كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13074 - عددالزوار : 345730 )           »          مكاسب الصحابة الكرام: نموذج في الكسب الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          رسول السلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          أسطورة تغيير الجنس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 108 )           »          كنز من كنوز الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 98 )           »          قواعد نبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 4731 )           »          كتاب( مناظرة بين الإسلام والنصرانية : مناقشة بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 173 )           »          الشاكر العليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 128 )           »          هل هذا شذوذ أو ازدواج في التوجه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 160 )           »          زوجي مصاب بمرض الفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 135 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 08-01-2023, 08:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (211)
صــــــــــ 163 الى صـــــــــــ 169





قلت له : فلرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في الحرائر يسلمن وأخرى في الحرائر يسبين فيسترقين والأخرى في الإماء لا يسبين فكيف جاز أن تصرف سنة إلى سنة وهما عند أهل العلم سنتان مختلفتان باختلاف حالات النساء فيهما ؟ وقلت له فالحرة تسلم قبل زوجها أو زوجها قبلها أيهما أسلم قبل [ ص: 163 ] الآخر ثم أسلم الآخر قبل انقضاء عدة المرأة فالنكاح الأول ثابت فإن انقضت العدة قبل إسلام الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وسواء في ذلك كان إسلام المرأة قبل الرجل أو الرجل قبل المرأة إذا افترقت دارهما أو لم تفترق ولا تصنع الدار فيما يحرم من الزوجين بالإسلام شيئا سواء خرج المسلم منهما إلى دار الإسلام أو صارت داره دار الإسلام أو كان مقيما بدار الكفر لا تغير الدار من الحكم بينهما شيئا .

( قال الشافعي ) رحمه الله فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل له : أسلم أبو سفيان بن حرب بمر الظهران وهي دار خزاعة وخزاعة مسلمون قبل الفتح في دار الإسلام فرجع إلى مكة وهند بنت عتبة مقيمة على غير الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال ثم أسلمت هند بعد إسلام أبي سفيان بأيام كثيرة وقد كانت كافرة مقيمة بدار ليست بدار الإسلام يومئذ وزوجها مسلم في دار الإسلام وهي في دار الحرب ثم صارت مكة دار الإسلام وأبو سفيان بها مسلم وهند كافرة ثم أسلمت قبل انقضاء العدة فاستقرا على النكاح لأن عدتها لم تنقض حتى أسلمت وكان كذلك حكيم بن حزام وإسلامه ، وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل بمكة فصارت دارهما دار الإسلام وظهر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهرب عكرمة إلى اليمن وهي دار حرب وصفوان يريد اليمن وهي دار حرب ثم رجع صفوان إلى مكة وهي دار إسلام وشهد حنينا وهو كافر ثم أسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول ورجع عكرمة وأسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول وذلك أن عدتهما لم تنقض فقلت له ما وصفت لك من أمر أبي سفيان وحكيم بن حزام وأزواجهما ، وأمر صفوان وعكرمة وأزواجهما أمر معروف عند أهل العلم بالمغازي فهل ترى ما احتججت به من أن الدار لا تغير من الحكم شيئا إذا دلت السنة على خلاف ما قلت وقد حفظ أهل المغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فأسلم فاستقرا على النكاح ونحن وأنت نقول إذا كانا في دار حرب فأيهما أسلم قبل الآخر لم يحل الجماع وكذلك لو كانا في دار الإسلام .

وإنما يمنع أحدهما من الآخر في الوطء بالدين لأنهما لو كانا مسلمين في دار حرب حل الوطء فقال إن من أصحابك من يفرق بين المرأة والرجل وأنا أقوم بحجته فقلت له القيام بقول تدين به ألزم لك فإن كنت عجزت عنه فلعلك لا تقوى على غيره قال فأنا أقوم به فأحتج بأن الله عز وجل قال { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فقلت له : أيعدو قول الله عز وجل : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أن يكون إذا أسلم وزوجته كافرة كان الإسلام قطعا للعصمة بينهما حين يسلم لأن الناس لا يختلفون في أنه ليس له أن يطأها في تلك الحال إذا كانت وثنية أو يكون قول الله عز وجل { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } إذا جاءت عليهن مدة لم يسلمن فيها أو قبلها ؟ قال ما يعدو هذا قلت فالمدة هل يجوز بأن تكون هكذا أبدا إلا بخبر في كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع ؟ قال لا قلت وذلك أن رجلا لو قال مدتها ساعة وقال الآخر يوم وقال آخر سنة وقال آخر مائة سنة لم يكن ههنا دلالة على الحق من ذلك إلا بخبر ؟ قال نعم قلت والرجل يسلم قبل امرأته فقلت بأيهما شئت وليس قولك من حكيت قوله داخلا في واحد من هذين القولين قال فهم يقولون إذا أسلم قبلها وتقارب ما بين إسلامهما قلت أليس قد أسلم وصار من ساعته لا يحل له إصابتها ثم أسلمت فقرت معه على النكاح الأول في قولهم ؟ قال بلى قلت فلم تقطع بالإسلام [ ص: 164 ] بينهما وقطعتها بمدة بعد الإسلام ؟ قال نعم ولكنه يقول كان بين إسلام أبي سفيان وهند شيء يسير قلت أفتحده ؟ قال لا ولكنه شيء يسير قلت لو كان أكثر منه انقطعت عصمتها منه ؟ .

قال وما علمته يذكر ذلك قلت فإسلام صفوان بعد إسلام امرأته بشهر أو أقل منه وإسلام عكرمة بعد إسلام امرأته بأيام فإن قلنا إذا مضى الأكثر وهو نحو من شهر انقطعت العصمة بين الزوجين لأنا لا نعلم أحدا ترك أكثر مما ترك صفوان أيجوز ذلك ؟ قال لا قلت هم يقولون إن الزهري حمل حديث صفوان وعكرمة وقال في الحديث غير هذا قلت فقال الزهري إلا أن يقدم زوجها وهي في العدة فجعل العدة غاية انقطاع ما بين الزوجين إذا أسلمت المرأة فلم لا يكون هكذا إذا أسلم الزوج ؟ والزهري لم يرو في حديث مالك أمر أبي سفيان وهو أشهر من أمر صفوان وعكرمة والخبر فيهما واحد والقرآن فيهم والإجماع واحد ؟ قال الله تبارك وتعالى { فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها ولا الرجل يسلم قبل امرأته قلت فحرم الله عز وجل على الكفار نساء المؤمنين لم يبح واحدة منهن بحال ولم يختلف أهل العلم في ذلك وحرم على رجال المؤمنين نكاح الكوافر إلا حرائر الكتابيين منهم فزعم أن إحلال الكوافر اللاتي رخص في بعضهن للمسلمين أشد من إحلال الكفار الذين لم يرخص لهم في مسلمة بما وصفنا من قولهم إذا أسلمت المرأة لم ينفسخ النكاح إلا لانقضاء العدة وزوجها كافر وإذا أسلم الزوج انفسخ نكاح المرأة قبل العدة ولو كان يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر كان الذي شددوا فيه أولى أن يرخصوا فيه والذي رخصوا فيه أولى أن يشددوا فيه والله الموفق .

الخلاف فيما يؤتى بالزنا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وقلنا إذا نكح رجل امرأة حرمت على ابنه وأبيه وحرمت عليه أمها بما حكيت من قول الله عز وجل ( قال ) فإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه أو أم امرأته ، فقد عصى الله تعالى ولا تحرم عليه امرأته ، ولا على أبيه ، ولا على ابنه امرأته لو زنى بواحدة منهما ، لأن الله عز وجل إنما حرم بحرمة الحلال تعزيرا لحلاله وزيادة في نعمته بما أباح منه بأن أثبت به الحرم التي لم تكن قبله ، وأوجب بها الحقوق ، والحرام خلاف الحلال ، وقال بعض الناس إذا زنى الرجل بامرأة حرمت عليه أمها ، وابنتها وإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه حرمت عليهما امرأتاهما ، وكذلك إن قبل واحدة منهما ، أو لمسها بشهوة فهو مثل الزنا والزنا يحرم ما يحرم الحلال فقال لي لم قلت إن الحرام لا يحرم ما يحرم الحلال ؟ فقلت له استدلالا بكتاب الله عز وجل والقياس على ما أجمع المسلمون عليه بما هو في معناه والمعقول ، والأكثر من قول أهل دار السنة والهجرة وحرم الله قال فأوجدني ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وقال تعالى { وحلائل أبنائكم } وقال { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } أفلست تجد التنزيل إنما حرم من سمى بالنكاح أو النكاح والدخول ؟ قال بلى ، قلت أفيجوز أن يكون الله تبارك وتعالى باسمه حرم بالحلال شيئا فأحرمه بالحرام ، والحرام ضد الحلال ؟ فقال لي فما فرق بينهما ؟ قلت فقد فرق الله تعالى بينهما قال فأين ؟ قلت وجدت الله عز وجل ندب إلى النكاح وأمر به وجعله سبب النسب والصهر والألفة والسكن وأثبت به الحرم والحق لبعض على بعض بالمواريث والنفقة ، والمهر وحق الزوج بالطاعة [ ص: 165 ] وإباحة ما كان محرما قبل النكاح .

قال : نعم ، قلت : ووجدت الله تعالى حرم الزنا فقال { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } فقال أجد جماعا وجماعا فأقيس أحد الجماعين بالآخر : قلت فقد وجدت جماعا حلالا حمدت به ووجدت جماعا حراما رجمت به صاحبه أفرأيتك قسته به ؟ فقال : وما يشبهه ؟ فهل توضحه بأكثر من هذا ؟ قلت : في أقل من هذا كفاية وسأذكر لك بعض ما يحضرني منه قال ما ذاك ؟ قلت جعل الله تبارك وتعالى اسمه الصهر نعمة فقال { فجعله نسبا وصهرا } قال نعم قلت وجعلك محرما لأم امرأتك وابنتها ، وابنتها تسافر بها ؟ قال نعم قلت وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد .

وفي الآخرة بالنار إن لم يعف ، قال : نعم قلت أفتجعل الحلال الذي هو نعمة قياسا على الحرام الذي هو نقمة ، أو الحرام قياسا عليه ثم تخطئ القياس وتجعل الزنا لو زنى بامرأة محرما لأمها وابنتها ؟ قال هذا أبين ما احتججت به منه ، قلت : فإن الله تبارك وتعالى قال في المطلقة الثالثة { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وجاءت السنة بأن يصيبها الزوج الذي نكح فكانت حلاله له قبل الثلاث ومحرمة عليه بعد الثلاث حتى تنكح ثم وجدناها تنكح زوجا ولا تحل له حتى يصيبها الزوج ووجدنا المعنى الذي يحلها الإصابة أفرأيت إن احتج بهذا عليك رجل يغبى غباءك عن معنى الكتاب فقال الذي يحلها للزوج بعد التحريم هو الجماع لأني قد وجدتها مزوجة فيطلقها الزوج أو يموت عنها فلا تحل لمن طلقها ثلاثا إذا لم يصبها الزوج الآخر وتحل إن جامعها فإنما معنى الزوج في هذا الجماع وجماع بجماع ، وأنت تقول جماع الزنا يحرم ما يحرم جماع الحلال فإن جاء معها رجل بزنا حلت له قال إذا يخطئ ، قلت ولم ؟ أليس لأن الله أحلها بزوج والسنة دلت على إصابة الزوج فلا تحل حتى يجتمع الأمران فتكون الإصابة من زوج ؟ قال نعم قلت : فإن كان الله إنما حرم بنت المرأة وأمها وامرأة الأب بالنكاح فكيف جاز أن تحرمها بالزنا ؟ وقلت له قال الله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } وقال { فإن طلقها } فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العدد ، قال : نعم قلت أفرأيت المرأة إذا أرادت تطلق زوجها ألها ذلك ؟ قال لا قلت فقد جعلت لها ذلك قال وأين ؟ قلت زعمت أنها إذا كرهت زوجها قبلت ابنه بشهوة فحرمت على زوجها بتقبيلها ابنه فجعلت إليها ما لم يجعل الله إليها فخالفت حكم الله ههنا وفي الآي قبله ، فقال قد تزعم أنت أنها إن ارتدت عن الإسلام حرمت على زوجها ؟ قلت وإن رجعت وهي في العدة فهما على النكاح أفتزعم أنت هذا في التي تقبل ابن زوجها ؟ قال لا قلت فإن مضت العدة ثم رجعت إلى الإسلام كان لزوجها أن ينكحها بعد ؟ أفتزعم في التي تقبل ابن زوجها أن لزوجها أن ينكحها بعد بحال ؟ قال لا قلت فأنا أقول إذا ثبتت على الردة حرمتها على المسلمين كلهم لأن الله حرم مثلها عليهم أفتحرم التي تقبل ابن زوجها على المسلمين كلهم ؟ قال لا قلت وأنا أقتل المرتدة وأجعل مالها فيئا أفتقتل أنت التي تقبل ابن زوجها وتجعل مالها فيئا ؟ قال لا قلت فبأي شيء شبهتها بها ؟ قال إنها لمفارقة لها قلت نعم في كل أمرها ؟ وقلت له أرأيت لو طلق امرأته ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ؟ قال نعم قلت فإن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ؟ قال لا قلت فأسمعك قد حرمت بالطلاق إذا طلقت زوجة حلال ما لم تحرم بالزنا لو طلق مع الزنا .

قال لا يشتبهان قلت أجل وتشبيهك إحداهما بالأخرى الذي أنكرنا عليك قال أفيكون شيء يحرمه الحلال لا يحرمه الحرام ؟ قلت : نعم قال وما هو ؟ قلت ما وصفناه وغيره أرأيت الرجل إذا نكح امرأة أيحل له أن ينكح أختها أو عمتها عليها ؟ قال لا قلت فإذا نكح أربعا أيحل له أن ينكح عليهن خامسة ؟ قال لا قلت أفرأيت لو زنى بامرأة له أن ينكح أختها أو عمتها من ساعته أو زنى بأربع في [ ص: 166 ] ساعة أيكون له أن ينكح أربعا سواهن ؟ قال نعم ليس يمنعه الحرام مما يمنعه الحلال .

وقلت له قال الله عز وجل { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } ثم حد الزاني الثيب على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفي فعله أعظم حدا حده الرجم وذلك أن القتل بغير رجم أخف منه وهتك بالزنا حرمة الدم فجعل حقا أن يقتل بعد تحريم دمه ولم يجعل فيه شيئا من الأحكام التي أثبتها بإحلال فلم يثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أهل دين الله بالزنا نسبا ولا ميراثا ولا حرما أثبتها بالنكاح وقالوا في الرجل إذا نكح المرأة فدخل بها كان محرما لابنتها يدخل عليها ويخلو بها ويسافر وكذلك أمها وأمهاتها وكذلك يكون بنوه من غيرها محرما لها يسافرون بها ويخلون وليس يكون من زنى بامرأة محرما لأمها ولا ابنتها ولا بنوه محرما لها بل حمدوا بالنكاح وحكموا به وذموا على الزنا وحكموا بخلاف حكم الحلال وإنما حرم الله أم المرأة وامرأة الأب والابن بحرمة أثبتها الله عز وجل لكل على كل وإنما ثبتت الحرمة بطاعة الله فأما معصية الله بالزنا فلم يثبت بها حرمة بل هتكت بها حرمة الزانية والزاني فقال ما يدفع ما وصفت ؟ فقلت فكيف أمرتني أن أجمع بين الزنا والحلال وقد فرق الله تعالى ثم رسوله ثم المسلمون بين أحكامهما ؟ قال فهل فيه حجة مع هذا ؟ قلت بعض هذا عندنا وعندك يقوم بالحجة وإن كانت فيه حجج سوى هذا قال وما هي قلت : أرأيت المرأة ينكحها ولا يراها حتى تموت أو يطلقها أتحرم عليه أمها وأمهاتها وإن بعدن والنكاح كلام ؟ قال نعم قلت ويكون بالعقدة محرما لأمها يسافر ويخلو بها ؟ قال نعم قلت أفرأيت المرأة يواعدها الرجل بالزنا تأخذ عليه الجعل ولا ينال منها شيئا أتحرم عليه أمها بالكلام بالزنا وإلا تعاد به وباليمين لتفين له به ؟ قال لا ولا تحرم إلا بالزنا واللمس والقبلة بالشهوة ، قلت أرأيت المرأة إذا نكحها رجل ولم يدخل بها ويقع عليها وقذفها أو نفى ولدها أويحد لها ويلاعن أو آلى منها أيلزمه إيلاء أو ظاهر أيلزمه ظهار أو مات أترثه أو ماتت أيرثها ؟ قال نعم قلت فإن طلقها قبل أن يدخل بها وقع عليها طلاقه ؟ قال نعم قلت أفرأيت إن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه كما حرم الله عز وجل المنكوحة بعد ثلاث أو قذفها أيلاعنها أو آلى منها أو تظاهر أو مات أترثه أو ماتت أيرثها ؟ قال لا قلت ولم ؟ ألأنها ليست له بزوجة وإنما أثبت الله عز وجل هذا بين الزوجين ؟ قال نعم قلت له ولو نكح امرأة حرمت عليه أمها وأمهاتها وإن لم يدخل بالبنت ؟ قال نعم قلت له ولو نكح الأم فلم يدخل بها حتى تموت أو يفارقها حلت له البنت ؟ قال نعم فقلت قد وجدت العقدة تثبت لك عليها أمورا منها لو ماتت لأنها زوجته وتثبت بينك وبينها ما يثبت بين الزوجين من الظهار والإيلاء واللعان فلما افترقتما قبل الدخول حرمت عليك أمها ولم تحرم عليك بنتها فلم فرقت بينهما وحرمت مرة بالعقدة والجماع وأخرى بالعقدة دون الجماع ؟ قال لما أحل الله تعالى الربيبة إن لم يدخل بالأم وذكر الأم مبهمة فرقت بينهما قلت فلم لم تجعل الأم قياسا على الربيبة وقد أحلها غير واحد ؟ قال لما أبهم الله الأم أبهمناها فحرمناها بغير الدخول ووضعت الشرط في الربيبة وهو الموضع الذي وضعه الله تعالى فيه ولم يكن اجتماعهما في أن كل واحدة منهما زوجة حكمها حكم الأزواج بأن كل واحدة منهما تحرم صاحبتها بعد الدخول يوجب علي أن أجمع بينهما في غيره إذا لم يدل على اجتماعهما خبر لازم قلت له فالحلال أشد مباينة للحرام أم الأم للابنة ؟ قال بل الزنا للحلال أشد فراقا قلت فلم فرقت بين الأم والابنة وقد اجتمعنا في خصال وافترقنا في واحدة وجمعت بين الزنا والحلال وهو مفارق له عندك في أكثر أمره وعندنا في كل أمره ؟ فقال فإن صاحبنا قال يوجدكم الحرام يحرم الحلال ، قلت له في مثل ما اختلفنا [ ص: 167 ] فيه من أمر النساء ؟ قال لا ولكن في غيره من الصلاة والمأكول والمشروب والنساء قياس عليه قلت له أفتجيز لغيرك أن يجعل الصلاة قياسا على النساء والمأكول والمشروب ؟ قال أما في كل شيء فلا فقلت له الفرق لا يصلح إلا بخبر أو قياس على خبر لازم ، قلت فإن قال قائل فأنا أقيس الصلاة بالنساء والنساء بالمأكول والمشروب حيث تفرق وأفرق بينهما حيث تقيس فما الحجة عليه ؟ قال ليس له أن يفرق إلا بخبر لازم ، قلت ولا لك قال أجل قلت له وصاحبك قد أخطأ القياس إن قاس شريعة بغيرها وأخطأ لو جاز له في ذلك القياس قال وأين أخطأ ؟ قلت صف قياسه قال : قال الصلاة حلال والكلام فيها حرام فإذا تكلم فيها فسدت صلاته فقد أفسد الحلال بالحرام فقلت له لم زعمت أن الصلاة فاسدة لو تكلم فيها ؟ الصلاة لا تكون فاسدة ولكن الفاسد فعله لا هي ولكني قلت لا تجزئ عنك الصلاة ما لم تأت بها كما أمرت فلو زعمت أنها فاسدة كانت على غير معنى ما أفسدت به النكاح قال وكيف ؟ قلت أنا أقول له عد لصلاتك الآن فائت بها كما أمرت ولا أزعم أن حراما عليه أن يعود لها ولا أن كلامه فيها يمنعه من العودة إليها ولا تفسد عليه صلاته قبلها ولا بعدها ولا يفسدها إفساده إياها على غيره ولا نفسه قال وأنا أقول ذلك قلت وأنت تزعم أنه إذا قبل امرأة حرمت عليه أمها وابنتها أبدا قال أجل قلت وتحل له هي ؟ قال نعم قلت وتحرم على أبيه وابنه ؟ قال نعم قلت وهكذا قلت في الصلاة ؟ قال لا قلت أفتراهما يشتبهان ؟ قال أما الآن فلا وقد قال صاحبنا الماء حلال والخمر حرام فإذا صب الماء في الخمر حرم الماء والخمر فقلت له أرأيت إذا صببت الماء في الخمر أما يكون الماء الحلال مستهلكا في الحرام ؟ قال بلى قلت أفتجد المرأة التي قبلها للشهوة وابنتها كالخمر والماء ؟ قال وتريد ماذا ؟ قلت أتجد المرأة محرمة على كل أحد كما تجد الخمر محرمة على كل أحد ؟ قال : لا قلت أوتجد المرأة وابنتها تختلطان اختلاط الماء والخمر حتى لا تعرف واحدة منهما من صاحبتها كما لا يعرف الخمر من الماء ؟ قال لا قلت أفتجد القليل من الخمر إذا صب في كثير الماء نجس الماء ؟ قال لا قلت أفتجد قليل الزنا والقبلة للشهوة لا تحرم ويحرم كثيرها ؟ قال لا ولا يشبه أمر النساء الخمر والماء قلت فكيف قاسه بالمرأة ؟ ولو قاسه كان ينبغي أن يحرم المرأة التي قبلها وزنى بها وابنتها كما حرم الخمر والماء قال ما يفعل ذلك وما هذا بقياس قلت فكيف قبلت هذا منه ؟ قال ما وجدنا أحدا قط بين هذا لنا كما بينته ولو كلم صاحبنا بهذا لظننت أنه لا يقيم على قوله ولكنه عقل وضعف من كلمة قلت أفيجوز لأحد أن يقول في رجل يعصي الله في امرأة فيزني بها فلا يحرم الزنا عليه أن ينكحها وهي التي عصى الله فيها إذا أتاها بالوجه الذي أحله الله له وتحرم عليه ابنتها وهو لم يعص الله في ابنتها ؟ فهل رأيت قط عورة أبين من عورة هذا القول ؟ قال فالشعبي قال قولنا قلت فلو لم يكن في قولنا كتاب ولا سنة ولا ما أوجدناك من القياس والمعقول أكان قول الشعبي عندك حجة ؟ قال لا وقد روى عن عمران بن الحصين قلت من وجه لا يثبت ، قال نقل وروي عن ابن عباس قولنا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فرجع عن قولهم وقال الحق عندك والعدل في قولكم ولم يصنع أصحابنا شيئا والحجة علينا بما وصفت وأقام أكثرهم على خلاف قولنا والحجة عليهم بما وصفت ( قال ) فقال لي فاجمع في هذا قولا قلت إذا حرم الشيء بوجه استدللنا على أنه لا يحرم بالذي يخالفه كما إذا أحل شيء بوجه لم يحل بالذي يخالفه والحلال ضد الحرام والنكاح حلال والزنا ضد النكاح ألا ترى أنه يحل لك الفرج بالنكاح ولا يحل لك بالزنا الذي يخالفه ؟ فقال لي منهم [ ص: 168 ] قائل فإنا روينا عن وهب بن منبه قال مكتوب في التوراة ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها ( قال ) قلت له ولا يدفع هذا وأصغر ذنبا من الزاني بالمرأة وابنتها ، والمرأة بلا ابنة ملعون ، قد لعنت الواصلة والموصولة والمختفي ( قال الربيع ) المختفي النباش والمختفية ، فالزنا أعظم من هذا كله ولعله أن يكون ملعونا بالزنا بأحدهما وإن لم ينظر إلى فرج أم ولا ابنتها لأن الله تبارك وتعالى قد أوعد على الزنا ، ولو كنت إنما حرمته من أجل أنه ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها لم يجز أن تحرم على الرجل امرأته إن زنى بها أبوه فإنه لم ينظر مع فرج امرأته إلى فرج أمها ولا ابنتها ولو كنت حرمته لقوله ملعون لزمك مكان هذا في آكل الربا ومؤكله وأنت لا تمنع من أربى إذا اشترى بأجل أن يحل له غير السلعة التي أربى ولا إذا اختفى قبرا من القبور أن يحل له أن يحفر غيره ويحفر هو إذا ذهب الميت بالبلى قال أجل قلت فكيف لم تقل لا يمنع الحرام الحلال كما قلت في الذي أربى واختفى ؟
ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقال تبارك وتعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } الآية فنهى الله عز وجل في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين كما نهى عن إنكاح رجالهم ( قال ) وهاتان الآيتان تحتملان معنيين أن يكون أريد بهما مشركو أهل الأوثان خاصة فيكون الحكم فيهما بحاله لم ينسخ ولا شيء منه لأن الحكم في أهل الأوثان أن لا ينكح مسلم منهم امرأة كما لا ينكح رجل منهم مسلمة ( قال ) وقد قيل هذا فيها وفيما هو مثله عندنا والله أعلم به ( قال ) وتحتملان أن تكونا في جميع المشركين وتكون الرخصة نزلت بعدها في حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في ذبائح أهل الكتاب من بين المشركين خاصة قال الله تبارك وتعالى { أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } الآية وقال الله تبارك وتعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } إلى قوله { ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم } ( قال الشافعي ) رحمه الله فبهذا كله نقول لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح ولا يحل أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرة ولا من الإماء إلا مسلمة ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معا فيكون ناكحها لا يجد طولا لحرة ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها وهذا أشبه بظاهر الكتاب وأحب إلي لو ترك نكاح الكتابية وإن نكحها فلا بأس وهي كالحرة المسلمة في القسم لها والنفقة والطلاق والإيلاء والظهار والعدة وكل أمر غير أنهما لا يتوارثان وتعتد منه عدة الوفاة وعدة الطلاق وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة وكذلك الصبية ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف فأما الأمة المسلمة فإن نكحها وهو يجد طولا لحرة فسخ النكاح ولكنه إن لم يجد طولا ثم نكحها ثم أيسر لم يفسخ النكاح لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها ، ولو عقد نكاح حرة وأمة فقد قيل تثبت عقدة الحرة وعقدة الأمة مفسوخة وقد قيل : هي مفسوخة معا ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء قال لا يصلح نكاح الإماء اليوم لأنه يجد طولا إلى حرة .

( قال الشافعي ) فقال بعض الناس لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب ؟ فقلت استدلالا بكتاب الله عز وجل قال وأين ما استدللت منه ؟ فقلت قال الله تبارك [ ص: 169 ] وتعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } وقال { إذا جاءكم المؤمنات } الآية فقلنا نحن وأنتم لا يحل لمن لزمه اسم كفر نكاح مسلمة حرة ولا أمة بحال أبدا ولا يختلف في هذاأهل الكتاب وغيرهم من المشركين لأن الآيتين عامتان واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين ووجدنا الله عز وجل قال { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } فلم نختلف نحن وأنتم أنهن الحرائر من أهل الكتاب خاصة إذا خصص وتكون الإماء منهن من جملة المشركات المحرمات فقال إنا نقول قد يحل الله الشيء ويسكت عن غيره غير محرم لما سكت عنه وإذا أحل حرائرهم دل ذلك على إحلال إمائهم ودل ذلك على أنه عنى بالآيتين المشركين غيرهم من أهل الأوثان فقلت : أرأيت إن عارضك معارض بمثل حجتك التي قلت فقال وجدت في أهل الكتاب حكما مخالفا حكم أهل الأوثان فوجدت الله عز وجل أباح نكاح حرائر أهل الكتاب وإنما تقاس إماؤهم بحرائرهم فكذلك أنا أقيس رجالهم بنسائهم فأجعل لرجالهم أن ينكحوا المسلمات إذا كانوا خارجين من الآيتين قال ليس ذلك له والإرخاص في حرائر نسائهم ليس الإرخاص في أن ينكح رجالهم المسلمات ؟ قلت : فإن قال لك ولكنه في مثل معناه قياسا عليه قال ولا يكون عليه قياسا وإنما قصد بالتحليل عين من جملة محرمة قلت فهذه الحجة عليك لأن إماءهم غير حرائرهم كما رجالهم غير نسائهم وإنما حرائرهم مستثنون من جملة محرمة .

قال : قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم أن ينكح مسلمة .

قلت : فإجماعهم على ذلك حجة عليك لأنهم إنما حرموا ذلك بكتاب الله عز وجل فرخصوا في الحرائر بكتاب الله قال قد اختلفوا في الإماء من أهل الكتاب .

قلت : فإذا اختلفوا فالحجة عنده وعندك لمن وافق قوله معنى كتاب الله عز وجل ومن حرمهن فقد وافق معنى كتاب الله لأنهن من جملة المشركات وبرئوا من أن يكونوا من الحرائر المخصوصات بالتحليل ( قال ) وقلنا لا يحل نكاح أمة مسلمة إلا بأن لا يجد ناكحها طولا لحرة ولا تحل وإن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فيجتمع فيه المعنيان اللذان لهما أبيح له نكاح الأمة وخالفنا فقال : يحل نكاح الأمة بكل حال كما يحل نكاح الحرة فقال لنا ما الحجة فيه ؟ فقلت كتاب الله الحجة فيه .

والدليل على أن لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب مع ما وصفنا من الدلالة عليه ؟ فقلت له : قد حرم الله الميتة فقال { حرمت عليكم الميتة والدم } واستثنى إحلاله للمضطر أفيجوز لأحد أن يقول لما حلت الميتة بحال لواحد موصوف وهو المضطر حلت لمن ليس في صفته ؟ قال لا .

قلت وقد أمر الله تبارك وتعالى بالطهور وأرخص في السفر والمرض أن يقوم الصعيد مقام الماء لمن يعوزه الماء في السفر وللمريض مثل المحذور في السفر والحضر بغير إعواز أفيجوز لأحد أن يقول أجيز له التيمم في السفر على غير إعواز كما يجوز للمريض ؟ قال : لا يجوز أبدا إلا لمعوز مسافر وإذا أحل شيء بشرط لم يحلل إلا بالشرط الذي أحله الله تعالى به واحدا كان أو اثنين .

قلت : وكذلك حين أوجب عتق رقبة في الظهار ثم قال { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبة ؟ قال نعم : فقلت له قد أصبت : فإن كانت لك بهذا حجة على أحد لو خالفك فكذلك هي عليك في إحلالك نكاح إماء أهل الكتاب .

وإنما أذن الله تعالى في حرائرهم ونكاح إماء المؤمنين بكل حال وإنما أذن الله فيهن لمن لم يجد طولا ولمن يخاف العنت وما يلزمه في هذا أكثر مما وصفنا وفيما وصفت كفاية إن شاء الله تعالى .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 08-01-2023, 08:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (212)
صــــــــــ 170 الى صـــــــــــ 176



قال : فمن أصحابك من قال يجوز نكاح الإماء المسلمات بكل حال قلت فالحجة على من أجاز نكاح إماء المؤمنين بغير ضرورة الحجة عليك والقرآن يدل على أن لا يجوز نكاحهن إلا بمعنى الضرورة إلا أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت فمن [ ص: 170 ] وافق قوله كتاب الله عز وجل كان معه الحق .

باب التعريض في خطبة النكاح ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم } الآية ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عز وجل { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } أنه يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها إنك علي لكريمة وأني فيك لراغب فإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول .

( قال الشافعي ) كتاب الله يدل على أن التعريض في العدة جائز لما وقع عليه اسم التعريض إلا ما نهى الله عز وجل عنه من السر وقد ذكر القاسم بعضه والتعريض كثير واسع جائز كله وهو خلاف التصريح وهو ما يعرض به الرجل للمرأة مما يدلها على أنه أراد به خطبتها بغير تصريح والسر الذي نهى الله عنه - والله أعلم - يجمع بين أمرين أنه تصريح والتصريح خلاف التعريض وتصريح بجماع وهذا كأقبح التصريح فإن قال قائل : ما دل على أن السر الجماع ؟ قيل فالقرآن كالدليل عليه إذا أباح التعريض والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية فإذا كان هذا فلا يجوز أن يتوهم أن السر سر التعريض ولا بد من معنى غيره وذلك المعنى الجماع وقال امرؤ القيس :
ألا زعمت بسباسة القوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي كذبت لقد أصبى على المرء عرسه
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
وقال جرير يرثي امرأته :
كانت إذا هجر الخليل فراشها خزن الحديث وعفت الأسرار
( قال الشافعي ) فإذا علم أن حديثها مخزون فخزن الحديث أن لا يباح به سرا ولا علانية فإذا وصفها فلا معنى للعفاف غير الإسرار والإسرار الجماع .

ما جاء في الصداق ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقال عز وجل { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } وقال { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } وقال { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } وقال { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم } الآية وقال { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وقال { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } فأمر الله الأزواج أن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والأجر هو الصداق والصداق هو الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بالصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه نفسه ولا يكون له حبس لشيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن [ ص: 171 ] يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل ، ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم إلا بأن يلزمه المرء نفسه أو يدخل بالمرأة وإن لم يسم لها مهرا فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاها أن يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب الله أو سنة أو إجماع فاستدللنا بقول الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } على أن عقدة النكاح تصح بغير فريضة صداق .

وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من تصح عقدة نكاحه ، وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت بهذا دليل على أن الخلاف بين النكاح والبيوع ، البيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير مهر وإذا جاز أن ينعقد بغير مهر فيثبت استدلالنا على أن العقدة تصح بالكلام وأن الصداق لا يفسد عقدة النكاح أبدا وإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام ثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت على أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية وبقول الله عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } يريد - والله تعالى أعلم - بالنكاح والمسيس بغير مهر على أنه ليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح فيمس إلا لزمه مهر مع دلالة الآي قبله .

ودل قول الله تبارك وتعالى { وآتيتم إحداهن قنطارا } على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهي عن القنطار وهو كثير وتركه حدا للقليل ودلت عليه السنة والقياس على الإجماع فنقول أقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس مما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل وما دل على ذلك ؟ قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أدوا العلائق قيل وما العلائق يا رسول الله ؟ قال ما تراضى عليه الأهلون } ولا يقع اسم علق إلا على ما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه .

( قال الشافعي ) والقصد في المهر أحب إلينا وأستحب أن لا يزيد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم . طلب البركة في كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها : كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش قالت أتدري ما النش ؟ قلت : لا قالت نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم فذاك صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك شيء تصدقها إياه ؟ فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك قال فالتمس شيئا قال ما أجد شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد } .

( قال الشافعي ) فالخاتم من الحديد لا يسوى درهما ولا قريبا منه ولكن له ثمن قدر ما يتبايع به الناس على ما وصفنا في الذي قبل هذا ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن حميد عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة .

[ ص: 172 ] باب الخلاف في الصداق ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولما ذكر الله عز وجل الصداق غير موقت واختلف الصداق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع وانخفض وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ما وصفنا من خاتم الحديد وقال ما تراضى به الأهلون ، ورأينا المسلمين قالوا في التي لا يفرض لها إذا أصيبت لها مهر مثلها استدللنا على أن الصداق ثمن من الأثمان والثمن ما تراضى به من يجب له ومن يجب عليه من ماله من قل أو كثر فعلمنا أن كل ما كانت له قيمة قلت أو كثرت فتراضى به الزوجان كان صداقا وخالفنا بعض الناس في هذا فقال لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وسألنا عن حجتنا بما قلنا فذكرنا له ما قلنا من هذا القول فيما كتبنا وقلنا بأي شيء خالفتنا ؟ قال روينا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وذلك ما تقطع فيه اليد قلت قد حدثناك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ثابتا وليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة وحديثك عمن حدثت عنه لو كان ثابتا لم يكن فيه حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وليس بثابت ؟ قال فيقبح أن نبيح فرجا بشيء تافه ؟ قلنا أرأيت رجلا لو اشترى جارية بدرهم أيحل له فرجها ؟ قال نعم قلت فقد أحللت الفرج بشيء تافه وزدت مع الفرج رقبة وكذلك تبيح عشر جوار بدرهم في البيع وقلت له أرأيت شريفا ينكح امرأة دنية سيئة الحال بدرهم أدرهم أكثر لها على قدرها وقدره أو عشرة دراهم لامرأة شريفة جميلة فاضلة من رجل دنيء صغير القدر ؟ قال بل عشرة لهذه لقدرها أقل قلت : فلم تجيز لها التافه في قدرها ؟ وأنت لو فرضت لها مهرا فرضته الأقل ولو فرضت لأخرى لم تجاوز بها عشرة دراهم لأن ذلك كثير لها ولا يجاوز به مهر مثلها قال رضيت به قلت فلو كان أقل من مهر مثلها مائة مرة أجزته لها وعليها ؟ قال نعم قلت أليس لأنها رضيت به ؟ قال بلى قلت قد رضيت الدنيئة بدرهم وهو لها بقدرها أكثر فزدتها عليه تسعة دراهم قلت أرأيت لو قال لك قائل : لو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فرضيت بمائة ألحقتها بمهر مثلها ، ولو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فأصدقها رجل عشرة آلاف رددتها إلى ألف حتى يكون الصداق مؤقتا على ألف قدر مهر مثلها ؟ قال ليس ذلك له قلت وتجعله ههنا كالبيوع تجيز فيه التغابن لأن الناكح رضي بالزيادة والمنكوحة رضيت بالنقصان وأجزت على كل ما رضي به ؟ قال نعم .

قلت : فكذلك لو نكحت بغير مهر فأصابها جعلت لها مهر مثلها عشرة كان أو ألفا ؟ قال نعم قلت فأسمعك تشبه المهر بالبيع في كل شيء بلغ عشرة دراهم وتجيز فيه ما تراضيا عليه ثم ترده إلى مهر مثلها إذا لم يكن بصداق وتفرق بينه وبين البيوع في أقل من عشرة دراهم فتقول إذا رضيت بأقل من عشرة دراهم رددتها حتى أبلغ بها عشرة والبيع عندك إذا رضي فيه بأقل من درهم أجزته قلت أرأيت لو قال لك قائل : لا أراك قمت من الصداق على شيء يعتدل فيه قولك فأرجع بك في الصداق إلى أن الله عز وجل قال : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا } وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواء فلم يجد فيه حدا فتجعل الصداق قنطارا لا أنقص منه ولا أزيد عليه .

قال ليس ذلك له لأن الله عز وجل لم يفرضه على الناس وأن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق أقل منه وأصدق في زمانه وأجاز أقل منه فقلنا قد أوجدناك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز في الصداق أقل من عشرة دراهم فتركته وقلت بخلافه وقلت ما تقطع فيه اليد وما لليد والمهر وقلت أرأيت لو قال قائل أحد الصداق ولا أجيز أن يكون أقل من مهر النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 173 ] خمسمائة درهم أو قال هو ثمن للمرأة لا يكون أقل من خمسمائة درهم أو قال في البكر كالجناية ففيه أرش جائفة أو قال لا يكون أقل مما تجب فيه الزكاة وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا ما الحجة عليه ؟ قال ليس المهر من هذا بسبيل قلت أجل ولا مما تقطع فيه اليد بل بعض هذا أولى أن يقاس عليه مما تقطع فيه اليد إن كان هذا منه بعيدا .

باب ما جاء في النكاح على الإجارة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الصداق ثمن من الأثمان فكل ما يصلح أن يكون ثمنا صلح أن يكون صداقا وذلك مثل أن تنكح المرأة إلى الرجل على أن يخيط لها الثوب ويبني لها البيت ويذهب بها البلد ويعمل لها العمل فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قيل إذا كان المهر ثمنا كان في معنى هذا وقد أجازه الله عز وجل في الإجارة في كتابه وأجازه المسلمون وقال الله عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقال عز وجل { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وذكر قصة شعيب وموسى صلى الله عليهما وسلم في النكاح فقال { قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } الآية وقال { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا } قال ولا أحفظ من أحد خلافا في أن ما جازت عليه الإجارة جاز أن يكون مهرا فمن نكح بأن يعمل عملا فعمله كله ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف قيمة العمل ومن لم يعمله ثم طلق قبل الدخول عمل نصفه فإن فات المعمول بأن يكون ثوبا فهلك كان للمرأة مثل نصف أجر خياطة الثوب أو عمله ما كان ( قال الربيع ) رجع الشافعي رحمه الله فقال يكون لها نصف مهر مثلها غير أن بعض الناس قال يجوز هذا في كل شيء غير تعليم الخير فإنه لا أجر على تعليم الخير ، ولو نكح رجل امرأة على أن يعلمها خيرا كان لها مهر مثلها لأنه لا يصلح أن يستأجر رجل رجلا على أن يعلمه خيرا قرآنا ولا غيره ، ولو صلح هذا كان تعليم الخير كخياطة الثوب يجوز النكاح عليه ويكون القول فيه كالقول في خياطة الثوب إذا علمها الخير وطلقها رجع عليها بنصف أجر تعليم ذلك الخير وإن طلقها قبل أن يعلمها رجعت عليه بنصف أجر تعليم ذلك الخير لأنه ليس له أن يخلو بها ويعلمها وهذا قول صحيح على السنة والقياس معا لو تابعنا في تجويز الأجر على تعليم الخير ( رجع الشافعي فقال لها مهر مثلها ) قال الربيع للشافعي قول آخر : إذا تزوجها على أن يخيط لها ثوبا بعينه أو يعطيها شيئا بعينه فطلقها قبل أن يدخل بها فهلك الثوب قبل أن يخيطه أو هلك الشيء الذي بعينه رجعت عليه بنصف صداق مثلها .

واحتج بأن من اشترى شيئا بدينار فهلك الشيء قبل أن يقبضه رجع بديناره فأخذه فهذه المرأة إنما ملكت خياطة الثوب ببضعها فلما هلك الثوب قبل أن تقبضه فلم يقدر على خياطته رجعت عليه بما ملكت به الخياطة وهو بضعها وهو الثمن الذي اشترت به الخياطة ( قال الربيع ) وهذا أصح القولين وهو آخر قولي الشافعي رحمه الله تعالى .

باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي : قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن [ ص: 174 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } .

( قال الشافعي ) وهذان الحديثان يحتملان أن يكون الرجل منهما إذا خطب غيره امرأة أن لا يخطبها حتى تأذن أو يترك رضيت المرأة الخاطب أو سخطته ويحتمل أن يكون النهي عنه إنما هو عند رضا المخطوبة وذلك أنه إذا كان الخاطب الآخر أرجح عندها من الخاطب الأول الذي رضيته تركت ما رضيت به الأول فكان هذا فسادا عليه وفي الفساد ما يشبه الإضرار به والله تعالى أعلم فلما احتمل المعنيين وغيرهما كان أولاهما أن يقال به ما وجدنا الدلالة توافقه فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أنهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا كانت المرأة راضية ( قال ) ورضاها إن كانت ثيبا أن تأذن بالنكاح بنعم وإن كانت بكرا أن تسكت فيكون ذلك إذنها وقال لي قائل أنت تقول : الحديث على عمومه وظهوره وإن احتمل معنى غير العام والظاهر حتى تأتي دلالة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر قلت : فكذلك أقول قال فما منعك أن تقول في هذا الحديث { لا يخطب الرجل على خطبة أخيه } وإن لم تظهر المرأة رضا أنه لا يخطب حتى يترك الخطبة فكيف صرت فيه إلى ما لا يحتمله الحديث باطنا خاصا دون ظاهر عام ؟ قلت بالدلالة قال وما الدلالة ؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة فكرهته فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله لي فيه خيرا واغتبطت به } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فقلت له قد أخبرته فاطمة أن رجلين خطباها ولا أحسبهما يخطبانها إلا وقد تقدمت خطبة أحدهما خطبة الآخر لأنه قل ما يخطب اثنان معا في وقت فلم تعلمه قال لها ما كان ينبغي لك أن يخطبك واحد حتى يدع الآخر خطبتك ولا قال ذلك لها وخطبها هو صلى الله عليه وسلم على غيرهما ولم يكن في حديثها أنها رضيت واحدا منهما ولا سخطته وحديثها يدل على أنها مرتادة ولا راضية بهما ولا بواحد منهما ومنتظرة غيرهما أو مميلة بينهما فلما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة ونكحته دل على ما وصفت من أن الخطبة واسعة للخاطبين ما لم ترض المرأة ( قال الشافعي ) وقال أرأيت إن قلت هذا مخالف حديث { لا يخطب المرء على خطبة أخيه } وهو ناسخ له ؟ فقلت له أويكون ناسخ أبدا إلا ما يخالفه الخلاف الذي لا يمكن استعمال الحديثين معا ؟ قال لا قلت أفيمكن استعمال الحديثين معا على ما وصفت من أن الحال التي يخطب المرء على خطبة أخيه بعد الرضا مكروهة وقبل الرضا غير مكروهة لاختلاف حال المرأة قبل الرضا وبعده ؟ قال نعم .

قلت له فكيف يجوز أن يطرح حديث وقد يمكن أن لا يخالفه ولا يدري أيهما الناسخ أرأيت إن قال قائل : حديث فاطمة الناسخ ولا بأس أن يخطب الرجل المرأة بكل حال ما حجتك عليه إلا مثل حجتك على من خالفك فقال أنت ونحن نقول إذا احتمل الحديثان أن يستعملا لم يطرح أحدهما بالآخر فأبن لي ذلك قلت له { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده وأرخص في أن يسلف في الكيل المعلوم إلى أجل معلوم } وهذا بيع ما ليس عند البائع فقلت النهي عن بيع ما ليس عندك بعينه غير مضمون عليك فأما المضمون فهو بيع صفة فاستعملنا الحديثين معا قال هكذا نقول قلت هذه حجة عليك قال فإن صاحبنا قال لا يخطب رضيت [ ص: 175 ] أو لم ترض حتى يترك الخاطب .

قلت : فهذا خلاف الحديث ضرر على المرأة في أن يكف عن خطبتها حتى يتركها من لعله يضارها ولا يترك خطبتها أبدا قال هذا أحسن مما قال أصحابنا وأنا أرجع إليه ولكن قد قال غيرك لا يخطبها إذا ركنت وجاءت الدلالة على الرضا بأن تشترط لنفسها فكيف زعمت بأن الخاطب لا يدع الخطبة في هذه الحال ولا يدعها حتى تنطق الثيب بالرضا وتسكت البكر ؟ فقلت له لما وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد خطبة أبي جهيم ومعاوية فاطمة ويخطبها على أسامة على خطبتهما لم يكن للحديث مخرج إلا ما وصفت من أنها لم تذكر رضا ولم يكن بين النطق بالرضا والسكوت عنه عند الخطبة منزلة مباينة لحالها الأولى عند الخطبة فإن قلت الركون والاشتراط ؟ قلت له أويجوز للولي أن يزوجها عند الركون والاشتراط ؟ قال : لا حتى تنطق بالرضا إن كانت ثيبا وتسكت إن كانت بكرا ، فقلت له أرى حالها عند الركون وبعد غير الركون بعد الخطبة سواء لا يزوجها الولي في واحدة منهما قال أجل ولكنها راكنة مخالفة حالها غير راكنة ، قلت أرأيت إذا خطبها فشتمته وقالت لست لذلك بأهل وحلفت لا تنكحه ثم عاود الخطبة فلم تقل : لا ولا نعم أحال الأخرى مخالفة لحالها الأولى ؟ قال : نعم قلت أفتحرم خطبتها على المعنى الذي ذكرت لاختلاف حالها ؟ قال : لا لأن الحكم لا يتغير في جواز تزويجها إنما تستبين في قولك إذا كشف ما يدل على أن الحالة التي تكف فيها عن الرضا غير الحال التي تنطق فيها بالرضا حتى يجوز للولي تزويجها فيها قال هذا أظهر معانيها ، قلت فأظهرها أولاها بنا وبك .

ما جاء في نكاح المشرك ( قال الشافعي ) قال الله جل وعز { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } فانتهى عدد ما رخص فيه للمسلمين إلى أربع لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع إلا ما خص الله به رسوله صلى الله عليه وسلم دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن ومن النكاح بغير مهر فقال عز وعلا { خالصة لك من دون المؤمنين } ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقة أحسبه إسماعيل بن إبراهيم " شك الشافعي " عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه { أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا وفارق سائرهن } ( قال الشافعي ) أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحارث عن { نوفل بن معاوية الديلمي : قال أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال فارق واحدة وأمسك أربعا فعمدت إلى أقدمهن عندي عجوزا عاقرا منذ ستين سنة ففارقتها } ، أخبرنا الشافعي قال أخبرني ابن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله عن أبي وهب الجيشاني عن أبي خراش { عن الديلمي أو ابن الديلمي قال أسلمت وتحتي أختان فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسك أيتهما شئت وأفارق الأخرى } ( قال الشافعي ) فبهذا نقول إذا أسلم المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك منهن أربعا أيتهن شاء وفارق سائرهن لأنه لا يحل له غير ذلك لقول الله عز وجل وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يجمع بين أكثر من أربع نسوة في الإسلام .

( قال الشافعي ) ولا أبالي كن في عقدة واحدة أو عقد متفرقة أو أيتهن فارق الأولى ممن نكح أم الآخرة إذا كان من يمسك منهن غير ذات محرم يحرم عليه في الإسلام أن يبتدئ نكاحها بكل وجه وذلك مثل أن يسلم وعنده أختان فلا بد أن يفارق [ ص: 176 ] أيتهما شاء لأن محرما بكل وجه أن يجمع بينهما في الإسلام ومثله أن يكون نكح امرأة وابنتها فأصابهما فيحرم أن يبتدئ نكاح واحدة منهما في الإسلام وقد أصابهما بالنكاح الذي قد يجوز مثله .

ولو نكح أختين معا ولم يدخل بواحدة منهما قلت له فارق أيتهما شئت وأمسك الأخرى ولا أنظر في ذلك إلى أيتهما نكح أولا وهذا القول كله موافق لمعنى السنة والله أعلم ولو أسلم رجل وعنده يهودية أو نصرانية كانا على النكاح لأنه يحل له نكاح واحدة منهما وهو مسلم ولو أسلم وعنده وثنية أو مجوسية لم يكن له إصابتها إلا أن تسلم قبل أن تنقضي العدة وله وطء اليهودية والنصرانية بالملك ، وليس له وطء وثنية ولا مجوسية بملك إذا لم يحل له نكاحها لم يحل له وطؤها وذلك للدين فيهما ولا أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وطئ سبية عربية حتى أسلمت وإذ { حرم النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم أن يطأ امرأة وثنية حتى تسلم في العدة } دل ذلك على أن لا توطأ من كانت على دينها حتى تسلم من حرة أو أمة .
باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) قال لي بعض الناس ما حجتك أن يفارق ما زاد على أربع وإن فارق اللاتي نكح أولا ولم تقل يمسك الأربع الأوائل ويفارق سائرهن ؟ فقلت له بحديث الديلمي وحديث نوفل بن معاوية قال أفرأيت لو لم يكن ثابتا أو كانا غير ثابتين أيكون لك في حديث ابن عمر حجة ؟ قلت نعم وما علي فيما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال هل فيه حجة غيره بل علي وعليك التسليم وذلك طاعة الله عز وجل قال هذا كله كما قلت وعلينا أن نقول به إن كان ثابتا قلت إن كنت لا تثبت مثله وأضعف منه فليس عليك حجة فيه فاردد ما كان مثله قال فأحب أن تعلمني هل في حديث ابن عمر حجة لو لم يأت غيره ؟ قلت : نعم قال وأين هي ؟ قلت : لما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم غيلان أنه لا يحل له أن يمسك أكثر من أربع ولم يقل له : الأربع الأوائل استدللنا على أنه لو بقي فيما يحل له ويحرم عليه معنى غيره علمه إياه لأنه مبتدئ للإسلام لا علم له قبل إسلامه فيعلم بعضا ويسكت له عما يعلم في غيره قال أوليس قد يعلمه الشيئين فيؤدي أحدهما دون الآخر ؟ قلت : بلى قال فلم جعلت هذا حجة وقد يمكن فيه ما قلت ؟ قلت له في حديث النبي صلى الله عليه وسلم شيئان أحدهما العفو عما فات من ابتداء عقدة النكاح ومن يقع عليه النكاح من العدد فلما لم يسأل عما وقع عليه العقد أولا ولم يسأل عن أصل عقدة نكاحهن .

وكان أهل الأوثان لا يعقدون نكاحا إلا نكاحا لا يصلح أن يبتدأ في الإسلام فعفاه وإذا عفا عقدا واحدا فاسدا لأنه فائت في الشرك فسواء كل عقد فاسد فيه بأن ينكح بغير ولي وبغير شهود وما أشبه ذلك مما لا يجوز ابتداؤه في الإسلام فأكثر ما في النكاح الزوائد على الأربع في الشرك بأن يكون نكاحهن فاسدا كفساد ما وصفنا فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفو عن ذلك لكل من أسلم من أهل الشرك ويقرهم على نكاحهم وإن كان فاسدا عندنا فكذلك إن أراد أن يحبس ما عقد بعد الأربع في الشرك يجوز ذلك له لأن أكثر حالاتهن أن يكون نكاحهن فاسدا ولا شيء أولى أن يشبه بشيء من عقد فاسد يعفى عنه بعقد يعفى عنه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #213  
قديم 08-01-2023, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (213)
صــــــــــ 177 الى صـــــــــــ 183







ولو لم [ ص: 177 ] يكن في هذا حجة غير هذا لاكتفى بها فكيف ومعه تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه وترك مسألته عن الأوائل والأواخر كما ترك مسألة من أسلم من أهل الشرك عن نكاحه ليعلم أفاسد أم صحيح وهو معفو يجوز كله والآخر أنه حظر عليه في الإسلام ما لا يجوز أن يجاوز بعده أربعا ومن الجمع بين الأختين فحكم في العقد بفواته في الجاهلية حكم ما قبض من الربا قال الله تعالى { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله في أن لم يرد ما قبض من الربا لأنه فات ورد ما لم يقبض منه لأن الإسلام أدركه غير فائت فكذلك حكم الله عز وجل في عقد النكاح في الجاهلية إن لم يرده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه فات إنما هو شيء واحد لا يتبعض فيجاز بعضه ويرد بعضه وحكم فيمن أدركه الإسلام من النساء عقدة حكم الإسلام فلم يجز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا أن يجمع بين الأختين لأن هذا غير فائت أدركهن الإسلام معه كما أدرك ما لم يفت من الربا بقبض .

قال أفتوجدني سوى هذا ما يدل على أن العقدة في النكاح تكون كالعقدة في البيوع ، والفوت مع العقدة ؟ فقلت فيما أوجدتك كفاية قال : فاذكر غيره إن علمته قلت أرأيت امرأة نكحتها بغير مهر فأصبتها أو بمهر فاسد ؟ قال فلها مهر مثلها والنكاح ثابت لا ينفسخ قلت له ولو عقدت البيع بغير ثمن مسمى أو ثمن محرم رد البيع إن وجد فإن هلك في يديك كان عليك قيمته ؟ قال نعم قلت : أفتجد عقد النكاح ههنا أخذ كعقد البيع يربونه ؟ قال نعم قلت فما منعك في عقد النكاح في الجاهلية أن تقول هو كفائت ما اقتسموا عليه وقبضوا القسم وما أربوا فمضى قبضه ولا أرده ، وقلت أرأيت قولك انظر إلى العقدة فإن كانت لو ابتدئت في الإسلام جازت أجزتها وإن كانت لو ابتدئت في الإسلام ردت رددتها أما ذلك فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن الديلمي ونوفل بن معاوية ما قطع عنك موضع الشك قال فإنما كلمتك على حديث الزهري لأن جملته قد يحتمل أن يكون عاما على ما وصفت وإن لم يكن عاما في الحديث فقلت له : هذا لو كان كان أشد عليك ولو لم يكن فيه إلا حديث ابن عمر ولم يكن في حديث ابن عمر دلالة كنت محجوجا على لسانك مع أن في حديث ابن عمر دلالة عندنا على قولنا والله أعلم قال : فأوجدني ما يدل على خلاف قولي لو لم يكن في حديث ابن عمر دلالة بينة قلت أرأيت رجلا ابتدأ في الإسلام نكاحا بشهادة أهل الأوثان أيجوز ؟ .

قال لا ولا بشهادة أهل الذمة لأنهم لا يكونون شهداء على المسلمين قلت : أفرأيت غيلان بن سلمة أمن أهل الأوثان كان قبل الإسلام ؟ .

قال : نعم قلت أفرأيت أحسن ما كان عنده أليس أن ينكح بشهادة أهل الأوثان ؟ قال بلى قلت : فإذا زعمت أن يقر مع أربع وأحسن حاله فيهن أن يكون نكاحهن بشهادة أهل الأوثان أما خالفت أصل قولك ؟ قال إن هذا ليلزمني ، قلت : فلو لم يكن عليك حجة غيره كنت محجوجا مع أنا لا ندري لعلهم كانوا ينكحون بغير ولي وبغير شهود وفي العدة : قال إن هذا ليمكن فيهم ويروى عنهم أنهم كانوا ينكحون بغير شهود وفي العدة قال أجل ولكن لم أسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كيف سألهم أصل نكاحهم قلت أفرأيت إن قال لك قائل كما قلت لنا قد يجوز أن يكون سألهم ولم يؤد إليك في الخبر قال إذا يكون ذلك له علي قلت له أفتجد بدا من أن يكون لما لم يؤد في الخبر أنه سألهم عن أصل العقدة كان ذلك عفوا عن العقدة لأنها لا تكون لأهل الأوثان إلا على ما يصلح أن يبتدئها في الإسلام مسلم أو تكون تقول في العقدة قولك في عدد النساء أنه يفرق بينه وبين من تحرم بكل وجه عليه فتقول يبتدئون معا للنكاح في الإسلام قال لا أقوله قلت وما منعك أن تقوله ؟ أليس بأن السنة دلت على أن العقدة معفوة لهم ؟ قال بلى ، قلت : وإذا كانت [ ص: 178 ] معفوة لم ينظر إلى فسادها كما لا ينظر إلى فساد نكاح من لا يجوز نكاحه ولا الجمع بينه ولا ما جاوزت أربعا قال والعقدة مخالفة لهذا قال قلت فكيف جمعت بين المختلف ونظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر إليه أخرى ؟ فرجع بعضهم إلى قولنا قال يمسك أربعا أيتهن شاء ويفارق سائرهن وعاب قول أصحابه وقال نحن نفرق بين ما لا يتفرق في العقول بقول الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف إذا جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي ألزمناه الله تبارك وتعالى ولكن حد لي فيه حدا .

قلت في نكاح الشرك شيئان عقدة وما يحرم مما تقع عليه العقدة بكل وجه ومجاوزة أربع فلما رد النبي صلى الله عليه وسلم ما جاوز أربعا دل على أنه يرد ذوات المحارم على الناكح وذلك في كتاب الله عز وجل ولما لم يسأل عن العقدة علمت أنه عفا عن العقدة فعفونا عما عفا عنه وانتهينا عن إفساد عقدها إذا كانت المعقود عليها ممن تحل بحال ولولا ذلك رددنا نكاح أهل الأوثان كله وقلنا ابتدئوه في الإسلام حتى يعقد بما يحل في الإسلام .

باب نكاح الولاة والنكاح بالشهادة ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } وقال في الإماء { فانكحوهن بإذن أهلهن } وقال عز وجل { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } .

( قال الشافعي ) رحمه الله فهذه الآية أبين آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها فإن قال قائل ترى ابتداء الآية مخاطبة الأزواج لأن الله تبارك وتعالى يقول { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } فدل على أنه إنما أراد غير الأزواج من قبل أن الزوج إذا انقضت عدة المرأة ببلوغ أجلها لا سبيل له عليها فإن قال قائل فقد يحتمل قوله { فبلغن أجلهن } إذا شارفن بلوغ أجلهن لأن القول للأزواج { فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } نهيا أن يرتجعها ضرارا ليعضلها فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى لأنها لا تحتمله لأن المرأة المشارفة بلوغ أجلها ولم تبلغه لا يحل لها أن تنكح وهي ممنوعة من النكاح بآخر العدة كما كانت ممنوعة منه بأولها فإن الله عز وجل يقول { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا } فلا يؤمر بأن يحل إنكاح الزوج إلا من قد حل له الزوج وقال بعض أهل العلم إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار زوج أخته فطلقها زوجها فانقضت عدتها فأراد زوجها أو أرادت أن يتناكحا فمنعه معقل بن يسار أخوها وقال زوجتك أختي وآثرتك على غيرك ثم طلقتها فلا أزوجكها أبدا فنزلت { فلا تعضلوهن } وفي هذه الآية الدلالة على أن النكاح يتم برضا الولي والمنكحة والناكح وعلى أن على الولي أن لا يعضل فإذا كان عليه أن لا يعضل فعلى السلطان التزويج إذا عضل لأن من منع حقا فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه وإعطاؤه عليه والسنة تدل على ما دل عليه القرآن وما وصفنا من الأولياء والسلطان .

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له } .

( قال الشافعي ) رحمه الله ففي [ ص: 179 ] سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالات منها أن للولي شركا في بضع المرأة ولا يتم النكاح إلا به ما لم يعضلها ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملكه وهو معنى فضل نظر بحياطة الموضع أن ينال المرأة من لا يساويها وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى الأكفاء والله أعلم ويحتمل أن تدعو المرأة الشهوة إلى أن تصير إلى ما لا يجوز من النكاح فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير ولي فهي منفسخة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكاحها باطل والباطل لا يكون حقا إلا بتجديد نكاح غيره ولا يجوز لو أجازه الولي أبدا لأنه إذا انعقد النكاح باطلا لم يكن حقا إلا بأن يعقد عقدا جديدا غير باطل وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر ودرئ الحد لأنه لم يذكر حدا وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة وكان البعل رضا فإذا منع ما عليه زوج السلطان كما يعطي السلطان ويأخذ ما منع مما عليه ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع عن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } .

قال الشافعي ففي هذا الحديث دلالة على الفرق بين البكر والثيب في أمرين أحدهما ما يكون فيه إذنهما وهو أن إذن البكر الصمت فإذا كان إذنها الصمت فإذن التي تخالفها الكلام لأنه خلاف الصمت وهي الثيب والثاني أن أمرهما في ولاية أنفسهما لأنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي والولي ههنا الأب والله أعلم دون الأولياء ومثل هذا حديث { خنساء بنت خذام حين زوجها أبوها ثيبا وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه } والبكر مخالفة لها حين اختلف في أصل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خالفتها كان الأب أحق بأمرها من نفسها فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل اللفظ بالحديث يدل على فرق بينهما إذ قال الثيب أحق بنفسها وأمر في البكر أن تستأذن ولو كانتا معا سواء كان اللفظ هما أحق بأنفسهما وإذن البكر الصمت وإذن الثيب الكلام فإن قال قائل فقد أمر باستئمارها فاستئمارها يحتمل أن لا يكون للأب تزويجها إلا بأمرها ويحتمل أن تستأمر على معنى استطابة نفسها وأن تطلع من نفسها على أمر لو أطلعته لأب كان شبيها أن ينزهها بأن لا يزوجها فإن قال قائل فلم قلت يجوز نكاحها وإن لم يستأمرها قيل له بما وصفت من الاستدلال بفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب إذ قال { الأيم أحق بنفسها من وليها } ثم قال { والبكر تستأذن في نفسها } فلا يجوز عندي إلا أن يفرق حالهما في أنفسهما ولا يفرق حالهما في أنفسهما إلا بما قلت من أن للأب على البكر ما ليس له على الثيب كما استدللنا إذ قال في البكر وإذنها صماتها ولم يقل في الثيب إذنها الكلام على أن إذن الثيب خلاف البكر ولا يكون خلاف الصمت إلا النطق بالإذن قال فهل على ما وصفت من دلالة قيل نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن { عائشة رضي الله عنها قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا بنت تسع سنين } .

( قال الشافعي ) زوجه إياها أبوها فدل ذلك على أن أبا البكر أحق بإنكاحها من نفسها لأن ابنة سبع سنين وتسع لا أمر لها في نفسها وليس لأحد غير الآباء أن يزوجوا بكرا حتى تبلغ ويكون لها أمر في نفسها فإن قال قائل فلم لا تقول في ولي غير الأب له أن يزوج البكر وإن لم تأذن وجعلتها فيمن بقي من الأولياء بمنزلة الثيب ؟ قلت فإن الولي الأب الكامل بالولاية كالأم الوالدة وإنما تصير الولاية بعد الأب لغيره بمعنى فقده أو إخراجه نفسه من الولاية بالعضل كما تصير الأم غير الأم كالوالدة بمعنى رضاع أو نكاح أب أو ما يقع عليه اسم الأم لأنها إذا قيل أم كانت الأم التي تعرف الوالدة ألا ترى أن لا ولاية [ ص: 180 ] لأحد مع أب ومن كان وليا بعده فقد يشركه في الولاية غير الإخوة ، وبنو العم مع المولى يكونون شركاء في الولاية ولا يشرك الأب أحدا في الولاية بانفراده بالولاية بما وجب له من اسم الأبوة مطلقا له دون غيره كما أوجب للأم الوالدة اسم الأم مطلقا لها دون غيرها فإن قال قائل فإنما يؤمر بالاستئمار من له أمر في نفسه يرد عنه إن خولف أمره وسأل عن الدلالة على ما قلنا من أنه قد يؤمر بالاستئمار من لا يحل محل أن يرد عنه خلاف ما أمر به فالدلالة عليه أن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم { فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر } فإنما افترض عليهم طاعته فما أحبوا وكرهوا وإنما أمر بمشاورتهم والله أعلم لجمع الألفة وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس له من الأمر ما له وعلى أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن يشاوروا لا على أن لأحد من الآدميين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرده عنده إذا عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمر به والنهي عنه ألا ترى إلى قوله عز وجل { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .

وقال عز وجل { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } وقوله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته فيها } ولا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر ولكن على معنى استطابة النفس وما وصفت أولا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت لأن ابنة نعيم لو كان لها أن ترد أمر أبيها وهي بكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسألتها فإن أذنت جاز عليها وإن لم تأذن رد عنها كما رد عن خنساء بنت خدام ولو كان نعيم استأذن ابنته وكان شبيها أن لا يخالف أمها ولو خالفها أو تفوت عليها فكان نكاحها بإذنها كانت أمها شبيها أن لا تعارض نعيما في كراهية إنكاحها من رضيت ولا أحسب أمها تكلمت إلا وقد سخطت ابنتها أو لم تعلمها رضيت ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن حارثة { عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها } .

( قال الشافعي ) رحمه الله وهذا موافق قول النبي صلى الله عليه وسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها } والدليل على ما قلنا من أن ليس للمرأة أن تنكح إلا بإذن ولي ولا للولي أن يزوجها إلا بإذنها ولا يتم نكاح إلا برضاهما معا ورضا الزوج ( قال الشافعي ) وروي عن الحسن بن أبي الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل } وهذا وإن كان منقطعا دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقول به ويقول الفرق بين النكاح والسفاح الشهود ( قال الشافعي ) وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنكاح يثبت بأربعة أشياء الولي ورضا المنكوحة ورضا الناكح وشاهدي عدل إلا ما وصفنا من البكر يزوجها الأب والأمة يزوجها السيد بغير رضاهما فإنهما مخالفان ما سواهما وقد تأول فيها بعض أهل العلم قول الله عز وجل { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وقال الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وقد خالفه غيره فيما تأول وقال هو الزوج يعفو فيدع ماله من أخذ نصف المهر وفي الآية كالدلالة على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج والله سبحانه أعلم وهذا مكتوب في كتاب الطلاق فإذا كان يتم بأشياء فنقص منها واحد فهو غير تام ولا جائز فأي هذه الأربعة نقص لم يجز معه النكاح ويجب خامسة [ ص: 181 ] أن يسمي المهر وإن لم يفعل كان النكاح جائزا فيما ذكرنا من حكم الله تعالى في المهور .

الخلاف في نكاح الأولياء والسنة في النكاح ( قال الشافعي ) رحمه الله : فخالفنا بعض الناس في الأولياء فقال : إذا نكحت المرأة كفئا بمهر مثلها فالنكاح جائز وإن لم يزوجها ولي وإنما أريد بهذا أن يكون ما يفعل أن يأخذ به حظها فإذا أخذته كما يأخذه الولي فالنكاح جائز وذكرت له لبعض ما وصفت من الحجة في الأولياء وقلت له : أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك ؟ فقال : إنما أريد من الإشهاد أن لا يتجاحد الزوجان فإذا نكحها بغير بينة فالنكاح ثابت فهو كالبيوع تثبت وإن عقدت بغير بينة قال ليس ذلك له ، قلنا ولم ؟ قال لأن سنة النكاح البينة .

فقلت له : الحديث في البينة في النكاح عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطع وأنت لا تثبت المنقطع ولو أثبته دخل عليك الولي .

قال : فإنه عن ابن عباس وغيره متصل قلت : وهكذا أيضا الولي عنهم والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رد النكاح بغير إذن ولي ، وعن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف أفسدت النكاح بترك الشهادة فيه وأثبته بترك الولي وهو أثبت في الإخبار من الشهادة ؟ ولم تقل إن الشهود إنما جعلوا لاختلاف الخصمين فيجوز إذا تصادق الزوجان ، وقلت لا يجوز لعلة في شيء جاءت به سنة وما جاءت به سنة فإنه يثبت بنفسه ولا يحتاج إلى أن يقاس على سنة أخرى لأنا لا ندري لعله أمر به لعلة أم لغيرها ولو جاز هذا لنا أبطلنا عامة السنن وقلنا إذا نكحت بغير صداق ورضيت لم يكن لها صداق وإن دخل بها لأنا إنما نأخذ الصداق لها وأنها إذا عفت الصداق جاز فنجيز النكاح والدخول بلا مهر فكيف لم تقل في الأولياء هكذا ؟ قال : فقد خالفت صاحبي في قوله في الأولياء وعلمت أنه خلاف الحديث فلا يكون النكاح إلا بولي ( قال الشافعي ) رحمه الله : فقلت له وإنما فارقت قول صاحبك ورأيته محجوجا بأنه يخالف الحديث وإنما القياس الجائز أن يشبه ما لم يأت فيه حديث بحديث لازم فأما أن تعمد إلى حديث والحديث عام فتحمله على أن يقاس فما للقياس ولهذا الموضع إن كان الحديث يقاس ؟ فأين المنتهى إذا كان الحديث قياسا ؟ قلت من قال هذا فهو منه جهل وإنما العلم اتباع الحديث كما جاء .

قال نعم : قلت فأنت قد دخلت في بعض معنى قول صاحبك قال وأين ؟ قلت زعمت أن المرأة إذا نكحت بغير إذن وليها فالنكاح موقوف حتى يجيزه السلطان إذا رآه احتياطا أو يرده : قال : نعم قلت : فقد خالفت الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها باطل وعمر رضي الله عنه يرده فخالفتهما معا ، فكيف يجيز السلطان عقدة إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلها ؟ قال وكيف تقول ؟ قلت : يستأنفها بأمر يحدثه فإذا فعل ذلك فليس ذلك بإجازة العقدة الفاسدة بل الاستئناف وهو نكاح جديد يرضيان به .

قلت أرأيت رجلا نكح امرأة على أنه بالخيار أو هي أيجوز الخيار ؟ قال : لا قلت : ولم لا يجوز كما يجوز في البيوع ؟ قال : ليس كالبيوع قلت والفرق بينهما أن الجماع كان محرما قبل العقدة فلما انعقدت حل الجماع ولا يجوز أن تكون العقدة التي بها يكون الجماع بالنكاح تاما أبدا إلا والجماع مباح وإن كان غير مباح فالعقدة غير ثابتة لأن الجماع ليس بملك مال يجوز للمشتري هبته للبائع ، وللبائع هبته للمشتري إنما هي إباحة شيء كان محرما يحل بها لا شيء يملكه ملك الأموال .

قال ما فيه فرق أحسن من هذا وإنما دون هذا [ ص: 182 ] الفرق ، قلت له تركت في المرأة تنكح بغير إذن ولي الحديث والقياس وزعمت أن العقدة مرفوعة والجماع غير مباح ، فإن أجازها الولي جازت وقد كان العقد فيها غير تام ثم زعمت هذا أيضا في المرأة يزوجها الولي بغير إذنها فقلت إن أجازت النكاح جاز وإن ردته فهو مردود وفي الرجل يزوج المرأة بغير علمه إن أجاز النكاح جاز وإن رده فهو مردود وأجزت أن تكون العقدة منعقدة والجماع غير مباح وأجزت الخيار في النكاح وهو خلاف السنة وخلاف أصل من ذلك قال فما تقول أنت ؟ قلت كل عدة انعقدت غير تامة يكون الجماع بها مباحا فهي مفسوخة لا نجيزها بإجازة رجل ولا امرأة ولا ولي ولا سلطان ولا بد فيها من استئناف بالسنة والقياس عليها وكل ما زعمت أنت من هذا أنه موقوف على رضا امرأة أو رجل أو ولي أو سلطان فهو مفسوخ عندي ، وقلت له قال صاحبك في الصبية يزوجها غير الأب النكاح ثابت ولها الخيار إذا بلغت فجعلها وارثة موروثة يحل جماعها وتختار إذا بلغت فأجاز الخيار بعد إباحة جماعها إذا احتملت الجماع قبل تبلغ قال فقد خالفناه في هذا فقلنا لا خيار لها والنكاح ثابت فقلت له ولم أثبت النكاح على الصغيرة لغير الأب فجعلتها يملك عليها أمرها غير أبيها ولا خيار لها ، وقد زعمت أن الأمة إنما جعل لها الخيار إذا عتقت لأنها كانت لا تملك نفسها بأن تأذن فيجوز عليها ولا ترد فيرد عنها فلم يصلح عندك أن تتم عليها عقدة انعقدت قبل أن يكون لها الأمر ثم يكون لها أمر فلا تملك النكاح ولا رد إجازته ؟ قال فتقول ماذا ؟ قلت لا يثبت على صغيرة ولا صغير إنكاح أحد غير أبيها وأبيه ولا يتوارثان ؟ قال فإنا إنما أجزناه عليها على وجه النظر لها قلت : فيجوز أن ينظر لها نظرا يقطع به حقها الذي أثبته لها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أنه ليس لغير الأب أن يزوج حرة بالغة إلا برضاها وذلك أن تزويجها إثبات حق عليها لا تخرج منه .

فإن زوجها صغيرة ثم صارت بالغة لا أمر لها في رد النكاح فقد قطعت حقها المجعول لها وإن جعلت لها الخيار دخلت في المعنى الذي عبت من أن تكون وارثة موروثة ولها بعد خيار .

( قال الشافعي ) فقال لي فقد يدخل عليك في الأمة مثل ما دخل علي قلت : لا ، الأمة أنا أخيرها عند العبد بالاتباع ولا أخيرها عند الحر لاختلاف حال العبد والحر وأن العبد لو انتسب حرا فتزوجها على ذلك خيرتها لأنه لا يصل من أداء الحق لها والتوصل إليها إلى ما يصل إليه الحر والأمة مخالفة لها والأمة الثيب البالغ يزوجها سيدها كارهة ولا يزوج البالغة البكر ولا الصغيرة غير الأب كارهة .

قال فما ترى لو كانت فقيرة فزوجت نظيرا لها أن النكاح جائز ؟ قلت : أيجوز أن أنظر إليها بأن أقطع الحق الذي جعل لها في نفسها ؟ هل رأيت فقيرا يقطع حقه في نفسه ولا يقطع حق الغني ؟ قال : فقد بيع عليها في مالها ، قلت : فيما لا بد لها منه .

وكذلك أبيع على الغنية وفي النظر لهما أبيع وحقهما في أموالهما مخالف حقهما في أنفسهما ، قال : فما فرق بينهما ؟ قلت : أفرأيت لو دعت المرأة البالغة أو الرجل البالغ المولى عليهما إلى بيع شيء من أموالهما إمساكه خير لهما بلا ضرورة في مطعم ولا غيره أتبيعه ؟ قال لا ، قلت : ولو وجب على أحدهما أو احتيج إلى بيع بعض ماله في ضرورة نزلت به أو حق يلزمه أتبيعه وهو كاره ؟ قال نعم قلت : فلو دعيت البالغ إلى منكح كفء أتمنعها ؟ قال لا .

قلت ولو خطبها فمنعته أتنكحها ؟ قال لا قلت : أفترى حقها في نفسها يخالف حقها في مالها ؟ قال نعم ، وقد يكون النكاح للفقيرة الصغيرة والكبيرة سواء ، قلت له : وكيف زعمت أن لا نفقة لها حتى تبلغ الجماع فعقدت عليها النكاح ولم تأخذ لها مهرا ولا نفقة ومنعتها بذلك من غير من [ ص: 183 ] زوجته إياها ولعل غيره خير لها أو أحب إليها أو أوفق لها في دين أو خلق أو غير ذلك ؟ فلست أرى عقدك عليها إلا خلاف النظر لها لأنها لو كانت بالغا كانت أحق بنفسها منك كان النظر يكون بوجوه منها أن توضع في كفاءة أو عند ذي دين أو عند ذي خلق أو عند ذي مال أو عند من تهوى فتعف به عن التطلع إلى غيره وكان أحد لا يقوم في النظر لها في الهوى والمعرفة والموافقة لها مقام نفسها لأنه لا يعرف ذات نفسها من الناس إلا هي فإنكاحها وإن كانت فقيرة قد يكون نظرا عليها وخلاف النظر لها ، قال أما في موضع الهوى في الزوج فنعم قلت فهي لو كانت بالغة فدعوتها إلى خير الناس ودعت إلى دونه إذا كان كفئا كان الحق عندك أن زوجها من دعت إليه وكانت أعلم بمن يوافقها وحرام عندك أن تمنعها إياه ولعلها تفتتن به أليس تزوجه ؟ قال نعم .

قلت فأراها أولى بالنظر لنفسها منك وأرى نظرك لها في الحال التي لا تنظر فيه لنفسها قد يكون عليها ، قلت أفتزوج الصغيرة الغنية ؟ قال نعم ، قلت : قد يكون تزويجها نظرا عليها تموت فيرثها الذي زوجتها إياه وتعيش عمرا غير محتاجة إلى مال الزوج ومحتاجة إلى موافقته وتكون أدخلتها فيما لا توافقها .

وليست فيها الحاجة التي اعتللت بها في الفقيرة ، قال فيقبح أن نقول تزوج الفقيرة ولا تزوج الغنية قلت كلاهما قبيح .

قال فقد تزوج بعض التابعين ، قلت قد نخالف نحن بعض التابعين بما حجتنا فيه أضعف من هذه الحجة وأنت لا ترى قول أحد من التابعين يلزم فكيف تحتج به ؟
قلت له أرأيت إذا جامعتنا في أن لا نكاح إلا بشاهدين واكتفينا إذا قلت بشاهدين أني إنما أردت الشاهدين الذين تجوز شهادتهما فأما من لا تجوز شهادته فلا يجوز النكاح به كما يكون من شهد بحق ممن لا تجوز شهادته غير مأخوذ بشهادته حق فقلت أنت تجيز النكاح بغير من تجوز شهادته إذا وقع عليها اسم الشهادة فكيف قلت بالاسم دون العدل هنا ولم تقل هناك ؟ قال لما جاء الحديث فلم يذكر عدلا قلت هذا معفو عن العدل فيه فقلت له قد ذكر الله عز وجل شهود الزنا والقذف والبيع في القرآن ولم يذكر عدلا وشرط العدل في موضع غير هذا الموضع أفرأيت إن قال لك رجل بمثل حجتك إذا سكت عن ذكر العدل وسمى الشهود اكتفيت بتسمية الشهود دون العدل ؟ قال ليس ذلك له إذا ذكر الله الشهود وشرط فيهم العدالة في موضع ثم سكت عن ذكر العدالة فيهم في غيره استدللت على أنه لم يرد بالشهود إلا أن يكونوا عدولا قلت وكذلك إذا قلت لرجل في حق ائت بشاهدين لم تقبل إلا عدولا ؟ قال : نعم قلت أفيعدو النكاح أن يكون كبعض هذا فلا يقبل فيه إلا العدل وكالبيوع لا يستغنى فيه عن الشهادة إذا تشاجر الزوجان أو يكون فيه خبر عن أحد يلزم قوله فينتهي إليه ؟ قال ما فيه خبر وما هو بقياس ولكنا استحسناه ووجدنا بعض أصحابك يقول قريبا منه ، فقلت له إذا لم يكن خبرا ولا قياسا وجاز لك أن تستحسن خلاف الخبر فلم يبق عندك من الخطأ شيء إلا قد أجزته ، قال فقد قال بعض أصحابك إذا أشيد بالنكاح ولم يعقد بالشهود جاز وإن عقد بشهود ولم يشد به لم يجز " قال الربيع أشيد يعني إذا تحدث الناس بعضهم في بعض فلان تزوج وفلانة خدر " فقلت له أفترى ما احتججت به من هذا فتشبه به على أحد ؟ قال لا هو خلاف الحديث وخلاف القياس لأنه لا يعدو أن يكون كالبيوع فالبيوع يستغنى فيها عن الشهود وعن الإشادة ولا ينقضها الكتمان أو تكون سنته الشهود والشهود إنما يشهدون على العقد والعقد ما لم يعقد فإذا وقع العقد بلا شهود لم تجزه الإشادة والإشادة غير شهادة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #214  
قديم 08-01-2023, 09:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (214)
صــــــــــ 184 الى صـــــــــــ 190



قلت له فإذا كان هذا القول خطأ عندك فكيف احتججت به وبالسنة [ ص: 184 ] عليه ؟ قال غيره من أصحابه فإن احتججت بالذي قال بالإشادة فقلت إنما أريد بالإشادة أن يكون يذهب التهمة ويكون أمرهما عند غير الزوجين أنهما زوجان قلت : فإن قال لك قائل هذا في المتنازعين في البيع فجاء المدعي بمن يذكر أنه سمع في الإشادة أن فلانا اشترى دار فلان أتجعل هذه بيعا ؟ قال : لا قلت فإن كانوا ألفا ؟ قال فإني لا أقبل إلا البينة القاطعة قلت : فهكذا نقول لك في النكاح بل النكاح أولى لأن أصل النكاح لا يحل إلا بالبينة ، وأصل البيع يحل بغير بينة وقلت : أرأيت لو أشيد بنكاح امرأة وأنكرت المرأة النكاح أكنا نلزمها النكاح بلا بينة ؟

باب طهر الحائض ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله : وإذا انقطع عن الحائض الدم لم يقربها زوجها حتى تطهر للصلاة فإن كانت واجدة للماء فحتى تغتسل وإن كانت مسافرة غير واجدة للماء فحتى تتيمم لقول الله عز وجل { ولا تقربوهن حتى يطهرن } أي حتى ينقطع الدم ويرين الطهر { فإذا تطهرن } يعني - والله تعالى أعلم - الطهارة التي تحل بها الصلاة لها ولو أتى رجل امرأته حائضا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل فليستغفر الله ولا يعد حتى تطهر وتحل لها الصلاة ، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتا أخذنا به ولكنه لا يثبت مثله .

باب في إتيان الحائض ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } يحتمل معنيين أحدهما فاعتزلوهن في غير الجماع ولا تقربوهن في الجماع فيكون اعتزالهن من وجهين والجماع أظهر معانيه لأمر الله بالاعتزال ثم قال { ولا تقربوهن } فأشبه أن يكون أمرا بينا وبهذا نقول لأنه قد يحتمل أن يكون أمر باعتزالهن ويعني أن اعتزالهن الاعتزال في الجماع ( قال الشافعي ) وإنما قلنا بمعنى الجماع مع أنه ظهر الآية بالاستدلال بالسنة .

الخلاف في اعتزال الحائض .

( قال الشافعي ) رحمه الله : قال بعض الناس إذا اجتنب الرجل موضع الدم من امرأته وجاريته حل له ما سوى الفرج الذي فيه الأذى ، قال الله عز وجل { فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } فاستدللنا على أنه إنما أمر باعتزال الدم .

قلت : فلما كان ظاهر الآية أن يعتزلن لقول الله تبارك وتعالى { فاعتزلوا النساء } وقوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } فإذا تطهرن كانت الآية محتملة اعتزالها اعتزالا غير اعتزال الجماع فلما نهى أن يقربن دل ذلك على أن لا يجامعن قال إنها تحتمل ذلك ولكن كيف قلت يعتزل ما تحت الإزار دون سائر بدنها ؟ قلت له احتمل اعتزالهن اعتزلوا جميع أبدانهن واحتمل بعض أبدانهن دون بعض فاستدللنا بالسنة على ما أراد الله من اعتزالهن فقلت به كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 185 ] باب ما ينال من الحائض ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن } .

( قال الشافعي ) فالبين في كتاب الله أن يعتزل إتيان المرأة في فرجها للأذى فيه .

وقوله { حتى يطهرن } يعني يرين الطهر بعد انقطاع الدم { فإذا تطهرن } إذا اغتسلن { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال بعض الناس من أهل العلم من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن يعني عاد الفرج إذا طهرهن فتطهرن بحاله قبل تحيض حلالا قال جل ثناؤه { فاعتزلوا النساء في المحيض } يحتمل فاعتزلوا فروجهن بما وصفت من الأذى ، ويحتمل اعتزال فروجهن وجميع أبدانهن وفروجهن وبعض أبدانهن دون بعض وأظهر معانيه اعتزال أبدانهن كلها لقول الله عز وجل { فاعتزلوا النساء في المحيض } فلما احتمل هذه المعاني طلبنا الدلالة على معنى ما أراد جل وعلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناها تدل مع نص كتاب الله على اعتزال الفرج ؟ وتدل مع كتاب الله عز وجل على أن يعتزل من الحائض في الإتيان والمباشرة ما حول الإزار فأسفل ولا يعتزل ما فوق الإزار إلى أعلاها فقلنا بما وصفنا لتشدد الحائض إزارا على أسفلها ثم يباشرها الرجل من إتيانها من فوق الإزار ما شاء .

فإن أتاها حائضا فليستغفر الله ولا يعد ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أن ابن عمر رضي الله عنهما أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ فقالت لتشدد إزارها على أسفلها ثم يباشرها إن شاء ( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا أراد الرجل أن يباشر امرأته حائضا لم يباشرها حتى تشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها من فوق الإزار منها مفضيا إليه ويتلذذ به كيف شاء منها ولا يتلذذ بما تحت الإزار منها ولا يباشرها مفضيا إليها والسرة ما فوق الإزار .

الخلاف في مباشرة الحائض .

( قال الشافعي ) رحمه الله : فخالفنا بعض الناس في مباشرة الرجل امرأته وإتيانه إياها وهي حائض فقال ولم ؟ قلت لا ينال منها بفرجه ولا يباشرها فيما تحت الإزار وينال فيما فوق الإزار فقلت له بالذي ليس لي ولا لك ولا لمسلم القول بغيره وذكرت فيه السنة فقال قد روينا خلاف ما رويتم فروينا أن يخلف موضع الدم ثم ينال ما شاء فذكر حديثا لا يثبته أهل العلم بالحديث فقال فهل تجد لما بين تحت الإزار وما فوقه فرقا مع الحديث ؟ فقلت له : نعم وما فرق أقوى من الحديث أحد الذي يتلذذ به منها سوى الفرج مما تحت الإزار الأليتان والفخذان فأجدهما يفارقان ما فوق الإزار في معنيين : أحدهما الدم إذا سال من الفرج جرى فيهما وعليهما ، والثاني أن الفرج عورة والأليتين عورة فهما فرج واحد من بطن الفخذين متصلين بالفرج نفسه وإذا كشف عنهما الإزار كاد أن ينكشف عنه والإزار يكشف عن الفرج ويكون عليه وليس على ما فوقه .

[ ص: 186 ] باب إتيان النساء في أدبارهن ( قال الشافعي ) رضي الله عنه قال الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم } الآية ( قال الشافعي ) احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها لأن { أنى شئتم } يبين أين شئتم لا محظور منها كما لا محظور من الحرث ، واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات وموضع الحرث الذي يطلب به الولد الفرج دون ما سواه لا سبيل لطلب الولد غيره فاختلف أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه ، وأحسب كلا الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية على موافقة كل واحد منهما ( قال الشافعي ) فطلبنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا حديثين مختلفين أحدهما ثابت وهو حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .

( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح أنا شككت ( يعني الشافعي ) عن خزيمة بن ثابت { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي حلال فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف ؟ قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن } قال فما تقول ؟ قلت عمي ثقة وعبد الله بن علي ثقة وقد أخبرني محمد عن الأنصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خيرا وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته فلست أرخص فيه بل أنهى عنه .

باب ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } الآية فزعم بعض أهل العلم بالتفسير أنها نزلت في رجل قد سماه له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالأولاد فيتخولهن وقد قيل نزلت قبل حد الزنا والله أعلم فإن كانت نزلت قبل حد الزنا ثم جاء حد الزنا فما قبل الحدود منسوخ بالحدود وهذا موضوع في كتاب الحدود وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل إن قول الله عز وجل { فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } نزلت في الإماء المكرهات أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه ، وقيل غفور أي هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد عنهن إذا أكرهن على الزنا وقد أبطل الله تعالى عمن أكره على الكفر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وضع الله عن أمته { وما استكرهوا عليه } .

باب نكاح الشغار ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 187 ] نهى عن الشغار } ، والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا شغار في الإسلام } ( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا نقول والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه ابنته صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ فإن دخل بها فلها المهر بالوطء ويفرق بينهما ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال الزهري وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر تحريم المتعة ( قال الشافعي ) والمتعة أن ينكح الرجل المرأة إلى أجل معلوم فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ دخل بها أو لم يدخل فإن أصابها فلها المهر بالمسيس .

الخلاف في نكاح الشغار

( قال الشافعي ) رحمه الله : فقال بعض الناس أما الشغار فالنكاح فيه ثابت ولكل واحدة من المنكوحتين مهر مثلها وأما المتعة فإن قلت فهو فاسد فما يدخل علي ؟ قلت ما لا يشتبه فيه خطؤك قال وما هو ؟ قلت ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار ولم تختلف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم فأجزت الشغار الذي لا مخالف عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه ورددت نكاح المتعة وقد اختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها قال فإن قلت فإن أبطلا الشرط في المتعة جاز النكاح وإن لم يبطلاه فالنكاح مفسوخ قلت له إذا تخطئ خطأ بينا قال فكيف ؟ قلت روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها وما نهى عنه حرام ما لم يكن فيه رخصة بحلال وروي عنه أنه أحله فلم تحلله وأحدثت بين الحديثين شيئا خارجا منهما خارجا من مذاهب الفقه متناقضا قال وما ذاك ؟ قلت أنت تزعم أنه لو نكح رجل امرأة على أن كل واحد منهما بالخيار كان النكاح باطلا لأن الخيار لا يجوز في النكاح لأن ما شرط في عقده الخيار لم يكن العقد فيه تاما وهذا وإن جاز في الشرع لم يجز في النكاح عندنا وعندك ، فإن قلت فإن أبطل المتناكحان نكاح المتعة الشرط فقد زعمت أن عقد النكاح وقع والجماع لا يحل فيه ولا الميراث إن مات أحدهما قبل إبطال الشرط لم تجزه بعد وقوعه غير جائز فقد أجزت فيه الخيار للزوجين وأنت تزعم أن الخيار لهما يفسد العقدة .

ثم أحللته بشيء آخر عقدة لم يشترط فيها خيار ثم أحدثت لهما شيئا من قبلك أن جعلت لهما خيارا ولو قسته بالبيوع كنت قد أخطأت فيه القياس قال ومن أين ؟ قلت : الخيار في البيوع لا يكون عندك إلا بأن يشتري ما لم ير عينه فيكون له الخيار إذا رآه أو يشتري فيجد عيبا فيكون بالخيار إن شاء رده وإن شاء حبس ، والنكاح بريء من هذين الوجهين عندك ؟ قال : نعم قلت والوجه الثاني الذي تجيز فيه الخيار في البيوع أن يتشارط المتبايعان أو أحدهما الخيار وإن وقع عقدهما البيع على غير الشرط لم يكن لهما ولا لأحد منهما خيار إلا بما وصفت من أن لا يكون المشتري رأى ما اشتراه أو دلس له بعيب ، قال : نعم قلت فالمتناكحان نكاح المتعة إنما نكحا نكاحا يعرفانه إلى مدة لم يشترطا خيارا فكيف يكون زوجها اليوم وغدا غير زوجها بغير طلاق يحدثه والعقد إذا عقد ثبت إلا أن يحدث فرقة عندك ؟ أو كيف تكون زوجة ولا يتوارثان ؟ أم كيف يتوارثان يوما ولا يتوارثان في غده ؟ قال : فإن قلت فالنكاح جائز والشرط في المدة في النكاح باطل قلت فأنت [ ص: 188 ] تحدث للمرأة والرجل نكاحا بغير رضاهما ولم يعقداه على أنفسهما وإنما قسته بالبيع والبيع لو عقد فقال البائع والمشتري أشتري منك هذا عشرة أيام كل يوم كان البيع مفسوخا لأنه لا يجوز أن أملكه إياه عشرا دون الأبد ولا يجوز أن أملكه إياه عشرا وقد شرط أن لا يملكها إلا عشرا فكان يلزمك أن لو لم يكن في نكاح المتعة خبر يحرمه أن تفسده إذا جعلته قياسا على البيع فأفسدت البيع قال فقال فإن جعلته قياسا على الرجل يشترط للمرأة دارها أن يكون النكاح ثابتا والشرط باطلا ؟ قلت له : فإن جعلته قياسا على هذا أخطأت من وجوه قال وما هي ؟ قلت من الناس من يقول لها شرطها ما كان والنكاح ثابت بينهما وبينها وبينه وما بين الزوجين من الميراث وغيره فإن قسته على هذا القول لزمك أن تقول ذلك في المتناكحين نكاح متعة .

قال : لا أقيسه على هذا القول ولا يجوز أن يثبت بينهما ما يثبت بين الزوجين وهي زوجة في أيام غير زوجة بعده ؟ فقلت : فإن قسته على من قال إن النكاح ثابت وشرطها دارها باطل فقد أحدثت لهما تزويجا بغير شرطهما أن ليسا بزوجين ما لم يرضه أحد منهما فكنت رجلا زوج اثنين بلا رضاهما ولزمك إن أخطأت القياس من وجه آخر ، قال وأين ؟ قلت : الناكحة المشترطة دارها نكحت على الأبد فليس في عقدها النكاح على الأبد شيء يفسد النكاح وشرطت أن لا يخرج بها من دارها نكحت على الأبد والشرط فهي وإن كان لها شرطها أو أبطل عنها فهي حلال الفرج في دارها وغير دارها والشرط زيادة في مهرها والزيادة في المهر عندنا وعندك كانت جائزة أو فاسدة لا تفسد العقدة والناكحة متعة لم ينكحها على الأبد إنما نكحته يوما أو عشرا فنكحته على أن زوجها حلال في اليوم أو العشر محرم بعده لأنها بعده غير زوجة لا يجوز أن يكون فرج يوطأ بنكاح يحل في هذه ويحرم في أخرى قال ما هي بقياس عليها أن تكون زوجته اليوم وغير زوجته الغد بلا إحداث فرقة .

( قال الشافعي ) رحمه الله : فقلت له أرأيت لو استقامت قياسا على واحد مما أردت أن تقيسها عليه أيجوز في العلم عندنا وعندك أن يعمد إلى المتعة وقد جاء فيها خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم وخبر بتحليل ؟ فزعمنا نحن وأنت أن التحليل منسوخ فتجعله قياسا على شيء غيره ولم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر ؟ فإن جاز هذا لك جاز عليك أن يقول لك قائل حرم الطعام والجماع في الصوم والصلاة وحرم الجماع في الإحرام فأحرم الطعام فيه أو أحرم الكلام في الصوم كما حرم في الصلاة قال لا يجوز هذا في شيء من العلم تمضي كل شريعة على ما شرعت عليه وكل ما جاء فيه خبر على ما جاء ، قلت : فقد عمدت في نكاح المتعة وفيه خبر فجعلته قياسا في النكاح على ما لا خبر فيه فجعلته قياسا على البيوع وهو شريعة غيره ثم تركت جميع ما قست عليه وتناقض قولك فقال فإنه كان من قول أصحابنا إفساده فقلت فلم لم تفسده كما أفسده من زعم أن العقدة فيه فاسدة ولم تجزه كما أجازه من زعم أنه حلال على ما تشارطا ولم يقم لك فيه قول على خبر ولا قياس ولا معقول ؟ قال فلأي شيء أفسدت أنت الشغار والمتعة ؟ قلت : بالذي أوجب الله عز وجل علي من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجد في كتاب الله من ذلك فقال { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقال { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } قال فكيف يخرج نهي النبي صلى الله عليه وسلم عندك ؟ قلت ما نهى عنه مما كان محرما حتى أحل بنص من كتاب الله عز وجل أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى [ ص: 189 ] من ذلك عن شيء فالنهي يدل على أن ما نهي عنه لا يحل قال ومثل ماذا ؟ قلت مثل النكاح كل النساء محرمات الجماع إلا بما أحل الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلل ما كان منه محرما وكذلك البيوع ثم أموال الناس محرمة على غيرهم إلا بما أحل الله من بيع وغيره فإن انعقد البيع بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل بعقدة منهي عنه فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار والمتعة قلت : المنكوحات بالوجهين كانتا غير مباحتين إلا بنكاح صحيح ولا يكون ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح ولا البيع صحيحا .

قال هذا عندي كما زعمت ولكن قد يقول بعض الفقهاء في النهي ما قلت ويأتي نهي آخر فيقولون فيه خلافه ويوجهونه على أنه لم يرد به الحرام .

فقلت له إن كان ذلك بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرد بالنهي الحرام فكذلك ينبغي لهم وإن لم يكن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة لم يكن لهم أن يزعموا أن النهي مرة محرم وأخرى غير محرم فلا فرق بينهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فدلني في غير هذا على مثله ؟ فقلت أرأيت لو قال لك قائل : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها فعلمت أنه لم ينه عن الجمع بين ابنتي العم ولهما قرابة ولا بين القرابات غيرهما فكانت العمة والخالة وابنة الأخ والأخت حلالا أن يبتدأ بنكاح كل واحدة منهن على الانفراد أنهن أحللن وخرجن عن معنى الأم والبنت وما حرم على الأبد بحرمة نفسه أو بحرمة غيره فاستدللت على أن النهي عن ذلك إنما هو كراهية أن يفسد ما بينهما والعمة والخالة والدتان ليستا كابنتي العم اللتين لا شيء لواحدة منهما على الأخرى إلا للأخرى مثله فإن كانتا راضيتين بذلك مأمونتين بإذنهما وأخلاقهما على أن لا يتفاسدا بالجمع حل الجمع بينهما قال ليس ذلك له قلت : وكذلك الجمع بين الأختين قال : نعم قلت فإن نكح امرأة على عمتها فلما انعقدت العقدة قيل يمكن الجمع بينهما ماتت التي كانت عنده وبقيت التي نكح قال فعقدة الآخرة فاسدة قلت فإن قال قد ذهب الجمع وصارت التي نهي أن ينكح على هذه المرأة الميتة فقال لك أنا لو ابتدأت نكاحها الآن جاز فأقرر نكاحها الأول ؟ قال ليس ذلك له إن انعقدت العقدة بأمر نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح بحال يحدث بعدها فقلت له فهكذا قلت في الشغار والمتعة قد انعقد بأمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لا نعلمه في غيره وما نهى عنه بنفسه أولى أن لا يصح مما نهى عنه بغيره فإن افترق القول في النهي كان الجمع بين المرأة وعمتها ونكاح الأخت على أختها إذا ماتت الأولى منهما قبل أن تجتمع هي والآخرة أولى أن يجوز لأنه إنما نهى عنه لعلة الجمع وقد زال الجمع قال فإن زال الجمع فإن العقد كان وهو ثابت على الأولى فلا يثبت على الآخرة وهو منهي عنه قلت له : فالذي أجزته في الشغار والمتعة هكذا أو أولى أن لا يجوز من هذا ؟ فقلت له : أرأيت لو قال قائل : إنه أمر بالشهود في النكاح أن لا يتجاحد الزوجان فيجوز النكاح على غير الشهود ما تصادقا ؟ قال لا يجوز النكاح بغير شهود .

قلت : وإن تصادقا على أن النكاح كان جائزا أو أشهدا على إقرارهما بذلك ؟ قال لا يجوز .

قلت ولم ؟ ألأن المرأة كانت غير حلال إلا بما أحلها الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم به فلما انعقدت عقدة النكاح بغير ما أمر به لم يحل المحرم إلا من حيث أحل ؟ قال نعم قلت فالأمر بالشهود لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا بثبوت النهي عن الشغار والمتعة ولو ثبت كنت به محجوجا لأنك إذا قلت في النكاح بغير سنة لا يجوز لأن عقد النكاح كان بغير كمال ما [ ص: 190 ] أمر به وإن انعقدت بغير كمال ما أمر به فهي فاسدة قلنا لك فأيهما أولى أن يفسد العقدة التي انعقدت بغير ما أمر به أو العقدة التي انعقدت بما نهي عنه والعقدة التي تعقد بما نهي عنه تجمع النهي وخلاف الأمر ؟ قال كل سواء قلت وإن كانا سواء لم يكن لك أن تجيز واحدة وترد مثلها أو أوكد وإن من الناس لمن يزعم أن النكاح بغير بينة جائز غير مكروه كالبيوع وما من الناس أحد إلا يكره الشغار وينهي عنه وأكثرهم يكره المتعة وينهي عنها ومنهم من يقول يرجم فيها من ينكحها وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يقبض } أفرأيت لو تبايع رجلان بطعام قبل أن يقبض ثم تقابضا فذهب الغرر أيجوز ؟ قال : لا لأن العقدة انعقدت فاسدة منهيا عنها قلت وكذلك إذا نهي عن بيع وسلف وتبايعا أيتم البيع ويرد السلف لو رفعا إليك ؟ قال لا يجوز لأن العقدة انعقدت فاسدة .

قيل : وما فسادها وقد ذهب المكروه منها ؟ قال انعقدت بأمر منهي عنه .

قلنا : وهكذا أفعل في كل أمر ينهى عنه ولو لم يكن في إفساد نكاح المتعة إلا القياس انبغى أن يفسد من قبل أنها إذا زوجت نفسها يومين كنت قد زوجت كل واحد منهما ما لم يزوج نفسه وأبحت له ما لم يبح لنفسه قال فكيف تفسده ؟ قلت لما كان المسلمون لا يجيزون أن يكون النكاح إلا على الأبد حتى يحدث فرقة لم يجز أن يحل يومين ويحرم أكثر منهما ولم يجز أن يحل في أيام لم ينكحها فكان النكاح فاسدا .
نكاح المحرم ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أخبره { أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان : إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت أن تحضر فأنكر ذلك أبان وقال سمعت عثمان بن عفان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان أظنه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال } ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحارث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج } ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب قال { ما نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة إلا وهو حلال } ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال : أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه .

( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول : لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره .

( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن قدامة بن موسى عن شوذب أن زيد بن ثابت رد نكاح محرم .

( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا كله نأخذ فإذا نكح المحرم أو أنكح غيره فنكاحه مفسوخ وللمحرم أن يراجع امرأته لأن الرجعة قد ثبتت بابتداء النكاح وليست بالنكاح إنما هي شيء له في نكاح كان وهو غير محرم وكذلك له أن يشتري الأمة للوطء وغيره وبهذا نقول فإن نكح المحرم فنكاحه مفسوخ .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #215  
قديم 08-01-2023, 09:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (215)
صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ 197



[ ص: 191 ] باب الخلاف في نكاح المحرم

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله فخالفنا بعض الناس في نكاح المحرم فقال لا بأس أن ينكح المحرم ما لم يصب وقال روينا خلاف ما رويتم فذهبنا إلى ما روينا وذهبتم إلى ما رويتم روينا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح وهو محرم } فقلت له أرأيت إذا اختلفت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيها تأخذ ؟ قال بالثابت عنه قلت أفترى حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا ؟ قال : نعم قلت وعثمان غير غائب عن نكاح ميمونة لأنه مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفي سفره الذي بنى بميمونة فيه في عمرة القضية وهو السفر الذي زعمت أنت بأنه نكحها فيه وإنما نكحها قبله وبنى بها فيه قال : نعم ولكن الذي روينا عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نكحها وهو محرم فهو وإن لم يكن يوم نكحها بالغا ولا له يومئذ صحبة فإنه لا يشبه أن يكون خفي عليه الوقت الذي نكحها فيه مع قرابته بها ولا يقبله هو وإن لم يشهده إلا عن ثقة فقلت له يزيد بن الأصم ابن أختها يقول نكحها حلالا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها فقال نكحها حلالا فيمكن عليك ما أمكنك فقال هذان ثقة ومكانهما منها المكان الذي لا يخفى عليهما الوقت الذي نكحها فيه لحطها وحط من هو منها نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يقبلا ذلك وإن لم يشهداه إلا بخبر ثقة فيه فتكافأ خبر هذين وخبر من رويت عنه في المكان منها وإن كان أفضل منهما فهما ثقة أو يكون خبر اثنين أكثر من خبر واحد ويزيدونك معهما ثالثا ابن المسيب وتنفرد عليك رواية عثمان التي هي أثبت من هذا كله فقلت له : أو ما أعطيتنا أن الخبرين لو تكافآ نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده فنتبع أيهما كان فعلهما أشبه ، وأولى الخبرين أن يكون محفوظا فنقبله ونترك الذي خالفه ؟ قال : بلى قلت فعمر ويزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم ويقول ابن عمر لا ينكح ولا ينكح ولا أعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما مخالفا قال فإن المكيين يقولون ينكح .

فقلت مثل ما ذهبت إليه والحجة تلزمهم مثل ما لزمتك ولعلهم خفي عليهم ما خالف ما رووا من نكاح النبي صلى الله عليه وسلم محرما قال فإن من أصحابك من قال إنما قلنا لا ينكح لأن العقدة تحل الجماع وهو محرم عليه قلت له الحجة فيما حكينا لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا فيما وصفت أنهم ذهبوا إليه من هذا وإن كنت أنت قد تذهب أحيانا إلى أضعف منه وليس هذا عندنا مذهب المذاهب في الخبر أو علة بينة فيه قال فأنتم قلتم للمحرم أن يراجع امرأته إذا كانت في عدة منه وأن يشتري الجارية للإصابة قلت إن الرجعة ليست بعقد نكاح إنما هي شيء جعله الله للمطلق في عقدة النكاح أن يكون له الرجعة في العدة وعقدة النكاح كان وهو حلال فلا يبطل العقدة حق الإحرام ولا يقال للمراجع ناكح بحال فأما الجارية تشترى فإن البيع مخالف عندنا وعندك للنكاح من قبل أنه قد يشتري المرأة قد أرضعته ولا يحل له إصابتها ويشتري الجارية وأمها وولدها لا يحل له أن يجمع بين هؤلاء فأجيز الملك بغير جماع وأكثر ما في ملك النكاح الجماع ولا يصلح أن ينكح امرأة لا يحل له جماعها وقد يصلح أن يشتري من لا يحل له جماعها .

باب في إنكاح الوليين ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا إسماعيل ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن [ ص: 192 ] قتادة عن الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنكح الوليان فالأول أحق وإذا باع المجيزان فالأول أحق " ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) فبهذا نقول وهذا في المرأة توكل رجلين فيزوجانها فيزوجها أحدهما ولا يعلم الآخر حين زوجها فنكاح الأول ثابت لأنه ولي موكل ومن نكحها بعده فقد بطل نكاحه وهذا قول عوام الفقهاء لا أعرف بينهم فيه خلافا ولا أدري أسمع الحسن منه أم لا ؟ ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال إذا طلق الرجل امرأته فهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة في الواحدة والاثنتين .

باب في إتيان النساء قبل إحداث غسل

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا كان للرجل إماء فلا بأس أن يأتيهن معا قبل أن يغتسل ولو أحدث وضوءا كلما أراد إتيان واحدة كان أحب إلي لمعنيين أحدهما أنه قد روي فيه حديث وإن كان مما لا يثبت مثله والآخر أنه أنظف وليس عندي بواجب عليه وأحب إلي لو غسل فرجه قبل إتيان التي يريد ابتداء إتيانها وإتيانهن معا واحدة بعد واحدة كإتيان الواحدة مرة بعد مرة وإن كن حرائر فحللنه فكذلك وإن لم يحللنه لم أر أن يأتي واحدة في ليلة الأخرى التي يقسم لها فإن قيل فهل في هذا حديث ؟ قيل إنه يستغنى فيه عن الحديث بما قد يعرف الناس وقد روي فيه شيء ( قال الشافعي ) من أصاب امرأة حرة أو أمة ثم أراد أن ينام فلا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة بالسنة .

إباحة الطلاق أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } الآية وقال { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } الآية وقال { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } وقال { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } مع ما ذكرته من الطلاق في غير ما ذكرت ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة الطلاق فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض ومن كانت زوجته لا تحرم من محسنة ولا مسيئة في حال إلا أنه ينهى عنه لغير العدة وإمساك كل زوج محسنة أو مسيئة بكل حال مباح إذا أمسكها بمعروف وجماع المعروف أعفاها بتأدية الحق .

كيف إباحة الطلاق ( قال الشافعي ) رحمه الله : أختار للزوج أن لا يطلق إلا واحدة ليكون له الرجعة في المدخول بها ويكون خاطبا في غير المدخول بها ومتى نكحها بقيت له عليها اثنتان من الطلاق ولا يحرم عليه أن [ ص: 193 ] يطلق اثنتين ولا ثلاثا لأن الله تبارك وتعالى أباح الطلاق وما أباح فليس بمحظور على أهله وأن النبي صلى الله عليه وسلم علم عبد الله بن عمر موضع الطلاق ولو كان في عدد الطلاق مباح ومحظور علمه إن شاء الله تعالى إياه لأن من خفي عليه أن يطلق امرأته طاهرا كان ما يكره من عدد الطلاق ويحب لو كان فيه مكروه أشبه أن يخفى عليه { وطلق عويمر العجلاني امرأته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا قبل أن يأمره وقبل أن يخبره أنها تطلق عليه باللعان } ولو كان ذلك شيئا محظورا عليه نهاه النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه وجماعة من حضره وحكت فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ألبتة يعني والله أعلم ثلاثا فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وطلق ركانة امرأته ألبتة وهي تحتمل واحدة وتحتمل ثلاثا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن نيته وأحلفه عليها ولم نعلمه نهى أن يطلق ألبتة يريد بها ثلاثا وطلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثا .

جماع وجه الطلاق ( قال الشافعي ) قال الله تعالى : { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وقرئت " لقبل عدتهن " وهما لا يختلفان في المعنى أخبرنا مالك عن نافع { عن ابن عمر أنه طلق امرأته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض قال عمر فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء } أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر وأبو الزبير يسمع فقال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا ؟ فقال ابن عمر { طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك } قال ابن عمر ، قال الله تبارك وتعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن أي في قبل عدتهن أو لقبل عدتهن " شك الشافعي " أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يقرؤها " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن " .

( قال الشافعي ) فبين والله أعلم في كتاب الله عز وجل بدلالة سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التي تحيض دون من سواها من المطلقات أن تطلق لقبل عدتها وذلك أن حكم الله تعالى أن العدة على المدخول بها وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر وحيض ، وبين أن الطلاق يقع على الحائض لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قبل الطلاق .

وقد أمر الله تعالى بالإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ونهى عن الضرر وطلاق الحائض ضرر عليها لأنها لا زوجة ولا في أيام تعتد فيها من زوج ما كانت في الحيضة وهي إذا طلقت وهي تحيض بعد جماع لم تدر ولا زوجها عدتها الحمل أو الحيض ؟ ويشبه أن يكون أراد أن يعلما معا العدة ليرغب الزوج وتقصر المرأة عن الطلاق إن طلبته ، وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يعلم ابن عمر موضع الطلاق فلم يسم له من الطلاق عددا فهو يشبه أن لا يكون في عدد ما يطلق سنة إلا أنه أباح له الطلاق واحدة واثنتين وثلاثا مع دلائل تشبه هذا الحديث ودلائل القياس .

[ ص: 194 ] تفريع طلاق السنة في غير المدخول بها والتي لا تحيض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها وكانت ممن تحيض أو لا تحيض فلا سنة في طلاقها إلا أن الطلاق يقع متى طلقها فيطلقها متى شاء فإن قال لها أنت طالق للسنة ، أو أنت طالق للبدعة ، أو أنت طالق ، لا للسنة ولا للبدعة ، طلقت مكانها ( قال ) ولو تزوج رجل امرأة ودخل بها وحملت ، فقال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة أو بلا سنة ولا بدعة كانت مثل المرأة التي لم يدخل بها لا تختلف هي وهي في شيء مما يقع به الطلاق عليها حين يتكلم به ( قال ) ولو تزوج امرأة ودخل بها وأصابها وكانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فقال لها أنت طالق للسنة فهي مثل المرأتين قبلها لا يختلف ذلك في وقوع الطلاق عليها حين يتكلم به لأنه ليس في طلاق واحدة ممن سميت سنة إلا أن الطلاق يقع عليها حين يتكلم به بلا وقت لعدة لأنهن خوارج من أن يكن مدخولا بهن وممن ليست عددهن الحيض وإن نوى أن يقعن في وقت لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله عز وجل .

تفريع طلاق السنة في المدخول بها التي تحيض إذا كان الزوج غائبا ( قال الشافعي ) رحمه الله : إذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها " إذا أتاك كتابي هذا وقد حضت بعد خروجي من عندك فإن كنت طاهرا فأنت طالق " وإن كان علم أنها قد حاضت قبل أن يخرج ولم يمسها بعد الطهر أو علم أنها قد حاضت وطهرت وهو غائب كتب إليها " إذا أتاك كتابي فإن كنت طاهرا فأنت طالق وإن كنت حائضا فإذا طهرت فأنت طالق " ( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته التي تحيض وقد دخل بها أنت طالق للسنة سألته فإن قال أردت أن يقع الطلاق عليها للسنة أو لم يكن له نية فإن كانت طاهرا ولم يجامعها في طهرها ذلك وقع الطلاق عليها في حالها تلك وإن كانت طاهرا قد جامعها في ذلك الطهر أو حائضا أو نفساء وقع الطلاق عليها حين تطهر من النفاس أو الحيض ووقع على الطاهرة المجامعة حيث تطهر من أول حيضة تحيضها بعد قوله يقع على كل واحدة منهن حين ترى الطهر وقبل الغسل وإن قال أردت أن يقع حين تكلمت وقعت حائضا كانت أو طاهرا بإرادته ، وإذا قال الرجل لامرأته التي تحيض أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن جميعا معا في وقت طلاق السنة إذا كانت طاهرا من غير جماع وقعن حين قاله وإن كانت نفساء أو حائضا أو طاهرا فإذا طهرت قبل تجامع ، ولو نوى أن يقعن عند كل طهر واحدة وقعن معا كما وصفت في الحكم ، فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيقعن على ما نواه ويسعه رجعتها وإصابتها بين كل تطليقتين ما لم تنقض عدتها ( قال الشافعي ) وتنقضي عدة المرأة بأن تدخل في الحيضة الثالثة من يوم وقع الطلاق في الحكم ولها أن لا تنكحه وتمتنع منه ، وإذا قال أنت طالق ثلاثا عند كل قرء لك واحدة فإن كانت طاهرا مجامعة أو غير مجامعة وقعت الأولى لأن ذلك قرء ، ولو طلقت فيه اعتدت به ، وإن كانت حائضا أو نفساء وقعت الأولى إذا طهرت من النفاس ووقعت الأخرى إذا طهرت من الحيضة الثانية والثالثة إذا طهرت من الحيضة الثالثة ويبقى عليها من عدتها قرء ، فإذا دخلت في الدم من الحيضة الرابعة فقد انقضت عدتها من الطلاق كله ( قال ) ولو قال لها هذا القول وهي طاهر أو وهي حبلى وقعت الأولى ولم تقع الثنتان كانت [ ص: 195 ] تحيض على الحبل أو لا تحيض حتى تلد ثم تطهر فيقع عليها إن ارتجع فإن لم يحدث لها رجعة فقد انقضت عدتها ولا تقع الثنتان لأنها قد بانت منه وحلت لغيره ولا يقع عليها طلاقه وليست بزوجة له ( قال ) وسواء قال طالق واحدة أو ثنتين أو ثلاثا يقعن معا لأنه ليس في عدد الطلاق سنة إلا أني أحب له أن لا يطلق إلا واحدة وكذلك إن قال أردت طلاقا للسنة أن السنة أن يقع الطلاق عليها إذا طلقت فهي طالق مكانه ولو قال لها أنت طالق ولا نية له أو وهو ينوي وقوع الطلاق على ظاهر قوله وقع الطلاق حين تكلم به ولو قال لها أنت طالق للسنة واحدة وأخرى للبدعة فإن كانت طاهرا قد جومعت أو حائضا أو نفساء وقعت تطليقة البدعة .

فإذا طهرت وقعت تطليقة السنة وسواء قال لها أنت طالق تطليقة سنية وأخرى بدعية أو تطليقة للسنة وأخرى للبدعة

( قال ) ولو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة وقعت عليها ثلاثا حين تكلم به لأنها لا تعدو أن تكون في حال سنة أو حال بدعة فيقعن في أي الحالين كانت ( قال الشافعي ) وكذلك لو قال لها أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة جعلنا القول قوله فإن أراد اثنتين للسنة وواحدة للبدعة أوقعنا اثنتين للسنة في موضعهما .

وواحدة للبدعة في موضعها ، وهكذا لو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وللبدعة فإن قال أردت بثلاث للسنة والبدعة أن يقعن معا وقعن في أي حال كانت المرأة وهكذا إن قال أردت أن السنة والبدعة في هذا سواء ولو قال بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ولا نية له فإن كانت طاهرا من غير جماع وقعت ثنتان للسنة حين يتكلم بالطلاق وواحدة للبدعة حين تحيض .

وإن كانت مجامعة أو في دم نفاس أو حيض وقعت حين تكلم اثنتان للبدعة وإذا طهرت واحدة للسنة

( قال ) ولو قال لها أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمل الطلاق أو أفضل الطلاق أو أكمل الطلاق أو خير الطلاق أو ما أشبه هذا من تفصيل الكلام سألته عن نيته فإن قال لم أنو شيئا وقع الطلاق للسنة وكذلك لو قال ما نويت إيقاعه في وقت أعرفه وكذلك لو قال ما أعرف حسن الطلاق ولا قبيحه بصفة غير أني نويت أن يكون أحسن الطلاق وما قلت معه أن يقع الطلاق حين تكلمت به لا يكون له مدة غير الوقت الذي تكلمت به فيه فيقع حينئذ حين يتكلم به أو يقول أردت بأحسنه أني طلقت من الغضب أو غيره فيقع حين يتكلم به إذا جاء بدلالة

( قال ) ولو قال لها أنت طالق أقبح أو أسمج أو أقذر أو أشر أو أنتن أو آلم أو أبغض الطلاق أو ما أشبه هذا مما يقبح به الطلاق سألناه عن نيته فإن قال أردت ما يخالف السنة منه أو قال أردت إن كان فيه شيء يقبح الأقبح وقع طلاق بدعة إن كانت طاهرا مجامعة أو حائضا أو نفساء ، حين تكلم به وقع مكانه ، وإن كانت طاهرا من غير جماع وقع إذا حاضت أو نفست أو جومعت وإن قال لم أنو شيئا أو خرس أو عته قبل يسأل وقع الطلاق في موضع البدعة فإن سئل فقال نويت أقبح الطلاق لها إذا طلقتها لريبة رأيتها منها أو سوء عشرة أو بغضة مني لها أو لبغضها من غير ريبة فيكون ذلك يقبح بها وقع الطلاق حين تكلم به لأنه لم يصفه في أن يقع في وقت فيوقعه فيه

( قال ) ولو قال لها أنت طالق واحدة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة أو ما أشبه هذا مما يجمع الشيء وخلافه كانت طالقا حين تكلم بالطلاق لأن ما أوقع في ذلك وقع بإحدى الصفتين ، وإن قال نويت أن يقع في وقت غير هذا الوقت لم أقبل منه لأن الحكم في ظاهر قوله ثنتان أن الطلاق يقع حين تكلم به ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا على نيته .

ولو قال لها أنت طالق إن كان الطلاق الساعة أو الآن أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للسنة فإن كانت طاهرا من غير جماع وقع عليها الطلاق ، وإن كانت في تلك الحال مجامعة أو حائضا أو نفساء لم يقع عليها الطلاق في تلك الحال ولا غيرها بهذا الطلاق .

ولو قال لها أنت طالق [ ص: 196 ] إن كان الطلاق الآن أو الساعة أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للبدعة فإن كانت مجامعة أو حائضا أو نفساء طلقت وإن كانت طاهرا من غير جماع لم تطلق .

ولو كانت المسألة الأولى في هذا كله غير مدخول بها أو مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى وقع هذا كله حين تكلم به وإن أراد بقوله في المدخول بها التي تحيض في جميع المسائل أردت طلاقا ثلاثا ، أو أراد بقوله أنت طالق أحسن الطلاق أو بقوله : أنت طالق أقبح الطلاق ثلاثا كان ثلاثا وكذلك إن أراد اثنتين وإن لم يرد زيادة في عدد الطلاق كانت في هذا كله واحدة ، ولو قال أنت طالق أكمل الطلاق فهكذا ، ولو قال لها أنت طالق أكثر الطلاق عددا أو قال أكثر الطلاق ولم يزد على ذلك فهن ثلاث ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأن ظاهر هذا ثلاث

( قال ) وطلاق المدخول بها حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة سواء في وقت إيقاعه وإن نوى شيئا وسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا في الوقت الذي نوى ، ولو قال أنت طالق ملء مكة فهي واحدة إلا أن يريد أكثر منها ، وكذلك إن قال ملء الدنيا أو قال ملء شيء من الدنيا لأنها لا تملأ شيئا إلا بكلام فالواحدة والثلاث سواء فيما يملأ بالكلام

( قال ) ولو وقت فقال أنت طالق غدا أو إلى سنة أو إذا فعلت كذا وكذا أو كان منك كذا طلقت في الوقت الذي وقت ولا تطلق قبله ، ولو قال للمدخول بها التي تحيض إذا قدم فلان أو عتق فلان أو إذا فعل فلان كذا وكذا أو إذا فعلت كذا فأنت طالقلم يقع ذلك إلا في الوقت الذي يكون فيه ما أوقع به الطلاق حائضا كانت أو طاهرا ، ولو قال أنت طالق في وقت كذا للسنة فإن كان ذلك الوقت وهي طاهر من غير جماع وقع الطلاق وإن كان وهي حائض أو نفساء أو مجامعة لم يقع إلا بعد طهرها من حيضة قبل الجماع ، ولو قال لها أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة أو للسنة والبدعة كانت طالقا حين تكلم بالطلاق .

طلاق التي لم يدخل بها ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال تبارك وتعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ( قال الشافعي ) والقرآن يدل والله أعلم على أن من طلق زوجة له دخل بها أو لم يدخل بها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإذا قال الرجل لامرأته التي لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تتزوج زوجا غيرك فقال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يسأل عبد الله بن عمر وابن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمرو إنما أنت قاض الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وقال { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } الآية فالقرآن يدل على أن الرجعة لمن طلق واحدة أو اثنتين إنما هي على المعتدة لأن الله عز وجل إنما جعل الرجعة في العدة وكان الزوج لا يملك الرجعة إذا انقضت العدة لأنه يحل للمرأة في تلك [ ص: 197 ] الحال أن تنكح زوجا غير المطلق فمن طلق امرأته ولم يدخل بها تطليقة أو تطليقتين فلا رجعة له عليها ولا عدة ولها أن تنكح من شاءت ممن يحل لها نكاحه وسواء البكر في هذا والثيب

( قال ) ولو قال للمرأة غير المدخول بها أنت طالق ثلاثا للسنة أو ثلاثا للبدعة أو ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقعن معا حين تكلم به لأنه ليس فيها سنة ولا بدعة وهكذا لو كانت مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى ، وإذا أراد في المدخول بها ثلاثا أن يقعن في رأس كل شهر واحدة لزمه في حكم الطلاق ثلاثا يقعن معا ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يطلقها في رأس كل شهر واحدة ويرتجعها فيما بين ذلك ويصيبها ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولا يسعها هي أن تصدقه ولا تتركه ونفسها لأن ظاهره أنهن وقعن معا وهي لا تعلم ذلك كما قال وقد يكذب على قلبه ولو قال للتي لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن حين تكلم به فإن نوى أن يقعن في رأس كل شهر فلا يسعها أن تصدقه لأنه لا عدة عليها فتقع الثنتان عليها في رأس كل شهر واحدة ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن تقع واحدة ولا تقع اثنتان لأنهما يقعان وهي غير زوجة ولا معتدة .

ولو قال لامرأة تحيض ولم يدخل بها أنت طالق إذا قدم فلان واحدة للسنة أو ثلاثا للسنة فدخل بها قبل أن يقدم فلان وقعت عليها الواحدة أو الثلاث إذا قدم فلان وهي طاهر من غير جماع ، وإن قدم فلان وهي طاهر من أول حيض طلقت قبل يجامع وأسأله هل أراد إيقاع الطلاق بقدوم فلان فقط ؟ فإن قال : نعم أو قال أردت إيقاع الطلاق بقدوم فلان للسنة في غير المدخول بها لا سنة التي دخل بها أوقعته عليه كيفما كانت امرأته لأنها لم يكن فيها حين حلف ولا حين نوى السنة في التي لم يدخل بها وبنى وإني أوقع الطلاق بنيته مع كلامه .

وإذا قال الرجل لامرأته لم يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت عليها الأولى ولم تقع عليها . الثنتان من قبل أن الأولى كلمة تامة وقع بها الطلاق فبانت من زوجها بلا عدة عليها ولا يقع الطلاق على غير زوجة أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال في رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق فقال أبو بكر أيطلق امرأة على ظهر الطريق ؟ قد بانت منه من حين طلقها التطليقة الأولى .

ما جاء في الطلاق إلى وقت من الزمان ( قال الشافعي ) رحمه الله : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق غدا فإذا طلع الفجر من ذلك اليوم فهي طالق وكذلك إن قال لها أنت طالق في غرة شهر كذا فإذا رأى غرة شهر كذا فتلك غرته فإن أصابها وهو لا يعلم أن الفجر طلع يوم أوقع عليها الطلاق أو لا يعلم أن الهلال رئي ثم علم أن الفجر طلع قبل إصابته إياها أو الهلال رئي قبل إصابته إياها إلا أنه يعلم أن إصابته كانت بعد المغرب ثم رئي الهلال فقد وقع الطلاق قبل إصابته إياها ولها عليه مهر مثلها بإصابته إياها بعد وقوع طلاقه عليها ثلاثا إن كان طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي عليها من الطلاق إلا هي ، وإن طلقها واحدة فلها عليه مهر مثلها ، ولا تكون إصابته إياها رجعة ، والقول في الإصابة قول الزوج مع يمينه وكذلك هو في الحنث إلا أن تقوم عليه بينة في الحنث بخلاف ما قال أو بينه بإقراره بإصابة توجب عليه شيئا فيؤخذ لها



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #216  
قديم 08-01-2023, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (216)
صــــــــــ 198 الى صـــــــــــ 204


( قال ) ولو قال لها أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا أو في غرة هلال شهر كذا أو في دخول شهر كذا أو في استقبال شهر كذا كانت طالقا ساعة تغيب الشمس من الليلة التي يرى فيها هلال [ ص: 198 ] ذلك الشهر ولو رئي هلال ذلك الشهر بعشي لم تطلق إلا بمغيب الشمس لأنه لا يعد الهلال إلا من ليلته لا من نهار يرى فيه لم ير قبل ذلك في ليلته .

ولو قال أنت طالق إذا دخلت سنة كذا أو في مدخل سنة كذا أو في سنة كذا أو إذا أتت سنة كذا كان هذا كالشهر لا يختلف إذا دخلت السنة التي أوقع فيها الطلاق وقع عليها الطلاق ، ولو قال لها أنت طالق في انسلاخ شهر كذا أو بمضي شهر كذا أو نفاد شهر كذا فإذا نفذ ذلك الشهر فرئي الهلال أول ليلة من الشهر الذي يليه فهي طالق .

الطلاق بالوقت الذي قد مضى ( قال الشافعي ) وإذا قال لامرأته أنت طالق أمس أو طالق عام أول أو طالق في الشهر الماضي أو في الجمعة الماضية ثم مات أو خرس فهي طالق الساعة وتعتد من ساعتها ، وقوله طالق في وقت قد مضى يريد إيقاعه الآن محال ( قال الربيع ) وفيه قول آخر للشافعي أنه إذا قال لها أنت طالق أمس وأراد إيقاعه الساعة في أمس فلا يقع به الطلاق لأن أمس قد مضى فلا يقع في وقت غير موجود ( قال الشافعي ) رحمه الله : ولو سئل فقال قلته بلا نية شيء أو قال قلته لأن يقع عليها الطلاق في هذا الوقت وقع عليها الطلاق ساعة تكلم به واعتدت من ذلك الوقت ولو قال قلته مقرا أني قد طلقتها في هذا الوقت ثم أصبتها فلها عليه مهر مثلها وتعتد من يوم أصابها وإن لم يصبها بعد الوقت الذي قال لها أنت طالق في وقت كذا وصدقته أنه طلقها في ذلك الوقت اعتدت منه من حين قاله ، وإن قالت لا أدري اعتدت من حين استيقنت وكانت كامرأة طلقت ولم تعلم ( قال ) ولو كانت المسألة بحالها فقال قد كنت طلقتها في هذا الوقت فعنيت أنك كنت طالقا فيه بطلاقي إياك أو طلقها زوج في هذا الوقت فقلت أنت طالق أي مطلقة في هذا الوقت فإن علم أنها كانت مطلقة في هذا الوقت منه أو من غيره ببينة تقوم أو بإقرار منها أحلف ما أراد به إحداث طلاق وكان القول قوله ، وإن نكل حلف وطلقت وهكذا لو قال لها أنت مطلقة في بعض هذه الأوقات وهكذا إن قال كنت مطلقة أو يا مطلقة في بعض هذه الأوقات

( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته وقد أصابها أنت طالق إذا طلقتك أو حين طلقتك أو متى ما طلقتك أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يطلقها فإذا طلقها واحدة وقعت عليها التطليقة بابتدائه الطلاق وكان وقوع الطلاق عليها غاية طلقها إليه كقوله أنت طالق إذا قدم فلان وإذا دخلت الدار وما أشبه هذا فتطلق الثانية بالغاية ولم يقع عليها بعده طلاق ولو قال لها أنت طالق كلما وقع عليك طلاقي أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يقع عليها طلاقه فإذا أوقع عليها تطليقة يملك الرجعة وقعت عليها الثلاث الأولى بإيقاعه للطلاق والثانية بوقوع التطليقة الأولى التي هي غاية لها .

والثالثة بأن الثانية غاية لها وكان هذا كقوله كلما دخلت الدار وكلما كلمت فلانا فأنت طالق فكلما أحدثت شيئا مما جعله غاية يقع عليها الطلاق به طلقت .

ولو قال إنما أردت بهذا كله أنك إذا طلقتك طالق بطلاقي لم يدين في القضاء لأن ظاهر قوله غير ما قال وكان له فيما بينه وبين الله تعالى أن يحبسها ولا يسعها هي أن تقيم معه لأنها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه وهكذا إن طلقها بصريح الطلاق أو كلام يشبه الطلاق نيته فيه الطلاق وهكذا إن خيرها فاختارت نفسها أو ملكها فطلقت نفسها واحدة لأن كل هذا بطلاقه وقع عليها وكذلك كل طلاق من قبل الزوج مثل الإيلاء وغيره مما يملك فيه الرجعة ( قال ) وإن وقع الطلاق الذي أوقع لا يملك فيه الرجعة لم يقع عليها إلا الطلاق الذي أوقع يملك فيه الرجعة لأن الطلاق الثاني [ ص: 199 ] والثالث لا يقع إلا بغاية الأولى بعد وقوعها فلا يقع طلاقه على امرأة لا يملك رجعتها وذلك مثل قوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق فخالعها فوقعت عليها تطليقة الخلع ولا يقع عليها غيرها لأن الطلاق الذي أوقع بالخلع يقع وهي بعده غير زوجة ولا يملك رجعتها

( قال الربيع ) إذا قال لها أنت طالق إذا طلقتك فأراد أن تكون طالقا بالطلاق إذا طلقها فهي واحدة .

فسخ ( قال الشافعي ) رحمه الله : وكل فسخ كان بين الزوجين فلا يقع به طلاق لا واحدة ولا ما بعدها وذلك أن يكون عبد تحته أمة فتعتق فتختار فراقه أو يكون عنينا فتخير فتختار فراقه أو ينكحها محرما فيفسخ نكاحه أو نكاح متعة ولا يقع بهذا نفسه طلاق ولا بعده لأن هذا فسخ بلا طلاق .

ولو قال رجل لامرأته أنت طالق أين كنت فطلقها تطليقة لم يقع عليها إلا هي لأنها إذا طلقت واحدة فهي طالق أين كانت وهكذا لو قال لها أنت طالق حيث كنت وأنى كنت ومن أين كنت .

ولو قال لها أنت طالق طالقا كانت طالقا واحدة ويسأل عن قوله طالقا فإن قال أردت أنت طالق إذا كنت طالقا وقع اثنتان الأولى بإيقاعه الطلاق .

والثانية بالحنث والأولى لها غاية .

فإن قال أردت اثنتين وقعت اثنتان معا وإن قال أردت إفهام الأولى بالثانية أحلف ، وكانت واحدة

( قال ) ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان بلد كذا وكذا فقدم فلان ذلك البلد طلقت وإن لم يقدم ذلك البلد وقدم بلدا غيره لم تطلق .

ولو قال أنت طالق كلما قدم فلان فكلما قدم فلان طلقت تطليقة ثم كلما غاب من المصر وقدم فهي طالق أخرى حتى يأتي على جميع الطلاق ؟ ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان ميتا لم تطلق لأنه لم يقدم .

ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان مكرها لم تطلق لأن حكم ما فعل به مكرها كما لم يكن ولو قال أنت طالق متى رأيت فلانا بهذا البلد فرأته وقد قدم به مكرها طلقت لأنه أوقع الطلاق برؤيتها نفس فلان وليس في رؤيتها فلانا إكراه لها يبطل به عنها الطلاق ( قال الربيع ) إذا كان كل قدومه وهي في العدة فأما إذا خرجت من العدة فغاب ثم قدم لم يقع عليها طلاق لأنها ليست بزوجة وهي كأجنبية

( قال الشافعي ) ولو قال لها أنت طالق إن كلمت فلانا فكلمت فلانا وهو حي طلقت وإن كلمته حيث يسمع كلامها طلقت وإن لم يسمعه وإن كلمته ميتا أو نائما أو بحيث لا يسمع أحد كلام من كلمه بمثل كلامها لم تطلق .

ولو كلمته وهي نائمة أو مغلوبة على عقلها لم تطلق لأنه ليس بالكلام الذي يعرف الناس ولا يلزمها به حكم بحال ، وكذلك لو أكرهت على كلامه لم تطلق

وإذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت الأولى ويسأل عما نوى في اللتين بعدها فإن كان أراد تبيين الأولى فهي واحدة وإن كان أراد إحداث طلاق بعد الأولى فهو ما أراد .

وإن أراد بالثالثة تبيين الثانية فهي اثنتان وإن أراد بها طلاقا ثالثا فهي ثالثة وإن مات قبل أن يسأل فهي ثلاث لأن ظاهر قوله أنها ثلاث .

ولو قال لها أنت طالق وطالق طالق وقعت عليها اثنتان الأولى والثانية التي كانت بالواو لأنها استئناف كلام في الظاهر ودين في الثالثة فإن أراد بها طلاقا فهي طالق .

وإن لم يرد بها طلاقا وأراد إفهام الأول أو تكريره فليس بطلاق .

ولو قال أردت بالثانية إفهام الكلام الأول والثالثة إحداث طلاق كانت طالقا ثالثا في الحكم لأن ظاهر الثانية ابتداء طلاق لا إفهام ، ودين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء وتقع الثالثة لأنه أراد بها ابتداء طلاق لا إفهاما وإن احتملته .

وهكذا إن قال لها [ ص: 200 ] أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق وقعت اثنتان ودين في الثالثة كما وصفت

ولو قال لها أنت طالق وأنت طالق ثم أنت طالق وقعت ثلاث لأن الأولى ابتداء طلاق والثانية استئناف وكذلك الثالثة لا تكون في الظاهر إلا استئنافا لأنها ليست على سياق الكلام الأول

ولو قال لها أنت طالق بل طالق كانت طالقا اثنتين ولو قال أردت إفهاما أو تكرير الأولى عليها لم يدين في الحكم لأن بل : إيقاع طلاق حادث لا إفهام ماض غيره

ولو قال لها أنت طالق طلاقا كانت واحدة إلا أن يريد بقوله طلاقا ثانية لأن طالق طلاقا ابتداء صفة طلاق كقوله طلاقا حسنا أو طلاقا قبيحا .

الطلاق بالحساب ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو قال لها أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعدها واحدة كانت طالقا اثنتين .

فإن قال أردت واحدة ولم أرد بالتي قبلها أو بعدها طلاقا لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى : ولو طلقها واحدة ثم راجعها . ثم قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة ، فقال أردت أني كنت قد طلقتها قبلها واحدة

أحلف ودين في الحكم .

ولو قال أنت طالق واحدة بعدها واحدة . ثم سكت . ثم قال أردت بعدها واحدة أوقعها عليك بعد وقت أو لا أوقعها عليك إلا بعده

لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى .

وإذا قال الرجل لامرأته بدنك أو رأسك أو فرجك أو رجلك أو يدك أو سمى عضوا من جسدها أو إصبعها أو طرفا ما كان منها طالق فهي طالق ، ولو قال لها بعضك طالق أو جزء منك طالق أو سمى جزءا من ألف جزء طالقا كانت طالقا والطلاق لا يتبعض وإذا قال لها أنت طالق نصف أو ثلث أو ربع تطليقة أو جزءا من ألف جزء كانت طالقا والطلاق لا يتبعض .

ولو قال لها أنت طالق نصف تطليقة كانت طالقا واحدة إلا أن يريد اثنتين أو يقول أردت أن يقع نصف بحكمه ما كان ونصف مستأنف بحكمه ما كان فتطلق اثنتين وكذلك لو قال لها أنت طالق ثلاثة أثلاث تطليقة أو أربعة أرباع تطليقة كان كل واحد من هؤلاء تطليقة واحدة لأن كل تطليقة تجمع نصفين أو ثلاثة أثلاث أو أربعة أرباع إلا أن ينوي به أكثر فيقع بالنية مع اللفظ ، وهكذا لو قال لها أنت طالق نصف وثلث وسدس تطليقة أو نصف وربع وسدس تطليقة



ولو نظر رجل إلى امرأة له وامرأة معها ليست له بامرأة فقال إحداكما طالق كان القول قوله ، فإن أراد امرأته فهي طالق وإن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته ، وإن قال أردت الأجنبية أحلف وكانت امرأته بحالها لم يقع عليها طلاق .

ولو قال لامرأته أنت طالق واحدة في ثنتين كانت طالقا واحدة وسئل عن قوله في اثنتين فإن قال ما نويت شيئا لم تكن طالقا إلا واحدة لأن الواحدة لا تكون داخلة في اثنتين بالحساب فهو ما أراد فهي طالق اثنتين ، وإن قال أردت واحدة في اثنتين مقرونة بثنتين كانت طالقا ثلاثا في الحكم

( قال ) ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة كانت طالقا اثنتين ، ولو قال واحدة واثنتين باقية لي عليك كانت طالقا واحدة وكذلك لو قال واحدة وواحدة باقية لي عليك وواحدة لا أوقعها عليك إلا واحدة ، ولو قال أنت طالق واحدة لا يقع عليك إلا واحدة تقع عليك وقعت عليها واحدة حين تكلم بالطلاق .

وإذا كان لرجل أربع نسوة فقال قد أوقعت بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقا واحدة وكذلك لو قال اثنتين أو ثلاثا أو أربعا إلا أن يكون نوى أن كل واحدة من الطلاق تقسم بينهن فتكون كل واحدة منهن طالقا ما سمى من جماعتهن واحدة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، فإن قال قد أوقعت بينكن [ ص: 201 ] خمس تطليقات فكل واحدة منهن طالق اثنتين ، وكذلك ما زاد إلى أن يبلغ ثمان تطليقات فإن زاد على الثمان شيئا من الطلاق كن طوالق ثلاثا ثلاثا ، فإن قال أردت أن يكون ثلاثا أو أربعا أو خمسا لواحدة منهن كانت التي أراد طالقا ثلاثا ولم يدين في الأخر معها في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى وكان من بقي طالقا اثنتين اثنتين ، ولو كان قال بينكن خمس تطليقات لبعضكن فيها أكثر مما لبعض كان القول قوله وأقل ما تطلق عليه منهن واحدة في الحكم ثم يوقف حتى يوقع على من أراد بالفضل منهن الفضل ولا يكون له أن يحدث إيقاعا لم يكن أراده في أصل الطلاق فإن لم يكن نوى بالفضل واحدة منهن فشاء أن تكون التطليقة الفضل بينهن أرباعا فكن جميعا تطليقتين ويكون أحق بالرجعة كان ذلك له

وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين فهي طالق واحدة وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة فهي طالق اثنتين وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا كانت طالقا ثلاثا إنما يكون الاستثناء جائزا إذا بقي مما سمى شيء يقع به شيء مما أوقع ، فأما إذا لم يبق مما سمى شيئا مما استثنى فلا يجوز الاستثناء والاستثناء حينئذ محال ، ولو قال لها أنت طالق ثم طالق وطالق إلا واحدة كانت طالقا ثلاثا لأنه قد أوقع كل تطليقة وحدها ولا يجوز أن يستثني واحدة من واحدة كما لو قال لغلامين له مبارك حر وسالم حر إلا سالما لم يجز الاستثناء ووقع العتق عليهما معا كما لا يجوز أن يقول سالم حر إلا سالما لا يجوز الاستثناء إذا فرق الكلام ويجوز إذا جمعه ثم بقي شيء يقع به بعض ما أوقع ، وإذا طلق واحدة واستثنى نصفها فهي طالق واحدة لأن ما بقي من الطلاق يكون تطليقة تامة لو ابتدأه وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم تطلق والاستثناء في الطلاق والعتاق والنذر كهو في الأيمان لا يخالفها .

ولو قال : أنت طالق إن شاء فلان لم تطلق حتى يشاء فلان ، وإن مات فلان قبل أن يشاء أو خرس أو غاب فهي امرأته بحالها ، فإن قالت قد شاء فلان وقال الزوج لم يشأ فلان فالقول قول الزوج مع يمينه ، ولو شاء فلان وهو معتوه أو مغلوب على عقله من غير سكر لم تكن طالقا ولو شاء وهو سكران كانت طالقا لأن كلامه سكران كلام يقع به الحكم .

وإذا قال لامرأته أنت طالق واحدة بائنا فهي طالق واحدة يملك الرجعة ولا يكون البائن بائنا مما ابتدأ من الطلاق إلا ما أخذ عليه جعلا كما لو قال لعبد أنت حر ولا ولاء لي عليك كان حرا وله ولاؤه لأن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم أن { الولاء لمن أعتق } وقضاء الله تبارك وتعالى أن المطلق واحدة واثنتين يملك الرجعة في العدة فلا يبطل ما جعل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لامرئ بقول نفسه

وإن قال لها أنت طالق واحدة غليظة أو واحدة أغلظ أو أشد أو أفظع أو أعظم أو أطول أو أكبر فهي طالق واحدة لا أكثر منها ويكون الزوج في كلها يملك الرجعة لما وصفت .

وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا تقع في كل يوم واحدة كان كما قال ولو وقعت عليها واحدة في أول يوم فإن ألقت حملا فبانت منه ثم جاء الغد ولا عدة عليها منه لم تقع الثانية ولا الثالثة ، فإن قال أنت طالق في كل شهر فوقعت الأولى في أول شهر ووقعت الآخرتان واحدة في كل شهر قبل مضي العدة وقعت الثلاث ولو مضت العدة فوقع منهن شيء بعد مضي العدة لم يلزمها لأنه وقع وهي غير زوجة

ولو قال لها أنت طالق ثلاثا كل سنة واحدة فوقعت الأولى فلم تنقض عدتها منها حتى راجعها فجاءت السنة الثانية وهي زوجة وقعت الثانية فإن راجعها في العدة وجاءت السنة الثالثة وقعت الثالثة وكذلك لو لم يراجعها في العدة ولكن نكحها بعد مضي العدة فجاءت السنة وهي عنده وقع الطلاق ولو وقعت الأولى ثم جاءت السنة الثانية وهي غير زوجة ولا في عدة منه لم تقع الثانية ولو نكحها بعده وجاءت السنة الثانية وهي عنده وقعت الثانية وإن نكحها بعده وجاءت السنة الثالثة [ ص: 202 ] وهي عنده وقعت الثالثة لأنها زوجة ، ولو خالعها فكانت في عدة منه وجاءت سنة وهي في عدة إلا أنه لا يملك رجعتها لم يقع عليها الطلاق في عدة لا يملك رجعتها فيها .

ولو قال لها أنت طالق كلما مضت سنة فخالعها ثم مضت السنة الأولى وليست له بزوجة كانت في عدة منه أو في غير عدة لم يلزمه الطلاق لأن وقت الطلاق وقع وليست له بزوجة فإن نكحها نكاحا جديدا فكلما مضت سنة من يوم نكحت وقعت تطليقة حتى ينقضي طلاق الملك كله ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر : أنه إذا خالعها ثم تزوجها لم يقع عليها الطلاق بمجيء السنة لأن هذا غير النكاح الأول

( قال الشافعي ) ولو قال لها أنت طالق في كل شهر واحدة أو في مضي كل شهر واحدة ثم طلقها ثلاثا قبل أن يقع منهن شيء أو بعد ما وقع بعضهن ونكحت زوجا غيره فأصابها ثم نكحها فمرت تلك الشهور لم يلزمها من الطلاق شيء لأن طلاق ذلك الملك مضى عليه كله وحرمت عليه فلا تحل إلا بعد زوج ونكاح جديد وكانت كمن لم تنكح قط في أن لا يقع عليها طلاق عقده في الملك الذي بعد الزوج ، ولو كان طلقها واحدة أو اثنتين فبقي من طلاق ذلك الملك شيء ثم مرت لها مدة أوقع عليها فيها الطلاق وهو يملكها وقع ، وهكذا لو قال كلما دخلت هذه الدار فأنت طالق فكلما دخلتها وهي زوجة له أو في عدة من الطلاق يملك فيه الرجعة فهي طالق وكلما دخلتها وهي غير زوجة له أو في عدة من فرقة لا يملك الرجعة فهي غير طالق فإذا طلقها ثلاثا فحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم نكحت زوجا غيره فأصابها ثم نكحها ثم دخل بها لم يقع عليها الطلاق بكلام متقدم في ملك نكاح قد حرم حتى كان بعده زوجا أحل استئناف النكاح وإذا هدم نكاح الزوج الطلاق حتى صارت كمن ابتدأ نكاحه ممن لم تنكحه قط هدم اليمين التي يقع بها الطلاق لأنها أضعف من الطلاق .

وهكذا لو قال أنت طالق كلما حضت وغير ذلك مما يقع الطلاق فيه في وقت فعلى هذا الباب كله وقياسه .

ولو قال لها أنت طالق كل سنة ثلاثا فطلقت ثلاثا في أول سنة ثم تزوجت زوجا أصابها ثم نكحها نكاحا جديدا لم يقع عليها فيما يمضي من السنين بعد شيء لأن طلاق الملك الذي عقد فيه الطلاق بوقت قد مضى .

ولو قال لها أنت طالق في كل سنة تطليقة فوقعت عليها واحدة أو اثنتان ثم تزوجها زوج غيره ثم دخل بها ثم طلقها أو مات عنها فنكحها الأول ثم مضت سنة وقعت عليها تطليقة حتى تعد ثلاث تطليقات لأن الزوج يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين .

الخلع والنشوز ( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : قال الله تبارك وتعالى { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت لا تطلقني وامسكني واقسم لي ما بدا لك فأنزل الله تعالى { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية ( قال الشافعي ) وقد روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بطلاق بعض نسائه فقالت لا تطلقني ودعني يحشرني الله تعالى في نسائك وقد وهبت يومي وليلتي لأختي عائشة } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة .

( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس [ ص: 203 ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان } ( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ والقرآن يدل على مثل معاني الأحاديث بأن بينا فيه إذا خافت المرأة نشوز بعلها أن لا بأس عليهما أن يصالحا ونشوز البعل عنها بكراهيته لها فأباح الله تعالى له حبسها على الكره لها فلها وله أن يصالحا وفي ذلك دليل على أن صلحها إياه بترك بعض حقها له .

وقد قال الله عز وجل { وعاشروهن بالمعروف } إلى { خيرا كثيرا } ( قال الشافعي ) فيحل للرجل حبس المرأة على ترك بعض القسم لها أو كله ما طابت به نفسا فإذا رجعت فيه لم يحل له إلا العدل لها أو فراقها لأنها إنما تهب في المستأنف ما لم يجب لها فما أقامت على هبته حل وإذا رجعت في هبته حل ما مضى بالهبة ولم يحل ما يستقبل إلا بتجديد الهبة له ( قال ) وإذا وهبت له ذلك فأقام عند امرأة له أياما ثم رجعت استأنف العدل عليها وحل له ما مضى قبل رجوعها ( قال ) فإن رجعت ولا يعلم بالرجوع فأقام على ما حللته منه ثم علم أن قد رجعت استأنف العدل من يوم علم ولا بأس عليه فيما مضى وإن قال لا أفارقها ولا أعدل لها أجبر على القسم لها ولا يجبر على فراقها ( قال ) ولا يجبر على أن يقسم لها الإصابة وينبغي له أن يتحرى لها العدل فيها ( قال ) وهكذا لو كانت منفردة به أو مع أمة له يطؤها أمر بتقوى الله تعالى وأن لا يضربها في الجماع ولم يفرض عليه منه شيء بعينه إنما يفرض عليه ما لا صلاح لها إلا به من نفقة وسكنى وكسوة وأن يأوي إليها فأما الجماع فموضع تلذذ ولا يجبر أحد عليه ( قال ) ولو أعطاها مالا على أن تحلله من يومها وليلتها فقبلته فالعطية مردودة عليه غير جائزة لها وكان عليه أن يعدل لها فيوفيها ما ترك من القسم لها لأن ما أعطاها عليه لا عين مملوكة ولا منفعة ( قال ) ولو حللته فوهب لها شيئا على غير شرط كانت الهبة لها جائزة ولم يكن له الرجوع فيها إذا قبضتها وإن رجعت هي في تحليله فيما مضى لم يكن لها وإن رجعت في تحليله فيما لم يمض كان لها وعليه أن يعدل لأنها لم تملك ما لم يمض فيجوز تحليلها له فيما ملكت .

جماع القسم للنساء

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } ( قال الشافعي ) سمعت بعض أهل العلم يقول قولا معناه ما أصف { لن تستطيعوا أن تعدلوا } إنما ذلك في القلوب { فلا تميلوا كل الميل } لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فيصير الميل الذي ليس لكم فتذروها وما أشبه ما قالوا عندي بما قالوا لأن الله عز وجل تجاوز عما في القلوب وكتب على الناس الأفعال والأقاويل فإذا مال بالقول والفعل فذلك كل الميل قال الله عز وجل { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال في النساء { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وقال { وعاشروهن بالمعروف } ( قال الشافعي ) وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم القسم بين النساء فيما وصفت من قسمه لأزواجه في الحضر وإحلال سودة له يومها وليلتها ( قال الشافعي ) ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن وقد بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل ثم يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك } يعني والله أعلم قلبه وقد بلغنا أنه كان يطاف به محمولا في مرضه على نسائه حتى مللنه .

[ ص: 204 ] قال الشافعي ) عماد القسم الليل لأنه سكن قال الله تبارك وتعالى { جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } وقال { جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } ( قال الشافعي ) فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو كتابيات ، أو مسلمات وكتابيات . فهن في القسم سواء وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة

( قال الشافعي ) وإذا كان فيهن أمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة ( قال ) ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها لأن الليل هو القسم ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة لا ليأوي فإذا أراد أن يأوي إلى منزله أوى إلى منزل التي يقسم لها ولا يجامع امرأة في غير يومها فإن فعل فلا كفارة عليه

( قال ) وإن مرضت إحدى نسائه عادها في النهار ولم يعدها في الليل وإن ماتت فلا بأس أن يقيم عندها حتى يواريها ثم يرجع إلى التي لها القسم وإن ثقلت فلا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت ثم يوفي من بقي من نسائه مثل ما أقام عندها

( قال ) وإن أراد أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا كان ذلك له وأكره مجاوزة الثلاث من العدد من غير أن أحرمه وذلك أنه قد يموت قبل أن يعدل للثانية ويمرض وإن كان هذا قد يكون فيما دون الثلاث

( قال ) وإذا قسم لامرأة ثم غاب ثم قدم ابتدأ القسم للتي تليها في القسم ، وهكذا إن كان حاضرا فشغل عن المبيت عندها ابتدأ القسم كما يبتدئه القادم من الغيبة فيبدأ بالقسم للتي كانت ليلتها

( قال ) وإن كان عندها بعض الليل ثم غاب ثم قدم ابتدأ فأوفاها قدر ما بقي من الليل ثم كان عند التي تليها في آخر الليل حتى يعدل بينهن في القسم

( قال ) وإن كان عندها مريضا أو متداويا أو هي مريضة أو حائضا أو نفساء فذلك قسم يحسبه عليها وكذلك لو كان عندها صحيحا فترك جماعها حسب ذلك من القسم عليها إنما القسم على المبيت كيف كان المبيت

( قال ) ولو كان محبوسا في موضع يصلن إليه فيه عدل بينهن كما يعدل بينهن لو كان خارجا

( قال ) والمريض والصحيح في القسم سواء وإن أحب أن يلزم منزلا لنفسه ثم يبعث إلى كل واحدة منهن يومها وليلتها فتأتيه كان ذلك له وعليهن فأيتهن امتنعت من إتيانه كانت تاركة لحقها عاصية ولم يكن عليه القسم لها ما كانت ممتنعة ( قال ) وهكذا لو كانت في منزله أو في منزل يسكنه فغلقته دونه وامتنعت منه إذا جاءها أو هربت أو ادعت عليه طلاقا كاذبة حل له تركها والقسم لغيرها وترك أن ينفق عليها حتى تعود إلى أن لا تمتنع منه وهذه ناشز ، وقد قال الله تبارك وتعالى { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } فإذا أذن في هجرتها في المضجع لخوف نشوزها كان مباحا له أن يأتي غيرها من أزواجه في تلك الحال وفيما كان مثلها ( قال الشافعي ) رحمه الله : وهكذا الأمة إذا امتنعت بنفسها أو منعها أهلها منه فلا نفقة ولا قسم لها حتى تعود إليه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #217  
قديم 08-01-2023, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (217)
صــــــــــ 205 الى صـــــــــــ 210




وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه أو غير إذنه فلا نفقة ولا قسم

( قال ) وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها وهي إذا أشخصها مخالفة لها إذا شخص هو وهي مقيمة لأن إشخاصه إياها كنقلها إلى منزل فليس له تركها فيه بلا نفقة ولا قسم وشخوصه هو شخوص بنفسه وهو الذي عليه القسم لا له

( قال ) وإذا جنت امرأة من نسائه أو خبلت فغلبت على عقلها فكانت تمتنع منه سقط حقها في القسم ، فإن لم تكن تمتنع فلها حقها في القسم وكذلك لو خرست أو مرضت أو ارتتقت كان لها حقها في القسم ما لم تمتنع منه أو يطلقها .


وإنما قلنا يقسم للرتقاء وإن لم يقدر عليها كما قلنا يقسم للحائض ولا يحل له جماعها لأن القسم على السكن لا على الجماع ألا [ ص: 205 ] ترى أنا لا نجبره في القسم على الجماع وقد يستمتع منها وتستمتع منه بغير جماع

( قال ) وإذا كان الزوج عنينا أو خصيا أو مجبوبا أو من لا يقدر على النساء بحال أو لا يقدر عليهن إلا بضعف أو إعياء فهو والصحيح القوي في القسم سواء لأن القسم على ما وصفت من السكن وكذلك هو في النفقة على النساء وما يلزم لهن

( قال ) وإذا تزوج المخبول أو الصحيح فغلب على عقله وعنده نسوة انبغى لوليه القائم بأمره أن يطوف به عليهن أو يأتيه بهن حتى يكن عنده ويكون عندهن كما يكون الصحيح العقل عند نسائه ويكن عنده وإن أغفل ذلك فبئس ما صنع وإن عمد أن يجوز به أثم هو ولا مأثم على مغلوب على عقله .

( قال ) ولو كان رجل يجن ويفيق وعنده نسوة فعزل في يوم جنونه عن نسائه جعل يوم جنونه كيوم من غيبته واستأنف القسم بينهن وإن لم يفعل فكان في يوم جنونه عند واحدة منهن حسب كما إذا كان مريضا فقسم لها وقسم للأخرى يومها وهو صحيح

( قال ) ولو قسم لها صحيحا فجن في بعض الليل وكان عندها كانت قد استوفت وإن خرج من عندها أوفى لها ما بقي من الليل ( قال ) وإن جنت هي أو خرجت في بعض الليل كان له أن يكون عند غيرها ولا يوفيها شيئا من قسمها ما كانت ممتنعة منه ويقسم لنسائه البواقي قسم النساء لا امرأة معهن غيرهن

( قال ) ولو استكرهه سلطان أو غيره أو خرج طائعا من عند امرأة في الليل عاد فأوفاها ما بقي من الليل ( قال ) وإن كان ذلك في النهار لم يكن عليه فيه شيء إذا لم يكن ذاهبا إلى غيرها من نسائه ولا أكره في النهار شيئا إلا أثرة غيرها من أزواجه فيه بمقام أو جماع ، فإذا أقام عند غيرها في نهارها أوفاها ذلك من يوم التي أقام عندها

( قال ) ولو كان له مع نسائه إماء يطؤهن لم يكن للإماء قسم مع الأزواج ويأتيهن كيف شاء أكثر مما يأتي النساء في الأيام والليالي والجماع وأقل كما يكون له أن يسافر ويغيب في المصر عن النساء فإذا صار إلى النساء عدل بينهن وكذلك يكون له ترك الجواري والمقام مع النساء غير أني أحب في الأحوال كلها أن لا يؤثر على النساء وأن لا يعطل الجواري

( قال ) وهكذا إذا كان له جوار لا امرأة معهن كان عند أيتهن شاء ما شاء وكيفما شاء وأحب له أن يتحرى استطابة أنفسهن بمقارنة وأن يجعل لكل واحدة منهن حظا منه

( قال ) وإذا تزوج الرجل المرأة وخلي بينه وبينها فعليه نفقتها والقسم لها من يوم يخلون بينه وبينها

( قال ) وإذا كان لرجل أربع نسوة فقسم لثلاث وترك واحدة عامدا أو ناسيا قضاها الأيام التي ترك القسم لها فيها متتابعات لا فرق بينهن واستحلها إن كان ترك القسم لها أربعين ليلة فلها منها عشر فيقضيها العشر متتابعات ولو كان نساؤه الحواضر ثلاثا فترك القسم لهن ثلاثين ليلة وقدمت امرأة له كانت غائبة بدأ فقسم للتي ترك القسم لها يومها ويوم المرأتين اللتين قسم لهما وتركها وذلك ثلاث ثم قسم للغائبة يوما ثم قسم للتي ترك القسم لها ثلاثا حتى يوفيها جميع ما ترك لها من القسم ، ولو قسم رجل بين نسائه يومين أو ثلاثا لكل امرأة ثم طلق امرأة لم يقسم لها أو ترك القسم لها لم يكن عليه إلا أن يستحل التي ترك القسم لها ولو راجعها أو نكحها نكاحا جديدا أوفاها ما كان لها من القسم

( قال ) ولو كان لرجل زوجة مملوكة وحرة فقسم للحرة يومين ثم دار إلى المملوكة فعتقت فإن كانت عتقت وقد أوفاها يومها وليلتها دار إلى الحرة فقسم لها يوما وللأمة التي أعتقت يوما ، وإن لم يكن أوفاها ليلتها حتى عتقت يبيت عندها ليلتين حتى يسويها بالحرة لأنها قد صارت كهي قبل أن تستكمل حظها من القسم

( قال ) ويقسم للمرأة قد آلى منها وللمرأة قد تظاهر منها ولا يقرب التي تظاهر منها وكذلك إذا أحرمت بأمره قسم لها ولم يقربها [ ص: 206 ] وكذلك القسم لو كان هو محرما ولا يقرب واحدة ممن معه في إحرامه .

القسم للمرأة المدخول بها ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت } ( قال الشافعي ) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدث { عن أم سلمة أنها أخبرته أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة فكذبوها وقالوا ما أكذب الغرائب حتى أنشأ أناس منهم الحج فقالوا أتكتبين إلى أهلك ؟ فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة قالت فصدقوني وازددت عليهم كرامة فلما حللت جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني فقلت له ما مثلي نكح أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال ، فقال : أنا أكبر منك وأما الغيرة فيذهبها الله تعالى وأما العيال فإلى الله ورسوله فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يأتيها ويقول أين زناب ؟ حتى جاء عمار بن ياسر فاختلجها فقال هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت ترضعها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب ؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية وواقفها عندما أخذها عمار بن ياسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني آتيكم الليلة قالت فقمت فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرة وأخرجت شحما فعصدته له أو صعدته شك الربيع قالت فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح فقال حين أصبح إن لك على أهلك كرامة فإن شئت سبعت لك وإن أسبع أسبع لنسائي } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن حميد عن أنس أنه قال للبكر سبع وللثيب ثلاث .

( قال الشافعي ) وحديث ابن جريج ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على أن الرجل إذا تزوج البكر كان له أن يقيم عندها سبعا وإذا تزوج الثيب كان له أن يقيم عندها ثلاثا ولا يحسب عليه لنسائه اللاتي كن عنده قبلها فيبدأ من السبع ومن الثلاث ( قال ) وليس له في البكر ولا الثيب إلا إيفاؤهما هذا العدد إلا أن يحللاه منه ( قال ) وإن لم يفعل وقسم لنسائه عاد فأوفاهما هذا العدد كما يعود فيما ترك من حقهما في القسم فيوفيهما

( قال ) ولو دخلت عليه بكران في ليلة أو ثيبان أو بكر وثيب كرهت له ذلك وإن دخلتا معا عليه أقرع بينهما فأيتهما خرج سهمها بدأ فأوفاها أيامها ولياليها ، وإن لم يقرع فبدأ بإحداهما رجوت أن يسعه لأنه لا يصل إلى أن يوفيهما حقهما إلا بأن يبدأ بإحداهما ولا أحب له أن يقسم بينهما أربع عشرة لأن حق كل واحدة منهما موالاة أيامها ( قال ) فإن فعل لم أر عليه إعادة أيام لها بعد العدة التي أوفاها إياها وإن دخلت عليه إحداهما بعد الأخرى بدأ فأوفى التي دخلت عليه أولا أيامها ( قال ) وإذا بدأ بالتي دخلت عليه آخرا أحببت له أن يقطع ويوفي الأولى قبلها فإن لم يفعل ثم أوفى الأولى لم يكن لها زيادة على أيامها ولا يزاد أحد في العدد بتأخير حقها ( قال ) وإذا فرغ من أيام البكر والثيب استأنف القسم بين أزواجه فعدل بينهن

( قال ) فإن كانت عنده امرأتان ثم نكح عليهما واحدة فدخلت بعد ما قسم لواحدة فإذا أوفى التي دخلت عليه أيامها بدأ بالتي كان لها القسم بعد التي كانت عنده ( قال ) ولا يضيق عليه [ ص: 207 ] أن يدخل عليها في أي يوم أو أي ليلة شاء من ليالي نسائه ( قال ) ولا أحب في مقامه عند بكر ولا ثيب أن يتخلف عن صلاة ولا بر كان يعمل قبل العرس ولا شهود جنازة ولا يجوز له أن يتخلف عن إجابة دعوة .

سفر الرجل بالمرأة ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } ( قال الشافعي ) فإذا كان للرجل نسوة فأراد سفرا فليس بواجب أن يخرج بهن ولا بواحدة منهن وإن أراد الخروج بهن أو ببعضهن فذلك له فإن أراد الخروج بواحدة أو اثنتين أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها ولم يكن له أن يخرج بغيرها وله أن يتركها إن شاء ، وهكذا إن أراد الخروج باثنتين أو ثلاث لم يخرج بواحدة منهن إلا بقرعة فإن خرج بواحدة منهن بغير قرعة كان عليه أن يقسم لمن بقي بقدر مغيبه مع التي خرج بها ( قال ) فإذا خرج بامرأة بالقرعة كان لها السفر خالصا دون نسائه لا يحتسب عليها ولا لهن من مغيبها معه في السفر منفردة شيء وسواء قصر سفره أو طال ( قال ) ولو أراد السفر لنقله لم يكن له أن ينتقل بواحدة منهن إلا أوفى البواقي مثل مقامه معها ( قال ) ولو خرج مسافرا بقرعة ثم أزمع المقام لنقله كان للتي سافر بها بالقرعة ما مضى قبل إزماعه المقام على النقلة وحسب عليها مقامه معها بعد النقلة فأوفى البواقي حقوقهن فيها

( قال ) ولو أقرع بين نسائه على سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها ثم أراد سفرا قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كله كالسفر الواحد ما لم يرجع فإذا رجع فأراد سفرا أقرع

( قال ) ولو سافر بواحدة فنكح في سفره أخرى كان للتي نكح ما للمنكوحة من الأيام دون التي سافر بها ثم استأنف القسم بينهما بالعدد ولا يحسب لنسائه اللاتي خلف من الأيام التي نكح في سفره شيئا لأنه لم يكن حيث يمكنه القسم لهن .

نشوز المرأة على الرجل

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } إلى قوله { سبيلا } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تضربوا إماء الله قال فأتاه عمر بن الخطاب ، فقال : يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم } ( قال الشافعي ) في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء .

ثم إذنه في ضربهن وقوله { لن يضرب خياركم } يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم نهى عنه على اختيار النهي وأذن فيه بأن مباحا لهم الضرب في الحق واختار لهم أن لا يضربوا لقوله { لن يضرب خياركم } ( قال ) ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن لهم بعد نزولها بضربهن ( قال الشافعي ) وفي قوله { لن يضرب خياركم } دلالة على أن ضربهن مباح لا فرض أن [ ص: 208 ] يضربن ونختار له من ذلك ما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحب للرجل أن لا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه وما أشبه ذلك ( قال الشافعي ) وأشبه ما سمعت والله أعلم في قوله { واللاتي تخافون نشوزهن } أن لخوف النشوز دلائل فإذا كانت { فعظوهن } لأن العظة مباحة فإن لججن فأظهرن نشوزا بقول أو فعل { واهجروهن في المضاجع } فإن أقمن بذلك على ذلك " فاضربوهن " وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهي عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما ( قال ) ويحتمل في { تخافون نشوزهن } إذا نشزن فبان النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب ( قال ) ولا يبلغ في الضرب حدا ولا يكون مبرحا ولا مدميا ويتوقى فيه الوجه ( قال ) ويهجرها في المضجع حتى ترجع عن النشوز ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا لأن الله عز وجل إنما أباح الهجرة في المضجع .

والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاوز بالهجرة في الكلام ثلاثا } ( قال ) ولا يجوز لأحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها ( قال ) وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز والامتناع نشوز ( قال ) ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في قوله عز وجل { وللرجال عليهن درجة } وقوله { وعاشروهن بالمعروف } وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها وله عليها مما ليس لها عليه ولكل واحد منهما على صاحبه . الحكمين

( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } الآية ( قال الشافعي ) والله أعلم بمعنى ما أراد فأما ظاهر الآية فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه منع الحق ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح ولا ترك القيام بالشقاق وذلك أن الله عز وجل أذن في نشوز المرأة بالعظة والهجرة والضرب ولنشوز الرجل بالصلح فإذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ونهى إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا ( قال الشافعي ) فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم فحق عليه أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها من أهل القناعة والعقل ليكشفا أمرهما ويصلحا بينهما إن قدرا ( قال ) وليس له أن يأمرهما بفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج ولا يعطيا من مال المرأة إلا بإذنها ( قال ) فإن اصطلح الزوجان وإلا كان على الحاكم أن يحكم لكل واحد منهما على صاحبه بما يلزمه من حق في نفس ومال وأدب ( قال ) وذلك أن الله عز وجل إنما ذكر أنهما { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ولم يذكر تفريقا ( قال ) وأختار للإمام أن يسأل الزوجين أن يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معا فيوكلهما الزوج إن رأيا أن يفرقا بينهما فرقا على ما رأيا من أخذ شيء أو غير أخذه إن اختبرا توليا من المرأة عنه ( قال ) وإن جعل إليهما إن رضيت بكذا وكذا فأعطياها ذلك عني واسألاها أن تكف عني كذا وللمرأة أن توكلهما إن شاءت بأن يعطيا عنها في الفرقة شيئا تسميه إن رأيا أنه لا يصلح الزوج غيره وإن رأيا أن يعطياه أن يفعلا أو له كذا ويترك لها كذا فإن فعل ذلك الزوجان [ ص: 209 ] أمر الحكمين بأن يجتهدا فإن رأيا الجمع خيرا لم يصيرا إلى الفراق وإن رأيا الفراق خيرا أمرهما فصارا إليه وإن رجع الزوجان أو أحدهما بعدما يوكلانهما عن الوكالة أو بعضها أمرهما بما أمرهما به أولا من الإصلاح ولم يجعلهما وكيليهما إلا فيما وكلا فيه ( قال ) ولا يجبر الزوجان على توكيلهما إن لم يوكلا وإذا وكلاهما معا كما وصفت لم يجز أمر واحد منهما دون صاحبه فإن فرق أحدهما ولم يفرق الآخر لم تجز الفرقة ، وكذلك إن أعطى أحدهما على الآخر شيئا ( قال ) وإن غاب أحد الحكمين أو غلب على عقله بعث حكما غير الغائب أو المغلوب المصلح من قبل الحاكم وبالوكالة إن وكله بها الزوجان ( قال ) وإن غلب أحد الزوجين على عقله لم يمض الحكمان بينهما شيئا حتى يعود إليه عقله ثم يجدد وكالة ( قال ) وإن غاب أحد الزوجين ولم يفسخ الوكالة أمضى الحكمان رأيهما ولم تقطع غيبة واحد منهما الوكالة ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني أنه قال في هذه الآية { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } قال جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ، عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي ، وقال الرجل أما الفرقة فلا . فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به .

( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة سمعه يقول : تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة فقالت له اصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة ؟ أين شيبة بن ربيعة ؟ فيسكت عنها حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة ؟ فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان بن عفان فذكرت له ذلك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما .

( قال الشافعي ) حديث علي ثابت عندنا وهو إن شاء الله كما قلنا لا نخالفه لأن عليا إذ قال لهم ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها والزوجان حاضران فإنما خاطب به الزوجين أو من أعرب عنهما بحضرتهما بوكالة الزوجين أو رضاهما بما قال وقوله للرجل لا والله حتى تقر بمثل ما أقرت به أن لا يقضي الحكمان إن رأيا الفرقة إذا رجعت عن توكيلهما حتى تعود إلى الرضا بأن يكونا بوكالتك ناظرين بما يصلح أمركما ولو كان للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بلا وكالة الزوج ما احتاج علي رضي الله عنه إلى أن يقول لهما ابعثوا ولبعث هو ولقال للزوج إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك وإن لم تأذن به ولم يحلف لا يمضي الحكمان حتى يقر ولو كان للحاكم جبر الزوجين على أن يوكلا كان له أن يمضيه بلا أمرهما ( قال ) وليس في الحديث الذي روي عن عثمان دلالة كالدلائل في حديث علي رضي الله عنه وهو يشبه أن يكون كالحديث عن علي فإن قال قائل : فقد يحتمل خلافه قيل نعم : وموافقته فلست بأولى بأحد الوجهين من غيرك بل هو إلى موافقة حديث علي كرم الله وجهه أقرب من أن يكون قوله خلافه .

ما يجوز به أخذ مال المرأة منها ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } الآية ( قال الشافعي ) فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت نفسها ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله ( قال ) وقد قال [ ص: 210 ] الله عز وجل { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } إلى مبينا ( قال ) وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها ، وإذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته ولم ترد هي فرقته لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا بأن يستكرهها عليه ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه فإن فعل وأقر بذلك أو قامت عليه بينة رد ما أخذ منها عليها وإن كان طلقها عليه لزمه ما سمى من عدد الطلاق وكان يملك فيه الرجعة إن لم يأت على جميع طلاقها ( قال ) ويشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون له إذا أزمع على فراقها أن يأتهب من مالها شيئا ثم يطلقها ، وذلك أن إعطاءها يكون على استطابة نفسه بحبسها لا على فراقها ويشبه معاني الخديعة لها ( قال ) ولا يبين لي رد ذلك عليها لو وهبته بلا ضرورة ثم طلقها لأن ظاهره أنها طابت به نفسا ( قال ) ولو علمته يريد الاستبدال بها ولم يمنعها حقها فنشزت ومنعته بعض الحق وأعطته مالا جاز له أخذه وصارت في معنى من يخاف أن لا يقيم حدود الله وخرجت من أن يكون يراد فراقها فيفارق بلا سبب منها ولا منع لحق في حال متقدمة لإرادته ولا متأخرة .

حبس المرأة على الرجل يكرهها ليرثها ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } الآية ( قال الشافعي ) يقال والله أعلم نزلت في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن غير طيب نفسها ويحبسها لتموت فيرثها أو يذهب ببعض ما آتاها استثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .

وقيل لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها لقول الله عز وجل { وعاشروهن بالمعروف } قرأ إلى " كثيرا " ( قال ) وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها أو يذهب ببعض ما آتاها ( قال ) وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته فهو مردود عليها إذا أقر بذلك أو قامت به بينة ( قال الشافعي ) وقد قيل فإن أتت عنده بفاحشة وهي الزنا فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه وكانت معصيتها الله بالزنا ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا وهي إذا عصته فلم تقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به

( قال ) فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها فماتت عنده لم يحل له أن يرثها ولا يأخذ منها شيئا في حياتها فإن أخذه رد عليها وكان أملك برجعتها .

وقيل : إن هذه الآية منسوخة وفي معنى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } إلى { سبيلا } فنسخت بآية الحدود { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فقال النبي صلى الله عليه وسلم { خذوا عني خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الرجم } فلم يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج وكان عليها الحد ( قال ) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل والله أعلم لأن لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة ويحبسها محسنة ومسيئة وكارها لها وغير كاره ولم يجعل له منعها حقها في حال .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #218  
قديم 08-01-2023, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (218)
صــــــــــ 211 الى صـــــــــــ 217






ما تحل به الفدية ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى { فيما [ ص: 211 ] افتدت به } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد { عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ قالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة { عن حبيبة بنت سهل أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم في الغلس وهي تشكو شيئا ببدنها وهي تقول لا أنا ولا ثابت بن قيس فقالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ثابت خذ منها فأخذ منها وجلست } ( قال الشافعي ) فقيل والله أعلم في قوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب عليها له أو أكثره إليه ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه أو أكثره فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج وإذا لم يقم أحدهما حدود الله فليسا معا مقيمين حدود الله .

وقيل : وهكذا قول الله عز وجل { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } إذا حل ذلك للزوج فليس بحرام على المرأة والمرأة في كل حال لا يحرم عليها ما أعطت من مالها وإذا حل له ولم يحرم عليها فلا جناح عليهما معا ، وهذا كلام صحيح جائز إذا اجتمعا معا في أن لا جناح عليهما وقد يكون الجناح على أحدهما دون الآخر .

فلا يجوز أن يقال : فلا جناح عليهما وعلى أحدهما جناح ( قال ) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل لأن الله عز وجل حرم على الرجل إذا أراد استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا ( قال ) وقيل أن تمتنع المرأة من أداء الحق فتخاف على الزوج أن لا يؤدي الحق إذا منعته حقا فتحل الفدية ( قال ) وجماع ذلك أن تكون المرأة المانعة لبعض ما يجب عليها له المفتدية تحرجا من أن لا تؤدي حقه أو كراهية له ، فإذا كان هكذا حلت الفدية للزوج ولو خرج في بعض ما تمنعه من الحق إلى إيذائها بالضرب أجزت ذلك له لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لثابت بأخذ الفدية من حبيبة وقد نالها بالضرب ( قال ) وكذلك لو لم تمنعه بعض الحق وكرهت صحبته حتى خافت تمنعه كراهية صحبته بعض الحق فأعطته الفدية طائعة حلت له ، وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت له نفسا ويأخذ عوضا بالفراق ( قال ) ولا وقت في الفدية كانت أكثر مما أعطاها أو أقل لأن الله عز وجل يقول { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وتجوز الفدية عند السلطان ودونه كما يجوز إعطاء المال والطلاق عند السلطان ودونه .

الكلام الذي يقع به الطلاق ولا يقع ( قال الشافعي ) رحمه الله : الخلع طلاق فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق فإذا قال لها إن أعطيتني كذا وكذا فأنت طالق أو قد فارقتك أو سرحتك وقع الطلاق ، ثم لم أحتج إلى النية ( قال ) وإن قال لم أنو طلاقا دين فيما بينه وبين الله عز وجل وألزم في القضاء ، وإذا قال لها إن أعطيتني كذا فأنت بائن أو خلية أو برية سئل : فإن أراد الطلاق فهي طالق وإن لم يرد الطلاق فليس بطلاق ويرد شيئا إن أخذه منها

( قال ) وإذا قال لها قد خالعتك أو فاديتك أو ما أشبه هذا لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق لأنه [ ص: 212 ] ليس بصريح الطلاق ( قال ) وسواء كان هذا عند غضب أو رضا وذكر طلاق أو غير ذكره إنما أنظر إلى عقد الكلام الذي يلزم لا سببه ، وإذا قالت المرأة لزوجها اخلعني أو بني أو أبني أو بارئني أو ابرأ مني ولك علي ألف أو لك هذه الألف أو لك هذا العبد وهي تريد الطلاق فطلقها فله ما ضمنت له وما أعطته

( قال ) وكذلك لو قالت له اخلعني على ألف ففعل كانت له الألف ما لم يتناكرا فإن قالت إنما قلت علي ألف ضمنها لك غيري أو علي ألف لي عليك لا أعطيك أو علي ألف فلس وأنكر تحالفا وكان له عليها مهر مثلها ، وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ولك علي ألف درهم فقال أنت طالق على ألف إن شئت فلها المشيئة وقت الخيار فإن لم تشأ حتى مضى وقت الخيار لم يكن لها مشيئة وإن شاءت بعد ذلك كانت مشيئتها باطلة وهي امرأته بحالها

( قال ) وهكذا فإن قال لها أنت طالق إن أعطيتني ألفا . فقالت خذها مما لي عليك . أو قالت أنا أضمنها لك وأعطيك بها رهنا

لم يكن هذا طلاقا لأنها لم تعطه ألفا في واحد من هذه الأحوال ( قال ) ولو أعطته ألفا في وقت الخيار لزمه الطلاق فإن لم تعطه الألف حتى يمضي وقت الخيار ثم أعطته إياها لم يلزمه الطلاق وسواء هرب الزوج أو غاب حتى مضى وقت الخيار أو أبطأت هي بإعطائه الألف حتى مضى وقت الخيار

( قال ) وإذا كان للرجل امرأتان فسألتاه أن يطلقهما بألف فطلقهما في ذلك المجلس لزمهما الطلاق وفي المال قولان أحدهما أن الألف عليهما على قدر مهور مثلهما والآخر أن على كل واحدة منهما مهر مثلها لأن الخلع وقع على كل واحدة منهما بشيء مجهول ( قال الربيع ) وهذا أصح القولين عندي

( قال ) وإن قالت له امرأتان له لك ألف فطلقنا معا فطلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الأخرى لزم المطلقة مهر مثلها ولو طلق الأخرى بعد ذلك الوقت لزمه الطلاق وكان يملك فيه الرجعة ولم يلزمها من المال شيء إنما يلزمها المال إذا طلقها في وقت الخيار ( قال ) ولو قالتا طلقنا بألف فقال إن شئتما فأنتما طالقان لم تطلقا حتى يشاءا معا في وقت الخيار فإن شاءت إحداهما ولم تشأ الأخرى حتى مضى وقت الخيار لم تطلقا قال فإن شاءتا معا فله على كل واحدة منهما مهر مثلها

( قال ) وإذا قال رجل لامرأته : إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا في وقت الخيار وقع الطلاق وليس له أن يمتنع إذا دفعتها إليه في ذلك الوقت ولا لها أن ترجع فيها ( قال ) وهكذا إن قال أعطيتني أو إن أعطيتني وما أشبه هذا فإنما ذلك على وقت الخيار فإذا مضى لم يقع في شيء

( قال ) وإن قال متى أعطيتني أو أي وقت أعطيتني أو أي حين أعطيتني ألفا فأنت طالق فلها أن تعطيه ألفا متى شاءت وليس له أن يمتنع من أخذها ولا لها إذا أعطته ألفا أن ترجع فيها لأن هذا كله غاية كقوله متى دخلت الدار فأنت طالق أو متى قدم فلان فأنت طالق فليس له أن يقول قد رجعت فيما قلت وعليه متى دخلت الدار أو قدم فلان أن تطلق .

ما يقع الخلع من الطلاق ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا خالع الرجل امرأته فنوى الطلاق ولم ينو عددا منه بعينه فالخلع تطليقة لا يملك فيها الرجعة لأنها بيع من البيوع ولا يجوز أن يملك عليها مالها ويكون أملك بها .

وإنما جعلناها تطليقة لأن الله تعالى يقول { الطلاق مرتان } فعقلنا عن الله تعالى أن ذلك إنما يقع بإيقاع الزوج وعلمنا أن الخلع لم يقع إلا بإيقاع الزوج

( قال ) وإذا خالع الرجل امرأته فسمى طلاقا على خلع أو فراق أو سراح فهو طلاق وهو ما نوى وكذلك إن سمى ما يشبه الطلاق من الكلام بنية الطلاق [ ص: 213 ] قال ) وجماع هذا أن ينظر إلى كل كلام يقع به الطلاق بلا خلع فنوقعه به في الخلع وكل ما لا يقع به طلاق بحال على الابتداء يوقع به خلع فلا نوقع به خلعا حتى ينوي به الطلاق وإذا لم يقع به طلاق فما أخذ الزوج من المرأة مردود عليها ( قال ) فإن نوى بالخلع اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى ( قال ) وكذلك إن سمى عددا من الطلاق فهو ما سمى وقد روي نحو من هذا عن عثمان رضي الله عنه ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن طهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية ( قال الشافعي ) وهذا كما روي عن عثمان رضي الله عنه إن لم يسم بالخلع تطليقة لأنه من قبل الزوج ولو سمى أكثر من تطليقة فهو ما سمى

( قال ) والمختلعة مطلقة فعدتها عدتها ولها السكنى ولا نفقة لها لأن زوجها لا يملك الرجعة

( قال ) وإذا خالعها ثم طلقها في العدة لم يقع عليها الطلاق لأنها ليست بزوجة ولا في معاني الأزواج بحال بأن يكون له عليها رجعة ولا تحل له إلا بنكاح جديد كما كانت قبل أن ينكحها وكذلك لو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يقع عليه إيلاء ولا ظهار ولا لعان إن لم يكن ولد ولو ماتت أو مات لم يتوارثا ( قال ) وإنما قلت هذا بدلالة كتاب الله عز وجل لأن الله تعالى حكم بهذه الأحكام الخمسة من الإيلاء والظهار واللعان والطلاق والميراث بين الزوجين ، فلما عقلنا عن الله تعالى أن هذين غير زوجين لم يجز أن يقع عليها طلاقه فإن قال قائل فهل فيه من أثر ؟ فأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير



( قال ) ولو خالعت المرأة زوجها بألف ودفعتها إليه ثم أقامت بينة أو أقر أن نكاحها كان فاسدا أو أنه قد كان طلقها ثلاثا قبل الخلع أو تطليقة لم يبق له عليها غيرها أو خالعها ولم يجدد لها نكاحا رجعت عليه في كل هذا بما أخذ منها ( قال ) وهكذا لو خالعته ثم وجد نكاحها فاسدا كان الخلع باطلا وترجع بما أخذ منها ولا نكاح بينهما .

ما يجوز خلعه وما لا يجوز ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : جماع معرفة ما يجوز خلعه ما النساء أن ينظر إلى كل من جاز أمره في ماله فنجيز خلعه ومن لم يجز أمره في ماله فنرد خلعه ، فإن كانت المرأة صبية لم تبلغ أو بالغا ليست برشيدة أو محجورا عليها أو مغلوبة على عقلها فاختلعت من زوجها بشيء قل أو كثر فكل ما أخذ منها مردود عليها وما طلقها على ما أخذ منها واقع عليها وهذا يملك الرجعة فإذا بطل ما أخذ ملك الرجعة في الطلاق الذي وقع به إلا أن يكون طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي له عليها غيرها

( قال ) وهكذا إن خالع عنها وليها بأمرها من مالها كان أو غيره فالمال مردود وليس للسلطان أن يخالع عنها من مالها فإن فعل فالطلاق واقع والخلع مردود عليها ولو خالع عنها وهي صبية بأن أبرأ زوجها من مهرها أو دين لها عليه أو أعطاه شيئا من مالها كان الطلاق الذي وقع بالمال واقعا عليها وكان مالها الذي [ ص: 214 ] دفعته إليه مردودا عليها وحقها ثابت عليه من الصداق وغيره ولا يبرأ الزوج من شيء مما أبرأه منه الأب والولي غير الأب

( قال ) ولو كان أبو الصغيرة وولي المحجور عليها خالع عنها بأن أبرأه من صداقها وهو يعرفه على أنه ضامن لما أدركه فيه كان صداقها على الزوج يؤخذ به ويرجع به الزوج على الذي ضمنه أيا كان أو وليا أو أجنبيا ولا يرجع به الضامن على المرأة لأنه ضمن عنها متطوعا في غير نظر لها ( قال الشافعي ) ولو كان دفع إلى الزوج عبدا من مالها على أن ضمن له ما أدركه في العبد فالعبد مردود عليها ويرجع الزوج على الضامن بقيمة العبد لأنه إنما ضمن له العبد لا غيره ولا يشبه الضامن البائع ولا المختلعة وقد قيل له صداق مثلها وإن أفلس الضامن فالزوج غريم له ولا يرجع على المرأة بحال

( قال ) ولا يجوز خلع المحجور عليها بحال إلا بأن يتطوع عنها أحد يجوز أمره في ماله فيعطي الزوج شيئا على أن يفارقها فيجوز للزوج ( قال ) والذمية المحجور عليها في هذا كالمسلمة المحجور عليها ( قال ) والأمة هكذا وفي أكثر من هذا لأنها لا تملك شيئا بحال وسواء كانت رشيدة بالغا أو سفيهة محجورا عليها لا يجوز خلعها بحال إلا أن يخالع عنها سيدها أو من يجوز أمره في مال نفسه من مال نفسه متطوعا به فيجوز للزوج ( قال ) وإن أذن لها سيدها بشيء تخلعه فالخلع جائز وكذلك المدبرة وأم الولد

( قال ) ولا يجوز ما جعلت المكاتبة على الخلع ولو أذن لها الذي كاتبها لأنه ليس بمال له فيجوز إذنه فيه ولا لها فيجوز ما صنعت في مالها

( قال ) ولا يجوز خلع زوج حتى يجوز طلاقه ، وذلك أن يكون بالغا غير مغلوب على عقله ، فإذا كان غير مغلوب على عقله فخلعه جائز محجورا عليه كان أو رشيدا أو ذميا أو مملوكا من قبل أن طلاقه جائز ، فإذا جاز طلاقه بلا شيء يأخذه كان أخذه ما أخذ عليه فضلا أولى أن يجوز من طلاقه بلا شيء وهو في الخلع كالبالغ الرشيد فلو كان مهر امرأته ألفا وخالعته بدرهم جاز عليه ولولي المحجور أن يلي عليه ما أخذ بالخلع لأنه مال من ماله وما أخذ العبد بالخلع فهو لسيده ( قال ) فإن استهلكا ما أخذا قبل إذن ولي المحجور وسيد العبد له رجع ولي المحجور وسيد العبد به على المختلعة من قبل أنه حق لزمها له كما لو كان عليها دين أو أرش جناية فدفعته إليه رجع به وليه وسيد العبد عليها

( قال الشافعي ) وإن خلع أبو الصبي أو المعتوه أو وليه عنه امرأته أو أبا امرأته فالخلع باطل والنكاح ثابت ، وما أخذا من المرأة أو وليها على الخلع فهو مردود كله وهي امرأته بحالها وكذلك إن كان مغلوبا على عقله أو غير بالغ فخالع عن نفسه فهي امرأته بحالها ، وكذلك سيد العبد إن خالع عن عبده بغير إذنه لأن الخلع طلاق فلا يكون لأحد أن يطلق عن أحد أب ولا سيد ولا ولي ولا سلطان إنما يطلق المرء عن نفسه أو يطلق عليه السلطان بما لزمه من نفسه إذا امتنع هو أن يطلق وكان ممن له طلاق وليس الخلع من هذا المعنى بسبيل .

الخلع في المرض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والخلع في المرض والصحة جائز كما يجوز البيع في المرض والصحة وسواء أيهما كان المريض أحدهما دون الآخر أو هما معا ويلزمه فيه ما سمى الزوج من الطلاق ( قال ) فإن كان الزوج المريض فخالعها بأقل من مهر مثلها ما كان أو أكثر فالخلع جائز وإن مات من المرض لأنه لو طلقها بلا شيء كان الطلاق جائزا ( قال ) وإن كانت هي المريضة وهو صحيح أو مريض فسواء وإن خالعته بمهر مثلها أو أقل فالخلع جائز ، وإن خالعته بأكثر من مهر مثلها ثم ماتت من مرضها [ ص: 215 ] قبل أن تصح جاز لها مهر مثلها من الخلع وكان الفضل على مهر مثلها وصية يحاص أهل الوصاية بها ولا ترث المختلعة في المرض ولا في الصحة زوجها ولا يرثها ولو مات أحدهما وهي في العدة

( قال ) ولو خالعها على عبد بعينه أو دار بعينها وقيمة العبد والدار مائة ومهر مثلها خمسون ثم ماتت من مرضها كان له الخيار في أن يكون له نصف العبد أو الدار أو يرجع بمهر مثلها نقدا كما لو اشتراه فاستحق نصفه كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء نقض البيع ورجع بالثمن ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر أنه إن اشترى عبدا فاستحق بعضه أن الصفقة باطلة من قبل أنها جمعت شيئين أحدهما حرام والآخر حلال فبطلت كلها ، وهكذا الخلع على عبد استحق بعضه لأن الخلع بيع من البيوع وله مهر مثلها والعبد مردود ( قال الشافعي ) وسواء كان للمرأة ميراث أو كان الزوج بحاله أصاب منه أقل أو أكثر أو مثل صداق مثلها أو الصداق الذي أعطاها أو لم يكن إنما الخلع كالبيع ، ألا ترى أن الخلع يفسد فيرجع عليها بمهر مثلها كما يرجع في البيوع الفائتة الفاسدة بقيمة السلعة ومال الميراث وهو لا يملك حتى تموت المرأة وهو زوج والخلع الذي هو عوض من البضع .

ما يجوز أن يكون به الخلع وما لا يجوز

( قال الشافعي ) رحمه الله : جماع ما يجوز به الخلع ولا يجوز أن ينظر إلى كل ما وقع عليه الخلع فإن كان يصلح أن يكون مبيعا فالخلع به جائز وإن كان لا يصلح أن يكون مبيعا فهو مردود وكذلك إن صلح أن يكون مستأجرا فهو كالمبيع ( قال ) وذلك مثل أن يخالع الرجل امرأته بخمر أو خنزير أو بجنين في بطن أمه أو عبد آبق أو طائر في السماء أو حوت في ماء أو بما في يده أو بما في يدها ولا يعرف الذي هو في يده أو بثمرة لم يبد صلاحها على أن يترك أو بعبد بغير عينه ولا صفة أو بمائة دينار إلى ميسرة أو إلى ما شاء أحدهما بغير أجل معلوم أو ما في معنى هذا أو يخالعها بحكمه أو بما شاء فلان أو بمالها كله وهو لا يعرفه أو بما في بيتها وهو لا يعرفه ( قال ) وإذا وقع الخلع على هذا فالطلاق واقع لا يرد ويرجع عليها أبدا بمهر مثلها ، وكذلك إن خالعها على عبد رجل أو دار رجل فسلم ذلك الرجل العبد أو الدار لم يجز لأن البيع كان لا يجوز فيهما حين عقد وهكذا إن خالعها على عبد فاستحق أو وجد حرا أو مكاتبا رجع عليها بصداق مثلها لا قيمة ما خالعها عليه ولا ما أخذت منه من المهر كما يشتري الشيء شراء فاسدا فيهلك في يدي المشتري فيرجع البائع بقيمة الشيء المشترى الفائت لا بقيمة ما اشتراه به والطلاق لا يرجع فهو كالمستهلك فيرجع بما فات منه وقيمة ما فات منه صداق مثلها كقيمة السلعة الفائتة

( قال ) ولو اختلعت منه بعبد فاستحق نصفه أو أقل أو أكثر كان الزوج بالخيار بين أن يأخذ النصف ويرجع عليها بنصف مهر مثلها أو يرد العبد ويرجع عليها بمهر مثلها كحكمه لو اشتراه فاستحق نصفه ( قال الربيع ) وقول الشافعي الذي نأخذ به إن استحق بعضه بطل كله ورجع بصداق مثلها

( قال ) وكذلك لو خالعها على أنه بريء من سكناها كان الطلاق واقعا وكان ما اختلعت به غير جائز لأن إخراجها من المسكن محرم ولها السكنى ويرجع عليها بمهر مثلها ولو خالعها على أن عليها رضاع ابنها وقتا معلوما كان جائزا لأن الإجارة تصح على الرضاع بوقت معلوم فلو مات المولود وقد مضى نصف الوقت رجع عليها [ ص: 216 ] بنصف مهر مثلها ولو لم ترضع المولود حتى مات أو انقطع لبنها أو هربت منه حتى مضى الرضاع رجع عليها بمهر مثلها وإنما قلت إذا مات المولود رجع عليها بمهر مثلها ولم أقل يأتيها بمولود مثله ترضعه كما يتكارى منها المنزل فيسكنه غيره والدابة فتحمل عليها ورثته غيره إذا مات ويفعل ذلك هو وهو حي لأن إبداله مثلها ممن يسكن سكنه ويركب ركوبه سواء لا يفرق السكن ولا الدابة بينهما وأن المرأة تدر على المولود ولا تدر على غيره ويقبل المولود ثديها ولا يقبله غيره ويستمريه منها ولا يستمريه من غيرها ولا ترى أمه ولا تطيب نفسها له وليس هذا في دار ولا دابة يركبها راكب ولا يسكنها ساكن

( قال ) ولو اختلعت منه بأن عليها ما يصلح المولود من نفقة وشيء إن نابه وقتا معلوما لم يجز لأن ما ينوبه مجهول لما يعرض له من مرض وغيره .

وكذلك نفقته إلا أن تسمى مكيلة معلومة ودراهم معلومة تختلع منه بها ويأمرها بنفقتها عليه ويصدقها بها أو يدفعها إلى غيره أو يوكل غيرها بها فيقبضها في أوقات معلومة فإن وكل غيرها بأن يقبضها إذا احتاج لم يجز لأن حاجته قد تقدم وتؤخر وتكثر وتقل وإذا لم يجز رجع عليها بمهر مثلها وإن قبض منها مع الشرط الفاسد شيئا لا يجوز رده عليها أو مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل

( قال ) وهكذا لو خالعها على نفقة معلومة في وقت معلوم وأن تكفنه وتدفنه إن مات أو نفقته وجعل طبيب إن مرض لأن هذا يكون ولا يكون وتكون نفقة المرض مجهولة وجعل الطبيب فإذا أنفقت عليه رجعت عليه بالنفقة وانفسخ الشرط وكان عليها مهر مثلها

( قال ) ولو خالعها بسكنى دار لها سنة معلومة أو خدمة عبد سنة معلومة جاز الخلع فإن انهدمت الدار أو مات العبد رجع عليها بمهر مثلها

( قال ) ولو اختلعت منه بما في بيتها من متاع فإن تصادقا على أنهما كانا يعرفان جميع ما في بيتها ولا بيت لها غيره أو سميا البيت بعينه جاز وإن كانا أو أحدهما لا يعرفه أو كان لها بيت غيره فلم يسميا البيت وإن عرفا ما فيه فالخلع جائز وله مهر مثلها

( قال ) وإن اختلعت منه بالحساب الذي كان بينهما فإن كانت تعرفه ويعرفه جاز وإن كانا يجهلانه وقع الخلع وله عليها مهر مثلها وإن عرفه أحدهما وادعى الآخر جهالته تحالفا وله مهر مثلها وإن عرفاه فادعى الزوج أنه كان في البيت شيء فأخرج منه أو المرأة أنه لم يكن في البيت شيء فأدخله تحالفا وله عليها مهر مثلها .

المهر الذي مع الخلع ( قال الشافعي ) وإذا خالع الرجل امرأته دخل بها أو لم يدخل بها قبضت منه الصداق أو لم تقبضه فالخلع جائز فإن كانت خالعته على دار أو دابة أو عبد بعينه أو شيء أو دنانير مسماة أو شيء يجوز عليه الخلع ولم يذكر واحد منهما المهر فالخلع جائز ولا يدخل المهر في شيء منه فإن كان دفع إليها المهر وقد دخل بها فهو لها لا يأخذ منه شيئا ، وإن لم يكن دفع إليها فالمهر لها عليه وإن كان لم يدخل بها وقد دفع المهر إليها رجع عليها بنصف المهر وإن كان لم يدفع منه شيئا إليها أخذت منه نصف المهر وإن كان المهر فاسدا أخذت منه نصف مهر مثلها ( قال ) والخلع والمبارأة والفدية سواء كله في هذا إذا أريد به الفراق ولا يختلف وكذلك الطلاق على شيء موصوف

( قال ) وإن تخالعا وقد سمى لها صداقا ولم يذكراه فهو كما وصفت ، لها الصداق إن دخل ونصفه إن لم يدخل فإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها إن دخل ونصف مهر مثلها إن لم يدخل وإن لم يكن سمى صداقا فلها المتعة والخلع جائز

( قال ) فإن قالت أبارئك على مائة دينار وأدفعها إليك فهو كقولها أخالعك وإن قالت أبارئك على مائة دينار على أن لا تباعة لواحد منا على صاحبه فتصادقا على البراءة من الصداق جاز وإن لم يتصادقا وأراد البراءة من [ ص: 217 ] الصداق وقالت لم أبرئك منه تحالفا وكان لها مهر مثلها وليس هذا كالمسألة قبلها المبارأة ههنا مطلقة على المبارأة من عقد النكاح والمبارأة ههنا على أن لا تباعة لواحد منهما على صاحبه تحتمل عقد النكاح والمال فلذلك جعلنا هذا مبارأة مجهولة ورددناها إلى مهر مثلها فيها إذا تناكرا في الصداق .

الخلع على الشيء بعينه فيتلف ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلعت المرأة من زوجها بعبد بعينه فلم تدفعه إليه حتى مات العبد رجع عليها بمهر مثلها كما يرجع لو اشتراه منها فمات قبل أن يقبضه رجع عليها بثمنه الذي قبضت منه وينتقض فيه البيع ، ولو قبضه منها ثم غصبته إياه أو قتلته كان له عليها قيمته وكان كعبد له لم تملكه قط جنت عليه أو غصبته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكذلك لو اختلعت منه على دابة أو ثوب أو عرض فمات أو تلف رجع عليها بمهر مثلها ، ولو اختلعت منه على دار فاحترقت قبل أن يقبضها كان له الخيار في أن يرجع بمهر مثلها أو تكون له العرصة بحصتها من الثمن ، فإن كانت حصتها من الثمن النصف كانت له به ورجع عليها بنصف مهر مثلها

( قال ) ولو اختلعت منه بعبد معيب فرده بالعيب رجع عليها بمهر مثلها ، ولو خالعته على ثوب وشرطت أنه هروي فإذا هو غير هروي فرده بأنه ليس كما شرطت رجع عليها بالمهر والخلع في كل ما وصفت كالبيع لا يختلف .

خلع المرأتين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت للرجل امرأتان فقالتا له طلقنا معا بألف لك علينا فطلقهما في ذلك المجلس لزمه الطلاق وهو بائن لا يملك فيه الرجعة والقول في الألف واحد من قولين فمن أجاز أن ينكح امرأتين معا بمهر مسمى فيكون بينهما على قدر مهر مثلهما أجاز هذا وجعل على كل واحدة منهما من الألف بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما مائة والأخرى مائتين فعلى التي مهر مثلها مائة ثلث الألف والتي مهر مثلها مائتان ثلثاها ( قال ) ومن قال هذا قال فإن طلق إحداهما دون الأخرى في وقت الخيار وقع عليها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف ثم إن طلق الأخرى قبل مضي وقت الخيار لزمها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف ، وإن مضى وقت الخيار فطلقها لزمها الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شيء له من الألف ولو طلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الأخرى حتى يمضي وقت الخيار لزم التي طلق في وقت الخيار حصتها من الألف وكان طلاقا بائنا ولم يلزم التي طلق بعد وقت الخيار شيء وكان يملك في طلاقها الرجعة ( قال ) وله أن لا يطلقها في وقت الخيار ولا بعد ، وإن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت الخيار لم يكن لهما ، وكذلك لو قال هو لهما إن أعطيتماني ألفا فأنتما طالقان ثم أراد أن يرجع لم يكن ذلك له في وقت الخيار فإذا مضى فأعطياه ألفا لم يكن عليه أن يطلقهما إلا أن يشاء أن يبتدئ لهما طلاقا





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #219  
قديم 09-01-2023, 04:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (219)
صــــــــــ 218 الى صـــــــــــ 230



( قال ) وإن قالتا طلقنا بألف فطلقهما ثم ارتدتا لزمتهما الألف بالطلاق وأخذت منهما ( قال ) ولو قالتا هذا له ثم ارتدتا فطلقهما بعد الردة وقف [ ص: 218 ] الطلاق فإن رجعتا إلى الإسلام في العدة لزمتهما وكانتا طالقين باثنتين لا يملك رجعتهما وعدتهما من يوم تكلم بالطلاق لا من يوم ارتدتا ولا من يوم رجعتا إلى الإسلام وإن لم ترجعا إلى الإسلام حتى تمضي العدة أو تقتلا أو تموتا لم يقع الطلاق ولم يكن له من الألف شيء

( قال ) ولو كانت لرجل امرأتان محجورتان فقالتا طلقنا على ألف فطلقهما فالطلاق لازم وهو يملك فيه الرجعة إذا لم يكن جاء على طلاقهما كله ولا شيء له عليهما من الألف ( قال ) وإن كانت إحداهما محجورا عليها والأخرى غير محجور عليها لزمهما الطلاق وطلاق غير المحجور عليها جائز بائن وعليها حصتها من الألف وطلاق المحجور عليها يملك فيه الرجعة إذا أبطلت ماله بكل حال جعلت الطلاق يملك الرجعة وإن كان أراد هو أن لا يملك الرجعة ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق واحدة بائن كانت واحدة يملك الرجعة

( قال ) ولو كانت امرأته أمة فخالعها كانت التطليقة بائنا ولا شيء عليها ما كانت مملوكة إذا لم يأذن لها السيد ويتبعها بالخلع إذا عتقت وإنما أبطلته عنها في الرق لأنها لا تملك شيئا كما أبطلته عن المفلس حتى يوسر فلو خلع رجل امرأة له مفلسة كان الخلع في ذمتها إذا أيسرت لأني لم أبطله من جهة الحجر فيبطل بكل حال

( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته اختلعي على ألف على أن أعطيك هذا العبد فمن أجاز نكاحا وبيعا معا أجاز هذا الخلع وجعل العبد مبيعا ومهر مثلها بألف كأن قيمة العبد ألف وقيمة مهر مثلها ألف فالعبد مبيع بخمسمائة فإذا وجدت به عيبا فمن قال إذا جمعت الصفقة شيئين لم يردا إلا معا فردت العبد رجع عليها بمهر مثلها وكان لها الألف يحاصها بها ومن قال إذا جمعت الصفقة شيئين مختلفين رد أحدهما بعيبه بحصته من الثمن رده بخمسمائة ( قال ) وقد يفترق هذا والبيع لأن أصل ما عقد هذا عليه أن الطلاق لا يرد بحال فيجوز لمن قال لا يرد البيع إلا معا أن يرد العبد بخمسمائة من الثمن ويفرق بينه وبين البيع

( قال ) وإذا كانت للرجل امرأتان فقالت إحداهما طلقني وفلانة على أن لك علي ألف درهم أو علي ألف درهم ففعل فالألف للتي خاطبه لازمة يتبعها بها وهكذا لو قال ذلك له أجنبي فإن طلق التي لم تخاطبه وأمسك التي خاطبته لزمت المخاطبة حصة التي طلقت من الصداق على ما وصفت من أن يقسم الصداق على مهر مثلها فيلزمها حصة مهر مثل مطلقة ( قال ) وهكذا لو قال هذا له أجنبي

( قال ) وإذا كان لرجل امرأتان فقالت له إحداهما لك علي إن طلقتني ألف وحبست صاحبتي فلم تطلقها أبدا فطلقها كان له عليها مهر مثلها لفساد الشرط في حبس صاحبتها أبدا وهو مباح له أن يطلقها ( قال ) ولو قالت لك علي ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فأخذها رجعت بها عليه وكان له أن يطلقها ، ولو قالت لك علي ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فطلق صاحبتها كان له عليها مثل مهر صاحبتها كان أقل من ألف أو أكثر ولم تكن له الألف لفساد الشرط وكان له أن يطلقها متى شاء

( قال ) ولو قالت له لك علي ألف درهم على أن تطلقني وصاحبتي فطلقهما لزمتها الألف وإن طلق إحداهما كان له من الألف بقدر حصة مهر مثل المطلقة منهما

( قال والقول الثاني ) أن رجلا لو كانت له امرأتان فأعطتاه ألفا على أن يطلقهما فطلقهما كان له عليهما مهور أمثالهما ولم يكن له من الألف شيء وكذلك لو أعطته واحدة ألف درهم على أن يطلقها ويعطيها عبدا له لم يكن لها العبد وكان له عليها مهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع طلاق واحدة شيء غير طلاقها أو شيء تأخذه مع طلاقها كان الشرط باطلا ، والطلاق واقع ورجع عليها بمهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع شيء تأخذه مع طلاقها في هذه الوجوه كلها

( قال ) وما أعطته المرأة عن نفسها أو أعطاه أجنبي عنها أن يطلقها فسواء إذا كان ما أعطاه مما يجوز أن يملك تم له وجاز الطلاق وإذا كان مما لا يجوز أن يملك رجع عليها [ ص: 219 ] إن كانت المعطية عن نفسها أو غيرها أو أعطت عن غيرها أو أعطى عنها أجنبي ما لزمها من ذلك في نفسها لزمها في غيرها وما لزمها في نفسها لزم الأجنبي فيها إذا أعطاه عنها لا يفترق ذلك كما يلزم ما يؤخذ في البيوع

( قال ) وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ثلاثا ولك علي ألف درهم فطلقها ثلاثا فله الألف وإن طلقها اثنتين فله ثلثا الألف وإن طلقها واحدة فله ثلث الألف والطلاق بائن في الواحدة والثنتين

( قال ) ولو لم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة فقالت له طلقني ثلاثا ولك ألف درهم فطلقها واحدة كانت له الألف لأن الواحدة تقوم مقام الثلاث في أن تحرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره

( قال ) ولو كانت بقيت له عليها اثنتان فقالت له طلقني ثلاثا ولك ألف درهم فطلقها اثنتين كانت له الألف لأنها تحرم عليه بالاثنتين حتى تنكح زوجا غيره ولو طلقها واحدة كان له ثلثا الألف لأنها تبقى معه بواحدة ولا تحرم عليه حتى يطلقها إياها فلا تأخذ أكثر من حصتها من الألف

( قال ) ولو قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا كانت له الألف وكان متطوعا بالثنتين اللتين زادهما

( قال ) ولو قالت له إن طلقتني واحدة فلك ألف أو ألفان فطلقها واحدة كان له مهر مثلها لأن الطلاق لم ينعقد على شيء معلوم ، وكذلك لو قالت لي الخيار أن أعطيك ألفا لا أنقصك منها أو ألفين أو لك الخيار أو لي ولك الخيار

( قال ) ولو كانت بقيت عليها واحدة من الطلاق فقالت طلقني ثلاثا واحدة أحرم بها واثنتين إن نكحتني بعد اليوم كان له مهر مثلها إذا طلقها كما قالت

( قال ) ولو قالت له إن طلقتني فعلي أن أزوجك امرأة تغنيك وأعطيك صداقها أو أي امرأة شئت وأعطيك صداقها وسمت صداقها أو لم تسمه فالطلاق واقع وله مهر مثلها وإنما منعني أن أجيزه إذا سمت المهر أنها ضمنت له تزويج امرأة قد لا تزوجه ففسد الشرط فإذا فسد فإنما له مهر مثلها

( قال ) وهكذا لو قالت له إن طلقتني واحدة فلك ألف ولك إن خطبتني أن أنكحك بمائة فطلقها فله مهر مثلها ولا يكون له عليها أن تنكحه إن طلقها ، قال وهكذا لو قالت له طلقني ولك ألف ولك أن لا أنكح بعدك أبدا فطلقها فله مهر مثلها ولها أن تنكح من شاءت

( قال ) وإذا وكل الزوج في الخلع فالوكالة جائزة والخلع جائز فمن جاز أن يكون وكيلا بمال أو خصومة جاز أن يكون وكيلا بالخلع للرجل وللمرأة معا وسواء كان الوكيل حرا أو عبدا أو محجورا أو رشيدا أو ذميا كل هؤلاء تجوز وكالته

( قال ) ولا يجوز أن يوكل غير بالغ ولا معتوها .

فإن فعل فالوكالة باطلة إذا كان هذان لا حكم لكليهما على أنفسهما فيما لله عز وجل وللآدميين فلا يلزمهما لم يجز أن يكونا وكيلين يلزم غيرهما بهما قول

( قال ) وأحب إلي أن يسمي الموكلان ما يبلغ الوكيل لكل واحد منهما الرجل بأن يقول وكلته بكذا لا يقبل أقل منه ، والمرأة بأن يعطي عنها وكيلها كذا لا يعطى أكثر منه ( قال ) وإن لم يفعلا جازت وكالتهما وجاز لهما ما يجوز للوكيل ورد من فعلهما ما يرد من فعل الوكيل فإن أخذ وكيل الرجل من المرأة أو وكيلها أقل من مهر مثلها فشاء الموكل أن يقبله ويجوز عليه الخلع فيكون الطلاق فيه بائنا فعل ، وإن شاء أن يرده فعل ، فإذا رده فالطلاق فيه جائز يملك الرجعة وهو في هذه الحال في حكم من اختلع من محجور عليها لا أنه قياس عليه

( قال ) وكذلك إن خالعها بعرض أو بدين فشاء أن يكون له الدين ما كان كان له ، وإن شاء أن لا يكون له ويلزمه الطلاق ثم يملك فيه الرجعة كان

( قال ) وإن أخذ وكيل الرجل من المرأة نفسها أكثر من مهر مثلها جاز الخلع وكان قد ازداد للذي وكله

( قال ) وإن أعطى وكيل المرأة عنها الزوج نفسه مهر مثلها أو أقل نقدا أو دينا جاز عليها وإن أعطى عليها دينا أكثر من مهر مثلها فشاءت لزمها وتم الخلع وإن شاءت رد عليها كله ولزمها مهر مثلها .

وكان حكمها حكم امرأة اختلعت بما لا يجوز أو بشيء بعينه فتلف فيلزمها مهر مثلها نقدا يجوز في الخلع ما يجوز في [ ص: 220 ] البيع ولا يلزم الزوج أن يؤخذ له عرض ولا دين إلا أن يشاء ولا المرأة أن يعطى عليها عرض ويعطى عليها دين مثل أو أقل من مهر مثلها نقدا .

وإنما لزمها أنها إن شاءت أدته نقدا وإن شاءت حسبته فاستفضلت تأخيره ولم تزد عليها في عدده فلا يكون الخلع لوكيل إلا بدنانير أو دراهم كما لا يكون البيع لوكيل إلا بدنانير أو دراهم

( قال ) ولا يغرم وكيل المرأة ولا الرجل شيئا وإن تعديا إلا أن يعطي وكيل المرأة أكثر من مهر مثلها فيتلف ما أعطى فيضمن الفضل من مهر مثلها فأما إذا كان قائما بعينه في يد الزوج فينتزع منه لا يغرم الوكيل ولا يشبه هذا البيوع وذلك أنه إن وكله بسلعة فاشتراها بأكثر من ثمن مثلها لزمته السلعة بيعا لنفسه وأخذ منه الموكل الثمن الذي أعطاه إن لم يختر أخذ السلعة والوكيل لا يملك المرأة ولا يرد الطلاق بحال وطلاقها كشيء اشتراه لها فاستهلكته فإذا كان الثمن مجهولا أو فاسدا ضمنت قيمته ولم يضمنها الوكيل

( قال ) ولو وكله رجل بأن يأخذ من امرأته مائة ويخالعها فأخذ منها خمسين لم يجز الخلع وكانت امرأته بحالها كما لو قال لها إن أعطيتني مائة فأنت طالق فأعطته خمسين لم تكن طالقا ولو وكلت هي رجلا على أن يعطي عنها مائة على أن يطلقها زوجها فأعطى عنها مائتين فطلقها زوجها بالمائتين فإن قال الوكيل لك مائتا دينار على أن تطلقها فطلقها فالمائتان لازمة للوكيل تؤخذ منها المائة التي وكلته بها ومائة بضمانه إياها وإن كان قال له لك مائتا دينار من مال فلانة لا أضمنها لك أو قاله وسكت ففعل فطلقها لزمها الأكثر من المائة التي وكلت بها الوكيل أو مهر مثلها ولم يلزمها ما زاد على ذلك من المائتين ولا الوكيل لأنه لم يضمن له شيئا ولو كان الوكيل قال له طلقها على أن أسلم لك مائتي دينار من مالها فالوكيل ضامن إن لم تسلم ذلك له المرأة أخذ الزوج من مال المرأة الأكثر من مائة دينار ومهر مثلها ورجع على الوكيل بالفضل عن ذلك حتى يستوفي مائتي دينار ولو أفلست المرأة كانت المائتا الدينار له على الوكيل بالضمان بتسليم المائتين ولو كان مكان الوكيل أب أو أم أو ولي أو أجنبي لم توكله ولا واحدا منهم فقال للزوج اخلعها على أن أسلم لك من مالها مائتي دينار ففعل الزوج ثم رجع كان له عليه مائتا دينار ولم يرجع المتطوع بالضمان عنها عليها بشيء لأنها لم توكله بأن يخالع بينها وبين زوجها .

مخاطبة المرأة بما يلزمها من الخلع وما لا يلزمها ( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا قالت المرأة للرجل إن طلقتني ثلاثا فلك علي مائة فسواء هو كقول الرجل بعني ثوبك هذا بمائة لك علي أو بعني ثوبك هذا بمائة قال فإن طلقها ثلاثا فله عليها مائة دينار

( قال ) ولو قالت له طلقني بألف فقال أنت طالق بألف فقالت أردت فلوسا وقال هو أردت دراهم أو قالت أردت دراهم وقال هو أردت دنانير تحالفا وكان له مهر مثلها

( قال ) ولو قالت له طلقني على ألف فقال أنت طالق على ألف ، فقالت أردت طلقني على ألف على أبي أو أخي أو جاري أو أجنبي فالألف لازمة لها لأن الطلاق لا يرد .

وظاهر هذا أنه كقولها طلقني على ألف علي

( قال ) ولو قالت إن طلقتني فلك ألف درهم فطلقها في وقت الخيار كانت له عليها ألف درهم والطلاق بائن وإن طلقها بعد مضي وقت الخيار لزمه الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شيء له عليها

( قال ) وكذلك لو قال لها أنت طالق إن ضمنت لي ألف درهم أو أمرك بيدك تطلقين نفسك إن ضمنت لي ألف درهم أو قد جعلت طلاقك إليك إن ضمنت لي ألف درهم فضمنتها في هذه المسائل في وقت الخيار كانت طالقا وكانت عليها ألف وإن ضمنتها بعد وقت الخيار لم تكن طالقا ولم يكن عليها شيء ( قال ) وجماع [ ص: 221 ] هذا إذا كان الشيء يتم بها وبه لم يجز إلى مدة ولم يجز إلا في وقت الخيار كما لا يجوز ما جعل إليها من أمرها إلا في وقت الخيار لأنه قد تم بها وبه

( قال ) ولو قال لها إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فقالت قد ضمنت لك ألفا أو أعطته عرضا بألف أو نقدا أقل من ألف لم يكن طلاقا إلا بأن تعطيه ألفا في وقت الخيار فإن مضى وقت الخيار لم تطلق وإن أعطته ألفا إلا بأن يحدث لها طلاقا بعد

( قال الشافعي ) ولو قال لها أنت طالق إذا دفعت إلي ألفا فدفعت إليه شيئا رهنا قيمته أكثر من ألف لم تطلق ولا تطلق إلا بأن تدفع إليه الألف

( قال ) ولو قال لها إن أعطيتني ألف درهم طلقتك فأعطته ألف درهم لم يلزمه أن يطلقها ويلزمه أن يرد الألف عليها وهذا موعد لا إيجاب طلاق وكذلك إن قال إذا أعطيتني ألف درهم طلقتك .

وهكذا إن قالت له إن أعطيتك ألف درهم تطلقني أو طلقتني ؟ قال نعم ، ولا يلزمه طلاق بما أعطته حتى يقول إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق أو أنت طالق إذا أعطيتني ألف درهم فتعطيه ألف درهم في وقت الخيار ، ولو قال لها إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألف درهم طبرية لم تطلق إلا بأن تعطيه وزن سبعة ولو أعطته ألفا بغلية طلقت لأنها ألف درهم وزيادة وكان كمن قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا وزيادة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أعطته ألفا رديئة مردودة فإن كانت فضة يقع عليها اسم الدراهم طلقت وكان له عليها أن تبدله إياها ، وإن كانت لا يقع عليها اسم الدراهم أو على بعضها اسم فضة لأنها ليست فضة لم تطلق

ولو قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا أي عبد ما كان أعور أو معيبا فهي طالق ولا يملك العبد وله عليها صداق مثلها .

وكذلك لو قال لها إن أعطيتني شاة ميتة أو خنزيرا أو زق خمر فأنت طالق فأعطته بعض هذا كانت طالقا لأن هذا كقوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق ولا يملك شيئا من هذا ويرجع عليها بمهر مثلها في كل مسألة من هذا .

وإن قال لها إن أعطيتني شيئا يعرفانه جميعا بعينه فأنت طالق فأعطته إياه كانت طالقا فإن وجد به عيبا كان له رده ويرجع عليها بمهر مثلها ، وإن أعطته عبدا فوجده مدبرا لها لم يكن له رده لأن لها بيعه وإن وجده مكاتبا لم يكن له ، ولو عجز بعدما يطلقها لم يكن له لأن العقد وقع عليه وهو لا يجوز بيعه وإن وجده حرا أو لغيرها فيه شرك لم يكن له ولو سلمه صاحبه وكان له في هذا كله مهر مثلها .

اختلاف الرجل والمرأة في الخلع ( قال الشافعي ) وإذا اختلفت المرأة والرجل في الخلع على الطلاق فهو كاختلاف المتبايعين فإن قالت طلقتني واحدة أو أكثر على ألف درهم وقال بل على ألفين تحالفا وله صداق مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين ، وهكذا لو قالت له خالعتني على ألف إلى سنة وقال بل خالعتك على ألف نقدا أو قالت له خالعتني على إبرائك من مهري فقال بل خالعتك على ألف آخذها منك لا على مهرك أو على ألف مع مهرك تحالفا وكان مهرها بحاله ويرجع عليها بصداق مثلها

( قال ) وهكذا لو قالت له ضمنت لك ألفا أو أعطيتك ألفا على أن تطلقني وفلانة أو تطلقني وتعتق عبدك فطلقتني ولم تطلقها أو طلقتني ولم تعتق عبدك وقال بل طلقتك بألف وحدك تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها وكذلك لو قالت له أعطيتك ألفا على أن تطلقني ثلاثا فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل أخذت منك الألف على الخلع وبينونة طلاق فإنما هي واحدة أو على ثنتين فطلقتكهما تحالفا ورجع بمهر مثلها ولم يلزمه من الطلاق إلا ما أقر به وهكذا لو [ ص: 222 ] قالت له أعطيتك ألفا على أن تطلقني ثلاثا وتطلقني كلما نكحتني ثلاثا فقال ما أخذت الألف إلا على الطلاق الأول تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها .

وكذلك لو أقر لها بما قالت رجع عليها بمهر مثلها لأنه لا يجوز أن يأخذ الجعل على أن يطلقها قبل أن ينكحها ، ألا ترى أنه لو أخذ من أجنبية مالا على أنها طالق متى نكحها كان المال مردودا لأنه لا يملك من طلاقها شيئا وقد لا ينكحها أبدا

( قال ) ولو قالت له سألتك أن تطلقني ثلاثا بمائة وقال بل سألتني أن أطلقك واحدة بألف تحالفا وله مهر مثلها .

فإن أقامت المرأة البينة على دعواها وأقام الزوج البينة على دعواه وشهدت البينة أن ذلك بوقت واحد وأقر به الزوجان تحالفا وله صداق مثلها وسقطت البينة كما تسقط في البيوع إذا اختلفا والسلعة قائمة بعينها ويرد البيع وإن كان مستهلكا فقيمة المبيع ( قال ) والطلاق لا يرد وقيمة مثل البضع مهر مثلها ( قال ) وهكذا لو اختلفا فأقاما البينة ولم توقت بينتهما وقتا يدل على الخلع الأول فإن وقتت بينتهما وقتا يدل على الخلع الأول فالخلع الأول هو الخلع الجائز ، والثاني باطل إذا تصادقا إن لم يكن ثم نكاح ثم خلع فيكونان خلعين .

ألا ترى أن رجلا لو خالع امرأته بمائة ثم خالعها بعد ولم يحدث نكاحا بألف كانت الألف باطلا ولم يقع بها طلاق لأنه طلق ما لا يملك والأول جائز لأنه طلق ما يملك

( قال ) ولو قالت طلقتني ثلاثا بألف فقال بل طلقتك واحدة بألفين وأقام كل واحد منهما البينة على ما قال وتصادقا أن لم يكن طلاق إلا واحدة تحالفا وكان له مهر مثلها

( قال ) ولو قالت له طلقتني على ألف وأقامت شاهدا حلف وكانت امرأته ولو كانت المسألة بحالها فقال طلقتك على ألفين فلم تقبلي وجحدت كان القول قولها في المال ولم يلزمه الطلاق لأنه لم يقر بالطلاق إذ زعم أنه لم يقع

( قال ) ولو ادعت أنه خالعها وجحد فأقامت شاهدا بأنه خالعها على مائة وشاهدا أنه خالعها على ألف أو عرض فالشهادة لاختلافهما باطلة كلها ويحلف ( قال ) وهكذا لو كان هو المدعي أنه خالعها على ألف وأقام بها شاهدا وشاهدا آخر بألفين أو بعرض فالشهادة باطلة وهي تجحد لزمها الطلاق بإقراره ولم يلزمها المال وحلفت عليه ولا يملك الرجعة لأنه يقر أن طلاقه طلاق خلع لا يملك فيه الرجعة

( قال ) ولو قالت له سألتك أن تطلقني ثلاثا بألف فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل طلقتك ثلاثا فإن كان ذلك في وقت الخيار فهي طالق ثلاثا وله الألف .

وإن كان اختلافهما وقد مضى وقت الخيار تحالفا .

وكان له مهر مثلها

( قال الشافعي ) وإذا اختلف الزوج والمرأة فقال الزوج طلقتك على ألف وقالت المرأة طلقتني على غير شيء فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة والطلاق واقع ولا يملك فيه الزوج الرجعة لأنه مقر أن لا رجعة له على المرأة فيه وأن عليها له مالا فلا يصدق فيما يدعي عليها ويصدق على نفسه

( قال ) ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شيء وقال هو بل طلقتك قبل أن يمضي وقت الخيار كان القول قول المرأة في الألف وعلى الزوج البينة والطلاق لازم له ولا يملك الرجعة

( قال ) ولو قالت طلقتني أمس على غير شيء فقال بل طلقتك اليوم بألف فهي طالق اليوم بإقراره ولا يملك الرجعة ولا شيء له عليها من المال لأنها لم تقر به .

باب ما يفتدي به الزوج من الخلع ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا على أن تعطيني ألفا فلم تعطه ألفا فليست طالقا .

وهو كقوله أنت طالق إن أعطيتني ألفا وأنت طالق إن دخلت الدار .

وهكذا [ ص: 223 ] إن قال لها أنت طالق على أن عليك ألفا فإن أقرت بألف كانت طالقا وإن لم تضمنها لم تكن طالقا ( قال ) وهذا مثل قوله لها أنت طالق إن ضمنت لي ألفا

( قال ) ولو قال لها أنت طالق وعليك ألف كانت طالقا واحدة يملك الرجعة وليس عليها ألف وهذا مثل قوله أنت طالق وعليك حج وأنت طالق وحسنة وطالق وقبيحة ( قال ) وإن ضمنت له الألف على الطلاق لم يلزمها وهو يملك الرجعة كما لو ابتدأ الآن طلاقها فطلقها واحدة .

ثم قالت له اجعل الواحدة التي طلقتني بائنا بألف لم تكن بائنا .

وإن أخذ منها عليها ألفا فعليه ردها عليها

( قال ) ولو تصادقا على أنها سألته الطلاق بألف فقال أنت طالق وعليك ألف كانت عليها وكان الطلاق بائنا

( قال ) ولو قال لامرأته أنت طالق إن أعطيتني عبدك فأعطته إياه فإذا هو حر طلقت ورجع عليها بمهر مثلها .

ولو قالت له اخلعني على ما في هذه الجرة من الخل وهي مملوءة فخالعها فوجده خمرا وقع الطلاق وكان عليها له مهر مثلها .

خلع المشركين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلعت المرأة الذمية من زوجها بخمر بعينه أو بصفة فدفعتها إليه ثم جاءوا بعد إلينا أجزنا الخلع ولم نرده عليها بشيء ولو لم تدفعها إليه ثم ترافعوا إلينا أجزنا الخلع وأبطلنا الخمر وجعلنا له عليها مهر مثلها ( قال ) وهكذا أهل الحرب إن رضوا بحكمنا لا يخالفون الذميين في شيء إلا أنا لا نحكم على الحربيين حتى يجتمعا على الرضا ونحكم على الذميين إذا جاء أحدهما ( قال ) ولو أسلم أحد الزوجين وقد تقابضا فهكذا وإن لم يتقابضا بطل الخمر بينهما وكان له عليها مهر مثلها لا يجوز إن كان هو المسلم لمسلم أن يأخذ خمرا ولا إن كانت هي المسلمة أن تعطي خمرا ولو قبضها منها بعد ما يسلم عزر وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه .

وكذلك لو كانت هي المسلمة فدفعتها إليه عزرت وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه وهكذا كل ما حرم وإن استحلوه مالا مثل الخنزير وغيره فهما في جميع الأحكام كالمسلمين لا يختلف الحكم عليهم وعلى المسلمين إلا فيما وصفت مما مضى في الشرك ولا يرد في الإسلام .

الخلع إلى أجل ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلعت المرأة من زوجها بشيء مسمى إلى أجل فالخلع جائز وما سميا من المال إلى ذلك الأجل كما تكون البيوع ويجوز فيه ما يجوز في البيع والسلف إلى الآجال ، وإذا اختلعت بثياب موصوفة إلى أجل مسمى فالخلع جائز والثياب لها لازمة ، وكذلك رقيق وماشية وطعام يجوز فيه ما يجوز في السلف ويرد فيه ما يرد في السلف ( قال ) ولو تركت أن تسمي حيث يقبض منه الطعام أو تركت أن تسمي بعض صفة الطعام جاز الطلاق ورجع عليها بمهر مثلها

( قال ) ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شيء وقال هو بل طلقتك قبل أن يمضي وقت الخيار كان القول قول المرأة في الألف وعلى الزوج البينة والطلاق لازم له ولا يملك الرجعة .

[ ص: 224 ] العدد عدة المدخول بها التي تحيض ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } قال والأقراء عندنا والله تعالى أعلم الأطهار فإن قال قائل ما دل على أنها الأطهار وقد قال غيركم الحيض قيل له دلالتان أولهما الكتاب الذي دلت عليه السنة والآخر اللسان فإن قال وما الكتاب قيل قال الله تبارك وتعالى { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع { عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء } قال الشافعي أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج { عن أبي الزبير أنه سمع ابن عمر يذكر طلاق امرأته حائضا وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك وتلا النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن } قال الشافعي رحمه الله تعالى أنا شككت
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #220  
قديم 09-01-2023, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (220)
صــــــــــ 218 الى صـــــــــــ 230




قال الشافعي فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أن العدة الطهر دون الحيض وقرأ فطلقوهن لقبل عدتهن أن تطلق طاهرا لأنها حينئذ تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض فإن قال فما اللسان قيل القرء اسم وضع لمعنى فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج والطهر دم يحتبس فلا يخرج كان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس لقول العرب هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه ، وتقول العرب هو يقري الطعام في شدقه يعني يحبس الطعام في شدقه قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة قال ابن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق عروة وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا إن الله تبارك اسمه يقول ثلاثة قروء فقالت عائشة رضي الله عنها صدقتم وهل تدرون ما الأقراء الأقراء الأطهار أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد الذي قالت عائشة أخبرنا سفيان عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه أخبرنا مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن الأحوص بن حكيم هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة وقد كان طلقها فكتب معاوية إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فكتب إليه زيد إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها


أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال حدثنا سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت قال إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها



أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها أخبرنا مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله مولى المهري أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن المرأة إذا طلقت فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقالا قد بانت منه وحلت أخبرنا مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن [ ص: 225 ] وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه ولا ميراث قال الشافعي والأقراء الأطهار والله تعالى أعلم فإذا طلق الرجل امرأته طاهرا قبل جماع أو بعده اعتدت بالطهر الذي وقع عليها فيه الطلاق ولو كان ساعة من نهار وتعتد بطهرين تامين بين حيضتين فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حلت ولا يؤخذ أبدا في القرء الأول إلا أن يكون فيما بين أن يوقع الطلاق وبين أول حيض ولو طلقها حائضا لم تعتد بتلك الحيضة

فإذا طهرت استقبلت القرء

( قال ) ولو طلقها فلما أوقع الطلاق حاضت فإن كانت على يقين من أنها كانت طاهرا حين تم الطلاق ثم حاضت بعد تمامه بطرفة عين فذلك قرء وإن علمت أن الحيض وتمام الطلاق كانا معا استأنفت العدة في طهرها من الحيض ثلاثة قروء ، وإن اختلفا فقال الزوج وقع الطلاق وأنت حائض وقالت المرأة بل وقع وأنا طاهر فالقول قولها بيمينها ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال اؤتمنت المرأة على فرجها

( قال الشافعي ) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين فهو أحق بها ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت منه وهو خاطب من الخطاب لا يكون له عليها رجعة ولا ينكحها إلا كما ينكحها مبتدئا بولي وشاهدين ورضاها وإذا رأت الدم في وقت الحيضة الثالثة يوما ثم انقطع ثم عاودها بعد أو لم يعاودها أياما كثرت أو قلت فذلك حيض تحل به

( قال ) وتصدق على ثلاث حيض في أقل ما حاضت له امرأة قط ، وأقل ما علمنا من الحيض يوم وإن علمنا أن طهر امرأة أقل من خمس عشرة صدقنا المطلقة على أقل ما علمنا من طهر امرأة وجعلنا القول قولها ، وكذلك إن كان يعلم منها أنها تذكر حيضها وطهرها وهي غير مطلقة على شيء فادعت مثله قبلنا قولها مع يمينها ، وإن ادعت ما لم يكن يعرف منها قبل الطلاق ولم يوجد في امرأة لم تصدق إنما يصدق من ادعى ما يعلم أنه يكون مثله ، فأما من ادعى ما لم يعلم أنه يكون مثله فلا يصدق ، وإذا لم أصدقها فجاءت مدة تصدق في مثلها وأقامت على قولها قد حضت ثلاثا أحلفتها وخليت بينها وبين النكاح حين أن يمكن أن تكون صدقت ، ومتى شاء زوجها أن أحلفها ما انقضت عدتها فعلت ؟

ولو رأت الدم من الحيضة الثالثة ساعة أو دفعة ثم ارتفع عنها يومين أو ثلاثا أو أكثر من ذلك فإن كانت الساعة التي رأت فيها الدم أو الدفعة التي رأت فيها الدم في أيام حيضها نظرنا فإن رأت صفرة أو كدرة ولم تر طهرا حتى تكمل يوما وليلة فهي حيض تخلو عدتها بها من الزوج ، وإن كانت في غير أيام الحيض فكذلك إذا أمكن أن يكون بين رؤيتها الدم والحيض قبله قدر طهر فإن كان أتي عليها من الطهر الذي يلي هذا الدم أقل ما يكون بين حيضتين من الطهر كان حيضا تنقضي فيه عدتها وتنقطع به نفقتها إن كان يملك الرجعة وتركت الصلاة في تلك الساعة وصلت إذا طهرت وتركت الصلاة إذا عاودها الدم .

وإن كانت رأت الدم بعد الطهر الأول بيومين أو ثلاثا أو أكثر مما لا يمكن أن يكون طهرا لم تحل به من زوجها ولم تنقطع نفقتها ونظرنا أول حيض تحيضه فجعلنا عدتها تنقضي به وإن رأت الدم أقل من يوم . ثم رأت الطهر

لم يكن حيضا ، وأقل الحيض يوم وليلة .

والكدرة والصفرة في الحيض حيض ، ولو كانت المسألة بحالها فطهرت من حيضة أو حيضتين ثم رأت دما فطبق عليها فإن كان دمها ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا محتدما ، وفي الأيام التي بعده رقيقا قليلا فحيضها أيام الدم المحتدم الكثير وطهرها أيام الدم الرقيق القليل .

وإن كان دمها مشتبها كله كان حيضها بقدر عدد أيام حيضها فيما مضى قبل الاستحاضة وإذا رأت الدم في أول الأيام التي أجعلها أيام حيضها في الحيضة الثالثة حلت من زوجها

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : جعل الله تبارك وتعالى عدة من تحيض من [ ص: 226 ] النساء ثلاثة قروء وعدة من لم تحض ثلاثة أشهر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تترك الصلاة في أيام حيضها إذا كان دمها ينفصل وفي قدر عدد أيام حيضها قبل أن يصيبها ما أصابها .

وذلك فيما نرى إذا كان دمها لا ينفصل نجعلها حائضا تاركا للصلاة في بعض دمها وطاهرا تصلي في بعض دمها فكان الكتاب ثم السنة يدلان على أن للمستحاضة طهرا وحيضا فلم يجز - والله تعالى أعلم - أن تعتد المستحاضة إلا بثلاثة قروء قال فإذا أراد زوج المستحاضة طلاقها للسنة طلقها طاهرا من غير جماع في الأيام التي نأمرها فيها بالغسل من دم الحيض والصلاة .

فإذا طلقت المستحاضة أو استحيضت بعدما طلقت فإن كان دمها منفصلا فيكون منه شيء أحمر قاني وشيء رقيق إلى الصفرة فأيام حيضها أيام الأحمر القاني وأيام طهرها هي أيام الصفري فعدتها ثلاث حيض إذا رأت الدم الأحمر القانئ من الحيضة الثالثة انقضت عدتها ( قال ) وإن كان دمها مشتبها غير منفصل كما وصفنا فإن كان لها أيام حيض معروفة فأيام حيضها في الاستحاضة عدد أيام حيضها المعروف ووقتها وقتها إن كان حيضها في أول الشهر أو وسطه أو آخره فتلك أيام حيضها ، فإذا كان أول يوم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها .

وإن كان حيضها يختلف فيكون مرة ثلاثا ومرة خمسا ومرة سبعا ثم استحيضت أمرتها أن تدع الصلاة أقل أيام حيضها ثلاثا وتغتسل وتصلي وتصوم لأنها أن تصلي وتصوم - وليس ذلك عليها إذا لم تستيقن أنها حائض - خير من أن تدع الصلاة وهي عليها واجب وأحب إلي لو أعادت صوم أربعة أيام وليس ذلك بلازم لها ، وتخلو من زوجها بدخول أول يوم من أيام حيضتها الثالثة وليس في عدد الحيضتين الأوليين شيء يحتاج إليه إذا أتت على ثلاث وسبع وأيام طهر فلا حاجة بنا إلى علمها

( قال ) وإن كانت امرأة ليس لها أيام حيض ابتدئت مستحاضة أو كانت فنسيتها تركت الصلاة أقل ما حاضت امرأة قط وذلك يوم وليلة وهو أقل ما علمنا امرأة حاضت فإن كانت قد عرفت وقت حيضتها فبدأ تركها الصلاة في مبتدأ حيضتها وإن كانت لم تعرفه استقبلنا بها الحيض من أول هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق فإذا استهل الهلال الثالث انقضت عدتها منه .

ولو طلقت امرأة فاستحيضت أو مستحاضة فكانت تحيض يوما وتطهر يوما ، أو يومين وتطهر يومين أو ما أشبه هذا جعلت عدتها تنقضي بثلاثة أشهر ، وذلك المعروف من أمر النساء أنهن يحضن في كل شهر حيضة فانظر أي وقت طلقها فيه فاحسبها شهرا .

ثم هكذا حتى إذا دخلت في الشهر الثالث حلت من زوجها وذلك أن هذه مخالفة للمستحاضة التي لها أيام حيض كحيض النساء فلا أجد معنى أولى بتوقيت حيضتها من الشهور لأن حيضها ليس ببين ، ولو كانت تحيض خمسة عشر متتابعة أو بينها فصل وتطهر خمسة عشر متتابعة لا فصل بينها جعلت عدتها بالطهر ثلاثة قروء

( قال ) وعدة التي تحيض الحيض وإن تباعد كأنها كانت تحيض في كل سنة أو سنتين فعدتها الحيض وهكذا إن كانت مستحاضة فكانت لها أيام تحيضها كما تكون تطهر في أقل من شهر فتخلو بدخول الحيضة الثالثة فكذلك لا تخلو إلا بدخول الحيضة الثالثة وإن تباعدت ، وكذلك لو أرضعت فكان حيضها يرتفع للرضاع اعتدت بالحيض

( قال ) وإذا كانت تحيض في كل شهر أو شهرين فطلقت فرفعتها حيضتها سنة أو حاضت حيضة ثم رفعتها حيضتها سنة أنها لا تحل للأزواج إلا بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة وإن تباعد ذلك وطال وهي من أهل الحيض حتى تبلغ أن تيأس من المحيض وهي لا تيأس من المحيض حتى تبلغ السن التي من بلغتها من نسائها لم تحض بعدها فإذا بلغت ذلك خرجت من أهل الحيض وكانت من المؤيسات من المحيض اللاتي جعل الله عز وجل عددهن ثلاثة أشهر واستقبلت ثلاثة أشهر من يوم بلغت سن المؤيسات من المحيض لا تخلو [ ص: 227 ] إلا بكمال الثلاثة الأشهر وهذا يشبه والله تعالى أعلم ظاهر القرآن لأن الله تبارك وتعالى جعل على الحيض الأقراء وعلى المؤيسات وغير البوالغ الشهور فقال { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } فإذا كانت تحيض فإنها تصبر إلى الإياس من المحيض بالسن التي من بلغتها من نسائها أو أكثرهن لم تحض فينقطع عنها الحيض في تلك المدة ، وقد قيل إن مدتها أكثر الحمل وهو أربع سنين ولم تحض كانت مؤيسة من المحيض فاعتدت ثلاثة أشهر وقيل تتربص تسعة أشهر والله تعالى أعلم .

ثم تعتد ثلاثة أشهر

( قال ) والحيض يتباعد فعدة المرأة تنقضي بأقل من شهرين إذا حاضت ثلاث حيض ولا تنقضي إلا بثلاث سنين وأكثر إن كان حيضها يتباعد لأنه إنما جعل عليهن الحيض فيعتددن به وإن تباعد وإن كانت البراءة من الحمل تعرف بأقل من هذا فإن الله عز وجل حكم بالحيض فلا أحيله إلى غيره .

فلهذا قلنا عدتها الحيض حتى تؤيس من المحيض بما وصفت من أن تصير إلى السن التي من بلغها من أكثر نسائها لم تحض .

وقد يروى عن ابن مسعود وغيره مثل هذا القول .

أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت أنا أرثه لم أحض فاختصموا إلى عثمان فقضى للأنصارية بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه .

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله أبي بكرة أخبره أن رجلا من الأنصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فمكثت سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض ثم مرض حبان بعد أن طلقها بسبعة أشهر أو ثمانية فقلت له إن امرأتك تريد أن ترث فقال لأهله احملوني إلى عثمان فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان ما تريان ؟ فقالا نرى أنها ترثه إن مات ، يرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد التي قد يئسن من المحيض وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغن المحيض . ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى ثم توفي حبان من قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز في امرأة حبان مثل خبر عبد الله بن أبي بكرة .

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة تطلق وهم يحسبون أن يكون المحيض قد أدبر عنها ولم يبن لهم ذلك كيف تفعل ؟ ( قال ) كما قال الله عز وجل إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر قلت ما ينتظر بين ذلك ؟ قال إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر كما قال الله تبارك وتعالى .

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء : أتعتد أقراءها ما كانت إن تقاربت وإن تباعدت ؟ قال : نعم كما قال الله تبارك وتعالى .

أخبرنا سعيد عن المثنى عن عمرو بن دينار في امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فقال أما أبو الشعثاء فكان يقول أقراؤها حتى يعلم أنها قد يئست من المحيض .

أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت

( قال الشافعي ) وإن طلقت فارتفع محيضها أو حاضت حيضة أو حيضتين لم تحل إلا بحيضة ثالثة وإن بعد ذلك ، فإذا بلغت تلك السن استأنفت ثلاثة أشهر من يوم تبلغها .

أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب [ ص: 228 ] أنه قال : قال عمر بن الخطاب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة أشهر ثم حلت .

( قال الشافعي ) قد يحتمل قول عمر أن يكون في المرأة قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن من المحيض فلا يكون مخالفا لقول ابن مسعود وذلك وجهه عندنا

ولو أن امرأة يئست من المحيض طلقت فاعتدت بالشهور ثم حاضت قبل أن تكمل بالشهور فسقطت عدة الشهور واستقبلت الحيض فإن حاضت ثلاث حيض فقد قضت عدتها وإن لم تحضها حتى مرت عليها بعد الحيضة الأولى تسعة أشهر استقبلت العدة بالشهور ، وإن جاءت عليها ثلاثة أشهر قبل أن تحيض فقد أكملت عدتها لأنها من اللائي يئسن من المحيض ، فإن حاضت قبل أن تكمل الثلاثة الأشهر فقد حاضت حيضتين فتستقبل تسعة أشهر فإن حاضت فيها أو بعدها في الثلاثة الأشهر فقد أكملت وإن لم تحض فيها اعتدت ، فإذا مرت بها تسعة أشهر ثم ثلاثة بعدها حلت ، ولو حاضت بعد ذلك لم تعتد بعد بالشهور ( قال ) والذي يروى عن عمر عندي يحتمل أن يكون إنما قاله في المرأة قد بلغت السن التي يؤيس مثلها من المحيض فأقول بقول عمر على هذا المعنى وهو قول ابن مسعود على معناه في اللائي لم يؤيسن من المحيض ولا يكونان مختلفين عندي والله تعالى أعلم

قال الله عز وجل في الآية التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } الآية ( قال الشافعي ) فكان بينا في الآية بالتنزيل أنه لا يحل للمطلقة أن تكتم ما في رحمها من المحيض وذلك أن يحدث للزوج عند خوفه انقضاء عدتها رأي في ارتجاعها أو يكون طلاقه إياها أدبا لها لا إرادة أن تبين منه فلتعلمه ذلك لئلا تنقضي عدتها فلا يكون له سبيل إلى رجعتها وكان ذلك يحتمل الحمل مع الحيض لأن الحمل مما خلق الله تعالى في أرحامهن ، وإذا سأل الرجل امرأته المطلقة أحامل هي أو هل حاضت ؟ فبين عندي أن لا يحل لها أن تكتمه واحدا منهما ولا أحدا رأت أنه يعلمه إياه ، وإن لم يسألها ولا أحد يعلمه إياه فأحب إلي لو أخبرته به وإن لم يسألها لأنه قد يقع اسم الكتمان على من ظن أنه يخبر الزوج لما له في إخباره من رجعة أو ترك كما يقع الكتمان على من كتم شهادة لرجل عنده ، ولو كتمته بعد المسألة الحمل والأقراء حتى خلت عدتها كانت عندي آثمة بالكتمان إذ سئلت وكتمت وخفت عليها الإثم إذا كتمته وإن لم تسأل ولم يكن له عليها رجعة لأن الله عز وجل إنما جعلها له حتى تنقضي عدتها فإذا انقضت عدتها فلا رجعة له عليها أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما قوله { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال الولد لا تكتمه ليرغب فيها وما أدري لعل الحيضة معه .

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء أيحق عليها أن تخبره بحملها وإن لم يرسل إليها يسألها عنه ليرغب فيها ( قال ) تظهره وتخبر به أهلها فسوف يبلغه .

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا قال في قول الله عز وجل { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } المرأة المطلقة لا يحل لها أن تقول أنا حبلى وليست بحبلى ولا لست بحبلى وهي حبلى ولا أنا حائض وليست بحائض ولا لست بحائض وهي حائض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وهذا - إن شاء الله تعالى - كما قال مجاهد لمعان منها أن لا يحل الكذب والآخر أن لا تكتمه الحبل والحيض لعله يرغب فيراجع ولا تدعيهما لعله يراجع وليست له حاجة بالرجعة لولا ما ذكرت من الحمل والحيض فتغره والغرور لا يجوز .

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن أرسل إليها فأراد ارتجاعها فقالت قد انقضت عدتي وهي كاذبة فلم تزل تقوله حتى انقضت عدتها ؟ قال : لا وقد خرجت ( قال الشافعي ) هذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وهي آثمة إلا أن يرتجعها فإن ارتجعها وقد قالت قد انقضت عدتي ثم [ ص: 229 ] أكذبت نفسها فرجعته عليها ثابتة ألا ترى أنه إن ارتجعها فقالت قد انقضت عدتي فأحلفت فنكلت فحلف كانت له عليها الرجعة ولو أقرت أن لم تنقض عدتها كانت له عليها الرجعة لأنه حق له جحدته ثم أقرت به .

عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : سمعت من أرضى من أهل العلم يقول : إن أول ما أنزل الله عز وجل من العدد { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا أقراء لها وهي التي لا تحيض ولا الحامل فأنزل الله عز ذكره { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل عدة المؤيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر وقوله { إن ارتبتم } فلم تدروا ما تعتد غير ذات الأقراء .

وقال : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } قال وهذا والله تعالى أعلم يشبه ما قالوا

وإذا أراد الرجل أن يطلق التي لا تحيض للسنة فطلقها أية ساعة شاء ليس في وجه طلاقها سنة إنما السنة في التي تحيض وكذلك ليس في وقت طلاق الحامل سنة وإذا طلق الرجل امرأته وهي كمن لا تحيض من صغر أو كبر فأوقع الطلاق عليها في أول الشهر أو آخره اعتدت شهرين بالأهلة وإن كان الهلالان معا تسعا وعشرين وشهرا ثلاثين ليلة في أي الشهر طلقها وذلك أنا نجعل عدتها من ساعة وقع الطلاق عليها فإن طلقها قبل الهلال بيوم عددنا لها ذلك اليوم فإذا أهل الهلال عددنا لها هلالين بالأهلة ثم عددنا لها تسعا وعشرين ليلة حتى تكمل ثلاثين يوما وليلة باليوم الذي كان قبل الهلالين ، وكذلك لو كان قبل الهلال بأكثر من يوم وعشر أكملنا ثلاثين بعد هلالين وحلت وأي ساعة طلقها من ليل أو نهار انقضت عدتها بأن تأتي عليها تلك الساعة من اليوم الذي يكمل ثلاثين يوما بعد الشهرين بذلك اليوم فتكون قد أكملت ثلاثين يوما عددا وشهرين بالأهلة وله عليها الرجعة في الطلاق الذي ليس ببائن حتى تمضي جميع عدتها .

ولو طلقها ولم تحض فاعتدت بالشهور حتى أكملتها ثم حاضت مكانها كانت عدتها قد انقضت ولو بقي من إكمالها طرفة عين فأكثر خرجت من اللائي لم يحضن لأنها لم تكمل ما عليها من العدة بالشهور حتى صارت ممن له الأقراء واستقبلت الأقراء وكانت من أهلها فلا تنقضي عدتها إلا بثلاثة قروء .

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة تطلق ولم تحض فتعتد بالأشهر فتحيض بعد ما يمضي شهران من الثلاثة الأشهر ( قال ) لتعتد حينئذ بالحيض ولا يعتد بالشهر الذي قد مضى ( قال الشافعي ) ولو ارتفع عنها الحيض بعد أن حاضت كانت في القول الأول لا تنقضي عدتها حتى تبلغ أن تؤيس من المحيض إلا أن تكون بلغت السن التي يؤيس مثلها فيها من المحيض فتتربص تسعة أشهر ثم تعتد بعد التسعة ثلاثة أشهر

( قال ) وأعجل من سمعت به من النساء حضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين ، فلو رأت امرأة الحيض قبل تسع سنين فاستقام حيضها اعتدت به وأكملت ثلاثة أشهر في ثلاث حيض فإن ارتفع عنها الحيض وقد رأته في هذه السنين فإن رأته كما ترى الحيضة ودم الحيضة بلا علة إلا كعلل الحيضة ودم الحيضة ثم ارتفع لم تعتد إلا بالحيض حتى تؤيس من المحيض فإن رأت دما يشبه دم الحيضة لعلة في هذه السن اكتفت بثلاثة أشهر إذا لم يتتابع عليها في هذه السن ولم تعرف أنه حيض لم يكن حيضا إلا أن ترتاب فتستبرئ نفسها من الريبة ، ومتى رأت الدم بعد التسع سنين فهو حيض إلا أن تراه من شيء أصابها في فرجها من جرح أو [ ص: 230 ] قرحة أو داء فلا يكون حيضا وتعتد بالشهور ، ولو أن امرأة بالغا بنت عشرين سنة أو أكثر لم تحض قط فاعتدت بالشهور فأكملتها ثم حاضت كانت منقضية العدة بالشهور كالتي لم تبلغ تعتد بثلاثة أشهر ثم تحيض فلا يكون عليها عدة مستقبلة وقد أكملتها بالشهور ولو لم تكملها حتى حاضت استقبلت الحيض وسقطت الشهور .

باب لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فكان بينا في حكم الله عز وجل أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس وأن المسيس هو الإصابة ولم أعلم في هذا خلافا ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها فيغلق بابا ويرخي سترا وهي غير محرمة ولا صائمة فقال ابن عباس وشريح وغيرهما لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها لأن الله عز وجل هكذا قال .

أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ليث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله عز وجل يقول : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره ( قال الشافعي ) فإن ولدت المرأة التي قال زوجها لم أدخل بها إلى أربع سنين لستة أشهر فأكثر من يوم عقد عقدة إنكاحها لزم الزوج الولد إلا بأن يلتعن فإن لم يلتعن حتى مات أو عرض عليه اللعان وقد أقر به أو نفاه أو لم يقر به ولم ينفه لحق نسبه بأبيه وعليه المهر تاما إذا ألزمناه الولد حكمنا عليه بأنه مصيب لها ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنه إذا لم يلتعن ألحقنا به الولد ولم نغرمه إلا نصف الصداق لأنها قد تستدخل نطفة فتحبل فيكون ولده من غير مسيس بعد أن يحلف بالله ما أصابها ( قال الشافعي ) فإن التعن نفينا عنه الولد وأحلفناه ما أصابها وكان عليه نصف المهر ، ولو أقر بالخلوة بها فقال لم أصبها وقالت أصابني ولا ولد فالقول قوله مع يمينه إذا جعلته إذا طلق لا يلزمه إلا نصف الصداق إلا أن يصيب وهي مدعية بالإصابة عليه نصف الصداق لا يجب إلا بالإصابة فالقول قوله فيما يدعى عليه مع يمينه وعليها البينة فإن جاءت ببينة بأنه أقر بإصابتها أخذته بالصداق كله ، وكذلك إن جاءت بشاهد أحلفتها مع شاهدها وأعطيتها الصداق فإن جاءت بشاهد وامرأتين قضيت لها بلا يمين وإن جاءت بامرأتين لم أحلفها أو بأربع لم أعطها بهن لا أجيز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يراه الرجال من عيوب النساء خاصة وولادهن أو مع رجل وقد قال غيرنا إذا خلا بها فأغلق بابا وأرخى سترا وليس بمحرم ولا هي صائمة جعلت لها المهر تاما وعليها العدة تامة ولو صدقته أنه لم يمسها لأن العجز جاء من قبله .

وقال غيره لا يكون لها المهر تاما إلا بالإصابة أو بأن يستمتع منها حتى يخلق ثيابها ونحو هذا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 459.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 453.68 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]