سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 270 - عددالزوار : 94839 )           »          كتاب (الوصايا المنبرية شرح أربعين حديثاً من الوصايا النبوية ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الغنائم المحققة للمطلوب في الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          {قد أفلح من زكاها} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كلمة التوحيد في الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 29 )           »          شرح حديث: من حجَّ هـذا البيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حديث: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مناجاة.. وثناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          كيف نتوب كما ينبغي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          آثار مواسم الطاعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #201  
قديم 17-03-2022, 01:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله


سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة التغابن كاملة





الآية 1: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أي يُنزِّه اللهَ تعالى ويُقَدّسه - ويَنفي عنه كل ما لا يليق بجلاله وعظمته - جميعُ الكائنات التي في السماوات والأرض، (إذ مَعنى كلمة (سبحان الله) أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به)، (حتى الكفار، فإنهم - وإنْ لم يُسَبّحوا اللهَ بلسانهم - فإنهم يُسَبّحونه بحالهم، إذ يَشهدون بفِطرتهم أنّ اللهَ سبحانه هو الخالق القادر، ويَسجدون له بخضوعهم لأحكامه الجارية عليهم - مِن غِنىً وفقر، وصحةٍ ومرض، وسعادةٍ وشقاء - ولا يستطيعون رَدَّها), ﴿ لَهُ الْمُلْكُ أي له سبحانه التصرف المُطلَق في كل شيء, ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ أي له الثناء الحَسَن الجميل﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يُعجزه شيء.



الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ أيها الناس، ﴿ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ يعني: فبَعضكم جاحدٌ لألوهيته (إذ يَعبد معه غيره مِن سائر خَلقه)، وبعضكم مؤمنٌ باستحقاقه وحده للعبادة (فيَعبده وحده - على النحو الذي شَرَعه - ولا يُشرك به شيئاً)، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم, وسيُجازيكم بها.



♦ ثم ذَكَرَ سبحانه بعض مَظاهر قدرته وإنعامه على خلقه، للاستدلال بذلك على استحقاقه وحده لعبادتهم، وقدرته على بَعْثهم بعد موتهم، فقال:﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي ليَعرف العباد عظمة خالقهما فيعبدوه وحده، ويقيموا الحق والعدل فيما بينهم، وللدلالة على قدرته تعالى على البعث بعد الموت (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خَلْق السماوات والأرض)، ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أي خَلَقكم سبحانه في أحسن صورة, ﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يوم القيامة, فيجازي كُلاً بعمله،﴿ يَعْلَمُ سبحانه ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فلا يغيب عن علمه شيء ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ أي يَعلم سبحانهما تتحدثون به سِرَّاً وما تُظهِرونهلغيركم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أي عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور من النِيَّات والخواطر (فاحذروا أن يَطَّلع عليكم وأنتم تخفون في صدوركم ما لا يُرضيه).



الآية 5، والآية 6: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ؟ يعني ألم يأتكم أيها المُشرِكون خبر الذين كفروا من الأمم الماضية ﴿ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ: يعني فقد أصابهم سُوء عاقبة كُفرهم وتكذيبهم (بالعذاب العاجل في الدنيا) ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في نار جهنم؟، ﴿ ذَلِكَ أي العذاب الذي نزل بالمُكَذِّبين السابقين﴿ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ أي بسبب أنّ رُسُلهم جاءتهم بالدلائل القاطعة على صِدق دعوتهم، ﴿ فَقَالُوا - مُنكِرينَ مُستكبرين -: ﴿ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا؟ يعني أيُرشدنا بَشَرٌ مِثلنا؟ ﴿ فَكَفَرُوا بتوحيد ربهم وكذَّبوا رُسُله ﴿ وَتَوَلَّوْا أي أعرَضوا عن الحق فلم يقبلوه﴿ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عنهم وعن إيمانهم (فإنه سبحانه لا يَضُرّه ضلالهم شيئًا، وإنما هم يَضُرّون أنفسهم بذلك ضرراً عظيماً)﴿ وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن خلقه وهم المحتاجون إليه، وهو سبحانه ﴿ حَمِيدٌ أي مُستحقٌّ للحمد والثناء في كل وقتٍ وحال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته.



الآية 7: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا أي ادَّعوا ادِّعاءً باطلا أنهم لن يُخْرَجوا من قبورهم أحياءً بعد الموت, ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ بَلَى﴿ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ يوم القيامة ﴿ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ أي سوف يُخبِركم الله ﴿ بِمَا عَمِلْتُمْ ويُجازيكم عليه ﴿ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.




الآية 8، والآية 9، والآية 10: ﴿ فَآَمِنُوا أيها المُشرِكون ﴿ بِاللَّهِ ربكم ولا تعبدوا غيره (فإنه الذي خَلَقَكم ورزقكم، وهو المُستحِق وحده لعبادتكم)، ﴿ وَرَسُولِهِ يعني: وآمِنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم (الذي تعرفون صِدقه وأمانته ونَسَبَه وأخلاقه)،﴿ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وهو القرآن (الذي فيه نورٌ يَكشف الظلمات بِبَيان الحُجَج وكَشْف الحقائق), ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم وأقوالكم, وسيُجازيكم عليها ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ أي اذكروا يوم يَجمعكم اللهُ من قبوركم إلى الحساب يوم القيامة (الذي يَجمع اللهُ فيه الأوّلين والآخرين)، ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ أي ذلك هو اليوم الذي يَظهر فيه التفاوت بين الخَلق (فأهل الإيمان يكونون في الغرف العاليات، المشتملة على جميع اللذات والشهوات، وأهل الكفر والإصرار على المعاصي يكونون في أسفل سافلين، حيثُ الغم والكرب والعذاب الأليم)، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وحده، فيُخلص له العبادة ﴿ وَيَعْمَلْ صَالِحًا على النحو الذي شَرَعه اللهُ لعباده: ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ أي يَمْحُ عنه ذنوبه ﴿ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ أي حدائق كثيرة ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهار من تحت قصورها وبين أشجارها, ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (وهُم سُعداء مُرتاحونَ البال، فلا تصيبهم الهموم، ولا يُخَطِّطون لمستقبلهم، ولا يخافونَ منه، بل أصبح كل ما يُشغِلهم هو التلذذ والتمتع بأنواع النعيم والشهوات)،﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوزَ مِثله،﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أي جحدوا أن الله هو الإله الحق ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا الواضحة ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا فلا يُفارقهم عذابها، ولا يَستريحونَ منه لحظة، ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي: وقَبُحَ ذلك المَرجع الذي صاروا إليه, وهو جهنم.



الآية 11: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ: يعني ما أصابَ أحدٌ مكروهاً قط (من الأمراض والجوع والموت وسائر الابتلاءات) ﴿ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وقضائه وقدره، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِأي يؤمِن بقَدَر الله تعالى، ويؤمِن حِكمته في تدبيره وأفعاله، فيَعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليُصيبه: ﴿ يَهْدِ اللهُ ﴿ قَلْبَهُ للتسليم بأمره، والرضا بقضائه، فيؤجَر وتَهون عنده المصيبة، (ولَعَلّ الله تعالى قد ذَكَرَ هدايته للقلب دونَ سائر الأعضاء، لأن القلب هو أصل الهداية، وسائر الأعضاء تابعة له) ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا يَخفى عليه شيءٌ مِن أحوالكم وما في قلوبكم.



وقد قال "عَلقمة" رحمه الله في تفسير هذه الآية: (هو الرجلُ تصيبُه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيَرضى ويُسَلِّم)، فأنت تحب اللهَ تعالى، ولذلك يجب أن تحب كل ما يأتي مِن عنده سبحانه، إذ كما يقولون: (كل ما يأتي مِن حبيبك: فهو حبيبك)، فهنيئاً لمن تخلى عن هواه، وأحب ما يحبه مولاه، واستسلم لقضاء الله.



الآية 12: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ باتّباع كِتابه ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ باتّباع سُنّته، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ: يعني فإن أعرضتم عن الامتثال للأوامر والنواهي: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ: أي فاعلموا أن الرسول لن يضره إعراضكم، إذ ما عليه إلا البلاغ الواضح لرسالة ربه وقد بَلّغ، وما تضرون بذلك الإعراض إلا أنفسكم.



الآية 13: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي لا معبود بحق إلا هو, ولا يَستحق العبادة غيره، ﴿ وَعَلَى اللَّهِ وحده ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي فليعتمدوا عليه في كل أمورهم.



الآية 14: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ أي مِن بعض أزواجكم وبعض أولادكم - وليس كلهم - ﴿ عَدُوًّا لَكُمْ أي يَصدونكم عن سبيل الله, ويجعلونكم تتكاسلون عن طاعته والتزود للآخرة ﴿ فَاحْذَرُوهُمْ أي كونوا منهم على حذر, ولا تطيعوهم في التخلف عن صلاة الجماعة وفِعل الخير، ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا يعني: وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم، وتُعرضوا عنها فلا تعاقبوهم عليها, وتستروها عليهم فلا تفضحوهم, ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن تجاوَز عن عباده، ﴿ رَحِيمٌ بمَن رحم الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء) (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج: 2)، فحينئذٍ يعفو سبحانه عنكم كما عفوتم عن أزواجكم وأولادكم، (واعلم أن العفو: هو عدم المقابلة بالمِثل، والصفح: هو الإعراض عن اللوم والتوبيخ، والمغفرة: هي سِتر الذنوب وعدم فَضْح صاحبها).



الآية 15: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أي اختبارٌ مِن الله لعباده، ليَعلمَ سبحانه: أيَشكرونه عليهاويُطيعونه فيها، أم يَنشغلونَ بها عن عبادته؟ ﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ وهو نعيم الجنة، الذي أعدَّهُ اللهُ لِمَناتّقاه وأطاعه، ونَجَحَ في اختباره.



الآية 16، والآية 17، والآية 18: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ: أي ابذلوا أيها المؤمنون جهدكم وطاقتكم في تقوى الله تعالى, فافعلوا ما تقدرون عليه من أوامره, واجتنبوا نواهيه كلها (ومِن ذلك: إعطاء الزوجة والأولاد حقوقهم، بشرط ألاّ يُشغلوكم عن فرائض الله تعالى)،﴿ وَاسْمَعُواما توعَظون به وافهموه, ﴿ وَأَطِيعُوا أمْرَ الله ورسوله ﴿ وَأَنْفِقُوا - مما رزقكم الله - يَكُن ﴿ خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ في الدنيا والآخرة﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ يعني: ومَن يُعافيه الله ُمن البخل، وحِرص نفسه على المال، فيُعطي ما زادَ عن حاجته لإخوانه المحتاجين: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَأي الفائزونَ في الدنيا والآخرة، واعلموا أنكم ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا: يعني إن تنفقوا إنفاقًا حسنًا (أي مِن مالٍ حلال - طالبينَ الأجر من الله تعالى - مِن غير أن تمُنُّوا على الفقير): ﴿ يُضَاعِفْهُ لَكُمْ أي يُضاعِف اللهُ لكم أجْر هذا الإنفاق إلى سبعمائة ضعف، ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم ﴿ وَاللَّهُ شَكُورٌ أي يُثيب على القليل بالكثير، ﴿ حَلِيمٌ حيثُ لم يُعاجلكم بالعقوبة حين عصيتموه، بل أرشَدكم إلى الإنفاق الذي يَغفر اللهُ به ذنوبكم، وهو سبحانه﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أي عالم السر والعلانية, وهو ﴿ الْعَزِيزُ الذي لا يُغلَب, ﴿ الْحَكِيمُ في أقواله وأفعاله.






[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #202  
قديم 17-03-2022, 01:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة الطلاق كاملة




الآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ يعني إذا أردتم - أنت والمؤمنون - أن تطلِّقوا نساءكم لأمرٍ اقتضى ذلك (كأن تكون أخلاقهنّ سيئة أو كُنّ مُستكبراتٍ عن طاعتكم أو غير ذلك): ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ: أي طَلِّقوهنّ لأول عِدّتهنّ (يعني في وقتٍ تكون فيه طاهرة من الحَيض - ولم يُجامعها زوجها في هذا الطُهر - ليكون ذلك الطُهر هو أول عِدّتها)، فهذا الطلاق هو الذي تكون العِدّة فيه واضحة (بخِلاف ما لو طلَّقها وهي حائض، فإنها لا تَحتسب تلك الحَيضة التي وقع فيها الطلاق، فبذلك تَطُول عليها العِدّة)، وكذلك لو طلَّقها في طُهرٍ قد جامَعَها فيه، فقد تَحمل بعد هذا الجماع، فلا يتضح بأيّ عِدّةٍ تَعتَدّ (هل بمرور ثلاث حَيضات أم بوضع الحمل؟)، وأما لو طلَّقها وهي حامل فإنّ عِدّتها تنتهي بوضع حَمْلها كما سيأتي.

♦ واعلم أن العِدَّة هي المدة التي تنتظر فيهاالمرأة دونَ زواجٍ مِن رجل آخر، وذلك للتأكُد مِن فراغ الرَحِم مِنالحَمل، وكذلك لإعطاء الفرصة للزوجين في الترَوِّي والرجوع إلى بناء الأسرةالمُتهَدِّمة بسبب الطلاق، وكذلك لضمان استحقاق الزوجة للنفقة والسَّكَن - مِنالزوج - ما دامت في العِدَّة.

﴿ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ يعني: واحفظوا العِدَّة (وذلك بأن تعرفوا بدايتها ونهايتها)، لِما يترتب على ذلك من أحكام (كَصِحّة المراجعة وعدمها، واستمرار النفقة على المُطلَّقة وإسكانها أو توَقُّف ذلك).

♦ واعلم أن مدة هذه العِدَّة: ثلاث حَيْضات(وذلك على الَراجح من أقوال العلماء)، بمعنى أن يَمُرَّ عليها الحَيْض ثلاث مرات، تبدأ في عَدِّ هذهالحَيْضات الثلاث مِن لحظة وقوع الطلاق، فإذا أتَى عليها الحَيْض بعد الطلاق ولو بلحظة: فإنها تحتسب هذه الحَيضة من الحَيْضات الثلاث، أمّا إذا طلقها الزوج وهي حائض: فإنها لاتَحتسب هذه الحَيْضة - التي وقع فيها الطلاق - مِن الثلاث حَيْضات.

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ يعني أطيعوه في أمْره ونهْيه، وقِفوا عند حدوده فلا تتعدوها، و﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ أي لا تُخرِجوا المُطلَّقات من البيوت التي يَسكنَّ فيها حتى تنتهي عِدّتهنّ، ﴿ وَلَا يَخْرُجْنَ يعني: ولا يجوز لهنّ الخروج من البيوت بأنفسهنّ ﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يعني إلا إذا فعلنَ فعلة مُنكَرة ظاهرة كالزنى، أو تكون بذيئة اللسان فتؤذي أهل البيت أذىً لا يتحملونه، فعندئذ يُباح إخراجها, ﴿ وَتِلْكَ أي ما سَبَقَ مِن التشريعات والأحكام هي ﴿ حُدُودُ اللَّهِ الفاصلة بين الحلال والحرام، ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لأنه بذلك يُعَرِّضها لغضب الله وعذابه، ﴿ لَا تَدْرِي - أيها المُطلِّق -: ﴿ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا: أي لَعَلّ الله يُحدِث بعد ذلك الطلاق أمرًا لا تتوقعه - وهي في بيتك - فتُراجِعها، (كأنْ يَجعل الله في قلبك رغبةً في مُراجَعتها - أثناء العِدّة - وفي ذلك خيرٌ كثير لكما ولأولادكما).

الآية 2، والآية 3: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: يعني فإذا قارَبَتْ عِدَة المُطلَّقات أن تنتهي: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ: أي فرَاجعُوهُنَّ، وَفي نِيَّتكُم: (حُسن معاملتهنّ بعدَ مُراجَعتِهنّ والإنفاق عليهنّ) ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ: يعني أو خَلّوا سبيلهنّ، معَ أداءِ حقوقِهنّ، وعدم ذِكرهنّ بسوء،﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ يعني: وأشهِدوا على هذه الرَّجعة - أو هذه المُفارَقة - رَجُلين مُسلِمَين بالغَين عاقلَين مَشهودٌ لهمابالعدل، (واعلم أن العدل يُشترَط فيهِ العُرف في كل مكان وزمان، فكل مَنكان صادقاً أميناً مُعتبَرًا عند الناس: قُبِلَتْ شهادته)، ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ يعني: وأدُّوا الشهادة - أيها الشهود - خالصةً لله وحده، لا لشيءٍ آخر, ﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ أي بهذا يَعِظ اللهُ الذي يؤمن ﴿ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فيَفعل ما يُرضيه ويَجتنب ما يُغضبه (وخصوصاً في هذه الأحكام المتعلقة بالطلاق والرَجعة والعِدّة): ﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِن كل ضِيق ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ: أي يُيَسّر له أسباب الرزق من حيث لا يَخطر على باله, ولا يكونُ في حُسبانه، ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي يَعتمد على الله تعالى، آخِذاً بالأسباب التي شَرَعها له - مع تعلق قلبه بالله وحده -: ﴿ فَهُوَ حَسْبُهُ أي فهو سبحانه كافيه ما يُهِمُّه في جميع أموره، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ أي غالبٌ على أمْره (فإذا أراد شيئاً قال له كُن فيكون)، وإنما ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا أي جعل لكل شيءٍ أراده أجلاً ينتهي إليه, وتقديرًا لا يُجاوزه (فهو واقعٌ لا مَحالة، ولكنْ في الوقت الذي يريده الله).

الآية 4: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ يعني: وأما حُكم المُطلَّقات اللاتي انقطع عنهنَّ دم الحيض؛ لكِبَر سِنّهنّ: ﴿ إِنِ ارْتَبْتُمْ: يعني إنْ شَكَكتم فلم تدروا ما الحُكم فيهنَّ: ﴿ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تبدأمِن لحظة وقوع الطلاق،﴿ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ يعني: وكذلك الصغيرات اللاتي لم يَحِضن بعد, فعِدَّتهنّ ثلاثة أشهر، ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ يعني: وأما المُطلَّقات الحَوَامِل، فإنَّ عدَّتهنّ تنتهي بوضْع الحَمل، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ أي يَخَف عذابه ويُنَفِذ أحكامه: ﴿ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا أي يُسَهِّل له أموره ويُصلح باله في الدنيا والآخرة.

الآية 5: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الذي ذُكِر مِن أمْر الطلاق والعِدّة، هو ﴿ أَمْرُ اللَّهِ الذي ﴿ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ أيها الناس لتعملوا به، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ باجتناب معاصيه وأداء فرائضه: ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ أي يَمْحُ عنه ذنوبه ﴿ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا: أي يُعطه ثواباً عظيماً مضاعَفاً في جنات النعيم.

الآية 6: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ يعني أسكِنوا - أيها الرجال - مُطلَّقاتكنّ في سَكَنكم، أو في سَكَن مِثل سَكَنكم (وذلك في أثناء العدة) ﴿ مِنْ وُجْدِكُمْ أي على قدر سَعَتكم وطاقتكم.

♦ وقد اختلف العلماء: (هل يَسكن معها في نفس السَكَن أثناء العِدّة؟، أو يوَفِّر لها سَكناً مناسباً بقدر استطاعته (ولو بالإيجار)؟، أو يَترك لها مَنزله ويَخرج منه حتى تنتهي عِدّتها؟)، والراجح أن المنزل إذا كانَ يَتَّسع لهما معاً (هو في حجرة وهي في أخرى)، فلا داعي لإخلائه لها (بل الأوْلى أن يَسكُنا معاً، كما تقدَّم في تفسير قوله تعالى: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا))، وأما إنْ كان البيت لا يَتَّسع إلا لواحدٍ منهما فيَجب أن يَتركه لها، أو يوَفِّر لها سَكناً مناسباً (بالإيجار) بقدر استطاعته.

﴿ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ يعني: ولا تُلحِقوا بهنّ ضررًا - سواء في السكن أو في النفقة - لأجل أن تُضَيّقوا عليهنّ السَكَن فيَترُكنَه لكم ويَخرُجنَ منه، ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ يعني: وإنْ كانَ نساؤكم المُطلَّقات حوامل: ﴿ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ أثناء عِدّتهنّ ﴿ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ أولادهنّ منكم: ﴿ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على هذا الإرضاع (وهذا خاص بالمُطلَّقة فقط)، ﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ أي تشاوَرا في أمرٍ يَنتهى بالاتفاق على أُجرة مُعَيّنة نظير هذا الإرضاع (لا إفراطَ فيها ولا تفريط), ﴿ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ يعني: وإن اختلفتم في الأجرة، فامتنعتم عن الإنفاق عليهنّ بسبب عُسرٍ عندكم في النفقة، وامتنعنَ هُنّ عن الإرضاع: ﴿ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى يعني فلْتُرضِع للأب مُرضِعة أخرى غير الأم المُطلّقة (حتى لا تقعوا في هذا الاختلاف).

الآية 7: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ يعني: فلْيُنفقْ الزوج الغني - من الرزق الذي وسَّعه الله عليه - على زوجته المُطلّقة وعلى ولده منها, ﴿ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ يعني: ومَن ضُيِّق عليه في الرزق (وهو الفقير): ﴿ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ يعني فليُنفق مما أعطاه الله من الرزق على قدر طاقته، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا (فلا يُكَلَّف الفقير مثلما يُكَلَّف الغني)، و﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا: أي سيجعل الله بعد ضيقٍ وشدة: سَعَةً وغِنىً، (واعلم أنّ هذا كانَ وعداً من الله تعالى قد أتمه لأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا في شدةٍ وفقر، ففتح عليهم مُلك الفُرس والروم فأبدل عُسرهم يُسراً)، وأما غيرهم فيُشترَط لهم التقوى حتى يوَسّع الله أرزاقهم، كما تقدم في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.

من الآية 8 إلى الآية 11: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ يعني: وكثير من القرى التي عصى أهلها أمْر الله ورُسُله، واستمروا في طغيانهم وكُفرهم ﴿ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا أي جازينا أهلها على أعمالهم السيئة جزاءً شديداً ﴿ وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا أي عذابًا عظيمًا (تُنكِره العقول من شدته وفظاعته)﴿ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا: أي ذاقوا سُوء عاقبة طغيانهم وكُفرهم, ﴿ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا يعني: وكان مَصير كُفرهم هلاكًا وخُسرانًا لا خُسرانَ بعده، وقد﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا في الآخرة (لا يُطاق ولا يُحتمَل)، إذاً ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا: أي خافوا اللهَ واحذروا غضبه يا أيها المؤمنون - أصحاب العقول السليمة - ﴿ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (وهو القرآن)، وأرسل إليكم ﴿ رَسُولًا وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ أي يَقرأ عليكم آيات الله التي توضِّح لكم الحق من الباطل ﴿ لِيُخْرِجَ اللهُ تعالى - بهذا الرسول وهذا القرآن - ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أي مِن ظلمات الكُفر إلى نورالإيمانِ، ومِن ظلمات الجهل إلى نورالعِلم، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ رَبّاً وإلهاً، فلا يَعبد غيره ﴿ وَيَعْمَلْ صَالِحًا (وهو كلّ عمل كانَ خالصًا للهِ تعالى، وموافقًا لِمَاكان عليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم): ﴿ يُدْخِلْهُ اللهُ ﴿ جَنَّاتٍ أي بساتين عجيبة المنظر ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري أنهار الماء واللبن والعسل والخمر من تحت أشجارها المتدلية وقصورها العالية ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴿ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا: أي قد أحسن الله للمؤمن رزقه في الجنة، إذ لا يَنقطع عنه نعيمها أبداً.

الآية 12: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ﴿ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يعني: وخَلَقَ سبحانه سبع أرَضين (أرضاً فوق أرض)، كما هو الحال في السماوات السبع (سماءً فوق سماء)، ﴿ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ يعني: أي يَتنزل وحي الله إلى رُسُله، ويَتنزل تدبيره لخلقه (بين السماوات والأرض)، وقد أخبَركم سبحانه بخَلقه العظيم وتدبيره لشؤون عباده ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فتَرغبوا فيما عنده من النعيم) ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (لتتقوه في كل أفعالكم وأقولكم، حتى تنجوا مِن ناره).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #203  
قديم 17-03-2022, 01:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود


تفسير سورة التحريم


الآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ؟! يعني لِمَ تمنع نفسك عن الحلال الذي أحَلّه الله لك؟! ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ؟! يعني: أتفعل ذلك طلباً لإرضاء زوجاتك؟!، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ لِما فعلته، ﴿ رَحِيمٌ بك، فلا لَومَ عليك (وكَفِّر عن يَمينك).
واعلم أن سبب نزول هذه الآية - كما ثَبَتَ في الصحيحين - أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يَمكث عند زينب بنت جحش، فيَشرب عندها عسلاً، فتواصَيتُ أنا وحَفصة: إنْ أيّتُنا - يعني إنْ إحدانا - دَخَلَ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلتقل: إني أجد منك ريح مَغافير، أكلتَ مَغافير؟) (والمغافير هو صمغ حلو، له رائحة كريهة)، فدخل على إحداهما(وهي حفصة رضي الله عنها)، فقالت له ذلك، فقال لها: (لا، ولكني شربتُ عسلاً عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حَلفتُ) (أي حَلِفتُ على ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يشتد عليه أن توجد منه الريح)، وقال لهالا تُخبِري بذلك) - أي طلب منها ألاّ تخبر أحداً بهذا السر، ولكنها أخبرتْ به عائشة رضي الله عنها- فنَزَلَ قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ إلى قوله: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ﴾ لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
الآية 2: ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ: أي قد شَرَعَ اللهُ لكم - أيها المؤمنون - تحليل حَلِفكم بأداء الكفارة عنها، وهي: (إطعام عشرة مساكين - وَجبة مُشبِعة - مِن أوْسَطِ طعام بيوتكم، أو أن تَكسوهم (سواء كانَ الكِساء قديمًا أو جديدًا، المُهمُّ أن يكون صالحاً - لهم - للارتداء)، أو أن تَعتقوا عبدًا أو جارية، فمَن لم يستطعْ إطعامَ المساكين أو كِسوَتهم - بسبب فقرهِ مثلاً - وكذلك لم يَجدْ عبدًا يَعتقه: فعليه أن يصومَ ثلاثة أيام)، ﴿ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ أي مُتولي أموركم، فلذلك يَسَّرَ عليكم بتشريع هذه الكفارة، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ بما يُصلحكم، ﴿ الْحَكِيمُ في تشريعه لكم.
الآية 3: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا أي: واذكر أيها النبي عندما أخبرتَ زوجتك حفصة بحديثٍ سِرّ (وهو قولك لها: شربتُ عسلاً ولن أعود له، وقد حَلفتُ فلا تخبري بذلك أحداً)، ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ: يعني فلمّا أخبرتْ به عائشة رضي الله عنها ﴿ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ يعني: وأطلَعَ الله ُرسوله على إفشائها لسِرَّه: ﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ: يعني أخبَرَ حفصة ببعض ما أخبرتْ به عائشة، وأعرض عن إخبارها بباقي الحديث لسُمُوّ أخلاقه صلى الله عليه وسلم، حتى لا يَتسبب لها في مزيد من الخجل والإحراج، ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ: يعني فلمّا أخبرها بما أفشَته من السر: ﴿ قَالَتْ له: ﴿ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا؟! ﴿ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ﴿ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ: يعني أخبرني بذلك اللهُ العليم الخبير، الذي لا يَخفى عليه شيء.
الآية 4: ﴿ إِنْ تَتُوبَا - يا حفصة ويا عائشة - ﴿ إِلَى اللَّهِ مما فعلتما: فإنّ الله يَقبل توبتكما، ﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا: أي فقد مالت قلوبكما إلى مَحبة ما كَرهه الرسولُ مِن إفشاء سرِّه، فلذلكيَجب عليكما التوبة مِن ذلك حتى يَقبلها الله منكما، ﴿ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ يعني: وإن تتعاونا عليه صلى الله عليه وسلم فيما يَكرهه: فإنّ تعاونكما لن يضره شيئاً ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ أي ناصره على مَن يُعاديه ﴿ وَجِبْرِيلُ ناصره أيضاً﴿ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ (ولَعَلّ المقصود هنا: أبو بكر (والد عائشة) وعُمر (والد حفصة) رضي الله عنهم جميعاً)،﴿ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ يعني: والملائكة - بعد نُصرة الله له - أعوانٌ له ونُصَراء على مَن يؤذيه ويُعاديه.
الآية 5: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ: يعني إنْ طلقكنَّ النبي أيتها الزوجات، فسوف يُزوِّجه ربُّه بزوجاتٍ خيرٍ منكنّ ﴿ مُسْلِمَاتٍ أي خاضعاتٍ لأمر الله تعالى، ﴿ مُؤْمِنَاتٍ (أي مُصَدِّقاتٍ بالله ورسوله عاملاتٍ بشرع الله تعالى)، ﴿ قَانِتَاتٍ أي مُطيعاتٍ لله ولرسوله، ﴿ تَائِبَاتٍ أي راجعاتٍ إلى ما يحبه الله، ﴿ عَابِدَاتٍ أي كثيرات العبادة له، ﴿ سَائِحَاتٍ أي صائمات، ﴿ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا يعني: منهنَّ الثيِّبات (اللاتي سَبَقَ لهنّ الزواج قبل ذلك)، ومنهنّ الأبكار (اللاتي لم يَسبق لهن الزواج)، (وقد تابت عائشة وحفصة رضي الله عنهما مما فَعَلا، فلذلك لم يُطلّقهما النبي صلى الله عليه وسلم)، واعلم أنّ اختيار الله تعالى لرسوله، أن تَبقى نساؤه معه حتى يموت، فيه دليل على أنهنّ خيرُ النساء وأكملهنّ (رضي الله عنهنّ جميعاً).

الآية 6، والآية 7: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا: أي احفظوا أنفسكم وأهليكم من الوقوع في نار جهنم (وذلك بفعل ما يُرضي ربكم وترْك ما يُغضبه، وبتربية أولادكم وزوجاتكم على تقوى الله تعالى وتعليمهم شَرْعه)، واعلموا أن هذه النار ﴿ وَقُودُهَا أي حَطَبُها الذي توقد به هو ﴿ النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ: أي يقوم على تعذيب أهلها ملائكة أقوياء قُساةٌ في معاملاتهم، ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ: أي لا يُخالفونَ اللهَ في أيّ أمْر ﴿ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يعني: ويُنَفذون ما يأمرهم الله به من تعذيب أهل النار (وهذا يدل على أنهم مأمورونَ بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار، نسأل اللهَ العفو والعافية).
♦ ويُقال للذين كفروا عند إدخالهم النار: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ (فقد فات أوان التوبة والاعتذار)،و﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الشرك والمعاصي.
الآية 8: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا أي ارجعوا عن ذنوبكم إلى طاعة ربكم (رجوعاً لا معصيةَ بعده، أو بأن تعزموا عزيمةً صادقةً قاطعة على عدم العودة إلى الذنوب)، ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ: يعني إذا داوَمتم على تلك التوبة (الصادقة النادمة الجازمة)، فسوف يَمحو الله عنكم سيئات أعمالكم ﴿ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ أي لا يُذِّلهم ولا يُهِينهم ولا يُعذبهم، بل يُعلي شأنهم ويَرحمهم بدخول جنته،و﴿ نُورُهُمْ (الذي اكتسبوه بالإيمان والعمل الصالح) ﴿ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْأي يَتقدمهم ليُضيئ لهم الصراط المُظلِم، فيَمشي مِن أمامهم ليهديهم إلى طريق الجنة ﴿ وَبِأَيْمَانِهِمْ أي يُحيط بهم ذلك النور من جميع جوانبهم (وإنما اقتصر سبحانه على ذِكر جهة اليمين على سبيل التشريف لتلك الجهة)، واعلم أنّ نُورهم يكونُ على قدْر أعمالهم، و﴿ يَقُولُونَ - وهم على الصراط -: ﴿ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا حتى نتجاوز الصراط ونصل إلى الجنة ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا أي تجاوَز عن ذنوبنا واسترها علينا (حتى ننجوا من السقوط في جهنم) ﴿ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (ونحن نَعلم قدرتك على المغفرة، فاغفر لنا ذنوبنا، ولا تجعل أقدامنا تَزِلّ على الصراط بسببها)، (ولَعَلّهم قالوا ذلك الدعاء عندما رأوا أن المنافقين قد انطفأ نورهم، فخافوا مِن ذنوبهم)، (واعلم أنّ كلمة (عسى) إذا جاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد الوجوب وتأكيد الوقوع).
الآية 9: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ المُحارِبين (بقتالهم)، ﴿ وَالْمُنَافِقِينَ أي: وجاهِد المنافقين باللسان والحُجَّة، ﴿ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ أي اشدُد على كِلا الفريقين في القول والفعل ﴿ وَمَأْوَاهُمْ - أي: ومَقرُّهم -﴿ جَهَنَّمُ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الذي يصيرون إليه.
الآية 10: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا - في عدم انتفاعهم بقُرب المؤمنين منهم، ولو كانوا أقربائهم أو أزواجهم -: ﴿ اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ حيثُ ﴿ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ أي كانتا في عصمة عبدَين من عبادنا صالحين (وهما نبيّ الله نوح ونبيّه لوط عليهما السلام) ﴿ فَخَانَتَاهُمَا: أي وقعت من الزوجتين الخيانة في الدين، فقد كانتا كافرتين بنُبُوّة أزواجهما ﴿ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يعني فلم يدفع هذان الرسولان عن زوجتَيهما من عذاب الله شيئًا ﴿ وَقِيلَ للزوجتين: ﴿ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَفيها، (وفي هذا المَثَل دليلٌ على أن القُرب من الأنبياء والصالحين لا يُفيد شيئا مع العمل السيِّئ).
الآية 11، والآية 12: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا - في عدم ضَرَرهم بمُخالطة الكافرين ولو كانوا أزواجهم -: ﴿ اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ التي كانت في عِصمة أشد الكافرينَ بالله (وهي مؤمنة بالله)، ﴿ إِذْ قَالَتْ: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ(ولَعَلّ سبب دعائها بهذا الدعاءأن فرعون قد هَدَّدَها بأنها إنْ آمنتْ، فسوف يَحرمها من السَكَن في القصر، فلذلك طلبتْ من الله تعالى أن يَبني لها بيتاً في الجنة)، ﴿ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ يعني: وأنقِذني من عذاب فرعون الظالم، ومما يَصدر عنه من أعمال الشر، حتى لا يُصيبني سُوء عاقبة عمله، ولا أفتَن في ديني، فأكفر بعد إيماني، ﴿ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني: وأنقِذني من القوم التابعينَ له في الظلم والضلال ومِن عذابهم.
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ يعني: وضَرَبَ الله مَثَلاً للذين آمنوا: مَريم بنت عمران ﴿ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا أي حَفظتْ فَرْجها من الحرام، ولم تفعل فاحشةً في حياتها (على الرغم من انتشار الزنا في بني إسرائيل في زمانها)، ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا (والمقصود بالروح هنا هو جبريل عليه السلام، الذي قال اللهُ عنه: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ ، وقال عنه: ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾، فقد أرسل الله جبريل إلى مريم، فنَفخ في جَيْب ثيابها - وهو المكان الذي عند الرقبة - فوصلتْ النفخة إلى رَحِمِها، فخَلَقَ اللهُ بتلك النفخة عيسى عليه السلام، فحملتْ به من غير زوج، ﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ: أي صدَّقت بكلمات ربها الدينية والقدرية وبكُتبه المُنَزَّلة على رُسُله، وعملتْ بشرائعه التي شَرَعها لعباده، ﴿ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ أي مِن المُطيعينَ لله تعالى.
ويُلاحَظ هنا أن الله تعالى لم يقل: (وكانت من القانتات) مع أنها أنثى، وقد قال عنها - أيضًا - في سورة آل عمران: ﴿ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾، وذلك لأنه سبحانه لمَّا كان يريد أن يَمدحَ عبدًا من عباده - رجلاً كانَ أو امرأة - كان يَمنحه درجة الرجال، كما قال تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾.
واعلم أن قوله تعالى: ﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ﴾ يَشمل تصديقها بولدها عيسى عليه السلام، فهو كلمة الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾، والمقصود بـ "كلمة الله" أن الله تعالى خلقه بكلمة: "كن" فكانَ مِن غير أب.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #204  
قديم 17-03-2022, 01:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود



تفسير سورة الملك كاملة



من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ: أي كَثُرَتْ خيرات الله تعالى على خَلْقه، وعَظُمَتْ قدرته ومُلكه، فهو الذي بيده مُلك الدنيا والآخرةوالتصرف فيهما، وأمْره وقضاؤه نافذان فيهما ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجزه شيء، (وفي الآيةإثباتُ اليَدّ لله سبحانه وتعالى، كما يليق بجلاله وكماله وعظمته، مِن غير أن نُشَبِّه يد الله تعالى بيَد المخلوق، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء، ولا يُشبِه أحداً مِن خَلْقه، وكل ما دارَ ببالك فاللهُ تعالى بخِلاف ذلك)، وهو سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾ (فكُلّ حَيٍّ يَعيش بالحياة التي خلقها الله، وكل مَيّت يموت بالموت الذي خلقه الله)، (ولَعَلّ اللهَ تعالى قدَّمَ ذِكر الموت على الحياة، لأن الموت هو أكبر واعظ للإنسان)، وقد قدَّرَ سبحانه ذلك ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ أي لِيَختبركم أيُّكُم أتقنُ له في الطاعةً وأحسنُ في العمل الصالح (وهو كلّ ما كانَ خالصًا للهِ تعالى، وموافقًا لِمَاكان عليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يَمنعه مانع مِمَّا أراد، القادرُ على الانتقام ممن أشرك به وعصاه، ومع ذلك فهو ﴿ الْغَفُورُ ﴾ لكل مَن تاب إليه وطَلَبَ رضاه، (ولو تيَقَّنَ العُصاة والمُشرِكونَ بهذا، ما أصَرُّوا على ضَلالهم، ولَسارَعوا بالتوبة إلى ربهم).

♦ وهو سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ أي خَلَقَ سبع سماوات متناسقة، بعضها فوق بعض (واعلم أن مَعنى كلمة (طباق) أي طبقة فوق طبقة، بحيثُ لا تلمس أحدهما الأخرى)، ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ أي لا ترى - أيها الناظر في مُلك الله - خللاً في خَلْق الرحمن (بل كل شيءٍ قد وُضِعَ في مَوضعه المناسب له)، ﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ ﴾ يعني: فأعِد النظر إلى السماء: ﴿ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾؟! يعني هل ترى فيها مِن شقوق؟!﴿ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ﴾ أي: ثم أعِد النظر مرة بعد مرة: ﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا ﴾ أي يَرجع إليك البصر ذليلاً لا يرى نقصًا في خَلْق الله تعالى، ﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ يعني: والبصر قد تعب من كثرة النظر، ويَئِسَ مِن أن يجد خللاً في خَلْق المَلِك القدير جَلَّ وعَلا.

الآية 5: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ﴾ (وهي السماء القريبة من الأرض)، فقد زيّنَها الله للناظرينَ إليها ﴿ بِمَصَابِيحَ ﴾ (وهي النجوم المضيئة)، ﴿ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ أي جَعَلنا النجوم حِفظاً للسماء مِن الشياطين (إذ كانوا يُرجَمونَ بالشُهُب - التي هي من جُملة النجوم - إذا حاولوا الوصول إلى السماء ليَعلموا شيئاً من الغيب الذي تتحدث به الملائكة، حتى يَنقِلوه إلى أوليائهم من السَحَرة)، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِير ﴾ أي أعددنا للشياطين عذاب النارالمُستعِرة (أي الموقدة)، إذ يدخلونها في الآخرة، ليُعانوا مِن شدة حَرّها.

من الآية 6 إلى الآية 11: ﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾ يعني: وللجاحدين (الذين جَحَدوا توحيد خالقهم واستحقاقه وحده للعبادة)، أولئك لهم عذاب جهنم ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ أي: وقَبُحَ ذلك المَرجع الذي صاروا إليه (وهو جهنم)،﴿ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا ﴾ يعني إذا ألقَتهم الملائكة في جهنم: ﴿ سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ﴾ أي سمعوا لها صوتًا فظيعاً ﴿ وَهِيَ تَفُورُ ﴾أي تغلي غليانًا شديدًا،﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ: أي تكاد جهنم تتمزق مِن شدة غيظها على الكافرينَ والمُصِرّين على المعاصي، غضباً لربها سبحانه وتعالى، وهذا جندي واحد فقط من جنود الله تعالى (ما أعظمك يارب!)، ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾ أي كلما أُلقِيَ فيها جماعة من الناس: ﴿ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ (وهم الملائكةُ الغِلاظ الشِداد المُكَلَّفون بتعذيبهم في النار)، فسألوهم - على سبيل التأنيب -: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴾؟! يعني ألم يأتكم في الدنيا رسولٌ يُحَذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟!، فـ﴿ قَالُوا ﴾ - مُعترفينَ بذنبهم -: ﴿ بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ ﴾ أي جاءنا رسولٌ مِن عند الله وحَذَّرَنا، ﴿ فَكَذَّبْنَا ﴾ به، ﴿ وَقُلْنَا ﴾ له - عندما جاءنا بالآيات من عند الله -: ﴿ مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ يعني: ما نَزَّل الله على أحدٍ من البشر شيئًا، وقلنا: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴾ يعني ما أنتم - أيها الرُسُل - إلا في ضلالٍ بعيد عن الحق والصواب،﴿ وَقَالُوا ﴾ - نادمينَ مُتحسرين -: ﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ: يعني لو كنا نسمع سماع مَن يطلب الحق، أو نفكر فيما يدعونا إليه الرُسُل: ﴿ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ أي ما كنا في جُملة أهل النار الموقدة،﴿ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ ﴾ الذي استحقوا به عذاب النار (ولكنْ حينَ لا ينفع الندم)، ﴿ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ أي بُعدًا لأهل النار عن رحمة الله تعالى.


الآية 12: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ يعني: إنّ الذين يخافون أن يَعصوا ربهم - وهم غائبون عن أعين الناس، ولا يراهم أحدٌ إلا الله - أولئك ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم، ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ وهو الجنة.

من الآية 13 إلى الآية 18: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ﴾ يعني: وأخفوا قولكم - أيها الناس - سراً فيما بينكم، أو تكَلَّموا به بصوت مرتفع، فهما عند الله سواء (لأنه سبحانه يتساوى عنده السر والعلانية) ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور من النِيَّات والخواطر (فكيف تَخفى عليه أقوالكم وأعمالكم؟!)﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾؟! يعني كيف لا يَعلم سبحانه خَلْقه وشؤونهم، وهو الذي خَلَقَهم وخَلَقَ قلوبهم التي في صدورهم؟!، ﴿ وَهُوَ اللَّطِيفُ ﴾ أي الرفيق بعباده (مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصِيهم)، بدليل أنهم يعصونه وهو يرزقهم ولا يُعَجِّل لهم العقوبة، ﴿ الْخَبِيرُ ﴾ بأعمالهم وبما يُصلِحهم، فـ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ﴾ أي جَعَلها مُسَخَّرةً لكم - رغم ضخامتها واتساعها - وجعلها مُمَهَّدةً لتمشوا فوقها وتستقروا عليها، ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ أي امشوا في نواحيها وجوانبها، ﴿ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾ (الذي يُخرجه سبحانه لكم مِن هذه الأرض)، وهذا يُعَلِّمنا الأخذ بالأسباب والسعي في طلب الرزق، إذ لم يقل سبحانه: (كلوا من رزقه) فقط، ولكنه قال: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)، ﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ يعني:وإليه وحده أمْر إحيائكم من قبوركم للحساب والجزاء (فإنّ هذا يسيرٌ على الله تعالى، إذ هو الذي ابتدأ خلْقكم، وهو القادرُ على إعادتكم أحياءً بعد موتكم)، فتذَكَّروا هذا حتى لا تركَنوا إلى الدنيا وتنسوا الآخرة، (وفي الآية دليل على قدرة الله تعالى وعنايته بمصالح خلقه، وأنه وحده الذي يَستحق أن يَعبدوه).

♦ ثم أخبَر اللهُ عباده أنّ الذي سَخَّرَ لهم الأرضَ لمنافعهم، قادرٌ على أن يَنزع ذلك التسخير ويُسَلِّطها عليهم، إذا عصوا أمْره ولم يشكروا نعمه، فقال:﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ﴾؟ يعني هل أمِنتم - أيها العُصاة - اللهَ الذي فوق السماء أن يَخسف بكم الأرض كما فعل بقارون؟ ﴿ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ يعني فإذا هي تتحرك بكم بشدة - وأنتم بداخلها - حتى تهلكوا؟﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ﴾؟ يعني أم أمِنتم اللهَ الذي فوق السماء أن يُمْطِركم بحجارةٍ من السماء فتقتلكم؟، ﴿ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ يعني فستعلمون حينئذٍ كيف كانَ عاقبة تحذيري لكم (ولكنْ حين لا يَنفعكم ذلك العلم)، (وفي الآية إثبات صفة العُلُوّ لله تعالى، كما يليق بجلاله وكماله وعظمته، فهو سبحانه على عرشه، فوق جميع خلقه)،﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي الذين مِن قبل كفار "مكة" - كقوم نوح وعاد وثمود - فقد كَذَّبوا رُسُلهم ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾؟! يعني فكيف كان إنكاري على تكذيبهم؟، وكيف كان تغييري للنعم التي سَخَّرتُها لهم؟ (والاستفهام للتقرير) أي كان إنكاري عليهم عظيماً بالعذاب والهلاك، (وفي الآية تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ من أنواع التكذيب والعِناد والجحود مِن قومه).

الآية 19: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ﴾؟! يعني أغَفِل هؤلاء المُشرِكون عن قدرة الله ورحمته، فلم يَنظروا إلى الطير فوقهم وهم باسطاتٌ أجنحتها عند طيرانها في الهواء ﴿ وَيَقْبِضْنَ ﴾ يعني: ويَضمُمنَ أجنحتها إلى جُنوبها (دونَ أن ترفرف بها)، فمَن يُمسِكها إذاً حتى لا تقع؟! ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ: أي ما يَحفظها من الوقوع عندئذٍ إلا الرحمن (الذي وسعتْ رحمته كل شيء، والذي يَستحق العبادة وحده) ﴿ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ إذ يَرى سبحانه جميع مخلوقاته ويُدَبِّر أمورهم (سواء الطائر في السماء، أو الغائص في الماء، أو الماشي في ظُلمة الصحراء).

الآية 20: ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ﴾؟! يعني: بل مَن هذا الذي هو مُعِينٌ لكم - في زعْمكم أيها الكافرون - ليُنقذكم من الرحمن إنْ أراد بكم سُوءًا؟! أو: مَن الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن؟! لا أحد، ﴿ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ﴾أي: ما الكافرون - في زَعْمهم هذا - إلا في خِداعٍ وضلال من الشيطان، إذ قال لهم: (إنّ آلهتكم تشفع لكم عند ربكم وتُقَرِّبكم إليه)، وهذا باطلٌ لا دليلَ عليه.

الآية 21: ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾؟! يعني: بل مَن هذا الذي يَرزقكم - من السماء أو الأرض أو البحر - إنْ أمسَكَ الله رزقه ومَنَعَه عنكم؟! لا أحد، ﴿ بَلْ ﴾ إنهم لم يتأثروا بتك المواعظ والعِبَر، ولكنهم ﴿ لَجُّوا ﴾ أي استمروا في طغيانهم وضَلالهم ﴿ فِي عُتُوٍّ ﴾ أي في مُعاندةٍ واستكبار ﴿ وَنُفُورٍ ﴾ أي تباعد عن الحق، لا يريدون سَماعه (لأنه لا يتوافق مع شهواتهم الرخيصة).

الآية 22: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى ﴾ يعني أفمَن يَمشي مُنَكِّساً رأسه (تائهاً، لا يدري أين يذهب)، فهل هذا أشد استقامةً وأكثر هدايةً ﴿ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾؟!يعني أم الذي يمشي معتدلاً مستقيماً على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟!، (وهذا المَثَل قد ضربه الله تعالى للكافر (الذي يمشي في ظلمات الجهل والضلال والتقليد الأعمى بغير دليل)، والمؤمن الذي هو على بصيرةٍ وحُجَّةٍ مِن أمْر دينه، فيمشي في نور العلم والإيمان والاطمئنان بذِكر الله وتوحيده).

الآية 23، والآية 24: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول - مُذَكِّراً لهؤلاء المُشرِكين بنعم ربهم عليهم -: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ﴾ من العدم، ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ ﴾نعمة ﴿ السَّمْعَ ﴾ التي يُميَّز بها بينالأصوات، ﴿ وَالْأَبْصَارَ ﴾ التي يُميَّز بها بينالألوان والأشخاص وجميع الأشياء، ﴿ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ أي القلوب (والمقصود بها نعمة العقل) التي يُميَّز بها بين الخير والشروالنافع والضار، ومع ذلك فـ﴿ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ ربكم على ما أنعم به عليكم (بل تعبدون معه غيره مِن سائر خلقه)،﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ هُوَ ﴾سبحانه ﴿ الَّذِي ذَرَأَكُمْ ﴾ أي خَلَقكم ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ ونَشَرَكم في أنحائها،﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ بعد موتكم، فتُجمَعون إليه وحده للحساب والجزاء، (إذ القادرُ على خَلْقكم في هذه الأرض: قادرٌ على خَلْقكم في أرضٍ أخرى بعد موتكم).

الآية 25، والآية 26، والآية 27: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾؟ أي: متى يتحقق هذا الحشر والعذاب الذي تَعِدُنا به يامحمد، إن كنت صادقاً أنت ومَن اتَّبعك؟، ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول:﴿ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ: يعني إنما العلم بوقت قيام الساعة عند الله وحده،﴿ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ ﴾ أي مُخَوِّفٌ لكم من عذاب الله إنْ أشركتم به وعصيتموه،﴿ مُبِينٌ ﴾ أي أُوَضِّح لكمما أُرسِلتُ به إليكم.

♦ وقد جاءهم العذاب الموعود يوم القيامة﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ﴾ يعني فلمّا رأوا العذابَ قريبًا منهم يوم القيامة: ﴿ سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ يعني أساءَ الله وجوههم، فتغيّرتْ بالسواد والحزن والكآبة ﴿ وَقِيلَ ﴾ لهم - تأنيباً -: ﴿ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ: يعني هذا هو العذاب الذي كنتم تطلبون تعجيله لكم في الدنيا، (ولَعَلّ اللهَ تعالى عَبَّرَ عن مَجيئ القيامة بصيغة الماضي - مع أنها لم تأتِ بعد - لتأكيد وقوعها في عِلمه سبحانه).

♦ ولَعَلَّ الله تعالى قال:(سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، ولم يقل: (سِيئَتْ وجوههم)، لذمهم بصفة الكفر، التي هي سبب هلاكهم.

الآية 28: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المُشرِكين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ ﴾ يعني أخبِروني: ﴿ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ: يعني إن أماتني الله ومَن معي من المؤمنين كما تتمنون ﴿ أَوْ رَحِمَنَا ﴾ فأخَّرَ آجالنا، وعافانا مِن عذابه، ﴿ فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ: يعنيفمَن هذا الذي يحميكم، ويمنعكم من عذاب الله الأليم، بعدما أشركتم به في عبادته، وكفرتم بآياته الواضحة، واستحققتم عذابه؟! لا أحد، إذاً فبماذا تنتفعون بموتنا وهلاكنا؟!

الآية 29: ﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ ﴾ أي قل لهم أيها الرسول: الذي يَرحمنا وينجينا من عذابه هو الرحمن الذي يدعوكم إلى عبادته وحده، والتقرب إليه بما شَرَع، فقد ﴿ آَمَنَّا بِهِ ﴾ أي صدَّقنا به وعملنا بشرعه، ﴿ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا: يعني عليه وحده اعتمدنا في كل أمورنا، ﴿ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ: أي فسوف تعلمون إذا نزل العذاب بكم: أيُّ الفريقين منا ومنكم في بُعْدٍ واضح عن طريق الله المستقيم؟

الآية 30: ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا: يعني أخبِروني إن صارَ ماؤكم الذي تشربون منه غائراً - أي ذاهبًا في الأرض - لا تصلون إليه بأي وسيلة: ﴿ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾؟! يعني فمَن غيرُ الله تعالى يستطيع أن يأتيكم بماءٍ جارٍ على وجه الأرض ظاهر للعيون؟! لا أحد (إذاً فاعبدوا الله وحده ولا تشركوا به، فإنه سبحانه الخالق الرازق القادر، المُستحِق وحده للعبادة، وأما غيره فلم يَخلق شيئاً ولم يُنعِم بشيء).

♦ وفي خِتام سورة المُلك، نحب أن نَذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ سورةً من القرآن، ثلاثون آية، شفعتْ لرجل حتى غُفِرَ له، وهي "تبارك الذي بيده الملك") (انظر حديث رقم: 2091 في صحيح الجامع) (وفي رواية أنها خاصمتْ - أي دافعَت - عن صاحبها حتى أدخلته الجنة) (وصاحبها هو المُلازم لقراءتها بتدبر واعتبار).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #205  
قديم 17-03-2022, 01:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




تفسير سورة القلم كاملة




من الآية 1 إلى الآية 7: ﴿ ن: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.



﴿ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (يُقسِم اللهُ تعالى بالقلم الذي يُكتَب به، ويُقسِم أيضاً بما يُسَطِّره الناس - أي يَكتبونه - من الخير والنفع والعلوم)، ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال: ﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ يعني إنك أيها الرسول - بسبب إنعام الله عليك بالنُبُوّة ورَجاحة العقل وكمال الخُلُق - لستَ بمجنون (كما يَزعم المُعانِدون من قومك)، ﴿ وَإِنَّ لَكَ - على ما تَلقاه من شدائد وإيذاء في تبليغ رسالة ربك - ﴿ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ أي ثوابًا عظيمًا غير منقوص ولا مقطوع، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (وهي الأخلاق العظيمة التي اشتمل عليها القرآن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يَمتثل أوامر القرآن ويتخلق بآدابه، حتى قالت عنه أمُّنا عائشة رضي الله عنها: كان خُلُقه القرآن)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما مِن شيءٍ يوضع في الميزان أثقل مِن حُسن الخُلُق، وإنّ صاحب حُسن الخُلُق لَيَبلُغ به درجة صاحب الصوم والصلاة) (انظر حديث رقم: 5726 في صحيح الجامع)، ﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ يعني: فسَترى قريباً أيها الرسول - وسيَرى الكافرون - أيِّكم الذي أصابته فتنة الضَلال والجنون؟، (وقد تبَيَّنَ لجميع الخَلْق أنه صلى الله عليه وسلم أهدى الناس وأعقلهم وأكملهم، وأنّ أعداءه هم أضل الناس وأقلهم عقلاً وبصيرة)، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ أيها الرسول ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ أي يَعلم سبحانه مَن ضَلَّ عن الإسلام (الذي هو طريق الهدى والرشاد) ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ الذين اتَّبعوا طريق الإسلام، المُوصل بهم إلى الجنة، (وفي هذا تصبيرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضاً تهديدٌ للمُشرِكينَ إن لم يتوبوا).



من الآية 8 إلى الآية 16: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ أي: اثبُت أيها الرسول على ما أنت عليه من مُخالَفة المُكَذّبين، ولا تطعهم فيما يقترحونه عليك ويطلبونه منك (مما يُخالف شرْع ربك)، فإنهم ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ: أي تمنَّوا لو أنك تُلايِنهم على بعض ما هم عليه (بألاَّ تذكر آلهتهم بسوء)، حتى يَلينوا لك في القول، ويَكفوا عن إيذائك وإيذاء المؤمنين، ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ أي لا تطع كلَّ إنسانٍ كثير الحلف (لأن الحلف الكثير غالباً يؤدي إلى الحلف كذباً، وهو ما يُسَمَّى باليمين الغموس، أي الذي يَغمس صاحبه في النار، وهو من الكبائر، ويحتاج إلى توبة نصوح صادقة)، ﴿ مَهِينٍ أي حقيرٌ في أفعاله، ﴿ هَمَّازٍ أي مُغتاب للناس (يعني يَعيب عليهم، ويَذكرهم بما يَكرهونه في غيبتهم)، ﴿ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ أي يَمشي بينهم بالنميمة (فيَنقل حديث بعضهم إلى بعض بغرض الإفساد والإيقاع بينهم)، ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ: أي شديد البخل بالمال، فلا ينفقه في وجوه الخير، ﴿ مُعْتَدٍ على الناس (بإيذائهم في أنفسهم وأموالهم)، ﴿ أَثِيمٍ أي صاحب الآثام الكثيرة (وأكبر الآثام: الشِرك بالله)، ﴿ عُتُلٍّ أي غليظ الطباع، بذيء اللسان (غير مؤدَّب) ﴿ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أي: ثم هو بعد كل تلك الصفات القبيحة: مَنسوبٌ لغير أبيه، ﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني: ومِن أجل أنه كان صاحب مال وبنين: تكبَّرَ عن الحق وكَذَّبَ به، فإذا قُرِئَتْ عليه آيات القرآن، قال: (هذه قصص السابقين وأباطيلهم)، (وهذا مِن جَهله وعِناده، وإلاَّ، فكيف يكون هذا الكتاب المشتمل على الحق والعدل التام، أساطيرَ الأولين؟!).



♦ ثم قال تعالى - مُهَدِّداً هذا الصِنف -:﴿ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ: أي سنَجعل على أنفه علامة لازمة لا تفارقه - عقوبةً له - ليكون مُفتضَحًا بها أمام الناس، (وقد قيل إنّ هذا وعيدٌ له بتشويه أنفه يوم القيامة، كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾، (واعلم أن هذه الآيات - وإن كانت نزلت في الوليد بن المُغِيرة - إلا أنّ فيها تحذيرًا للمسلم من الاتصاف بإحدى هذه الصفات الذميمة، أو مُوافقة مَن يفعل ذلك).



من الآية 17 إلى الآية 33: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ أي اختبرنا أهل مكة بالمال والولد والجاه والسيادة، فلم يشكروا نعم الله عليهم، بل كفروا بها - بتكذيبهم لرسولنا وإنكارهم لتوحيدنا - فأصبناهم بالجوع والقحط لَعَلّهم يتوبون ﴿ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا: أي كما اختبرنا أصحاب الحديقة، إذ اغتروا بحديقتهم - عندما جاء وقت حصادها - وحلفوا فيما بينهم أنهم ﴿ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ: أي ليَقطعُنَّ ثمارها مُبَكّرينَ في الصباح، ﴿ وَلَا يَسْتَثْنُونَ يعني ولم يقولوا: (إن شاء الله)، ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ: أي فأنزل اللهُ عليها نارًا أحرقتها ليلاً ﴿ وَهُمْ نَائِمُونَ، ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ: أي فأصبحت حديقتهم محترقة سوداء كالليل المظلم، ﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ: أي نادى بعضهم بعضًا وقت الصباح:﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ أي اذهبوا مُبَكّرينَ إلى زرعكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ يعني إن كنتم مُصِرِّين على قطع الثمار.



﴿ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أي يتحدثون بصوتٍ خافت، قائلين﴿ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ أي لا تُمَكِّنوا اليوم أحداً من المساكين من دخول حديقتكم، ﴿ وَغَدَوْا أي ساروا في أول النهار إلى حديقتهم، وهم ﴿ عَلَى حَرْدٍ أي على قصدهم السيِّئ (في مَنْع المساكين من ثمار الحديقة)، ﴿ قَادِرِينَ أي زاعمينَ أنهم قادرون على تنفيذ ما أرادوه، ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا يعني: فلمّا رأوا حديقتهم محترقة: أنكَروها، وظنوا أنها ليست حديقتهم، فـ﴿ قَالُوا: ﴿ إِنَّا لَضَالُّونَ يعني لقد ضللنا الطريق إليها.



♦ فلمّا تأكدوا أنها حديقتهم، قالوا: ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي محرومونَ خيرها; بسبب عَزْمنا على البخل ومَنْع المساكين، وهنا﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أي قال أعدلهم (وهو خَيرهم وأرجحهم عقلاً): ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ يعني ألم أقل لكم هَلاّ تقولون: (إن شاء الله)، عندما قلتم: (لنَصرِمُنّها مُصبِحين)، حتى تُنَزِّهوا اللهَ تعالى عن أن تكون لكم مَشيئة مُستقلة عن مَشيئته، أو قدرة مِثل قدرته؟!، فـ﴿ قَالُوا - بعد أن عادوا إلى رُشدهم -: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّنَا يعني حاشاكَ ربنا أنْ تظلم، فإنّ هذا البلاء نستحقه بمعصيتنا ﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ: أي كنا ظالمينَ لأنفسنا بهذا القصد السيِّئ، وبتَرْك كلمة الاستثناء: (إن شاء الله)، ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ يعني: كلٌ منهم يُلقي باللوم على الآخر، و﴿ قَالُوا: ﴿ يَا وَيْلَنَا يعني يا هلاكنا ﴿ إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ أي كنا متجاوزينَ الحد في مَنْعنا الفقراء ومُخالفة أمْر ربنا، ﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا أي يُعطينا أفضل من حديقتنا (بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا) ﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ يعني إنا إلى ربنا وحده طامعونَ في عفوه، طالبونَ للخير الذي عنده، ثم قال تعالى:﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ أي: بمِثل ذلك العقاب (وهو الحرمان)، يُعاقب اللهُ - في الدنيا - كل مَن خالف أمْره، وبَخِلَ بما أعطاه من النعم، ولم يؤدِّ حق اللهَ فيها ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ أي أعظم وأشد مِن عذاب الدنيا، ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ يعني: (لو كان الناس يَعلمونَ شدة عذاب الآخرة، لابتَعدوا عن كل سبب يوصلهم إليه، وأغلَقوا كل بابٍ يَدخل لهم الشيطانُ منه).



من الآية 34 إلى الآية 43: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الذين اتقوا عقابَ الله تعالى - بفعل ما أمَرَهم به وتَرْك ما نهاهم عنه - أولئك لهم ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ في الآخرة ﴿ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟! يعني أفنَجعل الخاضعينَ لله تعالى بالطاعة، كالجاحدينَ الخارجينَ عن طاعته؟! (هذا لا يليق أبداً في حُكْم الله وحِكمته)، ﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟! يعني: كيف حكمتم - أيها المُشرِكون - بهذا الحُكم الظالم، فساوَيتم بينهما في الثواب؟!﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟! يعني أم عندكم كتابٌ مُنَزَّل من السماء تقرؤونَ فيه أنّ المُطيع كالعاصي؟!، ﴿ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ؟! يعني إنّ لكم في هذا الكتاب إذًاً ما تشتهون؟! ليس لكم ذلك، ﴿ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ؟! يعني أم لكم عهودٌ عندنا - أوجَبناها على أنفسنا إلى يوم القيامة - بأنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون؟!، ﴿ سَلْهُمْ أي اسألهم أيها الرسول: ﴿ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ؟! يعني أيّهم ضامن بأنْ يكون له ذلك الحُكم الذي حكموا به لأنفسهم؟!﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ؟! يعني أم لهم آلهة تضمن لهم ما يقولون، وتُعِينهم على إدراك ما طلبوا؟! إذا كانَ الأمر كذلك: ﴿ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ المزعومين ﴿ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ في دَعواهم!



﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ أي اذكر لهم - أيها الرسول - يوم القيامة، حين يَصعب الأمر ويَشتد الكرب، ويأتي الله تعالى لفصل القضاء بين الخلائق، فيَكشف عن ساقه الكريمة التي لا يُشبهها شيء ﴿ وَيُدْعَوْنَ حينئذٍ ﴿ إِلَى السُّجُودِ لله تعالى ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أي لا يستطيعون الانحناء (فقد ثَبَتَ في الصَحِيحَيْن (البخاري ومُسلِم) - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَكشف ربنا عن ساقه، فيَسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويَبقى مَن كان يسجد في الدنيا رياءً وسُمعة، فيَذهب ليَسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا" (أي: عظماً بلا مِفصل، بحيث لا يَنثني عند الرفع والخفض)، وتراهم في ذلك اليوم ﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ: يعني أبصارهم مُنكسرة، لا يرفعونها عن الأرض، و﴿ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ: أي تُغَطّي وجوههم ذلة وكآبة شديدة، ﴿ وَقَدْ كَانُوا في الدنيا ﴿ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ أي يُدْعَون إلى الصلاة لله وحده ﴿ وَهُمْ سَالِمُونَ يعني: وهم أصحَّاء قادرون عليها فلا يسجدون; تعظُّمًا واستكبارًا.



من الآية 44 إلى الآية 52: ﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ: أي اترك لي - أيها الرسول - مَن يكذِّب بهذا القرآن، فإنّ عليَّ جزاءهم والانتقام منهم، و﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ: أي سنفتح لهم أبواب الرزق الكثير في الدنيا - استدراجًا لهم - حتى يَغتَرُّوا بما هم فيه، ويعتقدوا أنهم على الهدى، ثم نُعاقبهم - على غفلةٍ منهم - مِن حيثُ لا يعلمون، (واعلم أنّ الاستدراج: هو الأخْذ بالتدريج، واستدراجُ اللهِ تعالى لأهل الضلال - الذين يُصِرُّون على المعاصي ولا يتوبون منها -: أنهم كلّما جَدَّدُوا لله معصيةً، جَدَّدَ اللهُ لهم نعمة، حتى يأخذهم بذنوبهم وهم لا يشعرون، كما قال صلى الله عليه وسلم: )إذا رأيتَ اللهَ تعالى يعطي العبدَ من الدنيا ما يحب وهو مُقيمٌ على معاصيه: فإنما ذلك منه استدراج) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 561).



﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ: يعني وأُمهِل هؤلاء المُكَذِّبين حتى يَظنوا أنهم لا يُعاقَبون، فيَزدادوا كُفرًا وطغياناً، وبذلك يَتضاعف لهم العذاب، (وهذا هو كَيْدي لهم) ﴿ إِنَّ كَيْدِي بأهل الكفر ﴿ مَتِينٌ أي قويٌّ شديد، لا يُدفَع بقوةٍ ولا بحِيلة، ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أيها الرسول ﴿ أَجْرًا على تبليغ الرسالة ﴿ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أي فهُم بسببه في جهد ومَشقة من الالتزام بغرامةٍ تطلبها منهم، فلذلك كرهوا ما تدعوهم إليه؟! (كلا، لم يحدث ذلك، إذ لو طلبتَه منهم، لكانَ ذلك مانعاً لهم عن اتِّباعك ولاَحتجوا به عليك)، ﴿ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟! يعني أم عندهم عِلم الغيب فهم يَكتبون منه - أي يَنقلون منه من اللوح المحفوظ - ما حكموا به لأنفسهم مِن أنهم أفضل مَنزلةً عند الله مِن أهل الإيمان؟!



﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ: أي اصبر أيها الرسول لأمْر ربك بإبلاغ رسالته والصبر على أذاهم، واصبر لحُكمه وقضاءه بإمهالهم وتأخير نَصْرك عليهم، ﴿ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ (وهو يونس عليه السلام)، فلا تكن مِثله في غضبه على قومه وعدم صبره عليهم ﴿ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ: أي حين نادى ربه، وهو مملوءٌ غمًّا (طالبًا تعجيل العذاب لهم)، ثم خرج مِن قريته - وهو غاضبٌ على قومه - دونَ أن يأمره الله بذلك، فركب في السفينة، وكانت الحمولة زائدة، فوقعت القرعة عليه، فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت، فنادى ربه وهو مملوءٌ غماً قائلاً: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فاستجاب الله دعائه وقَبِل توبته، وأخرجه من بطن الحوت، و﴿ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعني لولا أنه قد أدركته نعمة مِن ربه: ﴿ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ: أي لأُلقِيَ مِن بطن الحوت بالأرض الخالية المُهلِكة ﴿ وَهُوَ مَذْمُومٌ أي يَذمُّه الله تعالى ويَلومه (لعدم صبره على أوامره)، لكنه لمَّا تاب: أُلقِيَ من بطن الحوت على شاطئ البحر وهو غير مذموم، بل أنبت الله عليه شجرة من القَرْع تُظِلُّه ويَنتفع بها، ﴿ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ أي اختاره الله لرسالته (بعد أنْ قَبِلَ توبته)، حيث رَدّ عليه الوحى بعد انقطاعه، وأرسله إلى مائة ألفٍ أو يزيدون من الناس فآمَنوا جميعاً به، ﴿ فَجَعَلَهُ سبحانه ﴿ مِنَ الصَّالِحِينَ أي الكاملينَ في صلاحهم، الذين صلحتْ نيّاتهم وأعمالهم وأقوالهم.



﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ يعني: ولقد قارَبَ الكفار أن يُصيبوك بالعين والحسد - أيها الرسول - حتى تَهلَك، وذلك من شدة نظرهم إليك وكلهم حَسَدٌ وحِقدٌ عليك (وذلك حين سمعوا القرآن منك)، لولا حماية الله لك، ﴿ وَيَقُولُونَ - بحسب أهوائهم - ﴿ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ لا يدري ما يقول (وذلك حتى يَصرفوا الناسَ عنك)، ﴿ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ يعني: وليس القرآن بكلام مجنون كما يَزعمون، ولكنه تذكيرٌ وموعظة للجن والإنس (إذ يَتذكرون به ما ينفعهم في دِينهم ودُنياهم).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #206  
قديم 17-03-2022, 01:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود










تفسير سورة الحاقة كاملة







من الآية 1 إلى الآية 8: ﴿ الْحَاقَّةُ يعني: القيامة الواقعة حقًّا، والتي يتحقق فيها الوعد والوعيد،﴿ مَا الْحَاقَّةُ؟ يعني: ما هي القيامة الواقعة حقًّا في صفتها وحالها؟ ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ؟ يعني: وأيّ شيء عَرَّفك - أيها الرسول - حقيقة القيامة، وصَوَّر لك شدتها وصعوبتها؟







ثم ذَكَرَ سبحانه بعض أحوال الذين كَذَّبوا بالقيامة، وما ترَتّب على تكذيبهم مِن عذابٍ وهَلاك، فقال:﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ (وهم قوم صالح) ﴿ وَعَادٌ (وهم قوم هود)، فهؤلاء قد كذّبوا ﴿ بِالْقَارِعَةِ (وهي القيامة التي تَقرَع القلوب - أي تَطرِقها وتجعلها تنبض بقوة - من شدة الرعب)،﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ يعني أهلَكَهم اللهُ بالصيحة العظيمة التي جاوَزَت الحد في شدتها،﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ يعني أهلَكَهم اللهُ بريحٍ قوية، شديدة البرودة، عالية الصوت، وقد﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا: أي سلَّطها اللهُ عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ متتابعة لا تنقطع، ﴿ فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى: أي فترى قوم عاد في تلك الليالي والأيام مَوتى ﴿ كَأَنَّهُمْ - لطُول أجسامهم - ﴿ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ أي كنَخلٍ مُنقلِع من جذوره، ساقط على الأرض، ليس في جوفه شيء (أو: مقطوع الرأس)، ﴿ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ؟! يعني فهل ترى لهؤلاء القوم مِن نفسٍ باقية دونَ هلاك؟!







من الآية 9 إلى الآية 12: ﴿ وَجَاءَ فِرْعَوْنُ الظالم ﴿ وَمَنْ قَبْلَهُ يعني: ومَن سَبَقه من الأمم التي كفرتْ برُسُلها ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ وهم قوم لوط (الذين انقلبت بهم ديارهم) (فالمؤتفِكات هي المُنقلِبات)، ﴿ بِالْخَاطِئَةِ أي جاء هؤلاء جميعاً بالأفعال الخاطئة، وهي الشِرك والمعاصي ﴿ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ: أي فعَصَتْ كل أمّةٍ منهم رسولَ ربهم الذي أرسله إليهم ﴿ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً أي: فأخَذَهم الله أخذة بالغة في الشدة (إذ الربا هو الزيادة، ورابية أي زائدة عن الحد)،﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ أي عندما جاوَزَ ماء الطوفان حدَّه، حتى عَلا وارتفع فوق الجبال: ﴿ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ أي حملنا آباءكم المؤمنين مع نوح عليه السلام، في السفينة الجارية على الماء﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً: أي لنجعل هذه الحادثة - التي كان فيها نجاة المؤمنين وإغراق المُشرِكين - عبرة وعظة، ﴿ وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ يعني: ولِتحفظها كل أذن حافظة - لا تنسى الحق والخير - بل تفهم ما تسمعه وتعرف المقصود منه لتتعظ به.







من الآية 13 إلى الآية 18: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ يعني: فإذا نَفَخَ المَلَك في "البوق" نفخة واحدة (وهي النفخة الأولى التي يكون عندها هلاك العالم)،﴿ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً يعني: ورُفِعتْ الأرض والجبال عن أماكنها، فضُرِبَتا ببعضهما ضربةً واحدة، فصارَتا هباءً منثوراً، (واعلم أنّ هذا لا يتعارض مع قوله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا)، لأنّ كلمة "دَكَاً" الأولى هي الدكة الواحدة التي ذُكِرَت هنا، وأما كلمة " دَكَاً " الثانية، فقد كُرِّرَت لتأكيد هذه الدكة القوية)، ﴿ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ أي فحينئذٍ قد قامت القيامة،﴿ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ أي تشققت وتمزقت لنزول الملائكة ﴿ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌيعني: فهي يومئذٍ ضعيفة متراخية، لا تماسُك فيها ولا صلابة، ﴿ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا يعني: والملائكة تقف على جوانبها وأطرافها التي لم تتشقق (تنتظر ما يأمرها به ربها) ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ أي فوق هولاء الملائكة ﴿ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ أي ثمانية من الملائكة العِظام،﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ - أيها الناس - على الله تعالى ليُحاسبكم ويُجازيكم، ﴿ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ: أي لا تخفى منكم سريرة من السرائر التي كنتم تُخفونها، بل كل أعمالكم تكونُ ظاهرةً لله تعالى يوم القيامة (ظاهرها وباطنها).







من الآية 19 إلى الآية 24: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ يعني: فأمَّا مَن أخَذَ كتاب أعماله بيمينه: ﴿ فَيَقُولُ للناس - وهو مُبتهجٌ مسرور -: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ أي خذوا اقرؤوا كتابي﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ: يعني إني أيقنت في الدنيا بأني سألقى جزائي يوم القيامة، فأعددتُ له العُدّة (من الإيمان والتوبة والاستغفار والعمل الصالح)، ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أي في عيشة يَرضى بها صاحبها ويَفرح (إذ فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وتتلذذ العيون برؤيته)﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ أي مرتفعة في مكانها ودرجاتها،﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ أي ثمارها قريبة (يتناولها القائم والقاعد والمُتَّكئ)، ويُقال لأهل الجنة: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا أي بعيدًا عن كل أذى، سالمينَ من كل مكروه ﴿ بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ أيبسبب ما قدَّمتم من الأعمال الصالحة، في أيام الدنيا الماضية.







واعلم أنّ الهاء التي في كلمة: (كتابيهْ) وكلمة: (حسابيهْ)تُسَمَّى (هاء السَكْت).








من الآية 25 إلى الآية 37: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ يعني: وَأمَّا مَن أخذ كتاب أعماله بشماله: ﴿ فَيَقُولُ - نادمًا متحسرًا -: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ يعني: يا ليتني لم أُعطَ كتابي﴿ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يعني: ولم أعلم ما جزائي﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ يعني: يا ليت الموتة - التي مِتُّها في الدنيا - كانت القاطعة لأمري، ولم أُبعَث بعدها،﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ يعني: ما نفعني مالي الذي جمعته في الدنيا،﴿ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ أي ذهبتْ عني قوتي وحُجّتي (فلم يَعُدْ لي قوة تنقذني، ولا حُجّة تنفعني)، ثم يقول الله لملائكة جهنم:﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ: أي خذوا هذا الظالم المجرم، فاجمعوا يديه إلى عُنُقه بالقيود﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ أي: ثم أدخِلوه نار جهنم ليُعاني حَرّها،﴿ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ أي: ثم أدخِلوه في سلسلة طويلة من الحديد الساخن، طُولها سبعون ذراعًا (تدخل مِن فمه وتخرج مِن دُبُره)؛فـ﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ أي كان لا يُصَدِّق بأنّ اللهَ هو الإله الحق وحده لا شريك له، ولم يكن يعمل بكتابه،﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ يعني: ولم يكن يَحُثّ الناس على إطعام أهل الفقر والاحتياج (إذ لم يكن في قلبه رحمة يَرحم بها الفقراء والمساكين، فلا هو أطعمهم من ماله ولا حَثَّ غيره على إطعامهم)، ﴿ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ أي فليس لهذا الكافر يوم القيامة قريبٌ - أو صديق مُخلِص - يَدفع عنه العذاب﴿ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ يعني: وليس له طعامٌ إلا مِن الصَديد (الذي يسيل مِن جلود أهل النار)، والذي﴿ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ أي لا يأكله إلا المُذنبون المُصِرُّون.







من الآية 38 إلى الآية 52: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ يعني: فأُقسِم بما تُبصِرونه من المَرئيات، (واعلم أنّ (لا) التي في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ) تُسَمَّى (لا الزائدة) لتأكيد القسم)، فأقسَمَ اللهُ بجميع ما ترونه أيها الناس﴿ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ مما غاب عن أبصاركم:﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ: يعني إنّ القرآنَ يقرؤه رسولٌ عظيم الفضل والشرف - وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم - فيَقرؤه تبليغاً عن ربه سبحانه وتعالى -،﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ كما تزعمون، (فإنكم تعلمون أنّ القرآن لا يُشبه الشِعر في شيء (لا في الوزن ولا في القافية)، وتعلمون أنّ محمداً لم يتعلم الشِعر طوال حياته) ﴿ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَأي إنكم تؤمنون إيماناً قليلاً لا ينفعكم (وهو إيمانكم بأن الله هو الخالق الرازق، ثم تشركون به في عبادته)،﴿ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ أي: وليس القرآن بقول كاهنٍ يُخبر بالغيبِ جَهلاً دونَ وَحْي، وليس فيه شيءٌ من كلام الكَهَنة)،﴿ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ أي قليلاً ما يكونُ عندكم تذكُّر وتأمُّل للفرق الواضح بين القرآن وغيره، إنه﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي هو كلام رب العالمين، الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.







﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ يعني: ولو ادَّعى محمدٌ علينا شيئًا لم نَقُله:﴿ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ: أي لاَنتقمنا منه وأخذناه مِن يمينه أخذاً شديداً لنُعَذِّبه﴿ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (والوتين هو عِرق القلب، فإذا انقطع: ماتَ الإنسان)،﴿ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ: أي فحينئذٍ لا يقدر أحد منكم أن يَحجز عنه عقابنا ويمنعه،﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ يعني: وإنّ هذا القرآن لَموعظةٌ للمتقين، الذين يمتثلون أوامر الله ويجتنبون نواهيه،﴿ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ يعني: وإنا لَنعلم أنَّ مِنكم مَن يُكَذِّب بهذا القرآن - جحوداً واستكباراً - رغم وضوح آياته،﴿ وَإِنَّهُ أي التكذيب به ﴿ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ: أي ندامة عظيمة على الكافرينَ به، حين يرون عذابهم ويرون نعيم المؤمنين، ﴿ وَإِنَّهُ أي القرآن الكريم ﴿ لَحَقُّ الْيَقِينِ: أي هو حقٌّ ثابت، ويَقينٌ لا شك فيه،﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أي فنَزِّه - أيها النبي - ربك العظيم عن شِرك المُشرِكين، قائلاً بلسانك وبقلبك: (سبحان ربي العظيم)، إذ هو سبحانه كامل الأسماء والصفات، كثير الخير والإحسان، وأما غيره فلم يَخلق شيئاً ولم يُنعِم بشيء، فكيف يَعبدونهم مِن دونه؟!



















[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.



واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #207  
قديم 17-03-2022, 01:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود












تفسير سورة المعارج












من الآية 1 إلى الآية 4:﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ: أي دَعا داعٍ من المُشرِكين بنزول العذاب على نفسه وعلى قومه، عندما قال: ( اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، فأخبَر سبحانه أن هذا العذاب واقعٌ بالكافرينَ يوم القيامة لا مَحالة، و﴿ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ أي ليس له مانعٌ يَمنعه مِن الله ذي العُلُوّ والجلال، إذ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾: أي تصعد الملائكة - ويَصعد معهم الروح الأمين (جبريل) - إلى الله سبحانه ﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِن سنوات الدنيا (والراجح من أقوال العلماء أن هذا الصعود يحدث يوم القيامة، الذي جعله الله على الكافرين مِقدار خمسين ألف سنة، وجعله على المؤمن كقدر ما بين الظهر والعصر) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 8193)، فيكون صعود الملائكة في هذا اليوم إلى الأماكن التي حَدَّدها الله لهم أن يستقروا فيها يوم القيامة، واللهُ أعلم.







من الآية 5 إلى الآية 18:﴿ فَاصْبِرْ أيها الرسول على استهزائهم واستعجالهم بالعذاب ﴿ صَبْرًا جَمِيلًا: أي صبرًا لا تَسَخُّطَ فيه ولا شكوى معه لأحدٍ من الخَلق، ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا: يعني إن الكافرين يَستبعدون العذاب ويرونه غير واقع،﴿ وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: ونحن نراه واقعًا قريبًا (فإنّ كل آتٍ قريب) ﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ أي يوم تكون السماء سائلة كالمَعْدن الذي يذوب بسبب شدة السخونة،﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ أي: وتكون الجبال كالصوف المصبوغ المنفوش (الذي نسفته الريح)،﴿ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يعني: وفي ذلك اليوم لا يسأل قريبٌ قريبه عن شأنه؛ ولا يسأله أن يحمل عنه ذنبه، لأنّ كل واحدٍ منهما مشغولٌ بنفسه، رغم أنهم﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ أي يرونهم ويعرفونهم (ولكن لا يستطيع أحدٌ أن ينفع أحدًا)، ﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ: أي يتمنى الكافر لو يَفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأبنائه، الذين كان يخافُ عليهم في الدنيا أكثر مما يخاف على نفسه (فما أفظع هذا العذاب، الذي يُضَحِّي الإنسان بابنه مِن أجل أن ينجو منه)،﴿ وَصَاحِبَتِهِ أي: وبزوجته ﴿ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ أي: وبعشيرته التي تضمه إليها نسباً، وتحميه من أعداءه، وتساعده في شدته، ﴿ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا يعني: وبجميع مَن في الأرض مِنَ البشر وغيرهم ﴿ ثُمَّ يُنْجِيهِ أي: ثم ينجو هو من هذا العذاب،﴿ كَلَّا: أي لا قرابة تنفع ولا فداءَ يُقبَل (في ذلك اليوم) ﴿ إِنَّهَا لَظَى يعني إنما الذي في انتظاره: جهنم التي تتلظى نارُها (أي تلتهب بشدة)،﴿ نَزَّاعَةً لِلشَّوَى: أي تنزع جلدة الرأس (لشدّة حرارتها)، وإنها ﴿ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى أي تنادي - يوم القيامة - مَن أعرض عن الحق في الدنيا، وتَرَكَ طاعة الله ورسوله﴿ وَجَمَعَ فَأَوْعَى أي جَمَعَ المال، فوضعه في خزائنه، ولم يؤدِّ حق الله فيه، (واعلم أنّ مَعنى (أَوْعى) أي جعل المال في وعاء، كالخزائن وغيرها، واعلم أيضاً أنّ الذي تناديه جهنم: يُدفَع إليها دَفعاً، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾، نسأل اللهَ العافية من جهنم).







من الآية 19 إلى الآية 35:﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا أي شديد الخوف والفزع (فلا يَصبر على المصائب، ويَخاف أن يُنفِق مما أعطاه الله له)، فـ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا يعني إذا أصابه مكروه: كانَ كثير السَخَط والحزن،﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا يعني: وإذا أصابه الخير: كانَ كثير المنع بما في يديه ﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَيعني إلا المُقِيمينَ لصلاتهم على أتمّ وجوهها، فإنّ اللهَ يُنَجّيهم من هذا السَخَط وهذا البُخل، إذا تمسَّكوا بهذه الصفات الآتية: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ أي يُداومونَ على أدائها ما داموا أحياء، ولا يَشْغَلهم عنها شاغل،﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ يعني: في أموالهم نصيبٌ معيَّن، فرضه الله عليهم (وهو الزكاة)، فيُعطونه﴿ لِلسَّائِلِ وهو الذي يسأل الناس لشدة حاجته وفقره ﴿ وَالْمَحْرُومِ وهو المُحتاج الذي يَستحي أن يسأل الناس،﴿ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ أي يُصَدّقون بيوم الحساب والجزاء، ويستعدون له بالأعمال الصالحة،﴿ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ أي خائفونَ من عذاب الله تعالى (ولذلك يُكثِرونَ من الاستغفار والندم على ما مَضَى من ذنوبهم، حتى يُنَجّيهم سبحانه من عذابه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ أي لا ينبغي أن يأمنه أحد،﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَأي يَحفظون فروجهم مما حرَّم اللهُ تعالى ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أي زوجاتهم﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ وهُنّ الجواري المملوكات لهم شَرعاً ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ أي: فلا لومَ عليهم في جماعهنّ; لأنّ اللهَ قد أحلَّهنّ لهم،﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَيعني: فمَن طلب التمتع بغير زوجته أو جاريته، فهو من المُتَعَدِّينَ لحدود الله تعالى، المُتجاوزينَ الحلالَ إلى الحرام، المُعَرِّضينَ أنفسهم لغضب اللهِ وعقابه، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ أي يُحافظونَ على ما كل اؤتمنوا عليه (مِن سِرّ أو عمل أو مال أو غير ذلك)، (ومِن ذلك: مُحافظتهم على التكاليف الشرعية التي أمَرَهم اللهُ بها)، وهُم الذين يُوفُّون بكل عهودهم مع الله تعالى، ووعودهم وعقودهم مع الناس،﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ أي يؤدُّون شهاداتهم بالحق دونَ تغيير أو كتمان، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ: أي يُحافظون على أداء الصلاة في أوقاتها - بشروطها وأركانها - وعلى هيئتها الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم (في خشوعٍ واطمئنان)، ﴿ أُولَئِكَ - المتصفون بهذه الصفات - سوف يَستقرون يوم القيامة ﴿ فِي جَنَّاتٍ أي في حدائق جميلة المنظر (فيها كل ما تشتهيه النفوس وتَسعد برؤيته العيون)، وهم ﴿ مُكْرَمُونَ بإكرام الله لهم بأصناف المُتَع والشهوات.







ولَعَلَّ اللهَ تعالى بدأ هذه الصفات السابقة بالصلاة، وخَتَمَها أيضاً بالصلاة، للإشارة إلى أن الصلاة الخاشعة هي سبب استقامة العبد على الطريق الصحيح الموصل إلى الجنة، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، هذا إذا أداها العبد - كما أمَرَه الله تعالى - بخشوعٍ (أي بِذُلٍّ وانكسار، أمام المَلِك الجبار).







من الآية 36 إلى الآية 41: ﴿ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ: يعني فأيُّ شيءٍ دفع هؤلاء الكفار إلى أن يَسيروا مُسرعينَ نَحْوك أيها الرسول؟!،﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ أي يتجمعون عن يمينك وعن شمالك، وهُم ﴿ عِزِينَ أي على شكل حَلقات متعددة، وهم يستمعون إلى قراءتك (باحثينَ عن أيّ كلمة يَسخرون بها من دعوتك)، ويقولونَ - في استهزاءٍ بالمؤمنين -: (لئنْ دَخَلَ هؤلاء الجنة لنَدخُلنّها قبلهم)، فرَدَّ اللهُ عليهم قائلاً: ﴿ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ؟! ﴿ كَلَّا أي ليس الأمر كما يَطمعون، فإنهم لا يدخلونها أبدًا، فـ﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (وهو ماء الذَكَر)، ومع ذلك فقد جحدوا بتوحيد ربهم الذي خَلَقهم، وجحدوا بقدرته على بَعْثهم بعد موتهم، فمِن أين يَتشرفون بدخول جنته؟!







ثم قال تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ: يعني فأُقسِم برب مَشارق الشمس والكواكب، ومَغاربها جميعاً: ﴿ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ أي قادرونَ على أن نُهلكهم ونأتي بأناسٍ خير منهم (يطيعون الله تعالى ولا يُشرِكونَ به)،﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يعني: ولا أحد يستطيع أن يَفوت ويَهرب من عذابنا، أو يُعِجزنا إذا أردنا أن نعيده حَيّاً بعد موته، (واعلم أنّ (لا) التي في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ) تُسَمَّى (لا الزائدة) لتأكيد القسم).







من الآية 42 إلى الآية 44: ﴿ فَذَرْهُمْ: أي اترك هؤلاء المُشرِكين ﴿ يَخُوضُوا في باطلهم، ﴿ وَيَلْعَبُوا في دُنياهم ﴿ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ أي الذي يُوعدون فيه بالعذاب (وهو يوم القيامة) ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا: أي يوم يخرجون من قبورهم مُسرعينَ إلى أرض المَحشر ﴿ كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ أي كما كانوا في الدنيا يَذهبون مُسرعينَ إلى أصنامهم التي صنعوها بأيديهم، (واعلم أنّ (النُصُب) مُفرَد (الأنصاب)، وهي الأصنام والأحجار المنصوبة التي تُعبَد من دون الله تعالى، والتي كان المُشرِكون يذبحون عندها تعظيمًا لها)، فجعلهم الله يُسرِعون يوم القيامة وهم يُدفَعونَ بعنف إلى الحساب، جزاءً لهم على إسراعهم في الدنيا لأصنامهم.








وتراهم يوم القيامة ﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ: يعني أبصارهم ذليلة منكسرة إلى الأرض، و﴿ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ: أي يُغطي وجوههم ذلٌ وكآبة، ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ أي الذي كانوا يوعدونَ به في الدنيا، وكانوا به يستهزؤون ويُكَذِّبون.











[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #208  
قديم 17-03-2022, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود












تفسير سورة نوح












من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} ليدعوهم إلى توحيد الله وطاعته، وأوحينا إليه ﴿ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ أي حَذِّرهم عاقبة الشِرك والعِصيان ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فـ﴿ قَالَ لهم نوح: ﴿ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ أي مُخَوِّفٌ لكم من عذاب الله تعالى إن لم تؤمنوا وتطيعوا، ﴿ مُبِينٌ أي أُوَضِّح لكم ما أُرسِلتُ به إليكم:﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده، ﴿ وَاتَّقُوهُ أي خافوا عقابه (بفِعل ما يُرضيه واجتناب ما يُغضبه)، ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾.







يعني: وأطيعوني فيما آمركم به، وأنهاكم عنه، فإنْ فعلتم ذلك ﴿ يَغْفِرْ اللهُ ﴿ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (وهي كل الذنوب التي بينكم وبين ربكم، وأمّا مَظالم الناس: فرُدُّوها إليهم تُغفَر لكم)، ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي لا يُعَجِّل سبحانه بهَلاككم (إنْ آمَنتم)، بل يؤَخّر بقاءكم في الدنيا إلى نهاية آجالكم، ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ - وهو الموت - ﴿ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ أبدًا، ﴿ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (يعني لو كنتم تعلمون ذلك لَسارعتم إلى الإيمان والطاعة).







من الآية 5 إلى الآية 12: ﴿ قَالَ نوحٌ - شاكياً لربه ما صَنَعَ قومه -: ﴿ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي إلى توحيدك وطاعتك ﴿ لَيْلًا وَنَهَارًا أي دائماً باستمرار،﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا: يعني فلم تَزِدهم دَعْوتي لهم إلا هربًا وإعراضًا عن دينك،﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ إلى الإيمان ﴿ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ذنوبهم (بعد أن يؤمنوا): ﴿ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ (لكي لا يسمعوا دعوة الحق) ﴿ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ: أي تغَطَّوا بثيابهم حتى لا يروني ﴿ وَأَصَرُّوا على باطلهم ﴿ وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا أي استكبروا عن قَبول الإيمان استكبارًا شديدًا وعجيباً (إذ قالوا له: (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)؟! يعني: كيف نُصَدِّقك وقد اتَّبعك أسافل الناس؟!، وقد قالوا ذلك عندما رأوا أنّ أتْباعه من الفقراء وأصحاب المِهَن الحِرَفيّة البسيطة)،﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا أي أبلَغتهم الدعوة بصوت مرتفع ليسمعوها جميعاً،﴿ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ أي دَعَوتُ بعضهم إلى الإيمان ظاهرًا (عَلنًا في غير خفاء)،﴿ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا: يعني: وكذلك أسررتُ لبعضهم بصوتٍ خفيٍّ (وذلك بحسب الظروف والأوقات واجتماع الناس، بما يتناسب مع مصلحة الدعوة)، ﴿ فَقُلْتُ لهم: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ أي اطلبوا من ربكم أن يغفر ذنوبكم (بعد أن تتوبوا إليه مِن شِرككم ومَعاصيكم) ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا لمن تاب من عباده ورجع إليه، فإنْ تتوبوا إلى ربكم، وتستغفروه نادمينَ على ما فعلتم:﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا: أي يُنَزِّل عليكم المطر غزيرًا متتابعًا (كلما احتَجتم إليه)،﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ يعني: ويُكثِر أموالكم وأولادكم ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ أي حدائق تتنعمون بثمارها وجمالها ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا تشربون منها، وتسقون منها زرعكم ومواشيكم.







من الآية 13 إلى الآية 20: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا؟! يعني ما لكم لا توَقِّرون اللهَ تعالى، وتتفكرون في عظمته وجلاله، وتخافون قدرته وانتقامه، وهو القاهر فوق عباده؟! ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا يعني: وهو الذي خلقكم في أطوار - أي مراحل - متدرجة: (نطفة ثم علقة ثم مُضغة ثم عظامًا ولحمًا)، ثم ذَكَّرهم نوح عليه السلام ببعض مَظاهر قدرة الله تعالى وعنايته بمصالح خَلْقه، للاستدلال بذلك على استحقاقه وحده لعبادتهم، فقال:﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا؟ أي خَلَقَ سبع سماوات متناسقة، بعضها فوق بعض، ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا: أي جعل القمر نورًا يُنير ما فوقه من السماوات وما تحته من الأرض، ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا أي: وجعل الشمس مِصباحًا مُضيئًا يَستضيئ به أهل الأرض ويستفيدون من حرارته في التدفئة والزراعة، (والفرقبين الضياء والنور: أن الضياء هو الضوء الصادر مِن مصدره مُباشرَةً، فيكون الجسم مُضِيئاً بذاته، وأما النور: فهو الضوء المنعكس عن مصدر معين)، فالقمر ليس مُنيراً بذاته، بل بانعكاس ضوء الشمس عليه، وقد قيل أيضاً إن الجسم المُضِيئ يُشِعّ حرارة، وأما المُنير فلا يُشِعّ حرارة، واللهُ أعلم).







﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا يعني أنشأ أصلكم - وهو آدم عليه السلام - مِن تراب الأرض إنشاءً بديعاً،﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا أي: ثم يعيدكم في الأرض بعد موتكم، ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا أي: ويُخرِجكم منها يوم القيامة إخراجًا مُحَققًا للحساب والجزاء (إذ الذي ابتدأ خَلْقكم، قادرٌ على إعادتكم أحياءً بعد موتكم، بل إنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل مِن إيجاده أول مرة)،﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا أي جَعَلها لكم مُمَهّدة كالبِساط﴿ لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا: أي لتسلكوا فيها طرقًا واسعة (تهتدونَ بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها).







من الآية 21 إلى الآية 25: ﴿ قَالَ نُوحٌ: ﴿ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي أي بالَغوا في عِصياني وتكذيبي ﴿ وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا: أي اتّبَعَ الضعفاءُ منهم رؤساءَهم الضالين (الذين لم تزدهم أموالهم وأولادهم إلا ضلالاً في الدنيا وعقابًا في الآخرة)﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا أي: وقد مَكَرَ رؤساءُ الضلال بأتْباعهم الضعفاء مكرًا عظيمًا(ليَصدوهم عن دينك) ﴿ وَقَالُوا لهم: ﴿ لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ: أي لا تتركوا عبادة آلهتكم، ولا تطيعوا نوحاً في دعوته إلى التوحيد، ﴿ وَلَا تَذَرُنَّ يعني: ولا تتركوا - بصفة خاصة - الأصنام الكِبار: ﴿ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا(وهذه هي أسماء أكبر أصنامهم)، وقد كانت أسماء رجال صالحين (يعبدون اللهَ وحده)، فلمّا ماتوا: أوحى الشيطان إلى قومهم أنْ يُقيموا لهم التماثيل والصور; ليُذَكِّروهم بالله تعالى وطاعته، فيَنشطوا على الطاعة إذا رأوا تماثيلهم، فلمّا مات هؤلاء القوم وطالَ الزمن وجاء غيرهم: وسوس لهم الشيطان بأنّ آباءهم كانوا يعبدون هذه التماثيل، ويتوسلون بها إلى الله تعالى، فاقتدوا بهم في ذلك واعبُدوهم، فعَبدوهم من دون الله تعالى، زاعمينَ أنهم يُقَرِّبونهم إلى ربهم ويشفعونَ لهم عنده.







وهذه هي الحكمة من تحريم التماثيل، وتحريم بناء القِباب - جَمْع قُبّة - على القبور، والأضرحة في المساجد; لأنها تصير مع تطاول الزمن مَعبودةً للجُهّال (يَدعونهم، ويَذبحون عندهم، ويطوفونَ بهم).







وقال نوحٌ عليه السلام - شاكياً لربه - ﴿ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا يعني: وقد أضلَّ هؤلاء الرؤساء كثيرًا من الناس، بما زيَّنوهُ لهم من طُرُق الضلال، ثم قال نوحٌ - داعياً ربه -: ﴿ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا: أي لا تزد هؤلاء الظالمينَ المُعانِدين إلا بُعْدا عن الحق (وهذا بعد أن يئس من استجابتهم لدعوته)، ثم قال تعالى:﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا أي: فبسبب ذنوبهم وإصرارهم على الكفر والطغيان: أُغرِقوا بالطوفان ﴿ فَأُدْخِلُوا نَارًا: أي فأُدخِلوا - بعد الإغراق - نارًا عظيمة اللهب والإحراق، ﴿ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا يُنقذونهم من عذابه.







واعلم أن قوله تعالى: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ) أصْله: (ومِن خطيئاتهم)، و (مِن) هنا تُسَمَّى: (مِن التعليلية) يعني بسبب خطيئاتهم، و(ما) تُسَمَّى: (ما الزائدة) لتقوية الكلام وتأكيد المعنى.







الآية 26، والآية 27، والآية 28: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ - قبل أن يُغرِق اللهُ قومه -: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا: أي لا تترك على الأرض إنساناً كافراً يدور ويتحرك (والمعنى: لا تُبقِ منهم أحداً حياً)، فـ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يعني إنْ تتركهم دونَ إهلاك:﴿ يُضِلُّوا عِبَادَكَ المؤمنين، فيُبعِدوهم عن طريق الحق ﴿ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا يعني: ولا يأتِ مِن ظهورهم وأرحامهم إلا مائلٌ عن الحق، شديد الكفر والعصيان ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴿ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴿ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا: أي لا تزد الكافرينَ إلا هَلاكًا وخُسرانًا في الدنيا والآخرة.







[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #209  
قديم 17-03-2022, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]

رامي حنفي محمود





تفسير سورة الجن




من الآية 1 إلى الآية 5:﴿ قُلْ أيها الرسول لجميع الناس: ﴿ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ يعني: لقد أوحَى اللهُ إليَّ أنَّ جماعةً من الجن قد استمعوا لتلاوتي للقرآن ﴿ فَقَالُوا لقومهم: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا أي قرآنًا بديعًا في بلاغته وفصاحته وحِكَمه وأحكامه ﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ: أي يدعو إلى الحق والهدى ﴿ فَآَمَنَّا بِهِ ﴿ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا - الذي خلقنا - ﴿ أَحَدًا في عبادته، ﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا يعني: وأنه - تَقدَّسَ سُلطان ربنا وجلاله - ﴿ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا أي لم يتخذ ربنا زوجةً ولا ولدًا، (واعلم أنّ الجَدّ هو الجلال والعظمة)،﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا يعني: وأنّ سفيهنا - وهو إبليس - كان يقول على الله تعالى قولاً بعيدًا عن الحق والصواب، وهو ادِّعائه كَذباً أنّ له ولداً وزوجة، (واعلم أن السفيه هو ضعيف العقل) ،﴿ وَأَنَّا - معشر الجن - ﴿ ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أي كنا نظن أنه لن يَكذب أحدٌ من الإنس أو من الجن على الله تعالى، فلذلك صَدّقنا إبليس، والآن قد تَبَيّنَ لنا أنه قد كَذَبَ على الله تعالى.





الآية 6:﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ أي يستعيذونَ ويَحتمون ﴿ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ﴿ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا: أي فزادَ رجالُ الجنِّ رجالَ الإنسَ خوفًا ورعبًا (بسبب استعاذتهم بهم من دون الله تعالى)، (واعلم أن هذه الاستعاذة - التي أنكرها الله على أهل الجاهلية - هي من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح)، واعلم أيضاً أنه يدخل في هذه الاستعاذة: قول بعض الناس - إذا دخل أحدهم مكاناً ما -: (دستور يا أسيادي)، فهذه استعاذة بالجن الموجودين في المكان ليَحموه، والصحيح أن يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، فإنه لن يضره شيء في هذا المكان حتى يخرج منه، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (انظر حديث رقم: 805 في صحيح الجامع).



وفي الآية تحذير شديد من اللجوء إلى السَحَرة والقِسِّيسين وغيرهم، بدعوى إبطال السِحر أو المس الذي بهم، تاركينَ التداوي بما شَرَعه الله لهم من القرآن والأذكار الصحيحة.





الآية 7:﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ يعني: وأنّ كفار الإنس ظنوا كما ظننتم يا معشر الجن ﴿ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا بعد الموت.





الآية 8 إلى الآية 13:﴿ وَأَنَّا - معشر الجن - ﴿ لَمَسْنَا السَّمَاءَ أي التمسنا السماء (يعني طلبنا الوصول إلى السماء؛ لاستماع كلام أهلها كما كنا نفعل) ﴿ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا أي مُلِئَت بكثير من الملائكة الأقوياء الذين يحرسونها، ﴿ وَشُهُبًا يعني: ووجدناها مُلِئَت بالشُهُب المُحرِقة التي يُرمَى بها مَن يقترب منها،﴿ وَأَنَّا كُنَّا قبل نزول الوحي على النبي محمد ﴿ نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ أي كنا نتخذ من السماء أماكن (لنستمع إلى بعض أخبار الغيب الذي تتحدث به الملائكة مِن وحي الله تعالى) ﴿ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا: يعني فمَن يحاول الاستماع الآن: يجد له شهابًا بالمرصاد، يُحرقه ويُهلكه، (وفي هاتين الآيتين إبطالٌ لِما يَزعمه السَحَرة من ادِّعاء عِلم الغيب، وإنما الذي يَحدث أن القرين الذي مع الساحر يعرف المعلومات من قرين الشخص الذي أتى إلى الساحر، ثم يخبره بها، فيقول الساحر لهذا الشخص: (إن اسمك كذا، واسم أمك كذا، وقد أتيتَ إليَّ بسبب كذا وكذا).





وعندما رأى هؤلاء الجن أن السماء قد مُلِئَت بالملائكة والشُهُب، لم يعلموا أنّ ذلك قد حدث حِفظاً للوحي من استماع الشياطين له قبل أن ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بل ظنوا أن هناك أمراً عظيماً سوف يحدث لأهل الأرض، ولم يعلموا هل هو شرٌ أو خير، فلذلك قالوا: ﴿ وَأَنَّا - معشر الجن - ﴿ لَا نَدْرِي: ﴿ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ؟ (وهذا مِن أدبهم مع الله تعالى، إذ لم يقولوا: (أَشَرٌّ أراده الله بمن في الأرض)، رغم أن الله تعالى قال: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، ولكنهم لم ينسبوا الشر إليه سبحانه (تأدباً مع ربهم عز وجل)، أما عندما تحدثوا عن الخير فإنهم قالوا: ﴿ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا؟يعنيأم أراد اللهُ بهم خيرًا وصلاحاً؟ (وهو إنزال الوحي)،﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ أي المتقونَ المستقيمونَ على الإيمان والطاعة ﴿ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ يعني: ومِنّا قومٌ أقل من الصالحين (وهم ضِعاف الإيمان والمُصِرِّين على المعاصي) ﴿ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًاأيكنا فِرَقًا ومَذاهب مختلفة (إذ كان منهم اليهود والنصارى وغيرهم) كسائر البشر،(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ} يعني: وأننا أيقَنّا الآن - بعد سماعنا للقرآن - أنّ الله قادرٌ علينا، وأننا في قبضته وسلطانه، فلن نهرب منه في الأرض إذا أراد بنا أمرًا ﴿ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا يعني: ولن نستطيع أن نُفلِت مِن عقابه هَرَبًا إلى السماء، ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى - وهو القرآن - ﴿ آَمَنَّا بِهِ وأقرَرنا أنه حقٌ مِن عند الله تعالى، ﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ ويعمل بكتابه ﴿ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا يعني فإنه لا يخاف نُقصانًا من حسناته ﴿ وَلَا رَهَقًا يعني: ولا يخاف زيادةً في سيئاته.





من الآية 14 إلى الآية 17:﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ أي الخاضعونَ لله وحده بالطاعة، ﴿ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ أي الظالمونَ الذين مالوا عن طريق الحق، ﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ وخَضَعَ لله بالطاعة والانقياد: ﴿ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا: أي فأؤلئك هم الذين سلكوا طريق الحق والصواب - بعد أن اجتهدوا في اختياره وطلبوه مِن ربهم بصدق - فهداهم الله إليه،﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا يعني: وأما المائلونَ عن طريق الإسلام، فكانوا وَقودًا لجهنم،ثم قال اللهُ لرسوله:﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ يعني: وأنه لو سارَ كفار الإنس والجن على طريقة الإسلام ولم يميلوا عنها:﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا: أي لأَنزلنا عليهم ماءً كثيرًا، فتكثر زروعهم وتتسع أرزاقهم ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي لنَختبرهم في ذلك المتاع: (أيَشكرون ربهم على نعمه - بتوحيده وطاعته - أم يَجحدونَ بها ويَعصون ربهم؟)، ﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يعني: ومَن يُعرض عن القرآن وشرائعه وأحكامه: ﴿ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا أي يُدخِله الله عذابًا شاقًّا متصاعداً في الشدة والألم.



الآية 18:﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ أي قد بُنِيَتْ لعبادة الله وحده ﴿ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا: أي فلا تعبدوا فيها غيره، وأخلِصوا له الدعاء والعبادة في مساجده، (وفي هذا وجوب تطهير المساجد مِن كل ما يتناقض مع إخلاص العبادة لله تعالى وحده، واتّباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلمعن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ولَعَنَ مَن فَعَلَ ذلك، لأن هذا قد يؤدي إلى عبادة مَن فيها).





الآية 19:﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ يعني: وعندما قام محمد صلى الله عليه وسلم، يعبد ربه: ﴿ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا: أي كادَ الجن أن يكونوا عليه جماعات متراكمة، بعضها فوق بعض (مِن شدة ازدحامهم لسماع القرآن منه).





من الآية 20 إلى الآية 24:﴿ قُلْ أيها الرسول لكفار مكة: ﴿ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا: يعني إنما أعبد ربي وحده، ولا أشرك معه في العبادة أحدًا،و﴿ قُلْ لهم: ﴿ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا يعني إني لا أقدر أن أدفع عنكم ضرًا، ولا أجلب لكم نفعًا، وإنما ذلك بيد الله وحده،﴿ قُلْ: ﴿ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ يعني: إني لن ينقذني أحدٌ من عذاب الله إن عصيته ﴿ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا يعني: ولن أجد من دونه مَلجأً أهرب إليه مِن عذابه﴿ إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ: يعني لكني أملك أنْ أُبَلّغكم عن الله تعالى ما أمَرَني بتبليغه لكم، ورسالاتَه التي أرسلني بها إليكم.



واعلم أن الاستثناء الذي في قوله تعالى: (إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ) يسمى: (الاستثناء المنقطع)، لأنه غير مُستَثنى من الجملة التي قبله، فهو يأتي بمعنى: (لكن).





﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - بأن يُشرك بالله تعالى ويُكَذِّب رسوله ويُعرض عن دينه -: ﴿ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ يعني فإنّ هذا الصِنف جزاؤه نار جهنم ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، (فالمقصود بالمعصية هنا: الشرك والتكذيب، لأن الخلود في النار لا يكون إلا للمُشرِكين، كما دَلّ على ذلك الكثير من الآيات المُحكَمة - أي التي لا تحتمل أكثر من معنى - وكذلك الأحاديث الصحيحة، وإجماع سلف الأمّة)، وسوف يتضح من السياق الآتي أن المقصود هنا في هذه الآية: المُشرِكون وليس عُصاة الموَحِّدين.





وسيَظل هؤلاء المُعانِدون على عنادهم ﴿ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ يعني حتى إذا رأوا ما يوعدون به من العذاب: ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ حينئذٍ ﴿ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا يعني: مَن هو أضعف ناصرًا ومُعينًا وأقل جُندًا (فريق المُشرِكين أم فريق المؤمنين)؟ (وذلك حين لا يَنفعهم العِلم).





من الآية 25 إلى الآية 28:﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المُشرِكينَ المستعجلينَ بالعذاب: ﴿ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ: يعني لستُ أدري: هل العذاب الذي وُعِدتم به قد اقترب ﴿ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا يعني أم يَجعل له ربي مدة طويلة قبل أن يأتي؟، فإنه سبحانه هو الأعلم بذلك، إذ هو﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ أي العليم بما غاب عن حواس الناس، ﴿ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا: أي لا يُطلِع أحدًا على غيبه ﴿ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ: يعني إلا مَن ارتضاهم الله لتبليغ رسالته، فإنه سبحانه يُطلِعهم على بعض الغيب، حتى يُبَلِّغوه للناس، ليكون ذلك دليلاً على صِدق نبوتهم، ﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا: يعني فإنّ اللهَ تعالى يُرسل مِن أمام هذا الرسول - ومِن خلفه - رَصَداً (أي حَرَساً) من الملائكةً ليحفظوا الغيب الذي أطلعه الله عليه، حتى لا يسمعه الجن ويَهمسوا به إلى الكهنة.



وقد أخبَرَ اللهُ رسوله محمداً بذلك ﴿ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ: أي ليَعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الرُسُل الذين قبله كانوا على مِثل حاله من تبليغ رسالات ربهم إلى خَلْقه، وأنه حُفِظَ من الجن كما حُفِظوا (حتى يطمئن ويصبر على أذى قومه)، ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ يعني: وأن الله تعالى قد أحاط عِلمه بما عند هؤلاء الرُسُل (من الشرائع والأحكام وغيرها) ﴿ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا يعني: وأنه سبحانه قد أحصى عدد كل شيء، فلا يَخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.








[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #210  
قديم 17-03-2022, 02:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]
رامي حنفي محمود











تفسير سورة المزمل








من الآية 1 إلى الآية 9: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ : يعني يا أيها المتغطي في ثيابه (أو المتغطي في غطاء) (وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ذهب إلى بيته خائفاً يرتجف بعد أنْ جاءه الوحي أول مرة، ورأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية، فقال لخديجة رضي الله عنها: زَمِّلوني - وفي رواية: دَثِّروني - أي غَطوني غَطوني، فغَطَته حتى هدأ) (والحديث في الصحيحين)، فناداه الله بذلك ليستشعر اللِّين والعطف من ربه، ثم قال له: ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا أي قم للصلاة في الليل إلا قليلاً منه: ﴿ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أي قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلاً حتى تَصِلَ إلى الثلث، ﴿ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ : يعني أو زِد على النصف حتى تصل إلى الثلثين (فإنك مُخَيَّر في ذلك كله) (واعلم أن هذا القيام كان قبل فرْض الصلوات الخمس، فلمّا فَرَضَ اللهُ الصلوات الخمس، أصبح قيام الليل واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم مُستَحَبّاً لأمّته)، ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ أي اقرأ القرآن بتمَهُّل (مُبَيِّنًا الحروف والوقوف)، ليكون أقرب إلى التدبر والتأثر.







﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا : يعني إنا سنُنزل عليك - أيها النبي - قرآنًا عظيمًا مشتملاً على الأوامر والنواهي والأحكام الشرعية (فاستعن بالقيام والعبادة على تحَمُّل ثِقَل الرسالة)، ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ يعني إن العبادة التي تنشأ في جوف الليل ﴿ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا: يعني هي أشد تأثيرًا في القلب (لفراغ القلب مِن مَشاغل الدنيا) ﴿ وَأَقْوَمُ قِيلًا يعني: وهي أوضح قولاً من قراءة النهار (لسكون الأصوات في الليل)، ﴿ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا يعني إنّ لك في النهار انشغالاً واسعًا بأمور الرسالة وقضاء مصالحك، (ففرِّغْ نفسك ليلاً لعبادة ربك) (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) أي استمر على ذِكر ربك ودعائه بأسمائه الحسنى ليلاً ونهاراً ﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا : أي انقطع إليه انقطاعًا تامًا (وذلك بانفصال قلبك عن الدنيا أثناء عبادته، والاستغناء التام عن جميع خَلْقه، وطلب حاجتك منه وحده)، فإنه سبحانه﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أي مالك المشرق والمغرب، ومُدَبّر أمْر الشمس فيهما (فهو سبحانه الذي بيده كل شيء)، ولذلك ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ : أي لا معبود بحق إلا هو ﴿ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا أي اعتمد عليه وحده، وفوِّض أمورك إليه، فإنه يكفيك ما أهَمّكَ من أمور الدنيا والآخرة.







من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿ وَاصْبِرْ أيها الرسول ﴿ عَلَى مَا يَقُولُونَ من التكذيب والاستهزاء (فإنّ الله لهم بالمِرصاد), ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا يعني: وخالِفهم في أفعالهم الباطلة (مع الإعراض عنهم، وترْك الانتقام منهم)، (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) يعني: واترك لي أيها الرسول هؤلاء المُكَذّبين (أهل التنَعُّم والتَرَف في الدنيا) ﴿ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا يعني: وأمهِلهم زمنًا قليلاً - بالصبر على تكذيبهم - حتى يأتي وقت عذابهم، فـ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا: يعني إنّ لهم عندنا في الآخرة قيودًا ثقيلة ﴿ وَجَحِيمًا أي نارًا موقدة يُحرَقون بها ﴿ وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ : أي طعامًا كريهًا يقف في الحلق ﴿ وَعَذَابًا أَلِيمًا لا يُطيقونه، وذلك ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ : أي يوم تتزلزل الأرض والجبال بشدة ﴿ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا أيحتى تصير الجبال تَلاً من الرمل السائل المتناثر، بعد أن كانت صُلبة جامدة.







من الآية 15 إلى الآية 19: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ - يا أهل مكة - ﴿ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ أي يَشهد عليكم بما صدر منكم من الكفر والعصيان (وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي تعرفون صِدقه وأمانته ونَسَبَه وأخلاقه) ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (وهو موسى عليه السلام) ﴿ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ : أي فكذَّبَ فرعون بموسى وعصى أمْره (فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا): أي فأهلكناه إهلاكًا شديدًا، ﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا)؟! يعني إنْ كفرتم أيها الناس، فكيف تدفعون عن أنفسكم عذاب يوم القيامة (الذي يشيب فيه الولدان الصغار; مِن شدة هَوله وكَربه)؟!﴿ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ يعني: السماءُ يومئذٍ متشققة، بسبب صعوبة ذلك اليوم، ﴿ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا: أي كان وَعْد الله بمجيئ ذلك اليوم واقعًا لا مَحالة.







ورغم أنّ لَفْظ "السماء" مؤنث، إلا أنّ اللهَ تعالى قال: ﴿ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ﴾، ولم يقل: (السماء مُنفطرةٌ به)، وذلك لأنّ كلمة (السماء) ليست مُؤنّثاً حقيقياً، بل هي مؤنث مَجازي (يعني مما لا يَبيض ولا يَلد)، فلذلك يجوز أن تأتي مع لفظَي: (مُنفطر) و(مُنفطرة)، وهذا مِثل قوله تعالى:﴿ (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ﴾.







﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ : يعني إن هذه الآيات المُخَوِّفة عظة وعبرة للناس ﴿ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا يعنيفمَن أراد الاتعاظ والانتفاع بها في الدنيا والآخرة، اتخذ بالإيمان والتقوى طريقًا يوصله إلى رضوان ربه الذي خلقه وربَّاه، ليُدخله جَنّته ويُنَجّيه مِن ناره.







الآية 20: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ أيها النبي ﴿ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ - للصلاة في الليل - ﴿ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ﴾ يعني أقل من ثلثي الليل (أحياناً)، ﴿ وَنِصْفَهُ يعني: وتقوم نصفه (أحياناً أخرى)، ﴿ وَثُلُثَهُ يعني: وتقوم ثلثه (أحياناً أخرى)، ﴿ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ يعني: ويقوم معك طائفة من أصحابك، ﴿ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أي يعلم مَقادير الليل والنهار، وما يَمضي ويَبقى منهما، ﴿ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ أي: عَلِمَ سبحانه أنه لا يمكنكم إحصاء الوقت المطلوب منكم في قيام الليل من غير زيادة ولا نقص، لكَون ذلك يتطلب انتباهاً ومَشقة كبيرة، وكذلك عَلِمَ سبحانه لن تستطيعوا الاستمرار على هذا القيام المطلوب منكم، فلذلك خفَّف عليكم ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ أي فاقرؤوا في صلاة الليل ما تيسر لكم قراءته من القرآن، وصَلُّوا من الليل ما سَهُلَ عليكم ولو ركعتين، ﴿ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى أي: عَلِمَ سبحانه أنه سيوجد فيكم مَن يُعجزه المرض عن قيام الليل، ﴿ وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ يعني: ويوجد قومٌ آخرون يَتَنقَّلون في الأرض - للتجارة والعمل - يطلبون من رزق الله الحلال في الصباح الباكر (فهؤلاء يَصعُب عليهم قيام الليل)، ﴿ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يعني: ويوجد قومٌ آخرون يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته ونَشْر دينه (فهؤلاء أيضاً يَصعُب عليهم قيام الليل) ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ أي فاقرؤوا في صلاتكم ما تيسَّر لكم من القرآن، (ولَعَلَّ الله تعالى كَرَّرَ ذلك الأمر تأكيدا لنسخ وجوب قيام الليل، إذ كان واجباً وأصبح بهذه الآية مستحباً)، ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ أي واظِبوا على أداء الصلوات الخمس - في أوقاتها - على الوجه الذي شَرَعه الله لكم، ﴿ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ يعني: وأعطوا الزكاة - الواجبة عليكم - لمستحقيها (في أوقاتها)، ﴿ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يعني: وتصدَّقوا في وجوه الخير والإحسان (من مالٍ حلال - طالبينَ الأجرَ من الله تعالى - مِن غير أن تَمُنّوا على الفقير)، ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ يعني: واعلموا أنَّ كلَ خيرٍ تُقدِّمونه لأنفسكم مِن الطاعات، تجدون ثوابه عند الله في الآخرة (فإنه سبحانه لن يُضَيِّع تعبكم مِن أجْله)، ثم وَصَفَ الله ذلك الجزاء بقوله: ﴿ هُوَ خَيْرًا مما قدَّمتم في الدنيا ﴿ وَأَعْظَمَ أَجْرًا (إذ يُضاعِف اللهُ لكم الحسنة بعشر أمثالها إلى ما شاء الله من الزيادة)، ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ (نادمينَ معترفينَ بذنوبكم) ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوب التائبين، ﴿ رَحِيمٌ بهم، حيث جعل التوبة نجاةً لهم من عذابه.


















[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.



واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 269.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 263.19 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]