المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 15 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الأمة الإسلامية بين الحاضر والماضي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          رحمة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في الرابع عشر من شعبان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في الأول من شعبان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هل يجمع قلبك بين حبٍّ في الله، وبغض فيه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          منهج المباحثة الأصولية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التراجم: نماذج من المستشرقين المنصِّرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 4544 )           »          فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ضوابط البديل الشرعي المنضبط للمعاملات المصرفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فضل الصلاة وآثارها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #141  
قديم 01-01-2023, 11:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد






المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة التحريم

من صــ 1024 الى صـ 1038
(الحلقة 141)


سورة التحريم
187 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَة ُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة: أن أيَّتَنَا دخل عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلتَ مغافير، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، قال: (لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له) فنزلت: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) - إلى - (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ) لعائشة وحفصة: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ) لقوله: (بل شربت عسلاً).
زاد البخاري من رواية هشام بن يوسف عن ابن جريج: وقد حلفتُ لا تخبري بذلك أحداً.
2 - أخرج النَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له أَمةٌ يطؤها، فلِم تزل به عائشة وحفصة حتي حرمها فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ .. ).

* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة، وقبل الخوض في نقل أقوال المفسرين في سبب النزول أهي قضية العسل أم قضية الجارية يحسن أولاً نقل ما روى الشيخان أيضاً في قضية العسل من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر، دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أَهدت لها امرأة من قومها عُكةً من عسل، فسقت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه شربة، فقلت: أما واللَّه لنحتالنَّ له فقلت لسودة بنت زمعة إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلتَ مغافير، فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة، عسل، فقولي له: جَرَسَتْ نحلة العُرفُط، وسأقول ذلك، قولي أنت يا صفية ذاك.
قالت: تقول سودة: فواللَّه ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أَن أُبَاديَه بما أمرتني به فرقًا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: (لا) قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: (سقتني حفصة شربة عسل) فقالت: جرست نحلة العرفط، فلما دار إليَّ قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: (لا حاجة لي فيه). قالت: تقول سودة: واللَّه لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي.
فبين الروايتين اختلاف من وجوه:
1 - أن رواية عبيد بن عمير جاء فيها ذكر النزول، أما رواية عروة عن عائشة فقد خلت من ذكر النزول.
2 - أن المتواطئتين في رواية عبيد بن عمير هما عائشة وحفصة، بينما المتواطئات في رواية عروة بن الزبير هن عائشة، وسودة، وصفية.
3 - أن ساقية العسل في رواية عبيد بن عمير هي زينب بنت جحش، بينما الساقية في رواية عروة هي حفصة بنت عمر.
فإن قيل: ما هو الراجح من هاتين الروايتين؟
فالجواب: الحافظ ابن حجر جنح إلى التعدد فقال: (وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدد فلا يمتنع تعدد السبب للأمر الواحد).
ومن إنصافه - رحمه الله - ذكره حجج المرجحين لرواية عبيد بن عمير وأن الساقية زينب ومنها:
أولاً: أنها توافق قول ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في أن المتظاهرتين حفصة وعائشة كما أخبره عمر بذلك، فقد روى الشيخان عن ابن عبَّاسٍ قال: يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أزواجه فقال: تلك حفصة وعائشة. فلو كانت حفصةُ ساقيةَ العسل لم تقرن في التظاهر بعائشة.
ثانياً: أخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن نساء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة،وسائر نساء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث.
وجه الدلالة: - أن زينب ليست من حزب عائشة ولهذا غارت منها بخلاف حفصة فإنها من حزبها.
ثالثاً: أن كون الساقية زينب يوافق سياق القرآن لأن قوله: (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ) يدل على أنهما ثنتان لا أكثر، وهو ما جزم به عمر لابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بينما لو كانت الساقية حفصةَ لكانت المتظاهرات عائشة، وسودة، وصفية، وهذا يخالف التلاوة لمجيئها بلفظ خطاب الاثنين، ولو كانت كذلك لجاءت بخطاب جماعة المؤنث.
رابعاً: أن عائشة - رضي الله عنها - تصرح بقولها: (تواصيت أنا وحفصة) وهذا يوافق ظاهر الآية، وقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينما لا يتأتى هذا لكون الساقية حفصة.
خامساً: أن الرواية في تظاهرهن على حفصة قد خلت من ذكر النزول، فلم يجئ له ذكر فيها، بينما الرواية في تظاهرهن على زينب قد تضمنت النزول، وإذا كان الأمر كذلك صارت على صلة بالآية، وارتباط بها اهـ. كلامه بمعناه.
وحيث إن اختيار إحدى الروايتين من حديث عائشة يقتضي المقابلة بينها وبين حديث أنس في قصة تحريم الجارية ولا بد فإني سأذكر أقوال المفسرين وما اختاروه في القضيتين العسل أو الجارية، ثم أذكر جوابًا واحدًا يحدد الصواب - بإذن اللَّه - في الروايتين والقضيتين معاً.
والبداية بمن يرجح أن قضية العسل هي سبب النزول وهذا القول الأول واختاره ابن العربي والقرطبي وابن كثير، وابن عاشور.
قال ابن العربي لما ذكر الأقوال: (وإنما الصحيح أنه كان في العسل،وأنه شربه عند زينب وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه، وجرى ما جرى، فحلف ألا يشربه، وأسر ذلك ونزلت الآية في الجميع).
وقال عن حديث مارية: (وأما من روى أنه حرم مارية فهو أمثل في السند، وأقرب إلى المعنى، لكنه لم يدوَّن في صحيح، ولا عُدِّل ناقله، أما إنه روي مرسلاً) اهـ.
وقال القرطبي بعد أن ذكر الأقوال مبتدئًا بقضية العسل: (أصح هذه الأقوال أولها) اهـ.
وقال ابن كثير: (اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة فقيل: نزلت في شأن مارية وكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد حرمها فنزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) ثم ساق الأحاديث في تلك القضية ثم قال: (والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العسل ... ثم ساق الأحاديث) اهـ.

القؤل الثاني: أن سبب النزول، كان تحريمه للجارية وليس العسل واختار هذا ابن عطية والقاسمي.
قال ابن عطية: (والقول الأول أن الآية نزلت بسبب مارية أصح وأوضح وعليه تفقه الناس في الآية) اهـ.
وقال القاسمي: (والذي يظهر لي هو ترجيح روايات تحريم الجارية في سبب نزولها وذلك لوجوه:
منها: أن مثله يُبتغى به مرضات الضرات، ويهتم به لهن.

ومنها: أن روايات شرب العسل لا تدل على أنه حرمه، ابتغاء مرضاتهن بل فيه أنه حلف لا يشربه أنفةً من ريحه.
ومنها: أن الاهتمام بإنزال سورة على حدةٍ لتقريع أزواجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتأديبهن في المظاهرة عليه، وإيعادهن على الإصرار على ذلك بالاستبدال بهن، وإعلامهن برفعة مقامه، وأن ظهراءَه مولاه وجبريل والملائكة والمؤمنون كل ذلك يدل على أن أمرًا عظيمًا دفعهن إلى تحريمه ما حرم، وما هو إلا الغيرة من مثل ما روي في شأن الجارية، فإن الأزواج يحرصن أشد الحرص على ما يقطع وصلة الضرةِ الضعيفة ويبترها من عضو الزوجية هذا ما ظهر لي الآن.
وأما تخريج رواية العسل في هذه الآية، وقول بعض السلف نزلت فيه، فالمراد منه أن الآية تشمل قصته بعمومها، على ما عُرف من عادة السلف في قولهم: نزلت في كذا كما نبهنا عليه مراراً) اهـ.
القول الثالث: ما ذهب إليه الطبري والبغوي والسعدي من إطلاق القولين احتمالاً بلا تعيين.
قال الطبري بعد عرض الروايات: (والصواب من القول في ذلك أن يقال: كان الذي حرمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نفسه شيئاً كان اللَّه قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون شراباً من الأشربة، وجائز أن يكون كان غير ذلك غير أنه أيَّ ذلك كان فإنه كان تحريم شيء كان له حلالاً، فعاتبه اللَّه على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله، وبيّن له تحلة يمينه في يمين كان حلف بها مع تحريمه ما حرم على نفسه) اهـ.
أما البغوي فقال ابتداءً: (سبب نزولها ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ... ثم ساق قصة العسل ثم قال: وفاك المفسرون: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم بين نسائه ثم ذكر قضية حفصة مع الجارية ... ) اهـ.
وقال السعدي: (هذا عتاب من الله لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين حرم على نفسه سريته (مارية) أو شرب العسل، مراعاةً لخاطر بعض زوجاته في قصة معروفة) اهـ.
هذه أقوال المفسرين خاليةً من الحجج والبراهين باستثناء القاسمي، الذي ذكر ثلاثاً من الحجج تدل على أن القضية في الجارية لا في العسل.
وسأذكر ما تبين لي في الموضوع، ثم أجيب عما احتج به مرجحو قضية العسل فأقول: قد دلّ حديث عائشة من رواية عبيد بن عمير على أن السر الذي أسره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبعض أزواجه هو شرب العسل، فقد جاء في الحديث: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه) - لقوله -: (بل شربت عسلاً).

وهذا يخالف القرآن من وجوه:
الأول: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أسر الحديث إلى زوجه لا يريد أن يفشو، وهذه حقيقة السر بين الاثنين، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يفشي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السرَّ بنفسه، وقد نهى عن ذلك.
وحديث عائشة بروايتيه نصَّ على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفشاه .. ففي رواية عبيد بن عمير عن عائشة أنها قالت: أن أيتنا دخل عليها فلتقل إني أجد منك ريح مغافير فقال: (بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش).

وفي رواية عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت لسودة: فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل، وهذا ما حصل ووقع، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - ما كتم ولا أخفى.
وبناء على هذا فهل يصح أن يستسرَّها الحديث ثم يفشيه؟.
الثاني: أن الله ذكر أن سرَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان حديثاً بقوله: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرّف المفشية بعضه، وأعرض عن بعض، وهذا يعني أن الحديث فيه طُوْل، وعلى أقل تقدير يقبل القسمة. فهل يتفق هذا مع السر المذكور في الحديث وهو قوله: (بل شربتِ عسلاً)؟ الواقع أن هذا لا يمكن لأن السر هنا كلمتان فقط فما الذي يمكن أن يعرَّف، وما الذي يمكن أن يعرض عنه هنا.
الثالث: أنه لو كان السرُّ شربَهُ العسل ما كان لقوله الله تعالى: (وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) أيُّ معنى، إذ كيف يطلعه اللَّه على أمرٍ قد فعله بنفسه، بينما سياق القرآن يدل على أنه لم يكن يعلم بفشو السر.
الرابع: أنه لو كان السرُّ شربه العسل ما كان لقول الله - تعالى -: (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) أدنى فائدة لأنه هو أَنبأ بذلك، فلم تختص زوجه بالإنباء.
الخامس: أن الله قال: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) - إلى قوله -: (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) وهذا يعني أنه حرم الحلال لإرضائهن، بينما لا تدل الأحاديث على أنهن طلبن تحريم العسل، بل غاية الأمر أنهن شكون من رائحته فهل هذا يعني المطالبة بالتحريم؟
والجواب: لا؛ لأن هذا لا ينهي القضية فلئن كانت رائحةُ العسل هذا ريحَ مغافير فليس كل العسل كذلك. وهن يعلمن هذا تماماً.
وبهذه الوجوه الخمسة يتبين الدليل الأول على أن العسل لا صلة له بآيات السورة.
الدليل الأول: أن سبب اجتماعهن عليه ليس بسبب شرب العسل، بل بسبب احتباسه زمنا أكثر عند صاحبة العسل ولهذا قالت عائشة: فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغِرت فسألت عن ذلك فقيل لي: أَهدت لها امرأة من قومها عُكةً من عسل، فسقت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه شربةً فقلت: أما والله لنحتالن له.
فعائشة غارت قبل علمها بالعسل، لكنها اتخذت من العلم بالعسل وسيلةً للحيلة فعلم بهذا أنه لم يكن مقصودهن العسل حتى يرضيهن بتحريمه أو تركه، بل منعه من الاحتباس زمناً أكثر عند صاحبة العسل.
الدليل الثالث: أن الامتناع من شرب العسل لم يكن ابتغاء مرضاتهن لأنهن يعلمن من قبل أنه يحب العسل والحلواء - كما قالت عائشة - وإذا كان يحبهما فسيتناولهما إذا وجدهما فليس في الأمر جديد.
وقول سودة لما ترك شربه مرة ثانية عند حفصة: واللَّه لقد حرمناه يشير إلى أن حرمانه منه ليس مقصوداً لهن لكنه وقع تبعاً لذلك.
وإنما الدافع لامتناعه أَنَفَةً من رائحته، ولجوؤهن إلى ذكر الرائحة مع ترك أصلها يدل على هذا.
الدليل الرابع: أن أكثر السلف يقولون إن سبب نزول الآيات قصة الجارية. فقد روى الطبري ذلك عن ابن عبَّاسٍ، والحسن، وقتادة، والضحاك، ومسروق، والشعبي، وزيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد.
وزاد ابن الجوزي على هؤلاء سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، ومقاتل ونسب هذا القول إلى الأكثرين.
وقال الشوكاني: (اختُلف في سبب نزول الآية على أقوال، الأول قول أكثر المفسرين ثم ساق قصة تحريم الجارية) اهـ.
بينما اختار أن القضية في العسل عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، وابن أبي مُليكة وهذا برهان بيِّن على أن القضية في الجارية، كيف لا إذا علمنا أن هؤلاء التابعين إنما تلقوا علومهم من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

أما الجواب عن حجج من يرجح قضية العسل فكالآتي:
أولاً: أنها توافق قول ابن عبَّاسٍ حين سأل عمر فقال تلك حفصة وعائشة فلو كانت حفصة ساقية العسل لم تقرن في التظاهر بعائشة.
فيقال: هذا حقُّ، المتظاهرتان عائشة وحفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لكن هل قال عمر لابن عبَّاسٍ: إنهما تظاهرتا عليه في شأن العسل؟ الجواب: لا لم يقل هذا.
بل لنا أن نقول: ربما أخبره بأنهما تظاهرتا عليه في شأن الجارية، والدليل على هذا ما روى الشيخان عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: إذا حرم امرأته ليس بشيء وقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).

ولا يُعرف أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم امرأة من نسائه، فلم يبق إلا تحريمه الجاربة.
ولو لم يكن المستقر عند ابن عبَّاسٍ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرّم الجارية لما استدل بالآية عند من حرم امرأته.
ثانياً: أن زينب ليست من حزب عائشة ولهذا غارت منها بخلاف حفصة فإنها من حزبها.
فيقال: عائشة لا تغار من حفصة إذا وافقتها وطاوعتها، أما إذا خالفتها وخدعتها فإنها تغار منها أشد الغيرة، والدليل على هذا ما روى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث. فقالت حفصة: ألا تركبين الليلةَ بعيري، وأركب بعيرك تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى، فركبتْ فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول: يا ربِّ سَلِّط عليَّ عقرباً أو حيَّةً تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئاً.
فانظر إلى أيِّ حد بلغت غيرتها من حفصة - رضي الله عنها - مع أنها من حزبها.
ثالثاً: أن كون الساقية زينب يوافق سياق القرآن لأن قوله: (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ) يدل على أنهما ثنتان لا أكثر.
فيقال: نعم هما ثنتان لا أكثر ولكن ليس في العسل؛ لأن سياق القرآن كما تقدم يأبى هذا.
رابعاً: أن عائشة تصرح بقولها: (تواصيت أنا وحفصة) فيقال نعم قد تواصتا لكن ليس في العسل لأن هذا الحديث معارض بسياق القرآن، وحديث أنس في قصة الجارية، بل وبحديث عائشة من طريق عروة أيضاً.
خامساً: أن الرواية في تظاهرهن على حفصة قد خلت من ذكر النزول، فلم يجيء له ذكر فيها، بينما الرواية في تظاهرهن على زينب قد تضمنت النزول.
فيقال: وهذا يدل على أن رواية عروة عن عائشة التي خلت من النزول أتقن وأحفظ من رواية عبيد بن عمير التي تضمنت النزول.
وبما تقدم يتبين أنه ليس لقضية شرب العسل ارتباط أو صلة بنزول الآيات وأن أثبت الروايتين في حديث العسل عن عائشة رواية عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأنها خلت من الشذوذ والتناقض الذي اكتنف رواية عبيد بن عمير وبناءً عليه فالصواب في سبب النزول ما ثبت عند النَّسَائِي من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له أمةٌ يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها فأنزل الله الآيات، وليس لهذا الحديث أيُّ معارض.
وأما تفصيل ذلك، كيف حدث، وفي يوم مَن، وفي بيت مَن، فأنا أمسك القلم عن الخوض في ذلك لأمرين:
الأول: أن القضية تتعلق برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي هو في أعلى المقامات البشرية، وأحق الناس بالتعزير والتوقير وأبعدهم عن التنقيص والتجريح.
الثاني: أن تلك التفصيلات قد رويت في أحاديث ضعيفة ومرسلة لا يحتج بها على أقل من هذا فكيف بهذا؟ إلا أن التي تلقت السر من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي حفصة، قال ابن الجوزي: (من غير خلاف علمناه).
وحسبي أن أقف على المجمل من القضية الذي دلّ عليه حديث أنس الصحيح - والله أعلم -.
* النتيجة:
أن سبب نزول هذه الآيات الكريمة ما جاء في قصة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين حرم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاريته، لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واختيار جمهور السلف من المفسرين له. والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #142  
قديم 22-01-2023, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة التحريم

من صــ 1039 الى صـ 1048
(الحلقة 142)


188 - قال الله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري وأحمد عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبةُ النبيِّ بعضَ نسائه، فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتُن أو لَيُبدِّلنَّ اللَّه رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيراً منكن، حتى أتيتُ إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يعظ نساعه حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ).
وفي لفظ للبخاري وأحمد والنَّسَائِي قال أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجتمع نساءُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية.
2 - أخرجه مسلم عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال حدثني عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه ... فذكر الحديث وفيه: فقلت: يا رسول اللَّه ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقلَّما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون اللَّه يصدق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية: آية التخيير: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر هذا الحديث من المفسرين الطبري وابن عطية وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: عسى رب محمد إن طلقكن يا معشر أزواج محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبدله منكن أزواجًا خيرًا منكن.
وقيل: إن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحذيرًا من اللَّه نساءه لما اجتمعن عليه في الغيرة) اهـ.
وقال ابن عطية: (وكذا روي أن عمر بن الخطاب قال لزوجات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن فنزلت الآية على نحو قوله) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وهذه الآية - إلى قوله - (خَيْرًا مِّنكُنَّ) نزلت موافقةً لقول عمر لابنته حفصة - رضي الله عنها - مثل هذا اللفظ وهذا من القرآن الذي نزل وفاقًا لقول عمر أو رأيه تنويهًا بفضله .. ) اهـ.
وعند النظر في سياق الآيات تجد أنها من أول السورة تتحدث عن تحريم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للجارية - إلى قوله -: ظَهِير.
ثم قال: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) وهذا يشير إلى تعلق الآية بالسياق السابق وأن اللَّه لما توعد المرأتين على فعلهما حذر سائر النساء بهذه الآية أن الله سيبدل رسوله نساءً خيرًا منهن.
ثم أمر المؤمنين عامة بوقاية أنفسهم وأهليهم (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ... ) الآية. ولعل الجمع بين الأحاديث وأقوال المفسرين من جانب وبين سياق القرآن من جانب آخر أن يقال: إنه لما وقعت قضية التظاهر على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأن الجارية، غضب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهدد نساءه قائلا: إن انتهيتن أو ليبدلن اللَّه رسوله خيرًا منكن، أو: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن.
فنزلت الآية تهديدًا للمتظاهرتين، وتحذيرًا لسائر نسائه أن يفعلن مثله، وموافقة لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
بقي أن يقال: ما الجواب عن حديث ابن عبَّاسٍ عند مسلم، ونزلت هذه الآية آية التخيير: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ).
فالجواب: أن هذه الآية ليست آية التخيير، فآية التخيير هي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الآية، وقد تقدمت دراستها.
وربما أراد أمير المؤمنين بالتخيير هنا الكف عن أذى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمظاهرة عليه أو طلاقهن إن لم يمتثلن، لكن يعكر على هذا أن حديث عمر إنما جاء في قضية الإيلاء واعتزالهن شهرًا، بينما المظاهرة عليه وقعت من عائشة وحفصة فقط وليس لنسائه البواقي فيها صلة فكيف آلى منهن في أمر لا صلة لهن فيه.
والظاهر - والله أعلم - أن ذكر قوله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) في سياق قضية الإيلاء لا يصح بدليل أنها سميت آية التخيير، وليست كذلك.
* النتيجة:
أن الآية جاءت في سياق آيات التقريع والتحذير من المظاهرة على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وموافقة لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في دفاعه عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما ناله من أذى نسائه وذلك لصحة سند الحديث وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن واللَّه أعلم.
* * * * *

سورة الجن
189 - قال الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: انطلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت علينا الشهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تِهامة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بنخلة، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2). فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ) وإنما أُوحي إليه قول الجن.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول جل ثناؤه لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قل يا محمد أوحى الله إليَّ: (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) هذا القرآن: فَقَالُؤأ لقومهم لما سمعوه (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) يقول: يدل على الحق وسبيل الصواب (فَآمَنَّا بِهِ) يقول: (صدقناه (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) من خلقه.
وكان سبب استماع هؤلاء النفر من الجن القرآن كما حدثني محمد بن معمر). اهـ. ثم ساق الحديث.
وقال القرطبي: (قل يا محمد لأمتك: أوحى الله إليَّ على لسان جبريل أنه استمع إليَّ نفر من الجن وما كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عالماً به قبل أَن أُوحي إليه. هكذا قال ابن عبَّاسٍ وغيره على ما يأتي). اهـ.
قال ابن كثير: (يقول تعالى آمراً رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له، وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ). اهـ. بتصرف.
وقال ابن عاشور: (أمر اللَّه رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن يُعلم المسلمين وغيرهم بأن الله أوحى إليه وقوع حدث عظيم في دعوته أقامه اللَّه تكريماً لنبيه وتنويهاً بالقرآن وهو أن سخر بعضاً من النوع المسمى جناً لاستماع القرآن وألهمهم أو علمهم فهم ما سمعوه واهتدائهم إلى مقدار إرشاده إلى الحق والتوحيد) اهـ.
وقال السعدي: (قل يا أيها الرسول للناس أُوحي إليَّ أنه استمع نفر من الجن صرفهم اللَّه إلى رسوله، لسماع آياته، لتقوم عليهم الحجة، وتتم عليهم النعمة ويكونوا منذرين لقومهم، وأمر رسوله أن يقص نبأهم على الناس، وذلك أنهم لما حضروه قالوا: انصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه ووصلت حقائقه إلى قلوبهم) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه واللَّه أعلم.
* * * * *
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #143  
قديم 22-01-2023, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة القيامة

من صــ 1049 الى صـ 1057
(الحلقة 143)

سورة المدثر
190 - قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يحدث عن فترة الوحي، قال في حديثه: (بينا أنا أمشي، سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، ففرقت منه، فرجعت، فقلت: زملوني زملوني فدثروه، فأنزل اللَّه تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ) - قال أبو سلمة: وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون - قال: ثم تتابع الوحي).
وفي لفظ آخر: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنُوديتُ فنظرت عن يميني فلم أرَ شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أرَ شيئًا، ونظرت أمامي فلم أرَ شيئًا، ونظرت خلفي فلم أرَ شيئًا، فرفعت رأسي فرأيت شيئًا فأتيت خديجة فقلت: دثروني.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات. وقد ذكر هذا الحديث جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن عطية: (واختلف الناس لم ناداه بالمدثر. فقال جمهور المفسرين بما ورد في البخاري من أنه لما فرغ من رؤية جبريل على كرسي بين السماء والأرض فرعب منه ورجع إلى خديجة فقال: زملوني زملوني نزلت يا أيها المدثر) اهـ.
وقال ابن عاشور: (نودي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوصفه في حالة خاصة تلبس بها حين نزول السورة وهي أنه لما رأى الملك بين السماء والأرض فرق من رؤيته فرجع إلى خديجة فقال: دثروني دثروني فدثرته فنزلت: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) اهـ. باختصار.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين على ذلك والله أعلم.
* * * * * *
سورة القيامة
191 - قال الله تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قوله: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، وكان يعرف منه فأنزل الله الآية التي في: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ): (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) فإن علينا أن نجمعه في صدرك (وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ: فإذا أنزلناه فاستمع. (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) قال: إن علينا أن نُبَينَه. قال: وكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده اللَّه.

* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:

هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد هذا الحديث جمهور أهل التأويل كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تحرك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) فقال بعضهم: قيل له ذلك لأنه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به يريد حفظه من حبه إياه فقيل له: لا تعجل فإنا سنحفظه عليك) اهـ. ثم ساق حديث ابن عبَّاسٍ ورجحه.
قال ابن عطية: (وقال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عبَّاسٍ: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفيته مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه فنزلت الآية بسبب ذلك وأعلمه الله تعالى أنه يجمعه له في صدره) اهـ.
وقال ابن كثير: (هذا تعليم من الله - عَزَّ وَجَلَّ - لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كيفيه تلقيه الوحي من الملك فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته فأمره الله - عَزَّ وَجَلَّ - إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له وتكفل الله له أن يجمعه في صدره وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه وأن يبينه له ويفسره ويوضحه) اهـ.
وقال السعدي: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا جاءه جبريل بالوحي وشرع في تلاوته، بادره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحرص قبل أن يفرغ وتلاه مع تلاوة جبريل إياه فنهاه الله عن ذلك وقال: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)، وقال هنا: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) ثم ضمن له تعالى أنه لا بد أن يحفظه ويقرأه ويجمعه اللَّه في صدره) اهـ.
وقال ابن عاشور: (هذه الآية وقعت هنا معترضة وسبب نزولها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عبَّاسٍ) اهـ. ثم ذكر الحديث.
وبما تقدم من أقوال المفسرين يتبين اتفاقهم على أن سبب نزول هذه الآيات هو استعجال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تحفظ وتلاوة ما يُلقى إليه خشية تفلته ونسيانه.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور هو سبب نزول هذه الآيات لصحة سنده، وصراحة ألفاظه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين على الاحتجاج به والله أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #144  
قديم 22-01-2023, 05:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة عبس

من صــ 1058 الى صـ 1070
(الحلقة 144)

سورة النازعات
192 - قال اللَّه تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج النَّسَائِي عن طارق بن شهاب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا) الآية كلها.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في شأن هذه الآية. وقد ذكر هذا الحديث الطبري فقط، أما سائر المفسرين فلم يذكروا هذا الحديث بنصه، لكن ذكروا أن المشركين سألوه عن ذلك.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يسألك يا محمد هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتى من قبورهم متى قيامها وظهورها) اهـ. بتصرف يسير.
وقال ابن عطية: (نزلت بسبب أن قريشاً كانت تلح في البحث عن وقت الساعة التي كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخبرهم بها ويتوعدهم بها ويكثر من ذلك) اهـ.
وقال القرطبي: (قال ابن عبَّاسٍ: سأل مشركو مكة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متى تكون الساعة استهزاء فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - الآية) اهـ.
وقال السعدي: (أي يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث عن الساعة متى وقوعها فأجابهم اللَّه بقوله: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) أي: ما الفائدة لك ولهم في ذكرها ومعرفة وقت مجيئها فليس تحت ذلك نتيجة، ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية بل المصلحة في إخفائه عليهم طوى علم ذلك عن جميع الخلق واستأثر بعلمه) اهـ.
وقال ابن عاشور: (استئناف بياني منشؤه أن المشركين كانوا يسألون عن وقت حلول الساعة التي يتوعدهم بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما حكاه الله عنهم غير مرة في القرآن كقوله: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
وعندي - والله أعلم - أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول الآيات الكريمة لأن سياقه لا يوافق سياق الآية، وبيان ذلك أن الآية دلت على وجود سؤال بقوله: (يَسْأَلُونَكَ) بينما الحديث خلا من ذكر السؤال، وفي الحديث أنه كان لا يزال يذكر من شأن الساعة، بينما خلت الآية من بيان ذلك.
ولعل هذا هو السبب الذي حمل المفسرين على الإعراض عن ذكره، ولو كان مناسبًا لذلك ما تركوه كما هو شأنهم في كثير من الأسباب.
والأمر المؤكد هو ما ذكره المفسرون من أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُسأل عن الساعة لأن الله أخبرنا عن ذلك بقوله: (يَسْأَلُونَكَ) لكن قصة السؤال هنا لم يروها أحد من أصحاب الكتب التسعة التي يدور عليها نطاق البحث والله أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول الآية الكريمة لمخالفة سياقه لسياق القرآن، وإعراض المفسرين عنه، والكلام الذي في سنده واللَّه أعلم.
* * * * *
سورة عبس
193 - قال الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أُنزل (عَبَسَ وَتَوَلَّى) في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعل يقول: يا رسول اللَّه أرشدني، وعند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: (أترى بما أقول بأساً؟) فيقول: لا. ففي هذا أُنزل.
ورواه مالك عن عروة بن الزبير.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين أن الآية نزلت في ابن أم مكتوم، وإن كان سياقهم للأحاديث مختلفاً قال الطبري: (وذُكر أن الأعمى الذي ذكره اللَّه في هذه الآية هو ابن أم مكتوم، عوتب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسببه) اهـ.
وقال البغوي: (أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) هو ابن أم مكتوم وذلك أنه أتى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يناجي عتبة بن ربيعة وغيره فقال يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك اللَّه فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقطعه كلامه فعبس وجهه وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل اللَّه هذه الآية) اهـ. بتصرف.
وقال ابن العربي: (لا خلاف أنها نزلت في ابن أم مكتوم الأعمى وقد روي في الصحيح) اهـ.
وقال القرطبي: (فروى أهل التفسير أجمع أن قومًا من أشراف قريش كانوا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد طمع في إسلامهم فأقبل عبد الله بن أم مكتوم فكره رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقطع عبد اللَّه عليه كلامه فأعرض عنه ففيه نزلت هذه الآية) اهـ.
وقال ابن كثير: (ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يومًا يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم، وكان ممن أسلم قديمًا، فجعل يسأل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء ويلح عليه وود النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعًا ورغبةً في هدايته وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى .. ) اهـ.
وقال السعدي: (سبب نزول هذه الآيات الكريمات أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويتعلم منه، وجاءه رجل من الأغنياء وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حريصًا على هداية الخلق، فمال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصغى إلى الغني، وصد عن الأعمى الفقير رجاءً لهداية ذلك الغني، وطمعًا في تزكيته فعاتبه اللَّه بهذا العتاب اللطيف) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وهذا الحادث سبب نزول هذه الآيات من أولها إلى قوله: (بَرَرَةٍ) اهـ.
وبهذه الأقوال المتقدمة للمفسرين يتبين أن الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أنهم مجموعون على ما دلّ عليه في قصة ابن أم مكتوم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لمطابقته لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين به، والله أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #145  
قديم 22-01-2023, 05:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الضحى

من صــ 1071 الى صـ 1080
(الحلقة 145)


سورة المطففين
194 - قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج النَّسَائِي وابن ماجه عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما قدم نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فحسنوا الكيل بعد ذلك.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال القرطي: (قال ابن عبَّاسٍ: هي أول سورة نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساعة نزل المدينة، وكان هذا فيهم، كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح، فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان، فلما نزلت هذه السورة انتهوا فهم أوفى الناس كيلاً إلى يومهم هذا) اهـ.
وقال ابن عاشور: (اجتمعت كلمة المفسرين على أن أهل يثرب كانوا من أخبث الناس كيلاً فقال جماعة من المفسرين: إن هذه الآية نزلت فيهم فأحسنوا الكيل بعد ذلك) اهـ.
وقال ابن عطية: (قال ابن عبَّاسٍ فيما روي عنه نزل بعضها بمكة ونزل أمر التطفيف بالمدينة لأنهم كانوا أشد الناس فساداً في هذا المعنى فأصلحهم الله تعالى بهذه السورة) اهـ.
وعندي - والله أعلم - قبل الوصول إلى نتيجة أن الأمر يحتاج إلى نظرين:
الأول: هل السورة مكية أو مدنية؟
اختلفت في هذا أقوال العلماء فذهب بعضهم إلى أنها مكية لذكر الأساطير فيها في قوله: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، ولأن معظم ما اشتملت عليه التعريض بمنكري البعث.
وذهب بعضهم إلى أنها مدنية لهذا الحديث الذي معنا، وغيرِه في معناه، ولأن التفصيل في الأحكام إنما كان في المدينة لا مكة.
وقال بعضهم وهو مروي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نزل بعضها بمكة ونزل أمر التطفيف بالمدينة.
والراجح - والله أعلم - أن السورة مبعضة بين مكة والمدينة، والحامل على اختيار هذا اجتماع المفسرين على أن أهل المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً.
الثاني: هل التطفيف سببُ النزول، أو سياق القرآن بعمومه تناول أحوال المطففين؟
الظاهر الأول لوجهين:
الوجه الأول: أن اللَّه بدأ السورة بتهديدهم ووعيدهم، ولولا أهميته ما بدأ الله به إذ الشأن أن يُبدأ بالأهم فالأهم.
الوجه الثاني: أنه جاء في الحديث أنهم كانوا أخبث الناس كيلاً وهذا يستدعي المبادرة في المعالجة.
ولعل هذا سبب قول ابن عبَّاسٍ: أنها نزلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساعة نزل المدينة. واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لاحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول، وعدم مخالفته لسياق القرآن. والله أعلم.
* * * * *
سورة الضحى
195 - قال الله تعالى: (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن جندب بن سفيان - رضي الله عنه - قال: اشتكى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أَرَه قَرِبك منذ ليلتين أو ثلاثاً فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3).
وفي لفظ لمسلم عن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال أبطأ جبريل على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال المشركون: قد وُدعِّ محمد فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وذُكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكذيباً من الله قريشاً في قيلهم لرسول الله لما أبطأ عليه الوحي: قد ودع محمداً ربُه وقلاه).
وقال القرطبي: (كان جبريل - عليه السلام - أبطأ على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال المشركون: قلاه الله وودعه فنزلت الآية) اهـ.
وقال ابن حجر: (في قوله: (فجاءت امرأة) هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب.
ومن وجه آخر عن الأسود بن قيس بلفظ (حتى قال المشركون) ولا مخالفة لأنهم قد يطلقون لفظ الجمع ويكون القائل أو الفاعل واحداً، بمعنى أن الباقين راضون بما وقع من ذلك الواحد) اهـ.
فإن قيل: كيف علمت هذه المرأة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقم ليلتين أو ثلاثاً؟
فالجواب: ما قاله ابن عاشور: (أن الليل وقت قيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقرآن، وهو الوقت الذي كان يسمع فيه المشركون قراءته من بيوتهم القريبة من بيته أو من المسجد الحرام).
قلت: وإذا كانت أيضاً زوجَ عمه أبي لهب فلن يستغرب علمها بقيامه وعدمه والله أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وصراحة لفظه، وموافقته لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين به، والله أعلم.
* * * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #146  
قديم 22-01-2023, 05:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة القدر

من صــ 1081 الى صـ 1091
(الحلقة 146)


سورة العلق
196 - قال الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج مسلم وأحمد والنَّسَائِي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو جهل: هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي: زعم لِيطأ على رقبته قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه. قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة.
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً) قال: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (يعني أبا جهل) (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ).
وأخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي نحوه عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (ذُكر أن هذه الآية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن رقبته، وكان فيما ذُكر قد نهى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي، فقال اللَّه لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك أن تصلي عند المقام، وهو معرض عن الحق، مكذب به، يُعجِّب جلَّ ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل وجرأته على ربه في نهيه محمداً عن الصلاة لربه، وهو مع أياديه عنده مكذب به) اهـ.
وقال البغوي: (نزلت في أبي جهل نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة) اهـ.
وقال ابن عطية: (وقوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) نزلت في شأن أبي جهل ابن هشام وذلك أنه طغى لغناه، ولكثرة من يغشى ناديه من الناس فناصب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العداوة، ونهاه عن الصلاة في المسجد.
فهذه السورة من قوله: (كلا) إلى آخرها نزلت في أبي جهل).
ثم صرح بذكر الناهي لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: (ولم يختلف أحد من المفسرين في أن الناهي أبو جهل، وأن العبد المصلي محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ. بتصرف.
وقال ابن كثير: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى)، نزلت في أبي جهل - لعنه اللَّه - توعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولاً فقال: (أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى) ثم ذكر كلامًا حتى قال: ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ). اهـ.
وقال السعدي بعد أن ذكر تفسيرها: (وهذا عام لكل ناهٍ عن الخير، ولكل منهي عنه وإن كانت نازلةً في شأن أبي جهل حين نهى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة، وعذبه وآذاه) اهـ.
وقال ابن عاشور: (الذي ينهى اتفقوا على أنه أُريد به أبو جهل إذ قال قولاً يريد به نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي في المسجد الحرام فقال في ناديه: لئن رأيت محمداً يصلي في الكعبة لأطأن على عنقه). اهـ.
هذه أقوال المفسرين قد أطبقت واجتمعت على أن المراد بهذه الآيات أبو جهل حيث لم يحتمل رؤية رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساجدا لربه، منكسراً بين يديه فحمله الحقد والغيظ على النيل من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأراد أن يطأ على العنق الكريم. فصان ربُّ العالمين رسولَه الأمين من كيد هذا الفاجر اللعين وأراه من القدرة الإلهية ما لم ير أو يعرفْ مثله عند أصنامه المنسية.
أما قول الراوي: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه.
فإن هذا لا يقدح في السببية لأن نزول هذه الآيات بسبب تلك القصة أجلى وأبين من أن يحتاج إلى التصريح بالنزول، فإن كان التصريح بالنزول محفوظاً فهذا أكمل، وإن لم يكن كذلك فما بين سياق القرآن وسياق الحديث من الموافقة والانسجام يغني عن ذلك ويشفي واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وموافقته سياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه والله أعلم.
* * * * *
سورة القدر
197 - قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية، فقال: سودت وجوه المؤمنين أو يا مسوِّد وجوهِ المؤمنين فقال: لا تؤنبني - رحمك اللَّه - فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك فنزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)، يا محمد يعني نهراً في الجنة، ونزلت: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، يملكها بعدك بنو أُمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن كثير: (ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدًا. قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي: هو حديث منكر. (قلت) وقول القاسم بن الفضل الحداني أنه حسب مدة بني أُمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يومًا ولا تنقص ليس بصحيح. قال معاوية بن أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة. ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد اللَّه بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبًا من تسع سنين، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية بل عن بعض البلاد إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلائين ومائة فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير وعلى هذا فيقارب ما قاله الصحة في الحساب واللَّه أعلم، ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم بني أمية ولو أُريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم فإن ليلة القدر شريفة جدًا والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث.
ثم الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية والسورة مكية فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته واللَّه أعلم) اهـ. بتصرف يسير.
وقال ابن عاشور: (واتفق حذاق العلماء على أنه حديث منكر صرح بذلك ابن كثير وذكره عن شيخه المزي وأقول: هو مختل المعنى وسمات الوضع لائحة عليه وهو من وضع أهل النحل المخالفة للجماعة فالاحتجاج به لا يليق أن يصدر مثله عن الحسن مع فرط علمه وفطنته، وأيَّة ملازمة بين ما زعموه من رؤيا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين دفع الحسن التأنيب عن نفسه، ولا شك أن هذا الخبر من وضع دعاة العباسيين على أنه مخالف للواقع لأن المدة التي بين تسليم الحسن الخلافة إلى معاوية وبين بيعة السفاح وهو أول خلفاء العباسية ألف شهر واثنان وتسعون شهرًا أو أكثر بشهر أو شهرين فما نُسب إلى القاسم الحُدَّاني من قوله: فعددناها فوجدناها إلخ كذب لا محالة.
والحاصل أن هذا الخبر الذي أخرجه الترمذي منكر كما قاله المزي) اهـ.
وإذا كان الحديث منكرًا كما تقدم فقد امتنع أن يكون سبب نزول هذه الآيات، هذا فيما يخص سورة القدر، أما سورة الكوثر فالحديث عنها يأتي إن شاء اللَّه تعالى في السبب الذي يليه.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول سورة القدر لأنه منكر، وخالف سياق القرآن من وجوه، وقد أنكره علماء التفسير واللَّه أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #147  
قديم 22-01-2023, 05:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة المسد

من صــ 1092 الى صـ 1103
(الحلقة 147)

سورة الكوثر
198 - قال الله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش: أنت خير أهلِ المدينة وسيدهم؟ قال: نعم قالوا: ألا ترى إلى هذا المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا؟ ونحن - يعني: أهل الحجيج وأهل السدانة - قال: أنتم خير منه فنزلت: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ونزلت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) إلى قوله: (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا).
2 - وأخرج الترمذي عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية، فقال سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين، فقال: لا تؤنبني - رحمك اللَّه - فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُري بني أُمية على منبره فساعه ذلك فنزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) يا محمد يعني نهراً في الجنة ونزلت: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يملكها بعدك بنو أُمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه السورة فأما حديث الترمذي عن يوسف بن سعد فقد تقدم الكلام عليه تفصيلاً في السبب السابق.
وأما حديث ابن عبَّاسٍ في قصة كعب بن الأشرف مع كفار قريش فقد ذكره الطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير.
وقد ورد في نزول هذه السورة غير هذا فقد روى مسلم عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءةً ثم رفع رأسه متبسماً. فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله، فقال: (أُنزلت علي آنفا سورة) فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)، ثم قال: (أتدرون ما الكوثر؟) فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه نهر وعدنيه ربي - عَزَّ وَجَلَّ - عليه خير كثير. هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة. آنيته عدد النجوم. فيختلج العبد منهم. فأقول: ربِّ إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك).
وقد ذكر هذا الحديث من المفسرين البغوي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن كثير بعد أن ذكر هذا الحديث: (وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وهل هي مكية أو مدنية؟ تعارضت الأقوال والآثار في أنها مكية أو مدنية تعارضاً شديداً، فهي مكية عند الجمهور واقتصر عليه أكثر المفسرين وعن الحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة هي مدنية ويشهد لهم ما في صحيح مسلم عن أنس وأنس أسلم في صدر الهجرة فإذا كان لفظ (آنفاً) في كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستعملاً في ظاهر معناه وهو الزمن القريب، فالسورة نزلت منذ وقت قريب من حصول تلك الرؤيا.
ومقتضى ما يروى في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أن تكون السورة مكية، ومقتضى ظاهر تفسير قوله تعالى: (وَانْحَرْ) من أن النحر في الحج أو يوم الأضحى تكون السورة مدنيةً). اهـ. باختصار.
قلت: هذان حديثان وقبل الكلام عليهما يحسن أن أُضيف إليهما ما ذكره المفسرون من أن السورة نزلت في العاص بن وائل السهمي: (وذلك أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تتحدث معه؟ قال ذلك الأبتر يعني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان قد توفي ابن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خديجة - رضي الله عنها -.
وكان العاص بن وائل إذا ذُكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال دعوه فإنه رجل أبتر، لا عقب له (أي ذكر) فإذا هلك انقطع ذِكره فأنزل الله تعالى هذه السورة) اهـ.
وأرسخ هذه الأحاديث في سبب النزول حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لصحة سنده، وأنس إنما كان أنصاريًا في المدينة وكان يحدِّث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرهم لما أغفى ورفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله فقال: (أُنزلت عليَّ آنفاً سورة) فالسورة نزلت بالمدينة بالنص الصحيح الصريح، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون سبب نزولها قصةً جرت في مكة قبل الهجرة هذا قول غريب حقاً ولا يصح أبداً.
أما الجمع بين حديث أنس وابن عبَّاسٍ في قصة كعب بن الأشرف فالجمع بينهما ممكن بأن يقال: بعد أن هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة واستقر بها، بدأ اليهود يكيدون له تارةً فيما بينهم، وتارةً فيما بينهم وبين قريش، ومن هذا قدوم كعب بن الأشرف إلى مكة وحديثهم إليه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بأنه المنبتر من قومه ورده عليهم بأنهم خير من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله السورة على رسوله بالمدينة مبشراً إياه بالكوثر ومخبره بأن مبغضه هو الأقطع وأنزل عليه الآية أيضاً في سورة النساء وأخبره بأن كعب بن الأشرف من الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت.
ولا مانع من هذا، وبه يتحقق الجمع بين الدليلين وإن كان حديث ابن عباس لا يخلو من مقال لأن الصحيح فيه الإرسال، لكن إذا كان الجمع ممكناً تعيّن والله أعلم.
* النتيجة:
أن حديث ابن عبَّاسٍ في قصة كعب بن الأشرف سبب نزول سورة الكوثر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة، لملاءمة حديث ابن عبَّاسٍ لسياق الآية واحتجاج بعض المفسرين به وليتحقق الجمع بين الدليلين والله الموفق.
* * * * *
سورة المسد
199 - قال الله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال لما نزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصفا فجعل ينادي: (يا بني فهر، يا بني عدي) لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي) قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه السورة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وقيل: إن هذه السورة نزلت في أبي لهب لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما خص بالدعوة عشيرته إذ نزل عليه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وجمعهم للدعاء، قال له أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا؟) اهـ.
وقال السعدي: (أبو لهب هو عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان شديد العداوة والأذية له فلا دين له، ولا حمية للقرابة - قبحه الله، فذمه الله بهذا الذم العظيم الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة.
(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) كانت أيضاً شديدة الأذية لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتُلْقي الشر وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتجمع على ظهرها الأوزار بمنزلة من يجمع حطباً قد أعد له في عنقه حبلاً من ليف.
أو أنها تحمل في الثار الحطب على زوجها متقلدة في عنقها حبلاً من مسد، وعلى كلٍ ففي هذه السورة آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار، ولا بد ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان. فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول السورة الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن واتفاق المفسرين عليه والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #148  
قديم 22-01-2023, 05:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الإخلاص

من صــ 1104 الى صـ 1110
(الحلقة 148)

سورة الإخلاص
200 - قال الله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أحمد والترمذي عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن المشركين قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد انسب لنا ربك فأنزل اللَّه تبارك: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه السورة الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (ذُكر أن المشركين سألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نسب رب العزة فأنزل الله هذه السورة جواباً لهم.
وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه، فقالوا له: هذا الله خلق الخلق فمنْ خلق الله؟ فأنزلت جواباً لهم) اهـ.
وقال القرطبي: (إن أهل التفسير قالوا نزلت الآية جواباً لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صف لنا ربك أمِن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر؟ فقال - الله - عَزَّ وَجَلَّ - رداً عليهم: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ففي (هو) دلالة على موضع الرد ومكان الجواب فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله - عَزَّ وَجَلَّ - والتكذيب لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
وقال ابن عاشور: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) افتتاح هذه السورة بالأمر بالقول لإظهار العناية بما بعد فعل القول كما علمت ذلك عند قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ولذلك الأمر في هذه السورة فائدة أخرى، وهي أنها نزلت على سبب قول المشركين: انسب لنا ربك، فكانت جواباً عن سؤالهم فلذلك قيل له (قُلْ) كما قال تعالى: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)، فكان للأمر بفعل (قُلْ) فائدتان. اهـ.
أما ابن العربي: فقد ذكر أن سببها أن يهوداً سألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خلق الله فنزلت ثم قال: (وفي ذلك أحاديث باطلة هذا أمثلها) اهـ. مختصراً.
قلت: أنا متردد في القول بأن الحديث سبب نزول السورة؛ لأني إن نظرت إلى كلام المفسرين وسياق السورة وابتدائها بالأمر (قُلْ) وجدت هذا مشابهاً لأجوبة القرآن على الأسئلة الموجهة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحينئذٍ تطمئن نفسي إلى أنه سبب نزولها.
وإن نظرت إلى إسناد الحديث وأنه مرسل بل مرسل ضعيف وجدت من نفسي ميلاً إلى أنه ليس سبباً لنزولها لأن القول بالنزول أمرٌ زائد عن الأصل، إذ الأصل عدمه، وما زاد عن الأصل افتقر للدليل الصحيح وهو مفقود هنا، ولعل هذا النظر أصوبُ النظرين وأقعدهما والله أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور هنا ليس سبب نزول الآية لضعف إسناده الشديد، واختلاف المفسرين في سببها والله أعلم.
* * * * *
الخاتمة
دراسة أسباب النزول

الحمد لِلَّهِ الذي تتم بنعمته الصالحات والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فلقد عشت سنوات عديدة مع هذا البحث، أقلب مسائله، وأُعالج إشكالاته وأحل غوامضه فظهر لي عدة نتائج أبرزها ما يلي:
* أني لم أجد تعريفًا علميًا دقيقًا لأسباب النزول، يوضح مصطلحه ويدل على معناه، وإن ظهرت بعض التعريفات إلا أنها لا تدل مباشرة على معناه ولعل ذلك يعود إلى عدم تتبع النصوص - أسباب النزول - واستقرائها على نحو عميق، فوضعت تعريفًا جامعًا مانعًا لها أخرجته من رَحِم النصوص.
* أن قواعد السبب وأركانه التي يقوم عليها أربعة:
أ - الحدث الجديد فلا بد من تصورِ أمرٍ جديد قد وقع، سواءٌ أكان قولاً أم فعلاً، ولا بد أن يكون الوقوع بعد البعثة، فإن كان قبل البعثة كان نزول القرآن وحديثه عنه من باب إبطال ما كان يفعله أهل الجاهلية ويعتادونه، لا من باب أسباب النزول.
ب - الموافقة بين لفظي الآية النازلة، والسبب الذي نزلت لأجله، وهذا بدوره يقتضي اتفاقهما في المعاني.
جـ - مراعاة التاريخ بين السبب والنزول، فلا بد أن يكونا قبل الهجرة معًا أو بعدها معًا، وكذا لا بد أن يكونا في أوائل البعثة معاً أو قرب الهجرة معًا، أو في أوائل الهجرة معًا أو في أواخرها معاً.
د - سياق الآيات التي تسبق موضع النزول وتتبعه، فلا يصح أن يخالف سبب النزول في موضوعه وخطابه.
فهذه القواعد والأركان حتمية في أسباب النزول قبولاً ورداً.
* أن صحة سند الحديث، وذكر النزول فيه، لا تعني القطع والجزم بأنه سبب النزول، لكنهما قرينتان قويتان يستدل بهما على السببية عند انضمامهما للأركان الأربعة السابقة.
أما إذا انفردا بالحديث فليس سببًا للنزول.
* أني لم أجد لأسباب النزول صيغة محددة فضلاً عن كونها صريحةً وغير صريحة، وقد تتبعت الأسباب وبينتُ بالدليل ضعفَ هذا التقسيم، غاية الأمر وجود مادة النزول وبصيغ شتى.
* أني لم أجد شيئًا من كتاب الله قد تكرر نزوله، وما ذكره بعض العلماء من الأمثلة في هذا لا يثبت عند المناقشة العلمية، ولعل الذي حملهم على القول بهذا أن أسباب النزول لم تنل حظها من التحقيق والتدقيق رواية ودراية.
* أن العلماء ذكروا أن السلف حين يطلقون النزول قد يريدون به شمول لفظ الآية لهذه الصورة الحادثة، وقد تحققتُ من هذا وبينتُه بالمثال، وأن قولهم نزلت في كذا تارةً يراد به النزول المصطلح عليه، وتارة يراد به دخول الصورة تحت لفظ الآية.
* أن عددًا من الأحاديث التي أُدخلت في أسباب النزول تعود في أحد عواملها إلى الالتباس في التعبير عن أسباب النزول، فتارةً يعبر عن قوله فتلا بأنزل، وتارة يعبر عن التفسير بأنزل، ولا ريب أن هذا قد أوقع إشكالات كثيرة في تحديد أسباب النزول.
* أني لم أجد ضوابط منصوصةً عند العلماء في شأن الترجيح بين أسباب النزول بخصوصها، فاستفدت من قواعد الترجيح عندهم بين الأحاديث عامة، وأعملتها في هذا الباب باعتبار أن الجميع أحاديث.
* أن العلم بقواعد الشريعة، ومصطلحاتها الشرعية، والهدي النبوي، وهدي الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يفيد كثيرًا في تحديد الصواب من الخطأ في الأسباب.
* أن حاجة أسباب النزول إلى التحقيق والتحرير ماسة جدا، فجميع من ألف في أسباب النزول كان جهدهم منصبًا على جمع الروايات، دون دراستها دراسة تطبيقيةً باستثناء جهد يسير، وفي أسباب معدودة، وهذا بلا ريب نقص كبير أدى لبقاء هذهِ المؤلفات محلاً للشك، وعدم الثقة.
* بعد قراءتي لمصادر البحث - الكتب التسعة - استخرجت منها مائتين وخمسين حديثاً تقريباً في أسباب النزول.
ثم قسمت هذه الأحاديث على مواضع آيات القرآن الكريم فخرج منها مائتا موضع.
منها ثمانية وستون موضعاً ترجح لديّ أنها ليست أسباب نزول لأسباب مختلفة فبقي للنزول مائة واثنان وثلاثون حديثاً (132).
منها ثمانية وعشرون حديثاً ضعيفًا، ثلاثة عشر حديثاً مرسلاً، وخمسة عشر حديثاً موصولاً، لكن في بعض رواتها كلام.
وسأضع أرقام هذه الأحاديث مفصلةً في جدول مستقل بعد الخاتمة.
* المقترحات والتوصيات:
من خلال معايشتي الطويلة للبحث في أسباب النزول تبين لي أن الموجود في الكتب التسعة لا يشكل إلا جزءاً يسيراً منها، وإذا كانت أسئلة القرآن بضعة عشر سؤالاً فأنا لم أجد منها ضمن بحثي إلا السؤال عن الحيض فقط. وكتب التفسير بالمأثور كتفسير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن كثير تحوي من الأسباب خيراً كثيراً.
لذا فإني أقترح توجيه الجهد إلى العناية بدراسة أسباب النزول الواردة في كتب التفسير، خصوصًا التي تعتني بالمأثور على أني أحبذ لمن رام خوض هذا البحر أن يتوفر فيه القدرة العلمية على دراسة الأسانيد، والحكم على الأحاديث، وكذا الملكة العلمية التي تمكنه من التحليل والمناقشة والاستنباط، وأحسب أن الأقسام العلمية في جامعاتنا المباركة لا تغفل عن هذا والله الموفق والمعين.
وفي الختام فإني أسأل اللَّه تعالى أن ينفع بهذا الجهد كاتبه وقارئه وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، ثقيلاً في ميزان الفقير إلى اللَّه، وأن لا يجعل لأحد فيه حظاً أو نصيباً، وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
* * * * *
تم بفضل الله

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 256.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 251.15 كيلو بايت... تم توفير 4.94 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]