القدس اسلامية رغم أنف امريكا متابعة لملف القدس وفلسطين المحتلة وكل ما يستجد من احداث - الصفحة 23 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055768 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323556 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > فلسطين والأقصى الجريح
التسجيل التعليمـــات التقويم

فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-09-2022, 02:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي الصهيونية والاتجاه المتسارع نحو العنصرية



الصهيونية والاتجاه المتسارع نحو العنصرية







. إياد القطراوي











إن التحوُّل الصهيوني المتسارع نحو التشدُّد والتطرُّف والعنصرية، يساهم بشكل كبير في إسقاط حقوق الشعب الفلسطيني؛ كون رؤيتهم تنبع من إيمانهم بأحقيتهم في دولة «إسرائيل» الكبرى، أو ما يُعرَف توراتيًّا بأرض كنعان






في استطلاعٍ نشرته القناة الصهيونية 12، بين أوساط الشباب من جيل 18 وحتى 25 سنة، كشف عن توجُّه صهيوني بشكل متسارع نحو اليمين واليمين الديني الاستيطاني المتطرف، وهو مؤشّر على توجُّه المجتمع الصهيوني نحو إسقاط حلّ الدولتين، ورفض الاعتراف بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفرض وإدامة الاحتلال والأبرتهايد والفصل العنصري.

اللافت في الاستطلاع، أن هذه الشريحة، هي مَن تمثل مستقبل دولة الكيان، ويظهر أن 70% من الشباب الصهيوني يصنّف نفسه في دائرة اليمين والوسط، وتمنح شريحة المستطلعين اليمين واليمين الاستيطاني 71 مقعدًا، وحزب «الصهيونية الدينية» الذي يقوده إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتس 14 مقعدًا، متفوقًا على حزب «ييش عتيد» الذي يتزعمه يائير لبيد، وحصول الأحزاب الدينية والدينية الاستيطانية المتشددة مجتمعة (شاس، يهدوت هتوراه، الصهيونية الدينية) على ما يقارب الـ40 مقعدًا، أي ما يعادل ثُلث أعضاء الكنيست.

إن هذه الصورة القاتمة التي تُمثِّل مستقبل الدولة الصهيونية القريب، تُلقي بظلالها ليس على المعسكر الليبرالي، الذي خسر نفسه وجماهيره وقواعده عندما تخلَّى عن القضية الأساس المتمثلة بالاحتلال والاستيطان وحقوق الشعب الفلسطيني، وانساق وراء التضليل الذي سوَّقته مقولة إيهود باراك حول عدم وجود شريك فلسطيني، مساهمًا بذاك في تدعيم الإجماع الصهيوني الذي يقوده اليمين المتطرف.

صورة الصهيونية المظلمة هذه لها تداعياتها وإسقاطاتها على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وهي تفرض تحديات كبيرة على قياداته في الضفة وغزة والداخل والشتات؛ لأنها تغلق الباب أمام خيار التسوية الذي جعله البعض خياره الوحيد، بعد أن أسقط من حساباته أي خيارات أخرى.

كما أن هذه الصورة تنذر بتوجُّه صهيوني نحو المزيد من العزل والحصار على غزة، واستمرار الفصل الجغرافي والسياسي بينها وبين الضفة الغربية؛ من خلال اللعب على وتر الانقسام الفلسطيني، ونحو تعزيز الاستيطان وقضم الأرض والضم الزاحف في الضفة، إلى جانب تخفيض مكانة السلطة الفلسطينية وحصرها في نطاق الأداء الوظيفي والتنسيق الأمني، ونحو إعادة فلسطينيي الداخل إلى الهامش السياسي ومحاصَرة مطالبهم في نطاق الحقوق المدنية الفردية، وهو مخطط تنجح دولة الكيان في فرضه على شعبنا، طالما لم ننجح نحن في تحطيم الحواجز والأقفاص السياسية التي حبستنا فيها؛ فأدمناها حتى أصبحنا نحرسها ذاتيًّا، ونسعى لبقائها وإدامتها، كما أنه مخطط تنجح دولة الكيان في فرضه على شعبنا، طالما لم ننجح في تحطيم الأقفاص والانطلاق إلى الفضاء الوطني العام بالعودة إلى فكرة الشعب الواحد والوطن الواحد والقضية الواحدة والمصير الواحد.

إن هذا الاستطلاع يؤكد على تعاظم اليمين المتطرف في دولة الكيان، في مقابل خسارة الليبراليين الصهاينة معركتهم أمام المتشددين الصهاينة، والمتطرفين الدينيين العنصريين، الذين سيطروا على القرار الصهيوني، ويضع الفلسطينيين أمام خيار واحد، وهو الاقتناع بأن هذه المنظومة الصهيونية لا تريد شريكًا لها، ولا تقتنع بوجود الفلسطيني حتى تؤمن بأن هذه هي أرضه، لذلك علينا مجابهة هذا النظام العنصري بشتَّى السُّبل والوسائل المتاحة من أجل تحرير وطننا وتحطيم جدرانه المصطنعة؛ ليتسع لنا ولأجيالنا القادمة.

الملاحَظ أن التوجهات الصهيونية ازدادت ميلاً نحو اليمين، ونحو التشدد الديني؛ نتيجة للتعبئة المتزايدة في هذا الجانب، فقد دخلت جماعات حريدية الساحة السياسية بعد أن كانت تحظر على أتباعها المشاركة في الانتخابات، بل وحرَّضت أتباعها على الانضمام إلى الجيش والخدمة فيه، وازدادت قوتها الانتخابية كذلك نتيجة التزايد الديموغرافي في الوسط الديني الذي يُعتَبر أكثر خصوبة من بقية الأوساط اليهودية.

التحولات السياسية والاجتماعية والديمغرافية في دولة الكيان هي من أنتجت وأوجدت هذا التوجُّه الصهيوني المتطرف، الذي يسعى دومًا لعرقلة المفاوضات وإعاقة وصول عملية السلام بين الصهاينة والفلسطينيين إلى نهايتها، ووضعها أمام صعوبات كبيرة أشبه بحائط مسدود خاصة فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي، وعلى رأسها مسألة القدس التي ترى فيها الأحزاب الدينية المتشددة مسألة مصير لا يمكن الحديث عنها أو التفاوض بشأنها؛ لأنها مسألة تاريخية عقدية أيديولوجية تتعلق بمصيرهم الدينيّ ووجودهم، لذلك يسعون لطمس الملامح العربية والإسلامية فيها، والقيام بنشاطات مكثفة من أجل خلق واقع ديمغرافي جديد، وإسكان اليهود فيها وتهجير الفلسطينيين منها وإضفاء الصبغة اليهودية والصهيونية عليها.


إن التحوُّل الصهيوني المتسارع نحو التشدُّد والتطرُّف والعنصرية، يساهم بشكل كبير في إسقاط حقوق الشعب الفلسطيني؛ كون رؤيتهم تنبع من إيمانهم بأحقيتهم في دولة «إسرائيل» الكبرى، أو ما يُعرَف توراتيًّا بأرض كنعان، التي وردت في أسفار العهد القديم التي يجب أن تضم شمال سيناء، بالإضافة إلى فلسطين والأردن ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق، وأن القدس هي عاصمتهم، والاستيطان حقّ وتمدُّد طبيعيّ لدولتهم الكبرى، وأن الفلسطينيين أغيارًا لا حقَّ لهم بأرض فلسطين، ويجب طَرْدهم وترحيلهم، هذا هو الفكر الصهيوني الجديد التي تسير خلفه حكوماتهم الصهيونية المتشددة، وصولاً إلى صراع عقديّ دينيّ يُنْهِي وجودهم الذي نصَّ عليه ديننا وقرآننا.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-09-2022, 01:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي القدس في النظرية السياسية المملوكة



القدس في النظرية السياسية المملوكة


د. أحمد عبدالرازق عبدالعزيز




كان الاهتمام بالقدس هو أحد أهم اهتمامات الدولة الدينية، وترجع أهمية بسط السيادة والسيطرة عليها لأهميتها التاريخية؛ فمقدار قوة الدولة المملوكية بمقدار سيطرتها على هذه المدينة بما فيها من مقدسات أمام الغرب الأوروبي
يمر الزمان وتتغير الأحداث التاريخية؛ وتظل القدس محور اهتمام الدول العربية والإسلامية، ربما لِـمَا تعرضت له من محن وابتلاءات على مدى تاريخها، أو لأنها كانت مطمعاً دائماً منذ قديم الزمان وحتى الآن للعديد من قوى الاستعمار باسم الدين؛ ولذا حرصت الدول الإسلامية منذ القِدم على حمل لواء حماية هذه المدينة المقدسة، ومن ضمن هذه الدول كانت دولة سلاطين المماليك في مصر، فقد ساعدت الظروف والأحداث السياسية التي أحاطت بالمنطقة الإسلامية في العصور الوسطى فرسان المماليك على حمل لواء الدفاع عن الأمة العربية والإسلامية ضد الزحف الصليبي بعد أن تهاوت الدولة الأيوبية وانشغلوا فيما بينهم من خلافات.

فقد ثبت لفرسان دولة سلاطين المماليك أن قوَّتهم وانتصاراتهم في موقعة المنصورة ضد الصليبين وفي عين جالوت ضد التتار[1] لم تكن لتشفع لهم في أن يحكموا الديار المصرية؛ إذ كان لزاماً عليهم أن يجدوا ما يغلِّف كل ذلك أمام المنطقة شعباً وسلطة؛ فكان لا بد من الواجهة الدينية التي كانت الإطار أمام المجتمع المصري بمختلف طبقاته، ومن ثَم كان أحد أركان الواجهة الدينية هو الاهتمام بالقدس، وكان انهيارها بمثابة أحد أسباب سقوط كيان الدولة.

وكان الاهتمام بالقدس هو أحد أهم اهتمامات الدولة الدينية، وترجع أهمية بسط السيادة والسيطرة عليها لأهميتها التاريخية؛ فمقدار قوة الدولة المملوكية بمقدار سيطرتها على هذه المدينة بما فيها من مقدسات أمام الغرب الأوروبي؛ لذا حرص رجال الدولة بداية من رأس الدولة على العناية التامة بالقدس سواء بشكل مادي أو معنوي.

وقد احتلت مدينة القدس أهمية خاصة عند العرب، فهم الذين أطلقوا عليها تسمية القدس (أي المقدسة)، وقد اتُّخذَت قِبلَة أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم من باب التقديس لا التقليد، وإليها كان الإسراء ومنها كان المعراج، وترجع أهميتها تاريخياً إلى أنها «كانت محل الأنبياء وقبلة الشرائع ومهبط الوحي»[2]. ويُعد أول من أيقن تلك الأهمية العتيقة هو السلطان الظاهر بيبرس، ففي عام 660هـ/1261م قام بترميم قبة الصخرة، والمسجد الأقصى، وتجديد الحرم الإبراهيمي، واستمر هذا الاهتمام في عهد السلطان قلاوون والناصر محمد، ولأهمية هذه المدينة أصبحت نيابةً مستقلة تتبع السلطة المركزية في القاهرة مباشرة بعد أن كانت تتبع دمشق[3].

وربما كان ذلك بسبب إصرار الغرب الأوروبي على الاستيلاء على بيت المقدس، يشير إلى ذلك قول أحد حجاج بيت المقدس من النصارى الغربيين عند زيارته لها عام 722هـ/1322م: إن الرب لم يدع بيت المقدس ليظل تحت يد الحكام المسلمين كثيراً. ومن ذلك ما يرويه المقريزي عندما أرسل ملك فرنسا فليب السادس في طلب القدس وبلاد الساحل فأنكر السلطان الناصر محمد عليهم ذلك وأهانهم و (رسم بعودتهم إلى بلادهم) وكان ذلك في عام 730هـ/ 1329م[4]. ونظراً لتلك الأهمية التاريخية حرص سلاطين المماليك على زيارة هذه المدينة من وقت لآخر مثلما حدث عامي 668هـ/1269م، وعامي 817هـ/1414م، وفي عام 824هـ/1421م أبطل السلطان ططر ما كان يجبى لنائب القدس في كل سنة أثناء زيارته لها وعوض نائبها، وعموماً كانت الصفة الغالبة على المدينة هي حرص المماليك على تأكيد نفوذهم الديني عن طريق نشر العدل والتسامح بين طوائف السكان المختلفة من مسلمين ونصارى ويهود[5].

ونظراً لأهمية هذه المدينة فقد أضفى السلاطين رعايتهم لها من خلال بعض الأوامر التي تصدر بغلق كنيسة القيامة من وقت لآخر نتيجة للاعتداءات الصليبية على المسلمين من قِبل القراصنة أو نصارى إسبانيا والبرتغال مثلما حدث في أعوام 825هـ/1421م، 892هـ/1486م، أما في عام 916هـ/1510م كان السلطان الغوري شديد اللهجة رغم أن تلك الحقبة كان فيها غروب شمس الدولة؛ إلا أن الغوري أمر بالقبض على الرهبان في كنيسة القيامة بسبب قتل الفرنج للأمير محمد، وأخذ مراكب السلطان، وبحضور القساوسة في رجب قام بتوبيخهم وأمرهم أن يكتبوا لملوك الفرنج لردِّ ما تم أخذه من مراكب وسلاح وإلا هدمتُ كنيسة القيامة وشنقتُ الرهبان، ووسط كل أجواء الفساد التي أحاطت بالدولة في الداخل والخارج، جاء قُصَّاد ملك الحبشة في محرم922هـ/ فبراير1516م ليستأذنوا في زيارة كنيسة القيامة بالقدس فأذن لهم[6]. ولم يكن استئذان قصَّاد ملك الحبشة في زيارة كنيسة القيامة إلا دليلاً على قوة الدولة، بالإضافة لخضوع الأحباش دينيّاً لبطريرك الإسكندرية.

ومع كل ذلك كانت هناك عوامل أثَّرت بطريق غير مباشرة على قلة الاهتمام بالقدس في الداخل، فقد منيت القدس بعدة أوبئة أهمها الوباء الأسود عام 749هـ/1348م، الذي استمر حتى عام 750هـ/1349م؛ بالإضافة لسوء الأحوال الاقتصادية التي عمَّت دولة سلاطين المماليك في آواخرها، وقد لعب شحُّ الأمطار دوراً حيويّاً في نزوح كثير من الناس عن هذه البلاد وهو ما أدى لزيادة الأسعار وهلاك كثير من الناس والحيوانات تحت وطأة الأوبئة والمجاعات، كما حدث في عام 829هـ/1425م، بالإضافة لمداهمة العربان القاهرة والقدس والمناطق المتاخمة لها مما يوحي بتدهور دور الدولة السياسي[7]؛ فليس هناك أدنى شك أنه وسط المشاكل الداخلية بالدولة يقل الاهتمام بتلك المدينة في ظل الظروف المصاحبة لها.

وقد فقدت الدولة السيادة على القدس في عام 922هـ/1516م بشكل نهائي عندما أمضى سليم خان الشتاء في دمشق ثم تحرك بجيشه نحو غزة حتى دخل القدس فزار بها أضْرحة الأنبياء، فعلى أقل تقدير استطاع رجال الدولة الاحتفاظ بلقب «حامي الحرمين الشريفين والقبلتين» لعقود عدة[8]، وبذلك كانت نهاية سيطرة السلطنة على مدينة القدس العتيقة.

فكانت مدينة القدس وما زالـت رمزاً دار حوله الصراع على مدى أجيال عدة في تاريخ المنطقة، والقدس اليوم رمز في صراع جديد قديم بين القوى العربية والإسلامية وقوى البغي والعدوان الآتية من خارج المنطقة تفرض الاستيطان العنصري برداء الدين، والقدس في ماضينا القريب كانت رمزاً لصراع بين العرب والقوى الصليبية التي وفدت إلى المنطقة تزرع فيها كياناً دخيلاً؛ فما أشبه اليوم بالبارحة! فكانت محور الدعوة الصليبية بالأمس، كما هي محور الدعاوى الصهيونية اليوم[9]، وستظل القدس ومقداستها بقلب كل عربي مهما حاولت القوى الخارجية الحالية أن تمحوَها من ذاكراتنا.



[1] المقريزي، السلوك، (دار الكتب، القاهرة، 2009م)، جـ1ق2، ص350 - 359، 428 - 433.

Holt.p.m ,the position and power of the mamluksultan,bulletin of the school of oriental and African studies, university of london, 1975,p.237.

[2] القزويني، آثار البلاد، (دار صادر، بيروت، 1960م)، ص159، 160. إبراهيم محمود زعرور، القدس في العهد الأيوبي، (دار المنظومة، 1998م)، ص90.

[3] القلقشندي، صبح الأعشى، (دار الكتب، القاهرة، 2010م)، 4/199. المقريزي، مصدر سابق، جـ 1ق2، ص725.

[4] المقريزي، مصدر سابق، ج2ق2، ص319. انظر علي السيد علي، القدس في العصر المملوكي، (دار الفكر، القاهرة، 1986م)، ص35.

[5] ابن الصيرفي، نزهة النفوس، (دار الكتب، القاهرة، 2010م)، 1/342، 396. ابن إياس، بدائع الزهور، (دار الكتب، القاهرة، 2008م)، ج1ق1، ص331، 449، 2/72، 73 . انظر علي السيد، مرجع سابق، ص110.

[6] ابن إياس، مصدر سابق: 2/84، 3/244 - 245، 4/193 - 195، 5/ 12.

[7] المقريزي ، مصدر سابق، جـ2 ق3 ، ص740 - 804، جـ4 ق2، ص609. ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، (دار الكتب المصرية، القاهرة، 2006م)، 10/ 203 - 211.ابن إياس، مصدر سابق، 2/104.

[8] وثيقة بيع، (تحقيق عبد اللطيف إبراهيم، ضمن كتاب المدخل إلى دراسة الوثائق العربية، دار الثقافة القاهرة، 1980م)، ص208 - 213. أوليا جلبي، سياحة نامة مصر، (دارالكتب، القاهرة، 2009م)، ص167. انظرعلي إبراهيم حسن، دراسات في تاريخ المماليك، (النهضة المصرية، القاهرة، 1944م)، ص186.

[9] علي السيد علي، مرجع سابق، ص5.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-09-2022, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي سيناريوهات الصراع على الأقصى


سيناريوهات الصراع على الأقصى


. حسن الرشيدي


المتتبع لما يحدث في فلسطين يلاحظ أن الصراع قد تحوَّل من نزاع حول فلسطين كلها، ليتركز حول مدينة القدس بعد عام 1967م، بل إنه منذ أكثر من عقدين من الزمن دخل دائرة أكثر تركيزاً، وصار بالتحديد حول المسجد الأقصى، أو ما يطلق عليه اليهود وبعض طوائف النصارى (هيكل

«أخشى من انهيار إسرائيل كما انهارت الدول اليهودية السابقة»
هذه ليست نبوءة كتبها أو قالها دجالون من الذين ينتشرون الآن على الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل كتبها رئيس وزراء الكيان السابق إيهود باراك في صحيفة يديعوت أحرنوت منذ عدة أسابيع تعبيراً عن مشاعر الإحباط لدى الكيان الصهيوني، ويقول فيها بالحرف: إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية في عقدها الثامن وهي التجربة الثالثة، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.
فالعقد الثامن لإسرائيل - كما كتب باراك - دائماً يبشِّر بحالتين: بداية تفكك السيادة، ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل.
وقد سبق لرئيس الوزراء السابق نتنياهو في عام 2017م، أن ردَّد تقريباً الكلام نفسه حينما صرَّح بأنه حريص على أن تبلغ إسرائيل المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمِّر لليهـود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة هي دولة الحشمونائيم.
هذا التشاؤم الذي يبديه زعماء الكيان ليس ترديداً لتنبؤات عشوائية أو قديمة، بل قد يكون إستراتيجية مقصودة ربما لجذب التعاطف الدولي مع قضية اليهود في فلسطين، أو لتجميع اليهود للالتفاف حول السياسات الإسرائيلية والنخبة الحاكمة.
والمتتبع لما يحدث في فلسطين يلاحظ أن الصراع قد تحوَّل من نزاع حول فلسطين كلها، ليتركز حول مدينة القدس بعد عام 1967م، بل إنه منذ أكثر من عقدين من الزمن دخل دائرة أكثر تركيزاً، وصار بالتحديد حول المسجد الأقصى، أو ما يطلق عليه اليهود وبعض طوائف النصارى (هيكل سليمان).
وفي الآونة الأخيرة تسارعت وتيرة الصراع حول المسجد الأقصى نتيجة عوامل عديدة، وأصبح لا يمر أسبوع إلا وتتناقل الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي صوراً وأخبارَ الصِّدامات داخل المسجد ومحيطه، فالمتطرفون اليهود يصرُّون على الدخول إلى ساحة المسجد والصلاة فيه ورفع الأعلام الصهيونية، وعندما يتصدى لهم المصلون الفلسطينيون يتدخل الجنود الصهاينة، ويدنِّسون المسجد بأحذيتهم وينهالون على المسلمين ضرباً وسحلاً واعتقالاً، لا يفرقون بين رجل وامرأة وطفل.
كل هذا كان سبباً لدخول المنظمات الفلسطينية المسلحة في غزة على خط الصراع، لتبرز معادلةٌ جديدةٌ، وتضع تلك المنظمات ما يجري في المسجد الأقصى سبباً وشرطاً من بين شروط أخرى لبدء حرب على الكيان بالصواريخ أو التوقف عنها.
ومنذ أكثر من شهر دخل الصراع على الأقصى نفقاً جديداً، عندما بدأ مسلحون فلسطينيون بتنفيذ عمليات في العمق الصهيوني ضد المستوطنين في ظاهرة يطلق عليها (الذئاب المنفردة)، ردّاً على استفزازات الصهاينة في المسجد، وهو ما نتج عنه إصابة ومقتل العديد من هؤلاء المتطرفين الصهاينة.
فإلى متى سيستمر هذا التوتر والصدامات حول الأقصى وداخل أروقته؟
وما هو مستقبل الصراع على المسجد؟
وما هي السيناريوهات المتوقعة لما سيؤول إليه هذا النزاع؟
هناك عدة مناهج علمية لتوقع الظواهر السياسية المستقبلية، أشهرها منهج السيناريو.
ويحدد علماء المستقبليات مجموعة من الطرق لبناء السيناريوهات، اخترنا إحداها في هذا المقال على النحو التالي:
يتم استنباط بناء السيناريو من التعريف، فالسيناريو هو وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه؛ مع توضيحٍ لملامح المسار أو المسارات التي يمكن أن ينجم عنها هذا الوضع المستقبلي؛ وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائي مفترض.
فهذا التعريف يجعل السيناريو مكوناً من ثلاثة أجزاء: وضع مستقبلي، ووضع ابتدائي مفترض، ومسارات من الابتدائي إلى المستقبلي.
أي أن بناء السيناريو هنا يعتمد على ثلاث خطوات:
وصف الوضع المستقبلي.
تحديد الوضع الراهن أو الابتدائي.
تعيين المسارات التي سيسير فيها السيناريو.
بحيث ننتهي إلى ثلاثة سيناريوهات نهائية يؤول إليها مستقبل الصراع: (سيناريو ممكن، وسيناريو محتمل، وسيناريو معياري).
بالنسبة للنطاق الزمني لتوقع مستقبل الصراع على الأقصى، فقد أخذنا بالتقسيم الذي وضعته جامعة مينيسوتا الأمريكية للمستقبل؛ وهو أن المستقبل المتوسط يكون: من خمسة أعوام إلى عشرين عاماً، واخترنا أن يكون بالتحديد خلال السنوات العشر القادمة.
وعندما نطبق هذا المنهج على الوضع الذي يجري في الأقصى نجد أن بنية الصراع على الأقصى والقوى التي تتحكم فيه تتكون أساساً من طرفين داخلي ومحلي وهما الكيان الصهيوني والفلسطينيون، وتأتي بعد ذلك الأطراف الخارجية وهي كثيرة، ولكن نستطيع أن نحدد أكثر الدول تأثيراً سواء كانت دولية كالولايات المتحدة، أم إقليمية فاعلة، سواء كانت عربية أم تركيا أم إيران.
وبذلك إذا استطعنا تحديد الاتجاهات المستقبلية لهذه الأطراف وموقفها من الصراع، يمكننا تخيُّل سيناريوهات تقريبية لما ستؤول إليه الأوضاع حول الأقصى.
أولاً: الكيان الصهيوني
يعاني الكيان الصهيوني بالفعل من عدة أزمات، أولها تحوُّل هدفه في البقاء من دولة تمتد جغرافياً حيث تقف الدبابة الإسرائيلية كما صرح شارون، إلى دولة منغلقة على نفسها بأسوار ذات أذرع عسكرية طويلة تمتد إلى أي مكان يهدد أمنها.
هذه الأزمة نتجت عمَّا يراه الكيان اختلالاً ديموغرافياً حدث نتيجة زيادة الفلسطينيين في مناطقهم الثلاث سواء في غزة أم في الضفة أم في ما يعرف بأراضي الـ (48)، بحيث أصبح - ولأول مرة - عدد الفلسطينيين يفوق عدد اليهود في فلسطين التاريخية منذ ديسمبر 2020م.
ولذلك تبنَّت إسرائيل ثلاثة حلول لمشكلتها الكبرى يمكن اعتبارها بمثابة شروط تفوُّق في صراعها:
أولاً: ما أُطلق عليه صفقة القرن، وهو مشروع غامض لم يُكشَف عن تفاصيله، ولكن تسربت ملامحه إلى الإعلام، ويقضي بمبادلة أراضٍ بين الكيان ومصر في سيناء والنقب ليتم تهجير جزء من الفلسطينيين إليها، كما يتم تهجير بعض آخر إلى الأردن ليقام هناك كيان فلسطيني يتم دمجه مع المملكة الأردنية. وقد تبنَّت هذا المشروع الإدارة الأمريكية السابقة بزعامة ترامب وتوقف الكلام عنه مع رحيلها.
ثانياً: فك العزلة الإسرائيلية بإدماجها في المنطقة بل بقيادتها، وإعادة العلاقات مع دول تمثل ثقلاً اقتصادياً وإستراتيجياً في الشرق الأوسط.
ثالثاً: يتضمن احتواء الفصائل المسلحة الفلسطينية بتفكيكها أو ضمان عدم إطلاق صواريخ وأعمال فدائية منها ضد الدولة الصهيونية، ومحاولة عزلها عن محيطها الجماهيري العربي بحملات دعائية.
ثانياً: الفلسطينيون
هم الطرف الثاني في معادلة الصراع حول الأقصى، وجاءت أحداث الأقصى وما صاحَبها من استفزاز صهيوني لتوقظ صحوةً في نفوس الجماهير الفلسطينية في المناطق الفلسطينية الثلاث في غزة والضفة والمناطق المحتلة عام 1948م؛ خاصة مع ظهور إحساس بأن مصيرهم أصبح واحداً.
وشروط التقدم الفلسطيني ثلاثة، هي:
ظهور قيادة سواء كانت فردية أم جماعية تلتفُّ حولها الجماهير.
بلورة إستراتيجية تدير المواجهة مع إسرائيل سواء بالإعداد العسكري أم بإتقان الفعل السياسي، تهيئ مساحات للحركة السياسية وتوجه الفعل العسكري إلى مسارات لصالح القضية.
استثمار تفاعل فلسطينيي المناطق الثلاث والإحساس المشترك بأهمية التعاون، لإيجاد مظلة مناسبة ينضوي الفلسطينيون تحتها.
ثالثاً: الولايات المتحدة
يظل التدخل الأمريكي هو العامل الدولي الأكثر تأثيراً على الصراع في فلسطين، ولكن هذا التدخل يتأثر بعدَّة عوامل أهمها:
النزاع بين اللوبي الصهيوني في أمريكا والتيار الليبرالي، وهذا النزاع تغذِّيه النبوءات التوراتية التي يحملها الإنجيليون وتيار من اليهود وما يتعلق بضرورة إقامة هيكل سليمان فوق أنقاض الأقصى شرطاً لنزول مسيحهم المزعوم، وقد دعم هذا التيار ترامب للوصول إلى الرئاسة آخذاً بنصائح زوج ابنته كوشنار مهندس صفقة القرن التي تدور حول تهجير جزء كبير من الفلسطينيين إلى سيناء والأردن لتدشين دولة في فلسطين يكون اليهود فيها أغلبية، ولكن تيار الليبراليين الأمريكيين المدعومين بجماعات ضغط قوية من الأقليات في أمريكا كالزنوج واللاتينيين والعرب الذين نجحوا في إسقاط اليمين الأمريكي سواء في الرئاسة أو الكونجرس، ليتوقف الزخم الأمريكي لهدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان مؤقتاً لحين موعد الانتخابات القادمة سواء التجديد النصفي للكونجرس أواخر هذا العام، أو الرئاسة بعد عامين ونصف.
أما العامل المهم الآخر فهو الانشغال الأمريكي بالحرب في أوكرانيا، هذا الانشغال يجعل تركيز الإدارة الأمريكية منصبّاًعلى احتواء روسيا ومحاولة الحدِّ من دورها العالمي، وهذا يستتبعه تهدئة باقي الصراعات وعدم حسم القضايا الأخرى، وتنتظر الولايات المتحدة من أطراف هذه النزاعات دعمها في محاصرتها للروس، وتشير أكثر المعطيات بخصوص الحرب في أوكرانيا أنها قد تمتد لسنوات، فالأمريكان يريدون استنزاف روسيا وقصقصة أجنحتها، إلا إذا ظهر عامل غير متوقع ينهي الحرب فيها سريعاً كوفاة بوتين مثلاً.
إذاً هناك شرطان يتوقف عليهما التأثير الأمريكي في قضية الأقصى، وهما وصول اليمين الأمريكي للحكم مرة أخرى، والحرب الدائرة في أوكرانيا وموعد انتهائها.
رابعاً: التأثير العربي
ينقسم الموقف العربي الحالي من الصراع في الأقصى، بين دول انخرطت في تطبيع علني محموم مع الكيان الصهيوني، ودول مترددة، ودول تعلن رفضها للتطبيع مطلقاً، ودول أخرى طبعت مع الكيان منذ عقود ولكنها تشعر بتضارب بعض المصالح معه حالياً.
هذا النوع الأخير من الدول يتعامل مع قضية الأقصى على أنها (كارت) تفاوض به الاحتلال الصهيوني، فهي تأخذ موقفاً علنياً تندد بممارساته وربما دعمت المقاومة الفلسطينية سواء بتسهيل انتقال السلاح والمؤن إليها، وذلك للضغط على سلطات الاحتلال للتخلي عن ملفات اقتصادية وسياسية تريدها.
وتأثير الدول العربية قد يقلب موازين الصراع على الأقصى بإمكانياتها الاقتصادية والديموغرافية والجيوسياسية، وكذلك بتأييد شعوب هذه الدول وتعاطفها مع الفلسطينيين باعتبار أن الأقصى قضية المسلمين الكبرى.
ولكنَّ ثمة شروط لهذه الدول على خط النزاع حتى يكون دورها مؤثراً في تحديد مستقبل المسجد الأقصى، هي:
أولها: استعادة إحساسها بأنها أكبر قوة إقليمية لو اجتمعت وتخلَّت عن أنانيتها، وهنا يوجد تساؤل حول المدى الذي يمكن أن يتطور فيه الصراع في فلسطين إذا حدث تغيير للنظام السياسي، أو حتى إذا انتشرت الفوضى والانتفاضات مثل ما حدث في زخم الربيع العربي داخل كيانات ما يُعرَف بدول الطوق حول فلسطين، وهي الأردن ومصر؛ خاصة أن لهاتين الدولتين تأثيراً كبيراً على مجريات ما يحدث سواء ما يتعلق بالدور الأردني في الضفة والإشراف على الأقصى، أو ما يتعلق بالدور المصري في غزة وتحكُّمها في المعابر التي تربط القطاع بالعالم الخارجي.
ثانيها: توافق الدول العربية مع دول إقليمية إسلامية ذات ثقل إستراتيجي وعسكري كبير مثل تركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا وإشراكها في الضغوط الجارية على الكيان الصهيوني.
خامساً: التأثير التركي
منذ صعود حزب العدالة التركي لسدة الحكم في تركيا في أواخر عام 2002م، حرص النظام التركي على جعل القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياته في إطار إستراتيجيته الشاملة لاستعادة مكانة الدولة العثمانية في الشرق الأوسط كقوة كبرى تتبنى قضايا المسلمين، وباعتبار أن هناك إرثاً تاريخياً تركياً يتمثل في رفض السلطان عبد الحميد الثاني آخر السلاطين الأقوياء للعثمانيين بيع أراضي القدس لليهود.
وقد وصل الدعم التركي حدّاً أن صممت سفينة تركية على كسر الحصار المفروض على غزة منذ عدة سنوات، ولكن تصدت لها القوات الصهيونية فقتلت عشرة أتراك، وهو ما أدى إلى وصول التوتر في العلاقات التركية الصهيونية إلى ما يشبه القطيعة.
ولكن مؤخراً ومع اقتراب انتخابات الرئاسة التركية العام القادم، تغير الدعم التركي لفلسطين في ظل التراجع المخيف للاقتصاد التركي وهو القنطرة التي كان يعتمد عليها أردوغان لجذب شريحة كبيرة من الناخبين الأتراك، ومع دخول تركيا في حالة حصار مزدوج سواء من الغرب الذي بات يشعر بخطورة صعود تركيا وعدم تعاونها في حصار روسيا، أو من تحالف إقليمي رأى في الدور التركي المساند للربيع العربي تدخلاً في شؤون داخلية خاصة بالعرب.
حالة الحصار تلك أدت إلى اهتزاز الاقتصاد، وهذا أيضاً أدى إلى تراجع الرئيس التركي والعودة مرة أخرى لسياسة تصفير المشاكل مع دول المنطقة لكسر هذا الحصار في محاولة تغذية شرايين الاقتصاد واستعادة ثقة الناخب التركي مرة أخرى.
وهكذا بدأ قطار التراجع التركي باستعادة علاقاتها القوية مؤخراً مع الخليج وإسرائيل، وهو ما أدى إلى تراجع الدعم وخفوت الصوت التركي في تأييد فلسطين، والأسوأ من هذا أن يسقط أردوغان في الانتخابات القادمة ويجيء نظام حكم جديد تنعدم فيه أي فرصة ممكنة لحصول دعم تركي لفلسطين.
ولذلك فإن شروط عودة الدور التركي مرة أخرى ليؤثر في قضية الأقصى هو إعادة انتخاب أردوغان مرة أخرى، وتزايد قوة الاقتصاد التركي، ونجاح أردوغان في خلخلة الحصار الغربي والعربي على الأتراك.
سادساً: التأثير الإيراني
يستخدم النظام الإيراني منذ الثورة الإيرانية عام 1979م الورقة الفلسطينية في محاولة كسب تعاطف الجماهير المسلمة وتبييض وجهه الطائفي المتطرف، وفي الوقت نفسه يستخدمها ورقة تفاوضية مع الغرب وإسرائيل للاعتراف به قوة إقليمية يجب أخذها في الحسبان عند تقاسم الكعكة في منطقة الشرق الأوسط.
فالنظام الإيراني غدا متمرداً على الدور الذي كان منوطاً به إسرائيلياً وغربياً وهو كبح صعود أي قوة عربية سنية ولجمها؛ لا أن ينافس إسرائيل على زعامة المنطقة كما يحدث الآن مستغلاً الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط ليركز على التحدي الصيني والروسي.
دعمت إيران المنظمات الفلسطينية بالمال والسلاح سواء مباشرة أو عن طريق وكيلها في المنطقة (حزب الله)، واضطرت حماس لقبول هذا الدعم بعد فقدان الدعم العربي الرسمي الذي لم يكتفِ بوقف الدعم بل شارك الكيان الصهيوني وتحالف معه.
ولذلك فإن النظام الإيراني يمكن أن يتراجع عن دعم للمقاومة، إذا اعترفت الولايات المتحدة وإسرائيل بإيران أنها قوة إقليمية يجب أن يكون لها نصيبها من كعكة المنطقة سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، وهذا ما يجري التفاوض عليه بين الغرب وإيران فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني حزمة واحدة.
فالصراع على الأقصى قد يتأثر في حال تم الاتفاق الإيراني الأمريكي، عندها سيقلُّ الدعم الإيراني إلى حدٍّ كبير للمقاومة الفلسطينية، وستفقد حينها الداعم الرئيسي لها في المنطقة بعد تراجع الدعم التركي والعربي.
سيناريوهات الصراع على الأقصى:
فائدة تصور وتخيُّل السيناريوهات المبنية على حقائق موجودة على أرض الواقع ممكنة ومحتملة الحدوث؛ أنها تجعل العمل مركَّزاً على تحقيق شروط السيناريو المرغوب فيه ومحاولة تجنب بل تفكيك شروط السيناريو الأسوأ.
السيناريو الممكن:
يبنى هذا السيناريو على أساس أن العوامل التي تتحكم في الظاهرة لن تتغير في المستقبل الذي تتم فيه الدراسة، وقد سبق أن حددنا تلك المدة بعشر سنوات، وبناء على ذلك فهذا السيناريو يفترض أن وتيرة الصراع ستظل كما هي مع ثبات وضع القوى المحلية والدولية على حالها على النحو التالي:
استمرار الحكومات الإسرائيلية بكبح جماح المستوطنين والمتطرفين اليهود عن القيام بأعمال استفزازية ضخمة، وفي الوقت نفسه بقاء قوة الردع الفلسطينية على وضعها الحالي متمثلة في صواريخ المقاومة في غزة أو في عمليات الذئاب المنفردة ضد المستوطنين، واستمرار اليسار الأمريكي في سدة الحكم في واشنطن مع الانشغال الأمريكي بالوضع في أوكرانيا الذي يبقى بلا حسم، وبقاء الوضع العربي متشرذماً ولا يتجمع على موقف موحد خاصة دول الطوق، وبقاء الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية متدفقاً في ظل مراوحة المفاوضات الإيرانية الغربية، في حين تظل تركيا حريصة على علاقتها العربية الإسرائيلية وبقاء دعمها المحدود للفلسطينيين في ظل استمرار أردوغان في الحكم.
السيناريو المحتمل:
يبنى على أساس دخول متغيرات جديدة تؤدي إلى التحول لمسار جديد في الصراع.
والسيناريو المحتمل الأسوأ يتمثل في تمكن الصهاينة من هدم المسجد الأقصى وتشييد ما زعموا أنه هيكل سليمان وشروط نجاح هذا السيناريو، هي:
وصول قيادة إسرائيلية متطرفة إلى الحكم تنجح في تطبيق صفقة القرن وتستطيع التغلب على المقاومة المسلحة وخلايا الذئاب المنفردة الفلسطينية بعد أن تكون اندمجت مع الدول العربية المؤثرة في حلف واحد يقوده الكيان الصهيوني، وهذا يتزامن مع وصول قيادة يمينية إنجيلية إلى رئاسة الولايات المتحدة تكون داعمة لهذه الخطوة الصهيونية ويترافق ذلك مع تراجع الاهتمام الأمريكي بحرب أوكرانيا حيث يتم احتواء الدب الروسي والحد من نفوذه، وفي الوقت نفسه تنخرط معظم الدول العربية في المشروع الصهيوني وتجد في هذا المشروع نجاة لها من تحديات داخلية وخارجية، وهذا في ظل فشل الفلسطينيين في إيجاد إستراتيجية تدير المواجهة مع إسرائيل وقيادة تلتفُّ حولها الجماهير ومظلة ينضوي الفلسطينيون تحتها في تكتلاتهم الثلاثة، في حين يفشل حزب العدالة التركي في الانتخابات الرئاسية وتأتي شخصية علمانية تتولى حكم تركيا وتأخذها بعيداً عن القضايا الإسلامية، في حين تتخلى إيران عن دعم المقاومة بعد أن تكون حصلت من الولايات المتحدة وإسرائيل على دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط.
السيناريو المعياري أو المفضل أو المرغوب:
هو وصف مستقبل مرغوب فيه للمساعدة في صنعه أو تحقيقه.
في هذا السيناريو تعجز إسرائيل عن تطبيق إستراتيجيتها سواء في قيادة تحالف من دول المنطقة، أو في تفكيك بنية الفصائل المسلحة، أو السيطرة على الذئاب المنفردة الفلسطينية، وينجح الفلسطينيون في إيجاد قيادة تلتف حولها الجماهير الفلسطينية وفي الوقت نفسه يفعِّلون إستراتيجية مواجهة شاملة مع إسرائيل على جميع المستويات (السياسية والعسكرية) ويتمكنون من توفير مظلة تجمع فلسطينيي المناطق الفلسطينية الثلاث وتتعاون مع فلسطينيي المهجر لتكوين جماعات ضغطٍ مؤثرة في العالم، في حين تنشغل أمريكا بالحرب الأوكرانية التي تمتد لتشمل دولاً أخرى في أوروبا في الوقت الذي يشتعل فيه النزاع بينها وبين الصين على تايوان والتجارة العالمية وينجح اليسار الأمريكي في كبح جماح التطرف اليميني في السياسة الأمريكية، ويحدث تغيير حقيقي في الدول العربية سواء بتغيير السياسات أو النخب الحاكمة؛ بحيث تقدم تلك السياسات أولويات الأمن القومي الجماعي العربي على المصلحة الضيقة لكل دولة على حِدَة، وتنهض تركيا لتتحول إلى القوة الإقليمية الكبرى لتقود الأمة في طريق الصعود العالمي بعد أن تتحرر من مرحلة الضغوط الدولية إلى مرحلة المنافسة على قمة النظام الدولي، ويقل اعتماد الفلسطينيين على إيران بعد أن تتراجع إلى الوراء خلف القوى الإقليمية الصاعدة السنية سواء كانت عربية أم تركية.
قد يظن الكثيرون أن السيناريو المأمول هو أحلام! ولكن بالجد واتباع سنن الله في التغيير ستتحول تلك الأحلام والأماني المبنية على الحقائق العلمية بإذن الله إلى صحوة تشمل المسلمين في العالم لتنبعث أمة الإسلام من جديد، وتؤدي دورها المأمول.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 120.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.15 كيلو بايت... تم توفير 2.67 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]