أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة - الصفحة 17 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وكفى بالله وكيلاً، كفى بالله شهيداً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          جحيم الأنا ونعيم اهدنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ما رأيك في هؤلاء ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الإسلام دين الإنصاف لكبار السن وأهل الفضل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الضوابط الشرعية لضرب الولد للتأديب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ذوبان الحدود الشعورية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الثناء نافذة العطاء! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          عمل الشيطان: إثارة الهموم والمخاوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          ﴿خافضة رافعة﴾ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          هل أنكر المنكر وأنا أفعل المعصية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-04-2020, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا



عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرَّقا، وكانا جميعًا أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا - أو قال: حتى يتفرقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذِبا مُحقت بركةُ بيعهما".

البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع:
قال الله تعالى: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾ [البقرة: 275]، وقال عز وجل: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ï´¾ [النساء: 29].

والبيوع جمع بيع، وجمع لاختلاف أنواعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَكُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً مِنْ مُتَعَاقِبٍ أَوْ مُتَرَاخٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْعَقَدَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّيْرِ لِقَصْدِ صَوْتِهِ إذَا جَازَ حَبْسُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَاخْتَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَضَعَّفَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْبَيْعُ بِالصِّفَةِ السَّلِيمَةِ صَحِيحٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ
أَحْمَدَ. وَإِنْ بَاعَهُ لَبَنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ صَحَّ)[1].
قوله: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)؛ أي: فينقطع الخيار.

وقوله: (وكانا جميعًا) تأكيد لذلك، والخيار طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه.


وقوله: (أو يخير أحدهما الآخر)؛ أي: إذا اشترط أحدهما الخيار مدة معلومة، فإن الخيار لا ينقضي بالتفرق، بل يبقى حتى تمضي مدة الخيار التي شرطها، فالبيع جائز والشرط لازم لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا"؛ رواه الترمذي.

والحديث دليل على ثبوت خيار المجلس للبائع والمشتري، فلكل واحد منهما فسخ البيع ما دام في مجلس العقد، فإذا تفرقا لزم البيع، وفيه دليل على خيار الشرط؛ قال شيخ الإسلام: (وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ، وَيَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ الْعُقُودِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنْ أَطْلَقَا الْخِيَارَ وَلَمْ يُوَقِّتَاهُ بِمُدَّةٍ تَوَجَّهَ أَنْ يَثْبُتَ ثَلَاثًا لِخَبَرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ، وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَلَا)[2]؛ انتهى.

وخبر حِبَّان أخرجه أصحاب السنن عن ابن عمر: (أن حبان بن منقذ سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة، فخبلت لسانه، فكان إذا بايع يخدع في البيع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بايع وقل لا خلابة، ثم أنت بالخيار ثلاثًا"، قال ابن عمر فسمعته يبايع ويقول: لا خِذابة).

قال الحافظ: (وقد اختلف القائلون بأن المراد أن يتفرقا بالأبدان، هل للتفرق المذكور حد ينتهي إليه، والمشهور الراجح من مذهب العلماء في ذلك أنه موكول إلى العرف، فكل ما عد في العرف تفرُّقًا، حُكم به، وما لا فلا، والله أعلم)[3].

قوله: (فإن صدَقا وبيَّنا)؛ أي: صدقا في قولهما، وبيَّن البائع عيب السلعة وبيَّن المشتري عيب الثمن، وقال البخاري على باب إذا بيَّن البائعان ولم يكتما ونصَحا: (ويذكر عن العداء بن خالد قال كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة، وقال قتادة: الغائلة الزنا والسرقة والإباق.

وقيل لإبراهيم: إن بعض النخاسين يسمي آري خراسان وسجستان، فيقول: جاء أمس من خراسان، جاء اليوم من سجستان، فكرهه كراهية شديدة.

وقال عقبة بن عامر: لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبره)[4]، انتهى.

وفي الحديث فضل الصدق والحث عليه، وذم الكذب والتحذير منه، وأنه سبب في ذهاب البركة، وأن العمل الصالح يحصل خيري الدنيا والآخرة، والله المستعان.

قال الحافظ: (وفي الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط، وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما، وهو الكذب والكتم، وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه المشروط دون الآخر ظاهر الحديث يقتضيه، ويحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر بأن تنزع البركة من المبيع إذا وجد الكذب أو الكتم من كل واحد منهما، وإن كان الأجر ثابتًا للصادق المبيِّن، والوزر حاصل للكاذب الكاتم، وفي الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة)[5]؛ انتهى.



[1] الاختيارات الفقهية: (1 /468).

[2] الفتاوى الكبرى: (5 /390).

[3] فتح الباري: (4 /329).

[4] صحيح البخاري: ( 3 /76).

[5] فتح الباري: (4 /311).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-04-2020, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها، وصاعًا من تمر".

وفي لفظ: "وهو بالخيار ثلاثًا".

تلقي الركبان من البيوع المنهي عنها لما يحصل فيها من الغرر على الجالب والضرر على أهل السوق، وروى مسلم عن أبي هريرة يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار"، وقال البخاري: (باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود؛ لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالِمًا وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز).

قوله: (لا تلقوا الركبان) في حديث ابن عمر: "ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق"، وعنه قال: (كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به وسق الطعام)، قال البخاري: (هذا في أعلى السوق يبينه حديث عبيدالله، قال: حدثني نافع عن عبدالله رضي الله عنه قال: كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، فيبيعونه في مكانهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه).

قوله: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض" في حديث ابن عمر: "ولا بيع بعضكم على بيع أخيه"، ولمسلم: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له"، وللنسائي: "لا يبع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر"، وللبخاري من حديث أبي هريرة: "وأن يستام الرجل على سوم أخيه"، ولمسلم: "لا يسم المسلم على سوم المسلم"، قال الجمهور: لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي، وذكر الأخ خرج للغالب، فلا مفهوم له.

قال العلماء: البيع على البيع حرام، وكذلك الشراء على الشراء، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار: افسخ لأبيعك بأنقص، أو يقول للبائع: افسخ لأشتري منك بأزيد وهو مجمع عليه، وأما اليوم فصورته أن يأخذ شيئًا ليشتريه، فيقول له: رده لأبيعك خيرًا منه بثمنه أو مثله بأرخص، أو يقول للمالك: استرده لأشتريه منك بأكثر، ومحله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر[1]؛ انتهى.

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلسًا وقدحًا، وقال: من يشتري هذا الحلس والقدح، فقال رجل: أخذتهما بدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه)؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن، قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ولم يروا باسًا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث، قال ابن العربي: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث، فإن الباب واحد والمعنى مشترك)؛ انتهى.

قوله: (ولا تناجشوا) النجش: هو الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، فإن كان ذلك بمواطأة البائع، فيشتركان في الإثم، وإلا فيختص بذلك النجش، وقال ابن قتيبة: النجش الختل والخديعة، ومنه قيل للصائد: ناجش؛ لأنه يختل الصيد ويحتال له؛ انتهى.

وقال البخاري: وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن، وهو خداع باطل لا يحل، قال النبي صلى الله عليه وسلم-: "الخديعة في النار، ومن عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رد"، وأخرج عبدالرزاق من طريق عمر بن عبدالعزيز أن عاملًا له باع سبيًا، فقال له: لولا أني كنت أزيد فأنفقه، لكان كاسدًا، فقال له عمر: هذا نجش لا يحل، فبعث مناديًا ينادي: أن البيع مردود وأن البيع لا يحل.

قوله: (ولا يبع حاضر لباد)، وفي رواية لمسلم: (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)، وقال البخاري: باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر وهل يعينه أو ينصحه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استنصح أحدكم أخاه، فلينصح له"؛ انتهى.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد"، قال: فقلت لابن عباس ما قوله لا يبيع حاضر لباد، قال: لا يكون له سمسارًا".

وقوله: (ولا يبع) نفي بمعنى النهي، وصورت به الحاضر للبادي: أن يحمل البدوي أو القروي متاعه إلى البلد ليبيعه بسعر يومه، ويرجع فيأتيه البلدي، فيقول: ضع عندي لأبيعه على التدريج بزيادة سعر، وذلك إضرار بأهل البلد، وروى أبو داود: أن أعرابيًّا قدم بحلوبة له، فنزل على طلحة بن عبيدالله، فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن اذهب إلى السوق، فانظر من يبايعك، فشاورني حتى آمرك أو أنهاك.

والجمهور على أن النهي على التحريم بشرط العلم به، وأن يكون المتاع المجلوب مما يحتاج إليه، وقوله: "ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردَّها وصاعًا من تمر"، وفي لفظ: "وهو بالخيار ثلاثًا"، وقوله: "لا تُصروا" بضم التاء من صري يصري بالتشديد تصرية، والمصراة التي صري لبنها وجمع، فلم يحلب أيامًا، وهذا حرام؛ لأنه غش وخداع، وفي رواية: "من اشترى غنمًا مصراة فاحتسبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر"، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من اشترى شاة محفلة فردها، فليرد معها صاعًا، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تلقى البيوع"؛ رواه البخاري، وللنسائي عن أبي هريرة: "إذا باع أحدكم الشاة أو اللقحة فلا يحفلها"، قوله: "فهو بخير النظرين"؛ أي الرأيين، قوله: "إن رضيها أمسكها"؛ أي: أبقاها على ملكه.

قال الحافظ: (وهو يقتضي صحة بيع المصراة وإثبات الخيار للمشتري، وقال ابن دقيق العيد: حكم التصرية قد خالف القياس في أصل الحكم لأجل النص، فيطرد ذلك ويتبع في جميع موارده.

قوله: (وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر).
قال الحافظ: واستدل به على وجوب رد الصاع مع الشاة إذا اختار فسخ البيع، فلو كان اللبن باقيًا ولم يتغير، فأراد ردَّه هل يلزم البائع قبوله فيه وجهان أصحهما لا لذهاب طراوته ولاختلاطه بما تجدد عند المبتاع، والتنصيص على التمر يقتضي تعيينه.

وقال: وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم، وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة، ولا مخالف لهم من الصحابة، وقال به من التابعين ومن بعدهم مَن لا يُحصى عددُه، ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلًا أو كثيرًا، ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا، وخالف في أصل المسالة أكثر الحنفية، وفي فروعها آخرون؛ انتهى.

وحكى البغوي: أنْ لا خلاف في المذهب أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى، وقال ابن عبدالبر: هذا الحديث أصل في النهي عن الغش، وأصل في ثبوت الخيار لمن دلَّس عليه بعيب، وأصل في أنه لا يفسد أصل البر، وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام، وأصل في تحريم التصرية، وثبوت الخيار بها؛ انتهى.


وقال ابن السمعاني: متى ثبت الخبر صار أصلًا من الأصول، ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر؛ لأنه إن وافقه فذاك، وإن خالفه فلا يجوز ردُّ أحدهما؛ لأنه رد للخبر بالقياس، وهو مردود باتفاق، فإن السنة مقدمة على القياس بلا خلاف، إلى أن قال: والأولى عندي في هذه المسالة تسليم الأقيسة، لكنها ليست لازمة؛ لأن السنة الثابتة مقدمة عليها)[2]، والله تعالى أعلم.


[1] فتح الباري: (4 /353).

[2] فتح الباري: (4 /362).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-04-2020, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك







حديث: نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها


عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري".

ومثل هذا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل: يا رسول الله، وما تزهي؟ قال: حتى تحمر، قال: أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه".

وقال البخاري: وقال الليث عن أبي الزناد: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري من بني حارثة أنه حدَّثه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار، فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتدع: إنه أصاب الثمر الدمان أصابه مرات أصابه قشام، عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا كثُرت عنده الخصومة في ذلك، فإما لا فلا يتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يثير بها لكثرة خصومتهم، وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا، فيتبين الأصفر من الأحمر.

قوله: (حتى يبدو صلاحها)؛ أي: يظهر، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقِّح، فقيل: ما تشقِّح، قال: تحمارُّ وتصفارُّ، ويؤكل منها؛ متفق عليه.

قوله: (نهى البائع والمشتري):
قال الحافظ: (أما البائع، فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وأما المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعد البائع على الباطل، وفيه أيضًا قطع النزاع والتخاصم ومقتضاه جواز بيعها بعد بدو الصلاح مطلقًا، سواء اشترط الإبقاء أم لم يشترط؛ لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وقد جعل النهي ممتدًا إلى غاية بدو الصلاح، والمعنى فيه أن تؤمن فيها العاهة وتغلب السلامة، فيثق المشتري بحصولها بخلاف ما قبل بدو الصلاح فإنه بصدد الغرر.

قال: وإلى الفرق بين ما قبل ظهور الصلاح وبعده ذهب الجمهور، قال: وسبب النهي عن ذلك خوف الغرر لكثرة الجوائح فيها، وفي حديث أنس: فإذا احمرَّت وأكل منها أمنت العاهة عليها؛ أي: غالبًا.

قوله: (نهى عن بيع الثمار حتى تزهي)، وفي رواية: أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن النخل حتى يزهو، قيل وما يزهو قال: يحمار، أو يصفار)[1].

قوله: (أرأيت إن منع الله الثمرة، بمَ يستحل أحدكم مال أخيه)، في رواية: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إذا منع الله الثمرة، فبمَ يأخذ أحدكم مال أخيه"، وعن ابن شهاب: قال لو أن رجلًا ابتاع ثمرًا قبل أن يبدو صلاحه، ثم أصابته عاهة، كان ما أصابه على ربه، وروى مسلم[2] عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق".

قال الحافظ: (واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر يُشترى بعد بُدوِّ صلاحه، ثم تصيبه جائحة، فقال: مالك يضع عنه الثلث، وقال أحمد وأبو عبيد: يضع الجميع، وقال الشافعي والليث والكوفيون: لا يرجع على البائع بشيء، وقالوا: إنما ورد وضع الجائحة فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس والله أعلم، واستدل الطحاوي بحديث أبي سعيد: أصيب رجل في ثمار ابتاعها، فكثُر دَينُه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدَّقوا عليه"، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال: "خُذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك"؛ أخرجه مسلم وأصحاب السنن، قال: فلما لم يبطل دين الغُرماء بذهاب الثمار وفيهم باعتها، ولم يؤخذ الثمن منهم دلَّ على أن الأمر بوضع الجوائح ليس على عمومه، والله أعلم.

وقوله: (بم يستحل أحدكم مال أخيه)؛ أي: لو تلف الثمر لانتفى في مقابلته العوض، فكيف يشكله بغير عوض، وفيه إجراء الحكم على الغالب؛ لأن تطرق التلف إلى ما بدا صلاحه ممكن وعدم التطرق إلى مالم يبد صلاحه ممكن، فأُنيط الحكم بالغالب في الحالتين)[3].

تتمة:
قال شيخ الإسلام: والصحيح أنه لا يجوز بيع المقاثي جملةً بعروقها، سواء بدا صلاحها أو لا، وهذا القول له مأخذان: أحدهما: أن العروق كأصول الشجر، فبيع الخضراوات قبل بدو صلاحها كبيع الشجر بثمره قبل بُدو صلاحه يجوز تبعًا، والمأخذ الثاني: وهو الصحيح أن هذه لم تدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم، بل يصح العقد على اللقطة الموجودة واللقطة المعدومة إلى أن تيبُّس المقثأة؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ويجوز بيع المقاثي دون أصولها وقاله بعض أصحابنا، وإذا بدا صلاح بعض شجره، جاز بيعها وبيع ذلك الجنس، وهو رواية عن أحمد وقول الليث بن سعد)[4].


[1] فتح الباري: (4/ 397).

[2] صحيح مسلم: (5 /29).


[3] فتح الباري: (4/ 399).

[4] الفتاوى الكبرى: (5/ 392).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-04-2020, 03:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




بيع المزابنة



عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطه، إن كان نخلًا: بتمر كيلًا، وإن كان كرمًا: أن يبيعه بزبيب كيلًا، أو كان زرعًا: أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله.


قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ... إلى آخره) في رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبيعوا الثمر بالتمر".

قال سالم وأخبرني عبدالله عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص بعد ذلك في بيع العرايا بالرطب أو بالتمر، ولم يرخِّص في غيره.


والمزابنة مأخوذة من الزمن، وهو الدفع الشديد.

وقيل للبيع المخصوص: مزابنة؛ لأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه، أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن، أراد دفع البيع بفسخه، وأراد الآخر دفعَه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع.

وحقيقة المزابنة: بيعُ معلوم بمجهول من جنسه.

ومن صورها أيضًا ما رواه البخاري عن ابن عمر، والمزابنة أن يبيع الثمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي.

قال الحافظ: (ولا يلزم من كونها قمارًا ألا تسمى مزابنةً، قال: واستدل بأحاديث الباب على تحريم بيع الرطب باليابس منه، ولو تساويًا في الكيل والوزن؛ لأن الاعتبار بالتساوي إنما يصح حالة الكمال، والرطب قد ينقص إذا جف عن اليابس نقصًا لا يتقدم، وهو قول الجمهور، قال: وأصرح من ذلك حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم قال: فلا إذًا، أخرجه مالك وأصحاب السنن، وصحَّحه الترمذي، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم)[1]؛ انتهى.

وفي حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل.

قال الحافظ: (وليس المراد التمر من غير النخل، فإنه يجوز بيعه بالتمر، وإنما وقع النهي عن الرطب بالتمر؛ لكونه متفاضلًا من جنسه، قوله: (كيلًا) ذكر الكيل ليس بقيد هنا؛ لأن المسكوت عنه أَولى بالمنع من المنطوق، قوله (كَرْمًا) هو شجر العنب، وفيه جواز تسمية العنب كرمًا، وقد ورد النهي عنه، ويجمع بينهما بحمل النهي على التنزيه، ويكون ذكره هنا لبيان الجواز)[2].


[1] فتح الباري: (4/ 384).

[2] فتح الباري: (4/ 386).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21-04-2020, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




حديث: نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن


عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.

وعن رافع بن خدية ربه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث".

قوله: (نهى عن ثمن الكلب).

قال الحافظ: (ظاهر النهي تحريم بيعه وهو عام في كل كلب معلمًا كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازم ذلك أنْ لا قيمة على متلفه، وبذلك قال الجمهور؛ انتهى، وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره لما روى النسائي عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد.

قال الحافظ: أخرجه بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن في صحته.

قوله: (ومهر البغي) هو ما تعطاها على الزنا، وسُمي مهرًا على سبيل المجاز وهو حرام؛ لأنه في مقابلة حرام، وفي حديث أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الإماء، زاد أبو داود من حديث رافع بن خديج: نهى عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو.

قوله: (وحلوان الكاهن) هو ما يعطاها على كهانته وأصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث إنه يتخذه سهلًا بلا كلفة ولا مشقة.

قال الحافظ: وهو حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل، وفي معناه التنجيم والضرب بالحق، وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب)[1].

وقال: (والكهانة ادعاء علم الغيب كالأخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، والأصل فيه استراق الجني السمع من كلام الملائكة، فيلقيه في أذن الكاهن، والكاهن لفظ يطلق على العراف، والذي يضرب بالحق والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر، وسعى في قضاء حوائجه)[2].

وقال الخطابي: (الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية، فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور، ومساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه، وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية، خصوصًا في العرب، لانقطاع النبوة فيهم وهي على أصناف.

منها: ما يتلقونه من الجن، فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء، فيركب بعضهم بعضًا إلى أن يدنو الأعلى؛ بحيث يسمع الكلام، فيلقيه إلى الذي يليه إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن، فيزيد فيه، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن، حرست السماء من الشياطين وأرسلت عليهم الشُّهب، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الأعلى، فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ï´؟ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ï´¾ [الصافات: 10]، وكانت إصابة الكهان قبل الإسلام كثيرة جدًّا؛ كما جاء في أخبار شق وسطيح ونحوهما، وأما في الإسلام فقد ندر ذلك جدًّا حتى كاد يضمحل ولله الحمد.

ثانيها: ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره مما لا يطلع عليه الإنسان غالبًا، أو يطلع عليه من قرب منه لا من بعد.

ثالثها: ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه.

رابعها: ما يستند إلى التجربة والعادة، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك.

ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر، وقد يعتقد بعضهم في ذلك بالزجر والطرق والنجوم، وكل ذلك مذموم شرعًا، وورد في ذم الكهانة ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رفعه: "ومن أتى كاهنًا أو عرافًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد"، ولمسلم من حديث امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا".

قال الحافظ: والوعيد قد جاء تارة بعدم قبول الصلاة وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين من الآتي أشار إلى ذلك القرطبي، والعراف من يستخرج الوقوف على المغيبات بضرب من فعل أو قول)[3]؛ انتهى، والله أعلم.

قال شيخ الإسلام: (وصناعة التنجيم وأخذ الأجرة عليها وبذلها، حرام بإجماع المسلمين وعلى ولاة أمور المسلمين المنع من ذلك، والقيام في ذلك من أفضل الجهاد في سبيل الله)[4].

قوله: (وكسب الحجام خبيث)، وفي حديث ابن عباس: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره)، ولو كان حرامًا لم يعطه، وفي حديث أنس: (دعا النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا حجَّامًا، فحجمه وأمر له بصاع أو صاعين أو مدٍّ أو مدين، وكلم فيه فخفَّف من ضريبته).

قال الحافظ: (واختلف العلماء في كسب الحجام، فذهب الجمهور إلى أنه حلال واحتجوا بهذا بحديث ابن عباس، قالوا: هو كسب فيه دناءة وليس بمحرم، فحملوا الزجر عنه على التنزيه، ومنهم من ادعى النسخ، وأنه كان حرامًا، ثم أبيح وجنح إلى ذلك الطحاوي، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد، فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة، ويحرم عليه الإنفاق على نفسه منها، ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها، وأباحوها للعبد مطلقًا، وعمدتهم حديث محيصة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام، فنهاه، فذكر له الحاجة فقال: اعلفه نواضحك، أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات، قال: وفي الحديث إباحة الحجامة، ويلتحق به ما يتداوى من إخراج الدم وغيره، وفيه الأجرة على المعالجة بالطب، والشفاعة إلى أصحاب الحقوق أن يخففوا منها، وجواز مخارجة السيد لعبده، كأن يقول له: أذنت لك أن تكتسب على أن تعطيني كل يوم كذا، وما زاد فهو لك، وفيه استعمال العبد بغير إذن سيده الخاص إذا كان قد تضمن تمكينه من العمل إذنه العام)[5]؛ انتهى.

قال شيخ الإسلام: (واتخاذ الحجامة صناعة يتكسب بها هو مما نهي عنه عند إمكان الاستغناء عنه، فإنه يفضي إلى كثرة مباشرة النجاسات والاعتناء بها، لكن إذا عمل ذلك العمل بالعوض استحقَّه، وإلا فلا يجتمع عليه استعماله في مباشرة النجاسة وحرمانه أجرته، ونُهي عن أكله مع الاستغناء عنه، مع أنه ملكه وإذا كانت عليه نفقة رقيق أو بهائم يحتاج إلى نفقتها، أنفق عليها من ذلك؛ لئلا يفسد ماله إذا كان الرجل محتاجًا إلى هذا الكسب، ليس له ما يغنيه عنه إلا المسألة للناس، فهو خير له من مسألة الناس؛ كما قال بعض السلف: كسب فيه دناءة خير من مسألة الناس)[6].


[1] فتح الباري: (4/ 426، 427).

[2] فتح الباري: (10/ 216).

[3] فتح الباري: (10/ 217).

[4] مجموع الفتاوى: (35/ 197).


[5] فتح الباري: (4/ 459).

[6] الفتاوى الكبرى: (5/ 412).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21-04-2020, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




حديث: رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق














عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص لصاحب العربة أن يبيعها بخرصها تمرًا يأكلونها رطبًا.








وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق.







العرايا: جمع عارية، قال الحافظ: (وهي في الأول عطية ثمر النخل دون الرقبة، كان العرب في الجدب يتطلع أهل النخل بذلك على من لا ثمر له، كما يتطوع صاحب الشاء أو الإبل بالمنيحة)[1].







قوله: (رخص لصاحب العربة أن يبيعها بخرصها تمرًا يأكلونها رطبًا)، وفي رواية: (ورخَّص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبًا).







وقال سفيان مرة أخرى: إلا أنه رخص في العرية يبيعها أهلها بخرصها يأكلونها رطبًا.







وفي حديث ابن عمر مرفوعًا: ولا تبيعوا الثمر بالتمر، قال: وعن زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم رخَّص بعد ذلك في بيع العرية[2].







قوله: (رخص في بيع العرايا)؛ أي: في بيع ثمر العرايا؛ لأن العرية هي النخلة والعرايا جمع عرية.







قوله: (في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق): شك من الراوي، والوسق ستون صاعًا، وقال سهل بن أبي حثمة: لا يباع الثمر في رؤوس النخل بالأوساق الموسقة إلا أوسقًا ثلاثة أو أربعة أو خمسة يأكلها الناس؛ أخرجه الطبراني[3].







قال البخاري: وقال مالك: العرية أن يعري الرجلُ الرجلَ النخلة، ثم يتغذى بدخوله عليه، فرخص له أن يشتريها منه بتمر، وقال ابن إدريس: العرية لا تكون إلا بالكيل من التمر يدًا بيد، لا يكون بالجزاف[4].







قال الحافظ: (صور العرية كثيرة منها أن يقول الرجل لصاحب حائط يعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر، فيخرصها ويبيعه، ويقبض منه التمر، ويسلم إليه النخلات بالتخلية، فينتفع برطبها، ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه، ثم يتضرر بدخوله عليه، فيخرصها ويشتري منه رطبها بقدر خرصه بتمر يعجله له، ومنها أن يهبه إياها، فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرًا، ولا يحب أكلها رطبًا لاحتياجه إلى التمر، فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يتخذه معجلًا، ومنها أن يبيع الرجل تمر حائطه بعد بُدو صلاحه، ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله، وهي التي عفي له عن خرصها في الصدقة، وسُميت عرايا؛ لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة، فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها، ومما يطلق عليه اسم عرية أن يعرى رجلًا تمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها، وهذه هبة مخصوصة، ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة، وهاتان الصورتان من العرايا لا يبيع فيها، وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور، قال ابن المنذر: الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة، قال: ونظير ذلك الإذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك)[5].







[1] فتح الباري: (4/ 390).




[2] صحيح البخاري: (3/ 99).




[3] فتح الباري: (4/ 391).




[4] صحيح البخاري: (3/ 100).





[5] فتح الباري: (4/ 391).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21-04-2020, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




من باع نخلًا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع


















عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من باع نخلًا قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع".







ولمسلم: "من ابتاع عبدًا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع".



قوله: (من باع نخلًا قد أبرت)، وفي رواية: أيما رجل أبر نخلًا ثم باع أصلها.







النخل: اسم جنس يذكَّر ويؤنَّث، التأبير: التشقيق والتلقيح، قال القرطبي: إبار كل شيء بحسب ما جرت العادة أنه إذا فعل فيه، ثبتت ثمرته وانعقدت فيه، ثم قد يعبر به عن ظهور الثمرة وعن انعقادها وإن لم يفعل فيها شيء.



قوله: (فثمرتها للبائع).







قال الحافظ: (وقد استدل بمنطوقه على أن من باع نخلًا وعليها ثمرة مؤبرة، لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع وبمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة أنها تدخل في البيع وتكون للمشتري، وبذلك قال جمهور العلماء، قال: وهذا كله عند إطلاق بيع النخل من غير تعرض للثمرة، فإن شرطها المشتري بأن قال: اشتريت النخل بثمرتها كانت للمشتري، وإن شرطها البائع لنفسه قبل التأبير كانت له، قال القرطبي: القول بدليل الخطاب يعني بالمفهوم في هذا ظاهر؛ لأنه لو كان حكم غير المؤبرة حكم المؤبرة، لكان تقييده بالشرط لغوًا لا فائدة فيه)[1].







قال الحافظ: ألا يشترط في التأبير أن يخبره أحد، بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به، قوله: إلا أن يشترط المبتاع؛ أي: المشتري، قال الحافظ: وقد استدل بهذا الإطلاق على أنه يصح اشتراط بعض الثمرة كما يصح اشتراط جميعها، وكأنه قال إلا أن يشترط المبتاع شيئًا من ذلك، وهذه هي النكتة في حذف المفعول، وانفرد ابن القاسم، فقال: لا يجوز له شرط بعضها، قال: وفي الحديث جواز التأبير، قال: ويستفاد من الحديث أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد، لا يفسد البيع، فلا يدخل في النهي عن بيع وشرط، قال: والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بُدوِّ الصلاح، سهل بأن الثمرة في بيع النخل تابعة للنخل، وفي حديث النهي مستقلة، وهذا واضح جدًّا والله أعلم بالصواب)[2].



قوله: (ولمسلم: "من ابتاع عبدًا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع")، وهو في البخاري أيضًا.







قال البخاري: باب الرجل يكون له ممر، أو شرب في حائط، أو في نخل:



قال النبي صلى الله عليه وسلم: من باع نخلًا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع، فللبائع الممر والسقي حتى يرفع، وكذلك رب العربة، أخبرنا عبدالله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني ابن شهاب، عن سالم بن عبدالله عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدًا وله مال، فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع، وعن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر في العبد[3].







قال ابن دقيق العيد: (استدل به لمالك على أن العبد يملك لإضافة الملك إليه باللام، وقال غيره: يؤخذ منه أن العبد إذا ملكه سيده مالًا، فإنه يملكه، وبه قال مالك وكذا الشافعي في القديم، لكنه إذا باعه بعد ذلك رجع المال لسيده إلا أن يشترط المبتاع.







وقال الكرداني: قوله: وله مال، إضافة المال إلى العبد مجاز كإضافة الثمرة إلى النخلة)[4].







[1] فتح الباري: (4/ 402).




[2] فتح الباري: (4/ 402).




[3] صحيح البخاري: (3/150).




[4] فتح الباري: (5/ 50، 51).










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21-04-2020, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه




عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه".
وفي لفظ: "حتى يقبضه".
وعن ابن عباس مثله.

قوله: (وعن ابن عباس مثله). ولفظه: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه"، وفي رواية: أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الطعام أن يباع حتى يقبض، قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلا مثله، ولمسلم: وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل طعامًا حتى يستوفيه، قلت لابن عباس: كيف ذاك قال ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ وفي رواية: قال طاوس: قلت لابن عباس: لم قال ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجًا.

قال الحافظ: (فإذا اشترى طعامًا بمائة دينار مثلًا ودفعها للبائع، ولم يقبض منه الطعام، ثم باع الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارًا، وقبضها والطعام في يد البائع، فكأنه باع مائة دينار بمائة وعشرين دينارًا، وعلى هذا التفسير لا يختص النهي بالطعام، ولذلك قال ابن عباس: لا أحسب كل شيء إلا مثله، ويؤيده حديث زيد بن ثابت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم؛ أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان)[1].

قوله: (وفي لفظ: "وحتى يقبضه").
قال الحافظ: (حتى يقبضه زيادة في المعنى على قوله حتى يستوفيه؛ لأنه قد يستوفيه بالكيل بأن يكيله البائع ولا يقبضه للمشتري، بل يحبسه عنده لينقده الثمن مثلًا اختيار البخاري أن استيفاء المبيع المنقول من البائع وتبقيته في منزل البائع، لا يكون قبضًا شرعيًّا، حتى ينقله المشتري إلى مكان لا اختصاص للبائع به؛ انتهى، وللبخاري عن ابن عمر قال: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم.


قال الحافظ: لم يخصه الجمهور بالجزاف، ولا قيدوه بالإيواء إلى الرحال، أما الأول فلما ثبت من النهي عن بن الطعام قبل قبضه، فدخل فيه المكيل، قال: وأما الثاني فلأن الإيواء إلى الرحال خرج مخرج الغالب، وفي بعض طرق مسلم عن ابن عمر: كنا نبتاع الطعام، فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه، وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعًا: من اشترى طعامًا بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى يقبضه، وروى الدارقطني من حديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع والمشتري.

قال الحافظ: (وفي ذلك دلالة على اشتراط القبض في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن، فمن اشترى شيئًا مكايلة أو موازنة، فقبضه جزافًا، فقبضه فاسدٌ، وكذا لو اشترى مكايلة، فقبضه موازنة أو بالعكس، ومن اشترى مكايلة وقبضه، ثم باعه لغيره، لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى يكيله على من اشتراه ثانيًا، وبذلك كله قال الجمهور)[2]؛ انتهى.

عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل سلف ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك"؛ رواه الخمسة، قيل: ربح مالم يضمن؛ أي: ما لم يقبض، قال ابن عمر: ما أدركت الصفقة حيًّا مجموعًا، فهو من مال المبتاع، قال الطحاوي: ذهب ابن عمر إلى أن الصفقة إذا أدركت شيئًا حيًّا، فهلك بعد ذلك عند الباب، فهو من ضمان المشتري.

قال الحافظ: (وقد سئل الأمام أحمد عمن اشترى طعامًا، فطلب من يحمله فرجع فوجده قد احترق، فقال: هو من ضمان المشتري، وأورد أثر ابن عمر المذكور بلفظ: فهو من مال المشتري، وفرع بعضهم على ذلك أن المبيع إذا كان معينًا، دخل في ضمان المشتري بمجرد العقد ولو لم يقبض بخلاف ما يكون في الذمة، فإنه لا يكون من ضمان المشتري إلا بعد القبض كما لو اشترى قفيزًا من صبرة، والله أعلم، ويلتحق بالنهي عن البيع قبل القبض النهيُ عن بيع ما لا يملِكه، وقد روى أصحاب السنن من حديث حكيم بن حزام بلفظ قلت: يا رسول الله، يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه، ثم أبتاعه له من السوق، فقال: "لا تبع ما ليس عندك"[3].

فائدة:
قال البغوي: هو أن يقول: بعتك هذا العبد بألف نقدًا أو بألفين، فهذا به واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما.

قال صاحب النهاية: وهو كالبيعتين في بيعة انتهى، وقيل: هو أن يقول بعتك هذه السلعة بكذا على أن تبيعني السلعة الفلانية بكذا، والله أعلم.

وقال شيخ الإسلام: ويملك المشتري المبيع بالعقد، ويصح عتقه قبل القبض إجماعًا فيهما، ومن اشترى شيئًا لم يبعه قبل قبضه، سواء المكيل والموزون وغيرهما.

وهو رواية عن أحمد اختارها ابن عقيل ومذهب الشافعي، وروي عن ابن العباس: وسواء كان المبيع من ضمان المشتري أو لا، وعلى ذلك تدل أصول أحمد كتصرف المشتري في الثمرة قبل جدها في أصح الروايتين، وهي مضمونة على البائع، وكصحة تصرف المستأجر في العين المؤجرة بالحجارة، وهي مضمونة على المؤجر، ويمتنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافًا على إحدى الروايتين، وهي اختيار الخرقي مع أنها من ضمان المشتري، وهذه طريقة الأكثرين وعلة النهي عن البيع قبل القبض ليست توالي الضمانين، بل عجز المشتري عن تسليمه؛ لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسلمه، لا سيما إذا رأى المشتري قد ربح، فيسعى في رد البيع إما بجهد أو باحتيال في الفسخ، وعلى هذه العلة تجوز التولية في المبيع قبل قبضه، وهو مخرج من جواز بيع الدين، ويجوز التصرف فيه بغير البيع، ويجوز بيعه لبائعه والحركة فيه، وكل ما ملك بعقد سوى البيع، فإنه يجوز التصرف فيه بغير البيع، فإنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه بالبيع وغيره لعدم قصد الربح، وإذا تعين ملك إنسان في موروث أو وصية أو غنيمة، لم يعتبر لصحة تصرفه قبضه بلا خلاف، وينتقل الضمان إلى المشتري بتمكنه من القبض، وظاهر مذهب أحمد الفرق بين تمكن قبضه وغيره ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره[4].



[1] فتح الباري: (4/ 349).

[2] فتح الباري: (4/ 350، 351).

[3] فتح الباري: (4/ 352).

[4] الفتاوى الكبرى: (5/ 391).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21-04-2020, 04:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك


حديث: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام




















عن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه، فأكلوا ثمنه".







جملوه أي: أذابوه.



قوله: (عام الفتح)، وفي رواية يقول: عام الفتح وهو بمكة، قوله: إن الله ورسوله حرم.







قال القرطبي: إنه صلى الله عليه وسلم تأدُّب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين؛ لأنه من نوع ما رد به على الخطيب الذي قال ومن يعصهما.







قال الحافظ: (ولم تتفق الرواة في هذا الحديث على ذلك، فإن في بعض طرقه في الصحيح إن الله حرم ليس فيه ورسوله، وفي رواية لابن مردويه أن الله ورسوله حرَّمَا، وقد صح حديث أنس في النهي عن أكل الحمر الأهلية: إن الله ورسوله ينهيانكم، ووقع في رواية النسائي في هذا الحديث ينهاكم، والتحقيق جواز الإفراد في مثل هذا، ووجهه الإشارة إلى أن أمر النبي ناشئ عن أمر الله، وهو نحو قوله: والله ورسوله أحق أن يرضوه، والمختار في هذا أن الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها، والتقدير عند سيبويه: والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه، وهو كقول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلف، وقيل: أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين؛ لأن الرسول تابع لأمر الله)[1]؛ انتهى.







قوله: (حرم بيع الخمر والميتة)، والميتة ما زالت عنه الحياة بغير ذكاء شرعية، وهي حرام بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال تعالى: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ï´¾ [المائدة: 3].



ونقل ابن المنذر وغيره: الإجماع على تحريم بيع الميتة، ويُستثنى من ذلك السمك والجراد.







قوله: (فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس)؛ أي: فهل بيعها لما ذكر من المنافع، فإنها مقتضية لصحة البيع.



قوله: (فقال: "لا، هو حرام")؛ أي: البيع.







قال الحافظ: (هكذا فسَّره بعض العلماء كالشافعي ومن اتَّبعه، ومنهم من حمل قوله: "هو حرام" على الانتفاع، فقال: يحرم الانتفاع بها، وهو قول أكثر العلماء، فلا ينتفع من الميتة أصلًا عندهم إلا ما خص بالدليل، وهو الجلد المدبوغ، واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة، فالجمهور على الجواز، وقال أحمد وابن الماجشون: لا ينتفع بشيء من ذلك، واستدل الخطابي على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة، ساغ له إطعامها لكلاب الصيد، فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق.



قوله: (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله اليهود")... إلخ.







قال الحافظ: وسياقه مشعر بقوة ما أوله الأكثر أن المراد بقوله: هو حرام البيع لا الانتفاع، وروى أحمد والطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا: الويل لبني إسرائيل؛ إنه لما حرمت عليهم الشحوم، باعوها فأكلوا ثمنها، وكذلك ثمن الخمر عليكم حرام.







عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال وهو عند الركن: قاتل الله اليهود إن الله حرم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها؛ لأن الله إذا حرم على قوم أكلَ شيء، حُرِّم عليهم ثمنه؛ رواه أبو داود.







قال الحافظ: والظاهر أن النهي عن بيع الأصنام للمبالغة في التنفير عنها، ويلتحق بها في الحكم الصلبان التي تُعظمها النصارى، ويحرُم نحت جميع ذلك وصَنعتُه، قال: ويستثنى من الميتة عند بعض العلماء ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر، فإنه طاهر؛ فيجوز بيعه وهو قول أكثر المالكية والحنفية، وزاد بعضهم العظم والسن والقرن والظلف، وقال بنجاسة الشعور الحسن والليث والأوزاعي، ولكنها تطهر عندهم بالغسل وكأنها متنجسة عندهم بما يتعلق بها من رطوبات الميتة لا نجاسة العين، ونحوه قول ابن القاسم في عظم الفيل: إنه يطهر إذا سلق بالماء)[2].







وقال شيخ الإسلام: وقرن الميتة، وعظمها، وظفرها، وما هو من جنسه: كالحافر ونحوه طاهر، وقاله غير واحد من العلماء، ويجوز الانتفاع بالنجاسات، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي، وأومأ إليه، وأحمد في رواية ابن منصور، وقال أيضًا: ويطهر جلد الميتة الطاهرة حال الحياة بالدباغ، وهو رواية عن أحمد[3].







قوله: (والخنزير) قال ابن التين: شذ بعض الشافعية، فقال: لا يقتل الخنزير إذا لم يكن فيه ضراوة، قال: والجمهور على جواز قتله مطلقًا؛ انتهى.







وروى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد".







قوله: (قاتل الله اليهود) في رواية: "قاتل الله يهود".



قال الحافظ: بالتنوين على إرادة البطن، وبغيره على إرادة القبيلة.



قال البخاري: معناه لعنهم.







وقال البيضاوي: أي عادى أو قتل، وأخرج في صورة المبالغة، أو عبر عنه بما هو مسبب عنهم، فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله، ومن حاربه حرب، ومن قاتله قتل.







قوله: (إن الله لما حرم عليهم شحومها)، وفي رواية: "حرمت عليهم الشحوم".







قال الحافظ: أي أكلها، وإلا فلو حرم عليهم بيعها، لم يكن لهم حيلة فيما صنعوه من إذابتها، قال: وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم[4]؛ انتهى.







وعن ابن عباس رضي الله عنه يقول بلغ عمر أن فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها؛ متفق عليه، وبالله التوفيق.







[1] فتح الباري: (4/ 425).




[2] فتح الباري: 4/ 425.





[3] الفتاوى الكبرى: (5/ 313).




[4] فتح الباري: (4/415).










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 203.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 198.15 كيلو بايت... تم توفير 5.43 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]