تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 117 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصول بلا تأصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 120 )           »          ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب (مطوية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 91 )           »          حديث: سُئِلَ ابنُ عُمرَ عن صومِ عرفةَ بعرفةَ ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          الرزق ليس المال فقط! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          قيمنا في العشر من ذي الحجة: قيمة تعظيم شعائر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          هل مع حب لذة المعصية توبة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 81 )           »          التبصر والبصيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          الإجازة الصيفية للأبناء .. خطة لتحويل القراءة إلى متعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1161  
قديم 04-07-2022, 11:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (2)
الحلقة (591)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 399الى صــــ 403)

{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } 11 { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } 12 { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } 13 { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } 14 { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ }15


شرح الكلمات:

وكم قصمنا: أي وكثيراً من أهل القرى قصمناهم بإهلاكهم وتفتيت أجسامهم.

كانت ظالمة: أي كان أهلها ظالمين.

يركضون: أي فارين هاربين.

إلى ما أترفتم فيه: أي من وافر الطعام والشراب والمسكن والمركب.

تسألون: أي عن شيء من دنياكم على عادتكم.

تلك دعواهم: أي دعوتهم التي يرددونها وهي: { يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }.

حصيداً خامدين: أي لم يبق منهم قائم فهم كالزرع المحصود خامدين لا حراك لهم كالنار إذا أُخمدت.

معنى الآيات:

يقول تعالى منذراً قريشاً أن يحل بها ما حل بغيرها ممن أصروا على التكذيب والعناد { وَكَمْ قَصَمْنَا } أي أهلكنا وأبدنا إبادة كاملة { مِن قَرْيَةٍ 1 } أي أهل قرية { كَانَتْ ظَالِمَةً } أي كان أهلها ظالمين بالشرك والمعاصي والمكابرة والعناد، { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } هم خير من أولئك الهالكين. وقوله تعالى: { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ2 بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } أي فلما أحسَّ أولئك الظالمون { بَأْسَنَآ } أي شعروا به وأدركوه بحواسهم بأسماعهم وأبصارهم { إِذَا هُمْ مِّنْهَا } من تلك القرية يركضون هاربين فراراً من الموت. والملائكة تقول لهم توبيخاً لهم وتقريعاً: لا تركضوا هاربين { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } نُعِمْتُم فيه من وافِر الطعام والشراب والكساء والمسكن والمركب { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } على العادة عن شيء من أموركم وأمور3 دنياكم، فكان جوابهم ما أخبر تعالى به عنهم: { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ } أي يا هلاكنا أحضر هذا أو آن حضورك إنا كنا ظالمين أنفسنا بالشرك والمعاصي والتكذيب والعناد. قال تعالى: { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } أي ما زال قولهم { يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } تلك دعوتهم 4التي يرددونها { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ 5حَصِيداً خَامِدِينَ } أي مُجتثين من أصولهم ساقطين في الأرض خامدين لا حراك لهم كالنار إذا أُخمدت فلم يبق لها لهيب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- التنديد بالظلم وأعلى درجاته الشرك بالله.

2- جواز الاستهزاء بالمشرك الظالم إذا حل به العذاب تقريعاً له وتوبيخاً.

3- لا تنفع التوبة عند معاينة العذاب لو طلبها الهالكون.

4- شدة الهول ورؤية العذاب قد تفقد صاحبها رشده وصوابه فيهْذِرُ ولا يدري ما يقول.
___________________________

1 قيل: هذه القرى هي مدائن كانت باليمن، والعموم ظاهر في السياق ولا داعي إلى حصره في مدائن اليمن بل هو شامل عاداً وثمود وأهل مدين والمؤتفكات، والقصم: الكسر يقال: قصم ظهر فلان: إذا كسره.
2 الإحساس: الإدراك بالحس فيكون برؤية ما يزعجهم أو سماع أصوات مؤذنة بالهلاك كالصواعق والرياح.
3 وهذا استهزاء بهم وتهكم وتقريع وتوبيخ لهم.
4 أي: الكلمة التي يكررونها وهي: يا ويلنا إنا كنا ظالمين حتى هلكوا عن آخرهم.
5 الحصد: جزّ الزرع والنبات بالمنجل لا باليد، وشاع إطلاق الحصيد على الزرع المحصود، والخامد الذي لا حراك له من خمدت النار إذا زال لهيبها.

**************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1162  
قديم 04-07-2022, 11:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } 16 { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } 17 { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } 18 { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } 19 { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ }20

شرح الكلمات:

لاعبين: أي عابثين لا مقصد حَسَن لنا في ذلك.

لهوا: أي زوجة وولداً.

من لدنا: أي من عندنا من الحور العين أو الملائكة.

بل نقذف بالحق: أي نرمي بالحق على الباطل.

فيدمغه: أي يشج رأسه حتى تبلغ الشجة دماغه فيهلك.

فإذا هو زاهق: أي ذاهب مُضْمحِل.

ولكم الويل مما تصفون: أي ولكم العذاب الشديد من أجل وصفكم الكاذب للديان بأنَّ له زوجة وولداً وللرسول بأنه ساحر ومفترٍ.

ولا يستحسرون: أي لا يعيون ولا يتعبون فيتركون التسبيح.

لا يفترون: عن التسبيح لأنه منهم كالنفس منا لا يتعب أحدنا من التنفس ولا يشغله عنه شيء.

معنى الآيات:

كونه تعالى يهلك الأمم الظالمة بالشرك والمعاصي دليل أنه لم يخلق الإِنسان والحياة لعباً وعبثاً بل خلق الإِنسان وخلق الحياة ليذكر ويشكر فمن أعرض عن ذكره وترك شكره أذاقه بأساءه في الدنيا والآخرة وهذا ما دلت عليه الآية السابقة وقررته الآية وهي قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ 1} أي عابثين لا قصد حسن لنا بل خلقناهما بالحق وهو وجوب عبادتنا بالذكر والشكر لنا وقوله تعالى: { لَوْ أَرَدْنَآ 2أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } أي صاحبة أو ولدا كما يقول المبطلون من العرب القائلون بأن الله أصهر إلى الجن فأنجب الملائكة وكما يقول ضُلاّلُ النصارى أن الله اتخذ مريم زوجة فولدت له عيسى الابن، تعالى الله عما يأفكون فرد تعالى هذا الباطل بالمعقول من القول فقال لو أردنا أن نتخذ لهواً نتلهى به من صاحبة وولد لاتخذنا من لدنا من الحور العين والملائكة ولكنا لم نرد ذلك ولا ينبغي لنا إنا نملك كل من في السماوات ومن في الأرض عبيداً لنا فكيف يعقل اتخاذ مملوك لنا ولداً ومملوكة زوجةً والناس العجزة الفقراء لا يجيزون ذلك فالرجل لا يجعل مملوكته زوجة له ولا عبده ولداً بحال من الأحوال وقوله تعالى: { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ 3فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } فتلك الأباطيل والترهات تنزل حجج القرآن عليها فتدمغها فإذا هي ذاهبة مضمحلة لا يبقى منها شيء { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ } أيها الكاذبون مما تصفون الله بالزوجة والولد والشريك والرسول بالسحر والشعر والكهانة والكذب العذاب لازم لكم من أجل كذبكم وافترائكم على ربكم ورسوله. وقوله تعالى: { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } برهان آخر على بطلان دعوى أن له تعالى زوجة وولداً فالذي يملك من في السماوات ومن في الأرض غنيٌّ عن الصاحبة والولد إذا الكل له مُلكاً وتصرفاً. وقوله: { وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ4 } برهان آخر { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } أي فكيف يفتقر إلى الزوجة والولد، ومن عنده من الملائكة وهم لا يحصون عداً يعبدونه لا يستكبرون عن عبادته ولا يملون منها ولا يتعبون من القيام بها، يسبحونه الليل والنهار، والدهر كله { لاَ يَفْتُرُونَ } أي لا يسأمون فيتركون التسبيح فترةً بعد فترة للاستراحة، إنهم في تسبيحهم وعدم سآمتهم منه وعدم انشغالهم عنه كالآدميين في تنفسهم وطرف أعينهم هل يشغل عن التنفس شاغل أو عن طرف العين آخر وهل يسأم الإِنسان من ذلك والجواب لا، فكذلك الملائكة يسبحون الليل والنهار ولا يفترون.
هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تنزه الرب تعالى عن اللهو واللعب والصاحبة والولد.

2- حجج القرآن هي الحق متى رمى بها الباطل دمغته فذهب واضمحل.

3- إقامة البراهين العقلية على إبطال الباطل أمر محمود، وقد يكون لا بد منه.

4- بيان غنى الله المطلق عن كل مخلوقاته.

5- بيان حال الملائكة في عبادتهم وتسبيحهم لله تعالى.
_________________________

1 ينفي تعالى أن يكون خلق السموات والأرض وما بينهما وما في السموات وما في الأرض من عجائب المخلوقات وبدائع الصناعات وما بين السماء والأرض من السحب والأمطار ورياح وأجواء الفضاء ينفي أن يكون هذا الخلق العظيم لعباً: أي: لهواً وعبثاً بل خلق ما خلق لأعظم حكمة وأسماها وهي أن يعبد بذكره وشكره، فلذا من كفر به تعالى فترك ذكره وشكره كان من شر خلقه واستوجب العذاب الأبدي الذي لا يخرج منه ولا يموت فيه ولا يحيى.
2 الآية ردّ على افتراءات المبطلين جهلة البشر الذين نسبوا لله تعالى الصاحبة والولد بغير علم من عقل ولا نقل.
3 الدمغ: شج الرأس حتى تبلغ الشجة الدماغ، والباطل هو الشيطان والحق؟ القرآن، في قول مجاهد إذ قال كل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان.
4 لا يستحسرون أي: لا يعيون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع من الإعياء والتعب يقال: حسر البعير يحسر حسوراً: أعيا وكلّ واستحسر وتحسر مثله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1163  
قديم 04-07-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (3)
الحلقة (592)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 403الى صــــ 408)

{ أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } 21 { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } 22 { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } 23 { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } 24 { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ }25


شرح الكلمات:

أم اتخذوا آلهة من الأرض: أيْ من معادنها كالذهب والفضة والنحاس والحجر.

هم ينشرون: أي يحيون الأموات إذ لا يكون إلهاً حقاً إلا من يحيي الموتى.

لو كان فيهما: أي في السماوات والأرض.

لفسدتا: أي السماوات والأرض لأن تعدد الآلهة يقتضي التنازع عادة وهو يقضي بفساد النظام.

فسبحان الله: أي تنزيه لله عما لا يليق بحلاله وكماله.

رب العرش: أي خالقه ومالكه والمختص به.

عما يصفون: أي الله تعالى من صفات النقص كالزوجة والولد والشريك.

لا يسأل عما يفعل: إذ هو الملك المتصرف، وغيره يسأل عن فعله لعجزه وجهله وكونه مربوباً.

قل هاتوا برهانكم: أي على ما اتخذتم من دونه من آلهة ولا برهان لهم على ذلك فهم كاذبون.

هذا ذكر من معي: أي القرآن ذكر أمتي.

وذكر من قبلي: أي التوارة والإنجيل وغيرهما من كتب الله الكل يشهد أنه لا إله إلا الله.

لا يعلمون الحق: أي توحيد الله ووجوبه على العباد فلذا هم معرضون.

فاعبدون: أي وحدوني في العبادة فلا تعبدوا معي غيري إذ لا يستحق العبادة سواي.

معنى الآيات:

يوبخ تعالى المشركين على شركهم فيقول: { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ1 آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي من أحجارها ومعادنها آلهة { هُمْ يُنشِرُونَ } أي يحيون الموتى، والجواب كلا إنهم لا يحيون والذي لا يحيي الموتى لا يستحق الألوهية بحال من الأحوال. هذا ما دل عليه قوله تعالى: { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } وفي الآية الثانية [22] يبطل تعالى دعواهم في اتخاذ آلهة مع الله فيقول: { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ 2} أي في السماوات والأرض آلهة غير الله تعالى لفسدتا لأنه تعدد الآلهة يقتضي التنازع 3والتمانع هذا يريد أن يخلق كذا وهذا لا يريده هذا يريد أن يعطى كذا وذاك لا يريده فيختل نظام الحياة وتفسد، ومن هنا كان انتظام الحياة هذه القرون العديدة دالا على وحدة الخالق الواجب الوجود الذي تجب له العبادة وحده دون من سواه، فلذا نزه تعالى نفسه عن الشريك وما يصفه به المبطلون من الزوجة والولد فقال: { فَسُبْحَانَ 4ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } وقرر ألوهيته وربوبيته المطلقة بقوله: { لاَ يُسْأَلُ 5عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } فالذي يفعل ولا يُسأل لعلمه وقدرته وملكه هو الإله الحق والذي يسأل عن عمله لم فعلت ولم تركت ويحاسب عليه ويجزي به لن يكون إلا عبداً مربوباً، وقوله في توبيخ آخر للمشركين: أم اتخذوا 6من دونه عز وجل آلهة يعبدونها؟ قل لهم يا رسولنا هاتوا برهانكم على صدق دعواكم في أنها آلهة، ومن أين لهم البرهان على احقاق الباطل؟ وقوله تعالى: { هَـٰذَا ذِكْرُ 7مَن مَّعِيَ } أي من المؤمنين وهو القرآن الكريم به يذكرون الله ويعبدونه وبه يتعظون { وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } أي التوراة والإنجيل هل في واحد منها ما يثبت وجود آلهة مع الله تعالى.
والجواب لا. إذاً فما هي حجة هؤلاء المشركين على صحة دعواهم، والحقيقة أن المشركين جهلة لا يعرفون منطقاً ولا برهاناً فلذا هم مُعْرِضُون وهذا ما دل عليه قوله تعالى: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ8 ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } فليسوا أهلاً لمعرفة الأدلة والبراهين لجهلهم فلذا هم معرضون عن قبول التوحيد وتقرير أدلته وحججه وبراهينه.

وقوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ9 مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } فلو كان المشركون يعلمون هذا لما أشركوا وجادلوا عن الشرك، ولكنهم جهلة مغررون.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- من أخص صفات الإِله أن يخلق ويرزق ويحيي ويميت فإن لم يكن كذلك فليس بإله.

2- وحدة النظام دالة على وحدة المنظم، ووحدة الوجود دالة على وحدة الموجد وهذا برهان التمانع الذي يقرر منطقياً وجود الله ووجوب عبادته وحده.

3- لا برهان على الشرك أبداً، ولا يصح في الذهن وجود دليل على صحة عبادة غير الله تعالى.

4- القرآن والتوراة وكل كتب الله متضافرة على تقرير توحيد الله تعالى.

5- تقرير توحيد الله تعالى وإبطال الشرك والتنديد بالمشركين.
_____________________________

1 الاستفهام هنا للجحد والإنكار أي: لم يتخذوا آلهة تقدر على الإحياء في وصف الآلهة من الأرض تهكّم بعابديها ظاهر وتأنيب عجيب.
2 هذه الجملة مقررة لما أنكره تعالى على المشركين من اتخاذهم آلهة من الأرض مبيّنة وجه الإنكار شارحة له أي: يستحيل أن يوجد آلهة حق مع الله تعالى. والبرهان مذكور في التفسير.
3 هذا ما يسمى بدليل أو برهان التمانع وأنه وإن كان فيه ما يرده إلا أنه في الجملة دليل مسكت للخصم مقنع لذي العقول.
4 إظهار اسم الجلالة في مكان الإضمار كان لتربية المهابة منه عزّ وجل إذ كان المفروض أن يقوله سبحانه.
5 قال ابن جريج: لا يسأله الخلق عن قضائه فيهم وهو يسألهم عن أعمالهم لأنهم عبيده وبهذا انهدّ معتقد المشركين والقدريين معاً إذ لا يسأل عمال يفعل وغيره يسأل فالذي يسأل ويحاسب ويجزي لن يكون إلهاً أبداً.
6(أم) بمعنى: بل والاستفهام التعبجي أي: بل اتخذوا من دون الله آلهة يا للعجب فليأتوا إذاً ببرهان عقلي على صحة دعواهم ومن أين لهم إذاً أفلا يتوبون.
7 زيادة على إقامة بطلان الشرك بشهادة القرآن كتاب الله وشهادة الكتب السابقة وفيها التهديد والوعيد للمشركين.
8 قرأ الحق بالرفع ابن محيسن والحسن على تقدير هذا هو الحق وقرأ الجمهور بالنصب مفعول أي: لا يعلمون الحق الذي هو القرآن العظيم فهم لا يتأملونه فحججه وبراهينه على إبطال الشرك ظاهرة.
9 هذا برهان آخر على إبطال الشرك إذ عامة الرسل جاءت بالتوحيد بلا إله إلا الله، فكيف يصح إذاً إقرار الشرك والعمل به، والآية كآية النمل: {ولقد بعثنا في كل أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} .

****************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1164  
قديم 04-07-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } 26 { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } 27 { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } 28 { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }29

شرح الكلمات:

ولداً: أي من الملائكة حيث قالوا الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

سبحانه: تنزيه له تعالى عن اتخاذ الولد.

بل عباد مكرمون: هم الملائكة، ومن كان عبداً لا يكون ابناً ولا بنتاً.

لا يسبقونه بالقول: أي لا يقولون حتى يقول هو وهذا شأن العبد لا يتقدم سيده بشيء.

وهم بأمره يعملون: أي فهم مطيعون متأدبون لا يعملون إلا بإذنه لهم.

ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى: أي إلاّ لمن رضي تعالى أن يشفع له.

مشفقون: أي خائفون.

من دونه: أي من دون الله كإبليس عليه لعائن الله.

كذلك نجزي الظالمين: أي لأنفسهم بالشرك والمعاصي.

معنى الآيات:

بعد أن أبطلت الآيات السابقة الشرك ونددت بالمشركين جاءت هذه الآيات في إبطال باطل آخر للمشركين وهو نسبتهم الولد لله تعالى فقال تعالى عنهم { وَقَالُواْ1 ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } وهو زعمهم أن الملائكة بنات الله فنزه تعالى نفسه عن هذا النقص فقال { سُبْحَانَهُ } وأبطل دعواهم وأضرب عنها فقال { بَلْ عِبَادٌ2 مُّكْرَمُونَ } أي فمن نسبوهم لله بنات له هم عباد له مكرمون عنده ووصفهم تعالى تعالى بقوله: { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } فهم لكمال عبوديتهم لا يقولون حتى يقول هو سبحانه وتعالى، وهم يعملون بأمره فلا يقولون ولا يعملون إلا بعد إذنه لهم، وأخبر تعالى أنه يعلم ما بين أيديهم3 وما خلفهم فعلمه عز وجل محيط بهم ولا يشفعون لأحد من خلقه إلا لمن ارتضى أن يشفع له4 فقال تعالى: { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } وزيادة على ذلك أنهم { مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } خائفون، وعلى فرض أن أحداً منهم قال إني إله من5 دون الله فإن الله تعالى يجزيه بذلك القول جهنم وكذلك الجزاء نجزي الظالمين أي أنفسهم بالشرك والمعاصي، وبهذا بطلت فرية المشركين في جعلهم الملائكة بنات لله وفي عبادتهم ليشفعوا لهم عنده تعالى.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- إبطال نسبة الولد إلى الله تعالى من قبل المشركين وكذا اليهود والنصارى.

2- بيان كمال عبودية الملائكة لله تعالى وكمال أدبهم وطاعتهم لربهم سبحانه وتعالى.

3- بطلان دعوى المشركين في شفاعة الملائكة لهم، إذ الملائكة لا يشفعون إلا لمن رضي الله تعالى أن يشفعوا له.

4- تقرير وجود شفاعة يوم القيامة ولكن بشروطها وهي أن يكون الشافع قد أذن له بالشفاعة، وأن يكون المشفوع له من أهل التوحيد فأهل الشرك لا تنفعهم شفاعة الشافعين.
_______________________________

1 قيل: هذه الآية نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله تعالى وكانوا يعبدونهم يرجونا شفاعتهم، وفريتهم قائمة على أن الله تعالى أصهر إلى سروات الجنّ فأنجب الملائكة. تعالى الله علواً كبيراً.
2 {بل عباد مكرمون} أي: بل هم عباد مكرمون، فعباد: خبر لمبتدأ محذوف ومكرمون: نعت للخبر.
3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعلم ما عملوا وما هم عاملون كما يعلم ما بين أيديهم من الآخرة وما خلفهم من الدنيا.
4 قال ابن عباس: هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله. وقال مجاهد: هم كل من رضي الله عنه. وهو أعم من الأوّل، وأخص أيضاً باعتبار جهتين.
5 في الآية دليل على أن الملائكة وإن أكرموا بالعصمة فهم متعبدون وليسوا مضطرين إلى العبادة اضطراراً بل شأنهم شأن المعصومين من الرسل يعبدون تعبّداً لا اضطراراً.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1165  
قديم 04-07-2022, 11:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (4)
الحلقة (593)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 408الى صــــ 413)

{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } 30 { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } 31 { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } 32 { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }33


شرح الكلمات:

كانتا رتقا: أي كتلة واحدة منسدة لا انفتاح فيها.

ففتقناهما: أي جعلنا السماء سبع سماوات والأرض سبع أرضين.

رواسي: أي جبالاً ثابتة.

أي تميد بهم: أي تتحرك فتميل بهم.

فجاجا سبلا: أي طرقاً واسعة يسلكونها تصل بهم إلى حيث يريدون.

لعلهم يهتدون: إلى مقاصدهم في أسفارهم.

وهم عن آياتها: من الشمس والقمر والليل والنهار معرضون.

كل في فلك يسبحون: الفلك كل شيء دائر.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ووجوب تنزيه الله تعالى عن صفات النقص والعجز فقال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ1 ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي الكافرون بتوحيد الله وقدرته وعلمه ووجوب عبادته إلى مظاهر قدرته وعلمه وحكمته في هذه المخلوقات العلوية والسفلية فالسماوات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم فخلق الله تعالى منها السماوات والأرضين كما أن السماء تتفتق بإذنه تعالى عن الأمطار، والأرض تتفتق عن النباتات المختلفة الألوان والروائح والطعوم والمنافع، وأن كل شيء حيّ في هذه الأرض من إنسان وحيوان ونبات هو من الماء أليست هذه كلها دالة على وجود الله ووجوب عبادته وتوحيده فيها؟

فماللناس لا يؤمنون؟ هذا ما دل عليه قوله تعالى في الآية الأولى [30] { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً 2فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }؟ وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } أي جبالاً3 ثوابت كيلا تميد أي تتحرك وتضطرب بسكانها، { وَجَعَلْنَا فِيهَا } أي في الأرض { فِجَاجاً سُبُلاً } أي طرقاً سابلة للسير فيها { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ 4} أي كي يهتدوا إلى مقاصدهم في أسفارهم، وقوله: { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً 5مَّحْفُوظاً } من السقوط ومن الشياطين. وقوله: { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا } من الشمس والقمر والليل والنهار إذ هذه آيات قائمة بها { مُعْرِضُونَ } أي لا يفكرون فيها فيهتدوا إلى معرفة الحق عز وجل ومعرفة ما يجب له من العبادة والتوحيد فيها، وقوله: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ6 وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ7 } أي كل من الشمس والقمر في فلك خاص به يسبح الدهر كله، والفلك عبارة عن دائرة كفلكة المغزل يدور فيها الكوكب من شمس وقمر ونجم يسبح فيها لا يخرج عنها إذ لو خرج يحصل الدمار الشامل للعوالم كلها، فسبحان العليم الحكيم، هذه كلها مظاهر القدرة والعلم والحكمة الإِلهية وهي موجبة للتوحيد مقررة له، ولكن المشركين عنها معرضون لا يفكرون ولا يهتدون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده والإِيمان به وطاعته.

2- بيان الحكمة من خلق الجبال الرواسي.

3- بيان دقة النظام الإِلهي، وعظيم العلم والحكمة له سبحانه وتعالى.

4- إعراض أكثر الناس عن آيات الله في الآفاق كإعراضهم عن آياته القرآنية هو سبب جهلهم وشركهم وشرهم وفسادهم.
____________________

1 قرأ الجمهور {أو لم ير} بالواو بعد همزة الاستفهام، وقرأ بعض: {ألم ير} بدون واو، بمعنى يعلم.
2 {رتقا} : الرتق: السدّ ضد الفتق، يقال: رتقت الفتق ارتقه فارتتق. أي: التأم، ومنه: امرأة رتقاء أي: منضمة الفرج غير مفتوق، والمراد أن السموات والأرض كانت شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله بينهما وما في التفسير إشارة إلى ما اختارهُ ابن جرير الطبري وهو: أن السماء كانت رتقا لا تمطر والأرض كانت رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات والآية دالة على الوجهين والوجهان صحيحان.
3 {جعلنا} بمعنى: خلقنا، وهذا اللفظ صالح للدلالة على أنّ كل شيء في هذه المخلوقات من الحيوان والنبات خلق من الماء، والنار: أن حيا ة هذه المخلوفات تحفظ بالماء، وفي الحديث: "كل شيء خلق من الماء". ذكره القرطبي رحمه الله تعالى.
4 رجاء أن يهتدوا في سيرهم إلى ما يرومون من الديار والبلاد، ورجاء أن يهتدوا بذلك إلى الإيمان بالله وتوحيده.
5 سميت السماء سقفاً لأنها مرفوعة فوق الأرض مظلمة لها كالسقف على النار.
6 هذه كلها منن الله تعالى على عباده وآيات قدرته وعلمه وحكمته وكلها موجبة للإيمان به وعبادته وتوحيده وإعراض الناس عن النظر والتدبر هو الذي حرمهم هداية الله تعالى.
7 {كل في فلك يسبحون} : هذه جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً جوابا لمن سمع الآيات، فتساءل عن الشمس والقمر وعن باقي الأجرام السماوية قائلاً: كيف لا يقع بينها تصادم ولا يتخلّف بعضها فيحدث خلل في الكون والحياة فأجيب بقوله تعالى: {كل في فلك يسبحون ... } .

*****************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1166  
قديم 04-07-2022, 11:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } 34 { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } 35 { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } 36 { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } 37 { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }38


شرح الكلمات:

الخلد: أي البقاء في الدنيا.

ذائقة الموت: أي مرارة مفارقة الجسد.

ونبلوكم: أي نختبركم.

بالشر والخير: فالشر كالفقر والمرض، والخير كالغنى والصحة.

فتنة: أي لأجل الفتنة لننظر أتصبرون وتشكرون أم تجزعون وتكفرون.

إن يتخذونك إلا هزواً: أي ما يتخذونك إلا هزواً أي مهزوءاً بك.

يذكر آلهتكم: أي يعيبها.

بذكر الرحمن هم كافرون: حيث أنكروا اسم الرحمن لله تعالى وقالوا: ما الرحمن؟

خلق الإنسان من عجل: حيث خلق الله آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عجل، فورث بنوه طبع العجلة عنه.

سأوريكم آياتي: أي سأريكم ما حملته آياتي من وعيد لكم بالعذاب في الدنيا والآخرة.

معنى الآيات:

كأنَّ المشركين قالوا شامتين إن محمداً سيموت، وقالوا نتربص به ريب المنون فأخبر تعالى أنه لم يجعل لبشر من قبل نبيّه ولا من بعده الخلد حتى يخلد هو صلى الله عليه وسلم فكل نفس ذائقة الموت، ولكن إن مات رسوله فهل المشركون يخلدون والجواب لا، إذاً فلا وجه للشماتة بالموت لو كانوا يعقلون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى [34] { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ 1ٱلْخَالِدُونَ } وقوله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ 2} أي كل نفس منفوسة ذائقة مرارة الموت بمفارقة الروح للبدن، والحكمة في ذلك أن يتلقى العبد بعد الموت جزاء عمله خيراً كان أو شراً، دل عليه قوله بعد: { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ } من غِنى وفقر ومرض وصحة وشدة ورخاء { فِتْنَةً } أي لأجل فتنتكم أي اختباركم ليرى الصابر الشاكر والجزع الكافر. وقوله تعالى: { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي بعد الموت للحساب والجزاء على كسبكم خيره وشره.

وقوله تعالى: { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } يخبر تعالى رسوله بأن المشركين إذا رأوه ما يتخذونه إلا هزواً وذلك لجهلهم بمقامه وعدم معرفتهم فضله عليهم وهو حامل الهدى لهم، وبين وجه استهزائهم به صلى الله عليه وسلم بقوله: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } أي بعيبها وانتقاصها، قال تعالى: { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ 3هُمْ كَافِرُونَ } أي عجباً لهم يتألمون لذكر ألهتم بسوء وهي محط السوء فعلاً، ولا يتألمون لكفرهم بالرحمن ربهم إلا رحمن اليمامة.

وقوله تعالى: { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ4 مِنْ عَجَلٍ } قال تعالى هذا لما استعجل المشركون العذاب وقالوا للرسول والمؤمنين: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فأخبر تعالى أن الاستعجال5 من طبع الإِنسان الذي خلق عليه، وأخبرهم أنه سيريهم آياته فيهم بإِنزال العذاب بهم وأراهم ذلك في بدر الكبرى وذلك في قوله { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } أي فلا داعي إلى الاستعجال وقوله تعالى { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أخبر تعالى عن قيلهم للرسول والمؤمنين وهم يستعجلون العذاب: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ وهذا عائد إلى ما فطر عليه الإِنسان من العجلة من جهة، وإلى جهلهم وكفرهم من جهة أخرى وإلا فالعاقل لا يطالب بالعذاب بل يطالب بالرحمة والخير، لا بالعذاب والشر.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- إبطال ما شاع من أن الخضر حيَّ مخلد لا يموت لنفيه تعالى ذلك عن كل البشر.

2- بيان العلة من وجود خير وشر في هذه الدنيا وهي الاختبار.

3- بيان ما كان عليه المشركون من الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم.

4- تقرير حقيقة أن الإِنسان مطبوع على العجلة فلذا من غير طبعه بالتربية فأصبح ذا أناة وتؤدة كان من أكمل الناس وأشرفهم.
___________________________

1 الاستفهام مقدّر أي: أفهم الخالدون؟ وهو للنفي والإنكار كقول الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا تُرع
فقلت وأنكسرت الوجوه هم هم
أي: أهم؟ ومعنى رفوني سكّنوني يقال رفاه إذا سكنه.
2 يروى أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قد استشهد بالبيتين الآتيين:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
3عجباً لجهلهم وسوء فهمهم يعيبون من جحد إلهية أصنامهم وهم يجحدون إلهية الرحمن إنّ هذا لغاية الجهل والغرور.
4 إنّ طبع الإنسان العجلة إنه يستعجل الأشياء وإن كان فيها مضرته، ولفظ الإنسان جائز أن لا يكون المراد به جنس الإنسان أو آدم عليه السلام قال سعيد بن جبير لما دخل الروح في عين آدم نظر في ثمار الجنة، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك قوله تعالى {خلق الإنسان من عجل}
5العجلة: السرعة، قيل: إن ضعف صفة الصبر في الإنسان من مقتضى التفكير في المحبة والكراهة، فإذ فكر في شيء محبوب استعجل حصوله، وإذا فكر في شيء مكروه استعجل إزالته، ومن هنا كان عجولا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1167  
قديم 04-07-2022, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (5)
الحلقة (594)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 414الى صــــ 417)

{ لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } 39 { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } 40 { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } 41 { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } 42 { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ }43


شرح الكلمات:

لا يكفون: أي لا يمنعون ولا يدفعون النار عن وجوههم.

بل تأتيهم بغتة: أي تأتيهم القيامة بغتة أي فجأة.

فتبهتهم : أي تُحيرهم.

ولا هم ينظرون : أي يمهلون ليتوبوا.

وحاق بهم: أي نزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزءون.

من يكلؤكم: أي من يحفظكم ويحرسكم.

من الرحمن: أي من عذابه إن أراد إنزاله بكم.

بل هم عن ذكر ربهم معرضون: أي هم عن القرآن معرضون فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه.

ولا هم منا يصحبون: أي لا يجدون من يجيرهم من عذابنا.

معنى الآيات:

يقول تعالى { لَوْ1 يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } المستعجلون بالعذاب المطالبون به حين أي الوقت الذي يُلقون فيه في جهنم والنار تأكل وجوههم وظهورهم، ولا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم منها ولا هم ينصرون بمن يدفع العذاب عنهم لو علموا هذا وأيقنوا به لما طالبوا بالعذاب ولا استعجلوا يومه وهو يوم القيامة، هذا ما دل عليه قوله تعالى: { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ 2 كَفَرُواْ حِينَ3 لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } وقوله تعالى: { بَلْ 4تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي أن القيامة لا تأتيهم على علم منهم بوقتها وساعتها فيمكنهم بذلك التوبة، وإنما تأتيهم { بَغْتَةً } أي فجأة { فَتَبْهَتُهُمْ } أي فتحيرهم { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي يمهلون ليتوبوا من الشرك والمعاصي فينجوا من عذاب النار، وقوله تعالى: { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وهو العذاب هذا القول للرسول صلى الله عليه وسلم تعزية له وتسلية ليصبر على ما يلاقيه من استهزاء قريش به واستعجالهم العذاب، إذ حصل مثله للرسل قبله فصبروا حتى نزل العذاب بالمستهزئين بالرسل عليهم السلام.

وقوله تعالى: { قُلْ5 مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } يأمر تعالى رسوله أن يقول للمطالبين بالعذاب المستعجلين له: { مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي من يجيركم من الرحمن إن أراد أن يعذبكم، أنه لا أحد يقدر على ذلك إذاً فلم لا تتوبون إليه بالإيمان والتوحيد والطاعة له ولرسوله، وقوله: { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } إن علة عدم استجابتهم للحق هي إعراضهم عن القرآن الكريم وتدبر آياته وتفهم معانيه وقوله: { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } ينكر تعالى أن يكون للمشركين آلهة تمنعهم من عذاب الله متى نزل بهم ويقرر أن آلهتهم لا تستطيع نصرهم { وَلاَ6 هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي وليس هناك من يجيرهم من عذاب الله من آلهتهم ولا من غيرها فلا يقدر أحد على إجارتهم من عذاب الله متى حل بهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير أن الساعة لا تأتي إلا بغتة.

2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

3- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بما كان عليه الرسل من قبله وما لاقوه من أُممهم.

4- بيان عجز آلهة المشركين عن نصرتهم بدفع العذاب عنهم متى حل بهم.

5- بيان أن علة إصرار المشركين على الشرك والكفر هو عدم إقبالهم على تدبر القرآن الكريم وتفكرهم في آياته وما تحمله من هدى ونور.
_________________________

1 جواب لو: محذوف تقديره: لما استعجلوا أي: لو عرف هؤلاء المستعجلون وقت لا تزول فيه النار عن وجوههم وعن ظهورهم لما استعجلوا العذاب.
2 جواب لو: محذوف كما تقدم آنفاً، والغرض من حذفه تحويل جنسه فتذهب نفس السامع كل مذهب. وجملة: {لو يعلمون..} الخ مستأنفة استئنافاً بيانياً.
3 {حين} اسم زمان منصرف منصوب على المفعولية لا على الظرفية أي: لو علموا وقته وأيقنوا بحصوله لما كذّبوا به.
4 {بل} : للإضراب الانتقالي من تهويل ما أعدّ لهم إلى التهديد بأن ذلك يحلّ بهم بغتة (أي فجأة) .
5 يكلأكم: أي يحرسكم ويحفظكم إذ الكلاءة: الحفظ والحراسة يقال: كلاه الله كلاءة أي: حفظه وحرسه ومنه قول الشاعر:
إنّ سليمى والله يكلأها
ضنّت بشيء ما كان يرزؤها
والاستفهام في: من يكلأكم: للنفي.
6 فسر يصحبون بيمنعون، ويجارون قال الشاعر:
ينادي بأعلى صوته متعوذاً
ليصحب منها والرماح دواني

*************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1168  
قديم 04-07-2022, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } 44 { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } 45 { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } 46 { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }47


شرح الكلمات:

متعنا هؤلاء وآباءهم: أي بما أنعمنا عليهم من الخيرات.

حتى طال عليهم العمر: فانغرُّوا بذلك.

ننقصها من أطرافها: أي بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين.

إنما أنذركم بالوحي: أي بأخبار الله تعالى التي يوحيها إلي وليس هناك شيء من عندي.

نفحة: أي وقعة من عذاب خفيفة.

يا ويلنا إنا كنا ظالمين: أي يقولون يا ويلنا أي يا هلاكنا.

إنا كنا ظالمين: أي بالشرك والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم.

الموازين القسط: أي العادلة.

فلا تظلم نفس شيئاً: لا بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة.

مثقال حبة: أي زنة حبة من خردل.

وكفى بنا حاسبين: أي محصين لكل شيء.

معنى الآيات:

ما زال السياق في إبطال دعاوي المشركين فقال تعالى: { بَلْ مَتَّعْنَا 1 هَـٰؤُلاۤءِ } بما أنعمنا عليهم هم وآباؤهم فظنوا أن آلهتهم هي الحافظة لهم بل الله هو الحافظ حتى طال عليهم العمر2 فانغروا بذلك. { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ } أرض الجزيرة بلادهم { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } بدخول أهلها في الإِسلام بلداً بعد بلد. { أَفَهُمُ 3ٱلْغَالِبُونَ }؟ الله هو الغالب حيث مكن لرسوله والمؤمنين وفتح عليهم، ثم أمر رسوله أن يقول لهم أيها المكذبون إنما أنذركم العذاب وأخوفكم من عاقبة شرككم بالوحي الإِلهي لا من تلقاء نفسي، وقوله تعالى: { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } فالصم لحبهم الباطل الذي هم عليه لا يسمعون الدعاء إذا ما ينذرون وفي الخبر حبك الشيء يعمي ويصم فحبهم للشرك وآلهته جعلهم لا يسمعون فاستوى انذارهم وعدمه وقوله تعالى: { وَلَئِن 4مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ } أي وقعة خفيفة من العذاب لصاحوا يدعون بالويل على أنفسهم قائلين { يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ 5} فكيف بهم إذا وضعت الموازين العدل ليوم القيامة حيث لا تظلم نفس شيئاً وإن قل وإن كان مثقال حبة من حسنة أو سيئة أتينا بها ووزناها { وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ 6} أي محصين لأعمال العباد لعلمنا المحيط بكل شيء وقدرتنا التي لا يعجزها شيء.. ألا فلنتق الله أيها العقلاء!!

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- طول العمر والرزق الواسع كثيراً ما يُسبب الغرور لصاحبه.

2- حب الشيء يعمي صاحبه حتى لا يرى إلا ما أحبه ويصمه بحيث لا يسمع إلا ما أحبه.

3- بيان ضعف الإِنسان وأن أدنى عذاب ينزل به لا يتحمله ويصرخ داعياً يا هلاكاه.

4- تقرير البعث والحساب والجزاء.
_____________________________

1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد أهل مكة. أي: بسطنا لهم ولآبائهم نعيمها.
2 {طال عليهم العمر} أي: في النعمة فظنوا أنها لا تزول عنهم؟ فانغروا وأعرضوا عن تدبرّ حجج الله عز وجل.
3 المس: اتصال بظاهر الجسم، والنفحة: المرّة من النفح في العطية، يقال: نفحه بشيء إذا أعطاه. وما في التفسير مغن عن هذا.
4 هذا اعتراف منهم في حين لا ينفع الاعتراف.
5 قيل: يجوز أن يكون لكل عامل ميزان خاص به فتكثر الموازين كما قال الشاعر:
ملك تقوم الحادثات لعدله
فلكل حادثة لها ميزان
6 ضمير الجمع في {حاسبين} : مراعى فيه ضمير العظمة، وهو منصوب على الحال أو التمييز لكفى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1169  
قديم 04-07-2022, 11:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (6)
الحلقة (595)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 417الى صــــ 421)

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } 48 { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } 49 { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }50


شرح الكلمات:

الفرقان: التوراة لأنها فارقة بين الحق والباطل كالقرآن.

وضياء: أي يهدي إلى الحق في العقائد والشرائع.

وذكراً: أي موعظة.

يخشون ربهم بالغيب: أي يخافون ربهم وهم لا يرونه في الدنيا فلا يعصونه بترك واجب ولا بفعل حرام.

وهم من الساعة مشفقون: أي وهم من أهوال يوم القيامة وعذابه خائفون.

وهذا ذكر مبارك: أي القرآن الكريم تنال بركته قارئه والعامل به.

أفأنتم له منكرون: الاستفهام للتوبيخ يوبخ تعالى من أنكر أن القرآن كتاب الله.

معنى الآيات:

يخبر تعالى أنه آتى موسى وهارون الفرقان1 أي الحق الذي فرق بين حق موسى وهارون وبين باطل فرعون، كما فرق بين التوحيد والشرك يوم بدر يوم الفرقان وآتاهما التوراة ضياء يستضاء بها في معرفة الحلال والحرام والشرائع والأحكام وذكراً أي موعظة للمتقين، ووصف المتقين بصفتين: الأولى أنهم يخشون ربهم أي يخافونه بالغيب 2أي وهم لا يرونه والثانية: أنهم مشفقون3 من الساعة أي مما يقع فيها من أهوال وعذاب وقوله تعالى:

{ وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } يشير إلى القرآن الكريم ويصفه بالبركة فبركته لا ترفع فكل من قرأه وعمل بما فيه نالته بركته قراءة الحرف الواحد منه بعشر حسنات لا تنقضي عجائبه ولاتكتنه أسراره ولا تكتشف كل حقائقه، هدى لمن استهدى، وشفاء لمن استشفى وقوله تعالى: { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ 4 } يوبخ به العرب الذين آمنوا بكتاب اليهود إذ كانوا يسألونهم عما في كتابهم، وكفروا بالقرآن الذي هو كتابهم فيه ذكرهم وشرفهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- إظهار منة الله تعالى على موسى وقومه ومحمد وأمته بإنزال التوراة على موسى والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.

2- بيان صفات المتقين وهم الذين يخشون ربهم بالغيب فلا يعصونه بترك واجب ولا بفعل محرم: وهم دائما في اشفاق وخوف من يوم القيامة.

3- الإشادة بالقرآن الكريم حيث أنزله تعالى مباركاً.

4- توبيخ وتقريع من يفكر بالقرآن وينكر ما فيه من الهدى والنور.
____________________________________

1 وفسر الفرقان بالتوراة أيضاً وهو حق أيضاً وجائز أن يكون النصر، إذ معنى الفرقان: أنه ما يفرّق به بين الحق والباطل بالقول أو العمل.
2 قال القرطبي: {بالغيب} أي: غائبين لأنهم لم يروا الله تعالى بل عرفوا بالنظر والاستدلال أنّ لهم ربَّا قادراً يجازي على الأعمال فهم يخشونه في سرائرهم وخلواتهم التي يغيبون فيها عن الناس، والباء في: {بالغيب} بمعنى الفاء أي: يخشونه تعالى في الغيب.
3 الإشفاق: هو رجاء حادث مخوف.
4 الاستفهام للتعجب والتوبيخ.

*************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #1170  
قديم 04-07-2022, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } 51 { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } 52 { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } 53 { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } 54 { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } 55 { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } 56 { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } 57 { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ }58


شرح الكلمات:

رشده: أي هداه بمعرفة ربّه والإِيمان به ووجوب طاعته والتقرب إليه.

التماثيل: جمع تمثال وهو الصورة المصنوعة على شبه إنسان أو حيوان.

التي أنتم لها عاكفون: أي مقبلون عليها ملازمون لها تعبداً.

أم أنت من اللاعبين: أي الهازلين غير الجادين فيما يقولون أو يفعلون.

ربكم رب السماوات: أي المستحق للعبادة مالك السماوات والأرض.

الذي فطرهن: أي أنشأهن خلقاً وإيجاداً على غير مثال سابق.

لأكيدن أصنامكم: أي لأحتالن على كسر أصنامكم وتحطيمها.

جذاذاً: فتاتاً وقطعاً صغيرة.

إلا كبيراً لهم: إلا أكبر صنم لهم فإنه لم يكسره.

لعلهم إليه يرجعون: كي يرجعوا إليه فيؤمنوا بالله ويوحّدوه بعد أن يظهر لهم عجز آلهتهم.

معنى الآيات:

على ذكر ما منّ به تعالى على موسى وهارون ومحمد صلى الله عليه وسلم من إيتائه إياهم التوراة والقرآن ذكر أنه امتن قبل ذلك على إبراهيم فآتاه رشده في صباه فعرفه به وبجلاله وكماله ووجوب الإِيمان به تعالى وعبادته وحده، وإن عبادة من سواه باطلة، فقال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ1 رُشْدَهُ مِن قَبْلُ } وقوله: { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ2 } أي بأهليته للدعوة والقيام بها لما علمناه { إِذْ قَالَ } أي في الوقت الذي قال لأبيه أي آزر، وقومه منكراً عليهم عبادة غير الله { مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ 3 ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } أي مقبلون عليها ملازمون لها فأجابوه بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } فأعلنوا عن جهلهم إذ لم يذكروا برهاناً على صحة أو فائدة عبادتها واكتفوا بالتقليد الأعمى وشأنهم في هذا شأن سائر من يعبد غير الله تعالى فإنه لا برهان له على صحة عبادة من يعبد إلا التقليد لمن رآه يعبده.

فرد عليهم إبراهيم بما أخبر تعالى عنه في قوله { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } أي الذين قلدتموهم في عبادة الأصنام { فِي ضَلاَلٍ } أي عن الهدى الذي يجب أن تكونوا عليه { مُّبِينٍ } لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، وردوا على إبراهيم قوله هذا فقالوا بما أخبر تعالى به عنهم { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ 4} أي فيما قلت لنا من أنَّا وآباءنا في ضلال مبين { أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } أي في قولك الذي قلت لنا فلم تكن جاداً فينا تقول وإنما أنت لاعب لا غير ورد إبراهيم عليهم بما أخبر تعالى به عنه في قوله: { قَالَ بَل5 رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } أي ليس ربكم تلك التماثيل بل ربكم الحق الذي يستحق عبادتكم الذي فطر السماوات والأرض فأنشأهن خلقاً عجيباً من غير مثال سابق وأنا على كون ربكم رب السماوات والأرض من الشاهدين إذ لا رب لكم غيره، ولا إله حق لكم سواه، { وَتَٱللَّهِ } قسماً به تعالى { لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } أي 6لأحتالن عليها فأكسرها { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ7 } أي بعد أن ترجعوا عنها وتتركوها وحدها.
وفعلاً لما خرجوا إلى عيد لهم يقضون يوماً خارج المدينة أتى تلك التماثيل فكسرها فجعلها قطعاً متناثرة هنا وهناك إلا صنماً كبيراً لهم تركه 8{ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } أي يرجعون إلى إبراهيم فيعبدون معه ربّه سبحانه وتعالى عندما يتبيّنُ لهم بطلان عبادة الأصنام لأنها لم تستطع أن تدفع عن نفسها فكيف تدفع عن غيرها.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- مظاهر إنعام الله وإكرامه لمن اصطفى من عباده.

2- تقرير النبوة والتوحيد، والتنديد بالشرك والمشركين.

3- ذم التقليد وأنه ليس بدليل ولا برهان للمقلد على ما يعتقد أو يفعل.

4- مشروعية الشهادة وفضلها في مواطن تعز فيها ويحتاج إليها.

5- تغيير المنكر باليد لمن قدر عليه مقدم على تغييره باللسان والجمع بينهما أفضل.
____________________________

1 جائز أن يكون من قبل موسى وهارون وجائز أن يكون من قبل النبوة والوحي إليه والرشد: الصلاح.
2 أي: باهليته لإيتاء الرشد وصالح للنبوة، وجائز أن يكون عالمين به في الوقت الذي قال لأبيه وقومه: {ما هذه التماثيل} والظرف متعلق باذكر.
3 ظاهر السؤال أنه سؤال استعلام فلذا أجابوه بحسبه فقالوا: {وجدنا آباءنا لها عابدين} ، وضمّن (عاكفون) معنى العبادة فعُدّي باللام.
4 الاستفهام للاستعلام أي: جئتنا بالحق في اعتقادك أم أنت مازح فيما تقول؟
5 أي: لست بلاعب ولا مازح {بل ربكم ربّ السموات..} الخ.
6 أقسم لهم بالله على أنه لم يكتف بالمحاجة باللسان وإنما سيكيد أصنامهم فيكسرها وذلك لوثوقه بربه تعالى، ولتوطينه نفسه على مقاساة المكروه في الذبّ عن دين الله والتاء في تالله تختص بالقسم بالله وحده، والواو تختص بكل اسم ظاهر والباء بكل مضمر ومظهر.
7 {مدبرين} حال مؤكدة لعاملها.
8تركه لم يكسره وعلّق الفأس في عنقه. وقوله: {لعلهم إليه يرجعون} : جائز أن يكون المراد بالرجوع إلى الصنم في تكسيرها، وما في التفسير أولى وأصوب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 217.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 211.93 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]