شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         من مائدة الصحابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 3236 )           »          السيرة النبوية: ما؟ ولم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حديث: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أفلا شققت عن قلبه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فوائد من "شرح علل الترمذي" لابن رجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الرد على المقال المتهافت: أكثر من 183 سنة مفقودة من الإسلام أين هي؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تفسير قوله تعالى: {إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 487 - عددالزوار : 193303 )           »          من أسماء الله (الرحمن والرحيم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صفة اليدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-10-2020, 03:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (84)

صـــــ(15) إلى صــ(23)

الأسئلة
[الإشارة بالسبابة في التشهد وغاية انتهائها]
q إذا أشار المصلي بسبابته في التشهد عند لفظة الشهادة، فهل يبقى مشيرا إلى نهاية التشهد أم يقبضها؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فقد ذكرنا أن أصح شيء ما جاء في كونه يشير، ويبقى بإشارته حتى ينتهي منكتا بها إلى الأرض، وإن حركها يتأول قول من قال بذلك فلا حرج، وإن أشار بها شديدا -كما هو اختيار بعض السلف- فلا حرج، فالأمر في هذا أن كل من ثبتت عنده سنة، أو اطمأن إلى قول عالم يقول بسنة، أو يترجح عنده صحة حديث التحريك والإشارة بها ولو مترددا فلا حرج عليه؛ لأن له أصلا، والأقوى ما ذكرناه؛ لأن السنة دلت على أن الحركة لا تجوز إلا بدليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اسكنوا في الصلاة) فلما قال عليه الصلاة والسلام: (اسكنوا في الصلاة)، كان الأصل هو عدم التحريك حتى يدل الدليل على التحريك، فجاء الدليل يدعو بها، فنقول: إن مطلق الدعاء بها لا يستلزم الحركة كما هو معلوم.
[معنى السلام على عباد الله الصالحين في التشهد]
q ما معنى أن كل عبد صالح يصله السلام عند التسليم من عباد الله المصلين؟

a المراد بذلك أن السلام أصله الدعاء بالسلامة، فإذا قلت لإنسان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.فمعناه: سلمكم الله من الآفات ومن الشرور، وسلمكم الله من الفتن، فتدعو له بالسلامة؛ لأن من سلم غنم، فالعبد إذا سلمه الله كان غانما وعلى خير وبر، والسلامة تكون في الدين والدنيا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يا عم رسول الله! سل الله العافية، يا عم رسول الله! سل الله العافية، يا عم رسول الله! سل الله العافية) فالعافية هي السلامة، فمن عوفي فقد سلم، فإذا قلت: (السلام عليكم) أي: سلمكم الله، وإذا قلت: (السلام علينا) أي: أسأل الله أن يسلمنا، (وعلى عباد الله الصالحين) أي: أسأل الله أن يسلمهم، فتلقي السلام عليهم، وهذا بمثابة الدعاء أن يسلمهم الله، والله تعالى أعلم.
[إذا نسي المصلي فسلم عن اليسار قبل اليمين]
q إذا نسي المصلي فسلم أولا على الشمال ثم على اليمين، فهل يلزمه سجود السهو، أم أنه خالف السنة ولا شيء عليه؟

a أما بالنسبة لتسليمه عن يساره قبل اليمين فإنه يعتبر خارجا من الصلاة بتسليم اليمين زائدا لتسليمة اليسار؛ لأن تسليمة اليسار وقعت في غير موقعها، فلذلك يعتبر أشبه بالالتفات الزائد، ولذلك اختار بعض العلماء رحمة الله عليهم أنه يسجد للزيادة، خاصة على القول بأن سجود الزيادة بعد السلام، فبعد أن يسلم يسجد سجدتين؛ لأن زيادة التسليم من جنس الصلاة، فيسجد السجدتين بعد السلام، والله تعالى أعلم.
[حكم تكبيرات الانتقال للإمام والمأموم]
q هل يجب على المأموم تكبيرات الانتقال؟

a تكبيرات الانتقال واجبة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وقد فعلها عليه الصلاة والسلام وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، والمراد بتكبيرات الانتقال: تكبيره للركوع، وتكبيره للسجود، وتكبيره للرفع من السجود، وتكبيره للسجدة الثانية، وتكبيره للقيام إلى الثانية والثالثة، فكلها وصفت بكونها تكبيرات انتقال؛ لأنه ينتقل بها من ركن إلى ركن، فلما كان قائما انتقل إلى الركوع فقال: الله أكبر، وكان ساجدا فانتقل إلى الجلوس فقال: الله أكبر.فقالوا: هذه تكبيرات الانتقال، وأصح الأقوال وجوبها، والله تعالى أعلم.
[التسليم قبل الوجه ثم الالتفات]
q ما حكم من ينطق بالتسليمة ثم يقوم بعد ذلك بالالتفات؟

a هذا قول بعض العلماء رحمة الله عليهم، ويميل إليه بعض المالكية، حيث قالوا: إن التسليم أن يسلم قبل وجهه ثم يلتفت.خاصة وأنهم يقولون بالتسليمة الواحدة، وعلى العموم فإذا اختار أحد هذا القول وعمل به فلا إنكار عليه.
[حكم من أدرك مع الإمام ركعة]
q رجل أدرك ركعة مع الإمام في صلاة المغرب، فهل يقرأ التشهد الثاني مع الإمام حتى يسلم، ثم يكمل ما فاته، أم يقتصر على التشهد الأول؟

a إذا صليت وراء إمام وأدركت شيئا من الركعات، وفاتك شيء منها، ثم جلست الجلسة الأخيرة فبعض العلماء يقول: العبرة بحاله عند ائتمامه كحال الإمام، فإذا كان مؤتما يعتبر حاله كحال الإمام، فيفعل ما يفعله من وراء الإمام، ويتفرع على هذا القول مسائل، منها: أنك لو أدركت الإمام في الركعة الثالثة من العصر تقتصر على الفاتحة، والثالثة من المغرب تقتصر على الفاتحة، والثالثة من العصر كذلك تقتصر على الفاتحة.وأما القول الثاني فإنه يقول: العبرة بالمأموم؛ لأن صلاته مع الإمام هي الأولى.فعلى القول الأول فإنه عند تشهد الإمام التشهد الأخير يعتبر حاله حال المتم، ويتشهد تشهدا كاملا، وهذا أقوى.وعلى القول الثاني يعتبر حاله وراء الإمام حال الباني، فصلاته مع الإمام هي الأولى، ويكون حاله دون حال الإمام.ومن فوائد هذه المسألة أن من أدرك الإمام في التكبيرة الثانية أو الثالثة من صلاة الجنازة، فبعضهم يرى أن العبرة بحاله، فحينئذ يبتدئ بالفاتحة، خاصة وأنها ركن في الصلاة، وحتى لو كان الإمام في الدعاء تداركا لما فات، والقول بأنه يعتبر حاله كحال الإمام أقوى، وذلك لظاهر السنة: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، فإنه جعل الإتمام والبناء بعد الانفصال، وبعد الإكمال، ولذلك يقوى في هذه الحالة اعتبار حاله مع الإمام كحال الإمام، فيأتم بالإمام على الصورة التي يجده عليها.ولا يشكل على هذا قول من قال: إنه لو أدرك مع الإمام التكبيرة التي قبل الأخيرة في الصلاة على الجنازة فإنه يترك الفاتحة؛ فإننا نقول: إنه لو أدركه وصلى وراءه فإنه يدعو، فكما أنه لو أدركه راكعا، أو أدركه قبل الركوع بقليل لا يتمكن فيه من قراءة الفاتحة فإنها تسقط عنه، كذلك تسقط عنه هنا، فدل على أن مسائل الاضطرار لا تأخذ حكم الاختيار، ولا يلزم فيها بالأصل ولا يعترض به، والله تعالى أعلم.
[الدعاء في الصلاة بغير اللغة العربية]
q هل يجوز الدعاء في الصلاة بغير اللغة العربية؟

a فقد رخص بعض أهل العلم في الأمور التي هي من غير الأذكار والأدعية المخصوصة كالتشهد، فإذا كان الإنسان أعجميا ولا يسعه أن يتعلم الدعاء الوارد فله أن يدعو بلسانه ولا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يتخير من المسألة ما شاء)، ولم يقيد ذلك بلسان، لذلك قالوا: إنه لا حرج عليه.ولأن كثيرا ممن يسلمون ويكونون حديثي عهد بجاهلية لا يستطيعون الكلام، فإذا كانوا من العجم فلا يستطيعون تعلم اللغة ومعرفة اللسان العربي في الدعاء إلا بعد وقت وجهد، ولذلك وسع عليهم من هذا الوجه، فلا حرج عليه أن يدعو بدعائه سواء أكان بعد انتهاء تشهده أم في حال سجوده، والله تعالى أعلم.
[حكم التسليمتين في صلاة الجنازة]
q نرى من يسلم في صلاة الجنائز عن اليمين والشمال، فما حكم التسليم عن الشمال؟

a المحفوظ التسليمة الواحدة، وحكى بعض أهل العلم التسليمة الثانية، لكني لا أحفظ في ذلك حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيسأل، فإذا كان عنده حجة ودليل ثابت في هذا، فحينئذ لا إشكال، وإلا الأصل في التسليم المتابعة وعدم إحداث سلام زائد على ما ورد.

[قول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) وخلاف العلماء في محله]

q هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) بعد التشهد؟

a نعم، فهذا اختيار بعض العلماء لقوله عليه الصلاة والسلام: (يا معاذ! إني والله لأحبك.فقال معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله.وأنا والله أحبك، فقال: أوصيك يا معاذ ألا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).فقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم: (دبر كل صلاة) إن دبر الشيء منه.فقالوا: تدعو بهذا الدعاء بعد التشهد، فتقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).وقال بعض العلماء: إنه يدعو به خارج الصلاة وهو أقوى، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).وبالإجماع فإن هذه الأذكار تكون بعد الفراغ من الصلاة، وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بكونها دبر الصلاة، قالوا: قد عرف في اللسان العربي أنه يوصف الشيء بحكم قربه من غيره، ولذلك يقولون: إن قوله: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) إنما يكون بعد الانتهاء من السلام، وهذا المذهب أقوى لوجود النظير الدال عليه، ولأن الأصل أن لا يدخل في الصلاة إلا بدليل، فإذا فعله الإنسان في أثناء التشهد لا ينكر عليه، وإن فعله بعد انتهائه من السلام فهو الأولى والأحرى، والله تعالى أعلم.
[ضابط صلاة الإشراق]
q هل ينبغي لمن جلس إلى الإشراق أن لا يتحرك من مكانه الذي صلى فيه؟ أم أن المقصود بالمصلى المسجد عامة؟

a أما بالنسبة لصحة الحديث الوارد في ذلك والقول بثبوته أو تصحيحه لغيره.فهو يتوقف على مجموع طرق الحديث، والمعتبر بالتحسين منها كله بلفظ: (في مقعده)، (في مصلاه)، والقاعدة أن الإضافة تقتضي التخصيص؛ فإن معنى (مقعده) أي: مكان جلوسه، و (مصلاه) أي: مكان صلاته، ولذلك المحفوظ من كلام أهل العلم أن المراد بمقعده ومصلاه نفس المكان، حتى ولو قام يريد أن يأخذ المصحف فإنه لا يعتبر له هذا الفضل فإنك لو تأملت أن فضل ذلك حجة وعمرة تامة تامة فإنه ليس باليسير، وهذا أمر ينبغي للإنسان أن يجتهد فيه، ولذلك كلما كان الفضل أعظم والأجر أكثر كان الابتلاء أكثر وأعظم، ولذلك ابتلي بأن يثبت في نفس المصلى.ثم إنه ينبغي عليه أن يكون ذاكرا لله؛ إذ بعضهم يجلس وينام، وربما يتكاسل حتى تصيبه السنة من النعاس، ويغفل عن ذكر الله عز وجل، فقد شدد بعض العلماء حتى قال: لو أنه تكلم في فضول الدنيا فإنه لا يؤمن أن يفوته الفضل وهذا أقوى.واعترض على هذا القول بما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بعد صلاة الفجر فيحلق عليه الصحابة، فيأخذون فيما كانوا فيه من أمور الجاهلية -أي: يتحدثون بما كانوا عليه من الجاهلية- فيضحكون ويتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.قالوا: فهذا يدل أنه لا حرج أن يتكلم في أمور الدنيا، ولكن هذا الاعتراض ضعيف؛ لأن الكلام كان من الصحابة، ولم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم.والأمر الثاني: أنهم كانوا يتحدثون بما كانوا عليه من أمور الجاهلية على سبيل ذكر نعمة الله عليهم، فكان عبادة من هذا الوجه، فإنهم يذكرون ما امتن الله عليهم بنعمة الإسلام، فيكون التحدث بما كانوا عليه في الجاهلية على سبيل الإشعار بفضل الله عليهم بالهداية للإسلام، ولذلك كان التحدث بالنعم شكرا لله عز وجل، فهو ذكر وطاعة من هذا الوجه.فالذي تطمئن إليه النفس أن يبقى قارئا للقرآن، أو مسبحا، أو مهللا، أو مكبرا، أو مستغفرا، أو قائلا لأذكار الصباح، أو أذكار المساء، ويجلس في ذكر وطاعة، وهذا يحتاج إلى جهاد وصبر حتى ينال فضل الحجة والعمرة التامة التامة.وأما القول بأن مصلاه المسجد كله فلا أحفظ أحدا من العلماء من السلف رحمة الله عليهم يقول به، وخاصة أن ظاهر الحديث لا يساعد عليه، فالقول بأن مصلاه المراد به المصلى كله من باب التجوز، والأصل حمل اللفظ على حقيقته بقيد (مصلاه) أي: مكان صلاته، كما يقال: مسجده أي: مكان سجوده، وهذا هو الأقوى والأشبه بلفظ الحديث، والله تعالى أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-10-2020, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (85)

صـــــ(1) إلى صــ(9)

شرح زاد المستقنع - فصل: مكروهات الصلاة
المكروه هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وفي الصلاة مكروهات لا ينبغي فعلها؛ لأنها تنقص من الخشوع والإقبال على الصلاة،
ومنها:
الالتفات، ورفع البصر إلى السماء، وإغماض العينين، والإقعاء في الجلوس، وافتراش الذراعين في السجود، والعبث، والتخصر، والتروح، وفرقعة الأصابع، وتشبيكها، والصلاة مع وجود البول، أو الطعام، وتكرار سورة الفاتحة.
[مكروهات الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:
[الالتفات]
فيقول المصنف عليه رحمة الله:
[فصل: ويكره في الصلاة التفاته] بعد أن فرغ المصنف رحمه الله من بيان صفة الصلاة المشروعة الكاملة، وشرع الآن في بيان ما يكره للإنسان أن يفعله في الصلاة،
ولذلك قال:
[فصل]،
وأصل الفصل: قطع الشيء عن الشيء،
والفاصل: هو الحائل بين الشيئيين.ووصف العلماء رحمهم الله هذه المواضع بكونها فصلا؛ لأنه يفصل بها بين المسائل والأحكام لاختلاف أجناسها وما تضمنته من معان.وهذا الفصل سيتكلم المؤلف رحمه الله فيه على الأمور المكروهة، وهي التي يتركها الإنسان فيثاب على تركها، ولا يعاقب على فعلها، والسبب في إيراد هذا الفصل في المكروهات هو أن اتقاء هذه المكروهات يحصل به المكلف على كمال الصلاة، فلما فرغ من صفة الصلاة الكاملة نبه على أن هذا الكمال ينبغي أن يكون مصحوبا بترك هذه الأمور التي فعلها يعد خلاف الأولى.
والمكروه:
هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، ويأتي النهي عنه من الشرع إما في الكتاب، وإما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة عنه، وتدل الأدلة على أن هذا النهي الوارد في الكتاب، أو الوارد في السنة ليس على ظاهره وإنما هو على الكراهة.
قوله:
[يكره في الصلاة التفاته] أي: يكره للمصلي إذا كان في صلاته أن يلتفت،
يقال: التفت إذا صرف وجهه قبل اليمين أو قبل الشمال،
وهذا الالتفات يكون من المكلف على صورتين:

الصورة الأولى: أن يصرف وجهه مع بقاء جذع جسمه.
الصورة الثانية:
أن يصرف الوجه والجسد.ومراد المصنف رحمه الله هنا صرف الوجه وحده، فإن السنة لمن وقف بين يدي الله عز وجل أن ينصب وجهه، وأن لا يلتفت يمينا ولا شمالا، وهذا من تعظيم أمر الصلاة، وتعظيم الموقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك أمر الله باستقبال القبلة، ويكون استقبال المكلف لها بجميع جسمه، فإذا التفت فقد صرف وجهه عن قبلته؛ ولذلك يعتبر هذا ممنوعا عن المصلي.وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الالتفات الذي يقع من الناس،
فقال عليه الصلاة والسلام: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)،
وأصل الاختلاس: الأخذ بسرعة مع غفلة المأخوذ منه،
أي: يأخذ الشيطان حظا بهذا الالتفات من صلاة الإنسان،
حتى قال بعض العلماء:
إنه ينقص أجره على قدر ما كان منه من الالتفات.والالتفات إذا كان ضروريا لحاجة؛ أو أمر ناب الإنسان فالتفت من أجله، فهذا إن كان يسيرا فإنه لا يضر ولا يؤثر في الصلاة.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه حينما كان في الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تأخر عن الحضور بسبب كونه يصلح بين حيين من بني عوف بقباء، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر وأخبره، فأقام بلال الصلاة وتقدم أبو بكر رضي الله عنه؛ فلما كان في الصلاة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس لـ أبي بكر، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت من كمال خشوعه وصلاته، فلما أكثر الناس عليه التسبيح التفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك إلى آخر الحديث.ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا بكر حينما التفت، ولم يجعل التفات أبي بكر موجبا لبطلان الصلاة، فأخذ العلماء من هذا دليلا أن المكلف إذا كان في الصلاة والتفت لمصلحة الصلاة، أو لأمر مضطر إليه لمصلحة نفسه، كأن يظن أن عقربا يتحرك عن يمينه، أو حية تحركت عن شماله فخاف على نفسه فالتفت، فحينئذ يكون مضطرا إلى هذا الالتفات ومحتاجا إليه، فلا يوجب بطلان صلاته.والالتفات يكون جزءا وكلا،
فالالتفات الكامل: أن يصل الذقن إلى العاتق، وفي هذه الحالة يكون الالتفات كاملا، وأما الالتفات الجزئي فيكون بصرف الوجه قليلا، وهذا لا يؤثر، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا شوش عليه الشيطان في صلاته فيتفل عن يساره ثلاثا.فإذا كثرت وساوس الشيطان على الإنسان وهو في الصلاة،
وقال له الشيطان:
اذكر كذا، اذكر كذا.يريد أن يصرفه عما هو فيه من أمور الصلاة والخشوع فيها فإنه يحرك رأسه قليلا دون أن يلتفت التفاتا كاملا، ثم يتفل عن يساره، أي جهة اليسار،
فكونه عليه الصلاة والسلام يقول: (وليتفل عن يساره) يدل على أنه نوع التفات، وهو جزء الالتفات الذي ذكرناه.
أما الالتفات الكامل فقد قلنا:
إنه إذا وجدت الضرورة فلا إشكال، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التفت إلى الشعب وهو في الصلاة، وجاء في بعض الروايات أنه كان يلتفت إلى الشعب، وأن الشعب كان في جهة القبلة وهذه الرواية تخفف من شأن الالتفات؛ لأنه لو لم تأت هذه الرواية لفهم منه أنه التفات خارج عن جهة القبلة؛ ولذلك لا حرج على المكلف أن يلتفت قليلا، أو يحرك رأسه قليلا، ولكن مع هذا فإنه بالتفاته من دون حاجة معرض لفوات الكمال،
ولذلك جاء في الحديث:
(لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه)، وهذا يدل على فوات الكمال، والحظ الأوفر للعبد إذا صلى واستشعر موقفه بين يدي الله ولم يلتفت.
أما النوع الثاني من الالتفات: فهو الالتفات بالجذع، وهو الذي يتحرك الإنسان فيه إلى درجة ينحرف فيها عن القبلة، فلو أن إنسانا كان في صلاته ثم سمع صياح صبيه، فالتفت فتحرك جذعه حتى تحركت قدماه بحيث خرج عن كونه مستقبلا الشرق فاستقبل جهة فرعية أو جهة أصلية فإنه تبطل صلاته ولو كانت لضرورة، إلا ما استثني من ضرورة القتال؛ فإنه في حال ضرورة القتال يستثنى لمكان نص الله عز وجل على ذلك في آية المسايفة.
[رفع البصر الى السماء]
قال رحمه الله:
[ورفع بصره إلى السماء] كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده صلوات الله وسلامه عليه، وهذا أكمل ما يكون من المكلف في خشوعه وخضوعه وذلته بين يدي الله عز وجل وهو واقف في الصلاة؛ فإن هذا يدل على الإقبال على الله عز وجل، والاشتغال بما في الآيات من العظات والذكرى، فأكمل ما يكون من المكلف أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.فأما رفع البصر إلى السماء فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على إنكاره،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم)،
ثم شدد فقال عليه الصلاة والسلام:
(لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم)،
وفي رواية لـ مسلم:
(أو لا ترجع إليهم)، والعياذ بالله.وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يصرف بصره إلى السماء،
وذلك لأن القاعدة في الأصول تقول:
(إذا ورد الوعيد على فعل شيء دل ذلك على أنه محرم)، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يبين أنه سبب لأن تخطف الأبصار إن استمروا على ما هم عليه يدل على حرمة رفع البصر إلى السماء.وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء حتى نزلت آية القبلة، ثم نهي عن ذلك،
وقيل: لما نزلت آية المؤمنين: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:1 - 1] رمى ببصره عليه الصلاة والسلام إلى موضع سجوده.فلا يجوز للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء، ويستوي في ذلك أن يكون في موضع له سقف، أو يكون في موضع منكشف السقف،
وهذا على أن قوله صلى الله عليه وسلم:
(إلى السماء)،
أي: إلى العلو، فإنه حينئذ يكون المراد به أن لا يرمي ببصره إلى أعلى، ويستوي حينئذ كونه مسقوفا أو غير مسقوف.
وقال بعض العلماء: الحكم يختص بالسماء،
أي:
عند نظره إلى السماء.وهذا جمود على ظاهر النص؛
فإننا لو قلنا لهؤلاء: أرأيتم إن كانت السماء مغيمة فإن الحكم واحد عندكم، فالغيم الذي بين المكلفين وبين السماء كالسقف الذي بينهم وبين السماء، ولذلك يستوي أن يكون رفعه للبصر عند وجود الحائل كالسقف، أو يكون بدون حائل كالفضاء.
[إغماض العينين]
قال رحمه الله:
[وتغميض عينيه] تغميض العين: إطباق الجفن على الجفن، فإذا أطبق الجفن على الجفن فقد غمض عينيه، فالتغميض مكروه في الصلاة؛ لأنه من فعل اليهود؛ فإنهم إذا صلوا غطوا رءوسهم وغمضوا أعينهم.
وقال العلماء: إن هذا التغميض يعتبر مكروها، ونص عليه غير واحد من أهل العلم، وهذا الصحيح، ووجه كراهته ما ذكرناه من المشابهة، ولأنه يفوت المصالح، وذلك أن المكلف إذا غمض عينيه قد لا يستطيع أن يدفع المار؛ لأنه مغمض العينين، ولأنها حركة زائدة، وحينئذ لا تشرع إلا بدليل، ويستوي في ذلك تحرك العضو أو جزء العضو.ويستوي في ذلك أن يغمض العينين أو يغمض إحداهما، فالحكم واحد.ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمض عينيه في الصلاة،
وفصل بعض الفقهاء فقالوا:
إذا كان غمض عينيه لكمال الخشوع، أو لكون الموضع الذي أمامه فيه نقوش وزخرفة وإذا نظر إليها اشتغل بها عن الصلاة فغمض، فحينئذ لا حرج، والذي ينبغي ترك التغميض مطلقا، حتى ولو كانت هناك نقوش؛ فإنه من المجرب أن الله إذا أراد بعبده خيرا ورزقه الخشوع يستوي عنده أن يصلي على ذات نقوش أو غيرها، فلو كانت النقوش موجودة وحدد البصر على موضع السجود فإنه سيخشع إن شاء الله، ولذلك الأولى والأكمل والأحرى والأقرب لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الامتناع عن تغميض العينين.
[الإقعاء]
قال رحمه الله:
[وإقعاؤه].
يقال: أقعى الكلب إذا ألصق إليتيه بالأرض، وهذه مسألة ينبغي لطلاب العلم أن يتنبهوا لها، فالإقعاء ينصب فيه الكلب -أكرمكم الله- رجليه ويجعل يديه على الأرض، فتكون الإليتين ملتصقة بالأرض والرجلان منتصبتان، فهذا إقعاء الكلب الذي تكلم عليه أئمة اللغة وجهابذتهم كـ أبي عبيدة معمر بن مثنى، وأبي عبيد القاسم بن سلام الجمحي، وناهيك بهما علما وفضلا، فهما أعرف بلسان العرب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء.والذي عليه جماهير العلماء رحمة الله عليهم أنه هو المراد بالحديث، وأن من فعل هذا فقد فعل ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وبعض الناس يفعل هذا الإقعاء بين السجدتين، أو يكون جلوسه لهذا الجلوس عند قيامه للركعة الثالثة أو الثانية، فإنك تجده ينصب القدمين ويلصق الإليتين ويتكئ على اليدين كالمرتاح، وبعضهم يهم ويظنها جلسة الاستراحة، وهذا لا شك أنه أبلى وأطم؛ لأن الإنسان حينها يوقع غير المسنون وغير المشروع موقع المسنون.وهذا النوع من الجلوس يستوي فيه أن يكون بين السجدتين، أو يكون حال التشهد، أو يكون عند القيام إلى الركعة الثانية أو إلى الرابعة، فكل ذلك منهي عنه ومحرم.وهناك جلسات اختلف العلماء رحمهم الله في كونها من الإقعاء أو ليست من الإقعاء، ففسر بعض العلماء الإقعاء بكونه ينصب القدمين، ويجعل الإلية على العقبين،
وهذا النصب له صورتان: الصورة الأولى: أن ينصب القدمين، ويجعل الأصابع مستقبلة للقبلة، وتكون الإلية على العقبين.
الصورة الثانية: أن ينصب القدمين ويجعل بطنهما إلى الأرض، ولا يجعل الأصابع مستقبلة القبلة، فإذا جعل البطنين إلى الأرض برز العقبان فكانت الإليتان عليهما.
وهناك صورة ثالثة يدخلها بعض العلماء فيقول: هو أن ينصب القدمين ويجعل يديه على الأرض.والأولون يقولون: يستوي أن تكون يداه على الأرض، أو تكونان على فخذيه.أما كونه ينصب القدمين ويجعل رءوس الأصابع مستقبلة للقبلة فهذا ليس من الإقعاء، لظاهر حديث ابن عباس، إذ فعله بين السجدتين؛ لأن ابن عباس نصب قدميه رضي الله عنه وأرضاه واستقبل بالأصابع القبلة، وجعل إليتيه على العقبين،
فلما قال له تلميذه طاوس بن كيسان: إنه من الجفاء قال: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.وهذا يدل على أنه من السنة أن يفعله الإنسان، ولكن بين السجدتين كما ورد عن ابن عباس.
أما الصورة الثانية: وهي أن يجعل بطني القدمين إلى الأرض والعقبين تحت الإليتين والأصابع إلى الأرض ليست بمنتصبة فهذه هي عقبة الشيطان، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى، وفيها حديث عائشة رضي الله عنها الصحيح من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الجلسة، فالصحيح أنها محرمة ومنهي عنها من حديث عائشة لا من جهة الإقعاء،
يعني:
إذا رأيت الرجل ينصب قدميه فيجعل بطونهما إلى الأرض مع الأصابع، ثم يجعل الإليتين على العقبين فلك أن تنماه عن ذلك من جهة حديث عقبة الشيطان، لا من جهة حديث الإقعاء، وهذا هو أصح الأوجه عند الجماهير رحمة الله عليهم.ونهي عن هذه الصورة -التي ذكرناها- من الإقعاء لما فيها من مشابهة الحيوان -أكرمكم الله-، وقد شرف الله الآدمي وكرمه كما أخبر الله تعالى في آية الإسراء، وأخبر أنه كرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، ومن باب أولى أن يكرم في أثناء وقوفه بين يدي الله عز وجل، ولذلك نهي عن هذه الصورة، ولأنها لا تتناسب مع الأدب ومقام الذلة بين يدي الله عز وجل، فنهي عن هذه الجلسة لما فيها من بشاعة الصورة؛
ولذلك فإن طاوس بن كيسان لما ذكر أن الرجل يجعل إليتيه على عقبيه قال:
إنه من الجفاء بالرجل.
أي: كان السلف رحمة الله عليهم، وكان الناس في القديم يرون أن هذا جفاء، فكيف بالإقعاء الذي هو صورة الحيوان؟!
[افتراش الذراعين في السجود]
قال رحمه الله: [وافتراش ذراعيه ساجدا] أي: يكره للمكلف إذا سجد أن يفترش ذراعيه افتراش السبع، كما ورد من نهي النبي صلى الله عليه وسلم،
والمراد بالافتراش:
أن يجعل الذراعين ممدودين على الأرض كانبساط الكلب إذا جلس، فإنه ينبسط انبساطا، وهذا الانبساط منهي عنه.فالسنة أن يرفع وأن يجافي عضده عن جنبه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يجافي حتى كان الصحابة يشفقون على النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة مجافاته، كما في حديث البراء عند ابن ماجة في سننه، ولذلك كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا، لكن لو اضطر الإنسان بسبب ضيق المكان فألزق عضده بجنبه بسبب الضيق وتراص الناس فإن هذا لا حرج فيه، ويعتبر الإنسان فاعلا له بغير الاختيار.
[العبث]
قال رحمه الله:
[وعبثه].
أي: يكره له العبث،
والعبث:
الحركة الزائدة.ووصف المتحرك بغير المشروع في صلاته بكونه عابثا، لأن الأمر يقتضي منه ما هو أشرف وأكمل من اشتغاله بهذا الشيء.
فمثال العبث: أن يصلح ثوبه من دون حاجة، كأن يبالغ في تعديل عمامته على رأسه، أو ينظر إلى ساعته، أو يحركها كما هو حال بعض الناس اليوم أصلحهم الله.ومن العبث كثرة تحريك الأرض، وإصلاح السجاد عند السجود، وكثرة العبث بها، واشتغاله بحركة يديه على فخذه إذا كان جالسا في التشهد، أو بحركة يده بثوبه إذا كان قائما بين يدي الله عز وجل في حال وقوفه،
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن في الصلاة لشغلا)، أي أن المكلف ينبغي عليه أن يشتغل بأمر الصلاة، وشأن الصلاة وحالها يشغل.فقد أثر عن علي زين العابدين أنه كان إذا توضأ تغير وجهه فاحمر،
فقالوا: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟
قال:
ألا تدرون من أناجي؟! فالإنسان إذا أقبل على الله عز وجل فهو في شغل، وهو أشرف الأشغال وأعظمها وأجلها وأكرمها، كما قال العلماء، هو الشغل الذي خلق من أجله، وهو العبادة،
قال تعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56]، فهذا هو الشغل وأنعم به من شغل، فكونه ينصرف عما هو بصدده من الإقبال على الله عز وجل إلى تحريك اليدين، أو العبث بالفخذ، أو العبث بالساق، أو كثرة الحركة، أو الترنح أثناء الوقوف فكل ذلك مما لا يليق بالمصلي.فإذا كان العبث يكثر منه إلى درجة لو رآه إنسان لظن أنه في غير صلاة حكم بكونه قد بطلت صلاته، أما لو كان عبثه يسيرا فإنه حينئذ يكون بين درجة الحرام ودرجة المسنون وهو المكروه،
فقالوا:
يكره.فالعبث الذي يريده المصنف هنا رحمة الله عليه هو العبث الذي لا يخرج المصلي عن كونه مصليا، أما لو بالغ في العبث فحينئذ تبطل صلاته.
فلو قال قائل:
ما دليلكم على أن الحركة اليسيرة لا تبطل الصلاة ولو لم تكن من جنس الصلاة؟
قلنا:
ثبوت السنة بذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقف في صلاة الليل ووقف معه ابن عباس أخذ يفتل أذنه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا نوع حركة وهي خارجة عن الصلاة، وهذا يدل على أنه لا حرج.
[الاختصار]
قال رحمه الله:
[وتخصره].
الاختصار للعلماء فيه أقوال: قال بعض العلماء: التخصر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هو وضع اليدين على الخاصرة،
وهذا الوضع للعلماء فيه ثلاثة أوجه في التعليل:
الوجه الأول: أنه من فعل الشيطان، فنهي عنه حتى لا يشابه الشيطان.
والوجه الثاني: أنه فعل اليهود، فنهي عنه حتى لا يشابه اليهود.
والوجه الثالث:
أنه صنيع المتكبرين، والمقام مقام أهل الذلة والخضوع، وهم الخاشعون، فلا يليق أن يقف بهذا الموقف بين يدي الله عز وجل.وهذه الثلاثة الأوجه صحيحة؛ فإنه لما نهى عنه الشرع دل على أنه من الشيطان، ولذلك ينسب المنهي عنه إلى كونه من فعل الشيطان.أما كونه من فعل اليهود فقد جاء عنهم أنهم يفعلون ذلك في صلاتهم.وأما كونه من صنيع المتكبرين فإن أهل التكبر إذا أعجبتهم أنفسهم تخصروا، فوضع الواحد منهم يديه في خاصرته كالمستعظم لنفسه والمتعالي، والمقام مقام ذلة بين يدي الله عز وجل،
فلذلك قالوا: لا يناسب الحال -أعني الخشوع بين يدي الله- أن يتخصر، فنهي عنه.
وقال بعض العلماء: المراد بالتخصر: الاختصار، وهو اختصار الآيات، كأن يقرأ من بعض السور آية أو آيتين ثم ينتقل إلى سورة أخرى، ويقرأ منها آية أو آيتين.
وقال بعض العلماء: الاختصار الذي نهي عنه: السرعة والاختلاس في الصلاة، بمعنى أنه يختصر الصلاة، فبدل أن تكون على قدر من الزمان تكون على ما هو أقل منه، والمراد بذلك الاستعجال حتى إنه لا يعطي الأركان حظها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنه يفوت الطمأنينة.فهذه أقوال العلماء رحمة الله عليهم في مسألة الاختصار، وجميع ما ذكرنا منهي عنه إلا مسألة انتقاء الآيات من القرآن، فالصحيح أنك لو أخذت آية من البقرة وقرأتها في الركعة الأولى، ثم أخذت آية من آل عمران وقرأتها في الركعة الثانية فلا حرج؛ فإن الاختصار بهذا المعنى ثبتت فيه السنة، كما في حديث ركعتي الفجر،
فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الأولى منها بقوله تعالى:
{قولوا آمنا بالله} [البقرة:136]،
وفي الركعة الثانية بقوله تعالى:
{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران:64]، فدل هذا على جواز اقتطاع آيات من القرآن في الركعات، وأنه لا حرج فيه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-10-2020, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (86)

صـــــ(10) إلى صــ(15)

[التروح]
قال رحمه الله: [وتروحه].
التروح في الصلاة: مأخوذ من المروحة، وذلك من شدة الحر؛ لأن الإنسان ربما كان في مكان حار، خاصة في القديم؛ فإن المساجد لم تكن مهيأة فيها وسائل الراحة والاستجمام، فلربما مع كثرة الناس -خاصة في الجمع، أو في غيرها، أو في التراويح- يكون الحر شديدا، والمسجد مع كثرة الناس فيه تشتد حرارته، فربما احتاج أن يحرك شيئا يتروح به، وهذا مكروه وممنوع منه؛ لأنه يخالف هيئة المصلي، ولأنها حركة زائدة لغير مصلحة الصلاة، لكن قالوا: هو مكروه مع وجود الحاجة، أي إذا كان الإنسان محتاجا إليه،
فقالوا:
إذا كان يسيرا فإنه يعتبر مكروها لا يوجب بطلان صلاته، كأن تكون معه المروحة،
فإذا اشتد عليه الحر إلى درجة تزعجه قالوا:
يدفع هذا الإزعاج؛ لأنه يحصل مقصود الصلاة من حضور القلب، فإن الحر يزعجه، وربما يخرجه عن كونه خاشعا في صلاته.وهناك نوع من التروح، وهو المراوحة بين القدمين، فإنك تجد بعض المصلين إذا طال عليه القيام في الصلاة يقف على القدم اليمنى وتكون اليسرى مرسلة لا يعتمد عليها، فإذا طال قيامه انتقل إلى الجهة اليسرى، فكان اعتماده على اليسرى وأصبحت اليمنى خفيفة الثقل، فأرسلها لكي يتروح.وهذا أثر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما،
وقالوا:
إنه السنة، وهذا هو المقصود، وهو أن يكون هناك تروح، بمعنى أن يفرج بين القدمين، ولذلك لا يرص القدمين معا إذا وقف، ولا يبالغ في التفريج، إذا وقف المصلي فلا يسن له أن يبالغ في توسعة ما بين القدمين، ولا يبالغ أيضا في رص القدمين فيجمعهما.ولذلك لما رأى ابن عمر رضي الله عنهما هذا الفعل أنكره، وبين أنه خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛
ولذلك قالوا:
يكون في قيامه وسطا، ويروح بينهما، بمعنى أنه يعتمد على إحداهما، لكن كره بعض العلماء المبالغة في التروح؛ فإن البعض إذا رأيته متروحا وهو واقف ربما أنكرت أنه في صلاة، وهو التروح المبالغ فيه، كأن يعتمد اعتمادا كليا على اليسرى ويرسل اليمنى، وهي صورة ربما يكون فيها نوع من الفوات للأكمل، ولذلك لا حرج أن يروح بين الأقدام، خاصة عند طول القيام، والسنة وسط،
بل قال بعض العلماء:
من رص القدمين معا فقد تنطع، ومن بالغ في إلزاقها بمن هو بجواره فقد تنطع، فالمبالغة في التفريج والمبالغة في الضم كلاهما ذميم، وإنما السنة وسط.لكن هنا مسألة، وهي أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإلزاق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب، وكان الإنسان لا يستطيع أن يلزق الكعب بالكعب إلا إذا مد رجله ذات اليمين ومد الأخرى ذات اليسار،
فقال العلماء:
هذا فيه تفصيل،
فبعض العلماء رحمة الله عليهم يقولون:
إن الذي ينبغي أن الإنسان يرتص مع من بجواره، ويسحب الذي بجواره إليه، فإن امتنع الذي بجوارك أن يقترب منك فالإثم عليه والإخلال منه،
قالوا:
فلا يقتضي أن تبالغ في وجود الاتساع بين القدمين.وبناء على فإن الأصل أن الإنسان يقف وقوفا اعتياديا، فإن احتاج إلى شيء قليل من التفريج لينضم إلى من بجواره حتى يصيب السنة من رص القدم بالقدم فحينئذ لا حرج، أما أن يبالغ في التفريج فإن هذا خلاف السنة، وخلاف صورة الأدب في الوقوف بين يدي الله عز وجل.وإذا قلنا: إنه يسحب من بجواره إليه حتى يرتص القدم مع القدم، وتلزق المنكب بالمنكب، فحينئذ يردq إلى أي جهة يرتص؟ وهذه المسألة كثيرا ما تقع، فلو أن إنسانا مع الإمام وجاء فجذب الذي عن يمينه إليه، فأيهما أحق؟! هل الذي عن اليمين، أو الذي عن الشمال؟
قال العلماء: العبرة بجهة الإمام، فإذا دخلت المسجد وكان الإمام في جهة اليمين فإنك تجذب الذي في جهة اليسار؛ لأنه ينبغي عليه أن يرتص إلى جهة الصف، وبناء على ذلك لو كان في جهة اليسار فإنك تجذب الذي في جهة اليمين.وعلى هذا تتفرع مسألة إتمام الصفوف، فإنه إذا جاء الإنسان بعد اكتمال الصف الذي أمامه،
فقد قالوا:
الأفضل له أن يقف وراء الإمام من جهة اليمين.
وقال بعض العلماء: بل الأفضل أن يكون وراء الإمام قصدا؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى).فجعل هذا المقام مقام فضل،
فقالوا:
الأفضل أن يكون وراءه مباشرة، ثم يليه في الفضل من كان عن يمينه، ثم من كان عن يساره،
وفي الحديث:
(إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)، وفيه كلام.فالمقصود أنه إذا جئت وراء الإمام مباشرة حق لك أن تسحب من على اليمين ومن على الشمال، لكن إذا كنت منحرفا عنه إلى جهة اليمين فإنك تسحب من كان عن يمينه، وإذا كنت على شماله فإنك تسحب من كان عن شماله، وقس على هذا.
[فرقعة الأصابع وتشبيكها]
قال رحمه الله: [وفرقعة أصابعه وتشبيكها].
فرقعة الأصابع أن يضغط على الإصبع حتى يسمع له الصوت، وهذه الفرقعة نهي عنها وتعتبر مكروهة، ولذلك أثر عن حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه وأرضاه أنه كان معه مولاه ففرقع أصابعه في الصلاة،
فلما سلم رضي الله عنه وأرضاه قال له:
أتفرقع أصابعك في الصلاة لا أم لك؟!
أي:
وأنت واقف بين يدي الله عز وجل تفعل هذا الفعل! فهذا الفعل لا يليق، ولو فعل بين يدي أهل الفضل وأهل العلم وأهل المكانة فإنه يعد من سوء الأدب، فكيف بالموقف بين يدي الله عز وجل؟ ولله المثل الأعلى، ففرقعة الأصابع لا تنبغي، ولذلك إذا كان الإنسان في صلاته فإنه لا يفرقع، وفيه أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه.
قوله:
[وتشبيكها].
التشبيك: إدخال الأصابع بعضها في بعض، وهذا التشبيك إما أن يكون خارج المسجد، أو يكون داخل المسجد، فإن كنت خارج المسجد قاصدا إلى المسجد فلا تشبك، فقد جاء فيه حديث أبي داود بالنهي،
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ ثم خرج يريد الصلاة فهو في صلاة)،
ولذلك قالوا: ينبغي عليه أن يراعي أدب المصلي من السكينة والوقار، وقد ثبتت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فقالوا:
إذا شبك بين أصابعه فإنه يخالف هيئة الصلاة، ولذلك لا يشبك وهو قاصد إلى المسجد لجمعة أو جماعة.فإذا كان في المسجد فإنه إذا كان قبل الصلاة -كأن يكون في حال دخوله، أو في كونه ينتظر الفريضة- فالحكم سواء، فإنه لا يشبك بين الأصابع لورود النهي، ولأنه في حكم المصلي، وقد ثبتت في ذلك الأحاديث.وإن كان داخل الصلاة فالأمر أشد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه،
وقالوا: إنه فعل اليهود في صلاتهم،
وجاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه:
(رأى رجلا شبك بين أصابعه في الصلاة ففرقها).
فإذا انتهت الصلاة فللعلماء وجهان: قال بعضهم: يستمر النهي.
وقال بعضهم:
لا يستمر،
فإذا أراد أن يقوم بذلك وهو في داخل المسجد فلا حرج وقد ثبت بذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين:
(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه) الحديث.
قالوا:
وهذا بعد انتهاء الصلاة؛ لأنه كان يظن أن الصلاة قد انتهت، فدل على أنه لا حرج في التشبيك بعد الصلاة وبعد انتهائها.
[احتقان البول]
قال رحمه الله: [وأن يكون حاقنا].
أي يكره أن يكون حاقنا ببول، والسبب في ذلك أنه إذا كان البول يزعجه ويحتاج إلى إخراجه، فإنه ينشغل عن الخشوع في الصلاة، كما قال تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} [الأحزاب:4]،
وفي الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين) قالوا: فدل هذا الحديث على أنه لا ينبغي للإنسان إذا كان محصورا ببول أو غائط يدافعهما أن ينشغل بذلك عن الصلاة، وإنما يقضي حاجته ويتوضأ ويتطهر، ثم يصلي وقلبه قد فرغ من هذا الشغل، وهذا مبني على حديث عائشة الذي ذكرناه.وألحق العلماء بهذا شدة الحر وشدة البرد، فإذا أمكنه أن يتقيهما فإنه يتقيمهما ثم يصلي، فلو كان المكان شديد البرد وأمكنه أن يأتي في مكان أخف برد فإنه يتنحى إلى ذلك.
وهنا مسألة لطيفة وهي: لو كان المكان الذي هو أخف بردا يبعد عن المكان الذي فيه البرد بقدر بحيث يفوته وقت أفضل وهو وقت أول الصلاة، فهل الأفضل له أن يذهب إلى المكان الذي هو منفصل وبعيد، حتى يكون أبلغ لخشوعه، أم أنه يصلي إدراكا لفضيلة أول الوقت؟
قال بعض العلماء:
فضيلة أول الوقت أفضل ويغتفر فيها فوات الخشوع؛ لأنه كمال.
وقال بعض العلماء: هذا من تعارض الفضيلتين: فضيلة تخفيف البرد الذي يزعجه ويشغل ذهنه، وفضيلة الوقت، ولا شك أن الإزعاج المتعلق بذات الصلاة دفعه أولى من الفضيلة المنفكة عن الصلاة، وأميل إلى هذا القول الثاني لوجود النهي عن الصلاة حال مدافعة الأخبثين؛ فإن ورود النهي يقوي أن فضيلة الحضور للقلب والخشوع أبلغ من فضيلة أول الوقت، فلو أنه تنحى إلى المكان الذي لا برد فيه أو لا حر فيه، وكان الوقت بقدر لا تفوت به الصلاة فإن هذا أفضل وأكمل على ظاهر ما ذكرناه.

[تكرار الفاتحة]
قال رحمه الله:
[وتكرار الفاتحة].
تكرار الفاتحة يأتي على وجهين:

الوجه الأول: أن لا يكون معذورا.
والوجه الثاني:
أن يكون معذورا بالتكرار.أما التكرار الذي لا يعذر فيه فكأن يقرأ الفاتحة مع علمه أنه قرأها،
فللعلماء قولان: قال بعض العلماء: من كرر الفاتحة عالما أنه كررها بطلت ركعته.
وقال بعضهم: بل تبطل صلاته،
ووجه ذلك:
أن الفاتحة ركن، فإذا كررها مرتين فإنه يكون قد زاد ركنا قوليا، وزيادة الركن القولي مؤثرة كزيادة الركن الفعلي، فهذا وجه من يقول في أن من كرر الفاتحة تبطل صلاته.وقال بعض العلماء -كما درج عليه المصنف-: من كرر الفاتحة كره له ذلك، ولا تبطل صلاته؛ لأنه خلاف السنة، ولا تبطل صلاته؛ لأن زيادة الأقوال ليس كزيادة الأفعال.وهذا مركب على مسألة الزيادة في الماهية والخارج عن الماهية؛ فإن زيادة الأفعال تعتبر زيادة في الماهية فأبطلت؛ لأنها زيادة في هيئة الصلاة، بخلاف زيادة الأقوال فإنها لا تؤثر في الهيئة، فالهيئة على ما هي عليه،
قالوا:
وبناء على ذلك لا يؤثر هذا على صلاته.إلا أن تسليم أصحاب هذا القول بأن الفاتحة ركن يوجب إحراجهم من هذا الوجه، ولذلك ينبغي اتقاء تكرار الفاتحة على هذا الوجه.
الوجه الثاني:
تكرارها لحاجة، مثل الذي يشك أنه قرأ الفاتحة،
فهذا لا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون الشك معه طارئا، كما لو صليت ذات يوم الظهر، ثم شككت هل قرأت الفاتحة أو لم تقرأها، فاليقين أنك لم تقرأ، فتقرأها وتلزمك قراءتها.ففي هذه الحالة إذا كان الشك طارئا فحينئذ لا حرج وأنت معذور لوجود السهو.
الحالة الثانية:
أن يكون الشك مسترسلا، كالموسوس،
فإنه حينئذ لا يخلو شكه في الفاتحة من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون بعد دخوله في السورة،
فإذا دخل في السورة وجاءه الشيطان وقال له:
لم تقرأ الفاتحة فإنه يلغي هذا الشك؛ لأن الظاهر من حاله بدخوله في السورة أنه قد قرأ الفاتحة، ووجود الشك المسترسل يدل على ضعف هذه الشبهة، فيبقى على دلالة الظاهر ويلغي الأصل من هذا الوجه.
الحالة الثانية: أن يكون شكه في حال سكوته، والتبس عليه كون سكوته بين الفاتحة وبين السورة، أو بين دعاء الاستفتاح وبين الفاتحة، فالأصل أنه ما بين دعاء الاستفتاح وما بين الفاتحة فيقرأ الفاتحة ولا حرج عليه في هذا التكرار.
قال رحمه الله:
[لا جمع سور في فرض كنفل].
أي:
أنه لا يكره تكرار السور وجمعها في فرض، فلو أن إنسانا قرأ سورتين في ركعة فلا حرج عليه، وليس بمكروه، وقال بعض العلماء بالكراهة، ولكن السنة خلافه،
ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر الصحابي الذي كان يقرأ:
{قل هو الله أحد} [الإخلاص:1] في كل ركعة، فإنه كان يقرؤها مضافة إلى السورة،
وكان ابن مسعود يقول: (إني لأعرف النظائر التي كان يجمع بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته)، فلا حرج أن تجمع بين السورتين في ركعة واحدة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-10-2020, 03:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (87)

صـــــ(16) إلى صــ(18)

الأسئلة
[حكم تغميض العينين في المساجد المزخرفة]
Q في المساجد المزخرفة -خصوصا إذا كانت الزخارف في مواضع السجود- هل يجوز للمصلي أن يغمض عينيه؟

A باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فقد قال بعض العلماء: إنه إذا كان في الأرض زخرفة أو نحوها فإنه لا بأس بتغميض الإنسان لعينه؛ لأنه يحصل الخشوع بالانكفاف عن هذه الزخرفة.ولهذا القول ما يدل عليه في السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عنه قال: (أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)، قالوا: هذا يدل على أن الإنسان مهما بلغ من الخشوع فإنه يشغل، ولو جاهد الإنسان نفسه فإن الله عز وجل يعينه.وكنا في القديم نغمض ونظن أن هذا يعين على الخشوع فوجدنا أن المجاهدة أفضل، حتى يصبح هذا الشيء شيئا عاديا عندك، بحيث إذا ألفته وأحدقت البصر إلى موضع سجودك وتأثرت بالآيات وأحسست أن الله يخاطبك بها بما فيها من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب فإن هذا يدعوك إلى التأثر وعدم الالتفات إلى الزخرفة، ولذلك الذي تطمئن إليه النفس أن الإنسان يجتهد قدر استطاعته، ويجاهد عل الله عز وجل أن يبلغه إلى هذه الدرجة من الكمال، والله تعالى أعلم.
الواجب على من ترك الركوع سهوا

qرجل كان يصلي وراء الإمام، وقد قرأ الإمام في آخر قراءته آية سجدة ثم ركع، ولكن هذا المأموم لم يركع مثل الإمام، وإنما سجد سهوا، فماذا يكون على هذا المأموم؟

A هذا أمر ينبغي التنبيه عليه لأئمة المساجد وطلاب العلم، فقد نبه العلماء رحمة الله عليهم أن من فقه الإمامة أن لا يفعل الإمام شيئا يوجب اختلال صلاة الناس وراءه، وهذا من النصح للعامة، ووجه ذلك أنه إذا وقف على موضع السجدة أربك الناس، فلا يدري الناس أهو ساجد أم راكع خاصة إذا كان هناك أناس يقتدون به في خارج المسجد، فترى هذا راكعا وهذا ساجدا، وترى آخر قائما حائرا لا يدري، أيسجد أم يركع، ولذلك ذكروا أن من فقه الإمامة التنبه لمثل هذه الأمور.قالوا: فإذا قرأ ذلك ووقع فيه فإن لم يكن عنده رغبة أن يسجد فليصلها بسورة بعدها، فإنه إذا قرأ الآيتين والثلاث، أو استفتح سورة مثل سورة (اقرأ)، ولا رغبة له في السجود فإنه يستفتح بسورة القدر، فإن دخوله بسورة القدر ينبه على أنه لا يريد الركوع، قالوا: حتى ولو قرأ منها آيتين لينبه الناس على أنه غير ساجد، ثم يركع بهم.ولذلك يقولون: ينبغي للإمام أن يكون عنده العلم بأحكام الإمامة وفقه الإمامة.أما بالنسبة لحكم هذه المسألة فإن الإمام إذا كبر وركع ثم سجد الناس، فمن سجد صح سجوده، وحينئذ إذا رفع الإمام يقوم مباشرة، ثم يركع ويدرك الإمام في الرفع من الركوع وصلاته صحيحة؛ لأنه سجد على وجه الإخلال، ويحمل الإمام عنه هذا السهو.وأما إذا لم يركع وإنما سجد ثم قام من سجوده فوقف مع الإمام في الرفع من الركوع ولم يركع فعليه أن يلغي هذه الركعة، فإذا سلم الإمام قضى هذه الركعة؛ لأنه لم يركع.فإن تدارك صحت ركعته، وإن لم يتدارك وجب عليه قضاء الركعة، فإن خرج من المسجد ولم يقض هذه الركعة وجب عليه قضاء الصلاة كاملة.فالخلاصة أن الصور ثلاث: الأولى: أن لا يركع ولكن يتدارك، فصلاته صحيحة وركعته مجزية.الثانية: أن لا يركع ولا يتدارك فتلزمه الركعة، فإن فعلها وهو في المسجد وقام وتحرك كما في قصة ذي اليدين، فحينئذ صلاته صحيحة.الثالثة: فإن خرج من المسجد ولم يتدارك هذه الركعة لزمه قضاء الصلاة كاملة، والله تعالى أعلم.
[وصايا لطلاب العلم قبل الامتحانات]
q أقبلت الامتحانات، فما هو الذي ينبغي على طالب العلم فعله في هذه الأيام؟

A يوصى طلاب العلم بأمور: أولا: إخلاص العمل لوجه الله عز وجل وإرادة ما عند الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى يأجر الإنسان على قدر نيته، فلا يغلب طالب العلم نية الدنيا على الآخرة.الأمر الثاني الذي يوصى به طالب العلم: الاعتماد على الله، كما قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده} [الفرقان:58]، فلا تعتمد على ذكائك ولا على فهمك، ولا على حفظك ولا على تحصيلك، ولكن توكل على الله، فإن الله قادر على أن يترك الإنسان وهو على أكمل ما يكون من الذكاء والحفظ حتى يدخل إلى الاختبار فينسيه جميع ما حفظ، والله على كل شيء قدير، وربما يبتليه بمرض في رأسه أو جسمه فيصبح في شتات من أمره لا يستطيع أن يبلغ ما يريد.فنحن تحت رحمة الله عز وجل، وإذا أردت أن تنظر إلى توفيق الله لك في الأعمال فلا تستفتح عملا إلا وأنت تعلقه على حول الله وقوته.وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المأثور: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، فلا يصلح الشئون إلا هو سبحانه، فالتوكل على الله تعالى، كما قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان:58]، وقال الله في كتابه: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق:3]، وأيام الاختبارات أيام صعبة، وفيها هموم وغموم، فالإنسان يذهب هذه الهموم والغموم بالاعتماد على الله عز وجل والتوكل على الله سبحانه وتعالى وحسن الظن به.الأمر الثالث: ينبغي لطلاب العلم أن يتراحموا، وأن يكون بينهم ما ينبغي أن يكون بين طلاب العلم من البعد عن الأنانية والبخل بالخير على إخوانهم، فإن احتاج أخوك إلى شرح مسألة أو كتاب أو ملخص فأعطه، وإياك وما يسوله الشيطان حين يقول: هذا مهمل متكاسل.فمن الآن تعود على الإيثار، فلربما كانت عنده ظروف، أعطه ملخصك وانصحه، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يبخل على الناس، وطالب العلم الذي يبخل اليوم سيبخل غدا، والذي فيه الأنانية اليوم فيه الأنانية غدا.فينبغي لطالب العلم أن يوطن نفسه على الإيثار وحب الخير للناس، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، والعلم رحم بين أهله، فإذا احتاج أخوك إلى مساعدة، أو إلى شرح مسألة فلا تبخل فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.الأمر الرابع: البعد عن المحرمات، ومنها الغش في الاختبار؛ لأن الغش في الاختبار يعتبر كبيرة من الكبائر ولا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا)، ولأنه يفضي إلى استباحة الأمور المحرمة؛ لأن الإنسان ينال شهادة مزورة وهو ليس بأهل لهذه الشهادة، بل قال بعض العلماء: يشتبه في رزقه، إلا أن يتوب فيتوب الله عليه.ولذلك ينظر فإن نال الشهادة بالزور وبالغش -والعياذ بالله- فأقل ما يكون أن يمحق الله بركة ماله، ولذلك تجده يأخذ المال الكثير وليست فيه بركة، ولو تاب لتاب الله عليه.الأمر الخامس الذي ينبه عليه: تعظيم شعائر الله عز وجل، فإن الطلاب في الاختبارات ربما يقطعون أوراق القرآن من المصاحف، وربما يمتهنون بعض الكتب، فينبغي التناصح في هذا الأمر، فلا يجوز امتهان كتاب الله ولا تمزيق أوراق المصحف، وكذلك لا يجوز امتهانها بوضعها في الطرقات والوطء عليها بالأقدام.ولذلك يخشى على الإنسان إذا رمى بورقة أن يطأ عليها أحد فيكون عليه وزر؛ لأنه هو السبب، والتسبب في الأشياء يوجب ضمان ما نشأ عنه، لذلك من يتسبب في امتهان كتبه وأوراقه بمجرد أن ينتهي من اختباره، أو يضعها في مكان تعبث بها الرياح فهذا لا يجوز، وينبغي التناصح في هذا الأمر.كذلك أيضا أوصي بوصية ينبغي التنبه لها، وهي حقوق الأبناء في مثل هذه الأيام، فعلى الآباء والأمهات أن يتقوا الله في الأبناء والبنات؛ فإن أيام الاختبار أيام عصيبة، ويكون الطلاب فيها في هم وغم، فينبغي الرفق بهم والتوسعة عليهم وإعانتهم وتيسير الأمور لهم وتقوية صلتهم بالله عز وجل، وغير ذلك من الأمور التي ينبغي أن يسديها الوالدان إلى الولد في مثل هذه المواقف، وينبغي القيام بالواجب والمسئولية.وبعض الآباء لا يهمه أن يضبط ابنه العلم أو لا يضبطه، والله سائلك عن ضبط ابنك للعلم؛ لأن تعلم الابن ومعرفته بأمور دينه وما يتصل بها من الأمور التي يحتاجها لحياته أمر مطلوب.فينبغي شحذ همم الأبناء والبنات وإعانتهم على مراجعتهم، وتيسير الأمور التي تعينهم على الخير وبلوغهم لأفضل الغايات؛ لأن هذا من النصيحة؛ فإن من نصحك لولدك قيامك عليه على هذا الوجه الذي يرضي الله عز وجل.وكلمة أخيرة إلى من ابتلاه الله بالتدريس، فإني أسأل الله العظيم أن يشكر سعيهم، وأن يعظم أجرهم، وأن يجزيهم على أبناء المسلمين وبناتهم كل خير، فنعم ما يصنعه المعلم من كلمات طيبة، فأسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح العمل، فلا يعلم مقدار ما يبذله المعلم والموجه لمن يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فالله أعلم كم تمر عليه من ساعات هم وغم، حتى وإن كان يعلم شيئا من أمور الدنيا، فإن المسلمين بحاجة إلى طبيب وبحاجة إلى مهندس، وبحاجة إلى كل من يسد ثغور الإسلام ولو كان في أمور الدنيا ما لم تكن محرمة، فالمعلم بقيامه بهذه المسئولية على خير، وهو مأجور عند الله عز وجل، فنسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.والوصية التي يوصون بها: الرفق بالطلاب، وإحسان الظن بهم وعدم التشويش والتضييق عليهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به).فبعض المدرسين يأتي بأسئلة تعجيزية، وبعضهم يحاول أن يضيق على الطلاب، وكأن الاختبار شيء من المنافسة والأذية والإضرار، وهذا لا يجوز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار)، فرفقا بأبناء المسلمين وبناتهم، ولتتق الله في هذا الابن الذي يأتيك متوتر الأعصاب شارد الذهن مهموما مغموما مكروبا، فينبغي الرفق بمثل هؤلاء، خاصة وأنهم ذرية ضعيفة، فإن الله سمى الأطفال -خاصة صغار السن- ذرية ضعيفة، فمثل هؤلاء يرفق بهم.وبعض المعلمين إذا رأى التقصير من الطالب سبه وشتمه وأهانه، بل ربما ضيق عليه، فيخرج هذا الطالب بهم وغم يبقى معه دهره كله، فلربما يصاب بمرض في نفسه أو في عقله، وهذا لا يجوز، فهؤلاء أمانة والله سائلنا عنهم، فينبغي الرفق بهم والإحسان إليهم وأخذهم بالتي هي أحسن، وإذا كنت في المدرسة ورأيت من يشدد فذكره بالله عز وجل، وذكره أن حوله بحول الله، وأن قوته بقوة الله عز وجل.ولذلك لما ضرب أبو مسعود رضي الله عنه وأرضاه غلامه وهو يملكه قال: أغضبني فضربته ضربا شديدا، فسمعت صوتا من ورائي لم أستطع أن أتبينه من شدة الغضب، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام).فلذلك ينبغي على الإنسان أن يتقي الله في أبناء المسلمين وبناتهم فهم أمانة، وينبغي أن نعرف نفسياتهم والضيق الذي هم فيه والكرب، فإن الله عز وجل يرحم من عباده الرحماء، وفي الحديث: (من لا يرحم لا يرحم)، وهذا لا يعني أن نسوي بين الخامل وبين المجد، فيستطيع المدرس الموفق الناجح أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يزن بالقسطاس المستقيم، وهذا لا شك فيه، لكن بطريقة ليس فيها إضرار بأمثال هؤلاء الضعفة الذي ينبغي الإحسان إليهم.والشدة المبالغ فيها تنفر، ولو كان المعلم يدرس أفضل العلوم وأحسنها، فإنها تنفر، ولربما يكره بعض الطلاب كتاب الله عز وجل -والعياذ بالله- لصغرهم وجهلهم بسبب الأذية والإضرار، فينبغي تهيئة من يعين الطلاب على بلوغ هذه الغايات الطيبة، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجيرنا وإياكم من امتحان الآخرة، فينبغي علينا أن نتذكر في مثل هذه المواقف حينما يدخل الطالب إلى الاختبار وقد هيئت له الأمور، فكيف إذا قدم العبد على الله عز وجل في يوم تشخص فيه الأبصار؟! ولا شك أن الإنسان الموفق يتنقل من فكرة إلى فكرة ومن عبرة إلى عبرة، فاختبار الدنيا يذكر باختبار الآخرة.ويا للعجب حين تجد الآباء والأمهات مشفقين على الأبناء والبنات وهم يذهبون إلى الاختبارات، والأكف ترفع بالدعوات، ولا يبالي الأب بابنه في الامتحان الأكبر، ومن منا سأل الله لنفسه وأولاده أن يجيرهم الله من عذاب الآخرة؟ فإن الامتحان كل الامتحان في الآخرة.فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجيرنا من هول يوم الوعيد، وأن يؤمننا من سطوة ذلك اليوم الشديد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30-11-2020, 08:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (89)

صـــــ(9) إلى صــ(15)


[قراءة أواخر السور وأوساطها]

قال رحمه الله تعالى:
[ويباح قراءة أواخر السور وأوساطها].
أي: يباح لك إذا صليت أن تقرأ أواخر السور وأواسطها، ولا حرج عليك في ذلك؛
لأن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} [البقرة:136]، إلى آخر الآية،
وفي الركعة الثانية: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران:64]، إلى قوله {اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران:64])
.
قالوا: فهذا يدل على جواز قراءة جزء السورة في ركعة وجزء السورة الثانية في ركعة ثانية، وهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن قالوا: الأفضل والأكمل أن يقرأ السورة كاملة، وذلك أفضل لكونه هدي النبي صلى الله عليه وسلم الغالب، ولاشتمالها على الموعظة،
فإن إتمام السور أبلغ من اقتطاع أجزاء منها لكن قالوا: ربما احتاج الإنسان أن يذكر الناس بآيات، أو كانت قراءته تخشع في مواضع دون مواضع فحينئذ لا حرج عليه أن يتخير من كتاب الله عز وجل، ويقرأ بعض الآيات في ركعة ثم غيرها في ركعة أخرى، سواء من أواخر السور، كأواخر سورة البقرة أو أواخر سورة آل عمران، أم من أواسطها، كما جاء في حديث ابن عباس في صلاته عليه الصلاة والسلام في الرغيبة، فكل ذلك جائز وسائغ.
أما الدليل على جواز ذلك فعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)، فكونه يقرأ من وسط السورة أو آخرها هو الذي تيسر له، ولذلك لا حرج عليه في فعله هذا الوجه، لكن الأفضل والأكمل إتمام السور لما ذكرناه، ولأنه الهدي الغالب من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[تسبيح الرجل وتصفيق المرأة في الصلاة للحاجة]
قال رحمه الله تعالى:
[وإذا نابه شيء سبح رجل، وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى].قوله: [سبح] اختصار لـ (سبحان الله) فقوله: [سبح رجل] أي: قال: سبحان الله.ويرفع بها صوته إذا نابه شيء، كأن يقرع عليه ضيف الباب،
أو يتحرك عنده الطفل حركة غريبة ويخشى عليه فيقول له:
سبحان الله.حتى يتنبه.أو كان هناك أمر يحتاج إلى التنبيه عليه لجالس بجواره،
فإنه يقول:
سبحان الله.
والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، فدل هذا على مشروعية أن يسبح الرجال.ومن ذلك أن ينوب الإنسان أمر داخل الصلاة، فإنه من باب أولى وأحرى، كأن يسهو الإمام، فإذا سها الإمام في الأفعال تسبح له، فلو أن إماما كبر للجلوس بين السجدتين فإذا به يحاول القيام، أو قام ووقف فإنك تسبح؛ لأن الجلوس بين السجدتين لا بد من الرجوع إليه، فهو ركن من أركان الصلاة، وهكذا إذا فعل فعلا يحتاج إلى تنبيهه عليه،
ولا حرج عليك في ذلك لعموم قوله عليه والصلاة والسلام:
(إنما التسبيح للرجال).وأما التصفيق فقد ثبت في جزء الحديث الثاني، وهو يختص بالنساء،
والحديث في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام:
(إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، وفيه دليل على أن النساء إذا علمن بخطأ الإمام وسهوه وغفل الرجال عن التنبيه، أو صلت المرأة مع زوجها وسها فإنها حينئذ تصفق له،
والتصفيق ينقسم إلى قسمين في الأصل:
تصفيق مشروع في الصلاة، وتصفيق غير مشروع وهو تصفيق أهل اللهو والمجون.ويكون التصفيق ببطن الكف إلى بطن الكف، وهو التصفيق المعروف والمعهود، سواء أوقع بالمقابلة الكاملة أم كان بجزئه، كأن يجعل أصابعه على بطن راحته فإنه يعتبر من التصفيق.
أما التصفيق المشروع الذي يكون في الصلاة فقيل: هو أن تضرب بظاهر الكفين على بعضهما.
وقال بعض العلماء: التصفيق المشروع في الصلاة أن تضرب ببطن إحدى اليدين على ظهر الأخرى.
وقيل: أن تقلب فتجعل الظاهر على باطن الأخرى.وسواء أفعلت هذا أم هذا فكل ذلك جائز ومشروع، وفي هذا الحديث حجة لما ذهب إليه جمهور العلماء من أن صوت المرأة عورة، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صرفها من اللفظ إلى التصفيق، مع أن المرأة قد تصلي مع محارمها ولم يرد استثناء.
ولذلك قالوا: عدل عن التسبيح إلى التصفيق بالنسبة للنساء لمكان الافتتان بأصواتهن،
والفرق بين قولنا: إن صوت المرأة عورة،
وقولنا:
ليس بعورة يظهر في مسألة محادثتها للرجال من دون حاجة، فإن القول بأنه ليس بعورة معناه أنه لا حرج أن يسمع الرجل صوت المرأة إذا أمن الفتنة.والأصل أن الغالب كالمحقق، ولذلك قالوا: الأصل فيه أنه عورة، ولا يرخص إلا لحاجة كسؤال واستفتاء ونحو ذلك.
[البصق في الصلاة]
قال رحمه الله تعالى:
[ويبصق في الصلاة عن يساره وفي المسجد في ثوبه].البصاق والبساق والبزاق ثلاث لغات، بالصاد والسين والزاي.
وقوله:
[ويبصق في الصلاة عن يساره] لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المصلي أن يبصق قبل وجهه، ونهاه أن يبصق عن يمينه،
وقال:
(عن يساره تحت قدمه)، فإذا كان في برية فإنه يشرع له أن يتفل عن يساره ويبصق عن يساره تحت قدمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.أما إذا كان في المساجد وكانت مفروشة فإنه لا يجوز له أن يبصق لا عن يمينه ولا عن يساره ولا قبل وجهه ولا وراء ظهره، فلا يجوز له بحال أن يبصق داخل المسجد، وفي القبلة أشد،
ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك وقال: (البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)، وهذا حينما كانت المساجد من التراب، وكان عليه الصلاة والسلام يدفنها، وثبت عنه في الحديث الصحيح أنه لما رأى نخامة في قبلة المسجد حكها، ثم طيب مكانها صلوات الله وسلامه عليه.فهذا يدل على تعظيم أمر المساجد، وأنه لا يجوز البصاق فيها، وقد ثبت في حديث مسلم أنها من خطايا أمته التي عرضت عليه صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض العلماء:
إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق في المسجد لمكان الأذية والضرر فإن هذا يدل على أن كل شيء فيه أذية للمصلين وفيه إضرار بهم لا ينبغي للمسلم أن يفعله في المسجد،
فالأصل أن ترفع المساجد وأن تكرم لظاهر آية النور في قوله تعالى:
{في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} [النور:36].والمراد بها المساجد.
قال بعض المفسرين:
معنى قوله تعالى: (أن ترفع): أي: تصان عما لا يليق بها حسا ومعنى، فما لا يليق بها حسا مثل البصاق ونحوه كالقاذورات، وما لا يليق بها معنى كلغط أهل الدنيا ونحوه؛ فإنها لم تبن لهذا،
ولذلك جاء في الحديث الصحيح:
(من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا).
فقال العلماء:
في هذا دليل على أنه ينبغي صيانة المساجد، ولذلك قالوا من دخل بنعليه على مسجد مفروش فإنه لا يخلو من الإثم؛ لأنه إنما شرعت الصلاة في النعلين في ما هو غير مفروش، أما إذا كان مفروشا فإنها قد خرجت عن صورة السنة، ولا بد في صورة السنة من التأسي والاقتداء، فكونه يصلي على فراش على خلاف ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان الفراش غير موجود على عهده صلوات الله وسلامه عليه، ولم يصل على فراش البتة، بل قام على حصير -كما في حديث أنس في الصحيحين- فلم يقم بنعليه صلوات الله وسلامه عليه.فهذا يدل على أن المعنى هو عدم أذية المصلين، وعدم التسبب في الإضرار بهم، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام -وهو أصل في الشرع-
أنه قال:
(لا ضرر ولا ضرار)، وخرج العلماء عليه القاعدة المشهورة التي هي إحدى قواعد الفقه الخمس (الضرر يزال)، فلذلك لا يشرع للمصلي أن يتفل قبل وجهه،
وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال:
(أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟!) أي: هل يرضى أحد أن يستقبل من قبل وجهه بالنخامة؟! فالله أجل، ولله المثل الأعلى.فإن كان في المسجد فإنه يبصق في ثوبه كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، ثم يدلك الثوب، أو كما هو موجود الآن من المناديل التي يضعها المصلي في جيبه، فله الحق أن يخرجها من الجيب ويبصق فيها ولا حرج عليه في ذلك، لكن السنة والأولى له إذا بصق في المنديل أن يجعله في شقه الأيسر وأن لا يجعله في شقه الأيمن؛ لأن المعنى موجود.ولا ينبغي أن نجعل الأواني التي تحفظ هذه الفضلة من هذه المناديل في قبلة المصلين، وهذا خطأ يشيع عند بعض الناس، فإنهم يجعلون هذه الأواني التي تحفظ بقايا النخامات قبل المصلين أمام وجوههم، ولذلك لا يشرع مثل هذا، وإنما تصرف إلى مياسر الصفوف ونحو ذلك.
الأسئلة
[حكم الرد على الإمام إذا أخطأ في التجويد]
qهل يجوز لنا أن نرد على الإمام إذا أخطأ في حكم من أحكام التجويد؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: تجويد القرآن وترتيله أمر لازم، وذلك لقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل:4]، وهو مشروع؛ فإن القرآن إنما نزل على صورة معينة، وهذه الصورة تلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبريل، وتلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتناقلتها الأمة جيلا بعد جيل، ورعيلا بعد رعيل على صورة مخصوصة وهيئة مخصوصة عرفت بمصطلح اصطلحوا على تسميته بالتجويد.وهذا المصطلح يكاد يكون إجماع السلف رحمة الله عليهم ومن بعدهم على كونه مشروعا في الأصل، فلم يوجد في العصور المتقدمة بل إلى عهد قريب من يقول: إن التجويد بدعة.وذلك لأن القرآن واضح في الأمر بترتيل القرآن.والمراد بترتيل القرآن إعطاء الحروف حقها ومستحقها، ولذلك قال الله عز وجل: {بلسان عربي مبين} [الشعراء:195]، فلم يقتصر على وصفه بكونه لسانا عربيا حتى أضاف إليه كونه مبينا، قيل: مبينا من جهة كونه يبين الحق، وقيل: مبينا من جهة اللفظ.ولا مانع من الجمع بين المعنيين كما هو مقرر في أصول التفسير أن اللفظ إذا احتمل المعنيين وكان يمكن أن يطلق عليهما معا فإن الأصل حمله على ذلك العموم المقتضي لهما معا.وقد اختص أهل القرآن بتجويده وضبطه وإتقانه وتحريره، وكان لهم شرف هذا الضبط وهذا التحرير، وعقدت لهم مجالسهم في بيوت الله عز وجل وفي أماكن حلق الذكر والعلم، ولم ينكر أحد هذا العلم، بل قالوا في حكمتهم المشهورة: القراءة سنة متبعة لا تؤخذ إلا من أفواه الرجال فكانوا يأخذون القرآن بالتلقي.وأخذ المصاحف والقراءة بها فيها بالطريقة الموجودة اليوم ما عرف إلا في هذه الأزمنة الأخيرة، وإنما كان في القديم لا يقرأ الإنسان إلا عن طريق الشيخ صيانة لكتاب الله عز وجل وحفظا له من الخطأ والزلل.ومن قال: إن التجويد بدعة فإن قوله محل إشكال عظيم؛ إذ لو قلنا: إن الإنسان يقرأ القرآن على ظاهره فكيف يقرأ قوله تعالى: (كهيعص)؟ فمن أين جاءتنا معرفة المدود لنقرأ: (كاف، ها، يا، عين، صاد)؟ ومن أين جاءتنا تلاوة هذه الحروف على هذا الوجه المعين؟ فما جاءنا إلا عن طريق الرواية، فكما أنه ألزم بهذه الرواية على هذا الوجه فكذلك الشأن في كتاب الله عز وجل في حروفه، ولذلك تجد التنوين والغنة والإخفاء وغيرها من الأحكام تترتب عليها مسائل دقيقة في صفة الحروف.وقد أثر عن علي رضي الله عنه أنه لما فسر الترتيل فسره بإعطاء الحروف حقها من صفة لها ومستحقها، ولذلك قرر العلماء رحمهم الله لزوم التجويد، ومرادهم بذلك التجويد الذي تنضبط به الحروف، وتنضبط به مخارج الحروف، أما الزائد على ذلك من التحبير والتحسين والإتقان الذي هو مرتبة الكمال فهو مرتبة فضل، وليس بمرتبة وجوب، ولذلك لا حرج في كون الإنسان يجهله، لكن إذا جاء إلى القدر اللازم مثل إخفاء الحرف، ومثل كون الحرف منونا، والذي تبين به صفة الحروف، فهذا سنة متبعة، وينبغي التأسي فيها والاقتداء بسلف هذه الأمة ومن بعدهم، ولا شك أن هذا الأمر مما يكاد يكون مجمعا عليه بين أهل العلم رحمة الله عليهم.وعليه فإذا أخطأ الإمام في أحكام التجويد بما يخل، فلا شك أنه يشرع الفتح عليه ويلزم؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما لو أخطأ في الآية كلها، ولذلك يشرع في مثل هذه الصورة أن يفتح عليه، أما إذا كان في الكمال فإنه يغتفر، وخاصة إذا كان من الأميين الذين يطول ردهم، والله تعالى أعلم.
حكم الفتح على الإمام بصوت عال
q يلاحظ على بعض المأمومين في قضية الفتح على الإمام أنه إذا كان في مؤخرة المسجد يفتح على الإمام بصوت عال يسمع في أرجاء المسجد، فهل هذا الفتح يعتبر من العبث الذي يؤثر في صحة الصلاة؟

a هذه المسألة مهمة جدا، خاصة في صلاة التراويح، فتجد الناس يمسكون المصاحف، وقد يكون أحدهم خارج المسجد، فإذا أخطأ الإمام رفع صوته ورد على الإمام، وهذا يعتبر من الأمور التي ينهى عنها؛ لأنه لا حاجة إلى كلامه، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها.
ولذلك قال العلماء: إذا كان وراء الإمام من يتولى الرد عليه فإنه يترك الأمر له؛ لأنه ليس هناك حاجة إلى أن يتكلم.
وقالوا: إنه لو أخطأ الإمام وأنت خارج المسجد، بحيث لا يمكن أن يبلغ الصواب الإمام فإنه حينئذ يشرع ترك الفتح؛ لأنه يعتبر من العبث؛ إذ ليس فيه إلا التشويش على المأمومين، لكن لو كنت في طرف الصف أو بعيدا، ويغلب على ظنك أنك لو فتحت ربما نقل غيرك فتحك للذي أمامه، والذي أمامه لمن أمامه حتى يصل إلى الإمام، فحينئذ لا حرج أن تفتح عليه لكي يبلغ بصوتك، بل وترفع صوتك ولا حرج عليك في هذا.أما لو وجد وراء الإمام من يفتح عليه وينبهه على الخطأ فحينئذ يلتزم الإنسان الصمت كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم المأموم وراء الإمام، فينصت ويسكت؛ لأنه هو الأصل في المصلي، والله تعالى أعلم.
[قتل القمل أثناء الصلاة]
q ما حكم قتل القمل في الصلاة؟

a القمل له حالات:
الحالة الأولى:
أن يشوش على المصلي، كما لو كان في رأسه وبين شعره وآذاه وأزعجه، فقد شرع له أن يقتله، ويكون ذلك كما هو معلوم بحركة الإصبع.
الحالة الثانية:
أن يكون بعيدا عن الأذية، كأن يراه على ثوبه، فبعض العلماء يعمم ويقول: يقتل القمل مطلقا، فيدخل في هذه الحالة أن يقتله ولو كان على ثوبه؛ لأن الضرر في مظنة الوقوع فإذا كان في هذه الساعة على الثوب فربما بعد ساعات يكون على الجسد، ومن ثم قالوا: يشرع له أن يقتله بناء على العموم ولا تجد العلماء يفرقون بين كونه مشوشا في الصلاة أو غير مشوش، لكن لو أمكن الإنسان أن يصبر عنه حتى ينتهي من صلاته فهو أولى وأحرى وقتل القمل -كما يقول العلماء- حركته يسيرة وفعله يسير، ولذلك لا يشدد فيه، وليس كقتل غيره، والله تعالى أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30-11-2020, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (90)

صـــــ(16) إلى صــ(25)

أسئلة
[دعاء المصلي أثناء الصلاة إذا مر بآية عذاب أو رحمة]
Q إذا قرأ الإمام قول الله عز وجل: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة:40] ونحوه، فهل يشرع أن يقول الإمام والمأموم: (سبحانك.بلى)، أم لا يشرع؟

A نعم.فهذا فيه حديث في السنن عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (سبحانك.بلى) لما قرأ قوله تعالى:: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة:40]، وهذا إنما يكون في النافلة، أما في الفرض فلا.وكان عليه الصلاة والسلام في قيام الليل إذا مر بآية عذاب استعاذ، وإذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله، ولذلك ما حفظ عنه عليه الصلاة والسلام إلا في قيام الليل.ولذلك يعتبر هذا الأصل في صلاة النافلة، فلا حرج على المصلي أن يفعل ذلك؛ لأن أمرها أخف من أمر الفريضة، وأما في الفريضة فإنه يسكت لأنه الأصل، حتى يدل الدليل على جواز الكلام والنطق؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما نزل قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة:238]، قال الراوي: (أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام)
[حكم تصفيق الرجال والنساء في الحفلات والأعراس]
Q ما حكم التصفيق للرجال في الحفلات ونحو ذلك، وما حكم التصفيق للنساء في غير الصلاة، كالأعراس ونحوها؟
A التصفيق من صنيع أهل اللهو؛ ولذلك لا يشرع، ويسقط مروءة طالب العلم والعالم إذا فعلاه، وأما عوام الناس فينبهون على أنه من صنيع أهل اللهو ومن لا يؤبه له، أما طلاب العلم وأهل الفضل ومن هم قدوة فلا يصفقون، وحملوا قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال:35] على هذا الوجه، والله تعالى أعلم.
[حكم تغطية المصلي لفمه أثناء الصلاة]
Q ما حكم تغطية المصلي لفمه أثناء الصلاة؟

A تغطية المصلي لفمه أثناء الصلاة منهي عنها.
فقد قال العلماء: نهي عنها.واختلفوا في العلة، فقال بعضهم: لأنه تشبه باليهود، ولذلك لا يغطي فمه.
وقال بعض العلماء: نهي عن تغطية الفم في الصلاة لأنه لا يحسن القراءة وإخراج الحروف، وأيا ما كان فلا مانع من تعليل النهي بالعلتين؛ لأن أصح الأقوال عند الأصوليين أنه يجوز تعليل الحكم بعلتين، وبناء على ذلك نقول: إن تغطية الفم في الصلاة فيها محظور وهو صعوبة خروج الحروف من مخارجها مع ما فيها من التشبه، والله تعالى أعلم.
[الواجب على المصاب بسلس البول إذا دخل وقت الصلاة]
Q شيخ كبير به سلس البول ولا يتحكم في بوله، فهل يجب عليه غسل ما وصل إليه البول من الثياب دائما وخاصة إذا كان بعيدا عن بيته؟

A من كان بهذه الحالة فإنه إذا دخل عليه وقت الصلاة يغسل الأماكن المتنجسة من ثوبه الذي يلي فرجه وما أصابه البول، فإن شق عليه وعسر فحينئذ يمكنه أن يستبدله بثوب آخر إذا كان يشق عليه غسله، كما هو الحال في أيام البرد، فإنه إذا غسل الثوب لا يستطيع أن يلبسه مباشرة، فإذا وجد مثل هذا فليتخذ له سروالين ونحوهما كما هو الأصل في الواجبات، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فقد أوجب الله عليه الطهارة للصلاة، وكونه يصلي على هذه الحالة مع القدرة على التخلي عن هذه النجاسة لا يباح له ولا يرخص له.وأما مسألة تطهره للصلاة فإنه كلما دخل عليه وقت الصلاة يشرع له أن يتوضأ، ولا يضره خروج البول أثناء وقت الصلاة، كالمستحاضة.لكن في مسألة تغيير الثوب وغسل البول، فإذا شق عليه، أو لم يمكنه ذلك، كالمريض الذي يكون طريح الفراش ولا يستطيع أن يجد الماء الذي يغسل به العضو، وحضره وقت الصلاة وخاف خروجه فحينئذ يجوز له أن يصلي ولو كان في ثوبه البول لمكان الضرورة، والله تعالى أعلم.
[الأمر بغض الصوت للمرأة]
Q زوجي كثير الخروج بنا إلى منزل أهله، وإذا ذهبنا إلى منزلهم أجلس مع أهله جميعا في مجلس واحد ويكون معهم أخوه البالغ من العمر خمسة عشر عاما، وأكون أثناء الجلسة متحجبة بالحجاب الإسلامي الكامل، إلا أنني أتحدث بصوت مسموع مع والدة زوجي وأخواته، وأحيانا يتعدى الأمر إلى الضحك، وقد حاولت عدم التحدث بصوت مسموع والإقلال من ذلك، لكني لم أستطع، فما الحكم في مثل هذه الحالة؟

A إذا كان الإنسان في مثل هذه الحالة يأمن الفتنة فلا حرج أن يجلس القرابات النسوة مع بعضهن ويتحدثن ويكون صوتهن عاليا، لكن إذا كان بجوارهن رجال وكانوا أجانب فإنه في هذه الحالة ينبغي عليهن الغض من الصوت وعدم إسماع الرجال الأجانب؛ لأن الرجل يفتن بصوت المرأة غالبا، واغتفر العلماء صغار السن ومن هو قريب البلوغ إذا أمن منه أن يفتتن، والله تعالى أعلم.
[حكم قصر الصلاة لمن كان عمله خارج مدينته]
Q رجل يسكن في مكة وعمله خارجها، فهل يقصر الصلاة إذا خرج من مكة إلى مكان عمله، أو لا؟

A إذا خرج من مكة إلى مكان العمل ولم يكن له مستقر في مكان العمل، كبيت يسكنه ومزرعة يقوم عليها، أو ملك له فيها فإنه في هذه الحالة يقصر بشرط أن لا يقيم أو ينوي الإقامة أربعة أيام فأكثر، فإن نوى الإقامة أربعة أيام فإنه ينتقل إلى حكم المقيم، ويلزمه إتمام الصلاة من أول يوم ينزل فيه في ذلك الموضع، والله تعالى أعلم.
[حكم قراءة الآية من نصفها في الصلاة]
Q ما حكم القراءة في الصلاة من نصف الآية لا من أولها، علما بأن المعنى مكتمل؟

A هذا خلاف السنة، فالسنة أن يبتدئ بأول الآية كما ذكرنا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قراءته عليه الصلاة والسلام في ركعتي الفجر أما لو فعل ذلك فإن صلاته صحيحة، والله تعالى أعلم.
[حكم الدعاء في القنوت بغير ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم]
Q هل يجوز للإنسان الدعاء بالأذكار التي فيها مواضع دعاء كأذكار الصباح والمساء والنوم أثناء القنوت وغيره، أو الاستغفار بسيد الاستغفار؟

a القنوت لا يشرع فيه إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم والحاجة الداعية إلى القنوت، فإذا قنت الإنسان فإنه يقتصر على الوارد كقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنا نستعينك ونستهديك)، وقوله: (اللهم لك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد) ونحو ذلك من الأدعية الواردة.ثم يقتصر على أمرين: الدعاء على من فيه ضرر على المسلمين، والدعاء لمستضعفي المسلمين، فإن زاد عن هذين الموضعين -كأن يدعو بأمور خارجة عنهما- فقد حكم العلماء ببطلان صلاته؛ لأنه كلام خارج عن المشروع كما لو تكلم بكلام أجنبي، ولذلك قال الإمام أحمد: إن زاد عن الوارد حرفا واحدا فاقطع صلاتك.تشديدا في هذا الأمر.ومن البدع المحدثة الاستسقاء في القنوت، فهذا بدعة وليس له أصل، وينبغي تنبيه الأئمة على أنه ينبغي عليهم التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتصار على الألفاظ التي وردت، فتدعو على من ظلم، وتدعو للمسلمين بالنصرة والتأييد، والزائد على ذلك يعتبر من البدعة والحدث، والإمام يأثم ويتحمل مسئولية من وراءه، وينبغي على الأئمة إذا أرادوا أن يفعلوا أمرا وله أصل من الشرع أن يسألوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وأن لا يختلقوا من عندهم بالاجتهادات والاستحسانات.ولذلك شدد العلماء رحمهم الله في القنوت، وعباراتهم فيها مشهورة، وينبغي التقيد بما ذكرنا، فإذا دعا بمثل هذا الدعاء فقنوته صحيح ومشروع وأما إذا زاد عليه، وكانت الزيادة بما لم يشرع فحينئذ تنوي المفارقة، أي: تنوي أنك منفرد، ولا حرج إذا خفت الفتنة أن تسجد مع سجوده، ثم إذا رفع ترفع معه، ولا تنو الاقتداء به.وهذا أصل عند العلماء رحمة الله عليهم إذا طرأ في الإمام ما يوجب بطلان إمامته، والله تعالى أعلم.
[الواجب على من فاتته تكبيرة من تكبيرات الصلاة على الميت]
Q كيف يصنع من فاتته تكبيرة من تكبيرات الصلاة على الميت؟

A إذا فاتت تكبيرة فأكثر من تكبيرات الصلاة على الميت، فإنه في هذه الحالة لا تخلو الجنازة من حالتين:
الحالة الأولى: أن تدرك بقدر يقضي فيه الإنسان ما فاته، فحينئذ تكبر التكبيرة وتتم الأذكار الواردة فيها.وأما الحالة الثانية وهي الموجودة الآن:
أن ترفع مباشرة، فإذا رفعت مباشرة فإنك تكبر بدون دعاء وذكر، ثم توالي بين التكبيرات، كأن يفوتك تكبيرتان، فتقول: الله أكبر، الله أكبر، السلام عليكم.فهذا هو المشروع والذي عليه العمل عند أهل العلم رحمة الله عليهم، وإنما قالوا بالتفريق بين كون الجنازة حاضرة ومرفوعة لأن حضورها هو الذي شرعت فيه الصلاة، ولذلك لا يصلى عليها قبل حضورها، فالصلاة عليها بعد رفعها كالصلاة عليها قبل حضورها، ولذلك قالوا إنما يشرع القضاء وذكر الأذكار بين التكبيرات إذا كانت الجنازة ثم.والله تعالى أعلم.
[قول الإمام للمؤذن أقم الصلاة]
Q هل من السنة قول الإمام للمؤذن أقم الصلاة؟ وهل للإمام أن يطيل في الركوع في الفريضة لكي يتسنى للداخل إدراك الركعة؟

A لا يقول الإمام للمؤذن أقم، ولا يتنحنح، ولا يفعل شيئا.فإذا كان الإمام يأتي من قبل المسجد والمؤذن يراه، فحينئذ يسكت الإمام ولا يقل: أقم، لكن لو كان المؤذن يأتيه الإمام من ورائه، أو يأتيه من مكان يريد أن ينبهه وينبه من أمامه حتى يمكنه أن يدخل إلى الصف الأول فلا حرج أن يقول: أقم.خاصة إذا كان الإمام لم يصل تحية المسجد، ولذلك يشدد في كلامه وذكره، فالأولى والأفضل أن يكون دخوله على وجه يتنبه به المؤذن لإقامة الصلاة.والله تعالى أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14-12-2020, 01:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(أركان الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (92)

صـــــ(1) إلى صــ(5)

شرح زاد المستقنع - فصل: أركان الصلاة [1]
للصلاة أركان دلت عليها الأدلة من الكتاب والسنة، ومن تركها عمدا بطلت صلاته، ومن تركها سهوا فإن أمكنه أن يعود عاد وأداها، وإن لم يمكنه فإنه يقضي الركعة كاملة،
وهي: القيام، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال عن الركوع، والسجود على الأعضاء السبعة، والاعتدال عن السجود، والجلوس بين السجدتين وغيرها.
[أركان الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [فصل أركانها].
ركن الشيء: دعامته وعمدته التي يقوم عليها، وقد دلت النصوص الصحيحة الصريحة في الكتاب والسنة على أركان الصلاة، وهذه الأركان من تركها عامدا بطلت صلاته، ومن تركها ساهيا فإن أمكنه أن يعود إليها عاد وجبرها، وإن لم يمكنه العود إليها فإنه يقضي الركعة كاملة.فمن ترك قراءة الفاتحة عامدا وهو يرى ركنيتها بطلت صلاته، ولو في ركعة واحدة، ومن تركها ساهيا، كما لو صليت فابتدأت الصلاة مباشرة، وقرأت دعاء الاستفتاح،
ثم سهوت فقرأت:
{والتين والزيتون} [التين:1]، فابتدأت بالسورة قبل أن تبدأ بالفاتحة، فلما كنت في أثنائها تنبهت أو ذكرك من وراءك إن كنت إماما، فإنك ترجع وتقرأ الفاتحة وتتدارك الركن؛ لأنه يمكن التدارك حيث لم تدخل في ركن بعدي، أما إذا كان لا يمكن التدارك كأن تكون دخلت في الركعة الثانية فتذكرت أنك في الركعة الأولى لم تركع أو لم تسجد، وقمت إلى الركعة الثانية فإنه حينئذ يلزمك قضاء الركعة الأولى، على تفصيل في كونك تلغي الركعة وتلفق، أو تبني الصلاة وتعيد الركعة من موضعها؟
[الأدلة من السنة على أركان الصلاة]
الأركان هي أهم شيء في الصلاة، والأصل فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا ذات يوم مع أصحابه في المسجد، فدخل رجل فصلى واستعجل في صلاته، فلم يحسن ركوعه ولا سجوده ولا جلوسه، فلما فرغ من الصلاة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه،
فقال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل)، فرجع الرجل وصلى كحاله أولا، ثم أتاه فسلم فرد عليه،
فقال: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)،
فلما كانت الثالثة قال:
والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر واقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها).فهذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم فيه الأركان التي لا تصح الصلاة إلا بها،
بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:
(فإنك لم تصل)، فيكون بيانه هنا بيانا للأركان،
ولذلك ذكر غير واحد من أهل العلم رحمة الله عليهم أن حديث أبي هريرة هذا الذي يسميه العلماء:
(حديث المسيء صلاته) قد جمع التنبيه على أركان الصلاة، فلذلك اعتنى علماء الإسلام رحمهم الله بهذه الكلمة، وهي مصطلح الأركان والواجبات والسنن.وهذه المصطلحات ليست ببدع كما يظن بعض من ليس عنده إلمام بالعلم وضبطه، فيظن أن هذه أمور محدثة،
فيقول:
من أين جاءنا الركن أو الواجب أو السنة؟
فإنا نظرنا في الشرع فوجدناه تارة يقول: إذا فات هذا الشيء بطلت الصلاة،
أو:
يجب قضاء الركعة، ووجدناه تارة يبين أن الشيء الذي فات يمكن جبره بالسجود، ووجدناه يرخص في ترك شيء،
فعلمنا أن أعمال الصلاة ثلاثة أشياء:
شيء تبطل الصلاة بعدم وجوده، وشيء يمكن جبره بالسجود، وشيء يتسامح فيه فلو تركه الإنسان ولو متعمدا صحت صلاته.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى ركعتين ثم سلم -كما في قصة ذي اليدين-
فقال له ذو اليدين:
يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم يكن.
فقال: بلى.قد كان بعض ذلك.فسأل الصحابة: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم.فرجع فصلى ركعتين)؛ وكان قد قام من مصلاه كما في الصحيح،
قال الراوي:
وأنبئت أن عمران قال: ثم سجد سجدتين وسلم.فدل هذا على أن الأركان لا تجبر إلا بالفعل وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتبر السهو موجبا لإسقاط الركن، بل تعتبر الركعة بمثابة الركن في الصلاة الجامع للأركان، فهي أصل في الصلاة، فكما أن الظهر قائمة على أربع ركعات كذلك كل ركعة قائمة على أركانها.ثم وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم تفوته أشياء من أفعال الصلاة ويجبرها بالسجود، فقد صلى عليه الصلاة والسلام إحدى صلاتي العشي، فسجد السجدة الثانية من الركعة الثانية ولم يجلس للتشهد، بل استوى واعتدل قائما، فلما كبر سبح له الصحابة ليعود إلى جلسة التشهد،
فأشار إليهم بيديه من وراء ظهره أن: قوموا.
أي: إني لست براجع وقد لزمكم الركن البعدي الذي هو القيام للركعة الثالثة، فقام الصحابة، فأتم بهم الركعتين ثم سجد سجدتين قبل أن يسلم، فهنا فات شيء من أفعال الصلاة، ولكنه اعتبره مجبورا بالسهو، فعلمنا أن مرتبة هذه الأفعال دون مرتبة الأفعال التي قبلها.وكذلك أيضا وجدناه عليه الصلاة والسلام يرى بعض الأقوال في الصلاة لازمة.وبعضها غير لازمة،
فقال:
(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فلم يعتد بالصلاة ولم يعتبرها عند عدم وجود الفاتحة، ووجدناه يسامح في ترك دعاء الاستفتاح،
فقد قال له أبو هريرة:
(يا رسول الله! بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟
قال:
أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)
.فقد ثبت قطعا أن الصحابة لم يعلموا ما الذي يقول، فلو كان هذا الدعاء حتما كالفاتحة لألزمهم به وعلمهم إياه، فدل على أن هناك أمورا تلزم في الصلاة وأمورا لا تلزم،
ولذلك قلنا: إن مثل هذا سنة.فأصبحت القسمة عندنا بتتبع واستقراء الشرع تنقسم إلى هذه الثلاثة الأقسام، فوجدنا ما هو ركن وما هو واجب وما هو سنة.
فلو قال قائل:
إن هذا بدعة نقول: إن الأسماء في ظاهرها بدعة -
أي: لا نعرفها في القديم- ولكنها في الحقيقة موجودة في حكم الشرع، ولا مشاحة في الاصطلاح أن تسمي الشيء بأي اسم ما دام أن الشرع قد ترك لك التسمية والحكم موجود.
فإنك لو قلت: جميع أقوال الصلاة وجميع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لازم لتناقضت النصوص،
ولو قلت:
إن جميع ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة ليس بلازم لتناقضت النصوص.فإذا لا بد من التفريق بين اللازم وغير اللازم، وذلك هو مصطلح العلماء بالأركان والواجبات والسنن.
وقوله: [فصل] يبين دقته رحمه الله تعالى، حيث ذكر صفة الصلاة كاملة، ثم جاء يبين ما الذي يلزم وما الذي لا يلزم، ثم الذي يلزم منه ما هو ركن تتوقف الصلاة عليه، ومنها ما ليس بركن وهو الواجب الذي لا تتوقف صحة الصلاة عليه، بحيث لو تركه الإنسان سهوا أمكنه أن يجبره بسجود السهو.فابتدأ رحمه الله بالأركان، اعتناء بالأهم، وهذا من باب التدرج من الأعلى إلى الأدنى؛ لأن أهم ما في الصلاة أركانها، ولذلك ابتدأ،
فقال:
[أركانها].والضمير عائد إلى الصلاة.
[الركن الأول: القيام]
قال رحمه الله تعالى: [أركانها: القيام].القيام ضد القعود،
يقال:
قام إذا انتصب عوده،
أي:
استتم.
وقوله: [القيام]،
أي:
أول ركن من أركان الصلاة القيام،
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة:6]،
وقال تعالى:
{وقوموا لله قانتين} [البقرة:238]،
وقال عليه الصلاة والسلام:
(إذا قمت إلى الصلاة فكبر).هذه النصوص دلت على وجوب القيام ولزومه على سبيل الركنية والفرض، ولذلك ذهب إلى هذا الحكم جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم،
لكنهم قالوا:
الصلاة لا تخلو من حالتين: إما أن تكون فريضة أو نافلة، فإن كانت فريضة وصلى جالسا مع القدرة على القيام بطلت صلاته؛ لأنه لم يصل كما أمره الله بالقيام،
لكن لو كان في نفل صح له أن يصلي جالسا لقوله عليه الصلاة والسلام:
(صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)، وهذا إنما هو في النفل.
والظاهرية حملوا قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) على الفريضة بالنسبة للمعذور، وقولهم مردود؛
لأننا لو حملنا هذا الحديث على الفريضة بالنسبة للمعذور لردت نصوص الشريعة التي تدل على أن كل مريض ومعذور أجره كامل كقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)، فحينئذ بتناقض النصوص، فدل هذا الحديث على صرف عموم الحديث الذي معنا عن ظاهره،
وأن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام:
(صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) النافلة دون الفريضة، ووجدنا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السفر يصلي على دابته غير المكتوبة.
ومن هنا قلنا:
إنه يجوز في النفل ما لا يجوز في الفرض، بدليل أنه في السفر يصلي على الدابة حيثما توجهت، وهذا في النافلة دون الفريضة.وعليه فيلزمك القيام لصحة الصلاة المفروضة، لكن بشرط أن توجد القدرة،
وذلك لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]،
وقوله سبحانه:
{فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]، فالعاجز عن القيام معذور.وقد أثبت المصنف أن القيام مع القدرة ركن.
وأما ضابط القيام فقالوا: الضابط في القيام أن لا تصل كفاك إلى ركبتيك، فلو انحنيت بحيث تصل الكفان إلى الركبتين فقد خرجت عن كونك قائما إلى كونك راكعا ومنحنيا.
ويتفرع على هذا مسائل:
المسألة الأولى: لو أن إنسانا يكون جالسا فيكبر الإمام تكبيرة الإحرام، فيقوم فيستعجل فيكبر تكبيرة الإحرام قبل أن يستتم قيامه، فلا تنعقد تكبيرة الإحرام؛ لأن من شروط انعقادها أن يكون قائما كما أمر الله عز وجل، فإذا كان أثناء قيامه وانتصابه رفع يديه وكبر ولم يستتم، بحيث أمكن لليدين أن تنال الركبتين، وهو الانحناء المؤثر، فهذا لا يعتد بتكبيره؛ لأن هذا الركن -وهو تكبيرة الإحرام- يشترط فيه أن يكون في حال القيام،
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا قمت إلى الصلاة فكبر).فدل على أن القيام يسبق التكبير، ومن فعل هذا الفعل فقد سبق تكبيره القيام، فلم يصل كما أمره الله.
المسألة الثانية: المعذور الذي لا يستطيع القيام يصلي قاعدا، وهيئة القعود تختلف، فبعض الأحيان لا يستطيع أن يصلي قاعدا إلا على علو ونشز، كأن يجلس على دكة أو سرير أو كرسي، فهذا الجلوس ينبغي أن يفصل فيه، فإن كان قادرا على القيام في تكبيرة الإحرام، فلا يأتي ويجلس مباشرة ويكبر، وإنما يكبر قائما؛ لأنه بإمكانه أن يكبر في حال القيام، ثم يجلس إذا كان يشق عليه أن يقوم، وإن كان يمتنع أو يصعب عليه أن يقوم، كالحال في المشلول، فإنه يكبر وهو جالس، أما إذا كان يمكنه أن يقف فإنه يقف ويجعل الكرسي وراءه ولا حرج، فإن أدركته المشقة رجع فجلس، كما هي القاعدة في الفقه أن الضرورة تقدر بقدرها، ويتفرع عنها أن ما أبيح للحاجة يقدر بقدرها.
فلما كانت ضرورته أن القيام يشق عليه نقول: كبر قائما ثم اجلس.
لكن لما كانت الضرورة أن يتعذر عليه القيام قلنا: كبر جالسا ولا حرج.فهذا له قدره وهذا له قدره، فينبه الناس؛ لأنك قد ترى الرجل يكبر وهو جالس مع أنه يستطيع أن يقف، وقد يقف ويتناول الكرسي ويخرج به وهو حامل له، فمثل هذا لا يرخص له أن يؤدي الركن وهو تكبيرة الإحرام في حال قعوده، فهذا ينبه عليه،
فإن تعذر عليه القيام قلنا:
يجلس.
وهذا الجلوس جلوسان:
جلوس على هيئة شرعية، وجلوس على غير الهيئة الشرعية.فجلوس الهيئة الشرعية كأن يجلس الإنسان متربعا أو مفترشا أو متوركا، ووجه كونها شرعية أنها جلسة اعتبرها الشرع للتشهد وللجلسة بين السجدتين، فإذا كان جلوسه على هذه الهيئة فحينئذ لا إشكال عليه لو جلس بهذه الصفة.لكن الإشكال إذا جلس الجلسة الثانية، وهي غير الهيئة الشرعية، كأن يجلس على سرير أو كرسي، فإنه بجلوسه على السرير والكرسي في حال القيام يعذر، لكن عند التشهد لا يكون ملاصقا للأرض، ومقصود الشرع أنك عند التشهد أو بين السجدتين تكون قريبا من الأرض، فحينئذ يكون ارتفاعه على الأرض خلاف ما ورد في الشرع من كونه ملتصقا بالأرض.
قال العلماء:
إن تعذر عليه أن يجلس انتقل بالانفصال هذا لكونه متصلا بالأرض عن طريق الكرسي، فكان في حكم الجالس، وأبيح له أن يصلي على هذه الهيئة، أما لو كان بإمكانه أن ينزل ويجلس جلسة المفترش، أو جلسة المتربع فإنه يلزمه ذلك ولا يجلس على كرسي ونشز؛ لأنه يفوت صفة الصلاة.وفي جلوسه متربعا أو مفترشا وجهان للعلماء، وأشار إلى ذلك الطبري وابن المنذر في الأوسط.فقال بعض العلماء -وهو مأثور عن بعض الصحابة-: يجلس جلسة التشهد.وهذا أقوى، وذلك لأنها هيئة أقرب لهيئة الصلاة.
وقال بعضهم: يجلس متربعا لأنه أرفق.وهذا مأثور عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.والأمر واسع فإن كان الأرفق له أن يجلس متربعا جلس، وإن كان على جلسة المتشهد جلس، لكن ينبغي أن ينبه على إعانته على السجود؛ فإن جلوسه كجلسة المتشهد أبلغ في إعانته على السجود من هيئته إذا كان على هيئة المتربع؛ لأنه عند التربع يحتاج إلى كلفة حتى يتمكن من السجود.ودليلنا على الترخيص أن يصلي جالسا ما ثبت في حديث عمران رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان عمران مبتلى بالبواسير، فشكى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،
فقال له:
(صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب)، فوسع النبي صلى الله عليه وسلم للمعذور؛ لأن من به بواسير فإنه يشق عليه في هيئات الصلاة أن يقوم، ولربما أضره القيام، ولذلك رخص له صلوات الله وسلامه عليه، فدل على التوسعة في حال وجود العذر، وأنه عند وجود الرخصة والعذر لا حرج، وقد قال تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]:.
[الركن الثاني: تكبيرة الإحرام]
قال رحمه الله تعالى: [والتحريمة].المراد بالتحريمة تكبيرة الإحرام،
فالركن الأول:
القيام مع القدرة،
والركن الثاني:
تكبيرة الإحرام.
فبعض العلماء يختصر ويقول: التحريمة.ومراده تكبيرة الإحرام.ووصفت بكونها تحريمه أو تكبيرة إحرام لأن المكلف إذا جاء بها دخل في حرمات الصلاة، ولا يمكن أن يحكم بكونه مصليا إلا بعد إتيانه بها.والتكبير للدخول في الصلاة يعتبر ركنا من أركان الصلاة،
والدليل على ركنيته قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيحين للمسيء صلاته:
(إذا قمت إلى الصلاة فكبر)، فأمره بالتكبير.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر تكبيرة الإحرام في أكثر من ستين حديثا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك بلغ مبلغ التواتر.
وأما إلزام المكلف بها بحيث لو لم يأت بها لم تصح صلاته فلقوله عليه الصلاة والسلام: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)،
فقوله في هذا الحديث:
(تحريمها التكبير)، أي أن دخول المكلف في حرمات الصلاة يتوقف على شيء وهو تكبيرة الإحرام.فإن وجد هذا الشيء حكمت بكونه مصليا وقد دخل في الحرمات، وإن لم يوجد حكمت بكونه غير مصل، ولذلك قالوا: هي ركن من أركان الصلاة.وتكبيرة الإحرام للعلماء -رحمهم الله-
فيها ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن تكبيرة الإحرام لا تنعقد إلا بلفظ: (الله أكبر) بخصوصه، كما هو مسلك المالكية والحنابلة من حيث الجملة.
الوجه الثاني: يصح للمكلف أن يقول: (الله أكبر) وما اشتق من هذا اللفظ،
كأن تقول:
(الله كبير)، وتنعقد تحريمته، وهو قول الشافعية.
الوجه الثالث:
يصح للمكلف أن يدخل في الصلاة بكل لفظ دال على التعظيم،
فإن قال:
(الله العظيم) أو (الله الجليل) صح ذلك وأجزأه واعتبر داخلا في حرمات الصلاة، وهو قول الحنفية.
والصحيح أنه لا بد من قول المكلف:
(الله أكبر)، وأنه لو غير في هذه الصيغة ولو بالذكر العام فإنها لا تنعقد تحريمته ولا يعتبر داخلا في حرمات الصلاة.فإن كان القيام ركنا فلا تصح تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يستتم المكلف قائما، وإن كان القيام موسعا فيه كصلاة النافلة فيصح أن يكبر وهو جالس تكبيرة الإحرام، ويصح أن يكبر أثناء قيامه، ويصح أن يكبر بعد أن يستتم قائما.وبناء على هذا فإن من الأخطاء التي يفعلها بعض الناس في الصلاة المفروضة أن تقام الصلاة فيستعجل الشخص في القيام، فقبل أن يستتم قائما يكون قد كبر.فلا ينعقد تكبيره إلا بعد ثبوت القيام،
لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر)، فجعل التكبير مرتبا على القيام، ولذلك لا بد من سبق القيام للتكبير، ولا يصح أن يكبر قبل أن يستتم قائما، فتلازم القيام والتكبير.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14-12-2020, 01:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(أركان الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (93)

صـــــ(6) إلى صــ(11)

[الركن الثالث: قراءة سورة الفاتحة]
قال رحمه الله تعالى: [والفاتحة].هذا هو الركن الثالث،
أي:
قراءة سورة الفاتحة.
وهذا الركن دليل لزومه قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)،
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج) أي: ناقصة.وهذان الحديثان صحيحان ثابتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن صلى ولم يقرأ الفاتحة فإن صلاته لا تصح.
وفي قراءة الفاتحة مسائل:
المسألة الأولى: أن قراءة الفاتحة لازمة، وأنها ركن من أركان الصلاة لظاهر السنة.وهذا الركن يجب في الصلاة في كل ركعة، ولا يختص بجزء منها؛ لأن العلماء اختلفوا،
فمنهم من يقول:
من قرأ الفاتحة في ركعة صحت صلاته، ولو تركها في بقية الركعات.وقال الإمام مالك رحمه الله -في إحدى الروايات عنه-: لو ترك الفاتحة في ركعة من رباعية صحت صلاته.والصحيح أنه لا بد من قراءتها في كل ركعة،
وذلك لدليلين:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)،
الثاني:
قوله تعالى في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل ... ) الحديث، فذكر القراءة وهي واقعة في الركعة، فصح أن يصدق على الركعة أنها صلاة، وأن جزء الصلاة الذي هو الركعة يعتبر صلاة،
لأن الذين قالوا:
يجوز أن تقرأ الفاتحة في ركعة وتجزيك،
قالوا:
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما صلاة لا يقرأ فيها)، وأنت قد قرأت.
فيقولون: يصح أن تقرأها في ركعة، ويصح أن تقرأها في ركعتين، وتقتصر على هذا.والصحيح أنه لا بد من قراءتها في كل ركعة، ويقوي هذا حديث المسيء صلاته،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمره بالقيام والقراءة في الركعة الأولى ووصفها قال له بعد القراءة:
(ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع) ثم ذكر السجود،
ثم قال له بعد السجدة الثانية:
(ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)، فدل على أن هذا الموصوف الذي ذكره وألزم فيه بالقراءة في الأولى أنه يسري حكمه إلى غيره كما هو ثابت فيه، وبناء على ذلك يلزم المكلف بقراءة الفاتحة في كل ركعة.
وكان بعض العلماء يقول:
إن الأخريين من صلاة الظهر لا يقرأ فيهما، والصحيح أنه يقرأ،
وكانوا يقولون:
إنه يرخص للمكلف أن يترك الفاتحة فيهما، واحتجوا بما أثر عن ابن عباس وعمر رضي الله عنهما أنهما رخصا في ترك الفاتحة، كما روى ذلك مالك عن عمر في الموطأ.والصحيح أن الحجة في السنة، ويعتذر لـ عمر -إن ثبت عنه، وإن كان الأثر عنه غريبا- بأنه لم يبلغه الحديث، والصحيح ما ذكرناه لظاهر السنة، وهو الذي يجب على المكلف التزامه في كل ركعة.
المسألة الثانية: قراءة الفاتحة للمنفرد والإمام والمأموم: أما المنفرد والإمام فنلزمهما قراءة الفاتحة وجها واحدا.
وأما المأموم فللعلماء فيه أقوال:
فبعض أهل العلم رحمة الله عليهم يرون أن المأموم يحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة، فمذهب الحنفية وإحدى الروايات عن الإمام مالك أنه إذا قرأ الإمام -خاصة في الجهرية- سقط عن المأموم قراءة الفاتحة، ولزمه الإنصات والاستماع.والصحيح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ووافقهم الظاهرية وبعض أهل الحديث أنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة وراء إمامه،
وذلك لأمور:
أولها: أن الحديث الذي دل على وجوب الفاتحة ولزومها عام شامل لحال المنفرد والمأموم، ولا مخصص له.ثانيها: أنه ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه صلى بالناس الفجر فارتج عليه،
فقال:
(إنكم تقرءون خلف إمامكم! قالوا: نعم،
قال:
فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)
، فإن هذا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن المأموم ملزم بالقراءة وراء الإمام،
فإن قوله:
(إلا بفاتحة الكتاب) استثناء، والقاعدة في الأصول أن الاستثناء إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب،
وقال:
(فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)،
أي:
بفاتحة الكتاب افعلوا.فألزم النبي صلى الله عليه وسلم بقراءتها وراء الإمام، فدل على أن المأموم وراء الإمام يلزمه أن يقرأ الفاتحة.
وأما من قال بعدم لزومها فاحتج بحديث جابر:
(من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)، وهذا الحديث ضعفه جماهير أهل الحديث، والضعف فيه من القوة بمكان، وقد نبه على ذلك الحافظ ابن حجر وغيره، لكن هناك من أهل العلم من حسن الحديث، وحسن إسناده لشواهد.
فعلى القول بتحسين هذا الحديث قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) يدل على سقوط الفاتحة.
وهذا الحديث يجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) المراد به قراءة الإمام التي يختارها بعد الفاتحة، ولذلك نسبها إليه،
أي:
لو أن الإمام قال: (ولا الضالين) وقلت: آمين،
ثم قرأ:
{سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1]، فلا تقرأها، فقراءة الإمام بـ (سبح) لك قراءة، فكأنك قد قرأتها.
فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: (فقراءة الإمام له قراءة) أي: فيما كان من غير الفاتحة، وهذا هو الذي ورد فيه الحديث.
الوجه الثاني:
أن من قال: إن هذا الحديث متأخر عن حديث: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب).يجاب عنه بأنه ليس هناك دليل صحيح يدل على تأخر هذا عن تاريخ الذي قبله، وقد تقرر في الأصول أن ادعاء النسخ ليس بحجة؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال،
فلو قال أحد:
إن هذا الحديث متأخر عن الذي قبله لا يقبل قوله حتى يأتي بالدليل على تأخره، وأنه قد وقع بعده لكي يكون ناسخا.ولذلك فالأحاديث التي تدل على وجوب قراءة الفاتحة على العموم،
لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)،
وكذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم:
(لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) كلها نصوص صحيحة تدل على أنك إذا كنت وراء الإمام فإن قراءة الفاتحة تلزمك.وهذه الركنية شاملة للمنفرد وللإمام وللمأموم، ويستوي في هذا أن تكون الصلاة جهرية أو سرية، فأما الجهرية فقراءة الفاتحة بالنسبة لك ركن،
واستماعك لقراءة الإمام لما بعد الفاتحة أعلى درجاته أنه واجب على القول بظاهر الآية:
{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف:204]،
فنقول:
إنه قد تعارض الركن والواجب فيقدم الركن على الواجب.
ولو أن قائلا قال: إن إثبات الركنية إنما هو بالاجتهاد.
فلو سلم هذا جدلا فإننا نقول:
هب أنهما واجبان، واجب متصل وواجب منفصل، والقاعدة أنه إذا تعارض الواجب المتصل بعبادة المكلف مع الواجب المنفصل فإن الواجب المتصل الذي أمر به إلزاما يقدم على ما انفصل عنه على سبيل المتابعة للإمام.
وقوله:
[الفاتحة] يخالفه فيه بعض العلماء فيقول: قراءة الفاتحة.وهذا أدق، فالتعبير بالقراءة إسقاط لما في السر، فلا يجزئ الإنسان أن يقفل فمه؛ لأن بعض الناس يكبر تكبيرة الإحرام ويقفل فمه فتجده كالصامت وهو يقرأ في داخل نفسه، فهذه القراءة لا تجزيه، ولا تصح منه حتى ينطق،
وقالوا:
يسمع نفسه.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ) والقراءة إنما تكون باللفظ، وأما ما كان في النفس فليس بقراءة ولا في حكم القراءة.
المسألة الثالثة:
إذا ثبت أن المأموم مأمور بقراءة الفاتحة فإنه يستثنى من هذا إذا أدرك الإمام راكعا، فإنه تسقط عنه الفاتحة لظاهر حديث أبي بكرة،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(من أدرك الركوع فقد أدرك السجود، ومن أدركهما فقد أدرك الركعة)، وهذا نص، وبناء على هذين الحديثين نقول: إن هذا استثناء لهذه الحالة بعينها، فمن أدرك الإمام راكعا سقطت عنه الفاتحة؛ لأنه لم يدرك وقتا يمكنه فيه القيام بركنها.
أما إذا أدركه قبل الركوع فحينئذ لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يدرك وقتا يتسنى له أن يقرأ فيه الفاتحة فيقصر أو يشتغل بدعاء الاستفتاح، فحينئذ يلزمه قضاء الركعة إن لم يقرأ الفاتحة، لأنه كان بإمكانه أن يقرأ.
الضرب الثاني: أما لو أدرك وقتا لا يمكن معه قراءة الفاتحة، فبمجرد أن كبر وقبض يديه وشرع في الفاتحة كبر الإمام للركوع، فتسقط عنه الفاتحة؛ لأنه لم يدرك وقتا يلزم في مثله بالقراءة.
المسألة الرابعة:
الأصل وجوب قراءة الفاتحة باللفظ، ويستثنى المريض الذي تكون في لسانه عاهة، ولا يمكنه التحريك، فإنه يجزيه أن يقرأ في نفسه؛ لأن التكليف شرطه الإمكان، وهذا ليس بإمكانه أن يقرأ إلا على هذا الوجه، فسقط عنه اللفظ وتحريك اللسان وبقي على الأصل.وفي حكم هذا من كان في لسانه جراح بحيث يصعب عليه، أو يتألم عند تحريك اللسان، فإنه يجزيه لو أطبق الشفتين وقرأ في نفسه، وتصح منه القراءة ويعتد بها.
[الركن الرابع: الركوع]
قال رحمه الله تعالى: [والركوع].الركن الرابع الركوع،
ودليل ركنيته قوله تعالى:
{واركعوا مع الراكعين} [البقرة:43]،
وقوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} [الحج:77]،
فقوله تعالى:
(اركعوا) أمر، ودلت السنة على ثبوت ذلك ولزومه،
كما قال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: (ثم اركع حتى تطمئن راكعا)، فدل على لزوم الركوع، وأنه ركن في الصلاة، والركوع يتحقق بوصول اليد إلى الركبة، فإذا وصل الكف إلى الركبة فقد ركع.وبناء على ذلك لو انحنى فلم تصل الكف إلى ركبته فإنه لا يعتبر راكعا ولا يجزيه ذلك، ولو انحنى فوصلت كفاه إلى ركبتيه ولكنه لم يهصر ظهره فإنه حينئذ يجزيه الركوع وفاتته السنة؛ لأن السنة أن يهصر ظهره،
كما جاء في حديث عائشة:
(ثم هصر ظهره)، فإذا هصر الظهر واعتدل الظهر فهذه مرتبة الكمال، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.فإن حصل منه قدر الإجزاء -وهو بلوغ الكفين إلى الركبتين- صح ركوعه، ولكن فاته الكمال، فإن وجد عذر من مرض أو ضيق مكان كتب له أجر السنة كاملا لوجود العذر.فمن كان مريضا على وجه لا يتسنى له أن يركع، فحينئذ يجزيه أن ينحني بالقدر الذي يصل إليه على حالة لا يشق عليه فيها، أو لا يبلغ فيها بنفسه درجة المشقة، فإذا انحنى بهذا القدر من الانحناء الذي يستطيعه ويطيقه فقد أجزأه وانعقد ركوعه، ويستثنى من كمال الانحناء لانعقاد هذا الركن.كذلك يستثنى من ركنية الركوع أن يكون الإنسان على دابته في السفر ويصلي النافلة، فإن الركوع يعتبر ركنا، بمعنى أنه يطلب فعله، ولكنه ركن باعتبار، فينحني ويكون انحناؤه أقل من انحناء السجود، أما انحناء السجود فإنه يكون أبلغ، فينحني انحناء بقدر، فإذا حصل هذا الانحناء صدق عليه أنه ركع وأجزأه وتحقق الركن من صلاته النافلة.
[الركن الخامس: الاعتدال من الركوع]
قال رحمه الله تعالى: [والاعتدال عنه]
.الركن الخامس الاعتدال عن الركوع،
والاعتدال:
هو الذي لا اعوجاج فيه.فلما كان المكلف في حال الركوع ينحني ظهره، فإنه يخرج عن هذا الركن إلى الركن الذي بعده بوجود الاعتدال،
والاعتدال:
هو أن يستتم قائما.
ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (كان إذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى موضعه)،
والمراد بقوله:
(كل فقار) أي: فقرات الظهر؛ لأن ظهر الإنسان فيه فقرات، فإذا انحنى تباعد ما بين الفقرات، لكنه إذا اعتدل كأنها رجعت إلى حالتها الطبيعية، وهذا الحديث يدل على هديه في الاعتدال.
أما كون الاعتدال ركنا فدليله قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ارفع -أي: من الركوع- حتى تعتدل قائما)، فإذا حصل الاعتدال قائما أجزأه وتحقق الركن، لكنه لو رفع من الركوع وقبل أن يستتم قائما انحنى ساجدا أو خر ساجدا فإنه لا يجزيه ولا يصح منه ذلك، وإذا لم يتداركه وجب عليه قضاء الركعة، فإن لم يقضها بطلت صلاته؛ لأنه لا بد من ركن الاعتدال،
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
(لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده)، فلا بد من أن يستتم قائما،
فلو أنه قال:
(سمع الله لمن حمده) ولم يستتم قائما وبادر بالسجود فإنه حينئذ يحكم بأنه لم يقم صلبه.ويستثنى من هذا الذي لا يستطيع أن يستتم قائما كالمريض، أو الشيخ الهرم إذا كان منحني الظهر، فإن ركوعه يكون بالقدر، ويكون رفعه من الركوع على القدر الذي يستطيع تحصيله في حال قيامه.
[الركن السادس: السجود على الأعضاء السبعة]
قال رحمه الله تعالى: [والسجود على الأعضاء السبعة].من أركان الصلاة أن تسجد على الأعضاء السبعة.
أما دليل ركنية السجود فقوله سبحانه وتعالى في آية الحج: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} [الحج:77]،
فإن قوله سبحانه وتعالى: (اسجدوا) أمر، والأمر يدل على اللزوم والوجوب.
وقال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا)، فدل على أن السجود ركن من أركان الصلاة.ويتحقق السجود على الكمال في كونه على الأعضاء السبعة، وقد بينا ذلك،
وبينا دليله من حديث ابن عباس الثابت في الصحيح:
(أمرت أن أسجد على سبعة آراب)،
أو:
(على سبعة أعظم)، كما في الرواية الثانية.فإذا سجد فكان سجوده على الأعضاء السبعة فإنه تم ركنه، وأجزأه بمماسة الأرض، ثم يبقى شرط الطمأنينة الذي يأتي ذكره.ويستثنى من هذا من كان مريضا بحيث لا يمكنه الهوي للسجود ولا السجود، حتى ولو كان يخشى ضررا بعضو أو نفس، كمن أجريت له عملية في عينه، فإنه قد يمنع من السجود خشية ذهاب البصر، فأصح الأقوال -وهو قول جماهير السلف رحمة الله عليهم والعلماء- أنه يرخص للإنسان إذا خاف على بصره بطب ونحوه أن يترك السجود.وشدد في ذلك بعض السلف ومنهم ابن عباس، رضي الله عنهما، فقد قال العلماء عن ابن عباس إن سبب إصابته بالعمى أنه كان مريضا في عينه، فنصحه الطبيب أن لا يسجد، فلم يرض ابن عباس بذلك وسجد فكف بصره رضي الله عنه.وإن كان الذي ذكره غير واحد من العلماء رحمة الله عليهم أن ابن عباس ابتلي بذهاب البصر لأنه قل أن يرى أحد الملائكة إلا عمي بصره، وكان ابن عباس قد رأى الملائكة -كما جاء في الحديث الصحيح- لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه العباس، فلما دخل سلم العباس فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه إذ كان مشغولا بالوحي، وكان جبريل عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم وكرر السلام فلم يرد عليه فانصرف العباس وفي نفسه شيء، وخاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد عليه، فلما انصرف علم عبد الله من أبيه ما علم،
فقال:
يا أبت! إنه قد شغل بمن معه، وكان قد رأى جبريل، فلما قال ذلك رجع العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره،
فقال صلى الله عليه وسلم:
(هل رأيته يا عبد الله؟ قال: نعم.قال: ذاك جبريل)،
وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
(لو كان معي بصري لأريتكم الغار الذي نزلت منه الملائكة يوم بدر) أي: يوم القتال، وقد ذكر عن بعض الصحابة ومن غير الصحابة أنهم رأوا الملائكة فكفت أبصارهم،
فيقولون:
إن هذه سنة كونية من الله عز وجل أنه لا يبقى له البصر لقوة ما رآه.ولكن هذا قد يستثنى منه الأنبياء ونحوهم مما أعطوا بإقدار الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى جبريل على حقيقته.
والمقصود أن هناك من العلماء من يقول: إن ابن عباس كان مذهبه أنه يشدد في ذلك، حتى إنه حين نهاه الطبيب خشية أن يكف البصر لم يرخص لنفسه.
ولهذا قال بعض العلماء: إن الخوف على العضو أو الخوف من الزيادة في المرض لا يرخص به في السجود.والصحيح أنه يرخص به، فمن كان قد تعاطى علاجا أو عملية جراحية في صلبه أو ظهره، وخشي أنه لو سجد يتضرر أو يذهب عضو من أعضائه فإنه يرخص له في ترك السجود، ولا حرج عليه أن يسجد بالقدر الذي يصل إليه.فإن صلى على مرتفع أو نشز كالكرسي ونحوه فسجوده أخفض من ركوعه، بمعنى أن يكون انحناؤه أبلغ ما يكون في السجود، ويكون الركوع أرفع منه قليلا، وهذا إذا كان على نشز، أما لو كان على الأرض كأن يجلس جلسة التشهد، فإن سجوده أن ينحني إلى القدر الذي يستطيع تحصيله دون ضرر، فإذا بلغ هذا القدر فإنه يعتبر ساجدا، لكن ينبغي أن ينبه على كيفية السجود، فبعض الناس يكون مريضا ولا يستطيع السجود، فتجده إذا سجد وضع كفيه على فخذيه وانحنى، وهذا لا يصح، بل ينبغي أن ينزل الكفين إلى الأرض، لأنه مأمور بالسجود على السبعة الآراب (الأعضاء)، فكونه عاجزا عن إيصال الجبهة أو الرأس إلى الأرض لا يوجب ذلك الترخيص بترك مماسة اليدين للأرض؛ لأن القاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها، فضرورته أن لا يصل رأسه إلى الأرض، والزائد على الضرورة من كونه يترخص بسحب اليد ووضعها على الفخذ لا موجب له، فيبقى على الأصل الموجب لتحصيل السجود به.
[الركن السابع: الاعتدال من السجود]
قال رحمه الله تعالى: [والاعتدال عنه]
.أي: الاعتدال عن السجود، والمراد بذلك أن يحصل القعدة وذلك بالرفع من السجود، فإذا اعتدل من السجود حصل الركن،
وهذا الاعتدال أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته فقال له:
(ثم ارفع حتى تستوي جالسا)، فدل على ركنية هذا الرفع من السجود وأنه يلزم به،
وقد ذكره في موضعين: في السجدة الأولى وفي السجدة الثانية،
فقال:
(حتى تستوي جالسا)،
وقال:
(ثم ارفع حتى تعتدل قائما)،
فدل على ركنين:

الركن الأول: الرفع من السجود أو الاعتدال عنه.
والركن الثاني:
الجلسة بين السجدتين.
[الركن الثامن: الجلوس بين السجدتين]
قال رحمه الله تعالى: [والجلوس بين السجدتين].
من دقة المصنف وتحريه وفقهه جعل الاعتدال من السجود والجلوس بين السجدتين ركنين، وليس ركنا واحدا؛ لأن هناك فرقا بين الجلوس بين السجدتين والاعتدال من السجود؛ لأن الاعتدال يقع بالجلوس ويقع أيضا بعد الجلوس، كما لو سجد السجدة الثانية،
فمن دقة المصنف أن قال:
(الاعتدال عنه)، حتى يشمل ما بعد السجدة الثانية.ويكون والجلوس بين السجدتين ركن منفصل؛ لأنه يختص بما بين السجدتين،
فلو قال:
[الاعتدال عنه] وسكت، فإنه لا يتضمن ذلك الجلسة بين السجدتين،
ولو قال: [الجلوس بين السجدتين] وسكت، فإن هذا لا يشمل الرفع بعد السجدة الثانية، ومن هنا كان من فقهه رحمة الله عليه أن جعلهما ركنين، وهذا هو الصحيح، ولذلك تعقب بعض الشراح على المصنف رحمه الله ليس في محله، بل من دقته أن هذا ركن وهذا ركن؛
لأنك لو قلت:
(الجلسة بين السجدتين) فحسب لم تنبه على ركن الرفع من السجدة الثانية، فإن الرفع من السجدة الثانية ليس فيه جلوس بين السجدتين كما هو معلوم،
ولو قلت:
(الرفع من السجود) فحسب فإن الرفع من السجود مطلق لا يستلزم جلوسك بين السجدتين؛ لأن من رفع ولم يجلس صدق عليه أنه قد حصل الركن.والجلوس بين السجدتين يتحقق بحصول الجلسة، والجلسة بين السجدتين تكون بالافتراش بأن يرفع الإنسان رأسه حتى يستوي جالسا وتحصل له طمأنينة الجالس، لكن لو أنه رفع من السجود وقبل أن يستوي جالسا كبر للسجدة الثانية فإنه لا يجزيه، ولم يتحقق ركن الجلوس بين السجدتين، فيلزمه أن يرجع مرة ثانية ويستقر جالسا؛
لأنه قال: [والجلوس بين السجدتين] وهذا لم يجلس.ويتحقق الجلوس بالتصاق الإلية بالعقب، أو إذا فرش رجله اليمنى للإليتين، فإذا حصل هذا فقد جلس،
لكن لو أنه قبل أن يرجع وتصل الإلية إلى العقب قال:
الله أكبر.لم يصح ذلك ولم يجزه، ويلزمه أن يعيد الجلوس بين السجدتين، وتلغى السجدة الثانية التي سجدها، ويسجد لها سجود الزيادة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18-03-2021, 01:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(أركان الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (95)

صـــــ(9) إلى صــ(18)

الأسئلة
[مواطن قراءة الفاتحة للمؤتم]
Q متى يقرأ المكلف الفاتحة خلف الإمام، خاصة إذا لم يترك له الإمام فرصة للقراءة؟

A باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فإن قراءة الفاتحة وراء الإمام تكون في السكتات، كسكوت الإمام ما بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة، وقد جاء هذا عن سعيد بن المسيب، وهذا الأثر وإن كان مرسلا فإنه يدل على أن أقل درجاته أنه كان معهودا عند السلف الصالح رحمة الله عليهم، ومعلوم مكانة سعيد بن المسيب، فهو قريب إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يقال: إن المدينة إلى عهد مالك لم تدخلها بدعة.فكيف بعهد سعيد بن المسيب الذي كان من أقرب الناس إلى عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم?! ولذلك يسكت الإمام هذه السكتة، وهي من فعل السلف، ويعطي للمأموم مجالا أن يقرأ، فإذا أمكنته قراءتها فالحمد لله، وإذا لم يمكنه أن فليقرأها يستمر، ولو استمر الإمام في قراءته؛ لأننا قلنا: يتشاغل بالركن عن الواجب، على القول بوجوب الإنصات لقراءة الإمام.ولذلك أمر بها أبو هريرة، فقد روى البيهقي عنه بالسند الصحيح في جزء القراءة خلف الإمام أنه أمر بها، وقال: (حتى ولو قرأ الإمام).ولذلك فإنه يقرأ الفاتحة ولو لم يعطه الإمام مجالا لقراءتها؛ لانشغاله بما هو ركن تنعقد به الصلاة ولا تصح بدونه، والله تعالى أعلم.
[قراءة القرآن]
Q ما حكم قراءة الفاتحة للمأموم خلف إمامه في صلاة النفل؟

A الحكم في ركنية الفاتحة شامل للفرض والنفل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل في الصلوات، ولم يفرق بين حال الائتمام والانفراد والإمامة، فيبقى هذا العموم على ظاهره، ويلزم المكلف بالقراءة على كل وجه، سواء أكان في فريضة أم نافلة، ولا وجه للتخصيص لعدم ثبوت دليل يخصص، والله تعالى أعلم.
[بم تدرك الركعة؟]
Q مصل كبر تكبيرة الإحرام وانتهى منها في الركوع أو في أثناء الركوع، فهل تجزيه؟

A إذا جئت متأخرا والإمام راكع، فكبرت، ثم رفع الإمام، أو كبرت وأثناء التكبير رفع الإمام، فهذه المسألة على صورتين: الصورة الأولى: أن تكبر لركوعك وتنتهي من التكبير بكماله، أي: بعد انتهائك من حرف (الراء) من قولك: (أكبر) قال الإمام: (سمع الله لمن حمده) فأنت مدرك للركوع، وأيضا قبل أن يتلفظ الإمام بـ (السين) من: (سمع الله لمن حمده)، ولو رأيته بالفعل؛ لأن العبرة بالقول وليس بالفعل، وبناء على ذلك فلو رأيته تحرك ثم مباشرة أدركت التكبير وكبرت، فإنه يجزيك وتعتبر مدركا للركوع وتسقط عنك الركعة.الصورة الثانية: أن يرفع الإمام، أو أن يسمع الإمام في أثناء تكبيرك أو قبل تكبيرك، فحينئذ لا تعتبر مدركا للركوع، فإذا قلت: (الله أكبر) وما بين لفظ الجلالة وأكبر قال: (سمع الله)، فحينئذ تتم تكبيرك وتبقى قائما، فقد أدركت ركن القيام ولم تدرك ركن الركوع.وبناء على هذا يلزمك أن تقضي هذه الركعة لعدم إدراكك لركوعها، والله تعالى أعلم.
[انتظار الإمام الداخل إلى الصلاة أثناء الركوع]
q هل للإمام إذا كان راكعا أن ينتظر الداخل إلى المسجد لإدراك الركعة؟

A هذه المسألة اختلف فيها السلف رحمة الله عليهم، فكان بعض العلماء يقول: إذا ركع الإمام وسمع رجلا يدب إلى الصف فإنه لا ينتظره؛ لأن الصلاة لله وليست للناس؛ لأنه إذا انتظره وأطال القيام أساء من وجوه: أولها: أنه قصد الداخل ولم يقصد العبادة، وبناء على ذلك قالوا: هذا يخل في قصده ونيته، والمساجد لله وليست للناس.ثانيها: أنه يشق على الجماعة من أجل الفرد، والأصل تقديم ضرر العامة على ضرر الخاصة، فإن إطالة الركوع مشقة لمن ركع وهم الجماعة، وكونه يرفع من الركوع مشقة على المنفرد وهو المسبوق، فقالوا: إنه يلزمه أن يعتد بركوعه المعتاد، فإن بلغ القدر الذي في مثله يرفع رفع.وقالت طائفة من العلماء بالتفصيل: فإن كان يشق الانتظار على المأمومين فلا ينتظر، كالمساجد الكبيرة التي يكون فيها فسحة والمكان بعيد بين بابها وبين آخر الصفوف؛ لأنه إذا انتظر شق على المأمومين، وأما إذا كان لا يشق عليهم فإنه ينتظر، وذلك لعموم الأوامر، ولثبوت السنة بما يشهد بهذا، فقد ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (كان يصلي في الظهر حتى لا يسمع قرع نعال)، والمراد بذلك إطالته للقيام لكي يدرك المأمومون الصلاة.وقالوا مجيبين عن الأولين: أما قولكم: فإنه يطيل من أجل الناس فإن الصورة ليست مقصودة، وإنما المقصود معنى الصورة، فإنه لما أطال ليس لذاك الرجل، بدليل أنه لا يعرف من الداخل، وإنما أطال تحصيلا للقربة، فكان ثوابا للجماعة وثوابا للداخل، فالمأمومون يحصلون الخير فيسبحون أكثر، وتطول صلاتهم، وليس هناك مشقة.فقالوا: إنما أطال تحصيلا للقربة؛ لأنه إذا أطال كان أعظم لأجرهم وعونا للمكلف أن يدرك الفضل، فليس ثم إخلال.ومن هنا نفهم عبارة بعض العلماء الذين يقولون بهذا القول، قالوا: فإن كان الذي دخل يعرفه أنه من ذوي الشرف أو ذوي الجاه حرم عليه.وقال بعض العلماء: تبطل صلاته إن كان قصد مثل هذا الرجل، أي أن قصده بإطالة الركوع هو مداهنة هذا الرجل أو محبته أو تأليفه، أو نحو ذلك مما ليس بمقصد شرعي.والمقصود أن أصح الأقوال أنه إذا كان لا يشق على المأمومين ونية الإمام صالحة فلا حرج لظاهر السنة في حديث الظهر، ولعموم الأدلة التي دلت على معونة الناس في تحصيل الخير، والله تعالى أعلم.
[حكم صلاة راتبة العشاء خلف من يصلي التراويح]
qإذا كان المأموم خلف إمامه في صلاة التراويح، فهل له في ركعتين منها أن ينوي سنة العشاء؟

A لا حرج على المأموم أن ينوي الراتبة (سنة العشاء) مع الإمام في صلاة التراويح، وكان بعض العلماء يستحب غير هذا فيقول: أستحب أن يدخل وراء الإمام بنية التراويح ولا يقلبها راتبة، حتى إذا انتهى من الوتر صلى ركعتين؛ لأنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (صلى ركعتين بعد الوتر).قالوا: لأنه إذا فعل هذا فقد حصل فضل قوله صلى الله عليه وسلم (من قام مع إمامه حتى ينصرف ... ) الحديث.قالوا: لأن الركعتين الأوليين من التراويح إنما هي من القيام، أي: من إحياء الليل، فلو نوى بها راتبة العشاء خرج عن كونه مقتديا بالإمام لاختلاف النيتين.والأولون يقولون: يدخل بنية الراتبة من أجل قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا)، قالوا: لأنه سيحتاج بعد هذا أن يشفع بعد الوتر فيفوته هذا الفضل.والذي تميل إليه النفس أن لا ينوي، وإنما يصلي حتى يوتر، ثم بعد الوتر يصلي ركعتين؛ لثبوت فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) على سبيل الاختيار، وهذا لا اختيار له لمكان ضيق الوقت، والله تعالى أعلم.

[توجيه إشكال في قراءة الفاتحة للمؤتم]

Q أشكلت علي حديث: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فقد قرأت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ما لي أنازع ... ) الحديث.فقال أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة والفاتحة أيضا.فما قولكم في هذا الإشكال؟

A هذا يحتاج إلى نظر، فـ أبو هريرة بنفسه أمر بها، وقد روى ذلك عنه البيهقي في جزء (القراءة خلف الإمام) بالسند الصحيح، فأين ثبت قوله: (والفاتحة أيضا) بهذا اللفظ؟ إلا إذا كان السائل فهمه من قوله: (فانتهى الإمام عن القراءة وراء الإمام).فـ أبو هريرة رضي الله عنه أخبر أنهم كانوا يقرءون، فإذا قرأ الإمام مثلا: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1] فالناس خلفه يقرءون: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1]؛ لأنهم كانوا يرون أن الإمامة تقتضي المشاركة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الجزء الزائد، ولذلك قال: (فقراءة الإمام).لأن الإمام يختار في هذا الموضع، لكن الفاتحة ليس باختياره، وإنما هي قراءة للكل.فقوله: (فقراءة الإمام له قراءة) أي: ما يختاره من السور ويعينه فهو له قراءة.أي: تجزئ المأموم.ولو فرض غير هذا فإن حديث:: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نص على قراءة الفاتحة صراحة، وقول أبي هريرة (فانتهى الناس) متردد بين ما ذكرناه فهو محتمل، فالتشريع للأمة في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، وكون الناس انتهوا أو لم ينتهوا هو جزء الحكاية، ولا يعتبر حجة.ثم إن أبا هريرة نفسه بين أنه تلزم قراءة الفاتحة، فلا يعقل أنه يروي أن الناس انتهوا عن القراءة، ثم يروي إلزاما المأموم بقراءة الفاتحة إلا ومراده ما زاد عن الفاتحة وليس الفاتحة نفسها.فهذا أمر ينبغي التنبه له، ولذلك أوصي طالب العلم بالتحفظ، خاصة في حكاية سنة النبي صلى الله عليه وسلم.فبعض الأحيان قد تجد في بعض فتاوى العلماء، أو قد تجد في كتبهم أنهم حينما يصفون شيئا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: من السنة كذا وكذا.ويكون ذلك من السنة المفهومة، وليس بالصريح، فينبغي أن يفرق بين حكاية النص، وبين فهم مدلول النص، فالفهم شيء والنص شيء آخر.فإذا جئت تحكي شيئا عن السنة وتثبته، بمعنى أن تقول: وكان كذا وكذا، أو قال أبو هريرة كذا وكذا، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فينبغي أن تتقيد فيه باللفظ ولا تراعي فيه ما ترى، ولا تراعي فيه المذهب؛ لأن هذا أمانة لا بد فيه من الحيطة والحذر، خاصة طلاب العلم، ولذلك ما رأيت شيئا يكمل به طالب العلم في فقهه وفهمه وفتواه وقضاءه وحكمه بعد توفيق الله عز وجل مثل الأمانة والتحفظ.فلتتحفظ في فهمك، ولا تتجاوز في فهم الشيء أكثر مما دل عليه النص، ولا تتجاوز في بيان ما دلت عليه النصوص.فكونك ترى شيئا فتأتي وتقول: السنة كذا وكذا.بمعنى أنك تحكي السنة، وتقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو: فعل كذا وكذا، وأنت تفهم الشيء فتحكيه قولا، أو تحكيه سنة، فهذا أمر من الصعوبة بمكان، إلا في حالة واحدة رخص فيها العلماء، وهي بيان الهدي الذي يكون على سبيل السياق، مثل أن يحكي الإنسان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العموم، لكن يحتاط في المواضع.ولذلك كان من دقة العلماء المتقدمين أنهم يقولون: وكان من هديه عليه الصلاة السلام كذا وكذا.فيذكرون الهدي المنصوص عليه، فإذا جاءوا إلى مواضع الخلاف، لا يقولون: وكان من هديه كذا وكذا.وإن كان الواحد منهم يرى أنه من الهدي، لكن يقولون: وقال عليه الصلاة والسلام كذا وكذا.فيكون القول محتمل الوجهين، فلا تجد أحدهم ينص صراحة بناء على مذهبه، أو يقول: وكان من هديه كذا وكذا على أصح قولي العلماء لقوله عليه الصلاة والسلام كذا وكذا.وهذا موجود خاصة عند المتقدمين، وهذا من الورع والتحفظ.وهذا على خلاف حالنا اليوم، فإنك تجد الرجل إذا رأى قولا أو رأيا، أو اعتبر قولا فهو يرى أنه السنة التي لا جدال فيها، وقد تكون هذه السنة بنصوص محتملة، وقد تكون بأحاديث ضعيفة حسنت بالشواهد والاعتبار، فيأتي ويحكم بكونها السنة الثابتة التي لا تقبل نقاشا، وأن دلالتها صريحة لا تحتمل قولا ثانيا، فلا يجوز أبدا أن إنسانا يحكي ما ليس صريحا على وجه الصراحة، ويحكي المحتمل على وجه غير محتمل، فهذا ليس من الأمانة؛ لأن العلم أمانة وتحفظ.فعلى الإنسان أن ينقل العلم للناس مثل ما هو عليه لا يزيد فيه بفهمه ولا ينقص منه برأيه، وهذه هي الأمانة، ومن فعل ذلك بارك الله له في علمه، وغالبا لن تجد طالب علم يتحفظ، ويتقيد في أخذه للعلم وفهمه، وإفهام الناس وبيان الفتوى لهم إلا وجدت الله عز وجل قد وضع له القبول في فتاويه وفي علمه.لأنه من الصعوبة بمكان أن يترجح عندي قول في مسألة فيها حديث محتمل، وهناك نصوص أخرى عارضته، فآتي وأغرس في نفوس طلاب العلم أن هذه هي السنة وحدها، فيصبح كل من خالفه من أهل العلم كأنه مرتكب لما خالف السنة، فهذا لا ينبغي، إنما ينبغي أن أقول: ترجح، أو ظهر لي، أو: هذا هو السنة على ما ظهر، أو: على أصح أقوال العلماء، أو: هناك قول آخر لقوله تعالى، أو لقوله عليه الصلاة والسلام، أو: لكن الصحيح كذا وكذا.فإذا رأيت من خالفك تعلم أن عنده سنة وأن عنده حجة فلا تبالغ في الإنكار عليه، ولا تستعجل في استهجانه، وقد يكون الحق معه، وكان السلف يقولون: (قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب)، وهذا في النصوص المحتملة، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يجاوز دلالة النصوص، بل ينبغي عليه أن يتقيد، فالشيء المحتمل يقول عنه: محتمل.فهذه فائدة عارضة، وأوصي بها طلاب العلم كثيرا، خاصة في هذا الزمن الأخير، ولذلك كان الوالد رحمة الله عليه كثيرا ما يوصيني ويقول لي: أي علم تستطيع أن تأخذه من الأوائل فابدأ به؛ لأنه ليس من السائغ أن يبدأ الإنسان بعلمه من الأواخر.ولا يعني هذا هجران العلماء الموجودين، إنما المراد أن تلتزم بمنهج الأوائل وطريقة سلفك الصالح رحمة الله عليهم، فكنت كثيرا ما أرجع إلى كتب الأولين، فأجد المسألة تعرض بشيء من الأمانة والتحفظ، ووالله إن بعض العبارات في الفتاوى وفي الشروحات تلمس فيها من العالم من خلال كلامه خوفه من الله عز وجل، وتلمس ورعه وتحفظه وصيانته.ولذلك لو جئت تجمع فتاوى المتقدمين قد تجدها لا تتجاوز جزءا واحدا، فتجد السؤال وجوابه بكل تحفظ وحذر من الزيادة عما دلت عليه النصوص الشرعية، وهذا هو العلم، فمن سلك هذا المسلك فقد علم وفهم.ولكن إذا جئت اليوم إلى إنسان في مسألة تريد أن يبين لك فيها حكما قال لك: هذه مسألة خلافية سبق الكلام فيها بين العلماء، ويكتب رسالة، أو يجيب عن سؤال فتجده يبين لك المسألة ويبين لك دليلها، وقد يكون هذا الدليل حديثا اختلف في إسناده، أو يكون دليلا صحيحا ثابتا في الكتاب والسنة ولكن دلالته محتملة، فيأتي ويذكر الحديث، فلا ينتهي منه حتى يقول: قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7]، ويملي عليك خطبة في حجية السنة، بمعنى: إن خالفتني فقد خالفت السنة، وإن تركت قولي فأنت على غير محجتي، وعلى هلاك.وهذا لا ينبغي؛ لأنك إذا أصبحت تحجر الناس كلهم على رأيك وفهمك، فإنك ستأتي إلى الأقوال المخالفة وتستهجن آراء العلماء، وتبالغ في ذم الرجال، وتعتبر شيخك هو الوحيد الذي ينبغي قبول السنة منه، وأنه إن خرج أحد عن الذي في كتاب فلان فليس من أهل السنة والجماعة، ويصل بك الأمر إلى أنك تجد أقوالا للسلف الصالح رحمة الله عليهم -إذ الخلاف قديم وموجود بين أئمة العلم- فتحتقر هذه الأقوال وهي لأئمة وعلماء، وقد يكون الذي رجحه مشايخك من أقوال الشذاذ والأفراد، فتأتي وتقول: سبحان الله! جماهير أهل العلم خالفوا السنة! إي نعم لا تعتد بالرجال إنما اعتد بالدليل.وقد تجد أقوال أفراد من التابعين أو الصحابة نسيت وتركت، وأصبح العمل في القرون كلها على قول انتشر وذاع، فهل أصبحت هذه الأمة كلها على ضلالة، وهي أمة معروفة بالعلم والورع والصلاح والإخلاص لله عز وجل، أفكل هؤلاء ما أصابوا الجادة?! فهذا أمر يحتاج إلى تنبه، فإنك تجد بعض طلاب العلم اليوم يفرحون ببعض الأقوال المنفردة، فبعض طلاب العلم قد يفرح عندما يجد أن هذا القول لا يقول به إلا الأفراد، وهذا موجود وملموس في طلاب العلم، ولذلك ينبغي التأني والتريث وأخذ العلم عن أهله، والتحفظ في ضبط العلم وتحريره، فإذا قال لك العالم: هذا القول هو الصواب، وظهر لي منه كذا فعليك أن تفتش وتنقب؛ إذ ليس قوله هو الغابة، وليس هو النهاية، فقد سبقه رجال فحول وأرباب في العلم، وأناس لهم فهمهم وعلمهم وورعهم وقدمهم الراسخة، فينبغي الرجوع إليهم والاعتداد بأقوالهم، والتنبه لكون الأمر مجمعا عليه أم أن فيه خلاف، وهل الدلالة مسلمة أم لا.فكثير من الطلاب يغتر بمثل هذا، إذ يأتيني طالب علم قرأ رسالة ما لمتأخر وهو مقتنع اقتناعا كاملا أن الحق في هذه الرسالة، وكأن صاحبها هو المعصوم؛ لأن أسلوب الرسالة يحمل هذا الطالب على أنه لا يحيد عنها؛ لأن صاحبها ابتدأها بالسنة وأهمية السنة وحجية السنة، وكأنه يقول: إنني قد أصبتها فإياك أن تحيد عنها.وهو وإن أصاب شيئا لكنه محتمل، فليس هذا من الأمانة، فينبغي التحفظ والصيانة، خاصة في المسائل الخلافية.فإذا جاء الطالب قلت له: هذا القول الذي تقوله يستدل بحديث كذا وكذا، وهذا الحديث دلالته مختلف فيها حتى بين الأصوليين؛ لأن دلالته معارضة بما هو أقوى منها، أو هذا الحديث ضعيف، وتحسينه قول لبعض العلماء، وهناك حديث أصح منه، فتجد الطالب مقتنعا اقتناعا كاملالا يرضي أن يتركه.وفي بعض الأحيان نجد الطالب لا يحفظ
[حكم صلاة الجالس القادر على القيام]
Q بعض النساء -هداهن الله- يعملن في البيوت طوال الوقت، فإذا جاء وقت الصلاة صلين وهن جالسات بحجة أنهن متعبات لا يستطعن القيام، فما حكم هذا، وما هو توجيهكم لهؤلاء النسوة؟

A إذا كانت الصلاة فريضة وصلت المرأة جالسة وهي قادرة على القيام، فعليها أن تعيد صلاتها، ولو جلست مائة سنة بهذه الحال لا تجزيها الصلاة، وينبغي عليها أن تعيد صلواتها مدة حياتها إذا لم يكن ثم عذر؛ لأنها لم تصل كما أمرها الله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته أن يرجع ويصلي لفوات ركن الطمأنينة، فكيف بركن القيام، ولذلك يلزمهن الإعادة لهذه الصلوات.وأما إذا كان التعب عذرا بينا، كما يكون في بعض النساء الحوامل، وقد تكون بعض النساء ضعيفة البنية، فيحصل لها إرهاق شديد، خاصة مع شدة السهر أو نحوها، وتخشى السقوط في صلاتها، أوتخشى الضرر فلا حرج أن تصلي جالسة، لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]، وهكذا إذا كانت مريضة كما ذكرنا.أما الترخص والتوسع في هذا فإنه يوجب بطلان الصلاة، والله تعالى أعلم، لكن ينبغي أن ينصح الرجال بالتخفيف على النساء، حتى لا يضطررن إلى ذلك، فالحكمة تقتضي تخفيف أعباء البيوت حتى لا تصبح معونة على تركهن لفريضة الله عز وجل.

[حكم تقييد الصلاة على الراحلة]

Q هل الصلاة على الراحلة مقيدة بصلاة الوتر كما ثبت في الحديث الصحيح، أم أنها مطلقة في جميع صلاة النفل بما فيها السنن والرواتب؟

A صيغة السؤال تفيد أنه ورد حديث يقول: (لا تصلوا النافلة في السفر إلا إذا كانت وترا على الدابة).وهذا لم يرد، ولهذا فلينتبه طالب العلم، وليحذر من الكلمات في التعبير، فينبغي أن تنتبه لمنطوق اللفظ ودلالة المفهوم؛ لأنك غدا ستكون المعلم والمربي والمفتي والقاضي، فينتبه الإنسان في العبارات، ولتكن عنده دقة، ولا يحمل النصوص في دلالتها ما لا تحتمل، فانتبه رحمك الله وقل: هل هي مقيدة بالوتر، أو ليست مقيدة بالوتر؟ أما النصوص فهي تدل على العموم، كما في حديث ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض)، وهذا في الصحيح.وكما في حديث أنس، حيث يقول ابن سيرين: (خرجنا فاستقبلناه بعين التمر، فلقيناه يصلي على حماره ووجهه من ذا الجانب، فقلنا: رأيناك تصلي إلى غير قبلة! قال: لولا أني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله ما فعلته).فالمهم أن النصوص الواردة ورد فيها في الوتر، ووردت نصوص أنه أوتر على بعيره، لكن هذا ليس على سبيل التقييد.والقاعدة في الأصول أن ورود الخاص بخصوصه لا يقتضي حمل العام عليه ما لم تفهم القرائن أو تدل الأصول على اعتبار هذا الحمل.ولذلك فالذي يقوي العموم في النوافل قوله: (إلا الفرائض)، ويشمل هذا الوتر، وهكذا لو توضأ وأراد أن يصلي ركعتي الوضوء، أو ركعتي استخارة، أو يتنفل طاعة وقربة لله في سفره، فلا حرج عليه أن يصلي على دابته حيث توجهت به.
[حكم تكبيرة الانتقال إذا دخل المصلي والإمام راكع]
Q رجل دخل المسجد والإمام راكع، فدخل معهم في الصلاة، وجعل تكبيرة الإحرام والركوع تكبيرة واحدة، فهل هذا يجزئه؟

A قال بعض العلماء: لا بد من التكبيرتين.وقال بعضهم: تجزيه تكبيرة واحدة.وهذا هو الصحيح.وهذا ظاهر؛ فإن النصوص لم يرد فيها الإلزام بالتكبيرتين، لكن الذين قالوا بالإلزام قالوا: لأنه يكبر التكبيرة الأولى للإحرام، والثانية: للركوع.وهذا محل نظر؛ لأنه لو جاء والإمام ساجد فإن قالوا: يكبر أيضا تكبيرتين، فحينئذ نقول: إنه ليس في حال قيام؛ لأن تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة وللقيام، فلذلك ليس ثم ركن قيام إذا كان ساجدا.وبناء على ذلك قال بعض العلماء الذين يقولون بالتكبيرة الواحدة: لو كبر تكبيرتين لم يجزه؛ لأنه إذا كبر في القيام لزمته القراءة، وهو لم يقرأ ويريد أن يركع، ولذلك قالوا: لا يصح منه.والصحيح: أنه يجزيه؛ لأنه كبر للقيام في وقت لا يتسنى له فيه قراءة الفاتحة فسقطت للعجز فأجزأه أن يكبر، فمن فعل هذا فلا حرج، ومن فعل هذا فلا حرج، لكن الأشبه والأقوى أن يكبر تكبيرة واحدة، وهذا أصل خرجه العلماء على القاعدة الشرعية: (اندراج الأصغر تحت الأكبر)، وهذا له ضوابط كثيرة، فالأصغر هو تكبيرة الركوع، والأكبر تكبيرة الإحرام، فاندرج الأصغر تحت الأكبر.ولذلك لو جئت وأنت متأخر والإمام في الركعة الثالثة واقف فإنك تكبر تكبيرة واحدة مع أن الإمام تعتبر صلاته في الثالثة، فإذا كان كذلك فمعناه أن عليك تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام للثالثة؛ لأنه قام لها الإمام ولها تكبيرة خاصة.فقالوا: أصل الاندراج يدل عليه.وله نظائر في العبادات والمعاملات، ومن نظائره في المعاملات أن يسرق الإنسان -والعياذ بالله- ويزني ويقتل، فقالوا: إن حد القتل يأتي عليها جميعا.فلو كان محصنا فزنى وقتل فإنه يقتل بالقصاص، فيعتبر قتله قصاصا يندرج تحته قتله بالرجم، ولا حاجة أن يرجم، ولذلك يقولون: يندرج الأصغر تحت الأكبر؛ لأن حد القتل أعظم من حد الزنا في الأصل، بدليل تنوع حد الزنا وعدم تنوع حد القتل، قالوا: فاندرج الأصغر تحت الأكبر.وهو مذهب بعض الصحابة رضوان الله عليهم الذين يقولون بالاندراج.وتتفرع على هذه القاعدة فروع منها هذه المسألة، وهي أنه لو قدم والإمام راكع، فقالوا: يكبر تكبيرة واحدة، فتندرج تكبيرة الركوع تحت تكبيرة الإحرام.نسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وموجبا لرضوانه العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18-03-2021, 01:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,438
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(واجبات الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (96)

صـــــ(1) إلى صــ(10)

شرح زاد المستقنع - واجبات الصلاة
الواجب في الصلاة: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، ومن تركه عمدا بطلت صلاته، وإن تركه سهوا جبر بسجود السهود على تفصيل في ذلك،
وواجبات الصلاة هي:
لفظ التكبير عند الانتقال من ركن إلى ركن، وقول سمع الله لمن حمده، وربنا لك الحمد، والتسبيح في الركوع والسجود، والتشهد الأول والجلوس له.
واجبات الصلاة
[تكبيرة الانتقال]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وواجباتها التكبير غير التحريمة] الواجبات: جمع واجب، والضمير عائد إلى الصلاة،
أي:
واجبات الصلاة، فعطف رحمه الله الواجبات على الأركان،
أي:
إذا علمت أحكام الأركان فاعلم أن هناك أمورا واجبة، وأن للصلاة واجبات، ثم شرع في بيان هذه الواجبات، وهذا -كما يسميه العلماء- من باب التدرج من الأعلى إلى الأدنى.
وهذه والواجبات لها أحكام:
الحكم الأول: أنه يثاب فاعلها.
الثاني:
يعاقب تاركها.
الثالث:
من تركها متعمدا بطلت صلاته.
الرابع: أن من ترك هذا الواجب ساهيا فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون منفردا أو إماما، أو يكون مأموما، فإن كان منفردا أو إماما وجب عليه أن يجبر هذا الواجب بسجود السهو، وأما إذا كان مأموما فإن الإمام يحمل عنه الواجب، وبناء على ذلك اتفقت الأركان والواجبات في كون كل منهما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وانفردت الواجبات بأن تركها نسيانا يجبر بسجود السهو، والأركان إذا تركت نسيانا وجب جبرها بالفعل، فالواجبات تجبر بسجدة السهو والأركان لا تجبر، بل لابد من فعلها.ثم إن الواجبات يحملها الإمام إذا نسيت أو سهيت أو لم يمكنك فعلها، ولكن الأركان لا يحملها الإمام عنك البتة، بل ينبغي عليك فعلها، وإن لم تفعلها وجب عليك قضاء الركعة كاملة، فهذا بالنسبة للفرق بين الواجبات وبين الأركان في الصلاة.
قوله: [التكبير غير التحريمة] أي: من الواجبات التي أوجبها الله عز وجل في الصلاة التكبير غير التحريمة،
والتكبير لفظ:
(الله أكبر)، وهذا التكبير يسميه العلماء بتكبير الانتقال،
أي:
يجب على المصلي أن يكبر عند انتقاله من ركن إلى ركن،
فإذا أراد أن ينتقل من القيام إلى الركوع قال:
الله أكبر.
وإذا أراد أن ينتقل بعد رفعه من الركوع إلى السجود قال:
الله أكبر.وإذا أراد أن ينتقل من سجوده إلى الجلسة بين السجدتين كبر.وإذا أراد أن ينتقل منها إلى السجود كبر، وهكذا، فهذا التكبير الذي يقع بين الأركان لكي تنتقل به من ركن إلى ركن يسميه العلماء تكبير الانتقال.
وقوله رحمه الله:
[التكبير غير التحريمة] المراد بالتحريمة تكبيرة الإحرام، وهي ركن وليست في مرتبة الواجبات، وإنما هي في مرتبة أكبر، فالتكبير من غير تكبيرة الإحرام واجب.فلو أن إنسانا كان يصلي لوحده فقرأ الفاتحة، ثم قرأ السورة، ثم ركع ونسي أن يكبر فإنه يجبره بسجود السهو لأنه واجب عليه، فإن تعمد فركع دون أن يكبر قاصدا ترك التكبير بطلت صلاته فرضا كانت أو نفلا.
فهذا معنى قولهم: (التكبير غير تكبيرة الإحرام) أي: يلزمك إذا صليت فريضة أو نافلة أن تكبر تكبيرة الانتقال، فلا تنتقل من ركن إلى ركن إلا بهذا التكبير، فلو حصل أن تركت هذا التكبير قاصدا ومتعمدا بطلت صلاتك نفلا أو فرضا، ولو حصل أن تركته سهوا قلنا: إن كنت منفردا تجبره بسجدتي السهو قبل السلام لمكان النقص،
وإن كنت مع الإمام حمل الإمام عنك هذا السهو لقوله عليه الصلاة والسلام: (الإمام ضامن) كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وأحمد في مسنده، فقد دل هذا الحديث على أن الإمام ضامن، والمراد بضمانه ضمان صلاة من وراءه، وذلك بحمل الواجبات دون الأركان، كما هو معلوم ومقرر عند العلماء.
وهكذا الحكم لو أن إنسانا بدلا من أن يكبر للركوع قال: سمع الله لمن حمده، فأبدل ذكرا مكان ذكر في الانتقال،
أو أراد أن يسجد فقال:
(ربنا ولك الحمد) سهوا، فإنه حينئذ يمكنه التدارك إن أمكنه، وإن لم يمكنه التدارك فإنه لابد وأن يأتي بسجدتي السهو على التفصيل الذي ذكرناه.
أما دليل وجوب التكبير فقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا كبر فكبروا)، وهذا أمر، وشمل تكبيرة الإحرام وغيرها للإطلاق، ولكن خصت تكبيرة الإحرام بالزيادة لورود النصوص فيها،
كقوله صلى الله عليه وسلم:
(تحريمها التكبير)، ونحوه من النصوص التي ذكرنا، ودلت السنة على وجوب تكبير الانتقال، وبناء على ذلك فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بالتكبير يوجب علينا التكبير.
[قول: سمع الله لمن حمده]
قال رحمه الله: [والتسميع] أي: الواجب الثاني من واجبات الصلاة التسميع.والتسميع على وزن (تفعيل) والمراد به قول المكلف: سمع الله ولمن حمده أي: استجاب الله دعاء من حمده،
وقيل:
معناهنا: سمع الله على الحقيقة من أثنى عليه سبحانه وتعالى، فلا يخفى عليه شيء وهي جملة متصلة ببعضها،
فلو قال:
(سمع الله) لم يجزه، بل لا بد من تمام الذكر، فلا ينقص منه ولا يزاد عليه،
فلا يقال:
سمع الله الجبار المتكبر من حمده.فلا تشرع الزيادة،
ولا يشرع النقص كأن يقول:
(سمع الله)، ويسكت،
أو يقول:
(سمع الله من)، ويسكت، فكل هذا لا يجزي، بل لا بد من تمام الجملة؛ لأنه ذكر توقيفي، فوجب البقاء على حده دون زيادة ولا نقصان.
[قول: ربنا لك الحمد]
قال رحمه الله:
[والتحميد] التحميد على وزن (تفعيل) من الحمد،
أي قولك:
(ربنا ولك الحمد)، أو (ربنا لك الحمد)، فكلاهما وارد ومأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلت: (ربنا ولك الحمد)،
أو:
(ربنا لك الحمد)، فقد فعلت ما أوجب الله عليك من التحميد.والتحميد يتعلق بالمأموم، والتسميع يتعلق بالإمام والمنفرد فيجمعان بين التسميع والتحميد،
أما المأموم فيقتصر على قوله:
ربنا ولك الحمد.
أما دليل الوجوب فما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله:
(وإذا قال -أي الإمام- (سمع الله لمن حمده) فقولوا: (ربنا ولك الحمد)
فقوله: (فقولوا) أمر، والأمر يدل على الوجوب، وقد قاله عليه الصلاة والسلام في معرض التقسيم،
وكونه يقوله في معرض التقسيم فقد خص الإمام بالشرط في قوله:
(إذا قال)، فإذا كان التحميد واجبا كان موجبه واجبا، فأصبح التسميع والتحميد واجبين من واجبات الصلاة،
فلابد من قول المكلف:
(سمع الله لمن حمده.ربنا ولك الحمد) إن كان إماما أو منفردا،
أما إذا كان مأموما اقتصر على قوله:
(ربنا لك الحمد).ومكان هذا التسميع والتحيمد مختص بما بعد الرفع من الركوع، فيقول: (سمع الله لمن حمده) في حال الرفع،
فإذا استتم قائما قال:
(ربنا ولك الحمد)؛ لأنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم،
فلا يشرع له أن يقول:
(ربنا ولك الحمد) قبل أن يستتم قائما،
وإنما يقول:
(ربنا ولك الحمد) إذا انتصب عوده واستقام ظهره،
وبناء على ذلك فإن السنة أن يبتدئ بالتسميع عند ابتداء الرفع حتى إذا استتم قائما قال كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة قال:
(ربنا ولك الحمد)، وقاله عليه الصلاة والسلام وهو قائم.قال العلماء: في هذا فائدة لطيفة، وهي أن التسميع ذكر الانتقال من الركوع إلى القيام الذي هو الوقوف، فيشرع له الذكر المقارن كالتكبير، ثم إذا استتم قائما كان ذكر ما بينهما -
أي:
ما بين الرفع وبين سجوده-
أن يقول: (ربنا ولك الحمد)، كما هو الحال فيما بين السجدتين، فتقول التكبير عند الانتقال من السجود إلى الجلوس، فإذا جلست قلت: (رب اغفر لي).بين السجدتين،
كذلك هنا يكون تسميعك عند الانتقال وقولك: (ربنا ولك الحمد)، عند استتمامك قائما، كأنهم نظروا أن التحميد ذكر لما بين الركنين، والتسميع ذكر انتقال.
[تسبيحتا الركوع والسجود]
قال رحمه الله:
[وتسبيحتا الركوع والسجود] هذان واجبان،
أي: قوله: (سبحان ربي العظيم) في الركوع،
وقوله:
(سبحان ربي الأعلى) في السجود،
وأما دليل وجوب التسبيح في الركوع فإنه لما نزل قوله تعالى:
{فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة:74] قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوها في ركوعكم)،
فإن قوله:
(اجعلوها) أمر،
والقاعدة تقول:
الأمر يدل على الوجوب إلا إذا قام الدليل على صرفه.فوجب على المكلف أن يمتثل هذا الأمر على سبيل اللزوم،
وبناء على ذلك فإذا ترك التسبيح لا يخلو من حالتين:
إما أن يتركه ناسيا، وإما أن يتركه متعمدا، فإن ترك تسبيح الركوع أو تسبيح السجود متعمدا فإنه تبطل صلاته إماما كان أو منفردا أو مأموما، سواء أكان في فريضة أم نافلة،
وإن تركه ناسيا فإنه إن كان وراء إمام قلنا:
حمل الإمام عنه التسبيح، كأن يكون نسي، أو اقتصر على تعظيم الله عز وجل بغير التسبيح سهوا ونسيانا، أو ركع ولم يتكلم لمكان السهو، فرفع الإمام ولم يتدارك التسبيح،
فحينئذ نقول:
هذا السهو وراء الإمام يحمله الإمام عنه؛ لأن الإمام ضامن، وإن كان إماما أو منفردا فإنه يسجد للسهو.
وأما التسبيح في السجود فالدليل على وجوبه في السجود ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما نزل قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1] قال: (اجعلوها في سجودكم)،
فدل قوله: (أجعلوها) على الأمر، والأمر يقتضى الوجوب،
وبناء على ذلك يجب على المكلف أن يقول:
(سبحان ربي الأعلى) في السجود،
وأن يقول:
(سبحان ربي العظيم) في الركوع، فلو أبدل اللفظين فجعل (سبحان ربي الأعلى) في ركوعه، و (سبحان ربي العظيم) في سجوده، فإنه إن تقصد وتعمد فقد أساء، وذلك لمخالفته للسنة.وأما بطلان صلاته فالذي يظهر أن التسبيح قد حصل،
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم في ركوعه يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)،
فدل على أن قوله:
(أما الركوع فعظموا فيه الرب) يشمل التسبيح الذي يكون للسجود، ويكون اختلاف التسبيحين تنوعا لا يوجب بطلان الصلاة بترك التسبيح المأمور به في الأصل، وبناء على ذلك يجزيه، ولكن لا يخلو من الإثم لمكان التعمد بالعصيان، وأما لو ترك ذلك سهوا فإنه يجزيه ويصح منه، ولا يلزم بسجود السهو، وإن سجد للسهو فحسن.
[سؤال الله تعالى المغفرة بين السجدتين]
قال رحمه الله: [وسؤال المغفرة مرة، مرة ويسن ثلاث] التسبيح في الركوع والسجود الواجب منه مرة، ولا حرج أن يزيد المكلف، فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يزيد،
وكان يقول:
(سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى)، وكان يسمع تسبيحه صلوات الله وسلامه عليه في صلاته.
وقوله: [وسؤال المغفرة مرة مرة]،
أي:
بين السجدتين، وهذا واجب آخر،
أي:
ويجب على المكلف أن يقول: (رب اغفر لي بين السجدتين)،
وقد صح عنه أنه قال: (رب اغفر لي رب اغفر لي)، قاله مرتين صلوات الله وسلامه عليه بين السجدتين، فدل على مشروعية التكرار.وهذا الذكر الذي بين السجدتين يعتبر واجبا بناء على الأصل؛ لأننا عهدنا من الشرع أنه جعل الأذكار المتخللة بين الأركان واجبة فألحق النظير بنظيره، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك،
فقوي إلحاقه بقوله:
(صلوا كما رأيتموني أصلي)، فألحق بالواجبات، فصار ذكرا لما بين السجدتين، وألزم به المكلف تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلو صلى المصلي ونسي أن يقول بين السجديتن: (رب اغفر لي)، وقال أي ذكر آخر، فحينئذ لا يخلو إما أن يكون منفردا أو مأموما، فإن كان منفردا وتعمد بطلت صلاته، وإن كان منفردا ونسي سجد للسهو، وإن كان مأموما فإن تعمد بطلت، وإن سها حمل عنه ذلك الواجب الإمام.
[التشهد الأول والجلوس له]
قال رحمه الله: [والتشهد الأول وجلسته] التشهد الأول وجلوسه كلاهما واجب،
أما دليل الوجوب فما ثبت في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال:
(صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم).وهذا الحديث في الصحيح، ومثله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في كونه رضي الله عنه وقع في نفس السهو، ولما سبحوا له أشار إليهم أن قوموا، ثم سجد قبل أن يسلم سجدتين، ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعل.فهذان الحديثان يدلان دلالة واضحة على أن هذا الجلوس واجب، أما دليل وجوبه فكون النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجدتي السهو، فدل على أنه دون الأركان؛ لأنه لو كان ركنا لرجع له النبي صلى الله عليه وسلم، فكونه لم يرجع له يدل على أنه ليس بركن، وكونه يجبره بالسجدتين يدل على أنه من الواجبات وليس من السنن والمستحبات، وبناء على ذلك ارتقى عن درجة السنن والمستحبات، ونزل عن درجة الأركان، فأصبح واجبا من واجبات الصلاة.ولما كان هذا الموضع يشتمل على فعل وقول قالوا بوجوب كل منهما؛ لأن الجبر وقع لهما معا، واستدل به على أن الواجبات تتداخل، فمن ترك أكثر من واجب جبره بسجدتين وكان ذلك كافيا له ومبرئا لذمته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الواجب الفعلي وهو الجلوس، وترك الواجب القولي وهو قراءة التشهد.
فأصبح عندنا واجبان: الواجب الأول: الجلوس للتشهد بعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الثانية.
الثاني: قراءة التشهد.فإن تركهما جبرهما بسجود السهو، وإن ترك واحدا منها كأن يجلس وينسى أن يقول الشهد ثم يقوم، فإن كان وراء الإمام حمل الإمام عنه الذكر القولي، وإن كان منفردا ومتعمدا بطلت صلاته، وإن كان ناسيا جبره بسجود السهو.
[سنن الصلاة]
قال رحمه الله: [وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة] تقدم معنا ذكر المصنف شروط الصلاة من النية والوقت والطهارة، واستقبال القبلة، وغيرها مما ذكر من الشروط، وذكر لنا الأركان الأربعة عشر التي ذكرناها، وذكر لنا الواجبات الثمانية التي كنا بصددها.وعليه فما عدا هذه الأركان والواجبات والشروط فهو سنن، ومستحبات يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولو تركها عمدا فإن الشرع لم يلزم بها، والأصل أننا نعتبر ما اعتبره الشرع، فإن كان اعتباره على سبيل اللزوم ألزمنا،
وإن كان اعتباره على سبيل عدم اللزوم رخصنا وقلنا:
الناس في سعة، فإن فعلوا أثيبوا، وإن تركوا فلا حرج عليهم.
ومن هذه السنن المستحبات قوله:
(ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد) إلخ بعد قوله: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد).فهذا الذكر من المستحبات، وليس بواجب ولا لازم،
ولو قال بين السجدتين:
(اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني)، فهذا الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة وليس بواجب.
[حكم ترك بعض شروط الصلاة غير النية]
قال رحمه الله: [فمن ترك شرطا لغير عذر غير النية فإنها لا تسقط بحال] قوله: (فمن ترك) الفاء للتفصيل، فبعد أن ذكر الشروط والأركان والواجبات شرع رحمه الله في حكم ترك هذه الأمور، فابتدأ بالشروط، وقد سبق أن ذكر الشروط قبل الأركان، والسبب في هذا أن شروط الصحة والوجوب تكون قبل الأركان في غالب صور المصلي وأحواله، فإن الإنسان يتوضأ قبل الصلاة وقبل فعل أركان الصلاة، وهكذا بالنسبة لاستقباله القبلة يكون قبل تكبيره حتى يقع تكبيره وفعله للأركان في حالة استقباله للقبلة، وهكذا طهارته من الحدث وطهارته من الخبث.فلذلك ابتدأ بحكم ترك الشروط، فالتارك للشرط إما أن يتركه معذورا فحينئذ يسقط عنه لمكان العذر، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، إلا شرطا واحدا من شروط الصحة وهو النية.فلو ترك المكلف الوضوء والتيمم لعدم وجود الماء وعدم وجود ما يتيمم به -وهي مسألة فاقد الطهورين- فإنه تصح صلاته وتجزيه؛ لأنه ليس بإمكانه إلا ذلك،
والقاعدة تقول:
(التكليف شرطه الإمكان) لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286].
فإذا كان المكلف عاجزا عن تحصيل الشرط الذي هو طهارة الحدث فإننا نعذره ونقول: صلاته صحيحة، والدليل على ذلك ما ذكرناه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمستحاضة أن تصلي والدم يجري معها، فدل على أنها معذورة، وأن من كان في حكمها معذورا أنه يرخص له في صلاته.ولأنه عليه الصلاة والسلام أقر الطائفة التي صلت قبل فرضية التيمم بدون وضوء، مع أن الوضوء كان لازما، وقد ثبت اعتبار لزومه بالشرع، ومع هذا صحح صلاتهم ولم يأمرهم بالإعادة، وذلك لعدم إمكانهم أن يتوضأوا، فدلنا ذلك على أن من ترك الطهارة من الحدث لوجود العذر فصلاته صحيحة.ولو ترك شرط طهارة الخبث لعذر فالحكم كذلك، كأن تركه نسيان، كما لو صلى ولم يعلم أن بثوبه نجاسة، فلما سلم اطلع على النجاسة فإن صلاته صحيحة، والدليل حديث أنس في الصحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم،
فلما انصرف قال:
لم خلعتم نعالكم؟
فقالوا:
يا رسول الله! رأيناك خلعت فخلعنا فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا)
.ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد الصلاة من بدايتها؛ لأنه فعل أركانا كتكبيرة الإحرام، وربما قرأ الفاتحة، وقد يكون ركع عليه الصلاة والسلام، أو فعل أكثر من ركعة، ومع هذا لم يعد ولم يستأنف الصلاة، وإنما اعتبر الأركان السابقة، وذلك بسبب وجود العذر من النسيان.فدل على أن من ترك طهارة الخبث لمكان النسيان أنه معذور وصلاته صحيحة، وهكذا لو ترك استقبال القبلة لعذر يعذر به شرعا، ألا ترى المسافر عذره الشرع في استقبال القبلة، فلو اجتهد ثم تبين له أن اجتهاده خاطئ فإن صلاته صحيحة، فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان مع الصحابة في ليلة مغيمة، فصلوا وهم على غير قبلة، فلما أصبحوا تبينوا أنهم على خطأ،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(قد مضت صلاتكم)، فدل على أن من فقد هذا الشرط معذورا -وهو استقبال القبلة- الذي يشترط لصحة الصلاة أنه يعذر وتصح صلاته.ويستثنى من سقوط الشروط بالعذر النية؛ فإنه لا تصح الصلاة إلا بها، والدليل على هذا أن النية دل الشرع على عدم الاعتداد والاعتبار بالعبادات إلا بها، فدل على أن الأصل عدم صحة العبادة إلا بالنية.أما الشروط الأخرى فقد جاءت النصوص تستثني بعضها، كاستقبال القبلة، والطهارة من الحدث والخبث، ونحوها من الشروط، فتلك الشروط من تركها لعذر عذرناه لورود النصوص بالاستثناء، وبقي شرط النية على الأصل الموجب لعدم الاعتداد بالعبادة إلا بها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 395.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 389.65 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]