك، رئيس قسم الاستثمار في مؤسسة كمبرلاند أدفايزرز، بتسطيح مريب حين قال أنه: « حتى في حال إفلاس اليونان فإنها لن تكون النهاية»، مستشهدا بـ: « تركيا التي تعرضت لأزمة مالية واستطاعت أن تصبح من الاقتصادات الناشئة القوية ودول نمور آسيا سنتي 1997 و 1998 وانهيار الروبل الروسي، والعملة المكسيكية سنة 1994»، مشيرا إلى أن: « الأزمات المالية هي حقائق تاريخية»!!! وهذا صحيح من حيث المبدأ لكنه، بالمقارنة، ليس دقيقا في كل الأمثلة التي اعتمدها، خاصة إذا ما تعلق الأمر بأزمة بنك ليمان برذرز العقاري وأزمات أوروربا. فإذا ما أفلست اليونان؛ فإن التبعات ستكون كبيرة، كتلك التي خلفها انهيار بنك ليمان برذرز، بحسب ما أدلى به إيد يارديني، بمعهد يارديني للأبحاث في نيويورك، لوكالة الصحافة الفرنسية في 26/6/2011. ولعل هذا ما يفسر تدخل الصين لحماية استقرار الاقتصاد العالمي ومنع انهيار اليورو. فقد قالت، في بودابست 26/6، على لسان رئيس الوزراء وين جياباو: « لقد اشترينا الكثير من السندات المقومة باليورو خلال السنوات الماضية، وسوف نستمر في دعم أوروبا واليورو». فالصين، التي شددت ملاحقتها للمعارضين، منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، ويتملكها الهلع كروسيا، من انتقال عدوى الثورات العربية إليها لا تنقصها المتاعب. ورغم الاستنفار الأوروبي لإنقاذ اليونان من شبح الإفلاس، في السنة الماضية، إلا أن الحكومة أقرت من جهتها في 10/6/2011 برنامجا للتقشف يمتد لعام 2015 كي يتسنى لها الحصول على قروض بقيمة 161 مليار دولار تسمح لها في احتواء مشكلة سداد ديونها البالغة 480 مليار دولار إلى 730 مليار بحسب مصادر أخرى، أغلبها لألمانيا. أما عن سبب الديون، وتحمل العامة لها، فقد أرجعها وزير العمل اليوناني إلى التهرب الضريبي. إذ أن: « ربع اقتصاد البلاد لا يدفع ضرائب». ولمنع الانهيار؛ فقد تجبر أوروبا الحكومة اليونانية على إشراك القطاع الخاص في تحمل عبء القروض. ومن جهته فقد يضطر الاحتياط الفيدارلي الأمريكي والمصرف المركزي الأوروبي إلى التدخل عبر ضخ السيولة في أسواق المال العالمية « من أجل محاصرة العدوى»، إذ أن مشكلة اليونان ليست الوحيدة، لاسيما وأن بلجيكا وإيطاليا باتتا على قائمة الانتظار. ففي 19/6/2011 حذر جان كلود يونكر، رئيس مجموعة اليورو، من أن أزمة الديون التي تضرب اليونان ودولا أخرى قد تمتد عدواها إلى إيطاليا وبلجيكا. وقال في تصريحات لصحيفة ألمانية: « إننا نلعب بالنار»، فـ: « المشاكل التي أدت باليونان والبرتغال وأيرلندا لطلب حزمة دعم مالي دولي لتفادي الإفلاس قد تنطبق على إيطاليا وبلجيكا بسبب المستويات العالية التي بلغتها ديونهما». أما ألمانيا الفزعة من الديون الأوروبية، فما كان من وزير خارجيتها غيدو فيسترفيله إلا توجيه انتقادات غير مباشرة لتصريحات يونكر، أملا في امتصاص حالة الفزع الأوروبي. أما في إسبانيا؛ فمن العجيب حقا أن يتجرأ رئيس الوزراء خوزيه لويس ثاباتيرو (23/12/2010) على القول بأن: « بلاده تحتاج إلى خمس سنوات لتصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني وتحقيق الازدهار والرفاهية للشعب الاسباني»، بينما تعاني البلاد من بطالة وصلت إلى 20%!! فكيف يعقل لاقتصاد يعاني اختلالات بنيوية أن: (1) يتعافى أولا، ثم (2) يقطع مرحلة « الازدهار » ثانيا، و (3) يصل إلى مرحلة « الرفاهية» في خمس سنوات عجاف قد تودي بالنظام الرأسمالي برمته!!؟ تصريحات ثاباتيرو هذه جاءت في أعقاب إقرار مجلس النواب الاسباني لقانون الميزانية العامة لسنة 2011، وهي السنة الأكثر تقشفا منذ بدء الأزمة الاقتصادية، والأعلى تخفيضا في مستوى الإنفاق العام بنسبة 7.9% مقارنة بما كان عليه سنة 2010 .. تقشف تأمل الحكومة منه بتخفيض العجز العام لهذه السنة إلى 6% مقارنة بـ 9.3% لسنة 2010. الآن، وفي السياق الذي نتحدث عنه، ما هي علاقة الثورات العربية بالأزمات الاقتصادية العالمية؟ وكيف يمكن لـ « المركز» أن يجمع بين نقيضين في موقفه من الثورات: موقف المؤيد والمناهض للاستبداد والطغيان السياسي، وموقف الاعتراضات السافرة لمسار الثورات بحيث تبقى في مواطنها بعيدا عن المركز؟ الجواب الوحيد هو مصالح المركز ولا شيء غيرها. مبدئيا، ثمة مشهد مشرق للثورات العربية بعيون « المركز»، خاصة بعد أن « تدارك» خطأه في الثورة التونسية، وأخذ يتصدر الدفاع عن مطالب الشعوب المقهورة ويثني على شجاعتها!!! لكنه ثناء ماكر وخبيث فيما يزعمه من نصرة، ومع ذلك يجد من يصدقه ويدعوه للتدخل، بل ويعبر عن امتنانه له!!! بينما هو في الواقع كحال المومس من الطهر والعفاف حين تدعي شرفا. فما يجري في العالم العربي من ثورات باغتت الجميع تمثل، من باب آخر، فرصة ثمينة لـ « المركز» كي يخرج من أزماته المستفحلة. فالتدخلات السياسية والأمنية والمسلحة تصب، هي ونتائجها، في خدمة مصالحه واستراتيجياته. أما الثروات العربية المنهوبة، والمسجلة بحسابات مشفرة وغير مشفرة، باسم الفاسدين من العرب، والمكدسة في بنوك « المركز»، فقد باتت صيدا سهلا وثمينا له، كي يشرع في عملية نهب واسعة النطاق .. نهب ليس ثمة من هو قادر على مراقبته أو ردعه أو إخضاعه لأية مساءلة، طالما أن النهابين هم قادة « المركز»، وطالما أن الفاسدين سقطوا، وباتوا قيد التشهير والملاحقة القانونية. هكذا يمكن أن نفهم لهفة « المركز» على التدخل في ليبيا، طمعا في ثرواتها، أو الصمت، الخبيث، على القتل الوحشي في سوريا، وكذا التدخل السافر في اليمن .. فهو، من جهة، تدخل يستدعي الاحتفاظ بالسيطرة على الهامش، ورفع التكلفة، أملا في إطالة أمد الثورات. ومن جهة أخرى الاجتهاد في توفير فائض من الوقت، يكفي لإدارة عملية النهب بصورة منظمة لتحقيق أفضل النتائج !!! هذه هي حقيقة النظام الرأسمالي في بعضٍ من أوسخ قيمه وأخلاقه. لكن المشهد المزعج للثورات العربية فهو ذاك الذي يبعث على الفزع في « المركز»، وهو الذي يجهد في اعتراضه بكل ما أوتي من قوة. إنه مشهد هجرة الثورات. فماذا لو نجحت الثورات العربية في اعتراض النظام الرأسمالي، وهاجرت إلى ساحات وميادين أوروبا؟ فهناك يستوطن القتلة، وصناع الكذب، ورؤوس الطغيان، وعمداء الاستبداد، ورموز الشر والعدوان والهيمنة العالمية .. وهناك أيضا، مدارس لتعليم وتصدير فنون استعباد الشعوب، ونهبها، وإفقارها .. ألا يستحق « المركز» ثورة في عقر داره؟ لعله كذلك. ففي هذا الوجه المقلق؛ يجتهد « المركز»، ليل نهار، لتشويه الثورات العربية عبر إغراقها في الفعل الدموي أو تمييعها .. لا لهدف، إلا لإطفاء بريقها، والحيلولة دون انتقالها إلى بلادهم، أو استلهام شعوبهم لها، كنماذج قادرة على التغيير، والخروج من الأزمات والمآزق، دون خسائر كبيرة !!! هذا الوجه؛ هو الحقيقة المرعبة التي يعيشها « المركز»، ويخشى منها بدء من أوروبا .. وجه سارع الإسبان لاحتضانه، في ساحة « بويرتا ديل سول»، الواقعة في قلب مدريد، والاعتراف بفضله، وتوقيره، بصريح اللفظ: « الثورات العربية ألهمتنا»، وخاصة الثورة المصرية، التي حضرت حتى بشعاراتها في العاصمة الإسبانية!! لكن بماذا يطالب الإسبان؟ وماذا يقول اليونان؟ وكيف علق الفرنسيون على الحراك الشعبي الأوروبي؟ لنتابع: بداية لا بد من القول أن حركة الاحتجاجات الأوروبية تتباين من حيث قوتها وأثرها وانتشارها. فهي، حتى الآن لا تتجاوز ثلاثة دول. كما لا يمكن القول أنها تشكل أنوية صلبة لحركات تغيير بالمعنى الذي تنشده الثورات العربية، ولو أنها تبدو كذلك، من بعيد، في اليونان وإسبانيا. لكن من المفارقات العجيبة أن تستلهم الاحتجاجات الأوروبية الثورات العربية، ليس في شكلها فحسب بل في صميم جواهرها. فهي: • احتجاجات تصر على شعبيتها، وسلميتها؛ وهو ما تجلى في صورة مظاهرات واعتصامات وخيم وجماعات تنظيم وإعلام ودعم لوجستي في ساحات المدن والأحياء الكبرى في اليونان وإسبانيا. • وتأبى الاحتشاد تحت أية دعوى أيديولوجية أو حزبية من أية جهة كانت. ومنعا للأحزاب من تسلقها؛ فقد بادر المعتصمون في العاصمة اليونانية أثينا ( 9/6/2011) إلى التأكيد في تصريحات لهم على: (1) « عدم انتماء حركتهم إلى أي حزب سياسي أو نقابة عمالية»، بل أن أحد المنظمين للاعتصام أوضح بأن: (2) « المحتجين يشملون جميع فئات وأعمار المجتمع اليوناني، ورغم أن الكثيرين منهم ينتمون إلى أحزاب سياسية، فالجميع متفقون على أن حضورهم لا يعني تمثيلهم لأحزابهم». ولا شك أن مشاركة جميع الفئات العمرية تقطع الطريق على ما يسمى بـ « نشطاء الأحزاب» لصالح كل المجتمع!!! • وتتماثل في مطالبها السياسية والاقتصادية مع المطالب العربية، لكن دون الحديث، حتى اللحظة عن إسقاط النظم. ولعل الاختلاف في النقظة الثالثة راجع إلى أن البنية السياسية في النظم الأوروبية مختلفة ( الدولة المدنية والديمقراطية) عن مثيلتها في النظم العربية ( الدولة البوليسية والاستبداد). هكذا إذن كانت البداية. إذ تصدرت اليونان واجهة الأحداث حين احتشد، بحسب « رويترز»، عشرات الآلاف في وسط العاصمة أثينا (5/6/2011)، أو بما اعتبر المظاهرة الأكبر منذ أربعين سنة الماضية، بحسب رأي الصحفي بيتروس باباكوستاندينو. هؤلاء رفعوا لافتات كتب على إحداها ثلاث كلمات ذات دلالة بالغة، وهي تختصر عمق الأزمة التي تعصف بالبلاد: « لصوص - محتالون - مصرفيون» .. أزمة، في المحصلة، تعصف بعالم، يهيمن عليه لصوص « المركز». ومن يرغب في التأكد فما عليه إلا أن يراجع بعض نماذج النهب الدولي المنظم مثل وقائع الأزمة العقارية في الولايات المتحدة وبرنامج النفط مقابل الغذاء بخصوص العراق أو تعويضات الحرب التي سرقتها لجنة التعويضات الدولية برئاسة جيمس بيكر أو أسعار النفط وصفقات التسلح ... وقائمة ينتهي العمر في معاينتها ولا تنتهي. في 9/6/2011 نقلت «الجزيرة نت»، أيضا، عن نشطاء وصحفيين آراء مثيرة عن أهداف الاحتجاجات في المدن اليونانية. ومن الطريف حقا أن نقرأ عن الناشط ذيميتريس إيكونوميذيس قوله: « إن أهداف الاحتجاجات هي: (1) رحيل الحكومة و (2) إلغاء الديون و (3) الوصاية الأجنبية على اليونان»، إضافة بالطبع إلى: « (4) إلغاء إجراءات التقشف .. وفي مرحلة لاحقة (5) تأميم المصارف و (6) تحديد موعد للانتخابات التشريعية». من يتأمل هذه المطالب يظن أنها تخص دولا وشعوبا في العالم الثالث أو الرابع، حيث مستنقعات الكذب والفساد والطغيان!! ولو لم يكن الأمر كذلك: • لما اندفع « شباب اليونان» أو « شباب إسبانيا» للرد على خرافات « الازدهار والرفاهية» التي أدلى بها رئيس الحكومة؛ في احتجاجات جرى تنظيمها في 60 مدينة إسبانية؛ • ولما قررت حركة شباب 15 مايو/أيار أن يكون الاعتصام يوم 19/5 /2011 في الساحات العمومية للمدن، احتجاجا على: « البطالة وفساد السياسيين وتهميش النظام الانتخابي للأحزاب الصغيرة»؛ • ولما لخص المحتجون احتجاجاتهم بشعار غريب على الفضاء الأوروبي: « الديمقراطية الحقيقية الآن» .. شعار لشباب: « سئموا من الاضطرار إلى الاختيار بين السيئ والأسوأ»، أو بحسب مسرحي تساءل: « أين الديمقراطية؟ »؛ • ولما احتشد آلاف آخرين بعد عشرة أيام (28/5) في 120 حيا مجاورا للعاصمة – مدريد. أما في فرنسا؛ فلم تكن عدوى الاحتجاجات لتصيبها في الصميم كما هو الحال في اليونان وإسبانيا. لكنها لم تفلت في 29/5/2011 من تجمع لمئات الأشخاص في العاصمة باريس للاحتجاج على السياسة السائدة، والبطالة والفساد. إذ رفع المتظاهرون الذين تجمعوا بساحة الباستيل، وعلى بعد خطوات من دار الأوبرا، لافتة عملاقة قالت ما قالته قبلها شقيقتها في مدريد: « الديمقراطية الحقيقية الآن»!!! دون أن تنسى الاعتذار عن تأخرها بلغة ساخرة: « باريس صح النوم»!!! مطالب الاحتجاجات الأوروبية تدفعنا للتساؤل عن جدوى ما نرفعه من شعارات ومطالب!!! فالعرب يدعون إلى إقامة نظم ديمقراطية ودول مدنية. مطالب يتنافس عليها متنافسو الرئاسات!!! دون أن يمعن أحدهم النظر في تطابق الشعارات والمطالب، أو يتساءل: أليست دول أوروبا مدنية؟ وذات نظم ديمقراطية؟ فما حاجة أوروبا إذن للثورات إذا كانت ستطالب بالنهاية بما يطالب به العرب!!!؟ المفارقة المثيرة للعجب أن شباب أوروبا، وليس شباب المسلمين، هم من يطعن بنزاهة الديمقراطية في مواطنها وعقر دارها .. وهم الذين يصفونها بالزائفة، ويتهمون القائمين عليها باللصوص والفاسدين!!! فما قيمة المطالبة بها، وقد أصبحت موضع احتجاج، وطعن، ومساءلة، في ميادين أوروبا؟ وماذا بقي من منطق للاسترشاد بالنظم الرأسمالية وقيمها، أو العمل بأدواتها وآلياتها؟ ثم ألا تستحق مثل هذه الاحتجاجات، وما ترفعه من شعارات، لحظة تأمل صادقة، وسط فرصة سانحة، لمراجعة قيم استهلكتها العقود في مواطنها؟ أم أن الدولة المدنية المنشودة، وكذا الديمقراطية، ستكونان أكثر تحضرا ونزاهة في دول الثورات العربية!!!؟ من باب التذكير فقط، نشير إلى انهيار بوصة نيويورك سنة 1929 تسبب بعجز الولايات المتحدة عن تقديم القروض لألمانيا لتسديد ديونها .. وانتهى الانهيار والعجز إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. أما السؤال الذي نطرحه: ماذا لو وصل المركز إلى النهاية المحتومة أو تسببت الديون الأوروبية باندلاع الفوضى في العالم ناهيك عن حروب كونية جديدة؟ فأي نظام حينها سنطالب به؟ وأي شريعة سنقتدي بها؟ أخيرا الثابت الذي لم يعد قابلا لأي طعن أو تشكيك أن: • الإسلام كلي وشامل وليس جزئي أو محدود. هذا يعني أنه لا وجود لإسلام قوي أو لدولة إسلامية موحدة .. قوية .. ناهضة .. ومهيوبة الجانب ما لم تكن كذلك كل الدول الإسلامية بلا استثناء. وبالتالي لا يحق لدولة أن تزعم، دون غيرها، أنها دولة توحيد بينما هي ليست سوى انعكاس لواقع الدول الأخرى في ارتباطها التام بـ « المركز». • العرب قلب الإسلام والعالم الإسلامي. فإنْ فسدوا وظلموا؛ فسد العالم وظلم وتجبر واستكبر واستبد واستعبد القوي فيه الضعيف. وهذا يعني أنه لا صحة للقول بأن الدولة المدنية أو الديمقراطية يمكن أن تكون دولة عادلة أو حرة طالما أن العرب مستعبدون وحكامهم مستبدون، كما يعني أنه لا يمكن لأية دولة عربية أن تتمتع بالحرية طالما بقيت إسرائيل، اليد الباطشة لـ « المركز»، قائمة في قلب « الهامش». • الثورات العربية حدثٌ من الضخامة بحيث لا يمكن أن يبلغ نهاياته دون أن يتم اعتراضه، من أشراره وأشرار الأمة، بشتى الوسائل والسبل، إما لإجهاضه أو لاحتوائه أو طمعا في مكاسب وقتية. لكنه مع ذلك ما زال في حالة تقدم، بامتلاكه الشارع، واستيطانه عقل العامة، كثقافة مكتسبة، وقادرة على الإنتاج، والإبداع، والمبادرة والتأثير. لن أدفع ! هذا هو ملخص الرد الشعبي على خطط التقشف الحكومية في دول أوروبا. لكن حين تلتفت أوروبا وغيرها من الأقوام إلى العرب لتستلهم منهم سبل الخلاص؛ فهي، في المحصلة، تلتفت إلى مهد الإسلام وأهله. إذ ليس للعرب قيمة تاريخية أو حضارية خارج الإسلام. فإذا أصبح أفول النظام الرأسمالي حديث العالم، على الأقل، ابتداء من الأزمة العقارية سنة 2008؛ وإذا أصبحت قيمه (الحرية والديمقراطية ... ) موضع احتجاج ومساءلات صاخبة؛ وإذا ما تضخمت الأزمة العالمية؛ وإذا تحدث الأوروبيون عن الديمقراطية بصيغة: « أين الديمقراطية»!؛ وإذا بدأت شعوب « المركز» تشعر، كما « الهامش» عامة والمسلمين خاصة، أنها وصلت مع نظمها وقيمها واختياراتها إلى طريق مسدود؛ فما هو البديل؟ وهل يمكن آنذاك قراءة الالتفاتة الأوروبية كلحظة استغاثة أو دعوة إلى الإسلام كي يتقدم؟ وتستمر التأملات ....
__________________
أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا *** هذي الحياة كجنة فيحاء أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها *** مفت بجوف الكعبة الغراء أنا معْ أسامة حيث آل مآله *** ما دام يحمل في الثغور لوائي أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه *** أو شابه خطأ من الأخطاء أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا *** أو حاز منزلة مع الشهداء |
#3
|
|||
|
|||
![]() تأملات في شريط العاصفة الشعبية:
في سوسيولوجيا تطبيق الشريعة (6) د. أكرم حجازي 12/7/2011 ![]() كل متابع للشأن الإسلامي، العام والخاص، لا بد وأنه لاحظ نموا في الحركات والتيارات الإسلامية المنادية بتطبيق الشريعة في البلاد الإسلامية. ولا ريب أن الدعوات تصاعدت، أكثر من أي وقت مضى، مع انفجار الثورات الشعبية في بعض البلدان العربية. بطبيعة الحال فإن تعدد الدعوات المناصرة لتطبيق الشريعة لا يعني تماثلا في المناهج والآليات الموصلة للهدف. كما أن الدعوات المناهضة لا يصح ردها فقط إلى تباينات أيديولوجية أو تدخلات أجنبية. فما هي الحصيلة الإجمالية بعد عقود من المحاولات المضنية؟ هذا النص ينطلق من كون الخلاف حول تطبيق الشريعة لا يتعلق بالحكم الشرعي، بل في الواقع الذي يعيق تنزيله. لذا فهو يثير بعض الأفكار والتساؤلات ذات الطابع السوسيولوجي. ويعرض للمسألة في ثلاثة محاور مركزية: • أُس الدعوة إلى تطبيق الشريعة • عوائق تطبيق الشريعة • تيارات تطبيق الشريعة • وأخيرا حوصلة أُس الدعوة إلى تطبيق الشريعة بداية نقول بأن تطبيق الأحكام الشرعية ليس حكما لاهوتيا بالمعنى الكنيسي الذي شاع في أوروبا. فالكنيسة مارست حكما استبداديا احتكرت فيه تفسير الإنجيل الذي لم يترجم من اللغة الآرامية إلى اللغة الألمانية، ومنها إلى اللغات الأوروبية، إلا بعد انشقاق الكنيسة في مطلع القرن الثالث عشر، وبعد ظهور حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في ألمانيا (1483 – 1546). وبقطع النظر عن موقف الإسلام من « الكتاب المقدس»، فقد استغفلت الكنيسة جهل الشعوب المسيحية باللغة الآرامية وبررت استبدادها وجرائمها وحروبها باسم الإنجيل. وهيمنت على السلطة والثروة والقرار، وتسببت بتحويل الشعوب الأوروبية إلى عبيد مقابل رجال الدين والنبلاء فيما بعد. وكان من نتيجة الحكم الكنيسي اختفاء أي حق أو مفهوم للمواطنة حتى بالمعنى الإنساني. لهذا لا يجب أن نعجب من صدور ميثاق للثورة الفرنسية سنة 1789 باسم: « حقوق الإنسان والمواطن». فلا الإنسان كان إنسانا في أوروبا المسيحية، ولا المواطن كان مواطنا!!! فما هي مبررات ترحيل المفهوم من أوروبا إلى العالم الإسلامي؟ هذه هي « الدولة الدينية» التي أنشأتها الكنيسة وقادتها واتسمت بالتطرف والتعصب وشن الحروب والصراعات الدموية في أوروبا حتى سقوطها مع اندلاع الثورة الفرنسية. وهي الثورة التي انولد من رحمها ما يسمى اليوم بـ « الدولة المدينة»! التي تحكم بموجب القوانين الوضعية، والتي لا شأن للإسلام والمسلمين في أصلها وفصلها، لا من قريب ولا من بعيد، إلا من أولئك الخصوم الذين لا يتوانون عن شهادة زور لا ترى في تطبيق الشريعة إلا نموذجا مطابقا لها!! مع ذلك فـ « الدولة المدينة» في أوروبا لم تنكر الدين ولا هويتها كدول مسيحية بقدر ما أنكرت سلوك الكنيسة واحتكارها للدين وهيمنتها على الناس والحياة بلا مبرر إلا من تحريفات طبقة كهنوتية اجتمعت على تحريفات« الكتاب المقدس» لتنتهي بتجريد الإنسان من كل حق أو كرامة. وأكثر من ذلك فإن« الدولة المدينة» لم تتخلّ عن هويتها الدينية حتى في دساتيرها وأحزابها التي حملت لفظة « المسيحية» حتى في المسمى الظاهري لأحزابها الديمقراطية والاجتماعية. وحتى بعد مضي مائتي عام على الثورة الفرنسية، التي اكتسحت أوروبا، لا يخفى على العامة من الناس فضلا عن المتخصصين دعوات الحرب الصليبية التي يشنها الغرب على الإسلام بصريح القول، وعلى ألسنة قمة الهرم السياسي في دول «المركز»، فضلا عن الممارسات التي تحول دون المسلمين وحقهم ولو في بناء مسجد أو مئذنة أو ارتداء المرأة المسلمة لحجاب أو نقاب في بلاد الغرب المسيحي. والاحتجاج بكون المظاهر الإسلامية طائفية، أو تعبر عن تطرف، أو تعيق الاندماج الاجتماعي، أو، كما ترى هولندا، تمس في عادات وتقاليد البلاد!!! واضح أن الخصوم والأعداء حريصون على مسيحية «المركز» وكنائس « الهامش»، وحريصون أكثر من اللازم على هدم الإسلام، عقيدة وهوية، لكنهم ليسوا حريصين على دولة مدنية خالية من بطش الأمن والاستبداد. وليسوا حريصين حتى على لبراليتهم التي يزعمون تبنيهم لها أو دفاعهم عنها، وليسوا حريصين على التحدث وفق الحقائق التاريخية أو المنطق أو الواقع المعاش. هذا لأنهم شهود زور: (1) قبلوا الاصطفاف، طوعا، في خندق أعداء الأمة، وتنفيذ أجندات خارجية، تستهدف الإسلام والهوية الإسلامية، و (2) ولأنهم لا يستطيعون إلا أن يدافعوا عن بيئة فاسدة ومستبدة كي يأمنوا على أنفسهم من أن تطالهم، في يوم ما، أية مساءلة شرعية عما اقترفوه بحق الأمة من مظالم وجرائم وخيانات. و (3) لأنهم لا يمتلكون أية قوة اجتماعية أو سياسية بقدر ما يمتلكون قوة إعلامية ومالية ذات ارتباط وثيق بـ «المركز»، فإذا عدلوا من شهاداتهم انكشف حجمهم وانخرس ضجيجهم واندثر وجودهم، وظهر «المركز» مجردا من أي أداة تنتصر له. علاوة على أن الإسلام انبعث أصلا في بيئة مدنية، بحسب التعبير المعاصر، فقد ترعرع في نفس البيئة، واشتد عوده في المدن حصرا. كانت مدينة الأمس كمدينة اليوم تحوي كل الفئات والشرائح الاجتماعية والطوائف كجزء من التكوين الاجتماعي في المجتمع الإسلامي النبوي. وفيما بعد تنوعت المجتمعات الإسلامية لتشمل كافة الأعراق والأجناس. وكلها تحاكمت فيما بينها بمقتضى الشريعة الإسلامية، وليس بمقتضى أية شريعة أخرى. ولم تكن الشريعة عبء على أحد، ولم تشْكُ منها طائفة بقدر ما تحاكم إليها المسلم والفاجر والذمي والكافر والمشرك، واستعان بها لإنصافه إلى أن دخل الإسلام طمعا في عدلها. ولعلها عبارة ذات دلالة بالغة، تلك التي وردت في كثير من الأحايين على ألسنة أهل الذمة، لما يصدر القاضي المسلم حكما ينصف الذمي الذي تساءل مذهولا قبل أن يشهر إسلامه: « أهذا هو دينكم»!!!!؟ باختصار؛ فالشريعة، بما تفرزه من نمط حياة وسلوك ومعاملات وقيم وأخلاق وأعراف، مثلت القاسم المشترك بين الجميع. وبها ميز الناس بين الحق والباطل والصواب والخطأ والحلال والحرام. ولم يك أحد من المسلمين، علماء أو أمراء، ليتدخلوا في حياة الناس أو يضيقوا عليهم. وحتى الفتوحات الإسلامية للبلدان والأمصار في شتى أصقاع الأرض، لم تكن في المبدأ والمنتهى أكثر من عملية تحرير للناس، نفذتها الجيوش الإسلامية دون أن تتدخل في المجتمع قط، أو تخضعه بالقوة، كحال القوى الاستعمارية التي مارست القتل والنهب والسلب، وارتكبت كل المحرمات بحق الشعوب المستعمرة. فالأمر في حقيقته كان موكولا للعلماء والدعاة الذين بينوا للناس الحقيقة، ووجهوهم لما يجوز أو لا يجوز، وبعدها لهم أن يوحدوا الله أو يشركوا به، فهذا شأنهم. وعليه فلم تكن الفتوحات غزوا عدوانيا وشريرا لتغير من الواقع شيئا، أو تمس المجتمع وحياة الناس وعاداتهم وأعرافهم، بقدر ما كانت رسالة تدعوهم إلى عبودية الله عز وجل بدلا من عبودية البشر .. فأي مكسب دنيوي أو ثروات نهبها الفاتحون وكل ما لديهم رسالة لا محتوى لها سوى الدعوة إلى الله فقط، وبيان ما يتفق أو يتعارض مع حكمه. لذا لم يجد الناس في الفتوحات الإسلامية ما يوغر الصدور، ولم يكن غريبا أن نجد الكثير من البلدان تدخل الإسلام قبل أن يصلها أو تسمع به أو تتعرض لفتح. لا ينكر أحد اليوم أن نمط الحياة السائد في المجتمعات الإسلامية ظاهر للعيان. لكنه أقرب إلى الموروث الحضاري من أية حيوية تذكر. فثمة من يختزله بوفرة المساجد وإقامة الصلاة وحضور المظهر الإسلامي بالمقارنة مع أنماط الحياة الأوروبية مثلا أو الوثنية أو الملحدة .. وثمة من يراه حاضرا ومعبرا عن هوية الدولة في صورة بند دستوري لا يغني ولا يسمن من جوع في نصه على أن الشريعة هي المصدر الرئيس أو الوحيد في التشريع. ومع أنه ما من دولة إسلامية يحق لها، شرعا، الخروج عن الشريعة، إلا أن الواقع يؤكد، نصا وقولا وفعلا، أنه ما من دولة إسلامية تطبق الشريعة. وهذا بإقرار علماء شرعيين، ورجال قانون وضعي، وحتى الدول نفسها، سواء التي تزعم التوحيد أو تلك التي تجاهر بعلمانيتها وتدافع عنها ولو بسفك الدماء. فالأحكام الشرعية نظام واسع لا حدود له، وليست مجرد مسجد أو بند دستوري مهدد بالزوال، أو حتى نظام عقوبات كما يروج الخصوم. فهي تشمل أحكاما وإخبارا عن الدين والدنيا والآخرة .. وكلها تنصهر لتشكل نمطا اجتماعيا مغايرا كليا عما هو قائم، وأشد تماسكا وأكثر عدالة. ولو تأمل الخصوم (في) أو المحذرون (من) نظام العقوبات، فقط، في حكم الزنا مثلا، لوجدوا شروطا بالغة الصرامة ينبغي التقيد بها قبل تنفيذ الحد الشرعي. ولعل الزنا، وليس المفاحشة أو الخلوة أو ... هو أصعب ما يمكن إثباته في العقوبات. فهو محصور بين الاعتراف به أو بتوفر أربعة شهود عدول شاهدوا الواقعة مجتمعين، أو بالملاعنة بين الزوج والزوجة أمام القاضي. وأكثر من ذلك. فكل الذين درسوا المجتمعات القبلية، وتلك التي تعلي من شأن القيم والعادات، أو المتأثرين بثقافة الفضيحة، يدركون أن الحكم الشرعي في المسائل الأخلاقية أرحم بما لا يقارن مع أي حكم وضعي أو عرف اجتماعي. وكثيرا ما قتلت البريئات من النساء والفتيات لمجرد الاشتباه بإتيان سلوك غير لائق اجتماعيا!! ولو كان ثمة بصيص من العدالة لكان لزاما، على الأقل، أن يتساوى في العقوبة شائن الأنثى مع شائن الذكر. لكنه التمييز الاجتماعي الظالم وليس الحكم الشرعي كما يروج خصوم تطبيق الشريعة وأعداؤها. من يرفض تطبيق الشريعة، لأي سب كان، إنما يرفض الإسلام ذاته. ومن يطالب بها فلأنه يؤمن أنه في دولة من المفترض أنها إسلامية، وفي مجتمع إسلامي، وليس في مجتمع مسيحي أو بوذي أو هندوسي أو وثني أو يهودي، وبالتالي فمن حقه أن يختار الحكم الذي يرتضيه لنفسه. ولما تكون غالبية المجتمع مسلمة فلا يجوز تعليق الحكم الشرعي على شواذ المجتمع أو على الأقليات مثلما لا يجوز التعدي على حقوقها. وهي حقوق محفوظة ومصانة أكثر مما هي كذلك فيما يسمى بالنظام الديمقراطي الذي يجعل الحكم للأغلبية بشرط احترام حقوق الأقلية. وشتان بين مزاعم دنيوية عن الاحترام قد تنضبط حينا وتختفي دهرا، وبين الالتزام الشرعي بحفظ الحقوق رغم أنف الحاكم والعالم والعامة. فالحكم الشرعي هو إرادة إلهية من فوق سبع سموات وليس حكما كنيسيا لطبقة متسلطة أهلكت الحرث والنسل. واقع الحال أن غياب العمل بأحكام الشريعة نجم عنه، أو تلازم مع: • استهداف دين الله ورسله وأنبيائه وعباده وحرماته، ومع استبدال الأحكام الشرعية بالأحكام الوضعية، • التسابق على ما يسمى بالشرعية الدولية والتقيد بأحكامها والاستعانة أو الاستدلال والاحتجاج بها، • التهديدات الخارجية لبلاد المسلمين، • الاختراق الثقافي الأجنبي للمجتمعات الإسلامية، • تغول الأقليات الإثنية والقومية، • الانحراف العقدي، • الدعوة إلى تجاوز الدين باعتباره ماض لا يصلح لوقتنا الحاضر، • الطعن في التاريخ الإسلامي، • سيادة الطوائف والفرق المنحرفة التي تنسب نفسها للإسلام، • موالاة أهل الكفر والشرك والزندقة والإلحاد أو الاستعانة بهم على أهل الإسلام، • سيادة الاستبداد، وعبادة الفرد، • شيوع الفساد والظلم وضياع الحقوق، • ظهور الفاحشة والزنا، • القعود عن الجهاد، • الصراعات المحلية وسفك الدماء، • ومع ... . لهذا ثمة حاجة لتطبيق الشريعة، إذا كان للعالم الإسلامي أن يتجاوز نوازله ويعيد تجديد نفسه. لكن، رغم فداحة مثل هذه النوازل، إلا أن تطبيق الشريعة منوط بـ « الامتثال» القطعي للأمر الإلهي في الحكم بما أنزل الله. ولا جادل في هذا « الامتثال» إلا استحق ما تحمله هذه الآيات البينات من توصيف: • { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، [سورة النساء: 65]. • { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ }، [ المائدة: 49]. • { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ }، [ النساء: 105]. • { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }، [ المائدة: 48]. • { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }، [ المائدة: 50]. • { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }، [ المائدة: 44]. • { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، [ المائدة: 45]. • { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزل اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، [ المائدة: 47]. • { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، [ المائدة: 48]. هذه الآيات تعني أن تطبيق الشريعة ليس مشروطا أبدا بوجود النوازل من عدمها. كما أنه ليس من الدين أو العقل، في شيء، ربط تطبيق الشريعة بالحاجة إلى العدالة أو بناء الدولة الإسلامية القوية. فمن يقبل بهذه المعادلة عليه أن يتوقع رفضا للشريعة إذا ما وقعت المظالم والمفاسد أو ضعفت الدولة، في حين أن « الامتثال» لحكم الله هو عبادة وطاعة وليس تعبيرا عن مجرد احتياج دنيوي. ولمزيد من الإيضاح في هذه النقطة بالذات يمكن التمييز بين الحكم الشرعي وتطبيقاته البشرية. إذ أن تطبيق الشريعة لا يستوجب، بالضرورة، ازدهار الأمة أو خلاصها من أزماتها أو إشاعة العدل بين الناس أو رفع المظالم عنها. فلكل أمة أزماتها ومزالقها. ولكل زمن أخياره وأشراره. وكما شهد التاريخ الإسلامي نهوضا علميا ومعرفيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا، فقد شهد أيضا خيانات، ووقوع مظالم وكوارث ونوازل عظيمة، تسبب بها أمراء وسلاطين وخلفاء، خرجوا عن حكم الله، وفسقوا وابتدعوا فضلوا وأضلوا خلقا كثيرا، وعرّضوا الأمة لمخاطر وأطماع من كل حدب وصوب. وحال الأمة اليوم لا يخفى على أحد. وبالتالي فلا حاجة أصلا للمقارنة. زيادة على كون تطبيق الشريعة عبادة، فإن أميز ما في الحكم الشرعي، دون غيره، أنه، قادر، على المستوى الخارجي، على حفظ بيضة الإسلام ودماء المسلمين، حتى في أضعف حالاته، مثلما هو قادر على حفظ ممتلكاتهم ومقدساتهم وحرماتهم وأعراضهم من أن يدنسها أو ينتهكها أو يستبيحها أقوام الكفر. أما، على المستوى الداخلي، فإن الأحكام الشرعية، حتى في ظل أشد الأمراء استبدادا، ظلت أعدل من أي حكم وضعي باعتبارها أحكاما إلهية ثابتة، وليست دنيوية يمكن للزمن والتقلبات أن تأتي عليها.
__________________
أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا *** هذي الحياة كجنة فيحاء أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها *** مفت بجوف الكعبة الغراء أنا معْ أسامة حيث آل مآله *** ما دام يحمل في الثغور لوائي أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه *** أو شابه خطأ من الأخطاء أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا *** أو حاز منزلة مع الشهداء |
#4
|
|||
|
|||
![]() عوائق تطبيق الشريعة
المؤكد أن «المركز» لا يمكن له أن يسمح بأي تطبيق فعلي للشريعة ولو جزئيا. ومع ذلك فقد جرت محاولات عديدة لتطبيق الشريعة، جزئيا أو كليا، في بعض بلدان العالم الإسلامي كالسودان وماليزيا وباكستان وأفغانستان والعراق والصومال وبعض مناطق نيجيريا. لكن هذه المحاولات أثارت ( وما زالت تثير) سلسلة من الإشكاليات التي ظلت طي العرض والمناقشة، رغم أنها تقع في صلب السياسة الشرعية التي تجتهد في البحث عن كافة الوسائل الشرعية التي لا « تتعارض» مع الحكم الشرعي، وليس الاكتفاء، فقط، بالسياسة الشرعية التي « تتطابق» معه فحسب. صحيح أن الالتزام بالحكم الشرعي هو الأصل. لكن الالتزام وحده لا يكفي. فلما تكون هناك مسافة بين الحكم الشرعي والواقع؛ فمن أوجب الواجبات في السياسة الشرعية فحص مكونات المسافة الفاصلة بينهما، أو توسيع مساحة النظر في الواقع لمعاينة ما يحول بين الناس والحكم الشرعي من عوائق وعقبات وخفايا. كان بعض الصحابة في العصر النبوي ترتعد فرائصه من آية واحدة تكفيه بقية عمره للالتزام بشرع الله. أما في عصرنا هذا فالثابت أن كل المصادر الشرعية، ، لم تعد كافية لحمل النظم السياسية (على) أو إلزامها (بـ) تطبيق الشريعة. بل أنها لم تعد قادرة على إلزام أي تشكيل سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي بوجوب العمل على تحقيق هذا الهدف. وأكثر من ذلك أنها لم تعد قادرة على إلزام العامة من المسلمين بأبسط وأسهل الأوامر والنواهي. ولما يكون هذا هو الحال الظاهر، على الأقل، فمن غير المجدي أو المنطقي تعليق العجز أو الفشل على المصادر الشرعية، أو على جماعة أو فرد. فالمسألة لا تتصل بتحييد حاكم ولا بكسب جماعة ولا بتأييد شيخ بقدر ما هي متصلة بهذا وذاك وغيرهما. إذ من الواضح أنه ثمة مسافة بين الحكم الشرعي والقدرة على تطبيقه. وهذا يستدعي، من أصحاب الشأن، دراسات عميقة وشديدة الحياد لمعالجة إشكاليات متجذرة في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، ليس لحصر العوائق التي تعترض تطبيق الشريعة بل ولاختبار صحتها. لو تجاوزنا كل المثالب المتعلقة بالنظم السياسية؛ ولو أحسنا الظن بها؛ ولو ظهر منها من هو ذو نوازع إسلامية، أو حتى متمردا على الفلسفات الوضعية، إلا أنها تظل، مع ذلك، نظما محكومة بالتبعية المطلقة لـ «المركز» وهيمنته. وهذا يعني أنها ستكون بلا جدوى. فالتوصيف السياسي والقانوني الظاهري للدول العربية، خاصة، بموجب مصطلحات النظام الدولي القائم وشرعياته القانونية، يعطيها صفة الدول المستقلة ذات السيادة. لكنها في الواقع دول محتلة من الداخل، بقطع النظر عن هوية السلطة الحاكمة فيها. ولو افترضنا، جدلا، قدرة نظام سياسي ما على إطلاق الحريات العامة وإشاعة العدل ورفع المظالم إلا أنه يظل فاقدا لقدرته على تطبيق الشريعة. علاوة على أن النظام لا يستطيع فعل هذا ولا ذاك، فإن تطبيق الشريعة يتعارض، كنمط حياة ورسالة، مع نمط حياة «المركز» كأطروحة هيمنة. بمعنى أنه إذا كان تطبيق الشريعة بالنسبة لـ « الهامش» يحقق مكاسب فهو قطعا بالنسبة لـ «المركز» سيعني هزيمة ومخاسر وتهديد لمصالحه. وإذا وسعنا دائرة التحليل أكثر فإن تطبيق الشريعة تمثل بالنسبة لـ «المركز» و « الهامش» ذروة الصدام بين الطرفين. وعليه فمن شبه المستحيل توقع ذهاب أي نظام إلى تطبيق الشريعة دون أن يوازيه استعداد للذهاب إلى الحرب. بالتأكيد لن يختلف الموقف كثيرا أو قليلا لو تعلق الأمر بالتشكيلات الدينية وولاءاتها أو بالجماعات والفرق الإسلامية. فقد عملت النظم منذ وقت مبكر، ولمّا تزل، على تأهيل جيوش من الطلبة في كليات الشريعة ليكونوا سدنة شرعيين للنظام طوال الوقت، وخاصة في الأزمات. وبعض هؤلاء جرى ترقيتهم كرموز دينية واجتماعية ليس لهم من وظيفة إلا تشريع الوضع القائم. هذا ناهيك عن الشريحة التقليدية الشهيرة بلقب « علماء السلاطين» والذين انحدروا من شرائح التأهيل التاريخية أو اختاروا، طواعية، جانب النظام، ظالما أو مظلوما. في أعقاب حرب الخليج الثانية سنة 1991، أو مع سيادة العولمة، وتوجه النظم السياسية نحو قيم اللبرالية بالمعنى التحرري وليس بمعنى الحرية، كشف النقاب عن رموز تلقت دعما ماليا وإعلاميا وشرعيا جبارا، لتنتهي إلى تيارات حملت أسماء مؤسسيها كـ « الجامية» و« المدخلية». هذه التيارات أفصحت عن جواهر عقائدها خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على وجه التحديد لتلتحم مع النظم السياسية وتوجهاتها، وتحديدا مع الحاكم نفسه. وهي تيارات يغلب على عقائدها موضوع واحد هو الدفاع المستميت عن « ولاية الأمر» ووجوب طاعة الولي ما لم يستحل الكفر علانية. بل وصل الأمر ببعض التيارات والجماعات اعتبار النصراني أو اليهودي، مؤمن « بدرجة ما»، ولا يصح تكفيره أو وصفه بالكافر، وأكثر من ذلك يجوز له أن يتولي أمر المسلمين!!! ثمة أطروحة شائعة لدى الكثير من العاملين في الحقل الإسلامي ترى أن التيارات والجماعات الإسلامية، وحتى بعض الجهادية، تتكامل فيما بينهما لجهة سعيها في خدمة الإسلام والمسلمين والدعوة إلى الله عز وجل وصولا إلى بناء الأمة المسلمة، واستعادتها لقوتها وعزتها. والحقيقة أنها أطروحة أبعد ما تكون عن أية حقيقة تذكر. وبالتالي ليس صحيحا أنها تتفق على الهدف وتختلف على المنهج. والواقع أنها متنافرة وليست متكاملة. ومتخاصمة وليست متوافقة. وهي على خصومة، بدرجات، مع جماعات التيار الجهادي العالمي وجماعات تطبيق الشريعة وأنصارها. فمن جهة تبدو هذه التيارات والجماعات متشظية حتى داخل ما يفترض أنه تيار متجانس. وهذا الأمر ينطبق بالدرجة الأساس على التيارين السلفي والصوفي. والأسوأ من هذا أنها تيارات قابلة للانقسام حتى على مستوى الفرد، وليس فقط على مستوى الولاء أو المنهج أو العقيدة!!! فكل فرد ( شيخ ) صار له منهجه وعقيدته وأتباعه، وكل فرد (درويش) صار له طريقته. ومن جهة أخرى لا تتفق هذه الجماعات والتيارات على مبدأ تطبيق الشريعة!!! فثمة فريق منها يرى أن الشريعة مطبقة، والدولة دولة توحيد ( سلفية السعودية)! وفريق آخر آمن بتطبيق الشريعة بدايةً وصار يتنصل منها نهاية ( الإخوان المسلمين)، وفريق يضع الخلافة على سلم أولوياته ( حزب التحرير)، وفريق آخر لا يضع تطبيق الشريعة في أي اعتبار له ( التبليغ والدعوة) وفريق موضوعه العقدي الدفاع عن القبور والأضرحة ( الصوفية)، وهكذا ... . إذا عاينا المسألة في ضوء التركيبة الاجتماعية وخصائصها، فإن الدعوة إلى تطبيق الشريعة ستواجَه بقوىً مضادة في مستويات ثقافية وسياسية واقتصادية وإثنية متشعبة. وقد لا تبدو الصورة واضحة في المجتمعات قليلة السكان أو البسيطة التركيب. لكن لو أخذنا مثلا دولة بحجم مصر فقد نفاجأ بعشرة ملايين من البشر أو أكثر، يقفون سدا منيعا ضد أية محاولة لتطبيق الشريعة، من صنف العلمانيين، واللبراليين، والزنادقة، والملحدين، والأديان، والفرق، والمخالفين، والخصوم، والجهلة، والضالين، والمجرمين، والمنحرفين ... وأمثالهم. هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن مثل هذه الشرائح أقل أثرا في الدول المتوسطة أو حتى الصغيرة. بل أن قدرتها على السيطرة تكاد تتفوق على مثيلتها في الدول الكبرى، لاسيما وأن عملية السيطرة والتحكم في البلاد سهلة خاصة وأنها تقع خارج أية مراقبة من أي نوع. شرائح واسعة من هؤلاء، جميعا، وأمثالهم، ودفاعا عن نمط حياتهم ومصالحهم وأهوائهم، ورفضا لأية قيود عقدية أو اجتماعية أو أخلاقية، باتوا، بعلم أو بجهل، مؤهلين، لمناهضة أية محاولات لفك الارتباط بين العالم الإسلامي و «المركز»، ومؤهلين لإشاعة ثقافة التحلل الاجتماعي والخلقي، ومؤهلين للتحالف مع «المركز» بكل ثقلهم، ومؤهلين لتخذيل الأمة وإحباطها، ومؤهلين حتى للتآمر والعمالة والخيانة، ومؤهلين للتفريط بالأمة ومصيرها، ومؤهلين لحماية ما يظنون أنها مصالح ومكاسب على حساب مصير الأمة، ومؤهلين لهدم أية محاولة لتطبيق الشريعة كما حصل خاصة في العراق. تيارات تطبيق الشريعة هذه التيارات هي الأكثر تماسكا ووضوحا في أهدافها، إلا أنها متباينة في مناهج العمل. وتتخذ من المصادر الشرعية ( القرآن والسنة بفهم السلف) سندا في سعيها لتطبيق الشريعة. لذا فهي تؤمن إيمانا جازما بوجوب الحكم بما أنزل الله. لكنها تفترق فيما بينها على المصادر الفقهية المعاصرة. بمعنى أنها تتحصن بوفرة هائلة من التأصيلات الشرعية الموثقة بكل الأسانيد اللازمة لإثبات دعوى تطبيق الشريعة. لكنها تعاني فقرا في الدراسات، الفقهية أو العلمية، المتخصصة وذات الصلة بفقه الواقع. تيار الجهاد المدني فثمة تيار منه يتمسك بالأطروحة الشرعية الصارمة، ويرفض العمل بما تتيحه الظروف السياسية أو ما يعتبره شروطا غير شرعية. وحجته في ذلك عدم جواز الوصول إلى غايات شرعية بوسائل غير شرعية. ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في تقديم الحكم الشرعي على الواقع دون أن يجتهد في البحث عن مخارج أو بدائل. وتبعا لذلك يكتفي بتوصيف النظم السياسية والدول باعتبارها طائفة كفر لأنها تحكم بغير ما أنزل الله. كما أن وسائل العمل السياسي كالديمقراطية والانتخابات، والسلطات الثلاث، ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وكذا الجيوش، والأمن، والمالية، وكل ما يماثلها من أدوات القوة والدعم للنظام والدولة، تقع خارج الملة. إذ هي نظم وأدوات ووسائل كفرية لا يصح الاستعانة بها. هذا التيار متواجد في معظم دول العالم الإسلامي. لكنه موضع لوم بسبب ما يراه جزء لا بأس به من التيار نفسه انحياز مطلقا للحكم الشرعي، بعيدا عن النظر في أية سياسة شرعية تستطلع الواقع في أعماقه قبل الحكم عليه. والطريف أنه لا هذا الجزء ولا ذاك قدم أية قراءة يمكن أن تجيب على أسئلة أي منهما. فالدولة الحديثة شديدة التعقيد والتخصص، وهي خلاصة النظام الدولي والإنساني بقطع النظر عن مدى شرعية نظام الحكم فيها. كما أن التفاعل وحجم تبادل المصالح والمنافع والخدمات بينها وبين العامة شديد التعقيد والتداخل. ففي الدولة ثمة مؤسسات كبرى كالجيش والأمن والإدارة والمال والتجارة والصناعة والزراعة والتعليم والصحة والمياه والعمل والتربية والرعاية والإسكان والتنظيم وقضايا الأحوال المدنية والقضاء الشرعي والوضعي، فضلا عن العشرات منها وما يتفرع عنها من مئات أخرى. فكيف يمكن فك الارتباط بين الدولة والناس؟ وكيف يمكن توقع استجابة الناس لدعوى فك الارتباط بحجة أن الدولة كافرة، خاصة وأن الحديث يجري عن 56 دولة إسلامية أو 1.6 مليار مسلم؟ لا توجد أية إجابات تفصيلية حول ما يُطرح من أسئلة واستفسارات ولا توجيهات أو نصائح. كل ما هو متوفر حكم شرعي مجرد من أية اجتهادات تلامس طغيان الواقع. فما هو حكم العلاقة، مثلا، بين الفرد والدولة؟ وكيف يمكن صياغة علاقة شرعية بين الناس وقطاع التعليم أو الصحة دون اللجوء إلى الدولة؟ وكيف يمكن صياغة علاقة شرعية بين الناس في قضايا الأحوال المدنية من طلاق وزواج وميراث وإثبات الشخصية؟ أو في النزاعات؟ أو في السفر؟ أو في الخدمات؟ أو في الضرائب؟ أو في .... إلخ لا ريب أن التيار يعاني من نقطة ضعف مركزية، وشديدة الخطورة .. نقطة جعلت المسافة بينه وبين العامة كتلك المسافة القائمة بين الناس وتطبيق الشريعة. إذ أن حصر الناس في زاوية الحكم الشرعي، والصرامة في اشتراط الفقه على العامة وسط ظروف قاهرة ليس للعامة شأن مباشر في نشأتها ولا في سيادتها، تَسبَّب بردود فعل سلبية أو لامبالاة. لكن الأهم أنها مثّلت بالنسبة لـ «المركز» و « الهامش»، معا، هدية ثمينة للتنفير من التيار، ودفعه، بوسائل شتى، نحو المزيد من التحصن في الحكم الشرعي أملا في توسيع المسافة الفاصلة، وبالتالي تنفير الناس وفرض ما يشبه العزلة الاجتماعية عليه بحيث يسهل تشويهه إعلاميا ومحاصرته ونبذه على نطاق واسع. وفي المقابل ثمة جناح حركي من التيار يقف على النقيض من سابقه. وهو متواجد بقوة في بعض البلدان الإسلامية خاصة في مصر وباكستان وحتى بعض بلدان المغرب العربي. وهو، في واقع الأمر، أقرب إلى أن يكون تيارا أكثر منه تعبيرا عن قوة سياسية منظمة. ولئن كان، القسم العربي منه، يرفض المشاركة السياسية أو الخروج على النظام، قبل الثورات العربية، بدعوى عدم جواز الخروج على ولاية الأمر أو تجنبا لتصعيد قد يؤدي إلى فتنة، إلا أن رياح التغيير المفاجئة، وهجمة القوى اللبرالية والعلمانية على الإسلام والهوية الإسلامية، وضغط الأتباع، فضلا عن تهديد النسيج الاجتماعي وإشاعة الفتن الطائفية المدمرة ألجأته إلى خيارات صعبة: • فإما أن يتمسك باجتهاداته الشرعية السابقة، وينأى بنفسه عن الواقع وصراعاته الخطيرة، وهو ما يصب، في المحصلة المباشرة، في صالح القوى الخصيمة والمعادية للإسلام، وفي نفس الوقت بانفلات الأتباع وتشتتهم؛ • وإما أن يضطر إلى الاستعانة بوسائل غير شرعية لتحقيق غايات شرعية. ويقبل بالتعامل مع الدولة والواقع كما هما. وهو ما انحاز إليه اعتقادا منه أنه ما من فرصة للوصول إلى الحكم أو تطبيق الشريعة، أو على الأقل الحفاظ على هوية الدولة الإسلامية، أو مقاومة القوى المعادية إلا بالوسائل المتوفرة. ورغم تمسك هذا الجناح الحركي بمصطلحاته الشرعية، إلا أنه يستعمل كافة الأدوات والمصطلحات الوضعية مثل الأحزاب والديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع كوسائل عمل وليس اعتقاد. ويرى أن الوحدة الوطنية باتت ضرورة ملحة للغاية، لمواجهة الحرب الشرسة على المجتمعات الإسلامية التي تتهددها التمزقات الاجتماعية القائمة على الولاءات الطائفية أو القبلية أو العائلية أو العرقية أو السياسية أو الثقافية أو التاريخية أو الجغرافية .. وليس على الأخوة الإسلامية أو العربية أو على الضرورات الاجتماعية والأمنية. هذا الجناح له مؤسساته وأحزابه، ويحظى بشعبية واسعة النطاق، خاصة وأنه يخوض صراعا مباشرا في مواجهته للقوى المعادية والخصيمة للإسلام. وله قدرات حيوية في التأثير وتوجيه الرأي العام المحلي، مستفيدا من مكانته الشرعية وتواجده المكثف في مختلف المؤسسات ونقاط السيطرة الاجتماعية. بل أن أطروحاته وفرت غطاء شرعيا وملاذا لكثير من الناشطين في إطار تطبيق الشريعة لاسيما أولئك الذين وقعوا في حيرة من أمرهم بين الالتزام بأطروحة دعاة الحكم الشرعي في قراءته الصارمة ودعاة المرونة الحركية التي يفرضها ضغط الواقع. وفي المحصلة لا يمكن غض الطرف عن كون الأطروحتين حققتا حضورا لافتا في الأمة، أكثر من أي وقت مضى، رغم الحرب الضروس التي يشنها الأعداء والخصوم، سواء لجهة وجوب العمل على تطبيق الشريعة، أو لجهة تثبيت شرعية الدعوة. لكن الافتراق المنهجي بين جناحي تيار الجهاد المدني لا يمكن تفسيره بعيدا عن الفقر في الدراسات الشرعية الشاملة ذات العمق الاجتماعي .. دراسات تكشف عن خبايا الحكم الشرعي في الواقع الاجتماعي وليس العكس. وبالتأكيد؛ فإن ظهور دراسات من هذا النوع سيؤدي إلى تقليل مساحة الافتراق لصالح مساحة الوفاق. تيار الجهاد المسلح تتقاطع أطروحة هذا التيار، الذي اتخذ من الجهاد المسلح منهجا له، تماما مع أطروحة تيار الجهاد المدني. والساعي إلى تحقيق أربعة أهداف على التوالي هي: (1) تحرير البلاد الإسلامية من القوى الأجنبية ومما يعتبره أنظمة طاغوتية؛ (2) تطبيق الشريعة في حدود التمكين؛ (3) إقامة الدولة الإسلامية الممَكَّنة؛ (4) العمل على إعلان الخلافة الإسلامية. مبدئيا؛ فالتيار لا يعارض الجهاد المدني أبدا. ولا صيغة الدولة الحديثة، أو إقامة علاقات دولية وحسن جوار، من موقع الندية والحق في اختيار نمط الحكم استنادا إلى الأحكام الشرعية، واستعادة الحقوق. لكنه يدرك استحالة قبول «المركز» أو « الهامش» بدولة تطبق الأحكام الشرعية. ولديه قراءة واضحة وصارمة حول دور «المركز» تجاه دول « الهامش» التي تدور أنظمتها، طوعا أو كرها، في فلكه. وعليه فما من وسيلة لتجاوز هذه العقبات إلا بالخروج على «المركز» ومقاتلته ولو في عقر داره. أما أولى المحاولات فكانت في أفغانستان، لكن ليس بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي (15/2/1989)، بل بعد تولي « حركة طالبان» السلطة في البلاد، حيث أعلنت إقامة أول إمارة إسلامية كاملة الأركان بقيادة أمير المؤمنين الملا محمد عمر (1996 – 2001). وبعد هجمات 11 سبتمبر غزت الولايات المتحدة البلاد وأطاحت بحكم الإمارة. المهم؛ أن تجربة تطبيق الشريعة في أفغانستان كانت تجربة وليدة، وفاقدة حتى للخبرة الشرعية، لاسيما في مجال العلاقات الدولية. وهذا لا يقلل من أهمية التجربة وقوتها وجرأتها بقدر ما أظهر قصورا، في مستوى الفقه والسياسة الشرعية. وللإنصاف، فإن حركة طالبان، صاحبة المبادرة، في تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية بلا أية خبرة سياسية أو شرعية سابقة، تُرِكت، هي والتجربة ذاتها، فريسة لـ «المركز» و « الهامش»، ودون مساندة من العلماء والفقهاء والمفكرين والمتخصصين في العالم الإسلامي، فضلا عن محاصرتها وتهميشها وحتى رميها بالتخلف. هذا القصور الشرعي؛ عملت الحركة على استدراكه فيما يسمى بـ: « لائحة المجاهدين في الإمارة الإسلامية» التي صدرت عن « أهل الحل والعقد في الإمارة» بتوقيع الملا عمر، وتناولتها وسائل الإعلام بتاريخ 27/9/2009. وفعليا تبدو اللائحة كدستور مؤقت تم تنقيحه استجابة لـ (1) واقع الجهاد الأفغاني، و(2) الإجابة على تساؤلات ملحة تتعلق بالحقوق الاجتماعية والفردية، بالإضافة إلى: « ضمان تعليم الإناث في إطار ما تسمح به تعاليم الشريعة الإسلامية»، و (3) ضبط العلاقات الدولية للحركة بما فيها: « استعداد طالبان للتعاون مع الأمم المتحدة واحترام حقوق الإنسان ما لم تتعارض مع النصوص الإسلامية». ومن الطريف التنبيه إلى أن ما نشرته وسائل الإعلام العربية عن اللائحة، وخاصة « قناة الجزيرة»، اقتصر على التعريف بالجانب الميداني الذي اهتم بالتوجيه الشرعي للمجاهدين في مسائل الأسرى والرهائن. بينما ركزت صحيفة « التلغراف» البريطانية (29/9/2009) على التعديلات المتعلقة بالجوانب الشرعية. في 15/10/2006 بثت الهيئة الإعلامية لـ « مجلس شورى المجاهدين» في العراق شريطا مرئيا أعلن فيه « حلف المطيبين» قيام « دولة العراق الإسلامية» بإمارة أبو عمر البغدادي ( حامد الزاوي). وحدد الشريط ستة محافظات عراقية من أصل ثمانية عشر محافظة وهي: بغداد والأنبار وكركوك وديالا وصلاح الدين ونينوى إضافة لأجزاء من محافظتي بابل وواسط كمناطق للدولة الوليدة، بما يعادل، تقريبا، مساحة دولة المدينة للرسول صلى الله عليه وسلم، كما أشار الشريط. لم يكن الإعلان عن الدولة « كرتونيا » كما روج البعض، بل كان حقيقة واقعة تعكس سيطرة العسكر على الأرض، مدعوم بعدد من مؤسسات الحكم، كالقضاء، والمال، وإعلام، والاقتصاد، والزراعة، والتشغيل. كما أن الإعلان لم يكن خطأ من حيث التوقيت أو القدرة على التنفيذ. فقد سيطر المجاهدون على مساحات شاسعة، وحازوا ثروات واسعة، ونسجوا علاقات عميقة مع السكان وشيوخ القبائل. ولا شك أن هذا الوضع يحتاج إلى إدارة وإلا أفلتت الأمور وسادت الفوضى. ولعل هذا، بالضبط، ما يفسر كلمة البغدادي في خطابه الصوتي: « دولة الإسلام باقية – 23/6/2008» لما قال: « إن الثمرة سقطت سقوطا حرا فالتقطناها قبل وقوعها في الوحل»!! لكن الخطأ ربما كان في: (1) عدم تقدير أو توقع رد فعل الخصوم في الداخل والخارج، و (2) السرعة الرهيبة في الانقضاض على الدولة الوليدة وليس العجلة في إعلانها، و (3) طبيعة المجتمع العراقي الشهير بالخصومات التاريخية، والأهم (4) الانقلاب المنظم للعديد من الجماعات الجهادية على الدولة الوليدة ومحاربتها. في المحصلة؛ فإذا كانت حركة طالبان حظيت ببضعة سنوات، فإن « دولة العراق الإسلامية» لم تحظ بأية فرصة على الإطلاق لاختبار التجربة، بحيث يمكن الوقوف بدقة على أسباب النجاح أو الفشل. لكن أيا كانت الأسباب أو النتائج، فما حصل في العراق مثّل بالنسبة لجماعات أخرى لحظة تقييم باهظة التكاليف لتدارك الأخطاء في مناطق أخرى، كما فعلت « حركة طالبان - باكستان» و« جماعات تطبيق الشريعة» في منطقتي وادي سوات ووزيرستان، وبصورة ملحوظة وقوية في الصومال على وجه الخصوص، حيث تسيطر « حركة الشباب المجاهدين» على ما نسبته 90% من وسط وجنوب البلاد، أو ما يجري في اليمن من محاولات حثيثة لتطبيق الشريعة في بعض مناطق الجنوب خاصة في محافظتي أبين والضالع. هذه الأخطاء أو العوائق لم تسلم منها « إمارة القوقاز» بقيادة دوكو عموروف، والتي فقدت الكثير من قياداتها في الشهور القليلة الماضية. ولا شك أن الخسائر المؤلمة، خاصة لما يكون ثمنها باهظا في الأرواح والقيادات، تساهم في تراكم المزيد من الخبرات للتعامل مع الظروف المفاجئة أو المشاريع المقبلة. حوصلة الأكيد أن تطبيق الشريعة مسألة حيوية لا يمكن إحالتها إلى قرار سياسي أو مرسوم أميري، ولا هي مجرد أمنية أو رغبة رغم أن الحكم الشرعي ملزم، والعمل به عبادة وتقرب إلى الله. والأكيد أن الفشل أو العجز لا يصح رده إلى العامة من الناس لاسيما وأن الخلافات واقعة في صلب التيارات والقوى الناشطة وحتى بعض الدول. فقد نقع على دعوات تستعمل « تطبيق الشريعة»، سلبا أو إيجابا، لتحقيق أهداف سياسية، مثلما فعلت السودان لما ألغت تطبيق الأحكام الشرعية طمعا في تفاهم سياسي مع الجنوب. لكن حين غدا الجنوب على محك التقسيم صرح الرئيس السوداني عمر البشير أنه سيعلن تطبيق الشريعة إذا ما صوت الجنوبيون، في الاستفتاء، لصالح الانفصال عن الدولة المركزية. وقد نقع على دعوات تدافع عن شريعة مطبقة لكنها في الواقع أقرب لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: « إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، [ رواه البخاري]. ودعوات ترى أن الحرية تسبق تطبيق الشريعة، فلما شعر أصحابها بما يرونه حرية طالبوا بالدولة المدنية متخذين من المثال التركي نموذجا يقتدى!!! فما شأن تركيا بتطبيق الشريعة؟ ودعوات تقع في صلب « السياسة الشرعية» كتلك التي لا تنكر تطبيق الشريعة لكنها تنادي بـ « التدرج » أو « التمكين». لكن فيما بدا للبعض دعوى وجيهة إلا أن واقع الحال يطفح بتصريحات مغايرة، وممارسات خارج أية مسؤولية شرعية، فضلا عن أن دعوى التدرج لا سابقة لها في التاريخ الإسلامي، الأمر الذي وضع دعاة « التدرج »، موضع شك، فهم أقرب إلى التنصل من أي التزام، ناهيك عما يراه دعاة « التمكين» من اكتمال للشريعة التي ينبغي تطبيقها دفعة واحدة لا أن يتم التعامل مع أحكامها وكأنها ما زالت تنزل. أما الحركيين الذين يقرؤون « التمكين» في صورة أغلبية عبر صناديق الاقتراع، فيبدون أكثر حرارة ومصداقية من دعاة « التدرج » وأقرب إلى الشرعيين لكنهم يفترقون معهم على مشروعية الوسائل المستخدمة في الوصول إلى غايات شرعية. لكن بند « شرعية الوسائل» ليس واضح المعالم إذا ما طبق في قضايا العلاقة مع الدولة. الواقع يقول أنه ثمة مسافة زمنية شاسعة بين الناس والحكم الشرعي قد تصل إلى أكثر من 300 سنة، وثمة عشرات الأجيال لم تعش يوما ما في مجتمع إسلامي، ولم تعد تدرك أي معنى للأحكام الشرعية، وبالتالي فهي لا تشعر، واقعيا، بأية قيمة للشريعة فيما توفره لها من منجاة وعدالة وأمن، وثمة قطاعات واسعة جدا في المجتمعات العربية لا تعرف من الإسلام أكثر من الانتماء إليه ولادة. فقد ورثت الإسلام حضارة وهوية شخصية ولم ترثه شريعة. لذا ثمة فرق بين أن نتساءل مثلا: « هل نحن معنيين برأي الناس في تطبيق الشريعة»؟ أو: « هل من الضروري أن نفكر كيف يمكن إعادة توطين الإسلام حضارة وتاريخا وشريعة وحياة في المجتمع »؟ ولا شك أن للعبارة: « رأي الناس في تطبيق الشريعة» مذاهب شتى، لا يجوز حملها فقط على أطر غير شرعية تنتهي بالمفاضلة بين الشريعة وغيرها من المذاهب الوضعية. كما أنه لا يصح توجيه مذاهب « العبارة » لخدمة أغراض ومصالح لا شرعية. إذا كان للحكم الشرعي أن يجد له مكانا يمكن أن يُحدِث أثرا ملحوظا في الأمة، فلا مفر من اجتهادات معاصرة ودراسات عميقة تقع في صلب السياسة الشرعية، وتأخذ على عاتقها تَفَقُّد الواقع من جميع جوانبه للكشف عن كل خباياه. فحتى الآن لا تمتلك أية جماعة أطروحة مفصلة وواضحة وشاملة حول تطبيق الشريعة، ولا إجابات عن أية مشكلة أو عائق، ولا عن كيفية التغلب عليها. وكلها تعمل بمقتضى ما هو متوفر!! فتارة تراها على وفاق مع النظام، وإذا توفرت الانتخابات عملت بها، وإذا ساد الاستبداد خضعت له، وإذا ظُلمت أو هددت بالسجن هاجرت إلى المنافي، وإذا تصالحت مع النظام عادت إلى مواطنها .. هكذا هي .. لم تضف جديدا يقبل الاجتهاد أو التفكير بقدر ما كانت جزء من ذات المنظومة. وفي المحصلة فإن كل ما هو متاح، في أحسن الأحوال، حكم شرعي على الواقع، يقبله البعض وينكره آخر. ومع ذلك فقد لاقى نجاحات محدودة، لكنه لم يحمل الأمة على دينها، ولم يقو على ردع الأعداء والخصوم عن المس بأعظم مقدسات الأمة وحرماتها وصولا إلى التجرؤ على الله عز وجل. يحدث هذا والأمة في قلب عاصفة شعبية طاحنة لا تجد من القوى الإسلامية من هو قادر على استثمارها في نصرة دين الله. فإلى الله المشتكى. ********************************
__________________
أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا *** هذي الحياة كجنة فيحاء أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها *** مفت بجوف الكعبة الغراء أنا معْ أسامة حيث آل مآله *** ما دام يحمل في الثغور لوائي أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه *** أو شابه خطأ من الأخطاء أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا *** أو حاز منزلة مع الشهداء |
#5
|
|||
|
|||
![]() 23/8/2011
![]() لا يمكن لأي مسلم حر إلا ويفرح فرحة عارمة لسقوط واحد من أعتى طغاة الأرض في ليبيا. ولا يمكن لنا إلا أن نفرح لفرحة الشعب الليبي الصابر الذي تحمل القتل والظلم والطغيان والاستبداد طيلة أربعين عاما على يد مستبد مجرم لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة. فرحون بسقوط من تطاول على الله عز وجل، وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ودين الله، والمسلمين، وتزندق وكفر وعصى وتكبر وتجبر، فأذله الله على عين الأمة والعالم أجمع، وشفى صدور قوم مؤمنين .. وفرحون بدموع الثكالى والمقهورين والمعذبين من أهل ليبيا، وهم يشهدون طي صفحة من خِيَم الذل والعار، أو يعيدون تسليك مجاري ليبيا كي تتسع لـ « الجرذ الأكبر» ومسوخه، بعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت. ولا شك أننا فرحون بمن قاتل في سبيل الله، وكانت رايته نقية، وقتل على يد هذا الطاغية المستبد، فمثل هؤلاء نحسبهم شهداء والله حسيبهم. رحمهم الله رحمة واسعة، وأبدلهم دنيا خير من دنيانا. لكننا فرحون أيضا بمن بقي منهم على قيد الحياة ليتلقى منا التهنئة .. وفرحون أكثر لمن أحياه الله عز وجل ليرى عجائب آيات الله في خلقه فلعله يعتبر قبل فوات الأوان. فرحون أن يتلقى القذافي الإهانة تلو الإهانة لقاء ما أوقعه بالملك إدريس السنوسي من ظلم وافتراء بحقه، وتعذيب للشعب الليبي، ومجازر السجون في أبو اسليم وغيره، والمقابر الجماعية التي وارى تحت ثراها الأبرياء من الشعب الليبي المسلم المجاهد. فرحون أن يتجرع القذافي مرارة ملكه اليوم بعد أنْ تجرع مرارة خلع زميله بن علي .. ولعلنا فرحون قليلا بنجاته إلى حين، كي يتجرع مرارة كل أذى أوقعه بالشعب الليبي وبالأمة على مدار العقود الأربعة، ومرارة كتابه المأفون، ومرارة الغطرسة، ومرارة الاستخفاف بعباد الله، ومرارة الإذلال والقهر الذي صبَّه على المستضعفين صبّاً بلا حسيب أو رقيب. فرحون ونحن نرى من حالف الروافض والفرق الضالة والمبتدعين، ودعا إلى إحياء الدولة الفاطمية، وبعثها في شمال أفريقيا، يختفي.. فرحون ونحن نتساءل، عمن وصف شعبا ثار برمته عليه بـ « الجرذان» و« المهلوسين»؛ فإذا بنا نفتش عليه الأرض، ولا نجد له أثرا بعد .. وكأنه دخل السرداب!!! فرحون ونحن نتخيل حالة الطغاة وهم يشاهدون سقوط زميل لهم .. أو نتساءل عن حال فرائصهم وهي ترتعد مما هو آت .. أو وهم يعدون ما تبقى لهم من وقت قبل أن يجرفهم الطوفان .. وسنفرح أكثر لما يُلقى القبض على القذافي، وعلى أبنائه، وأركانه المجرمين، الذين هددوا بأنهار من الدماء، وسفكوا منها عشرات الآلاف في بضعة شهور فحسب. لكننا حزينون كيف سمحنا لهؤلاء القتلة الأفاكين .. والكذبة الفاجرين .. واللصوص المحترفين .. أن يحكموا الأمة، ويستبدوا بها، ظلما وعدوانا، لعقود طويلة، وهم على هذه الأخلاق والسفاهة والانحطاط والكفر والزندقة، ثم نجد من يعتبرهم ولاة أمر، ويدعو لهم بصلاح الحاشية وطول العمر!!! وحزينون على مصير ليبيا ونحن نرى تكالب الضباع الكاسرة عليها من كل حدب وصوب .. ضباع دمرت في البلاد عشرات آلاف الأهداف من البنى التحتية، العسكرية والمدنية، وصارت فاتورتها ثقيلة، فضلا عن بدء التصارع على النفط والثروات الليبية قبل أن يتوقف نزيف الدماء. حزينون ونحن نراقب التصريحات المحمومة لقادة « المركز » وهم يسارعون إلى اللقاءات وعقد الاجتماعات، ويتحدثون بكل صفاقة ووقاحة عن البدء في ترتيب الأوضاع في ليبيا خلال المرحلة الانتقالية، وكأن البلاد ملك يمينهم، أو إحدى ولاياتهم الجديدة. حزينون أن يجد المجلس الانتقالي، مبكرا، سعة من الوقت للتعبير عن التزامه بكل المعاهدات والقوانين الدولية ذات الصلة بما يسمى « مكافحة الإرهاب»، بينما يضيق صدره عن تصريح واحد يلتزم بقضايا الأمة ونوازلها. حزينون على مستقبل ليبيا والشعب الليبي وعلاقته بأشقائه العرب والمسلمين، ونحن نسمع تصريحات تتوعد « المتطرفين» الإسلاميين بالويل والثبور، بينما تطمئن تصريحات أخرى: « الدول التي دعمت الثورة الليبية بأنها ستحظى بمعاملة مميزة». حزينون ونحن نشتم روائح كريهة، لا تفسير لها، فتارة نسمع عن إلقاء القبض على ابني القذافي ثم نفاجأ، تارة أخرى، بأنهم أفلتوا مما يفترض أنهم محبسهم!!! وقلقون أكثر على التعمية المفروضة، منذ بدء الثورة، على هوية المجلس الانتقالي والثورة، حتى بديا كأنهما شأن « الناتو» و « المركز» بدلا من أن يكونا شأن الأمة. نعم فرحون .. ولكننا حزينون أيضا .. نشر بتاريخ 24-08-2011
__________________
أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا *** هذي الحياة كجنة فيحاء أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها *** مفت بجوف الكعبة الغراء أنا معْ أسامة حيث آل مآله *** ما دام يحمل في الثغور لوائي أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه *** أو شابه خطأ من الأخطاء أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا *** أو حاز منزلة مع الشهداء |
#6
|
|||
|
|||
![]() نعم هذا المقال يعبر عمايجول في خواطرنا
انها فرحة مشوبة بالحزن ..والقلق ..على مصير ليبيا .. فجميل ان تتخلص البلاد من طاغية .. ولكن للأسف نجاح الثورة كان برعاية ومساعدة غربية.. فهل قدم الغرب هذه المساعدة من أجل سواد عيون الشعب الليبي ؟؟ لايسعنا الا الانتظار والتفاؤل بالخير عسى أن نجده السلام عليكم
__________________
اللهم فرج همي .. وارزقني حسن الخاتمة.. إن انقضى الأجل فسامحونا ولاتنسونا من صالح دعائكم .. & أم ماسة & |
#7
|
|||
|
|||
![]() حسبنا الله ونعم الوكيل في هذا المجلس العميل الخائن الذي باع ليبيا لصليبيين وكأن الشعب اليبي قد اهدر دمه ليستبدل عميل بعميل اخر لا انسى صوره هذا العميل المدعو رئيس المجلس وهو يقف ذليلا امام ساركوزي ويلقبه وبكل ذل وخنوع بسيدي الرئيس |
#8
|
|||
|
|||
![]() اقتباس:
ألم يعتبروا بمصير العملاء الأفدمين الذين طغوا وتجبروا وظنوا أن بلداتهم إرث لأبنائهم فكان عاقبة أمرهم خسرا وداستهم شعوبهم ورمت بهم إلى مزبلة التاريخ ؟ لودامت لغيركم لما وصلت إليكم أيها المغفلون الحمقى
__________________
أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا *** هذي الحياة كجنة فيحاء أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها *** مفت بجوف الكعبة الغراء أنا معْ أسامة حيث آل مآله *** ما دام يحمل في الثغور لوائي أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه *** أو شابه خطأ من الأخطاء أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا *** أو حاز منزلة مع الشهداء |
#9
|
|||
|
|||
![]() وجها لوجه ضد « المركز» د. أكرم حجازي الظاهر أن أهداف الثورة السورية لا تختلف عن أهداف الثورات العربية الأخرى. فالشعب السوري تتملكه رغبة جامحة، أكثر من غيره من الشعوب العربية، في التحرر من أبشع أشكال الاستبداد والظلم الذي يئن تحت وطأته منذ ستة عقود. لكن ما يعيشه الشعب السوري ليس نظاما استبداديا محليا، يدافع عن امتيازات في السلطة فحسب، بقدر ما هو منظومة سياسية دولية وإقليمية وعربية متكاملة من الاستبداد والطغيان، أرسيت على قواعد عقدية معادية للأمة في صميمها، وحظيت بكل الدعم والشرعية طوال ستة عقود. وعليه فما من شيء حرص الفاعلون الاستراتيجيون على حمايته والمحافظة عليه كما حرصوا على وجود « إسرائيل» عبر التركيز على مبدإ « التوازن والاستقرار» في المنطقة، باعتباره النظرية الأبرز لمنتجات هذه المنظومة، وما تحتويه من مفردات ومصطلحات على شاكلة: « ضبط النفس» و « الشرعية» و « السلام» و « التعايش السلمي» و « حق إسرائيل في الوجود» ... هؤلاء هم: • « المركز». فهو الفاعل الاستراتيجي الأول في إرساء هذه المنظومة، ومدها بأسباب الحياة والبقاء حتى هذه اللحظة، والدفاع عنها إذا لزم الأمر. وفي القلب منها « إسرائيل» ولا أحد سواها. ولو لم يفعل ذلك لما استطاعت « إسرائيل» البقاء في المنطقة طوال هذه الفترة. ولما تمكنت من أسباب القوة والهيمنة والطغيان، ولما تجرأت على العدوان الدائم على الأمة وتهديدها بلا توقف، والاستهزاء بها، ولما نجحت في شل إرادة الشعوب رغم ما تمتلكه من قدرات وإمكانيات، وما كان لها أن تسود وتستقر كأقوى بؤرة مركزية في المنطقة، تتمتع بالتفوق النوعي والكمي، رغم الخطر الداهم الذي يتهددها في كل حين من المحيط. وفي السياق لا يغيب عن البال حماية مصادر الطاقة وضمان تدفقها بلا قيود باعتبارها المسَلَّمة الحاسمة في الحاجة إلى النظرية. هذا الفاعل يشمل « المركز» بشقيه الشرقي والغربي، وكافة دول الرأسمال بلا استثناء من كندا حتى أستراليا، ومن طوكيو إلى المحيط الأطلسي. ففي ذروة الحرب الباردة حافظت الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي على التوازن في المنطقة لصالح « إسرائيل». ولم تسمح لأية حركة تحرر عربية أو فلسطينية بتشكيل أدنى تهديد لها. • العرب. كلهم بلا استثناء بادلوا فلسطين بالاستقرار والتنمية وبناء الدولة والأمن. وكلهم فشلوا إلا في الأمن حيث نجحوا!!! بل أنهم سعوا إلى تشريع نظمهم عبر مغازلة المركز و « إسرائيل» ، أو التسابق نحو إقامة علاقات دبلوماسية أو تجارية معها. وبالتالي ما من مصلحة لأية دولة عربية في الإخلال بالتوازن القائم في المنطقة كون الجميع مستفيد منه. أما حين تعترف النظم العربية بفلسطين دولة لليهود باسم « إسرائيل»، على حساب الملايين المنفية والمشردة في أصقاع الأرض، فلأنه لم يعد ثمة فرق بينها وبين الدولة الغاصبة لحقوق الغير. وتبعا لذلك؛ فليس من العجيب أن نسمع من يفاخر بالقول أن الرئيس السادات حرر سيناء دون أن يتساءل مرة واحدة عن الثمن الذي دفعته مصر .. ولو تحدثنا بلغة « سايكس – بيكو» لوجب علينا القول أن ما قدمه السادات لليهود لا يقل عما قدمته بريطانيا لهم في فلسطين. فهو استبدل سيناء بـ 80% من فلسطين. وفي المقابل حصل على اتفاقية مذلة، وتحفظت « إسرائيل» على ما تبقى من فلسطين، وجُردت مصر من انتمائها وسيادتها وقوتها وتحولت إلى دولة خادمة لسياسات « المركز» و « إسرائيل». فإذا كان البعض يرى في سيناء محررة؛ والتفاوض مع « إسرائيل» وسيلة للتحرر، وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها يخدم السلام، و ... فلا مفر من القول بأن كل علاقة مع « إسرائيل» لا يمكن إلا أن تكون رديفا لمنظومة الاستبداد ومخرجاتها، ودفاعا عن ديمومتها. • إيران. فاعل استراتيجي ناهض يجهد في بعث الحضارة الفارسية في المنطقة مستعملا: (1) غطاء دينيا يمثله المذهب الجعفري الاثنى عشري، و (2) القضية الفلسطينية. لذا فهو لا يسعى أبدا إلى الإخلال في التوازن القائم بقدر ما يهمه صياغة التحالفات التي تمكنه من الانطلاقة في تحقيق مشروعه. ولو سأل سائل: ما هي المؤشرات القاطعة على وجود مشروع صفوي؟ لقلنا بالقطع أنها تكمن فعليا بالمشروع المسمى بـ « الخطة الخمسينية لتصدير الثورة الشيعية» التي صاغها عالم الفيزياء الإيراني محمد جواد لاريجاني، ونالت موافقة المرشد علي خامنئي. أما مخرجات الخطة فلا تخفى على أحد في أفغانستان والعراق البحرين، مصحوبة، بالأدوات الضاربة للمشروع الصفوي في لبنان وباكستان وأفغانستان واليمن .... فضلا عن ركيزته الكبرى في سوريا وبعض الجماعات الإسلامية السنية، وأخيرا آليات المشروع وأدواته المدنية المنتشرة في العالم أجمع. وبدون إطالة يمكن القول بكل اطمئنان، أن مشكلة إيران مع الغرب هي مشكلة نفوذ وتقاسم مصالح. لكن الجعجعة القائمة بين الجانبين ليس لها من قيمة سوى الاستهلاك الإعلامي. فطبقا لرصد د. عبد الله النفيسي ثمة لوبي في إيران، وآخر أمريكي في الكونغرس، يسعيان، بجهد حثيث ومؤثر، إلى إرساء تحالف استراتيجي لتبادل المنافع في المنطقة. ووفقا لرؤية كل طرف؛ فلا تبدو إسرائيل عدوة لإيران، ولا تبدو هذه الأخيرة عدوة لإسرائيل والغرب، زيادة على كون الطرفين يستهدفان العرب وأهل السنة تحديدا، باعتبارهم القوة العقدية الوحيدة القادرة على مواجهة المشاريع الغربية والصهيونية والإيرانية في المنطقة، وتهديدها. في هذا السياق تمثل سوريا النصيرية، ذات الجذر العقدي المشترك مع الشيعة الجعفرية، رأس الجسر لمرور المشروع الصفوي. أما مواقف إيران الأخيرة، التي انتقلت من النقيض إلى النقيض بخصوص الثورة السورية، فهي تقع في مستويين: (1) إما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من خطاب سياسي، جردته الثورة السورية من أية مشروعية تذكر، وأوقعته بحرج كبير وصل إلى حد الفضيحة المدوية، خاصة وأنه تبنى احتجاجات الشيعة في البحرين بينما وصف ثورة الشعب السوري بالمؤامرة الأمريكية على ما يراه نظام مقاومة في سوريا، وهي فضيحة تكاد تودي بأساسات المشروع وتفقد إيران « المقاومة» كل تعاطف، و (2) وإما بسبب توفر العراق بديلا عن سوريا. ومثل هذا الأمر يراود شيعة العراق لاسيما مقتدى الصدر الذي سبق له وعبر عن الترحيب بإيران في العراق بديلا عن الأمريكيين بعد انسحابهم!!! وفي كل الأحوال يبدو العراق المرشح الأوفر حظا في القدرة على احتواء الوضع المتفجر في المنطقة، ولو إلى حين. • تركيا. في ورقة أعددناها لمؤتمر العلاقات العربية – التركية (الكويت - يناير 2011) بعنوان: « تركيا: أسئلة التاريخ والمصير»، قدمنا فيها خمسة أسئلة كبرى، وتساءلنا في أُولاها عن هوية تركيا القادمة إلى المنطقة، إنْ كانت تركيا كمال أتاتورك العلمانية أو تركيا العثمانية؟ لكن الورقة استفزت البعض بينما راقت البعض الآخر من الأتراك. ولا ريب أن التساؤل سيظل مطروحا إلى أن يجيب عليه الأتراك صراحة. فالثابت أن تأسيس تركيا الحديثة جاء على يد يهود الدونمة الذين استطاعوا تفكيك الدولة العثمانية من الداخل. ولا ريب أن هذا المعطى تتداوله كتب المؤرخين والباحثين، دون أن يجد كثيرا من الاعتراضات عليه. لكن أولى محاولات الإجابة عليه بدأت مع تباشير صعود الإسلاميين إلى السلطة، وبالتحديد حين وصول نجم الدين أربكان إلى الحكم. حيث تبين للمراقبين أن تطبيق الشريعة لم تكن من أولوياته بقدر ما كان مستغرقا في كيفية استعادة هوية تركيا عبر تخليصها من التبعية للغرب وتحريرها من طغيان الحركة الصهيونية فيها!!! وكي نتلمس قدرات تركيا على تحقيق مثل هذا الهدف واقعيا يكفي أن نطرح سؤالا معينا على أحد الأتراك، ثم نراقب قسمات وجهه. يقول السؤال: لماذا يمتنع الأتراك حتى الآن عن التعرض للمسألة اليهودية في تركيا، لاسيما يهود الدونمة؟ لماذا لا توجد كتابات عن المسألة لدى الباحثين الأتراك رغم مرور قرابة المائة عام على تأسيس الدولة؟ أما الجواب فيكمن بالخوف والرعب الشديدين من مجرد إثارة المسألة، ناهيك عن وضعها تحت سلطان البحث العلمي والتحقيق الموضوعي، لأنه لو حصل مثل هذا الأمر، بعقول تركية وليس عربية أو إسلامية أو دولية، لتعرضت مشروعية تأسيس الدولة التركية برمتها للانفجار، على اعتبار أن أول من سيخضع للمساءلة هو أتاتورك نفسه!!! لذا فإن تركيا، حتى هذه اللحظة، لا تزال جزءا من منظومة الاستبداد الدولية – الإقليمية في المنطقة، رغم أنفها، وحتى لو أظهر ساستها الجدد بوادر امتعاض أو هوامش مناورة. هكذا يمكن أن نفهم مدى حرص تركيا على التوازن في المنطقة فضلا عن موقفها من الثورات العربية الذي لم يتجاوز حدود التعبير عن الغضب والحيرة والارتباك الملازم لكل تصريح سياسي لقادتها دون القدرة على الفعل. وفي السياق أيضا يمكن أن نتوقف عند التصعيد التركي تجاه « إسرائيل»، والصلف الذي تبديه هذه الأخيرة تجاه مطلب تركي بسيط لا يتجاوز الاعتذار عن جريمة دولية مشهودة. فالتاريخ يكبل تركيا، مثلما تكبلها استراتيجياتها الجديدة القائمة على العمق الاستراتيجي وتصفير المشكلات وإطفاء ما تعتبره حرائق. أخيرا من الخطأ الفادح الاعتقاد أو الركون إلى رغبة تكتفي بالقول أن الثورة السورية تواجه استبدادا محليا يمكن إزالته، واستبداله بآخر. ومن الخطأ الأفدح إضاعة الوقت والجهد في توقع بعض الحماية الدولية أو النصرة الإقليمية. فإذا كان الدور السوري هو الأثقل في المنطقة؛ فمن المفترض أن تكون الحسابات بحجم الدور ذاته إنْ لم تكن أثقل منه .. حسابات تواجه بداية « المركز» ذاته وليس طلب الحماية منه، وثانيا النظم العربية القائمة على مبدإ التوازن التاريخي، وثالثا المشروع الصفوي، ورابعا قيود الإرث التاريخي لشرعية الدولة التركية العلمانية فضلا عن استراتيجياتها الجديدة التي اصطدمت في حركات الشعوب غير المتوقعة. وتأسيسا على ذلك؛ فالثورة السورية من المفترض أنها ستتحمل المسؤولية الأكبر في سعيها ليس للتحرر من نظام مستبد بقدر ما يعني انتصارها، في كل حال، كسرا مبدئيا لنظرية « التوازن» في المنطقة برمتها، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به الغرب وغيره. لذا فهي ثورة مرغمة، أيضا، على دفع الثمن الأعلى تكلفة، والأشد وحشية، من بين الثورات العربية. إذ عليها أن تتجاوز منظومة استبداد عالمية متوحشة ومتكاملة ومصيرية، دون أن تفكر مجرد تفكير بمساعدة إقليمية أو دولية. لكن من الممكن لعناصر مساعدة أن تحدث فارقا في مسار علاقة الثورات العربية إذا ما أمكن حسم الموقف في اليمن لصالح الشارع وليس لصالح المبادرة الخليجية وأطرافها خاصة اللقاء المشترك، أو بدء حراك شعبي في الجزائر. فمن شأن مثل هذه النجاحات أن تفسد خطط « المركز» وتوسع من حركة الاحتجاجات الشعبية، وتؤدي إلى احتلال المزيد من الشوارع والساحات العامة. ولا ريب أن مثل هذا الأمر سيساعد حتما في نجدة الثورة التونسية والمصرية التي لا يمكن لها أن تكتمل أو، على الأقل، يشتد عودها ما لم تحقق وقائع الثورات العربية الجارية إنجازات ملموسة خاصة في الثورة السورية أكثر من غيرها. أما فيما يتعلق بالموقف الإيراني، فمن الواضح أنه لم يعد له من مخرج، لانقاذ مشروعه الصفوي، إلا القبول بصفقة مع المركز وتركيا والعرب تتمثل بالبديل العراقي. لكن هذا البديل ليس مضمونا مع استئناف الهجمات القاتلة ضد القوات الأمريكية والقوى الحكومية، ومطاردة الصحوات وتصفية رموزها في وسط الشوارع والبيوت وحتى داخل المساجد. بل أن معطى آخر ظهر بقوة في الأيام الماضية، وكأنه يتحسب لمثل هذه المستجدات، تمثل بإعلان دولة العراق الإسلامية عن محمد العدناني متحدثا رسميا جديدا لها، بعد مقتل أميرها أبي عمر البغدادي ووزير دفاعها أبي حمزة المهاجر. وهو إجراء لا يمكن قراءته خارج نطاق تفاعلات الحدث العراقي والحدث الثوري العربي. في المحصلة، وأيا كانت محاولات الاحتواء الدولي والإقليمي للثورة السورية فلن تخرج عن تأكيد لمبدإ « التوازن والاستقرار» في المنطقة، وضمان « أمن إسرائيل» وتفوقها. بل إن أية محاولة للاحتواء سيكون العرب والمسلمون ضحيتها بلا أدنى شك. لكنها في أحسن التوقعات ستظل محاولات مؤقتة، يخترقها الارتباك والحيرة والغضب، بسبب استمرار الثورة في سوريا، وعدم القدرة على احتوائها من الداخل، دون الحاجة إلى عناصر مساعدة كالعراق مثلا. هذه هي حقيقة المواجهة القائمة بين الثورات ونظم الاستبداد حتى لو لم تتبلور، بعد، في صيغ سياسية واضحة أو حركات اجتماعية صريحة. * 9/9/2011 في 09/09/2011
__________________
أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا *** هذي الحياة كجنة فيحاء أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها *** مفت بجوف الكعبة الغراء أنا معْ أسامة حيث آل مآله *** ما دام يحمل في الثغور لوائي أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه *** أو شابه خطأ من الأخطاء أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا *** أو حاز منزلة مع الشهداء |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |