الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4958 - عددالزوار : 2063241 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4534 - عددالزوار : 1332274 )           »          تعملها إزاي؟.. كيفية البحث عن الصور من خلال ميزة Ask Photos الجديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          كيفية إضافة علامة مائية فى صفحة وورد.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين iPhone 12 mini و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          كل ما تريد معرفتة عن ميزات إنستجرام الجديدة لتحرير الصور وإنشاء الملصقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لو الكمبيوتر بيهنج.. 7 نصائح للتخلص من المشكلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف Pixel 6a وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          كيفية الانضمام إلى اجتماع Microsoft Teams فى خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تعرف على تحديث جوجل لميزتها المدعومة بالذكاء الاصطناعى Circle to Search (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > الحدث واخبار المسلمين في العالم
التسجيل التعليمـــات التقويم

الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 29-02-2012, 08:32 PM
الصورة الرمزية @أبو الوليد@
@أبو الوليد@ @أبو الوليد@ غير متصل
كلمـــــة حق
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
مكان الإقامة: @قلب غــــــــــزة@
الجنس :
المشاركات: 6,779
الدولة : Palestine
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي


ها قد مضى قرابة العام على انطلاقة الثورة السورية لا سقط فيها طاغية ولا نظام، ولا تدخل العرب ولا العجم .. عام سقطت فيه كل المراهنات، وانطلقت فيه آلة القتل لتسفك حتى دماء الحيوانات، واستكبرت فيه قوى الظلم والبغي والعدوان، بدء من النظام، مرورا بحلفائه الإقليميين، خاصة إيران والعراق وحزب الله في لبنان، ومن ورائهم موسكو وبكين، وانتهاء بنفاق دول الناتو. مضى عام .. انكشفت فيه عقائد طائفية صممت لتكون مدخلاتها العقدية ومخرجاتها السلوكية أحط من الانحطاط .. وأفجر من الفجور .. لا ينفع معها تفاهمات ولا مصالحات، صارت ضربا من المستحيل .. نظم انفجرت قرائحها على شهوة الدم،

كلام سليم مائة بالمائة
بوركت اخي رياض
  #12  
قديم 04-03-2012, 01:10 PM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

الجميع يخوضون حروبهم بما يلائمهم دون أن يعترض عليهم أحد .. الصفويون لهم مشروعهم .. والصليبيون لهم مشروعهم .. واليهود لهم مشروعهم .. وكلها مشاريع عقدية صرفة .. بأصولها وفصولها، ومفرداتها واستراتيجياتها، وتحالفاتها وسياساتها، وخططها وأهدافها، وإعلامها ووقائعها .. إلا المسلمين !!! فمحرم عليهم مشروعهم، بل يتجاهلون أو يتنصلون من أية دعوة عقدية، أو يحاربونها!! « حرام» عليهم الاستعانة بالله!!! فهو الإرهاب .. كل الإرهاب .. أما الاستعانة بشياطين الأرض فهو « أحل الحلال» .. فبعد كل هذا الدم والقهر، ما زلنا نسمع ونقرأ ونشاهد يوميا، وفي كل حين، من يؤكد على « سلمية الثورة»، ونبذ « التطرف» و « العنف». والعجيب أن تصريحات الواجهات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية بدت أحرص على تجنب « العسكرة» من تصريحات الغرب نفسه، وبعضهم لا يتوانى عن مهاجمة الإسلام، والتنكر لكل شعار إسلامي، رغم أن اللافتات الإسلامية في الثورة السورية، والتي يتم تجاهلها عمدا في وسائل الإعلام، أغلقت عرض الشوارع وطولها في احتجاجات الثورة. ومع أن النظام الطائفي تجرأ على كل المحرمات والفطر الإنسانية إلا أن بعض أصوات المعارضة سُمعت بأوقح ما يكون، وهي تتجرأ على دين الله، وتبدي حماسا عجيبا في تطمين « إسرائيل»، والحرص على سلامتها أكثر من حرصها على الدماء المسفوحة. فما الذي جعل الثورة السورية فريسة لكل نطيحة ومتردية ومنخنقة وما أكل السبع؟
__________________
  #13  
قديم 17-03-2012, 10:59 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

بورك فيكم اخواني وجزاكم وكانب الموضوع خيرا
  #14  
قديم 17-03-2012, 11:05 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي


الثورة السورية ومسارات التدويل


(4)


تسليح الثورة



د. أكرم حجازي


15/3/2012






دخلت الثورة السورية عامها الثاني وسط صدمة شعبية لا نظير لها .. فالناس باتوا في حالة ذهول، وهم يفتشون عن « الذنب» الذي ارتكبوه بـ « حق» النظام، ويساءلون أنفسهم بكثير من الاستهجان والغرابة: هل ثمة ميزان من الموازين، العقدية أو القيمية أو المادية، يتيح لنظام سياسي أن يستعمل كل هذا القدر العظيم من القسوة والوحشية والغدر ضد أناس كلّ ما فعلوه هو التعبير عن حاجتهم للعيش بحرية وكرامة؟ سؤال مشروع لو أن وحشية النظام الطائفي ذاته كانت أقل قسوة من وحشية « تدويل» الثورة السورية. إذ لا خير يرجى من وحوش ضارية يمكن أن تنتصر لفرائسها قبل أن تدفع الفرائس حياتها ثمنا لحريتها.

فالثابت أنه ليس لـ « التدويل» من مخرجات سوى « إدارة الثورة» بما يحقق المصالح الدولية وليس بما يلبي طموحات الشعب السوري أو يوقف، على الأقل، سفك الدماء وبشاعات القتل الوحشية للسكان، فضلا عن التعذيب والاغتصاب والقهر والإذلال العميق لكل الفئات العمرية للشعب. ومن حيث المبدأ تعني « الإدارة» القدرة على التحكم والسيطرة في الحدث السوري. بمعنى أن « المركز» لا يبدو راغبا حتى اللحظة في « حسم» الموقف لصالح النظام السوري أو الثورة. وهكذا تبدو « « تسليح الثورة» أو « وقف المذابح» أو « الإغاثة الإنسانية» أو « تغيير النظام» أو « إقامة ممرات آمنة» أو « مناطق عازلة» أو « الحل السياسي» أو « الحرب الأهلية» أو « الحوار» أو ... كلها قضايا واقعة فعليا ما بين « الإدارة» و « الحسم». وعليه فإذا كان الجميع رابحا، بشكل أو بآخر، من « التدويل»، فلا شك أن الثورة السورية هي الخاسر الأكبر حتى الآن.

إذن « المركز» الذي يدير مصالحه في المنطقة بلغة مزدوجة، بالغة المكر والدهاء، حافظ فعليا على مصالح النظام الطائفي وحلفائه الإقليميين!!! لكن، إنْ كانت الثورة هي الضحية، فماذا عن مصالح حلفائه التاريخيين، ممثلة بدول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية؟ وهل لهذا الأمر علاقة مباشرة بالحماس السعودي لتسليح الثورة السورية؟ أم أن للأمر علاقة من وجه آخر؟

قبل مجازر « كرم الزيتون» و « العدوية» لم يكن ثمة أحد، سوى السعوديين، ينادي بتسليح الثورة السورية، لا من المستوى الدولي ولا من المستوى الإقليمي. ورغم أن الثورة تتعرض لاستنزاف ذخيرتها، ولمحاولة دولية دنيئة لنزع سلاحها، بيد النظام ذاته، في البؤر القوية مثل حمص وإدلب إلا أن المعارضة السياسية لم تكن راغبة بأي ذكر للسلاح، حتى من أولئك الذين صاروا كـ « بني إسرائيل» .. حين حرموا السلاح على أنفسهم واجتهدوا في التوسل إلى التدخل الدولي.

في البداية، فإن كل الذين رفضوا تسليح الثورة، من شتى الاتجاهات، حذروا من خطر اندلاع حرب أهليه في سوريا. وارتبط التحذير بالخشية من انتقام السنة من الطائفة العلوية على وجه الخصوص. وتبعا لذلك انحازوا لتوصيفات تؤكد على « سلمية الثورة» أو « ثورة كل السوريين» أو « نبذ الطائفية» أو « الوحدة الوطنية» أو « الحل السياسي» ... وفي خضم السنة الأولى بدت التحذيرات تكتسي محتوى آخر يتعلق بالخشية من تحول البلاد إلى ساحة لتنظيم « القاعدة» أو ما يسمونه بالقوى الإسلامية « المتطرفة» أو « المتشددة». لكن في النهاية طالبوا بالتدخل!!!! فهل كان « المركز» أصما حين كانوا يصرخون بأعلى أصواتهم « سلمية .. سلمية»!!!!؟ فلنتابع ونرى.

أقوال « المركز »

لا شك أن أحد أبرز التصريحات الرافضة للتدخل العسكري جاء من نيكولاي ساركوزي، الرئيس الفرنسي، حين وصف ما يجري في سوريا من تقتيل بـ « الفضيحة». ففي اجتماعه بالسفراء لتقديم تهانيه بمناسبة العام الجديد (20/1/2012) قال بأن: « تدخلا عسكريا لن يحل المشكلة بل قد يؤدي إلى الحرب والفوضى في الشرق الأوسط والعالم .. وأن فرنسا ستفعل ما بوسعها لتجنب تدخل عسكري». لكنه عبر عن حيرته بشأن ما يمكن فعله، إذ: « لا يمكننا أن نقبل القمع الوحشي من قبل القادة السوريين ضد شعبهم .. هذا قمع سيؤدي بالبلاد مباشرة إلى الفوضى، وهذه الفوضى سيستفيد منها المتطرفون من كل الجهات».

وبعد الفيتو المزدوج (4/2/2012) للصين وروسيا في مجلس الأمن، ارتفعت حمى التصريحات المتعلقة بتسليح الثورة. وتَبادَر إلى ذهن الكثير أن الحل يتجه، على الأقل، نحو تسليح الثورة بدلا من التدخل العسكري. وكما تقول صحيفة « الواشنطن بوست» فقد احتدم الجدل في الولايات المتحدة حول القيام بإجراء عسكري ما ضد النظام السوري، أملا في إسقاط الأسد وإضعاف إيران. وجاءت أوضح التصريحات من عضوي اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي، والشخصيتان الأشد عداء وبغضا وكراهية للإسلام والمسلمين والعرب. فقد نقلت صحيفة « نيويورك تايمز - 19/2/2012 عن جون ماكين، الذي سبق وقدم اعتذار الرئيس أوباما لأنصار الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي ووعدهم بدولة مستقلة جنوب البلاد، وزميله ليندسي غراهام قولهما: « إن الثوار السوريين يستحقون أن يمتلكوا السلاح من أجل الدفاع عن الشعب السوري وبالتالي إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد».

لكن الرد على تصريحات ماكين وغراهام جاء من الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس أركان الجيوش الأميركية، الذي وصف في تصريحات لـ « شبكة الأخبار الأميركية 20/2/2012 » أي تدخل محتمل في سوريا بـ « الصعب للغاية .. سيكون خطأ كبيرا إذا اعتقدنا أن هذه ليبيا أخرى .. الجيش السوري مؤهل جيدا، ولديه نظام دفاع جوي متطور ومتكامل بالإضافة إلى أسلحة كيماوية وبيولوجية»، وعليه فـ: « من المبكر اتخاذ قرار بتسليح المعارضة في سوريا، وأنا أتحدى أيا كان أن يحدد لي بوضوح هوية المعارضة السورية حاليا»، مشيرا إلى أن: « هناك معلومات تفيد بأن القاعدة متورطة وتسعى إلى دعم المعارضة .. ( المهم ) ما أريد قوله إن هناك أطرافا عدة تتدخل وكل طرف يحاول تعزيز موقعه»

وخلال جولتها في المنطقة (21/2/2012) جدد ماكين وغراهام تصريحاتهما في كابل والقاهرة، حيث قال ماكين: « إنني لا أدعو لتسليح مباشر في سوريا. لقد رأينا في ليبيا أن هناك وسائل لتزويد الناس بالسلاح حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، لقد آن الأوان لكي نمنحهم الإمكانيات التي تعينهم على صد العدوان وإيقاف المذابح »، وإن عدم السعي لحل يوقف « المجزرة المستمرة في سوريا» هو « خيانة لكل ما تؤمن به الولايات المتحدة»، مشيرا إلى أنه: « ثمة طرق عديدة لحصول الثوار السوريين على السلاح دون تورط الولايات المتحدة بشكل مباشر .. لا داعي لأن ترسل الولايات المتحدة السلاح إلى الثوار السوريين بشكل مباشر، ولكن يمكن لواشنطن العمل من خلال طرف ثالث من بلدان العالم الثالث وجامعة الدول العربية». وهو رأي السناتور غراهام أيضا الذي قال: « إن جامعة الدول العربية .. يمكنها أن تكون القناة التي يجري من خلالها دعم الثوار»، مضيفا أن: « إسقاط نظام الأسد من شأنه إضعاف الموقف الإيراني».

في خضم هذا الجدل، وعشية انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس ( 24/2/2012)، حيث توقع المراقبين تدخلا عسكري ما في سوريا أو تسليحا للثورة، إلا أن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، بددت كل الآمال، وبدت كمن يقرأ الطالع، بلجوئها إلى « التمنيات» و « المراهنة» على سقوط الأسد بدلا من تسليح الثورة لإسقاطه. فبعد مشاركتها في مؤتمر لندن حول الصومال اكتفت بالقول للصحفيين: « ستكون هناك قوات معارضة مؤهلة بصورة متزايدة. سيجدون من مكان ما وبطريقة ما الوسائل للدفاع عن أنفسهم وأيضا بدء إجراءات هجومية»، مضيفة: « من الواضح بالنسبة لي أنه ستكون هناك نقطة تحول أتمنى أن تأتي آجلا وليس عاجلا حتى يتم إنقاذ المزيد من الأرواح. لكنني ليس لدي أدنى شك في أن مثل هذه النقطة ستأتي».

لكن ما أخفته كلينتون، وعلقته على قراءة الكف، كشفته فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية، حين قالت: « نحن لا نعتقد أن من المنطقي المساهمة الآن في تكثيف الطابع العسكري للصراع .. فما لا نريده هو زيادة تصاعد العنف، لكن إذا لم نستطع أن نجعل بشار الأسد يستجيب للضغوط التي نمارسها جميعا فقد يكون علينا أن نبحث في اتخاذ إجراءات إضافية». بمعنى: « إذا استمع الأسد لرأي المجتمع الدولي أو إذا استجاب للضغوط التي نمارسها فستكون الفرصة ما زالت متاحة للحل السياسي».

هذا الموقف كرره حرفيا، جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، حين قال إن: « واشنطن ما زالت ترى أن الحل السياسي هو الشيء المطلوب بسوريا». وأن بلاده: « لا تريد اتخاذ إجراءات تساهم في تعزيز الطابع العسكري للصراع في سوريا لأن ذلك قد يهوي بالبلاد في مسار محفوف بالمخاطر .. لكننا لا نستبعد اتخاذ إجراءات إضافية». كما كرره زميله غوش أرنست (25/2/2012) حين قال إن: « تصعيد النزعة العسكرية في سوريا في الوقت الحالي لا يعد هو السياسة التي نعتقد أنها حكيمة كي نتبعها حاليا».

أما كلينتون فتخلت عن « المراهنات» وكشفت عن تحفظاتها ( 26/2/2012 ) بالتحذير من مخاطر أي تدخل خارجي خشية أن يعجل بنشوب حرب أهلية، وقالت في تصريحات تلفزيونية: « إذا جلبت أسلحة آلية ( والتي ربما تستطيع تهريبها عبر الحدود) فما الذي ستفعله تلك الأسلحة أمام الدبابات والأسلحة الثقيلة. هناك مجموعة من العوامل الأكثر تعقيدا .. لدينا مجموعة خطيرة جدا من العوامل في المنطقة. القاعدة وحماس، وأولئك الذين على قائمتنا للإرهاب الذين يدعون أنهم يدعمون المعارضة. الكثير من السوريين يشعرون بالقلق بشأن ما قد يحدث لاحقا».

هذا التحفظ الفرنسي والأمريكي على التدخل العسكري أو تسليح الثورة يرجع لأكثر من سبب جوهري. فمن جهتها استعبدت مجلة « التايم – 23/2/2012 الأمريكية تسليح الثورة السورية لأن: (1) « صناع القرار بالغرب ليسوا متأكدين من هوية المعارضة، مشيرة إلى أنه لا يوجد قيادة واحدة تتحدث باسم أولئك الذين يقاتلون النظام بالمدن السورية، وأن ثمة مؤشرات على أن بعض عناصرها يتخذون موقفا عدائيا تجاه الغرب»، ولأن (2) الرؤية لم تتضح بعد بالنسبة للغرب بشأن: « ما إذا كان تسليح الثوار سيوقف القتل أم أنه سيفاقم الوضع»، و (3) رغم أن القوى الغربية تريد الإطاحة بالأسد، فإنها لا تسعى إلى ذلك بطريقة تفضي إلى فراغ سياسي قد يملؤه عناصر أكثر عداء من الأسد»، ولأنه بعد إعلان « القاعدة» عن التزامها تجاه الثورة السورية صار هناك (4) « اعتقاد لدى المخابرات الأميركية بأن شبكة الجهاديين هي التي كانت مسؤولة عن تفجيرين بدمشق وحلب، استوقفا المؤسسة الأمنية الأميركية التي باتت تستبعد تقديم المساعدة العسكرية للثورة».

اللافت للانتباه أن الروس يتقاسمون مع الأمريكيين و« التايم»، تحفظاتهم بشأن هوية المعارضة السورية. فقد سبق وعبر عنها الروس في لقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف مع نظيره الفرنسي ألان جوبيه في العاصمة النمساوية – فيينا، لبحث مسألة الممرات الآمنة. وفي أعقاب اللقاء ( 17/2/2012) شكك لافروف في: « أهلية المعارضة في إدارة سوريا إن خرجت منتصرة من النزاع»، ومحذرا من أن: « المجموعة الدولية لا تعرف عنها إلا القليل»، قائلا: « إن القاعدة باتت ممثلة لدى هذه المعارضة». ومشيرا في الوقت ذاته: « إذا كانت الدول الكبيرة في المجموعة الدولية تطالب بتغيير النظام شرطا لأي شيء فإننا مقتنعون أن ذلك هو الطريق نحو حرب أهلية حقيقية».

ومن جهته أدان ألكسندر لوكاشيفيتش، المتحدث باسم الخارجية الروسية، دعوة السعودية وقطر المنادية بتسليح الثورة، خلال مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، وقال في تصريحات نقلتها عنه وكالة « إيتار تاس» الروسية (3/3/2012) أن: « موسكو ستطالب مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الإرهاب بتوضيح قانوني لدعوة بعض الدول إلى تسليح المعارضة السورية». وأضاف إنه: « بعد التأكد من وجود عناصر من تنظيم القاعدة بين صفوف المجموعات المسلحة غير القانونية على الأراضي السورية، فنحن نتساءل كيف تتوافق مثل هذه التصريحات لسياسيين مسؤولين مع القانون الدولي بشكل عام ولاسيما أن قرارات مجلس الأمن الدولي تلزم جميع الدول بعدم تمويل المنظمات الإرهابية وعدم توريد السلاح لها وعدم دعم نشاطها بأي شكل من الأشكال».

أما تصريحات إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة لدى « الناتو»، فقد جاءت على النقيض من إجمالي التصريحات السابقة. فلم يتطرق فيها إلى « القاعدة» كشرط مانع من التدخل، ولا إلى كل تحفظات « التايم» والروس، بالرغم من أن الخيارات المتاحة أمام الغرب لا تتعدى اثنين، وفق ما يراه بول فوليلي، كاتب صحيفة « الأوبزرفر - 26/2/2012» البريطانية: « إما تسليح الثوار أو الوقوف موقف المتفرج حتى تتغلغل القاعدة في سوريا». فحين سئل « دالدار»، في أعقاب كلمة له أمام مجلس شيكاغو للشؤون العالمية (1/3/2012)، عن « المعايير » التي تسمح لـ «الناتو» بالتدخل العسكري أورد ثلاثة شروط، أولها: الحاجة إلى حماية المدنيين، وثانيها: توفر دعم إقليمي، وثالثها: وجود أساس قانوني، وفيما عدا الشرط الأول قال: « أشك صراحة في أننا سنصل إلى النقطة التي سيكون لدينا فيها هذا الأساس».

هذا « الشك الصريح» الذي عبر عنه « دالدار» أحبط أولئك المراهنين على التدخل العسكري أو تسليح الثورة. لكنه، في نفس الوقت، أوقع الولايات المتحدة بحرج، قد يصل إلى حد « الخيانة لكل ما تؤمن به»، على حد تعبير السناتور جون ماكين!!! وللخروج من حالة « الحرج» و « الخيانة» أعلنت الولايات المتحدة أنها بدأت رحلة جديدة من البحث عن « خيارات» للنظر في المسألة السورية!!! وكأن سنة كاملة من « العبث» لا تكفي لتعرف الولايات المتحدة ما يتوجب عليها القيام به. فقد كشف الجنرال مارتن ديمبسى، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في 6/3/2012 عن أن وزارة الدفاع الأمريكية: « تعد خيارات عسكرية ضد سوريا بناء على طلب الرئيس باراك أوباما»، لكنها « خيارات» قيدها ليون بانيتا، وزير الدفاع، بعبارة « إذا لزم الأمر» وبالتنسيق مع « شركائها الدوليين». واستنادا إلى صحيفة « الواشنطن بوست – 11/3/2012» التي ترى أن: « هناك ميلا متزايدا للنظر في خيارات أخرى بعدما أخفقت الجهود الدولية في إحراز تقدم يُذكر خلال أسبوعين من انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس»، فإن « الخيارات» المقصودة تتضمن، بحسب مسؤولين من الأمم المتحدة ودول أخرى معارضة للرئيس السوري: « (1) تسليح قوات المعارضة بشكل مباشر عبر إرسال قوات لحراسة الممرات الإنسانية أو (2) إقامة مناطق آمنة، أو (3) شن غارات جوية على الدفاعات الجوية السورية».

لكن العارفين بشخصية الرئيس الأمريكي، ومنطقه، يقطعون بأنه أبعد ما يكون عن التورط بأي أعمال عسكرية. ففي معرض إعلانه عن استعداده لاستخدام القوة ضد إيران رأى محللون أمريكيون بأن: « سجل الرئيس أوباما ينطوي على تجنب أي عمل عسكري أحادي الجانب في الأزمات الدولية». وفي السياق نقلت صحيفة « الواشنطن بوست – 14/3/2012» عن كينيث بولاك المسؤول بمجلس الأمن القومي في عهد إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون قوله: « سأصدق ما قاله أوباما عندما أرى ذلك بأم عيني»، مشيرا إلى أن: « هذا الرئيس يعتقد بأنه انتخب لإخراج أميركا من الحروب في الشرق الأوسط، وليس لزجها في حروب جديدة». بل أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية ينفون مرارا وتكرارا أن يكون لدى أوباما «عقيدة» بشأن متى يستخدم القوة العسكرية.

وقد سبق لصحيفة « نيويورك تايمز – 26/2/2012 » أن قدمت تقييما مشابها حين قالت أنه: « حتى الآن لم يعمل البيت الأبيض على تسليح الثوار السوريين»، لكنه قد يفعل ذلك: « عندما يكون التهديد أوسع نطاقا، ويتعلق بالحفاظ على النظام العالمي أكثر من أي شيء آخر .. ( أما ) سجل أوباما فيكشف عن أنه يلتمس الحل في قرارات الأمم المتحدة ومشاركة العديد من حلفاء الولايات المتحدة في ما ينوي القيام به»، وقد يبدو طريفا أن يتشابه الطرح الأمريكي مع الطرح الروسي والصيني، صاحبي الفيتو في مجلس الأمن. وفي كل الأحوال، لا يبدو، حتى الآن، أن للولايات المتحدة ما يدفعها للتدخل، وبحسب الصحيفة ذاتها فإن: « المصالح الأميركية هناك غير مباشرة في أفضل الأحوال».

أما الروس الذين يتظاهرون بالدفاع عن القانون الدولي، فقد حرصوا على إبداء قدر من « التوازن». فخلال اجتماع مجلس الأمن (13/3/2012)، الذي خصص لمناقشة أوضاع دول الربيع العربي، لام عبر وزير الخارجية، سيرغي لافروف: « السلطات السورية ( التي) تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن الوضع الحالي»، لكن دون أن يفوته التذكير بأن: « العقوبات التي تفرض من طرف واحد ومحاولات الدفع من أجل تغيير النظام في سوريا والتشجيع الذي تحظى به المعارضة المسلحة، تشكل وصفات خطرة للتلاعب الجيوسياسي».

ومن جهته حذر وزير الخارجية المصري، خلال استقباله كوفي عنان (8/3/2012)، من انفجار الأوضاع في سوريا. وكشف عمرو رشدي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن الوزير عرض خلال لقائه عنان رؤية مصر القائمة على: « ضرورة الحفاظ بكل السبل الممكنة على وحدة سوريا الإقليمية وحل الأزمة السورية سلميا من خلال المبادرة العربية لتفادي التدخل العسكري أو تدويل الأزمة». ووفقا لبيان الوزارة، فقد حذر الوزير المصري من أن: « طبيعة سوريا الجغرافية والبشرية ستلحق ضررا هائلا بالمنطقة إذا ما تحول الوضع إلى حرب أهلية مسلحة».

في المحصلة فإن « خيارات أوباما» و « مراهنات كلينتون وأمانيها» و « قيم ماكين» و « معايير دالدار» و « تحفظات التايم» و « نفاق الروس» و « مخاوف العرب» كلها تضافرت كمنظومة سياسات مراوغة وخادعة مكنت النظام السوري من ارتكاب أفظع المجازر وأحقدها ضد البشر وسائر الكائنات الحية في سوريا. بل أن « الخيارات» الأمريكية، التي بدت كعصا بنظر البعض، لا يمكن لها أن تبلغ سقف التدخل الدولي قريبا وهي تتحدث بصيغة المستقبل، ناهيك أن تبلغ سقف تسليح الثورة، بقدر ما هوت إلى حضيض النظام الطائفي، في صيغة مبادرة، أمريكية المحتوى، قدمها كوفي عنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، وأكد فيها على: (1) الحل الدبلوماسي و (2) الإغاثة الإنسانية و (3) الحوار مع النظام، معيدا في ذلك الثورة السورية إلى مربع الصفر.

أقوال المعارضة

لكنها قطعا ليست السياسات الوحيدة. فالمعارضة السورية التي بدأت تطالب بتدخل عسكري عاجل وتسليح للثورة، بعد مجزرة كرم الزيتون والعدوية، هي ذاتها التي سبق وأصرت على « سلمية الثورة»، ورفضت تسليحها بعناد عجيب، وتبعا لذلك راهنت أجزاء منها على التدخل الدولي، وأجزاء أخرى وجدت في الثورة السورية فرصة للتودد إلى « إسرائيل» والتعبير عن الحاجة لها أكثر من العمل على نصرة الثورة!!! فمن يتحمل المسؤولية عن وحشية النظام السوري، الدماء المهدورة، والأرواح البريئة، والأوصال المقطعة، والأعراض المنتهكة؟ وبأي حق يتحمل الشعب والثورة السورية مسؤولية سياسات حمقاء وقراءات بائسة وغياب تام لأية استراتيجية في حماية السكان ونصرة الثورة ومواجهة النظام؟

كنا في « عذراء الجهاد» قد ألمحنا إلى الطريقة التي تأسس بها الجيش السوري الحر، وكيف رأى فيه « المركز» عنوانا عسكريا عند اللزوم، وكيف حرك المجلس الوطني السوري لاحتوائه حتى لا يفلت من السيطرة والتحكم أو ينجح في عرقلة مساعيه في « إدارة الثورة». لذا فقد تعرضت وحدات منه للغدر والاختراق والقتل بالجملة. وانفجر الخلاف بينه وبين المجلس الوطني على خلفية التسليح والدعم المالي وإنشاء المكتب الاستشاري العسكري كي يكون المسؤول عن توجيه السلاح لمجموعات معينة دون غيرها، وبما يستجيب لمخاوف « المركز»، وكأن على الشعب السوري أن يدفع ثمن رفاهية « المركز» من دمائه. لكن الخلاف وصل إلى قلب المجلس الوطني الذي يبدو أنه منقسم على نفسه خاصة فيما يتعلق بتسليح الثورة فضلا عن غياب الشفافية والتعويل على الغرب ومعارضة تسليح الثورة.

وتناقلت وسائل الإعلام (14/3/2012) أنباء تفيد بانشقاق بعض شخصياته البارزة مثل القاضي هيثم المالح واللبرالي كمال اللبواني وناشطة حقوق الإنسان كاترين التللي. وفي حين برر المالح استقالته من المجلس بكونه: « يموج بالفوضى وبسبب غياب الوضوح بشأن ما يمكن أن ينجزه حاليا.. والمجلس لم يحقق تقدما يذكر في العمل على تسليح المعارضين»، أشار اللبواني إلى أن المجلس: « غير قادر على تمثيل تطلعات الشعب السوري في وقت يرتكب فيه نظام الأسد القمعي المزيد من الجرائم». وتواترت أنباء أخرى عن عضو بالمجلس الوطني السوري أكد فيها: « أن 80 عضوا من أعضائه البالغ عددهم 270 يعتزمون الانشقاق عنه، وربما يشكلون جماعة معارضة جديدة ستركز على تسليح مقاتلي المعارضة».

أقوال الخليج

لا شك أن الموقف السعودي من تسليح الثورة بدا أكثر قربا لرغبات الشعوب العربية من أية جهة سورية معارضة لاسيما المجلس الوطني. وبدا مثيرا حقا أن ينسحب الوفد السعودي من مؤتمر أصدقاء سوريا لعدم جدواه في تحقيق أي فارق سياسي أو عسكري في مواجهة النظام السوري. وبحسب الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، فإن: « البيان لا يرقى إلى حجم المأساة في سوريا»، و « التركيز على المساعدات الإنسانية للسوريين لا يكفي»، بل ذهب أبعد من ذلك حين شبه النظام السوري بـ « سلطة احتلال .. و ( أن) السبيل الوحيد لحل الأزمة بسوريا هو نقل السلطة طوعًا أو كرهًا».

لكن إذا كان لقطر أجندة لبرالية صريحة للمنطقة وخاصة لدول الثورات، التي يسهل اختراقها مع النظم الجديدة، فماذا لدى السعودية كي تصب جام غضبها على النظام السوري أكثر مما فعلت أية دولة عربية أو أجنبية؟ ما بها تذهب أبعد مما ذهبت إليه المعارضة السورية؟!!! فالثابت، لدى الخاصة والعامة، أن ملف الحريات والفساد والاستبداد في السعودية أثقل من جبل أحد. بل أن الثورات والحقوق والحريات هي أبغض المطالب إلى النظام السعودي، وليس أدل على ذلك من سجونها التي تعج بعشرات الآلاف من المعتقلين في أسوأ الظروف، وبلا أية محاكمات، فضلا عن أن الدولة تعادي القريب والبعيد وتعتقل على أدنى نقد لسياساتها. فما الذي يبرر غضبها المرير تجاه النظام السوري؟

الأرجح أن الحماس السعودي لتسليح الثورة السورية يمكِّن النظام من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فالسعوديون مطلعون على الموقف الدولي وسياسات « المركز» في المنطقة. ويدركون أن المشروع الصفوي صار يهدد كافة دول الخليج وأنظمتها السياسية. وبالتالي فالحل مع إيران وحتى مع الروس والصينيين، لكنه، في هذه الظروف، ليس مع الأمريكيين والغرب. لذا فقد سبق لهم وحاولوا احتواء الثورة السورية عبر التفاهم مع إيران لكنهم فشلوا. فتارة بدا العراق بديلا عن سوريا لاسترضاء إيران وتارة بدت الثورة السورية كبش الفداء مقابل كف إيران يدها عن الخليج وخاصة البحرين.

إذن المعادلة المطروحة كانت أمن النظم الخليجية مقابل تلبية احتياجات إيران والحفاظ على مصالحها، حتى لو كانت الضحية بلدان عربية أخرى بما فيها الثورة السورية، إلا أن الإيرانيين رفضوا كل العروض. وتبعا لذلك بدا السعوديون، ومن ورائهم الخليجيين، يتوجسون خيفة من حقيقة نوايا الغرب الذي يبدو وكأنه يسلم المنطقة لإيران. وبالتالي يمكن التأمل بعبارة سعود الفيصل وهو يتحدث عن إسقاط نظام الأسد « طوعا أو كرها»، باعتبارها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم. وهكذا لم يعد مهما أن يتلقى السعوديون تهما من الروس بـ « دعم الإرهاب»، بل ذهبوا أبعد من ذلك إلى تشريع تسليح الثورة بغطاء ديني عبر فتوى أصدرها مفتي السعودية (11/3/2012) ، وقال فيها: « لو ثبت وصول الدعم بأمانة ودقة إلى الجيش السوري الحر فإن هذا الدعم يعتبر من الجهاد في سبيل الله .. كل ما يقوي شوكة هؤلاء ويضعف شوكة النظام السوري الدموي مطلوب شرعًا .. واجبنا نحو إخواننا في سوريا هو دعاء الله وصدق الالتجاء والاضطرار إليه مع بذل الجهد في إيصال المساعدات إليهم، والتاريخ المعاصر لم يعرف جريمة سفك دماء وانتهاك أعراض كالتي وقعت بسوريا».

هذه الفتوى التي قيدتها السعودية بـ « الأمانة» و « الدقة» حرمتها، ولمّا تزل، على « أهل الجهاد» في مشارق الأرض ومغاربها، وضنت على المسلمين بدعاء القنوت خلال الحرب على غزة إلا بشكل فردي!! لا شك أن كل قول قابل للمناقشة، لكن المجال لا يتسع للتعليق على الفتوى، التي سنتناولها في مناسبة لاحقة، بقدر ما نجد أنفسنا ملزمين بمعاينة تلك النبرة الخفية حينا والعلنية حينا آخر، فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية في الخليج، والتي وردت على ألسنة شخصيات خليجية مسؤولة.

بقطع النظر عن خلفية موقفه المناهض للإخوان المسلمين، وكذا تصريحاته بخصوص الشيخ القرضاوي، وما سببته من تداعيات سياسية؛ فقد نقلت وكالة « CNN – 11/3/2012 » الأمريكية عن الفريق ضاحي خلفان، القائد العام لشرطة دبي، عن صفحته في موقع « تويتر» تصريحا طريفا يقول فيه: « الإخوان هم الجنود السريون لأمريكا.. الذين ينفذون مخطط الفوضى»، ولا شك أن هذا القول يصعب تصنيفه في خانة التصريح المعادية للولايات المتحدة لكنه على الأقل يخفي نوعا من الشك تجاه الدور الذي تظن الإمارات الرسمية أن الولايات المتحدة تلعبه في خضم الثورات، مع أن الإمارات الشعبية ما زالت أبعد ما تكون عنها.

أما المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد العام لقوة دفاع البحرين، فقد كان أكثر وضوحا وصراحة في هجومه على « المركز» في تصريحات أدلى بها لصحيفة « الرأي – 11/3/2012 الكويتية. ولا بأس من بعض الاقتباسات الواردة في الصحيفة لأهميتها:

• « الغرب والأمريكيون يبحثون عن مصالحهم ولا شيء غير المصلحة، ولا بد لنا أن نتكاتف ونتحد حتى يشعر عدوك أنك قوى ويخشاك ويخافك».

• « هناك برنامج ممنهج من أيام وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس لتقسيم دول الخليج والسيطرة عليها، لذا لا بد من الوحدة الخليجية التي نادى بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز. والبحرين أول دولة لبت نداء الاتحاد الخليجي، فلابد أن تركب دول الخليج جميعها قطار الاتحاد حتى تقوى».

• « هناك منظمات وأحزاب في الخارج تدعم هذا التوجه وتدفع أموالاً لكي تخرب وتدمر وتغير نظام الحكم في البحرين ودول الخليج العربية، ونحن على دراية بهذه المنظمات والدول».

• « هناك دول تغدق الأموال على من يدعون أنهم معارضة لكي يقلبوا نظام الحكم، وهؤلاء ليسوا معارضة كما تصورهم بعض وسائل الإعلام، التي تريد الفتنة وعدم الاستقرار، وليس لهم دخل بما يسمى (الربيع العربي) وهؤلاء مأجورون لأجندات خارجية معادية».

إذن الحماس السعودي لتسليح الثورة السورية قد لا يخرج عن مساق الخشية من كون الولايات المتحدة ربما لم تعد آمنة بنظر أنظمة الخليج. فإذا بقي النظام السوري على حاله متمتعا بصفة « نحن الأقوى على الأرض»، كما يقول الرئيس السوري بشار الأسد، فلا شك أن المخاوف الخليجية سيكون لها ما يبررها في ضوء خروج المشروع الصفوي من عنق الزجاجة الذي تضعه فيه الثورة السورية. وبالتالي فالمنطق السياسي يقول بأن المراهنة على هذه الأخيرة سيغدو أجدى من الاطمئنان إلى « المركز».

أخيرا

واضح أن تدويل الثورة السورية ألحق بها أضرارا فادحة. ومع ذلك فقد ظل سؤال « ما البديل»؟ السؤال، الوحيد والأهم، المطروح من قبل جميع الأطراف المتضررة من الثورة السورية. إذ أن كل طرف يسعى لتأمين مصالحه، وكل مصلحة لأي طرف هي بالمحصلة على حساب الثورة. ورغم عجز المعارضة وما خلفته مواقفها وقراءتها البائسة للحدث، وكذا مراهناتها وتحالفاتها وتطفلها أو تسلقها من مرارة في نفوس السوريين وأشقائهم إلا أن ما حصدته من القوة والشموخ والثبات لا يقل عما حصدته المعارضة من خزي!!! فقد بدأت الثورة بنقطة احتجاج اندلعت أولى شراراتها في سوق الحريقة بالعاصمة دمشق ثم انفجرت في درعا إلى أن تجاوزت 600 نقطة احتجاج في جميع أنحاء سوريا. هذه الملحمة الأسطورية لأعزل شعب إلا من دمائه وأشلائه لا يمكن أن يمثلها مشبوهون ومنافقون وعملاء ومتخاذلون .. فهي ضمير الأمة .. ولأنها كذلك فهي بحاجة إلى أصحاب العقائد والضمائر وليس لأصحاب الأهواء والمصالح ... ولا ريب أن هامش النصرة متاح .. وبلا شروط!!!



يتبع في الحلقة القادمة ...


********************

الحلقات السابقة

(1) الثورة السورية ومسارات التدويل: البيادق والعراب
(2) الثورة السورية ومسارات التدويل: لعبة الكبار
(3) الثورة السورية ومسارات التدويل: عذراء الجهاد



نشر بتاريخ 15-03-2012
  #15  
قديم 17-03-2012, 11:18 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

اقتباس:
واضح أن تدويل الثورة السورية ألحق بها أضرارا فادحة. ومع ذلك فقد ظل سؤال « ما البديل»؟ السؤال، الوحيد والأهم، المطروح من قبل جميع الأطراف المتضررة من الثورة السورية. إذ أن كل طرف يسعى لتأمين مصالحه، وكل مصلحة لأي طرف هي بالمحصلة على حساب الثورة. ورغم عجز المعارضة وما خلفته مواقفها وقراءتها البائسة للحدث، وكذا مراهناتها وتحالفاتها وتطفلها أو تسلقها من مرارة في نفوس السوريين وأشقائهم إلا أن ما حصدته من القوة والشموخ والثبات لا يقل عما حصدته المعارضة من خزي!!! فقد بدأت الثورة بنقطة احتجاج اندلعت أولى شراراتها في سوق الحريقة بالعاصمة دمشق ثم انفجرت في درعا إلى أن تجاوزت 600 نقطة احتجاج في جميع أنحاء سوريا. هذه الملحمة الأسطورية لأعزل شعب إلا من دمائه وأشلائه لا يمكن أن يمثلها مشبوهون ومنافقون وعملاء ومتخاذلون .. فهي ضمير الأمة .. ولأنها كذلك فهي بحاجة إلى أصحاب العقائد والضمائر وليس لأصحاب الأهواء والمصالح ... ولا ريب أن هامش النصرة متاح .. وبلا شروط!!!
.................
  #16  
قديم 22-05-2012, 04:10 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

الثورة السورية ومسارات التدويل


(5)


مواجهة شرعية مع النظام



د. أكرم حجازي


21/5/2012





لا ريب أن المواجهة الدامية التي تدور رحاها في سوريا بين النظام السياسي والناس لم يسبق لها مثيل إلا تلك المجازر المروعة التي ارتكبها النظام في حماة في 17/2/1982. ولأن أحدا لا يدري على وجه الدقة مضمون الجرائم التي وقعت آنذاك فإن المقاربات المتاحة لتوصيف جرائم النظام السوري تقع في سياق التاريخ البعيد، في ضوء حملات التتار على العالم الإسلامي، أو في ضوء الدولة العبيدية، أو في ضوء التاريخ القريب لمجازر الخمير الحمر في كمبوديا أو مذابح قبيلتي الهوتو والتوتسي في رواندا والمسلمين في البوسنة والهرسك، أو في ضوء وقائع وتوثيقات الثورة السورية نفسها.

في التاريخين، البعيد والقريب، كانت الفتاوى الصادرة في توصيف الأحداث ذات محتوى شرعي صريح. ولو استعنا بنموذجي البوسنة وأفغانستان لتبين لنا جليا كيف نشط العلماء ومعهم الدول في تهيئة أجواء المواجهة وتوفير أسباب الدعم والنصرة على أساس « كفر» الحملات الوحشية ضد المسلمين والقائمين عليها. ولتبين لنا أيضا كيف قُطعت العلاقات، وعُبئت الشعوب، ونشط العلماء والخطباء من على المنابر، واحتشدت وسائل الإعلام، وأنفق المنفقون دون خشية من مطاردة أو مساءلة، وتطوع الشبان للجهاد من كل حدب وصوب ... لرد عادية القوى « الكافرة».

في الحالة السورية تبدو الأمور حتى اللحظة ملتبسة. فلم تحصل الثورة السورية على نصرة شرعية مؤثرة، كما كان الحال في البوسنة والهرسك وأفغانستان وحتى في العراق في المراحل الأولى. والحقيقة أن الفتاوى التي صدرت من علماء ومشايخ معروفين كثيرة. لكنها فتاوى لم تُحدث فارقا في النصرة والدعم حتى هذه اللحظة!!!! وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه بلا مواربة: ما هي مرجعية الفتاوى الصادرة ؟ وما هو توصيفها الدقيق للرئيس السوري وحزب البعث والنظام الحاكم؟


أولا: فتاوى السلف


بخلاف العلماء والباحثين والمتخصصين في الفِرَقْ فليس من العجب أن يستنكر قارئ ما « تكفير النصيرية» برمتها لاسيما إذا كان له بعض الأصدقاء من الطائفة، ممن يصلون كما يصلي أو يصومون ويزكون مثلما يفعل هو تماما، وهذا ينطبق حتى على « النصيري» الذي يتميز غضبا كلما وقع على فتوى لعالم تقضي بـ « تكفيره» وطائفته. والشائع أن الجهل يكاد يطبق على العامة من الناس بمن فيهم أصحاب العقائد الباطنية الذين يجهلون حقيقة عقائدهم ولا يتسلمونها إلا في سن متأخرة، كما هو حال الطائفة « الدرزية» مثلا.

ورد في باب « حكم الإسلام في النصيرية»، في « الدرر السنية»، أن شيخ الإسلام ابن يتمية ( 667 – 721 هـ) ربما كان من أوائل الذين عرفوا حقيقة الطائفة وغيرها من الطوائف الباطنية التي فضحها وحاربها. ولعل قيمة « فتاوى» ابن تيمية في الفِرَقْ ، ومنها « النصيرية»، أنه أبرز من تصدى لهذه الفِرَقْ الباطنية، وأفضل من فضح عقائدها بلا هوادة، وبحسب ما أجمع عليه السلف من علماء الأمة. وهذا يعني أن ابن تيمية لم ينفرد في بيان عقائد الطائفة دون غيره، فقد سبقه، مثلا، عبد القاهر البغدادي (000 ـ 429هـ( في كتابه الشهير « الفرق بين الفِرَقْ» ، وأبو الفتح الشهرستاني ( 479 – 548 هـ ) في « الملل والنحل»، وبعدهم جميعا ابن كثير ( 700 – 774 هـ ) في « البداية والنهاية»، وغيره. وفيما يلي مقتطفات من فتوى ابن تيمية في الطائفة ردا على سائل يسأل:

« هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى ، بل وأكفر من كثير من المشركين ، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار الترك والإفرنج وغيرهم ، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت ، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا بملة من الملل ولا بدين من الأديان السالفة ، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها ، يدعون أنها من علم الباطن - من جنس ما ذكره السائل - وهو من غير هذا الجنس ، فإنهم ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله ورسوله عن مواضعه ، إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ومن جنس قولهم : أن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم ، والصيام المفروض كتمان أسرارهم ، وحج البيت العتيق زيارة شيوخهم. وأن يدا أبي لهب هما أبي بكر وعمر، وأن النبأ العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب .

ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة ، وإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين ، كما قتلوا الحجاج والقوهم في زمزم ، وأخذوا مرة الحجر الأسود فبقي معهم مدة ، وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم وأمرائهم وأجنادهم من لا يحصي عدده إلا الله ، وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره .

وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وبينوا ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذين هم فيه أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام ، وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء من وصفهم ،

ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين تارة يسمون الملاحدة، وتارة يسمون القرامطة، وتارة يسمون الباطنية، وتارة يسمون الإسماعيلية، وتارة يسمون النصيرية، وتارة يسمون الخربوية، وتارة يسمون المحمرة ، وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم ، كما أن اسم الإسلام والإيمان يعم المسلمين ، ولبعضهم أسماء تخصه إما النسب وإما لمذاهب وإما لبلد وإما لغير ذلك وشرح مقاصدهم يطول ...
وهم كما قال العلماء فهم ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض ، وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من الأنبياء والمرسلين ، لا بنوح ولا بإبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا بشيء من كتب الله المنزلة ، لا بالتوراة ولا الإنجيل ولا القرآن ، ولا يقرون أن للعالم خالقا خلقه ، ولا بأن له دينا أمر به ، ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار ...

ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا ، وهم إذا كانوا في بلاد المسلمين التي يكثر فيها أهل الإيمان ، فقد يخفون على من لا يعرفهم ، وإما إذا كثروا فإنه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم ...

وقد اتفق علماء المسلمين على أن مثل هؤلاء لا تجوز مناكحتهم، ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ، ولا تباح ذبائحهم، من جرة نصرانية، فما شك في نجاسته لم يحكم بنجاسته بالشك .. ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ، ولا يصلى على من مات منهم، ...

وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين وحصونهم أو جندهم فانه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم ، فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم ، وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة ، .. ويحل لولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة ، فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر ، وضررهم في الثغر أشد ... ( الفتاوى الكبرى 4/181-183) ».

وفي " الفتاوى الكبرى (3/513) سُئِلَ « ابن تيمية عَنْ الدُّرْزِيَّةِ و النُّصَيْرِيَّةِ: مَا حُكْمُهُمْ؟» فأَجَابَ:

« هَؤُلَاءِ الدُّرْزِيَّةُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ ؛ بَلْ وَلَا يَقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ ؛ فَإِنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، لَيْسُوا مُسْلِمِينَ ؛ وَلَا يَهُودَ، وَلَا نَصَارَى، لَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَلَا وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَا وُجُوبِ الْحَجِّ ؛ وَلَا تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذِهِ الْعَقَائِدِ فَهُمْ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا « النُّصَيْرِيَّةُ " فَهُمْ أَتْبَاعُ أَبِي شُعَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ عَلِيًّا إلَهٌ، وَهُمْ يُنْشِدُونَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا... حَيْدَرَةُ الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا... مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا... سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينِ وَأَمَّا " الدُّرْزِيَّةُ " فَأَتْبَاعُ هشتكين الدَّرْزِيّ ؛ وَكَانَ مِنْ مَوَالِي الْحَاكِمِ أَرْسَلَهُ إلَى أَهْلِ وَادِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَدَعَاهُمْ إلَى إِلَهِيَّة الْحَاكِمِ، وَيُسَمُّونَهُ " الْبَارِيَ، الْعَلَّامَ " وَيَحْلِفُونَ بِهِ، وَهُمْ مِنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ نَسَخَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ الْغَالِيَّةِ، يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَإِنْكَارِ الْمَعَادِ، وَإِنْكَارِ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَمُحَرَّمَاتِهِ وَهُمْ مِنْ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا " فَلَاسِفَةً " عَلَى مَذْهَبِ أَرِسْطُو وَأَمْثَالِهِ أَوْ " مَجُوسًا ". وَقَوْلُهُمْ مُرَكَّبٌ مِنْ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَجُوس، وَيُظْهِرُوا التَّشَيُّعَ نِفَاقًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ».


ثانيا: فتاوى قريبة


حين نتحدث عن الفتاوي ذات الصلة فإننا معنيون بالتركيز على تلك الفتاوى التي تصدر عن علماء يتمتعون بمسؤولية علمية وفقهية واجتماعية وسياسية معلومة للعامة والخاصة، كما أننا معنيون بتلك الفتاوى التي يكون لها بالضرورة آثارا وتداعيات تمس معتقدات العامة وحياتهم الشخصية وأفعالهم، المادية والمعنوية، فضلا عن أحوال المسلمين ومصائرهم، وما يترتب عليهم من واجبات وحقوق وأحكام شرعية. كما أننا معنيون بتلك الفتاوى التي تتجند وسائل الإعلام لنشرها على نطاق واسع بهدف إيصال الموقف الشرعي في نازلة معينة إلى عامة المسلمين، وحثهم على وجوب الالتزام به والعمل بمضمونه. أما المواقف الشرعية التي تصدر عن علماء مسلمين، فقد تكون أعمق تأصيلا، لكنها قلما تُحدث فارقا طالما بقيت حبيسة الصدور، لا تجد لها سندا إعلاميا أو شرعيا يسمح لها بالشيوع والانتشار.

في زمن الأيديولوجيا؛ وفيما توفر من معطيات، فقد تميزت الفتوى بخصوص الطائفة « النصيرية» بالغياب التام، إلا ما تم تناقله عن السلف. وتبعا لذلك فمن الصعب الوقوع على فتوى تمس الشرعية العقدية للنظام السياسي أو « حزب البعث». وحتى البرقية التي وجهها الشيخ عبد العزيز ابن باز، رئيس المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، إلى « رئيس النظام السوري»، على خلفية الدعوة إلى « تطبيق الشريعة» والتنكيل الذي تعرض له السوريين تحت « ستار حادثة حلب» لم تمس الشرعية العقدية للنظام، لا من قريب ولا من بعيد، بقدر ما عبرت عن الأسف!!! هكذا قالت: « يأسف أشد الأسف لما يجري في هذا البلد الغالي من سفك دماء الذين ينشدون ما هو واجب على كل حكومة تؤمن بالله ورسوله من تحكيم شرعة الله ورسوله .. ويستغرب أشد الاستغراب أن تكون هذه الدعوة في بلد إسلامي عريق جرما يستوجب أهله الاعتقال والإيذاء والقتل ... إننا لنهيب بكم .. وبكل المسؤولين في البلاد العربية والإسلامية أن يجمعوا الصفوف على كلمة الله .. وتطبيق شريعته .. ويعدوا العدة، ويوحدوا القوى في ظلال العقيدة الإسلامية، وحب الجهاد والاستشهاد، فذلك هو طريق النصر والفلاح». ( نشرت في مجلة الاعتصام المصرية، عدد يناير / كانون الثاني 1980).

وإلى حين صدور بيان المجلس لم تكن الحرب « العراقية - الإيرانية» قد انفجرت بعد ( أيلول / سبتمبر 1980). ولم تكن الثقافة الشعبية لتميز فعلا بين الفِرَقْ والطوائف لاسيما إذا تعلق الأمر بـ « الشيعة». أما « النصيرية» فقد كانت غائبة حتى كلفظة، ناهيك عن كونها طائفة. لكن في أعقاب اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، واستعارها وسط تحالف « سوري - إيراني»، ظهر ثمة حاجة للمعرفة، وبدت التساؤلات تشق طريقها ولو من باب الفضول. وفي السياق تلقى الشيخ ابن باز سؤالا استفساريا يقول: « ما الفرق بين أهل السنة والجماعة والشيعة؟» فكان الجواب: « هناك فرق بينهم. فالله ما جعل الناس سواء، لا يستوي الذين يعملون الصالحات والذين يعملون السيئات، وما يستوي الأبرار والفجار. يجب التفريق بين الكفار والمسلمين وبين الشيعة وغيرهم، الشيعة مبتدعة وهم أقسام كثيرة: فيهم الرافضي وفيهم النصيري وفيهم الإسماعيلي، وفيهم أصناف أخرى وهم طبقات وأقسام، منهم عبدة أهل البيت يعبدون أهل البيت يدعونهم من دون الله يستغيثون بهم كالرافضة والنصيرية وأشباههم، هؤلاء كفار. نسأل الله العافية». ( من أسئلة حج عام 1407هـ، شريط رقم 6. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثامن والعشرون).

هكذا هم .. « الرافضة والنصيرية وأشباههم، كفار»!!! ومن الواضح أن الفتوى لم تتطرق إلى الموقف الشرعي من « حزب البعث» بقدر ما ركزت على حكم الطوائف. وقبل أن تضع الحرب أوزارها (8/8/1988) ظل الرئيس العراقي صدام حسين يحظى بكل الدعم والتأييد والنصرة من دول الخليج العربي، باعتباره « حارس البوابة الشرقية»، حتى صارت حربه على إيران مضربا للشعر والأمثال. كما أن « حزب البعث» ظل بمنأى عن أي طعن أو إدانة ناهيك عن الحكم الشرعي. لكن بعد أن غزا الكويت في 2/8/1991. تلقى كتلة من التوصيفات العقدية أخرجته و « حزب البعث» من الملة. ولا ريب أن النموذج الأبرز لسيل الفتاوى كانت تلك التي قدمها الشيخ ابن باز حيث قال فيها:

« ... تُقَاتَل الفئة الباغية ، وهي مؤمنة حتى ترجع ، فكيف إذا كانت الطائفة الباغية ظالمة كافرة ، كما هو الحال في حاكم العراق ، فهو بعثي ملحد ، ليس من المؤمنين ، وليس ممن يدعو للإيمان والحق بل يدعو إلى مبادئ الكفر والضلال ... ».

وكذلك حين سئل: « هل حاكم العراق كافر وهل يجوز لعنه؟ فأجاب: « هو كافر وإن قال: لا إله إلا الله، حتى ولو صلى وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ البعثية الإلحادية، ويعلن أنه تاب إلى الله منها وما تدعو إليه، ذلك أن البعثية كفر وضلال، فما لم يعلن هذا فهو كافر ... ». ( من ضمن أجوبة سماحته رحمه الله على الأسئلة الموجهة له عام 1411هـ - 1991م، أيام غزو العراق للكويت- الفتاوى المجلد 6).

قد لا تتضح قيمة مثل هذه الفتاوى في حينه، فضلا عن كونها تسببت بانقسامات في العالمين العربي والإسلامي، باعتبارها جاءت لتلبي احتياجات سياسية أكثر مما هي استجابة لضرورات عقدية. إذ أن « حزب البعث» وصدام حسين كانا موجودين قبل غزو الكويت، وكذا الرئيس السوري حافظ الأسد و « حزب البعث»، ومع ذلك لم تصدر فتاوى بـ « تكفير» هذا أو ذاك!!! لذا فإن مشروعية الفتاوى نفسها لا تبدو ذات قيمة اجتماعية أو عقدية ما لم تتسم بالتجرد والعمومية، وتتخلص من التشكيك والشبهات المرافقة لها بنيويا. فما ينطبق على « حزب البعث» في العراق لا بد وأن ينطبق، بقوة الحكم الشرعي، على مثيله في سوريا.

هذا الأمر ظهر جليا في فتوى لاحقة للشيخ ابن باز حين سئل: « هل نكفر رئيس العراق وحزبه البعثي لاعتقادهم بذلك أم لا؟» فأجاب: « البعثيون كلهم كفار، سواء رئيس العراق أو غيره؛ لأنهم يرفضون الشريعة ويعادونها». ( مجلة الفرقان، العدد 100، في ربيع الثاني 1419هـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثامن والعشرون).


ثالثا: فتاوى خلال الثورة


1) الجهاد والنصرة


في إطار بيان الموقف الشرعي من النظام قمنا بمعاينة عشرات الفتاوى التي صدرت عن مؤسسات أو علماء. وللوهلة الأولى تبدو، في الإجمال، قوية في لغتها الشرعية وهي تكفر النظام والطائفة النصيرية وحتى الرئيس السوري بشار الأسد عينا. لكن التدقيق فيها يكشف أيضا عن تجنب بعضها للحكم الشرعي وإيراده في صيغة غير مباشرة كما فعلت واحدة من أهم الفتاوى.

فمن جهتهم أصدر 50 داعية سعوديا ثلاثة بيانات كان آخرها في 15/8/2011، دعوا فيه الدول والمؤسسات والأفراد والجماعات إلى نصرة الشعب السوري، و: « قطع علاقاتها الدبلوماسية، وإيقاف كافة أنواع الدعم الاقتصادي عن نظام الحكم المجرم في سوريا، والعمل على محاصرته وعزله سياسيًّا واقتصاديًّا؛ حتى يكف عن هذه الممارسات الوحشية». وقيل في البند الأول منه:

« إن الواجب الشرعي يحتِّم على أهل العلم والإيمان وأهل الرجولة والمروءة والنخوة من العلماء والدعاة والخطباء وأعضاء هيئات الفتوى والمجامع الفقهية والروابط والاتحادات الإسلامية؛ أن يجهروا بالحق ونصرة هؤلاء المظلومين.. ويبينوا الحكم الشرعي بوضوح وبلا مواربة؛ لهذه الممارسات الوحشية والإجرامية، التي هي من أعظم الفساد في الأرض .. وأن يسعوا لعقد مؤتمرات شعبية لمناصرة إخواننا المنكوبين في بلاد الشام».

مع ذلك فقد خلا البيان من إظهار الحكم الشرعي بحق النظام أو الرئيس السوري!!! واستعمل في توصيف النظام عبارات مثل: « الفساد .. المجرم .. الممارسات الوحشية .. العصابة الحاكمة في سوريا».

ونفس المحتوى تقريبا عبر عنه بيان الـ 107 علماء، وهو الأشهر بشموله الكثير من علماء المسلمين في العالم العربي. واستعمل البيان الذي صدر في 7/2/2012 عبارات سياسية من نوع: النظام « المستبد .. الفاسد»، مع التركيز على « حرمة سفك الدم الحرام»، و « دعم الجيش الحر».

أما فتاوى أو مقالات الشيخ حامد العلي فقد ربطت باستمرار وبوضوح بين النظام « النصيري» في سوريا و « المجوسي في إيران. وفي « فتوى وبيان في شأن جهاد أسود الشام ضد طاغيتها ، وأشقاها ، وشارونها – 28/1/2012 »، وكذا « ميثاق الجهاد – 29/2/2012 » أصر الشيخ على نسبة ألفاظ من نوع: « الطغيان .. الطاغية .. طغاة .. شارون سوريا .. أطغى طغاة الأرض» إلى النظام السوري أو الرئيس. وحرض على الجهاد معتبرا أن: « الجهادَ في أرض الشَّام هو أفضل الجهاد اليوم، والقائمون عليه من أسود الشام، وأبطال الإسلام، همْ خيرُ المجاهدين منزلة، وأعظـمهم درجة، وأزكاهم عند الله إن شاء الله تعالى .. ذلك أنهم يقاتلون من جمـَعَ على أهل الإسلام الشرَّيـْن، وانتظم الخطريْن، شرّ الرفض الذي هو أخبث دين على وجه الأرض، وشـرّ الطغيان العظيم الذي لم يصل إلى مثله طغـيان .. وهم بذلك يدفعون بنحورهم عن أهلِ الإسلام، ويهرِقون دماءَهَم لأجل حماية المسلمين، وليدفعوا عنهم بأس الكافرين»، ورغم أنه استشهد في الآية الكريمة على قتال أهل الشام: ( وحرِّض المؤمنين عسى الله أنَّ يكفَّ بأسَ الذين كفروا )، إلا أنه لم يستعمل لفظة « الكفر» أو « التكفير» ضد النظام أو الرئيس بصورة مباشرة.

وكذا الأمر حصل بالنسبة لفتوى الشيخ محمد علي الجوزو، مفتي جبل لبنان، خلال اللقاء التضامني الذي نظمه « اللقاء العلمائي في لبنان - 5/2/2012. ورغم ابتعاده عن « التكفير» إلا أنه حمل بشدة على « حزب البعث» الحاكم في سوريا، مؤكدًا أنه: « كان مصيبة على أمة الإسلام والعرب، حيث يحملون راية العروبة زورا وبهتانا». وأن: « حزب البعث سقط نهائيا ولن يعيش بعد اليوم».

وعلى نفس نهج النصرة الداعم للجهاد والثورة في سوريا، ولكن دون « تكفير» النظام بشكل صريح، جاءت فتوى علماء اليمن في 14/3/2012، تبعتها في اليوم التالي فتوى الشيخ عبد المجيد الزنداني بلسان نجله محمد على صفحته في « الفيس بوك». ودعت الفتوى إلى: « وجوب الجهاد على المسلمين في كل أنحاء الأرض، دولاً ومجتمعات ومؤسسات وجمعيات ولجان وأفراد وتكتلات»، ودعت: « الدول المجاورة لسوريا إلى فتح الحدود أمام المجاهدين»، معتبرة أن: « الجهاد في سوريا فريضة»، وهو ما كرره في المؤتمر الدولي باستنبول (5/4/2012).

أما تصريحات د. محمد بديع، مرشد جماعة « الإخوان المسلمين» فقد جاءت بمثابة هجوم سياسي على النظام السوري الذي وصفه بـ «المجرم» و «الغاشم» و «الجائر» و « مثالا للظلم والاستبداد والطغيان والعنف والإرهاب في أبشع صوره». لكنه خلا من أية لغة شرعية تذكر. ففي رسالته الأسبوعية، التي خصصها للحديث عن الثورة السورية في 2/3/2012، خاطب الرئيس السوري قائلاً: « إن كان قد بقي في ذاتك شيء من الحياء فاستح من ربك، واتقه في عباده، ولا تنس أنك أجير عند شعبك، ولتحافظ على ما تبقى من مقدرات بلدك، ولتحقق مطالبه المشروعة، وتنزل على رغبته بضرورة تركك للسلطة لمن يرتضيه ويختاره بإرادته الحرة، ولتكف عن سفك الدماء ودك المدن بالأسلحة الثقيلة التي لم تستخدمها ضد مغتصبي أرضك، وعدو الله وعدونا، فكيف بك تستنزفها ضد أبناء شعبك الأبرياء العزل».


2) القتل دون التكفير


كانت فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في 21 /2/2011 هي الأولى التي قضت بقتل زعيم عربي هو العقيد الراحل معمر القذافي. لكن القرضاوي لم يكررها بحق أي رئيس آخر، بمن في ذلك الرئيس السوري. وبالكاد مضى يوم على صدور الفتوى حتى صب الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة، الشهير بأبي بصير الطرطوسي، جام غضبه على القرضاوي فيما يشبه التحدي له بأن يصدر فتوى مماثلة بحق بشار الأسد. وفي 26/2/2012 نسبت وسائل الإعلام إلى الطرطوسي قوله في كلمة ألقاها على طلابه في إحدى غرف الدردشة الصوتية ونشرتها المنتديات الجهادية أن: « القرضاوي وأمثاله كانوا يجادلون الإسلاميين في تكفيرهم للحكام العرب ومن ضمنهم القذافي بذريعة أنهم ولاة الأمر ولا يجوز الخروج عليهم»، وتساءل موجها حديثه إلى القرضاوي قائلا: « من منا على حق .. من منا على حق؟، وأضاف: « نحن لنا 30 عاما نقول لكم هؤلاء مجرمون ... قتلة وأعداء للأمة وأنهم لا يتورعون أن يبيدوا شعبنا».

وفي السياق لم يفلت الشيخ سلمان العودة الذي أيد على القذافي من « هجمة» الطرطوسي، الذي خاطبه قائلا: « بكير .. صح النوم يا سلمان العودة .. بالأمس كنت ترمينا وترمي أخواننا بأننا من الخوارج والمتهورين والآن صحوت؟ .. قلتم هذا الكلام في بن علي ومبارك وهذا جيد لكن هناك طغاة أحياء كطاغوت الجزائر وطاغوت المغرب وطاغوت السعودية وطاغوت سوريا ... قولوا كلمة الحق في هؤلاء الآن وليس بعد أن يسقطوا .. الآن نريدك أن تتكلم ... كلمني الآن عن الطاغية في الشام إن كنت رجلا .. اعطني نفس الفتوى في طاغية سوريا الذي هو أشرس من القذافي بمليون مرة ويحكم سوريا منذ 50 عاما هو وأبوه حافظ الهالك .. أعطني فتوى في هذا النظام إن كنت رجلا الآن وليس بعد أن يسقط.

لا ندري، على وجه التحديد، لماذا سارع القرضاوي إلى التصريح بوجوب قتل القذافي بينما امتنع عن الدعوة إلى قتل الرئيس الأسد، واكتفى بالقول أن: « بشار انتهى»! علما أن كلا الرئيسين من القتلة المتوحشين. ولا ندري بأي منطق شرعي أيضا انتقل الشيخ سلمان العودة من النقيض إلى النقيض مثلما فعل د. عائض القرني الذي وصف الرئيس السوري على قناة « العربية – 26/2/2012 » بالسفاح اليهودي أرييل شارون، مشيرا إلى أن: « قتل رئيس النظام السوري بشار الأسد الآن أوجب من قتل الصهيانية، وأنه أصبح واجبًا شرعيًّا نصت عليه الأدلة؛ لأن فيه دفعًا للصائل والمجرم .. الأسد وشارون سواء، ... ولن يتم تحرير الجولان حتى يذهب هذا النظام المتواطئ العميل الذي تواطأ مع أعداء الأمة، فهو في الأصل مع إسرائيل التي تقاتل بقوة لبقاء نظامه».

الطريف في الأمر أن الدعوة إلى قتل الرئيس السوري وردت أكثر ما وردت على ألسنة علماء ومشايخ ودعاة مصر، مثل د. هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، الذي أفتى: « بإهدار دم بشار الأسد إذا استمر في جبروته ضد شعبه (17/2/2012) »، وكذلك فتوى الشيخان محمد حسان ومحمد عبد المقصود ( 1/3/2012). ومن جهتها نسبت صحيفة « المصري اليوم» لـ د. صفوت حجازي القول، خلال اللقاء الذي نظمه « الاتحاد العام لنقابة الأطباء»، و « رابطة أهل السنة» (15/3/2012 )،: « من مُكّن من قتل الأسد ولم يقتله، فهو آثم»، مضيفا: « إن من يقتل بشار فهو في الجنة»!!! وأكثر من ذلك قوله: « لو لم أكن معروف الوجه، لذهبت بنفسي وقتلته، ومن يستطِع أن يقتله فليقتله، وأنا أتحمل الدم عنه»!!!، مؤكداً أن: « هذه الفتوى ليست فتواه وحده، وإنما هي فتوى أصدرها مئة من العلماء المنتمين لمختلف التيارات الدينية إخوان وجماعات وسلفيين وجهاديين»، ومشددا أيضا على أن: « قتل بشار أصبح فرض عين على الأمة. أما الشيخ أحمد المحلاوي (23/3/2012) فقد قال: « إن النيل من هذا المجرم بات واجبًا على كل مسلم يستطيع ذلك»، وعلى الثوار أن يدركوا: « أن من يقوم منهم بقطع رقبة هذا الخائن فإنه لو قتل في سبيل ذلك، سيكون بإذن الله شهيدًا، وسيحشر مع سيد الشهداء بالجنة».


3) التكفير والقتل


الفتاوى والدعوات إلى قتل الرئيس السوري، كما تناقلتها وسائل الإعلام، لم تتضمن تعبيرات صريحة بكفر النظام أو بكفر الرئيس السوري عينا. وإذا ما قورنت في الفتاوى التالية فإنها تطرح تساؤلات عما إذا كان الأسد « كافرا» أم « قاتلا» أم الاثنين معا؟

لا شك أن أغلب الفتاوى السابقة الداعية إلى « النصرة» و «الجهاد» أو « القتل» تحتمل أكثر من وجه، لاسيما وأن المسائل الشرعية المتعلقة بملة الفرد من المفترض أن تتسم بالصرامة والوضوح التام، نقول هذا مع أننا نعتقد أن تلك الفتاوى، وهي تشدد على الجهاد والقتال وإسقاط النظام، هي في الحقيقة أميل ما تكون إلى « التكفير»، لكن كما يقال فإن « لازم القول ليس بلازم»، وإلا فلماذا يصرح البعض بـ « كفر» الطائفة أو النظام أو الحكومة أو الرئيس في حين يمتنع البعض الآخر عن البيان الحاسم في الأمر؟ ولماذا يصرح البعض بـ « القتل» ولا يصرح بـ « الكفر»؟

مهما يكن الأمر فإن عددا كبيرا من العلماء والمشايخ والدعاة والخطباء والأئمة، من غير « التيار الجهادي العالمي»، جهروا بـ « تكفير» الرئيس السوري وطائفته، من مصر والكويت والسعودية وفلسطين وغيرها. ومن بين هؤلاء مثلا يشار إلى الشيخ عبد الملك الزغبي والتميمي ومحمد العريفي وغيرهم مما سيرد تاليا، أفرادا ومؤسسات.

ولعل الشيخ صالح اللحيدان كان صريحا في « تكفير» النظام والطائفة « النصيرية» و « حزب البعث» والرئيس الأسد في فتواه التي وصف فيها الحكومة السورية ( في تسجيل صوتي 23/4/2011) بـ: « الفاجِرَة الخبيثة الخطيرة المُلْحِدة والرئيس السوري بالقول: « الرجل هذا نصيري.. بشار .. وأبوه أخبث منه قَبْلَه، وجناية أبيه خطيرة حيث قتَل عددًا كبيرًا في لحظة واحدة في سوريا». وفي الاستجواب التوضيحي الذي تلقاه بعد الفتوى أكد أن: « بشار نصيري ليس بمسلم .. وحزب البعث مشرك» حين يقول: « آمنت بالبعث رباً لا شريك له *** وبالعروبة ديناً ما لــه ثان».

ومن جهتها أصدرت « رابطة علماء الشريعة لدول الخليج» ( وهي كويتية) فتوى شرعية صريحة في 12/8/2011، تضمنت ستة بنود حاسمة في توصيف النظام السوري والموقف الشرعي منه ومن العلاقة معه. وحدد البند الثاني من الفتوى الحكم الشرعي عبر الدعوة إلى: « وجوب إدانة ما يفعله النظام السوري من قتل وتعذيب وسجن والحكم على النظام البعثي بالكفر القولي والفعلي». وقد وقّع على الفتوى كل من: د. عجيل النشيمي، د. شافي العجمي، د. عبد الرحمن عبد الخالق، د. جاسم مهلهل، د. جاسم المطيري، الشيخ نبيل العوضي، د. عثمان الخميس، د. حامد العلي، د. عبد المحسن زين المطيري. ولا ريب أن أطرف ما في الفتوى التي أقرت بـ « الكفر القولي والفعلي للنظام البعثي» أنها أرسلت إلى الأمين العام د. علي الفرداقي، و د. يوسف القرضاوي، للتوقيع عليها.

وبعد فتوى علماء الكويت بقليل ( في 20/9/2011) أصدر الشيخ ياسر برهامي من مصر فتوى موجهة بالدرجة الأساس إلى « الجيش السوري الحر أكد فيها على « كفر النظام والطائفة، وخاطب « الجيش الحر» بالقول: « اتقوا الله أيها الضباط والجنود في أهليكم وشعبكم المسلم المظلوم الثائر على نظام بعثي علوي كافر، فلا نزاع بين أهل العلم في كفر الطائفة العلوية النصيرية نوعًا وعينًا».

ولم يطل الوقت حتى جاءت فتوى « الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» في مصر لتجمع بين « كفر» النظام و قتل الرئيس بشار الأسد. ففي 1/3/2012 قالت الهيئة في بيانها: « إن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تفتي بكفر النظام السوري الطائفي وإباحة دم رأس هذا النظام المجرم الذي ولغ في دماء السوريين، وأهان المصحف الشريف، واعتدى على حرمات المساجد، وأزهق الأرواح المعصومة، وأتلف الأموال المصونة، وتجبَّر واستكبر في الأرض بغير الحق .. »؛

« كما تفتي الهيئة وحدات الجيش السوري المسلم بالانفصال عن جيش النظام الفاجر والانضمام إلى الجيش السوري الحر، وتدعو الأمة الإسلامية بحكوماتها وهيئاتها المختلفة إلى إمداد الجيش الحر بالسلاح والمال والدعاء في الأسحار! وأضافت بأن: كل من قَتل أو أَمر بالقتل أو أعان عليه - بغير حق- فقد أتى ما يهدر به دمه، وتحل به عقوبته في الدنيا والآخرة، لا فرق بين حاكم ومحكوم أو قائد وجنود».

واختتمت بالقول: « على علماء السلطان وعمائم الطغيان ورءوس الفتنة والبدعة أن يستقيلوا من وظائفهم، ويتبرَّءوا من ممالأة الكفر والإجرام، وألا يبيعوا دينهم وآخرتهم بدنيا قد أدبرت عن غيرهم، وليذكروا أن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ومقته يهوي بها في النار سبعين خريفًا، ويلقى الله تعالى وهو عليه ساخط، قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] ».

ولعل مسك الختام في هذا النوع من الفتاوى هو ذاك الذي جاء على لسان الشيخ ناصر العمر، الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، خلال المؤتمر الدولي الذي انعقد في مدينة اسطنبول التركية ( 5/4/2012) بدعوة من « رابطة علماء المسلمين العالمية»، وبالتعاون مع « هيئة الشام الإسلامية». وفيه قال الشيخ العمر: « إن ما يجري في سوريا قتال بين الكفر والإسلام، وإن الشعب السوري يتعرض لمشروع باطني صفوي شيعي، تسعى إيران من خلاله إلى إعادة الإمبراطورية المجوسية من جديد».


رابعا: ملاحظات ختامية


الملاحظة الأولى:


الواضح أن علماء الإسلام كانوا على دراية بحقيقة الأحزاب القومية واليسارية والاشتراكية وغيرها من الأحزاب العلمانية. والأوضح أنهم كانوا على دراية مبكرة بحقيقة الطائفة « النصيرية» والموقف الشرعي منها. ومع ذلك فقد وقعت الأمة في غفلتين مريرتين: الأولى، في إقامة النظام الدولي على أنقاض العالم الإسلامي، وما تبعه من تفكيك للعالم الإسلامي والدولة العثمانية ونظام الخلافة ثم إقامة دولة اليهود في القلب منه، والثانية، في زرع البذور الأولى لـ « المشروع الصفوي» في سوريا، عبر الطائفة « النصيرية»، ومن ثم سيطرتها على البلاد، واستعمال إيران لها جسرا للعبور نحو الأمة التي انخدعت في نموه على مرآى من العين دون أن تحرك ساكنا طوال عقود. ولا شك أن العلماء يتحملون قسطا كبيرا من هذه الغفلة الثانية على وجه التحديد.


الملاحظة الثانية:

ومن الواضح أيضا أن العلماء الذين أقروا بـ « كفر حزب البعث» صمتوا طويلا على بيان الحكم الشرعي إلى أن اصطدمت المصالح السياسية للنظم معه. وهذا يعني تغييبا للحكم الشرعي لا مبرر له، فضلا عن أنه عرّض الفتاوى، للطعن كونها فتاوى انتزعت، في حينه، لتحقيق أهداف سياسية وليس أهدافا شرعية. بل حتى هذه اللحظة ما زالت الفتاوى تفتقد إلى الشمولية في بيان أحكام المسلمين الخاضعين بالقوة لحكم « كفري» ممتد لعقود طويلة تحت السمع والبصر والغطاء السياسي أو ما بدا غطاء شرعيا!!! فإذا كانت الفتاوى الراهنة قد أشارت على مسلمي سوريا ومجاهديها ما يفعلون؛ فما هو مثلا حكمهم قبل الثورة وبعدها في مسائل المعاملات والعقود والمواريث والعلاقات الاجتماعية وإجمالي الأحوال المدنية؟ وما هو حكم من يماثلهم في الحالة؟ وبعد أن غدت سوريا اليوم، بموجب فتوى الشيخ العمر في استنبول، « دار كفر» بامتياز؛ فما هو حكم العلماء الذين أنكروا في مؤتمر ماردين صلاحية فتوى ابن تيمية في تقسيم بلاد المسلمين إلى « دار كفر» و « دار إسلام»!!!!؟


الملاحظة الثالثة:


من المثير حقا أن بعض الفتاوى كانت أقرب ما تكون إلى صيغة « البيان السياسي» الذي يحرص على تجنب الحكم الشرعي. وبعضها الآخر يستعمل آيات ومصطلحات شرعية دون التصريح بالحكم الشرعي، وكأنها تتهرب منه. وهو ما لاحظناه على سبيل المثال في بيان الـ 107 عالما من أشهر علماء الأمة!!!! فإذا كان البعض يلوم « المركز» وهو العدو الأكبر للأمة، أو النظم العربية على خذلانهم الشعب السوري وتركه لمصير دموي من نظام لا يتمتع بأية منظومة أخلاقية لأي صنف من الكائنات الحية، ولا حصانة عنده حتى لرضيع، فضلا عن حماية النظام الدولي له؛ فمن الأولى أن يتم توجيه لوم شديد لمثل هذه البيانات التي نأت بمحتواها عن التصريح بالحكم الشرعي، وتنزيله عليه، واكتفت بمعاتبة النظام على « ممارساته» و « فساده» أو تقريعه على سلوكه وأخلاقه، أو حثه على « حياء» أو « تقوى» هو منهما براء.


الملاحظة الرابعة:


مع أن « المواجهة الشرعية» مع النظام السوري انطلقت بقوة إلا أن الواقع يكشف عن معارضة سورية أبعد ما تكون عن أي منطق عقدي. بل أن أكثرها يتصرف كمذنب يجتهد في التبرؤ من تهمة الطائفية التي فرضها النظام على المجتمع والدولة معا، وأزيد من ذلك فإن كثيرا من المعارضة تقضي الشهور تلو الشهور، ولمّا تزل، تناور على جبهة المصالحة مع النظام، أو الحل معه، وتتمسك حتى اللحظة بقطرية الثورة، وما يسمى زورا وبهتانا بـ « الوحدة الوطنية» رغم أن الخصم يعمل، جهارا نهارا، في سياق مشروع عقدي لم يعد يخفى حتى على الأعمى قبل البصير. بل أن بعض المعارضة شنت حملات محمومة على العلماء والمجاهدين، زاعمين أن فتاواهم تضر بالثورة!!! والواقع أن الثورة السورية في واد وأمثال هؤلاء في واد آخر. فالثورة السورية انتزعت من العلماء من المواقف الشرعية ما لم تنتزعه أية ثورة سابقة عليها.

إزاء هذا الحال فمن المفترض أن تعترض هذه الفتاوى، خاصة في قسمها الثالث، مسار كل جهة تحاول الالتفاف على الثورة السورية أو دفع السوريين إلى الحل مع النظام، مثلما هو الحال مع مبادرة كوفي عنان، التي صممها « المركز» لـ « إدارة الثورة» دون أن يمانع في إمكانية الحل مع النظام. إذ من غير الممكن أن يحظى أي حل بالشرعية العقدية طالما بقي الأسد وعائلته في الحكم أو بقيت الطائفة « النصيرية» هي المهيمنة أو ذات نفوذ أو بقي «حزب البعث» في السلطة أو حتى في المعارضة.

ومن المفترض أيضا، وهذا هو الأهم، بالنسبة للمقاتلين والمجاهدين على الأرض، أن هذه الفتاوى توجههم نحو الراية الصحيحة التي تقاتل في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله في الأرض. وهو توجيه فيه رحمة عظيمة بالمجاهدين الذين قد يتعرضون للقتل في أية لحظة، إذ أن غاية ما تتمناه أنفسهم أن ينتصروا أو يقضوا في رضى الله وليس رضى أحد، لن يفيدهم أو يحصنهم من غضب الله. وبالتالي فما من حصانة تُذكر، ولا من فائدة تُرجى، من الخوض في حرب تجري وقائعها تحت رايات عمية. لذا فقد شددت الفتاوى على سلامة الراية ووضوحها كي لا تذهب الدماء المسفوكة سدى.


الملاحظة الخامسة:


لا شك أن فتوى د. صفوت حجازي بإجازة قتل الرئيس السوري تضمنت شططا غير مقبول شرعيا في الكثير من النواحي كالقول: « إن من يقتل بشار فهو في الجنة»!!! أو قوله: « من يستطِع أن يقتله فليقتله، وأنا أتحمل الدم عنه»!!!، بخلاف ما جاء على لسان الشيخ المحلاوي: « أن من يقوم منهم بقطع رقبة هذا الخائن فإنه لو قتل في سبيل ذلك، سيكون بإذن الله شهيدًا، وسيحشر مع سيد الشهداء بالجنة». لكن المدهش أن نجد في الفتاوى « تكفيرا» للنظام والحزب والطائفة والرئيس والتحريض على قتله، وفي نفس الوقت نجد من يميز بين من يحق له قتل بشار ومن لا يحق له!!! ومن يرى في هذا الجهاد شرعيا بينما يرى في جهاد الآخرين « إرهابا». أما لسان حال هؤلاء فيقول: إذا جاء القاتل من « الجيش الحر» فجهاده واجب ومحمود، وقتله بشار الأسد حلال زلال، أما إذا جاء من الجماعات الجهادية، التي تملأ البلاد طولا وعرضا، وأفرادها من صلب البلد وأهله، فليس لها من نصيب إلا الإدانة والتشويه، حتى أن البعض رماها بـ « الإرهاب» عن ظهر قلب!!!

الأرجح أن الذين يؤيدون هذا المنطق أو يروجون له لا يستندون إلى أي منطق شرعي. وهم في الواقع إما خصوم أو أصحاب هوى أو مضلَّلون أو غاضبون أو جهلة أو ممن أسرتهم الأيديولوجيات أو ممن ربطوا الثورة السورية في السقف الدولي. فمن الناحية العقدية لا يحق لأحد إنكار حكم شرعي إلا إذا كان منكرا للشريعة والدين، ولا يعتد بها كمرجعية توجه سلوكه وأفعاله وعلاقاته. وهذا النوع لا يؤخذ برأيه. ومن ناحية موضوعية فلا يوجد مبرر عقلي يتيم أن يعطي الحق بالقتل لهذا وينكره على آخر.


الملاحظة السادسة:


الثابت أن الفتاوى لم تُحدث فارقا كبيرا في الصراع مع النظام السوري لجهة الحشد والدعم والتجييش الإعلامي والمادي. فالدول المحيطة بسوريا لا تزال تمنع التبرعات العامة في المساجد والمؤسسات ومراكز الرعاية والإغاثة. ولو قارنا الحالة السورية بالحالتين الأفغانية والبوسنية لتبين لنا مدى الفرق الهائل. ولا يحتاج المرء كثيرا من التأمل لمعرفة الأسباب. ففي حالتي أفغانستان والبوسنة كان الاتحاد السوفياتي وصربيا عدوا عقديا، فضلا عن كونه أعظم خصوم « المركز» الأيديولوجيين وأخطرهم. وكان « الإلحاد» هو التوصيف الشرعي للعدو آنذاك. لكن في المرحلة الثانية من الجهاد الأفغاني أو في العراق فقد غدت المشكلة مع « الحليف»، مما استدعى تغيير التوصيف الشرعي للحرب ليلائم احتياجات « المركز» وتوصيفه، وتبعا لذلك صار الجهاد « إرهابا».

أما اليوم مع الثورة السورية فإن التوصيف الشرعي للعدو هو « الكفر» و « الإلحاد» و « العدوان». ولولا انفجار الشوارع العربية لما تلقينا هذا الكم الهائل من الفتاوى التي تتطابق، للمرة الأولى، مع فتاوى علماء « التيار الجهادي». لذا ثمة حذر وخشية من غضب «المركز» الذي لا تروق له مصطلحات « التكفير» و « الجهاد»، فضلا من خشيته على مصالحه وبنية النظام الدولي الذي تمثل سوريا ركيزته الأساسية إقليميا. بمعنى أن « المركز» لا يضيره أي تهديد حتى لو كان على حساب الحرمين الشريفين بقدر ما يهتم لسلامة النظام الدولي القائم، والذي يتعرض، بفعل الثورة السورية، لخطر شديد. ومع أن دول الخليج تعلم هذا علم اليقين إلا أنها ما زالت عاجزة حتى الآن عن الإفلات من قبضة « المركز» الذي يعمل على تمكين « المشروع الصفوي» من « ظاهر الأرض» مقابل احتفاظه بـ « باطنها». والحقيقة أنه ما من حل لمواجهة المشاريع العقدية سواء كانت « صليبية» أو « يهودية» أو « صفوية» إلا بمشروع عقدي مماثل. وهذا ممكن إذا تصالحت النظم مع القوى العقدية أو إذا أحدثت القوى العقدية نفسها فارقا على الأرض يمكن بموجبه أن تحرر، بأقصى ما يمكن، منطوق العلماء من قبضة النظم أو مما تجيش به الصدور.


يتبع في الحلقة السادسة ...



الحلقات السابقة

(1) الثورة السورية ومسارات التدويل: البيادق والعراب
(2) الثورة السورية ومسارات التدويل: لعبة الكبار
(3) الثورة السورية ومسارات التدويل: عذراء الجهاد
(4) الثورة السورية ومسارات التدويل: تسليح الثورة

نشر بتاريخ 20-05-2012
  #17  
قديم 14-06-2012, 06:06 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي



الثورة السورية ومسارات التدويل


(6)

خريطة القوى المسلحة


د. أكرم حجازي
12/6/2012


[SIZE="5"]

منذ الأسابيع الأولى لاندلاع الثورة السورية أصيبت الشعوب العربية والقوى الثورية بنوع من الدهشة، تجاه ما بدا، حتى حينه، مراهنة عصية على الفهم والتصديق. إذ من المذهل، بكل الحسابات، أن تنطلق ثورة في بلد صار الخوف العميق في نفوس أهله كما لو أنه جينا وراثيا، يدرك مقياسه ودرجاته، فقط، من بلغ من العمر بضع سنين!!!

ومع أن السوريين انتظروا فرصتهم طويلا لملاقاة النظام، وفتح ملفات القهر والخوف الدموي معه على مدار العقود الخمسة الماضية، إلا أن الخلاص منه، بـ « أقل التكاليف»، لم يكن متوفرا رغم (1) الدعوة المبكرة إلى « سلمية الثورة» ومحاولات « الطمأنة» و « التفاهم»، ورغم (2) تدخل القوى المحلية والإقليمية والعربية والدولية، ورغم (3) توفير ما بدا فرصا متتالية ومخارج سياسية دولية واجتماعية ملائمة للنظام ... بل أن « أبهظ التكاليف»، عبر عشرات المذابح الجماعية الوحشية، لم تؤشر بعد على كونها كافية للتخلص من النظام. أما لماذا؟ فلأن حقوق ملكية النظام ليست محلية، بقدر ما هي ماركة مسجلة تاريخيا باسم حماية النظام الدولي واستقراره. وبالتالي فالذين جهدوا في استدعاء « الناتو» للمنطقة، مستعملين حسن النية والاستعداد لتجديد عقود التحالف مع « المركز» وتلبية مطالبه الأمنية والاستراتيجية، محليا وإقليميا، ظنوا ببلاهة عجيبة أن « المركز» يمكن أن يأمنهم على سلامة « إسرائيل» والنظام الدولي، الذي بني على أشلاء العالم الإسلامي، واستقراره، منذ مطالع القرن العشرين، واحتل النظام الطائفي فيه حجر الزاوية إقليميا.

ومع الرفض الصريح لـ « تسليح الثورة» أو نصرة الشعب السوري، واشتداد حدة الصراع الدموي، بدأت « المواجهة الشرعية مع النظام» عبر فتاوى العلماء والمشايخ التي أخذت تصدر تباعا عبر العديد من الدعوات المنادية بـ « الجهاد»، مرورا بفتاوى « تكفير النظام» السوري، وانتهاء بالدعوة الصريحة إلى « قتل» الرئيس بشار الأسد. إلا أن محتواها العقدي توجه، نسبيا وبصراحة، نحو (1) المشروع « الصفوي» دون أن يقترب، ظاهريا، من (2) المشروع « الصليبي» ممثلا بـ « المركز» أو (3) المشروع « الصهيوني» ممثلا بـ « إسرائيل». ومع ذلك فقد مثلت غطاء شرعيا للقوى المسلحة في الثورة السورية. وبدأت مفاعيله، لاسيما بعد مجازر أطفال الحولة وحماة (25، 27/5/2012)، تتبلور في صيغة التخلي عن « محلية الثورة» والاتجاه نحو « الربط» بين المشاريع الثلاثة التي تواجهها الثورة .. هذا الربط الذي كان واقعا قائما منذ اللحظات الأولى للثورة، ومسكوتا عنه سياسيا وإعلاميا، صار اليوم مسموعا بملء الفم وعلى امتداد أفق البصر. وصار التحذير من الحرب الأهلية أو الطائفية، بمعنى أدق، أمرا لا مفر منه. والسؤال هو: ما هي خريطة القوى المسلحة المحلية والفاعلة في الثورة السورية؟ وإلى أي حد تبدو منسجمة عقديا في خوض الصراع؟

أولا: سلالة الجيش الحر


في مقالة سابقة بعنوان « عذراء الجهاد» قلنا أن المجتمع السوري خضع لعملية تجهيل متوحشة نجحت في تجريده من كل عناصر القوة وأدواتها. فهو لم يستفد من الأيديولوجيات والفلسفات الراديكالية التي كانت الحركات الوطنية العربية والفلسطينية تتمتع بها، كما لم يستفد من الوعي السياسي أو من أي تشكيل سياسي إلا بمقدار ما يعبر عنه خطاب « حزب البعث» بصيغته الأمنية المتوحشة أو النظام بصيغته الطائفية الدموية، كما لم يستفد من أية تجربة قتالية ثورية أو نظامية، ولا من الإسلام كمرجعية حضارية وشرعية وعقدية وسياسية، لاسيما بعد أن أحال النظام الإسلام للصوفية وأساطيرها وشركياتها.

إذن نحن بصدد مجتمع مقهور، ومجرد من « الخبرة» و « التجربة» و « المرجعية» و « العقيدة». فما كان منه في أول مواجهة شاملة مع النظام إلا التحصن بـ « الفطرة»، بوصفها المجال الوحيد الذي يتيح له « « التمايز» عن النظام من جهة، والمرجعية الوحيدة التي يمكن « الاسترشاد» بها في مواجهة النظام من جهة أخرى!!!! لذا ليس عجيبا أن يلحظ المرء لدى السوريين شعورا بالغربة والاستهجان في أية مناقشة ذات صلة في المسائل العقدية والأيديولوجية وحتى السياسية. لكن العجيب حقا أن تجد الكثيرين منهم، حين يشتد النقاش عمقا، يجيبون بالقول: « أنا لا أفهم ما تقول»، وبعضهم الآخر يختصر النقاش بالقول: « يا أخي .. يا عمي .. أنا مسلم على الفطرة وهذا يكفيني .. لا توجع راسي .. الله يرضى عليك»!!!

لا شك أنها إجابات بليغة للغاية، وتحتاج إلى الكثير من التأمل، في ضوء وقائع الثورة وشعاراتها وكتائبها المسلحة. فـ « الفطرة»، رغم ضحالة محتواها الشديد، ملأت مئات بؤر الاحتجاجات الشعبية بلافتات إسلامية ضخمة، ودعوات لتحكيم الشريعة، ومظاهرات صاخبة تنادي بالخلافة. بل أن كتائب « الجيش السوري الحر» لم تتخذ لها من الأسماء إلا تلك المستوحاة من التاريخ الإسلامي أو المتيمنة بأسماء الصحابة. وهو مشهد يبدو على النقيض من المشهد الجهادي في العراق، والذي شكلته عقلية أبو مصعب الزرقاوي وهيبته وليس « الفطرة»، كما هو الحال في سوريا، مما يعكس، إلى حد كبير، مدى قابلية المجتمع السوري للتشكل العقدي.

هكذا؛ ففي الوقت الذي تبدو فيه « الفطرة» علامة ضعف عقدية إلا أنها علامة قوة بارزة يمكن الاحتيال عليها والتلبيس لكن يصعب اختراقها. فالعودة إلى « الفطرة» تعني، بوعي أو بدون وعي، القطع التام مع ما يصادمها من أيديولوجيات وفلسفات وثرثرات وحتى امتطاءات لظهر الثورة من هذه الجهة أو تلك. لكنها تعني بنفس الدرجة إمكانية الوقوع في المحاذير العقدية دون وعي. وعليه فقد يبدو طريفا أن تنادي مظاهرة بـ « تحكيم الشريعة» أو « عودة الخلافة» وفي نفس الوقت تطالب، هي أو غيرها، بـ « الحظر الجوي» أو « الحماية الدولية»!!!

هكذا هي عذرية الثورة السورية .. فهي عذراء في السياسة، وعذراء في الدين، وعذراء في القتال، وعذراء في الخبرة، وعذراء في التجربة، وعذراء في الأيديولوجيات .. عذراء في الشجاعة والبطولة والإصرار والثبات، وعذراء في كل منحى. والأكيد أن الصعوبات في التمييز بين الخطأ والصواب .. بين الحق والباطل .. بين الولاء والبراء .. بين وبين .... ناتجة عن هذه العذرية التي تتعرض لهجمات إعلامية وأيديولوجية وحتى اختراقات سياسية أو أمنية بين الحين والحين، لكن دون أن تنجح في احتوائها أو ثنيها عن أهدافها في بلوغ الحرية أو حتى قدر منها بلا طائفية.

بهذا التصوير لمشهد « مجتمع الثورة» يغدو « الجيش الحر»، بمختلف مكوناته الاجتماعية، العسكرية والمدنية، سليل المجتمع السوري بنسخته العذرية، ما بعد الثورة وليس ما قبلها. فالثورة التي بدأت « سلمية» سرعان ما اتجهت نحو « العسكرة» القادمة من رحم النظام صاحب القبضة الأمنية الوحشية و « العلاقة الطائفية» المفروضتين على كافة مناحي الحياة في المجتمع والدولة. والثابت أن الثورة شقت طريقها إلى مؤسسات الأمن والجيش على وقْع الخيارين الأمني والطائفي للنظام، وتبعا لذلك فقد تعرضت القطاعات العسكرية والأمنية لاختبارات « تمايز» قاتلة، ذهب ضحيتها، غدرا، مئات الجنود والضباط، فضلا عن تصفيات طالت عائلات بكاملها. ولا ريب أن المفارقة العجيبة في الثورة العسكرية هي تلك « الوضعية المهينة» التي لم يسبق لها مثيل، والتي تحول فيها آلاف الجنود والضباط إلى لاجئين في الدول المجاورة، يسكنون مخيمات اللجوء، ويتلقون الإغاثة كما يتلقاها المدنيون!!!

إذن الأنوية الأولى للجيش، كما ذكرنا في مقالة « عذراء الجهاد»، تكونت من المنشقين عن جيش النظام. لكن التشكيلات المنتشرة في عموم سوريا، من كتائب وألوية ومجالس عسكرية، لم تعد تقتصر فقط على ذوي الأصول العسكرية الصرفة. إذ ثمة متقاعدون عسكريون وأمنيون ومتطوعون وخبراء وإعلاميون مدنيون شكلوا روافد لا بأس بها للكتائب وحتى للقيادات الميدانية.

لذا فإن أبرز ما يميز « الجيش الحر» أنه ليس تنظيما أو جماعة أو حزبا. وهو كما قلنا مجرد عنوان للثورة وليس تنظيما أو حركة أو جماعة، وبالتالي يمكن أن ينتظم في إطاره، إعلاميا، كل من يرغب في مقاتلة النظام دون أن ينتسب إليه. وهذه وضعية مناسبة لـ « مجتمع فطري» لا تعنيه الصراعات الأيديولوجية ولا يأبه لها. وكل ما في الأمر أن تأسيس « الجيش الحر» بدا كـ « مؤسسة عسكرية بديلة عن قوات الأسد» كما قال العقيد الركن أحمد فهد النعمة، قائد المجلس العسكري في محافظة درعا، مضيفا في تصريحات لصحيفة « الشرق الأوسط - 27/5/2012» لما يبدو محاولات للانتظام: « قمنا بتشكيل مجالس عسكرية في مختلف المحافظات وهي متواصلة من خلال المكاتب الإعلامية التابعة للمجالس العسكرية وهناك تواصل بين قادة المجالس ومع قيادة الجيش السوري الحر بشكل يومي ومستمر بغية التوصل إلى العمل المؤسساتي المنظم والهادف والذي يوازي المعايير الدولية». وفي مقابلة مع صحيفة « الغارديان 2/6/2012 » البريطانية أكد العقيد الطيار الركن قاسم سعد الدين، الناطق الرسمي باسم القيادة المشتركة لـ « الجيش الحر» بالداخل أن: « ثمة تنظيما أكثر وضوحا الآن مع تشكيل عشرة مجالس عسكرية إقليمية تتبعها كتائب محلية وفرق قتالية، وكلها لديها فروع إدارية تتعاطى مع التمويل والتزويد بالأسلحة والمساعدات الإنسانية».
لكن مهما بدت هذه التشكيلات على درجة من التنسيق، الساعي إلى المأسسة التنظيمية، إلا أن بنية الجيش، وتوالي ظهور التشكيلات الارتجالية للكتائب المسلحة، والعمل في إطار اللامركزية، بالإضافة إلى الموقف الدولي الرافض لـ « تسليح الثورة»، وطائفية النظام الدموية، مكنت كتائب الجيش من التمتع بكثير من الاستقلالية، والاحتفاظ بفطرتها، بما يكفي، على الأقل حتى الآن، لمقاومة الضغوط المحمومة التي بذلتها قوى في المجلس الوطني، وأخرى في قيادة الجيش، وكذا بعض الشخصيات والمشايخ، فضلا عن جهات إعلامية ودولية، لتحقيق اختراقات تنظيمية أو انتزاع مواقف معادية للقوى الإسلامية راهنا أو لاحقا .. مثل هذه القوى التي تطفوا على السطح بين الحين والحين، وتعيش حالة من انعدام الوزن، هي بلا شك تلعب بنار قد تحرقها وتوقع أثرا بالغا في القوى الثورية التي لا تعنيها الصراعات السياسية والأجندات الأجنبية.

فاللامركزية ومحاولات الاختراق ووضعية « عساكر الشتات» كان لا بد، عاجلا أم آجلا، من أن تلقي بظلالها على منطق العمل وآلياته في « الجيش الحر». وقد بدا مثل هذا الأمر جليا في أعقاب تهديدات صدرت عن قيادات في الجيش داخل سوريا تقضي بإعطاء مهلة للنظام السوري تنتهي في 2/6/2012 : « لتنفيذ قرارات مجلس الأمن والشرعة الدولية فورا»، وإلا فإن الجيش: « في حل من أي تعهد يتعلق بخطة أنان». وعلى الأثر رد العقيد رياض الأسعد قائد « الجيش الحر» على « بيان الداخل» بالنفي، قائلا: « لا توجد مهلة»، مؤكدا في نفس الوقت: « التزام المعارضة بخطة أنان وبالقرارات الدولية»، ومتمنيا أن يصدر كوفي عنان بيانا من طرفه يعلن فشل الخطة حتى لا يتم إلقاء مسؤولية الفشل على « الجيش الحر».

هذا التباين الخطير في التصريحات كشف عن رؤى متصارعة بين « قيادات الخارج» و« قيادات الداخل»، مثلما يؤشر على وجود قوى خارجية تسعى ليكون لها الصوت الحاسم في الداخل السوري. ففي 31/5/2012 رد العقيد قاسم سعد الدين، على تصريحات الأسعد بقسوة غير مسبوقة: « لا يحق لأحد أن يتكلم أو يصدر أي بيانات للجيش السوري الحر في الداخل ... واعتبارا من تاريخه لن نأخذ القرارات إلا من قيادات المجالس العسكرية في الداخل التي تعبر عن حال الشعب السوري الثائر .. ولا يحق لأي جهة عسكرية أو مدنية في الخارج أن تتكلم عن خطط الجيش السوري الحر في الداخل». بل أن بيان العقيد سعد الدين ذهب في قسوته أبعد من ذلك حين أضاف بأن: « من أراد أن يمثل الشعب السوري والجيش الحر أو ناطقا باسمه فليتوجه إلى أرض الميدان وليتوجه إلى الداخل حتى يستطيع أن يمنحه الشعب السوري المنتفض هذه الشرعية».

ولا شك أن بعض التصريحات الصادرة عن بعض قيادات الجيش أو كتائبه تتسبب بكثير من السخط، كتلك التي تصنف في خانة الولاء والبراء، أو ذات النوع الابتزازي الذي يستهدف حرق بعض الشخصيات مبكرا، أو تلك الناتجة عن الجهل، لكنها لم تنل كثيرا أو قليلا من حقيقة طغيان المشهد الديني على مكونات وأداء أغلب التشكيلات العسكرية، لاسيما بعد تنبه بعض القيادات لمثل هذه السقطات ونفيها أو التنكر لها. بل أن بعض الشهادات تتحدث عن كتائب إسلامية داخل « الجيش الحر»، مثل كتيبة « البراء بن مالك» وكتيبة « ذو النورين»، وحتى « كتائب عبد الله عزام» التي قيل أنها تنشط تحت لوائه.

والحقيقة أن « الجيش الحر»، الذي احتل مكانته كواجهة شعبية مسلحة للثورة، صار يتجه، بفعل الحضور الإسلامي هذا أيضا، نحو المزيد من الوضوح في تحديد هوية الصراع مع النظام باعتباره صراعا عقديا، يدركه الشعب السوري ويخوضه بأدق تفاصيله، مهما حاولت الكثير من القوى تجنب هذه الحقيقة أو إخفائها، إعلاميا وسياسيا، تحت يافطة الوحدة الوطنية أو الاحتياجات الدولية. وهو الأمر الذي بدا جليا بصورة غير مسبوقة في الأداء السياسي والإعلامي لـ « الجيش الحر»، بعد مجزرة الحولة. فللمرة الأولى يتحدث عسكريون في موقع المسؤولية عن حرب طائفية صريحة من النظام ضد السنة في سوريا. وفي السياق فقد توفر لدينا أكثر من تصريح في هذا الصدد يوم 29/5/2012. أما الأول فقد جاء على لسان العقيد مالك الكردي في تصريحات له أدلى بها لصحيفة « الشرق الأوسط» قال فيها إن: « معالم الفتنة المذهبية أصبحت واضحة في سوريا لاسيما بين القرى الموالية للنظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى، وهي تنذر بحرب أهلية لن تكون دول المنطقة بمنأى عنها». ومن جهته اعتبر العقيد خالد الحبوس، رئيس المجلس العسكري في دمشق وريفها، على قناة « وصال» أن الحرب مع النظام هي « حرب طائفية ضد السنة في سوريا». وكذلك تصريحات النقيب رواد الأكسح، قائد كتيبة المهام الخاصة في حمص، خلال لقائه على غرفة « الجيش الحر - المجلس العسكري في دمشق وريفها» في « البالتوك» حيث اعتبر الحرب مع النظام هي « حرب بين الكفار والمسلمين».

وبعد يومين (31/5/2012) فوجئ أهالي دير الزور بملصقات لـ « الجيش الحر»، ذات محتوى عقدي غير مألوف أو مسبوق، انتشرت في شوارع المدينة، وخاطبت الأهالي بالقول: « يا أبطال وأحرار وحرائر دير الزور؛ ها قد طلبتم المساعدة والعون من العالم أجمع ولم ينصركم، ونسيتم اللهَ خالق العالم وخالق الكون وهو على نصركم لقادر». وأضافت: « عودوا إلى الله وأقيموا صلاتكم ولا تتركوها وأكثروا من الدعاء والاستغفار، والله لا يضيع عملكم .... انصروا اللهَ لينصركم اللهُ فإنه على نصركم لقادر، واعلموا (أنه) لن ننتصر حتى تصبح صلاة الفجر كصلاة الجمعة ... الله الله يا أمة رسول الله».

في المحصلة يمكن القول أن « الجيش الحر» ليس وحده القوة الفاعلة على الأرض. فعلى هامش القوى العسكرية المنظمة ثمة قوى متناثرة على امتداد ساحات الثورة، بعضها مدني النشأة، دفعه بطش النظام ومليشياته القاتلة إلى حمل السلاح دفاعا عن أهله أو حيه أو قريته، وبعضها الآخر ممن سلك طرقا جنائية وانحاز إلى قيم الثورة وأهدافها، وبعضها قبلي المحتوى والنشأة، عمل في المساندة والدعم ولو بحدود ضيقة جدا، وبعضها، امتطى ظهر الثورة طمعا في جني المكاسب، وبعضها من المنبوذين اجتماعيا، ممن لا تخلو منهم ساحة عنف، استغل الفراغ الأمني وسلك، عبر السلاح، سبلا جنائية، ألحقت أضرارا بمصالح الناس.

يبقى القول أن أسوأ ما في الثورة السورية، ونسبيا في « الجيش الحر»، هي تلك الشريحة التي تَملَّكها الغرور والصلف، مستعملة الثورة، بوعي أو بدون وعي، جسرا للتسلق والتملق والاسترزاق والعبور والوصول إلى حيث تقع مصادر الدعم والتمويل، أو بحثا عن شهرة أو فضل ينسب في غير أهله. فما أن تستمع لأحدهم إلا ويزعم رعايته لمئات المقاتلين في هذه المنطقة أو تلك .. هذا إنْ لم يحتكر مسؤوليته عن منطقة برمتها، ناهيك عن الطعن بهذا التشكيل أو ذاك!!!

وأكثر من ذلك حين يزعم البعض ثقلا سياسيا وإعلاميا لعشرات القوى والتنسيقيات المحلية وبث الأخبار الكاذبة التي ألحقت ضررا بالغا في مصداقية إعلام الثورة، أو امتلاكه لمفاتيح وأدوات العمل العسكري والأمني، وعلاقات الدعم اللوجستي، محليا ودوليا، واختراق قواته لقوى النظام، وقدرته على قلب المعادلة لصالح الثورة فيما لو توفر له الحد الأدنى من التمويل!!! مع العلم أن العشرات إنْ لم يكن المئات من التشكيلات المسلحة، مدنية أو عسكرية، لا يتجاوز عدد أفرادها بضعة من عشرة أو بضعة عشرات، ومنهم الكثير ممن يعيشون في ظروف بائسة، ويعانون شظف الحياة، والفقر والتهديد والجوع والمرض.

ثانيا: تاريخية القوى الجهادية


بخلاف « الجيش الحر» والمجموعات المسلحة التي تشكلت، فطريا وعلانية، في صورة ألوية وكتائب مسلحة، كان هناك مشهد ثالث، ينمو بسرية وكتمان شديدين، بالتوازي مع المشهدين السلمي والعسكري للثورة، هو مشهد الجماعات المقاتلة، ذات المحتوى العقدي الصارم والصريح .. وهو ما يمكن التعبير عنه بمشهد « الثورة الجهادية» .. مشهد ثورة لا يخفى عليها ذاك الرصيد التاريخي العريق، فكرا وعقيدة وعملا وأهدافا، ولا خبراته أو خبرات وقائع تيارات « الجهاد العالمي» التي تجوب اليوم ساحات العالم الإسلامي.

البذور الأولى


إذن؛ تعود البذور الأولى في الفكر الجهادي السوري لعملاق الجهاد الشيخ مروان حديد، ومواجهته للنظام انطلاقا من جامع السلطان في مدينة حماة سنة 1964، بعد عام واحد من انقلاب البعث على السلطة في 8/3/1963. هذه المواجهة التي تطورت ابتداء من العام 1974 و 1976 في صيغة « التنظيم الجهادي المسلح» الذي اشتهر باسم « الطليعة المقاتلة»، التنظيم الجهادي النخبوي المستقل، انضم إليه العديد من أفراد الجماعات الإسلامية سواء من « الإخوان المسلمين» أو من غيرهم، لكنه ظل مستقلا عنها إلى حين وقوع مجزرة حماة في 17/2/1982.

قرابة العقد والنصف؛ أشاعت فيها « الطليعة المقاتلة» مناخا جهاديا هائلا في دمشق وحماة وحلب على وجه الخصوص، وخاضت فيه حربا طاحنة، أفقدت النظام الطائفي صوابه، لشدة وبأس العمليات التي نفذتها، والتي وصلت إلى حد تفجير مقر مجلس الوزراء (17/8/1981) ومبنى المخابرات الجوية (3/9/1981). وفي هذه الفترة كان السوفييت الروس، وليس الإيرانيون بعْد، هم رأس الحربة في دعم النظام الطائفي، حتى أنهم لم يفلتوا من هجمات « الطليعة المقاتلة» .. لكنهم كلما سقط منهم قتلى كانوا يصبون جام غضبهم على النظام الذي يوفر، بحسب زعمهم، أربعة أشخاص حماية لضابط نصيري بينما لا يوفر ما يلزم لحماية مستشاريهم وضباطهم!!! ... لكنها ظلت حربا تواطأ فيها الإعلام الدولي والإقليمي ضد مجاهدي « الطليعة»، كتمانا وتجاهلا، كما يتواطأ فيها على مجاهدي اليوم، تشويها وتزويرا.

لم يكن المجاهدون السوريون، الذين خاضوا جهادا ضد النظام الطائفي و « كفر النصيرية» بعيدون عن ساحة الجهاد الأفغاني الأول وهو يخوض حربه ضد قوى الإلحاد العالمية. ولم يكونوا أقل فاعلية وتأثيرا من باقي المجاهدين في العالم الإسلامي، الذين تجمعوا هناك، وواصلوا حتى في مرحلة « طالبان»، وصولا إلى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على أبراج التجارة العالمية في الولايات المتحدة. ويكفي « الجهاد العالمي» أنه استأثر بشخصية استراتيجية نفيسة مثل مصطفى طه الست مريم، الملقب بأبي مصعب السوري، والذي خلف تراثا عالميا غزيرا، وثق فيه أغلب تجارب « الجهاد » في مشارق الأرض ومغاربها.

ولم يكن السوريون، لاسيما طلبتهم في الجامعات السورية، وخاصة جامعة حلب التي تؤوي اليوم قرابة 80 ألف طالب، وتمثل مجتمع سوريا كاملا، غافلون عن احتلال العراق في 9/4/2003، وما كان يجري على مناطق الحدود التي شكلت ممرا لعبور المجاهدين العرب نحو العراق، مثلما غدت هذه الممرات مصائد لمخابرات النظام الطائفية للإيقاع بالمتطوعين للقتال في العراق. ولم تكن العلاقة بين القبائل العربية وحتى الكردية على جانبي الحدود لتنقطع، وهي التي تتعرض لخطر « الصفوية» هنا وهناك. ولم تكن الثقافة الجهادية لتفارق مواطنا أو متطوعا أو طالبا بنفس القدر الذي لم تفارق فيه الاحتجاجات على احتلال العراق طلبة جامعة حلب.

وذات الأمر ينطبق على علاقة السوريين بلبنان، حيث تنشط الكثير من الجماعات الجهادية والأفراد على جانبي الحدود، فضلا عن كون لبنان ساحة ساخنة يبقى صدى فعالياتها وصراعاتها مع النظام الطائفي، هنا وهناك، يطرق الآذان في سوريا، ويمكِّن بسهولة من نسج علاقات أمنية وصلات مع تجار السلاح، ومدخلا للاستفادة من تحالفات ظرفية على وقع الخصومات الطائفية والقوى المتصارعة.

إذن المشكلة في سوريا، لمن يهوى استمرارية النظام والدفاع عنه، سواء من « المركز» أو « الهامش»، ليست واقعة، كما يروجون، مع « القاعدة» بل مع « الفكر الجهادي» الشائع، و « الفكر العقدي» الذي يأبى، تاريخيا، استمرار الخضوع للحكم النصيري، والساعي إلى إقامة الدولة الإسلامية على أنقاضه .. هذا الفكر نرى معالمه بارزة لدى قطاعات واسعة من التشكيلات العسكرية التي ترفع شعارات « الحاكمية» و«الخلافة».

ولا شك أنه فكْر صار يلقي بظلاله على الساحة، ويطرق أسماع « المركز»، بشقيه الشرقي والغربي، عقابا له على سياساته الرامية إلى تمكين النظام الطائفي من ارتكاب المزيد من المذابح، علّ وعسى، أن يتخلص من هذه الثورة التي أرقت الجميع وأقضت مضاجعهم .. ثورة فضحت قيمهم المزعومة عن حقوق الإنسان، وتباكيهم المزيف على اغتصاب النساء وذبح الأطفال ودفن الأحياء أو إحراقهم وتمزيق الجثث وتدمير البيوت على ساكنيها وهدم الأحياء وارتكاب الموبقات والفواحش بأبشع ما يتصوره العقل البشري ..

ثورة؛ ظل « المركز» يعلن عن رفضه لـ « تسليحها»، ويحتج بلسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون: « لا نعلم بالضبط هوية من يستحق التسليح – 29/2/2012»، أما الآن، وبعد مجزرة « الحولة – 25/5/2012»، وارتفاع سقف المشاعر الدينية، فقد صار هناك من يجاهر بالحديث عن سياسات صريحة تقضي، فقط، بدعم: « الجيش السوري الحر من ذوي التوجه العلماني بالأسلحة والتوجيه والقيادة والتدريب. مع سعي الاستخبارات الأميركية إلى التأكد من أن قيادات الجيش السوري الحر لا تتعاون مع القاعدة». وتصريحات أخرى لا تقل فجاجة وهي تعلن بأن الولايات المتحدة ستتدخل، فقط، إذا سقط النظام!!! أما لماذا؟ فللحيلولة دون وقوع نحو 11 مخزنا للأسلحة الكيماوية بأيدي « المتطرفين»!!! أما التصريحات الصادرة عن ساسة « إسرائيل»، والمتباكية على مذابح النظام الوحشية والإبادات الجماعية ضد الأبرياء وفضائح حقوق الإنسان في سوريا، فهي أوقح ما يمكن تصوره على وجه الأرض، خاصة حين تأتي من أعتى « المفسدين في الأرض»، وقتلة الأنبياء وأحفاد « شيلوك» وأصحاب الذراع الطويلة في الفتن والتعذيب والحروب الدموية بين بني البشر ... تصريحات فاشية غير مسبوقة بهذا الوضوح، لكنها تؤشر على رغبة « المركز» في اختراق القوى المسلحة من جهة، والعمل على إطالة أمد الحرب إلى أقصاها من جهة أخرى، بحيث تطول الحرب وتطول، إلى أن يعجز أي طرف فيها، بما في ذلك التنظيمات الجهادية، عن تهديد النظام الطائفي أو النظام الدولي أو الإقليمي، ومن ورائهم جميعا « إسرائيل».

كتائب عبد الله عزام


مهما يكن الأمر؛ فقد كانت الأرضية مهيأة تاريخيا وعقديا وأخلاقيا وشعبيا لمقاتلة النظام. وكما تربص الشعب السوري بفرصة لمواجهة النظام فقد فعلت « الجماعات الجهادية» وأصحاب الفكر الجهادي الأمر نفسه. وفي السياق تتواجد على الساحة السورية « كتائب عبد الله عزام» التي لم تكن معروفة قبل هجمات11 أيلول/ سبتمبر 2001. ومن باب الإشارة فقد ظهرت على متن وسائل الإعلام في تشرين الأول / أكتوبر 2004، بعد الهجوم الذي تعرض له فندق « هيلتون» في « منتجع طابا» بصحراء سيناء المصرية إلى جانب تفجيرين على شاطئين في نويبع إلى الجنوب من طابا. ورغم أنها نفذت سلسلة من العمليات كان أبرزها مهاجمة ناقلة النفظ اليابانية، وأصدرت بيانا بذلك في 2/8/2010، إلا أن نشأتها لا زالت طي الغموض حتى هذه اللحظة. وبدا نشاطها أقرب ما يكون إلى الساحة اللبنانية، حيث لا تخفى، على مراقب، رقابتها الصارمة للوضع السياسي والأمني والطائفي في لبنان.

لا شك أن « الكتائب» كانت من أنشط الجماعات الجهادية في بلاد الشام، لجهة بيان الموقف السياسي بين الحين والحين. وكان من المنتظر أن تكون أكثر نشاطا خلال الثورة السورية، لكنها، على العكس من ذلك، بدت وكأنها متوارية، رغم أنها كانت موضع اهتمام الإعلام اللبناني على وجه الخصوص!!! وبدت مواقفها ونصائحها العسكرية والأمنية كما لو أنها جماعة جهادية شعبية تتطلع إلى مزيد الاقتراب من القوى الشعبية المسلحة كـ « الجيش الحر»، مع احتفاظها بأهمية الجانب العقدي في الوعي بـ « حقيقة المعركة». وهي مواقف أقرب ما تكون إلى مواقف الشيخ أبو بصير الطرطوسي.
وفي سلسلة بياناتها: { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ - 22/10/2011 }، تحدثت في البيان رقم (7) عن الثورة السورية. وقدمت فيه قراءتها، مشيرة في البند الأول منه إلى أن: « بلاد الشام مقبلةٌ على حرب طائفية قد بدت بوادرها»، ودعت: « الجماعات الجهادية العاملة في بلاد الشام وسيناء أن تكثف ضرباتها لدولة اليهود ومصالحها وتجعلها ضرباتٍ تترى؛ لإشغال اليهود عن توجيه دعم عملي لنظام الأسد، ولإيصال رسالة للغرب ولليهود مضمونها أن محافظتكم على نظام الأسد لن تجعلكم بمأمن من ضرباتنا».

وفيما يخص « الجيش الحر» قال البيان: « نثمِّن انقلابكم إلى قتال الظالمِ بشار وشبيحته، وندعو أهلنا في بلاد الشام إلى توعية هؤلاء المنشقين بحقيقة المعركة ... و ... ننصح المنشقين من الجيش ومن له عمليات عسكرية بأن يركزوا عملياتهم على شبيحة النظام؛ فمعظمهم من الموالين لبشار عقديا بحكم انتسابهم لطائفته العلوية، ويرون نهايتهم بنهاية بشار».

وتضمن البيان، أيضا، نصائح عسكرية وأمنية، مع الدعوة إلى التعامل بـ: « حذر مع تُجَّار السلاح ولاسيما الشيعة» منهم. أما بخصوص السنة في لبنان، فقد دعاهم البيان إلى: « أن يسعوا إلى التسلح، وإلى أن لا يخلو بيت منهم من قطعة سلاح صالحة؛ ليدافعوا عن النفس والعرض»، مع تذكير الطوائف في بلاد الشام، ولاسيما « النصارى» و « الدروز»، بما يفعله الشيعة بأهل السنة من جرائم، ومخاطبة عقلاء الطائفتين بالقول أن: « السلام الذي هو خيارنا السياسي الراجح ويحثنا عليه ديننا؛ هو السلام العادل مع من يجنح إليه، وأما من يعادينا بفعله وكلامه، وينصر مَن يعتدي علينا؛ فهو من اختار لنا كيف يكون شأننا معه، فكفُّوا عنا أذى السفهاء وإلا كففناه بفعلنا».

فتح الإسلام


لكن هذه المواقف، أقل حدة من مواقف الجماعات الأخرى المتواجدة على ظهر الساحة السورية مثل حركة « فتح الإسلام»، التي أعلنت عن نشأتها في بيان صدر بتاريخ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006. واتخذت لها من مخيم نهر البارد، شمال لبنان، موطئ قدم. ولا شك أن للحركة نشأة تاريخية معقدة يصعب على الخصوم والمغرضين فهمها أو تتبع صيرورتها. لكنها جماعة عقدية صرفة تقع في صلب تيارات « الجهاد العالمي». ولهذا تم تصفيتها في أوائل شهر أيلول / سبتمبر 2007، في عملية وحشية نفذها الجيش اللبناني، بدعم من كافة الأطراف المحلية والفلسطينية والإقليمية والدولية. وتبعا لذلك اضطرت إلى النزول تحت الأرض. وهي الآن تعمل على الساحتين اللبنانية والسورية، وأغلب قياداتها في سوريا.

منذ اندلاع الثورة السورية صدر عن « اللجنة السياسية لتنظيم فتح الإسلام» حوالي خمسة قراءات، وكانت الأولى بيانا بعنوان: « نطق الرويبضة - 13/1/2012»، وصبت فيها جام غضبها على مهمة المراقبين العرب، حين وصفت تصريح محمد الدابي، رئيس الفريق، بـ « الرويبضة» إثر تصريح أدلى به في أعقاب زيارته لمدينة حمص وقوله: « لم نر في المدينة شيء مخيفا»!!! وخلصت في البيان إلى التأكيد على وضوح الراية في مواجهة النظام: « لتكن رايتكم راية التوحيد راية نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن إخوانكم في فتح الإسلام نقاتل معكم جنباً إلى جنب تحت هذه الراية ، نحورنا قبل نحوركم ، نُذيق عدوكم الهوان ونستعذب معكم حلاوة الإيمان وقد كان لنا مع هذا النظام صولات وجولات لن ينساها أبدا».

وفي القراءة الثانية « الثورة السورية وصراع الأيدي الخفية – 29/1/2012 » تحدثت بإسهاب عما أسمته بـ « صراع الأيدي الخفية» على سوريا والمنطقة بين القوى العالمية، الشرقية والغربية، وسعيها لجر المنطقة إلى حرب طائفية « دينية بين السنة والرافضة» بهدف تقسيمها. وللخروج من هذا المخطط يتوجب على الشعب السوري: « أن لا يقف عند حد التظاهر بل عليه أن يزحف نحو مقرات الحكومة وأن يتسلح بأي شيء زيادة على العقيدة والإيمان». أما « الجيش الحر» فعليه: « أن لا ينخرط تحت لواء المجلس الوطني يد الغرب وأن لا يعوّل على أميركا الحاقدة على المسلمين والمحاربة لهم بل عليه أن يرفع راية لا إله إلا الله ... ومن ثم الاعتماد على جهوده الجبارة وطول نفس الشعب السوري ... وأن يعمل على إقناع الطوائف بعدم جدوى الوقوف مع هذا النظام ويحاول بكل جهده اغتيال بشار الأسد وأخوه ماهر لتسريع إسقاط المخطط قبل فوات الأوان ... ».

هذه الدعوة لـ « الجيش الحر» كررتها اللجنة السياسية للتنظيم في قراءتها الثالثة الثورة « السورية والفاشية العالمية – 10/2/2012»، ووردت في معرض التعليق على اجتماع مجلس الأمن الدولي للنظر في المسألة السورية، وهو الاجتماع الذي استخدمت فيه روسيا والصين حق الفيتو لإجهاض قرار يدين النظام السوري. وتحدثت اللجنة فيه للمرة الثانية عن سيناريو « المركز» لتقسيم المنطقة، وإبقائها ساحة للحرب بالوكالة، عبر دعم النظام السوري، وتفعيل الدور « الإسرائيلي»، لضرب إيران، تمهيدا لإشعال الحرب الطائفية. ورأت أن هذا المخطط يستهدف بالدرجة الأساس ضرب المشروع الإسلامي الناهض، ذلك:

« إنّ الشرق والغرب متفقون على عداوة الإسلام والمسلمين ... ولأنّ الخوف من صحوة المارد الإسلامي وقرب ولادة خلافته الجديدة حاضر، فإنّ دفع البلاد للحرب الأهلية والطائفية كفيل بتطبيق مخططات الشرق والغرب في تقسيم البلاد ووأد أيّ مشروع خلافة قريبة, وهذا الدفع يعني الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى والنفوذ ثانياً وضمان بقاء ثروات المنطقة الإسلامية بين أيديهم ثالثا، إذاً فلا بد أن يكون الصراع داخل أراضي المسلمين المراد تقسيمها، أما تنفيذ العمل فمقرون بموافقة دولة لم تقل كلمتها بعد، دولة قامت على الحروب، هي حليفة الغرب وجُل رجال دولتها من الشرق، إنها الدولة التي ترسم سياسات أميركا والغرب الخارجية وتتحكم بسياساتهم الداخلية، إنها دولة الكيان الصهيوني المسخ».

وفي القراءة الرابعة لها: « الثورة السورية وسقوط القناع العالمي – 16/3/2012 » قالت اللجنة السياسية للحركة أن محور السياسات الدولية والإقليمية والنظام الطائفي في سوريا هو « أمن الكيان الصهيوني». وفي السياق تساءلت القراءة: « أين يقع أمْن الكيان الصهيوني على الخارطة الآن بعد عام على انطلاق الثورة في سورية ؟ هل بمساندة النظام النصيري أم بإسقاطه؟ هل بضرب إيران وإضعافها أم بتركها للاستفادة من قوتها ضد أهل السنة الطرف المخيف؟ وإذا كانت الثورة السورية تهدد وجود الصهاينة وأمنهم فلماذا تقمعها إيران ولا تستفيد منها وهي التي تتبجح على الملأ بنيتها إزالة الكيان؟ » وتحدثت في ثلاثة محاور عن: « استعدادات الدول وموقعها من الحرب و سياسة النظام النصيري (الدمية) وحلفاؤه و سياسة الحرب عند القوى العظمى».

وقبل أن تختم وجهت نداء لمن أسمتهم بـ « إخوة العقيدة ورفقة السلاح»، قالت فيه إن: « الجميع قد عرف موقعه من هذه الحرب وقد آن الأوان لنعرف موقعنا منها، فنحن يجب أن لا نبقى أداة غير مباشرة يتذرعون بنا لاستكمال مخططاتهم، بل علينا أن نتوحد لنصبح طرفاً لنا تواجدنا المؤثر وخطتنا الاستراتيجية ومنهجنا الواضح لأننا في هذه الحرب لن نواجه عدواً واحداً بل أعداءً وخصوماً، والحاضنة الآن متوفرة على عكس الماضي».

لكن في الختام ردت على تساؤل مفترض عن دور « فتح الإسلام» الذي بدا إعلاميا أكثر منه عسكريا، فقالت بـ: « أن إخواننا متواجدون مع صفوف الشعب ونحن لا نعلن عن شيءٍ لاعتباراتٍ لا مجال لذكرها هنا, ولأن تجربة البارد علمتنا التعاون على قضاء حاجاتنا بالسر والكتمان إلى أن تحين اللحظة المناسبة التي سنقوم فيها بالإعلان عن ما يسر ويشفي صدور قوم مؤمنين».
وفي آخر قراءاتها الصادرة بعنوان: « الثورة السورية وحل اللاحل – 5/6/2012» رأت فيه أن الغرب هيأ الساحة لحرب طائفية قادمة لا محالة، كي يمرر مشروع التقسيم، تحت غطاء الفصل بين المتحاربين وحماية الأقليات. لكنها تقول أن: « الوقت انتهى والمراد حصل، فالنظام يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقلوب الناس امتلأت حقداً، والحرب المسماة أهلية أو مذهبية أصبحت أمراً واقعاً لرسم الخارطة الجديدة للمنطقة ... وأرجل الرافضة في إيران والعراق ولبنان غاصت في مستنقع الدم السوري السني المسلم، ولا مفر من حقد أهل السنة على النصيرية، وهذا الغوص الذي غاصوه بأرجلهم سد الباب أمام القائلين إن نسبة الرافضة والنصيرية في سورية قليلة بالنسبة للسنة لأن الحديث الآن سيكون عن حرب أهلية في منطقة وليس في بلد». وبحسب القراءة إياها ثمة ثلاثة أطراف تتواجد على الساحة السورية الآن، هي:

(1) « النظام ومن يواليه الذين يشنون حربهم على الثورة متذرعين بوجود الإخوة المجاهدين.

(2) المنشقون عن النظام وينقسمون إلى قسمين: الأول هو المجلس المسمى بالوطني مع من رهن له نفسه من الجيش المرتهن، وهذا القسم حمل على عاتقه مقاتلة الإخوة المجاهدين بعد سقوط النظام. وإن شئتم اقرؤوا تصريحات بعض ضباط الجيش المرتهن ضد إخواننا الذين يجاهدون النظام على الأرض، والقسم الثاني الذي لا يزال يعتبر نفسه حراً ولم يرهن نفسه لأحد .

(3) وهو الأهم بالنسبة لنا، هم أهل الثغور، الطائفة المنصورة، هم المجاهدون الكرارون بإذن الله، هؤلاء الذين دعمهم الناس لما رؤوا من صدقهم وإخلاصهم، وهذا الطرف عندما يتخلص من هذا النظام الساقط لا محالة، سيبدأ فيما بعد حربه الطويلة ضد قوى الغطرسة الطامعة في البلاد».
بالمقارنة؛ فإن ما قدمته « فتح الإسلام» من رؤية سياسية للصراع في سوريا، مع التشديد على الرؤية العقدية التقليدية، لجماعات « الجهاد العالمي»، يبدو أغزر وأكثر عمقا مما قدمته « كتائب عبد الله عزام» التي بدت بياناتها وكأنها تنأى بنفسها عن الصراع الدولي، على الأقل ابتداء من مرحلة الثورات العربية. هذا الخط السياسي - العقدي قد لا يبدو واضحا لدى الكثير من الجماعات الناشئة في سوريا والتي يصعب حصرها، مثلما يصعب تتبع عقائدها مثل جماعة « أنصار الشام - رايات التوحيد و كتيبة الأنصار» في حمص أو « أنصار السنة» في اللاذقية. لكنه شديد الوضوح لدى « جيش الصحابة»، الذي ينتشر في الشمال السوري.

جيش الصحابة

فقد ظهر « جيش الصحابة في بلاد الشام» وفق أول بيان صادر له في 14/10/2011، وكانت له صفحة إعلامية متواضعة على موقع التواصل الاجتماعي « فيس بوك قبل أن تختفي نهائيا، إلا أنها تميزت، في حينه، عن غيرها من صفحات الثورة والجماعات والقوى الإعلامية، بصراحتها في قراءة الصراع، وإيرادها لأخبار أمنية وعسكرية، رفضت غرف الدردشة وصفحات الثورة ووسائل الإعلام نشرها في حينه، خاصة لما كان الخطاب الإعلامي للثورة يتجنب أي ذكر لطائفية النظام. لذا لم يكن الجيش ليتغاضى عما اعتبره: « انتقائية وسطحية لوقائع الثورة، بل غرور غير مبرر ولا مسؤولية تجاه الكثير من القائمين على إعلام الثورة».

وعلى قلة أدبيات الجيش إلا أن قراءاته الأمنية والعسكرية جاءت أعمق شأنا من بيانه الأول الذي تحدث فيه عن جرائم الأب والابن في النظام السوري، والذي حدد فيه موقفه من دعوات التدخل الدولي ومشروعية قتال النظام بالقول: « نربأ بأنفسنا عن .. الدعوات التي علت مطالبة باستقدام قواتٍ أجنبية لإسقاط نظام الأسد، فلسنا نحن من ينخدع بالغرب وبكذبهم، فهم من دعم النظام سابقا، وهم من تعاون معه، وهم من قتل الأبرياء في العراق، وهم من يدعم كيان يهودٍ المغتصب، فإننا نبرأ إلى الله من هذه الدعوات ومن كل من يقول بها، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم، أما قتالنا نحن فهو في سبيل الله وحده، ثم لتخليص الأمة من شرور هذا النظام المفسد، ... إن إخوانكم كانوا قد أعدوا العدة لقتال هذا النظام قبل سنين من اندلاع الاحتجاجات ضده، لكن أمر الله جل في علاه كان، وعلى إثر هذه الجرائم المتكررة التي يقوم بها النظام ضد أهلنا جاء هذا الإعلان عن تأسيس الجيش والله الموفق وعليه نتوكل وبه نستعين».

أما قراءته المميزة فجاءت بعنوان: « الثورة السورية … سلسلة الأخطاء والبُعد الغائب! 7 جمادى الثانية1433 هجرية = 29/4/2012»، وفيها (1) عرْض مستفيض لاستراتيجيات النظام، العسكرية والأمنية والاقتصادية، في التعامل مع الثورة السورية، و (2) نقد لما اعتبره أخطاء فادحة في الأداء العسكري والأمني لـ « الجيش الحر، و (3) تحذير من الاغترار بالقوة على خلفية السيطرة على الأرض مع عدم القدرة على الاحتفاظ بها، مقابل (4) وجوب الانتباه للتفوق الخطير للجيش الحكومي على الأرض.

أما في قراءته الثانية « الثورة السورية … الماحقة .. والحل المفقود ! 27 جمادى الثانية - 1433 هجرية = 19/5/2012»، فقد جاءت تقييما لواقع الثورة بعد مرور عام ونصف على اندلاعها. وفيها تشخيص لمكانة الثورة السورية محليا وإقليميا ودوليا. فالعدو هو: (1) النظام النصيري وأدواته، و (2) إيران الرافضية وأذرعها في العالم الإسلامي، و (3) روسيا ومصالحها. وتبعا لذلك فإن: « حل الثورة السورية ليست من الداخل السوري فقط، وهذه قاعدة (نؤكد) عليها، فواقع الساحة والصراع هنا يختلف كثيرا، ويحتاج إلى تأمل وعمق نظر، ولا يصلح أن يُنظر لهذه الثورة على أنها مشابهة في المعطيات لغيرها، وأن استنساخ التجارب من الثورات العربية أمر ممكن» .. هذه: « الثورة الماحقة لأذرع الروافض ونفوذهم ودولة النصيرية وإجرامهم وإمبراطورية إيران ومكرها» ترى في « الحل المفقود» ضرورة العمل على ثلاث جبهات في ذات الوقت، وهي جبهة:

(1) « الداخل السوري»، عبر « معركة استنزاف ضخمة وطويلة لقوة النظام الأمنية والعسكرية»، وكذلك « استهداف كل ما هو نصيري»، بما يتيح نشوء منطقة عازلة، بفعل الضغط العسكري والأمني، بعيدا عن أي تدخل لحلف « الناتو»؛

(2) و « ضرب المصالح الإيرانية في كل مكان، والتعامل مع الروافض كطائفة محاربة أينما كانت، باعتبارها: الخطر المحدق ببلاد المسلمين، والسم المدسوس بينا، والبذرة الخبيثة التي بدأت تؤتي أكلها»؛

(3) وأخيرا « استهداف المصالح الروسية»، لكي تعلم روسيا: « بأن دعمها للأسد لن يمر هكذا، وأن المواطن الروسي أصبح كالمواطن الأمريكي بعد الثورة السورية، مستهدفا من قبل المجاهدين أينما ارتحل».

وفي الختام رأت القراءة بأن: « العازم على قتال قوات الأسد على الأرض وحدها دون النظر لجذر المشكلة وحلها، ودون استئصال الورم الخبيث، وقطع الأيادي الرافضية التي تمده بالرجال والمال وما يلزم، فلن يكسب إلا ضياع الوقت والمجهود، وحتى لا ننصدم: فالثوات قد تنجح وقد تفشل، بسبب عدم الأخذ بالأسباب حق الأخذ».

لا ريب أن القراءات السياسية التي قدمتها « فتح الإسلام» وكذا القراءات الأمنية والعسكرية التي قدمها « جيش الصحابة» مدهشة بحق، لما تميزت به من عمق وخبرة ودراية بأحوال الأمة والصراعات الطاحنة التي تجري أعظم وقائعها اليوم في بلاد الشام. لكنها قراءات تكتمت على النشاط العسكري والأمني لكلا الجماعتين، بخلاف « كتائب أحرار الشام » التي أعلنت عن عشرات العمليات المسلحة ضد النظام الطائفي وميليشياته وآلياته ومؤسساته، بينما تأخرت نوعا ما في بيان هويتها وقراءاتها لحقائق الصراع.

يتبع __
  #18  
قديم 14-06-2012, 06:10 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي



كتائب أحرار الشام


على موقع التواصل الاجتماعي « فيس بوك»، حيث موقع « كتائب أحرار الشام»، يرد التاريخ 15/3/2011 للدلالة على « البداية». وفيه كلمة ظهرت كتسجيل مصور، أصدره المكتب الإعلامي في 4/6/2012 بعنوان: هل أتاك حديث الكتائب». لكن قبل هذا التاريخ ظهر أول تسجيل صوتي في 21/4/2012 بعنوان: « بشائر لأهل الشام في ثورة الشام». وهي بلا شك كلمة رزينة، مضمونا وأداء، حيث أصلت فيها الكتائب لحقيقة الصراع في الشام. وفي الجوهر لا تختلف قراءتها العقدية والسياسية لحال الأمة عن قراءة الجماعات الجهادية الأخرى.

في بداية الكلمة تستعرض « الكتائب» حال تسلط النظم العربية على الأمة، لاسيما تسلط النظام الطائفي الذي أفسد الدين والبلاد والعباد: « فلا تجد من أهل هذا البلد الطيب إلا متنفعا يعيش تحت وطأة المال الحرام أو حرا يرزح تحت وطأة الأغلال والسلاسل والقيود أو فارا بدينه وكرامته تاركا وراءه بيته وأهله وشوارع بلدته وأزقتها وهواءها ليموت في الغربة والمنفى مبتلى في طاعون القهر». لكن أجرأ ما ورد في الكلمة هو الموقف من العلماء، إذ، بحسب التسجيل، فإن: أسوأ ما ابتلي به هذا الشعب العظيم، أن أخرج له الطواغيت من ثنايا خبثهم، وأعطاف شرهم، مشايخ ترأسوا للدين، وتصدروا فيه للفتيا على غير هدى، فلووا أعناق النصوص، لتناسب شهوات أسيادهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ليليق بمشيئة معبوديهم من المتجبرين المتكبرين، فعطلوا حدود الله، وأهملوا شريعته، وأقعدوا الناس عن الآخرة، واستفزوهم لأمر الدنيا، وأمروا بترك الجهاد في سبيل الله، لأنه في زعمهم إرهاب، وحضوا على البعد عن السنن، لأنها في تلبيسهم تخلف ورجعية، فكانوا بحق رؤوسا جهالا، أفتوا على غير النهج، وقالوا بما لم يقله الله ورسوله، فضلوا وأضلوا».

وفيما بدا منها محاولة استباقية لتجاوز أية طعون شرعية من الداخل أو الخارج، فيما هي عازمة على القيام به، لجأت « الكتائب» إلى مخاطبة: « أبناء أمة الإسلام في كل بقاع الأرض، وفي سوريا خاصة» بالقول: « إن جهادنا هذا العدو لهو من أعظم الجهاد، ويأتي في أصعب المراحل التاريخية وأكثرها دقة وسخونة، حيث شارف المشروع الصفوي القذر على وضع خطوطه العريضة في أرض الشام، وقد بدأ نظام الأسد فعلا بنشر فكر التشيع عبر وسائل متعددة الأشكال، وإنْ كانت قذارة المضمون واحدة. فمنذ أن قامت الثورة الخمينية في إيران كان من أول وأهم مبادئها تصدير الثورة: أي نشر التشيع في العالم السني المحيط بها كخطوة لنشر التشيع وهدم الدين في العالم قاطبة، مستخدمة كل وسيلة لبناء الهلال الشيعي الذي يصل إيران بالعراق وسوريا بلبنان وفلسطين. هذا الهلال الذي لو تم لكان أكبر خدمة للصهاينة على أرض فلسطين، إذ يعرف عن الرافضة أنهم لا يقاتلون عدوا بل يوجهون حرابهم وسيوفهم ضد المسلمين من أهل السنة والجماعة».

وفي 8/5/2012 أصدرت إحدى كتائبها المسماة « كتيبة الشهباء» كلمتها الأسبوعية بعنوان: « رسالة الشهباء». وهي تسجيل صوتي وجهت فيه الكتيبة تسعة رسائل إلى: « (1) الشباب الثائر، و (2) العالم الغربي المتآمر، و (3) علمائنا وعلماء بلاد الشام وعلماء العالم الإسلامي عامة، و (4) أهلنا من الأغنياء، و (5) عصابات الأسد وميليشياته وشبيحته وزبانيته، و (6) إخواننا من الشباب الثائر والأبطال المجاهدين، و (7) إخواننا من الأسرى الصامدين، و (8) أمهاتنا .. أمهات الشهداء وزوجاتهم وأبنائهم، و (9) أهل حلب الأبية».

وفي الرسائل التسع؛ ثمة ثوابت للتذكير، ومطالب للعمل، وتوجيهات للالتزام، لكل فئة من الفئات المستهدفة. لكن أميز الرسائل كانت تلك التي ذكَّرت الغرب بخذلانه للسوريين، وصمته على مجزرة حماة سنة 1982، فكانت الرسالة بقسمٍ قاطع: « والله ما رأينا منكم ولا عهدنا عليكم إلا التآمر والخيانة. فما زال يوم مجزرة حماة ومجازر الثمانينات ماثلة في أذهاننا ولن ننسى يومها خذلانكم وسكوتكم وتآمركم»، وكذا الرسالة التي خاطبت العلماء بصريح القول: « ما هكذا كان علماء بلاد الشام سابقا .. اتقوا الله .. قوموا إلى جنة عرضها السماء والأرض .. قولوا كلمة الحق في وجه هذا الطاغية .. أشعلوا النار من تحت هذا النظام الأسن .. قودوا شعب سوريا إلى الجهاد في سبيل الله .. كونوا قدوة لهذا الشعب الثائر .. قودوه إلى ساحات الحرية .. أصدروا الفتاوى وانشروا المنشورات .. وحرضوا أبناءنا على الجهاد والاستشهاد».

أما الرسالة الموجهة لمدينة حلب في حينه، حيث موطن الكتيبة، فقد بدا العتاب فيها واضحا: « إن أخشى ما نخشاه عليكم أن يستبدل الله بكم قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم . نقول: ما هكذا عودتم أقرانكم ... يا أهل حلب: النخوة النخوة .. الشدة الشدة .. والشهادة الشهادة .. ثوروا في وجه هذا الخائن الجبان .. اضربوا فئران الأسد في كل مكان .. أحرقوا الأرض من تحتهم .. اقعدوا للخونة كل مرصد .. ونعد أزلام النظام وأعوانه بأن كتيبة الشهباء التابعة لكتائب أحرار الشام ستكون نارا تلظى على أمن وجيش الأسد اللعين .. سنجعلها بركانا على شبيحة النظام الفاسد .. سترون من سرية أبي بكر الصديق والصارم البتار والعز بن عبد السلام ما تشيب منه الولدان».

في 4/6/2012 كان المتابعون للشأن السوري على موعد مع هوية « الكتائب» عبر التسجيل المرئي لها بعنوان: « هل أتاك حديث الكتائب». ولسنا ندري إذا كان « حديث الكتائب» عن نفسها سيرد لاحقا في سلسلة حلقات، كما كان حال السلسلة الشهيرة لأبي مصعب الزرقاوي، والتي تحدث فيها عن الرافضة في العراق، وجاءت بعنوان: « هل أتاك حديث الرافضة؟»، لكن النص أو التسجيل بدا كافيا للاطلاع على مبرر وجود « الكتائب» وقراءتها للصراع، أو لمعرفة منهجها وعقيدتها أو
مواقفها من أطراف الصراع وعلاقتها بقوى الثورة.

فقد بدت « الكتائب» منذ اللحظة الأولى على النقيض من القوى السياسية والشعبية التي كانت تنادي بـ « « سلمية الثورة»، فـ: « مُنذُ أنْ هَبَّ أهلُنا في شام ِالعزَّةِ يَنْشُدونَ خَلاصَهم ... عَلِمنا مُنذُ البدايةِ أنَّ الأمْرَ لن ينْقَضِيَ بمَسِيرات احتجاج أو اعتصاماتٍ في ميادينَ أو ساحاتٍ عامة ٍعلى أهمِّيِتِها، فقد بَلَوْنا هذا النِّظام َالطائفيَّ المعتديَ على الأمَّةِ ومُقَدَّراتِها, وخَبِرْنا جبروتَه وبطشَه بطُلابِ العزَّةِ والكرامةِ، وشَهِدْنا إصْرارَهُ على العُدوانِ وإزهاقِ الأَرواحِ»، لهذا: « (1) كانت كتائبُ أحرَارِ الشَّامِ, أُولى الكتائبِ المنظَّمةِ وُجوداً و (2) هيَ كتائبُ ومَجاميعُ مؤمنةٌ, (3) علنيةُ الوجودِ، (4) أَطَّرَ الإسْلامُ عَمَلَها، مُسْتقلَّةٌ, و (5) ليستِ امْتِداداً لأيِّ تنظيمٍ أو حِزْبٍ أو جماعَةٍ، (6) تُقَاتِلُ في سبيلِ اللهِ (7) تَذُودُ عن حِياضِ الدِّينِ و (8) تَذُبُّ عنِ المُسْتَضْعَفِينَ ... ».

إذن؛ « الكتائب» سياسيا: « تهدُفُ الكتائبُ لإسقاطِ هذهِ العصابةِ المجرمةِ وتقويضِ أركانِها, وتسعى لرِفعة ِالأُمَّةِ والأَخذِ بأيديْ أبنائِها لجادَّةِ الخيرِ والعملِ على إرساءِ نظامِ حُكْمٍ إسلاميٍّ عادلٍ راشدٍ بوسائلَ مشروعةٍ وبرؤيةٍ استراتيجيةٍ تأخذُ بعينِ الاعتبارِ واقعَ أهلِنا في سوريَّةَ بعدَ عُقودٍ من ممارساتِ نظامِ البعثِ ومحاولاتِهِ الدَّؤوبةِ لحرفِ مَنهَجِ التَّفكيرِ لدى العامَّةِ من أبناءِ شعبِنا».
وفي « الاعتقادِ والأحكام»، هي متبعة لـ: « كتابِ اللهِ وصحيحِ سنَّةِ نبيِّهِ معَ تقديمِ فهمِ سلفِ الأمَّةِ الصَّالحِ فيما لم يكنْ حادثاً». وعليه فإن: « كلُّ محظورٍ في الشَّرع ِفهو متروكٌ عندَنا, وما كانَ جائزاً فهو يدورُ بينَ الفعلِ والتَّركِ بناءً على مُوازنةِ المصالحِ والمفاسدِ وضوابطِ السِّياسةِ الشَّرعيةِ».
وفي علاقتها بعموم القوى والشرائح الاجتماعية والسياسية والأقليات والإثنيات: « تُسالمُ كلَّ مَنْ سالمَ أهلَنا. ولكنْ مَنْ أعانَ النِّظامَ في حربِهِ على شعبِنا المُصابرِ, أو سعى لإخمادِ ثورتِهِ المباركةِ فهو هدفٌ مشروعٌ. وعلى هذا فإننا لسْنَا بصددِ التصادمِ والاقتتالِ مع المخالفينَ بناءً على خلفيةِ الفكرِ والاعتقادِ, وإنَّما على دورِهم في العدوانِ الحاصلِ. فالشَّبيحةُ والجنودُ وعناصرُ الاستخباراتِ أهدافٌ مشروعةٌ من أَيَّ طائفةٍ كانوا أو لأيِّ عِرقٍ ينتمونَ ».

أما عن علاقتها بعموم القوى المقاتلة في الثورة فتقول: « نَنظرُ لإخوانِنا تحتَ المُسمَّياتِ الأُخرى بأنَّهُم في سَعَةٍ منْ أمرِهِم ما دامَتِ الغاياتُ مشروعةً»، لكن دون أن تقطع حبل الوصل والتنسيق مع أحد منها: « اعتقادِنا بأنَّ أصحابَ المشروعِ الواحدِ يجبُ أنْ تتضافرَ جهودُهُم و تتعاضدَ». ولعل هذه الفقرة كانت المدخل للإعلان عن تشكيل« جبهة ثوار سوريا في 4/6/2012» في مدينة اسطنبول التركية. ولم يكد يمض يوم على تشكيل « الائتلاف الجديد» حتى أعلنت « الكتائب» عن تعليق عضويتها فيه.

ففي « حديث الكتائب» وردت جملة مهمة في بيان هويتها تقول بأن:« الكتائب: ليستِ امْتِداداً لأيِّ تنظيمٍ أو حِزْبٍ أو جماعَةٍ». وفي التدقيق ظهرت هذه « الجملة» وكأنها السبب الرئيس لبيان تعليق العضوية، الرافض لـ: « أن يجيّر هذا الأمر ( جبهة ثوار سوريا) لنكون ذراعًا عسكرية لواجهة سياسية متمثلة بالمجلس الوطني». لكن هناك أسباب أخرى تمس منهج وعقيدة « الكتائب»، وما تم الاتفاق عليه في الميثاق التأسيسي، أوردها البيان في النقاط الأربعة التالية:

(1) « الشريعة الإسلامية الغراء هي مرجعيتنا المعتمدة في أمورنا كلها وكل ما يصادمها أو لا يكون منضبطاً بها فهو مرفوض ابتداءً.

(2) نحن أقدمنا على تشكيل الجبهة بوصفها ائتلافاً ثورياً جهادياً متكوناً من فصائل مستقلة ولسنا تمثيلاً عسكريًا لأي كيان قائم.

(3) المجلس الوطني يضم أفاضل نحترمهم وآخرين نعلم يقيناً بأن جهودهم منصبة على عرقلة جهاد الشعب لنيل حقوقه. وعلى هذا فإننا ليس لنا أية علاقة ارتباط مع المجلس الوطني أو غيره من الكيانات السياسية والعسكرية .

(4) تعليق عضويتنا في الجبهة حتى يتم الرجوع عما ذكر رسمياً ويجري تبني الميثاق الذي توافقنا عليه مع الأخوة الآخرين».

وحتى الآن لم يتوفر لدينا أية نصوص أو تسجيلات أو وثائق عن محتوى الميثاق ولا عن القوى المعنية بالائتلاف الجديد المسمى بـ « جبهة ثوار سوريا». كما لا تتوفر حتى كتابة هذا النص أية تعقيبات جديدة من « الكتائب» أو من الجهات المعنية ذات الصلة.

جبهة نصرة أهل الشام


في 22/5/2012 صدر الجزء الأول من تسجيل مرئي طويل وبالغ الإثارة، بعنوان: « صدق الوعد». ولدى معاينة التسجيل ظهرت مجموعات محترفة وضاربة، تنشط عسكريا وأمنيا ضد النظام الطائفي في سوريا، بحيث لم تفلت من ضرباتها الثكنات العسكرية ومقرات الأمن والحزب والآليات العسكرية والأمنية والأفراد والحواجز وغيرها. كما أظهر الإصدار نشاط إغاثي للنازحين من المدنيين وذوي الحاجة، ونشاط آخر يتمثل باشتباكات مع قوى النظام ومليشياته في المدن والأحياء، ونشاط ملفت للانتباه يتمثل بانتشار المقاتلين بين الناس، متحدثين إليهم وهم راجلين أو راكبين آلياتهم، في أوسع الطرقات وأكثرها كثافة سكانية وحركة مرورية.

هؤلاء الذين ظهروا في التسجيل، من المفترض أن يكونوا أشد الناس تواريا عن الأنظار، لكنهم كانوا أكثر جرأة والتصاقا في الناس والساحات العامة من أية جماعة جهادية أخرى .. هؤلاء هم مقاتلو « جبهة النصرة» .. إحدى أشد الجماعات ضراوة في ساحات القتال.

جاء الإعلان عن ميلاد الجبهة في تسجيل مرئي بعنوان: « شام الجهاد»، والذي صدر في 24/1/2012، عن مؤسسة « المنارة البيضاء»، التابعة لها. أما « المسؤول العام للجبهة» فهو المكنى بـ « الفاتح أبو محمد الجولاني». ولدى معاينة التسجيل لم يظهر ذاك الحرص الكبير على بيان عقيدة الجبهة أو منهجها كما هو مألوف عادة حين ظهور جماعات جهادية جديدة. ولعل صدور التسجيل على متن « شبكة الشموخ الجهادية»، قبل غيرها من الشبكات، كان كافيا إلى حد ما لتزكية الجبهة. ومع ذلك فلم تحد كلمة الجولاني في قراءتها للصراع عن إجمالي قراءات الجماعات الجهادية السابقة عليها أو اللاحقة، خاصة فيما يتعلق بالمشروع « الصفوي». لكنها كانت أكثر وضوحا في الغاية من ظهورها، أو في الموقف من دعوات التدخل الدولي. فالجبهة ما ظهرت إلا: « سعياً منّا لإعادة سلطانِ اللهِ إلى أرضِه».

لا ريب أنه « سعي» يترتب عليه رفض الدعوات المنادية بالاستعانة: « بالعدو الغربيّ للخلاص من العدو البعثيّ، فهي دعوة شاذة ضالة وجريمة كُبرى ومُصيبة عُظمى لا يغفِرُها الله ولن يرحم أصحابَها التاريخُ أبدَ الدهر»، بما في ذلك التعويل على أية قوة شريكة له كتركيا والجامعة العربية. إذ: « لا عِبرة بالتغيير إن كانَ التغييرُ من الظلمِ إلى الظلمِ ومن السحت إلى السحت، فهذا هو عينُ الفساد مع اختلاف ألوانه»، وعليه: « فحذارِ أن تُخدَعُ الأمةُ خمسين سنة أخرى»، أما: « النجاةُ من كلِّ هذهِ المعامع أن ترجِعَ الأمةُ لأصلِها وتضعَ الثقةَ بمن هُم أهلٌ للثقة». ومن المؤكد أن « أهل الثقة» لن يكونوا سوى: « أبناء الأمةِ، وأخصُ منهم أهلَ الجهاد ... الوحيدون القادرون على التغيير الحق».
ولما يكون على أهل الشام أن يدركوا: « أنَّ هذا النظام لا يزولُ إلا بقوةِ اللهِ ثمَّ بقوةِ السلاح»، فإن: « جبهةَ النصرةِ تحملُ على عاتقها أن تكونَ سلاحَ هذهِ الأمةِ في هذهِ الأرض وتغني الناسَ بعدَ اللهِ عزَّ وجل عن استنصار الغُرباءِ القتلة».

ولعل أطرف ما في التسجيل يتعلق بالتسمية المعتمدة للجماعة. إذ أن صيغة « الجبهة» تبدو أقرب ما تكون إلى الائتلاف من صيغة الجماعة أو الحركة أو الحزب أو التنظيم. وقد لاحظنا في التسجيل سلسلة من المجموعات العسكرية المتواجدة في عديد المدن السورية تعلن مبايعتها للجبهة وقائدها الذي اتخذ لقب « المسؤول العام» وليس « الأمير». وهي بهذه الصيغة تعني أنها إطار لاستيعاب القوى الجهادية التي تنتشر على إجمالي الساحة السورية، سواء من الأفراد أو الجماعات.

لم تكد الجبهة تعلن عن نفسها حتى أصدرت مؤسسة السحاب في 12/2/2012 تسجيلها المرئي للدكتور أيمن الظواهري بعنوان: « إلى الأمام يا أسود الشام»، ولم تكد وسائل الإعلام تتناقل فحوى الخطاب حتى ثارت ثائرة القوى السياسية والعلمانية والخصوم والمخالفين، لما اعتبروه دخولا مرفوضا من « القاعدة» على خط الثورة السورية، علما أنه لا علاقة جلية بين « القاعدة» و « الجبهة»، وبالتالي لا وجود على أي مؤشر لعلاقة بين الجبهة وخطاب الظواهري. ولا وجود، حتى اللحظة، لأي دليل رسمي أو قاطع على حضور « القاعدة» بصيغتها التنظيمية في الساحة السورية.
ومن المفارقات العجيبة في الأمر أنه في ذلك الحين كانت دعوات المطالبة بـ « الحماية الدولية» أو « التدخل الدولي» أو « الحظر الجوي» تملأ منابر الفضائيات في الوقت الذي كانت فيه القوى السياسية والإعلامية السورية ترفض مجرد الحديث عن « تسليح الثورة» أو « عسكرتها». وفي ذلك الحين أيضا لم تكن الجماعات الجهادية بالفاعلية التي هي عليها اليوم. وفي ذلك الحين أيضا لم تكن « جبهة النصرة» قد ظهرت إلا في المستوى الإعلامي.

لكن حتى ذلك الحين كان الحديث عن إعلان الجهاد وتقييم التجارب السابقة في أفغانستان والصومال والشيشان والجزائر وخاصة في العراق، فضلا عن مناقشة أفضل الوسائل والآليات والسياسات التي يجب اتباعها في الساحة السورية، والبيانات التي تصدر عن الجماعات الجهادية، تملأ الشبكات الجهادية والمنتديات الحوارية ومواقع التواصل الاجتماعي. وحتى الصحف والتصريحات الرسمية والتحليلات السياسية والأمنية، التي تتحدث عن احتمال تحول الساحة السورية إلى بيئة حاضنة لـ « القاعدة» وأخواتها، وجدت طريقها إلى كافة منابر الإعلام، بدء من واشنطن وأوروبا والناتو والجامعة العربية وانتهاء بالقوى الإسلامية التقليدية والشخصيات والأحزاب العلمانية واللبرالية. بل أن وسائل الإعلام تحدثت طويلا عن تدفق المتطوعين من العالمين العربي والإسلامي على سوريا للمشاركة في مجاهدة النظام السوري.

وأكثر من ذلك. فمنذ الأشهر الأولى للثورة؛ انتشرت أنباء تلك الحوارات والترتيبات التي جرت بين القوى الجهادية والمقاتلة في جبل الزاوية، والتي لم يغب عنها ضباط منشقون من « الجيش الحر» نفسه، الذي تتقاذف القوى الدولية والإقليمية ووسائل الإعلام قياداته، وتخضعها لاستنزاف سياسي يجعلها قابلة للاختراق في كل حين. ولا ريب أن أعين وأجهزة الأمن السورية والإقليمية والدولية لم تكن غائبة عما يجري في سوريا، أو عما ينتظر الساحة والمنطقة من صراعات مخيفة.
كل هذا كان بارزا وجليا. لكن لما قال الظواهري: « لا تعتمدوا على الغربِ ولا أمريكا ولا على حكوماتِ العربِ وتركيا، فأنتم أعلمُ بما يدبرون لكم، ... ولا تعتمدوا على الجامعةِ العربيةِ وحكوماتِها التابعةِ الفاسدةٍ، فإن فاقدَ الشيءِ لا يعطيه»، قامت الدنيا ولم تقعد.

أما لماذا قامت؟ فلأن القوى السياسية نأت بنفسها عن أي « تسليح الثورة» أو « عسكرتها»، نزولا منها عند رغبة « المركز»، الحريص على إبقاء المجتمع السوري والثورة مجردا من أية عناصر قوة. وبالتالي لم يقبل هؤلاء بقول الظواهري: « يا أسودَ الشامِ استحضروا نيةَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ لنصرةِ الإسلامِ والمستضعفين والمعذبين والأسرى، وللأخذِ بثأرِ شهداءِ المسلمين. استحضروا نيةَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ لإقامةِ دولةٍ تدافعُ عن ديارِ المسلمين، وتسعى لتحريرِ الجولانِ، وتواصلُ جهادَها حتى ترفعَ راياتِ النصرِ فوق ربى القدسِ السليبةِ.

أما لماذا لم تقعد؟ فلأن بعض الخصوم أو المخالفين رؤوا في خطاب الظواهري استحضارا لتجارب سابقة أو راهنة لا تمثل بالنسبة لهم النموذج المثالي الذي يؤمنون به، شرعيا وسياسيا، بقدر ما تبدو توريطا لا طاقة لهم بتحمل تبعاتها. إذ أن توسيع المواجهة مع النظام ستعني الدخول في حرب إقليمية لا مبرر لها إلا إعاقة فرص التخلص منه!!! على الرغم من أن النظام نفسه، وبالصيغة الطائفية الفجة، لم يتوقف لحظة عن تهديد المنطقة والنظام الدولي برمته إذا ما تعرض ملكه لخطر الزوال، وعلى الرغم أن « المركز» نفسه لا تعنيه مطالب المعارضة وأهواءها بشيء إلا بقدر تبعيتها الدائمة له، وانصياعها لسياساته المدمرة، وحاجته إليها عند اللزوم.

الطريف في الأمر أن « جبهة النصرة» ظهرت بعد شهر تقريبا من خطاب الظواهري. لكن الموقف منها كان واحدا: الإدانة والتشكيك والتشويه، رغم أنها جماعة لا تختلف، في منهجها واعتقادها، عن « كتائب عبد الله عزام» أو « فتح الإسلام» أو « جيش الصحابة» أو حتى« كتائب أحرار الشام» و « أنصار الشام رايات التوحيد - كتيبة الأنصار» و « أنصار السنة» و « قبائل دير الزور» التي كانت أول من دعا في الاجتماع العشائري الشهير إلى إعلان الجهاد، فضلا عن عشرات الكتائب الجهادية الأخرى.

أما الحرب الشعواء على « جبهة النصرة» فقد انطلقت بعد إصدارها الثاني الذي جاء بعد أسبوعين من إصدارها الأول، وحمل عنوان: « غزوة الثأر لحرائر الشام 26/2/2012». وفي الإصدار تبنت الجبهة بأثر رجعي عمليات مدينة حلب التي استهدفت فيها تدمير مقري الأمن العسكري وحفظ النّظام في 10/2/2012. وبطبيعة الحال لم تكن الاعتراضات وحملات التشكيك والإدانة

والاتهامات لتتعلق بأسلوب العمليات المتبعة، فالكثير من القوى المسلحة استهدفت مقرات الأمن وحزب البعث ومباني المخابرات الجوية ومؤسسات النظام وغيرها، ولم يعترض أحد عليها. وينسحب مثل هذا الموقف على كتائب منضوية تحت مسمى « الجيش الحر» الذي يقدم نفسه، إعلاميا، حاميا للسكان وليس مهاجما للنظام. لكن الاعتراض بالنسبة للخصوم والمخالفين يتعلق بالدرجة الأساس بدخول الجبهة نفسها على خط الثورة المسلحة في سوريا، محملة بالفكر الجهادي العالمي، علما أن لا أحد له سلطة مركزية أو وصاية شرعية على القوى المسلحة أو الحق بالثناء على هذه الجهة وإدانة تلك.
مع ذلك تظل « المخالفة» موضع اجتهاد كما قال الشيخ حسين بن محمود، أحد مشايخ الجهاد، في حين أن المشكلة التي تواجهها « جبهة النصرة » تتعلق بالقوى الخصيمة والمعادية التي تصر على إسقاطها شعبيا. وفي هذا السياق انصبت الإدانات الشديدة عليها إثر التفجير المزدوج في حي « القزاز» الذي استهدف فرع فلسطين في المخابرات السورية يوم 9/5/2012، وأدى إلى مقتل 55 شخصا وإصابة 372 بجراح. وبدا أن هناك تربصا مقصودا لغايته. فبعد التفجير نشرت جهة ما تسجيلا على موقع « اليوتيوب» باسم « جبهة النصرة » تعلن فيه تبنيها للتفجير، وعلى الفور سارعت وكالة « رويترز» للأنباء بنقل محتوى التسجيل، وبثته باعتباره بيانا رسميا!!! ومن بعدها طارت به وسائل الإعلام والصحف الأمريكية والأوروبية، كما لو أنه الفريسة المنتظرة، رغم أن بيان « اليوتيوب» حمل رقم (4) في حين أن آخر بيان صدر عن الجبهة كان حتى ذلك الوقت يحمل الرقم (7)!!! ورغم أن بيانات الجبهة تصدر عن مؤسستها « المنارة البيضاء» مكتوبة لا مرئية. لكن الأعجب أنه رغم صدور البيان الثامن عن الجبهة في 13/5/2012، والذي نفت فيه مسؤوليتها عن التفجير إلا أن بان كيمون، الأمين العام للأمم المتحدة، أعرب في 18/5/2012 « عن اعتقاده بأن تنظيم القاعدة مسؤول عن التفجيرات التي نفذت بسيارات ملغومة» .. هذه «السيارات » تقول بعض مصادر الثوار أنها ثلاث « سيارات » في الأصل، جرى إعدادها في مبنى الأمن بمنطقة جرمانة بدمشق، إلا أن إحداها انفجرت أثناء تفخيخها.

لا شك أن هذا السلوك الإعلامي والسياسي الدوليين هو سلوك فاضح وهو يتصيد المواقف، أو ربما يصنعها، كي يمرر بواسطتها سياساته المعادية، ليس فقط للجماعات الجهادية بل وحتى للثورة السورية. وهو أيضا نتاج أخطاء استراتيجية في الإعلام تمثلت في التأخر الشديد في التأكيد أو النفي دون مبرر منطقي.

أخيرا


لا شك أن هذه الخريطة للقوى المسلحة هي خريطة مبدئية لأبرز القوى المسلحة والفاعلة على الساحة السورية. ونعني بـ « الأبرز» تلك القوى التي تشكل عناوين كبرى تساعد على النظر في تطورات الثورة وأدائها العسكري لاحقا.

والعجيب أن الظاهر للعيان قد يوحي بانفلاش أمني، لاسيما إذا تعلق الأمر بالجماعات الجهادية. والصحيح أننا بقدر ما لاحظنا انفلاشا إعلاميا لا حدود له بقدر ما عانينا من التكتم الشديد الذي يميز الجماعات الجهادية، بصورة تحير كل باحث أو مراقب. فالغالبية الساحقة منها لا تمتلك حتى مواقع لها، اللهم إلا مواقع التواصل الاجتماعي مثل « فيس بوك» أو « تويتر».

لكن أعجب ما يمكن ملاحظته في الثورة السورية هو استحالة حصر القوى المسلحة التي تتكاثر كالفطر. ولا ندري على وجه الدقة سببا لمثل هذه الظاهرة التي تبعث على القلق. إذ أن تكاثر الولادات يوحي من جهة بفوضى عارمة، ومن جهة ثانية بتغول العامل الأمني للنظام، والذي دفع ببعض المجموعات الصغيرة إلى توخي الحذر الشديد من الاحتكاك بجماعات أخرى، ومن جهة ثالثة بتدخلات محلية وربما إقليمية في الثورة السورية، ناجمة عن الرغبة في مقاتلة النظام والتخلص منه. وتبعا لذلك تقوم بالإعلان عن جماعات أو جبهات أو تحقيق اختراقات في القائم منها أملا بدور ما في إسقاط النظام أو انتظارا لدور قادم.

المهم أن هذه الجماعات الكبرى، فيما عدا « الجيش الحر»، تبدو معنية باستجلاب الخبرات من الخارج. وقد بدت معالم التنسيق في هذا السياق واضحة في مشهدين لسيارة يجري التحكم فيها عن بعد، ظهرا في تسجيلين مختلفين أحدهما لـ « كتائب أحرار الشام» والآخر لـ « جبهة النصرة». وقد ظهر هذا النوع من السيارات في شريط سابق بثته جماعة « أنصار الإسلام» في العراق سنة 2011 بعنوان: « سلاح لا ينضب». كما تحدثت هذه القوى، عبر إصداراتها المرئية، عن استعمال واسع النطاق لعبوات ناسفة وأخرى لاصقة. وهذه أساليب الجماعات الجهادية في العراق. ولا ريب أن مثل هذا الأمر قد يبدو مبررا في ظل حرب طاحنة ضد نظام يحصل على السلاح ومصادر القوة من الدول الكبرى والإقليمية، في حين تتعرض الثورة لحصار خانق على السلاح. لكن الأهم أن الساحة السورية قد تلجأ، في ظل الحصار، إلى التصنيع العسكري، فضلا عن تغذية نفسها بنفسها عبر مخازن النظام والشبيحة وعناصر الجيش الحكومي.

يتبع في الحلقة القادمة ...

*****************************

مقالات السلسلة:

(1) الثورة السورية ومسارات التدويل: البيادق والعراب
(2) الثورة السورية ومسارات التدويل: لعبة الكبار
(3) الثورة السورية ومسارات التدويل: عذراء الجهاد
(4) الثورة السورية ومسارات التدويل: تسليح الثورة
(5) الثورة السورية ومسارات التدويل: مواجهة شرعية مع النظام



نشر بتاريخ 12-06-2012 [/size]
  #19  
قديم 16-06-2012, 03:16 PM
الصورة الرمزية غيمة عطر
غيمة عطر غيمة عطر غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: سوريا
الجنس :
المشاركات: 177
الدولة : Syria
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

قرأت و استمعت..
ومن الله فيك باركت..

عندما ترى أخاً من أمك و ابوك .. يقيم الصلاة و يأمر بالمعروف ..و لا ينهى عن المنكر ؟ .. بدفاعه عن هذا النظام الآثم ..
عندما تتحكم من كل واقعة لتبيان الحق ..
فتتأنى في الحكم ..كـ حادثة الحولة المفجعة.. بإنتظار اليقين ..
يتهمك أهلك أهل السنة بإنك مع النظام .. و أنك شيعي .. و يصرون ؟؟؟
عندما و عندما و عندما

في زماننا زهق الحق و ظهر الباطل
و خالفـْنا الله و نحن نشهد أن لا إله إلا هو
و تركنا أعداءنا و تخاصمنا فيما بيننا أشد الخصام ...
و علماؤنا .. في غفلة و تسييس ؟؟

لا حول و لا قوة إلا بالله
  #20  
قديم 11-07-2012, 11:38 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي


الثورة السورية ومسارات التدويل


(7)


جريمة « جنيف»!!!


د. أكرم حجازي

6/7/2012





لم يكن من هدف لخطة أنان الأولى، التي من المفترض أن تستمر لثلاثة أشهر تنتهي في 15/7/2012 إلا « إدارة للأزمة»، بما يعفي الغرب من المسؤولية اليومية المباشرة. إذ أن الغرب يعاني هو الآخر من أزمات اقتصادية ومالية خانقة تضرب صميم المنظومة الرأسمالية .. وهو بالتالي بحاجة إلى بعض « الراحة» كي يتفرغ لمواجهة مشكلاته الخاصة به، والتي تهدد سلامة النظام الاقتصادي الدولي وتنذر بانهيار الرأسمالية. أضف إلى ذلك أن « المركز» ( بشقيه الغربي والشرقي) كان مقدما على انتخابات برلمانية أو رئاسية أو بلدية كما هو الحال في اليونان وفرنسا وبعض مقاطعات ألمانيا. وهي الانتخابات التي أوقعت فزعا بأحزاب اليمين الأوروبي جراء تقدم قوى اليسار على خلفية السياسات الأوروبية في مواجهة أزمة الديون في منطقة اليورو.

هكذا اضطر « المركز» إلى إحالة الثورة السورية وما تحتاجه من متابعة يومية، إلى الأمم المتحدة لوضعها بجعبة كوفي أنان، الذي تخصص تاريخيا بالأزمات الدولية ذات الطابع الدموي، بدءً من مذابح رواندا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، والتي قتل فيها خلال أسبوعين نحو ثلاثة أرباع المليون من الجانبين، وانتهاء بمذابح كوسوفو مع منتصف تسعينات القرن. لكن « إدارة للأزمة» لا تعني أن « المركز» كان سيمانع لو أن أنان توصل إلى حل مع النظام، وهو الأمر الذي فشل مع الذهاب إلى جنيف مؤخرا. والسؤال: هل ثمة فرق بين خطة أنان الأولى والثانية؟ أو بمعنى آخر: ما الذي اجتمع عليه « المركز» في اجتماع جنيف؟ وما الذي يدبره للثورة السورية؟


عشية مؤتمر جنيف


في 29/6/2012 كتب روبرت فيسك، الصحفي البريطاني القريب من دوائر صنع القرار الغربي والخبير في شؤون « الشرق الأوسط»، مقالة في صحيفة « الاندبندنت» البريطانية بعنوان: « النفط أهم للغرب من القتل في سوريا». وفيها ينقل عن « مصدر ملم بخطط تتعلق بنقل السلطة من حزب البعث» قوله أن الأميركيين والروس والأوروبيين: « يسعون للتوصل معا إلى اتفاق يسمح للأسد بالبقاء زعيما لسوريا لما لا يقل عن سنتين أخريين، مقابل تنازلات سياسية لإيران والسعودية في كل من لبنان والعراق».

ولأن ما يعني « المركز» في المنطقة هو تأمين تدفق النفط إليه، ينقل « فيسك» عن المصدر أيضا قوله: « إن روسيا يمكن أن تغلق الحنفية على أوروبا متى شاءت، وهذا يعطيها قوة سياسية جبارة. ونحن نتحدث عن طريقي نفط أساسيين للغرب: واحد من قطر والسعودية عبر الأردن وسوريا والبحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وآخر من إيران عبر جنوب العراق الشيعي وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى أوروبا، وهذا هو المهم، ولهذا السبب سيكونون مستعدين لترك الأسد يمكث سنتين أخريين إذا لزم الأمر».

ويشير « فيسك» إلى ملاحظة هامة يقول فيها: « أن الدبلوماسيين الذين ما زالوا يناقشون هذه الخطط ينبغي أن يُعاملوا ببعض الريبة، فهذا أمر، أن تسمع الزعماء السياسيين يدينون بشدة النظام السوري على انتهاكه لحقوق الإنسان والمذابح، وذاك أمر آخر مختلف تماما عندما تدرك أن الدبلوماسيين الغربيين على أتم استعداد لتنحية هذا الأمر جانبا من أجل الصورة الأكبر التي هي كالعادة في الشرق الأوسط تعني إمدادات النفط والغاز. فهم مستعدون لتحمل وجود الأسد حتى نهاية الأزمة بدلا من الإصرار على أن رحيله هو بداية النهاية. ويبدو أن الأميركيين يقولون الشيء نفسه، والآن روسيا تعتقد بأن الاستقرار أهم من الأسد نفسه».

خطورة مقالة « فيسك» أنها سبقت مؤتمر جنيف الذي تسربت منه بعض الحقائق. فما حصل هناك لم يكن إلا إنعاش لخطة كوفي أنان الذي طالب بوضعها تحت هيمنة « الفصل السابع» الذي يتيح ضغطا دوليا مدعوما بالقوة الدبلوماسية والعسكرية الملزمة. وهو ما لم يحصل. إذن ما قيمة الخطة؟ الجواب لا شيء. فلماذا إذن تم تمريرها وسط تهديدات أمريكية « جوفاء» عن العودة إلى مجلس الأمن والتلويح بعصى « الفصل السابع» بعد عام!!!؟ هنا السؤال.


آليات الحل مع النظام


عشية (1) التحضير لاجتماع جنيف، و (2) في أجواء الخلاف الروسي الأمريكي حول حضور طهران والسعودية للمؤتمر ( وقد استبعد حضور الطرفان لاحقا)، حذر كوفي أنان القوى الدولية من خطورة الثورة السورية، مشيرا إلى: « الأخطار الكبيرة التي يمثلها الصراع على الوضع في المنطقة والعالم».

ولا ريب أن هذا التحذير من خطورة الوضع، الذي سبق وعبر عنه عشرات المسؤولين الغربيين في مناسبات عديدة، هو في الحقيقة جوهر أي تحرك دولي يخشى من انفجار النظام الإقليمي في المنطقة ومن ثم انفجار النظام الدولي ذاته. ولأن الثورة السورية ما زالت واقعة في مدى الاحتواء، أملا في الحفاظ على النظام الدولي واستقراره وأمنه، فإن أية حركة سياسية لا بد وأن تقع في ذات المدى ولا تخرج عنه قيد أنملة. وهذا يستدعي مبدئيا الإبقاء على السياسة الوحيدة المتبعة حتى اللحظة وهي التعامل مع الثورة السورية باعتبارها « أزمة» يتطلب وضعها، لخطورتها، تحت المراقبة الدائمة، عبر « إدارتها»، ريثما تنضج ظروف تساعد على « الحل مع النظام»!!! لكن هذه « الإدارة» تحتاج هذه المرة إلى جرعة زائدة في المدى الزمني تصل إلى العام!!!


1) فرصة العام: لمن؟


عام؟ نعم عام بلسان كوفي أنان، وإن لم تكن كافية فعامين بلسان « فيسك»!!! فبعد اجتماع جنيف (30/6/2012) قال أنان: « إن المشاركين حددوا المراحل والإجراءات الواجب اتخاذها للتطبيق الكامل لخطة النقاط الست وقراري مجلس الأمن 2042 و 2043 ، بما في ذلك الوقف الفوري للعنف بكل أشكاله». لكن ما تجاهله أنان في تصريحه هذا أثبته في مؤتمر صحفي لاحق حين قال: « إنه يأمل بأن يرى نتائج حقيقية للاتفاق خلال عام» ... « يأمل»!!! كما أنه يتحدث عن مجرد « نتائج حقيقية» وليس عن « حل»، فهل ثمة ضمانة من أي نوع لأية « نتائج»؟ وهل ثمة مصلحة للشعب السوري من كل هذا الوقت الطويل، إلا ما تحدث عنه « فيسك»؟ لنتابع تفاصيل الجريمة!!!

تقول صحيفة « كريستيانس ساينس مونيتور» الأمريكية في اليوم التالي لـ « إعلان جنيف» أن: « المجتمعون فضلوا نتائج هزيلة على إعلان فشل كامل»!!! ربما. لكن الحقيقة تؤكد أن الغرب اعتمد هذه المرة الأطروحة الروسية بالكامل في التعامل مع « الأزمة» السورية. ومن لم يصدق فليتأمل ما قالته كلينتون جيدا، والتي خلطت السم بالدسم!!! حين أكدت أن الخطة تعني رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما نفاه الروس،: « سيتعين عليه الرحيل ولن ينجح في اجتياز اختبار التوافق نظرا للدماء التي تلطخ يديه» .. وأضافت بأن روسيا والصين: « صدقّا على اتفاق توافق السوريين على حكومة انتقالية، وعليهما الآن العمل مع حليفهما على تحقيق الاتفاق الذي تبنياه»!!!!!!!!

هكذا! فرصة للروس والصينيين لـ « اختبار» و « تحقيق الاتفاق الذي تبنياه» !!!؟ فمن وضع الخطة يا ترى: كوفي أنان؟ أم الروس؟ ولصالح من وضعت الخطة إذا كانت مفرداتها صيغت بموجب المصالح وأمن النظام الإقليمي والدولي؟ وما هي وقائع وتداعيات هذا الـ « اختبار» على الأرض، وهو الذي سيتمتع بحماية دولية؟

لنرى ما تقوله الصحيفة الأمريكية ذاتها، في تعليقها على « عام» كوفي أنان، وما ينتظره من « نتائج حقيقية»: « إن وضع هذا المدى الطويل لتطبيق الخطة سوف يساهم بسقوط مزيد من القتلى في صفوف السوريين»، لماذا يا ترى هذا « التشاؤم»؟ تتابع الصحيفة: « لأن الخطة لا تتضمن أية حوافز لتشجيع الأطراف المتقاتلة في سوريا على التزام الهدوء» .. بحسب هذا الفهم للصحيفة فالخطة ليست سوى مشروع للقتل وتصفية الثورة وتأمين مصالح النظام الدولي.

ومع ذلك فالخطورة ليس فيما أوردته الصحيفة الأمريكية في قراءتها بل فيما أدلى به وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ من تصريحات للصحفيين، رفقة نظيره الفرنسي لوران فابيوس عشية التحضير لمؤتمر « أصدقاء سوريا - 6/7/2012 » في العاصمة الفرنسية – باريس .. تصريحات لا يمكن تصنيفها إلا في سياق الجريمة الدولية التي يجري ارتكابها عن سبق إصرار وترصد. فلنقرأ ما قاله هيغ (4/7/2012)، وهو يعقب على تمسك الموقف الروسي ببقاء الرئيس السوري: « يجب أن تفهم روسيا أن الوضع في سوريا سيؤدي إلى الانهيار وإلى أعمال عنف مروعة وجسيمة». هذا نصف الكأس للمستر هيغ!!! أما النصف الآخر فيملؤه بالقول: « حتى لو كان الأسد مطلق اليد في ارتكاب ما شاء من جرائم فهو لا يستطيع أن يسيطر على الوضع في سوريا، لذلك لا جدوى من وقوف أحد مع نظام الأسد»!!!

لنتأمل حجم الدهاء والخبث والمكر في تعامل « المركز» مع الشعوب وكأنها فرائس غاب استبيحت دماؤها للقتلة، فمن الذي أعطى الروس والصينيين « فرصة العام»؟ ومن الذي وصف « إعلان جنيف» بـ « الاختبار»؟ ومن الذي دعاهما إلى « تحقيق الاتفاق الذي تبنياه»؟ ومن الذي سيطلق يد بشار الأسد « في ارتكاب ما شاء من جرائم »؟ لماذا فقط الروس والصينيين وليس أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأنان، الذين صنعوا الإعلان وأخرجوه باسم الأمم المتحدة؟


2) تأهيل المعارضة السياسية!!!


لا ريب أنها تصريحات بالغة الخطورة كونها تنطوي في الظاهر والباطن على وحشية « المركز» الذي يستعد لمواجهة اعتراضين على خطة أنان، أولهما من المعارضة السياسية المنقسمة! وثانيهما من المعارضة المسلحة. فحتى يمكن تمرير الخطة فإن الغرب بحاجة إلى ممارسة ضغوط على المعارضة السياسية، وهو ما أعلنه صراحة إذا ما عارضت الخطة أو رفضتها. ورُبّ سائل يسأل: إذا افترضنا جدلا أن المعارضة قادرة أن تقول لا لخطة أنان؛ فما الذي يجعلها قادرة أن تقول لها نعم؟ وما قيمة أن توافق أو تعارض الخطة؟ الجواب لا شيء!!!! فالمعارضة السياسية فشلت حتى بانتزاع تأييد من القوى المسلحة لمؤتمر القاهرة الذي ولد ميتا منذ أعلنت الجامعة العربية عنه قبل نحو شهرين.

لكن « المركز» بحاجة إلى طرف محلي يوفر الغطاء السياسي لمشروعه القائم على « الحل مع النظام»، وتبعا لذلك سيعمل على تأهيل المعارضة عبر الضغط الدموي على الشعب السوري لإيصاله إلى مرحلة يقبل فيها بأية عروض من أي نوع كان، وهو ما نص عليه أحد بنود الخطة بالقول أن: « مجموعة الاتصال على استعداد لتقديم دعم فاعل لأي اتفاق يتم التوصل إليه بين الأطراف، ويمكن لهذا الدعم أن يتخذ شكل مساعدة دولية بتفويض من الأمم المتحدة» .. لاحظ التعبير: « أي اتفاق» الذي لا يهتم بأي شكل من الأشكال بمصالح الشعب السوري أو الثورة بقدر ما يهتم بالتوصل إلى « أي اتفاق»، فضلا عن أن « إعلان جنيف» لم يشر أصلا لأية مسؤولية جنائية على النظام في أي مستوى، بل أن « الاتفاق» سيحظى بدعم دولي من المنظمات الدولية ذات الصلة!!! فمن يتحمل مسؤولية القتل والمجازر والتهجير والاغتصاب والتدمير الممنهج للمدن التي صارت وكأنها خارجة من حرب عالمية؟

« أي اتفاق»؛ يعني أن الثورة السورية قد تتعرض في الشهور القليلة القادمة إلى ضربات دموية طاحنة، ليس من المستبعد أن تمس المناطق الآمنة، وشتى القطاعات الحيوية في المجتمع السوري، وتدمير ما تبقى، بحيث تكون الخسائر جارحة للغاية. وحينها ستكون المعارضة قد تأهلت بما يكفي لتقبل، رغم أنف المجتمع السوري والثورة، صيغة « الحل مع النظام» باسم المبعوث الدولي العربي المستر كوفي أنان.


3) نزع السلاح


لكن مع ذلك تبقى الثورة المسلحة هي الأقدر على اعتراض أية حلول فوقية. ولهذا السبب فقد تضمنت الخطة بندا يفضي إلى نزع سلاحها. ففي النسخة الأولى من الخطة لم تكن هناك إلا إشارات قليلة جدا لـ « الحل مع النظام». لكنها في الخطة الجديدة فقد أوضحت بالنص أنها تمثل مرحلة انتقالية يتم فيها تقاسم السلطة مع النظام باسم « حكومة وحدة وطنية» انتقالية. ومن الطريف أنه حين كانت الأمم المتحدة تتفاوض مع الحكومة السورية على إرسال المراقبين الدوليين اقترحت الحكومة السورية، بعد استشارة الروس، تضمين بروتوكول الاتفاق بندا يقضي بنزع سلاح المقاومة، ولم يكن أنان ليمانع في ذلك لكنه عجز والحكومة السورية عن تثبيت المقترح رسميا في نص مكتوب. أما في الخطة الجديدة فقد جاء المقترح كأحد البنود التي تأتي في سياق التطبيق، وهو ما عبر عنه أنان بصريح العبارة حين قال: « أن ذلك يجب أن يؤدي إلى نزع سلاح المجموعات المسلحة»!!!! وبدلا من ذلك ( والكلام لأنان ولنص الخطة): « استمرار عمل الأجهزة الحكومية بما في ذلك الجيش والأمن»!!! وهذا يعني أن المقاومة المسلحة ستكون مستهدفة بنزع السلاح رسميا.

قبل الفيتو الروسي الصيني (24/2/2012) بقليل؛ لجأت الدول الإقليمية إلى إغلاق الحدود بإحكام، لدرجة أن البحث عن طلقة كان أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش. بل أن سعر الطلقة بلغ مستوى خياليا ما بين 3 – 4 دولارات، والأسوأ من هذا أن المخابرات السورية لجأت إلى أسلوب تفريغ المناطق الحدودية من الأسلحة والذخائر عبر شرائها بأثمان باهظة من أصحابها ومن التجار لمنع المقاتلين من الوصول إليها بأي ثمن!!! كما لجأت إلى أساليب أخرى كافتعال اشتباكات مع القوى المسلحة في الثورة ليس بهدف قتلهم بل بهدف استفزازهم ودفعهم إلى إطلاق النيران بغزارة. ولم يكن الثوار ليمتلكوا أي رصيد ثقافي أو سياسي أو أمني أو خبرة تمكنهم من الاسترشاد بها في مثل هذه الحالات، فخسر الكثير منهم مواقعه وذخيرته على حين غرة، بل أن الكثير منهم لاذوا بالفرار أو أصيبوا بالعجز التام عن مواجهة مواقف لم يكونوا قد خبروها من قبل.

وبطبيعة الحال فقد بدا واضحا في ذلك الحين أن إحكام الحدود لم يكن إلا بقرار دولي، ولم تكن تركيا نفسها إلا ضالعة في هذا الأمر. وهذا يعني أن شحنات الأسلحة التي تسلمها الثوار من جهات عربية وربما دولية لم تكن لتمر لولا أن هناك رغبة دولية في تمرير قدر ما من الأسلحة!!! وهذا يعني أيضا، وهو الأهم، أن من يتحكم في تسليح الثورة السورية يستهدف بالدرجة الأساس ممارسة ضغط على النظام لتمرير هدف سياسي وليس حبا في الثوار أو نصرة لهم.

في هذا السياق بالضبط يجيء « إعلان جنيف» .. ومن الغبن الفادح أن يقع تجاهل البند الخطير الذي ورد في نص الإعلان، والذي يقول: « يعارض أعضاء مجموعة الاتصال أي عسكرة إضافية للنزاع» .. هذا البند الذي أشار إليه العميد مصطفى الشيخ، رئيس المجلس العسكري الأعلى للثورة، في مداخلة له على قناة « وصال – 5/7/2012 » يعني ببساطة، والكلام للعميد مصطفى، أن الثورة المسلحة تتأهب لمرحلة استنزاف خطير في الذخيرة. أما كيف؟ فلا ريب أن وسائل نزع السلاح ستكون أيضا ذات نكهة سياسية، كأن يعلن الأطراف عن تقدم ما في صيغة « الحل مع النظام»، مما يستدعي وجوب البدء بنزع السلاح وربما فتح المجال السياسي والإعلامي وحتى الديني لإدانته في وقت لاحق. فهل سيتمكن المسلحون لاحقا من اعتراض أي حل سياسي فضلا عن قدرتهم على حماية المواطنين بل وحتى أنفسهم؟


أخيرا


جريمة الثورة السورية أنها تخوض حربا وجودية طاحنة ضد مشاريع قوى الهيمنة الدولية والإقليمية والمحلية دون أن تتلقى أية مساندة ذات شأن من أحد .. كما أن القوى الدولية ذاتها تخوض صراعا وجوديا هي الأخرى مع ما يتهدد هيمنتها من ثورة لا تكل ولا تمل من التحدي وإبداء أكبر قدر ممكن من الشراسة. ومن العجيب حقا أن يخوض « المركز» حروبه ضد الأمة في سوريا حفاظا على مصالحه، أو أن تكشف بعض التحقيقات مع عصابات « الشبيحة» الشيعية والنصيرية، عن تعبئة عقدية لهم تصل إلى حد اعتبار جرائمهم ضد أهل السنة في سوريا « قتال في سبيل الله»!!! بينما تقاتلهم المعارضة السياسية وبعض الأجنحة العسكرية باسم « الوحدة الوطنية» و « الدولة المدنية» و « التعددية» و « الديمقراطية» بدلا من التعبئة العقدية المضادة، بوصفها السبيل الأنجع والوحيد في مواجهة المشاريع العقدية.

لكن الأعجب، أن القوى المسلحة في الثورة بدت أعمق وعيا في قراءتها لمخاطر « إعلان جنيف»، وأحرص على الثورة ومصيرها، وحتى على الدولة وهويتها، من القوى السياسية المعارضة، وفي السياق فإن « توصيات» العميد مصطفى الشيخ للقوى المسلحة على قناة « وصال » بدت وكأنها تدق فعلا ناقوس الخطر، وهي تحذر من أن الثورة والمجتمع والدولة في سوريا قد يواجهون هجمة دموية شاملة في الشهور القادمة، مشيرا إلى أنه لن يكون أمام القوى الثورية السلمية والمسلحة وكافة أطياف المجتمع السوري، حتى تلك التي لم تدخل بعد رحى الثورة أو الاحتجاجات، من خيار إلا أن تدافع عن نفسها، والعمل بأقصى درجات الحيطة والحذر والاستنفار الذهني والأمني والعسكري والطبي والغذائي والإعلامي، للحيلولة دون غدر النظام والقوى الدولية والإقليمية، بما فيها الصديقة، والسعي بأوسع جهد إلى تعزيز احتياطاتها الإستراتيجية من الذخيرة بمقدار 50% لمواجهة أي طارئ أو دخيل.

يتبع ...

نشر بتاريخ 05-07-2012
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 204.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 198.38 كيلو بايت... تم توفير 5.62 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]