سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1 - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كيفية علاج نوبة الربو والتعامل معها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ما هي أسباب عرق النسا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أسباب السكتة الدماغية الإقفارية وعوامل الخطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          طرق علاج ارتجاج المخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أعراض ارتجاج الدماغ عند الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أسباب ارتفاع هرمون الحليب عند النساء وطرق علاجه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          شوكة السمك في الحلق، أضرارها وكيفية إزالتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          انتبه! 10 أعراض لارتجاج المخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          علاج رائحة الفم الكريهة في المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أعراض ارتفاع هرمون الحليب عند الرجال وعلاجه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-03-2010, 10:16 AM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى 00دعاء الاستفتاح رقم6

6- اللهم أنت ربي وأنا عبدك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - -، أما بعد،
يقول النبي - -: )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفركوأتوب إليك).
تكلمنا في المقالات السابقة عن الجملة الأولى (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين)،والثانية (إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين).
ونستكمل اليوم كلامنا عن الجملة الثالثة (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت) حيث يشهد العبد فيها ملك الله عز وجل وألوهيته، ثم أتبعها النبي - - بقوله (أنت ربي وأنا عبدك) ففيها شهود الألوهية بعد شهود الملك والربوبية، فجمع أنواع التوحيد، ثم تجد هذه الأنواع تتكرر في أجزاء الدعاء، واحدة تلو الأخرى، فيعود ليشهد كل نوع بطريقة أخرى، وتكرار هذه الحقائق الإيمانية لكي تستقر قضية التوحيد في النفس، فمعاني الإيمان تتضح أكثر وأكثر مع كل كلمة من كلمات الأدعية النبوية.
ونجد الثناء على الله تعالى باسم (الرب) مضافا إلى ضمير المتكلم المفرد، حيث لم يقل أنت ربنا بل قال أنت ربي، فهذا له مذاق خاص وجميل في استشعار الإصلاح الخاص، فمعنى الرب: المصلح شأن غيره، كما في الحديث (قال هل لك عنده من نعمة تربُها ؟)(رواه مسلم) يعني: تقوم عليها وتصلحها، فإذا قال العبد (اللهم أنت ربي) يستشعر فيها أن الله عز وجل هو الذي يدبر أمره، والله رب العالم كله، ولكن هناك ربوبية خاصة لعبده المؤمن، يصلحه إصلاحا غير الذي أصلح به شأن الآخرين، أصلح للآخرين شأن دنياهم وشأن حياتهم وأصلح للمؤمن كل أمره - دينه ودنياه-، فهو يتوسل إلى الله عز وجل بأنه عبده الذي يحتاج إليه، فهو يفتقر إلى الله عز وجل و يتوسل إليه بأعظم عمل صالح يعمله عبد، وهو العبودية له سبحانه.
هذا التوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، والتوسل إليه بالملك والألوهية والربوبية، كأن العبد يقول "أنا فقير إليك بكلي، وأتوسل إليك بكل ذرَّاتي، فتول أمري وإصلاحي".
وفي قول النبي - -: (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت) ما يوضح ذلك، فإن وقوف القلب ذليلا منكسرًا بين يدي ربه من أعظم أسباب أن يُجبر وأن يعطى ما يزيل نقصه وكسرته، وأعظم أسباب محبته لربه، لأن الذل والحب قرينان في العبودية فإذا انكسر الإنسان لله أحبه، وإذا أحبه ذل لربه وخضع له، وهذا الذل يحدث للعبد من عدة جهات كلها مطلوبة:
أولا: ذل الفقر والحاجة، فالله هو الرب الغني الحميد، والعبد مربوب فقير بمقتضى كونه مخلوقا، أي أن العبد فقير ليس بيده من وجوده شيء، فقير في نبض قلبه وجريان الدم في عروقه، فقير في سمعه وفي بصره وفي مخه وفي كل جزء من أجزائه وفي كل شأن من شؤونه، (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)(فاطر:15)، هذه الحقيقة يشترك فيها المؤمن والكافر، ولكن يشهدها المؤمن فحسب، فيحصل له بذلك ذل الفقر والحاجة إلى الله سبحانه إذا شهد ذلك، فهذا النوع الأول من أنواع الذل إذا شهده العبد فإنه ينكسر لله عز وجل.
ثانيا: ذل العبادة، تذلل العبد فعليا بالعبادة، كونه يمارس العبادة، كونه يركع و يسجد ويقف، فهذا ذل يحدث به للإنسان الانكسار، كذلك الهيئات التي تكون للإنسان في الصلاة يحصل بها أنواع عظيمة من الحب لله عز وجل، هيئته نفسها تقربه إلى الله كما قال النبي - -: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)(رواه مسلم)، والركوع لله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)(الحج:77)، هذا افتقار إلى الألوهية، لأن الإنسان محتاج إلى أن يتعبد وينكسر لله، وإن لم ينكسر ويذل لله ذل لغيره لأنه فُطر على كونه عبدا، فأكثر الخلق يعبدون غير الله، فلماذا يذلون لغير الله من منصب وجاه وكبير ورئيس؟ يحصل هذا لأن العباد فطروا على أن يكونوا عبيدا محتاجين إلى التأله وتعلق القلب بإله، فنسأل الله تعالى ألا يذلنا لغيره.
فالأول ذل الفقر والحاجة، ذل إلى الربوبية، والثاني ذل العبادة الذي يتحقق للعبد بقوله (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهو يتوجه إلى الله بأعماله وبقوله (أنت ربي وأنا عبدك)، فإن العبادة و هيئات القيام والركوع والسجود - بخاصة- تجلب للعبد ذلا وانكسارا لا يحصل للعبد بغيرها، ولذلك لا يمكن أن تتحقق عبودية أحد بدون الصلاة، فالذين يقولون: "الصلاة وسيلة لا غاية"، أناس كفرة والعياذ بالله.
ثالثا: ذل الابتلاء والمحنة التي لا يملك العبد لها دفعا إلا بالله، ولا يجد قوة لدفع الضرر عن نفسه وأهله ولا تحويله إلا أن يكشفه الله ويحوله، وذلك يحصل للإنسان أثناء المحن وأثناء الألم وأثناء المرض والتعب، ويتعجب الإنسان فعلا إذا أصابه ابتلاء فيظل منكسرا ذليلا فيُفتح له أبواب من الخير فيحمد الله عز وجل على أن قدّر هذا المرض أو هذا الألم أو الابتلاء، لأنه من خلاله وصل إلى نوع من الذل والانكسار. أما الرخاء الدائم يجعل الإنسان مترفا، ويشعره أنه ليس محتاجا والعياذ بالله، وهو محتاج تمام الاحتياج، كما قال عز وجل (وأترفناهم في الحياة الدنيا)(المؤمنون:33).
وهذا الأمر من فوائد الاعتكاف حين تبعد عن الأهل فيحصل نوع من الألم يورث انكسارا، كما ورد عن قوم يونس - عليه السلام- أنهم ندموا عندما فارقهم يونس، فجأروا إلى الله عز وجل بالدعاء وفرقوا بين الوالدة وولدها، لأن الشعور بالألم والحاجة والمحنة والشعور بالغربة، تورث الإنسان فقرا وذلا لله عز وجل ليس له نظير، فقد نقول في بعض الأحيان أن من نعم الله العظيمة ما يقع للمسلمين من آلام ومحن، لأنها تفتح أبواب تضرع عظيم جدا وشعور بالانكسار وشعور بالذل والحاجة والافتقار إلى الله، وليس لهذه الأبواب بديل وليس لها نظير، فيستشعر الإنسان آلام المسلمين ومحنهم ويتضرع لله عز وجل أن يفرج ذلك الأمر، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)(الأنعام:43).
ابحث عن نوع الألم الذي في حياتك واستحضره واستحضر أنه لا يكشفه إلا الله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)(الإسراء:56)، ولا يوجد بشر إلا وعنده ضر وعنده ألم، ولكن كثيرا من الناس يتعاطى مُسكرا فينسى ذلك وهو عنده آلام مستكنة لكنه يحاول أن يغطيها، أما المؤمن لا يحاول تغطيتها بل يحاول أن يدفعها بالله عز وجل، ويستحضرها لينكسر لله سبحانه وتعالى.
رابعا: ذل الحب المتضمن في معنى الإله، فهو المحبوب لذاته، الذي يذل له العبد، فالحب أصلا يجلب الذل، تلقى الحبيب يمشي وراء محبوبه ذليلا له، لأنه لا يقدر على الاستغناء عنه، فالحب نوع آخر من الذل، مع أنه في الدنيا لو أحب الإنسان أحدًا فمن الممكن أن يستغني عنه، فهذا الحب لله عز وجل يجلب نوعا خاصا من الحب لأنه لا يُحب لذاته إلا الله فالحب يؤدي إلى الذل، والذل يؤدي إلى الحب ويزيد كل منهما في الآخر فيظل العبد في ارتفاع وسمو.
يبقى ذل آخر: وهو ذل الذنب وانكساره وشعور العبد بظلمه لنفسه، ثم إقراره واعترافه بقلبه ولسانه أنه قد أذنب وشعوره بأنه لا ينجيه ولا يخلصه من ذنبه ولا يغفره له إلا الله، فيتوسل إليه بهذا الذل، فيقول: "ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فيحصل له بذلك نوع خاص من العبودية، لا يشبهه شيء آخر، ومن أجل هذا الذل قدر الله الذنوب على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين بل على أنبيائه المرسلين، وإن كانت ذنوبهم تختلف عن ذنوبنا، إلا أن النوع البشري قدر الله عليه هذه الذنوب لتتحقق أنواع من العبودية لا يوجد لها نظير، يرتفعون بها فوق منزلة الملائكة في نهاية الأمر، رغم أن الملائكة لا يعصون الله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(البينة:7)، لذلك وقع ما سُمي ذنوبا في حق الأنبياء، والرسول - - هو الذي يقول (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهذا ذل الذنب وانكساره.
ثم نتذكر أن هذه الكلمة (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) كان بها نجاة الأبوين وتوبة الله عليهما (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(الأعراف:23)، فالإنسان إذا ظلم واعترف بذنبه كأنه لم يظلم، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فشعور الإنسان أنه ظلم واعترف بذنبه يرفعه مقامات عالية، كما ذكرنا لا يصل إليها بغير هذا النوع من العبودية وهذه الكلمة "إني كنت من الظالمين" مع كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هما كلمة النجاة من كل غم لكل مؤمن، كدعوة يونس - عليه السلام- (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(الأنبياء87-88).
ففوائد عظيمة جدا تتحقق بأن يقول العبد (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعـا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فهذا الاستفتاح يفتح الطريق إلى القلب للدخول إلى الصلاة، لأن الإنسان قد يدخل قلبه في الصلاة بعد دخوله فيها بمدة طويلة جدا، وقد لا يدخل قلبه في الصلاة أصلا، ولكن أدعية الاستفتاح إذا استحضرها العبد أعانه الله بها إعانة عظيمة جدا، خصوصا هذه الأدعية المعجزة، وأقسم بالله العظيم أنها معجزة ظاهرة جدًا، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قلب بشر تكتمل فيه هذه المعاني بهذا الوضوح لمن تأملها، ولا يمكن أن تكون في كلام بشر آخر وإنما أوتي جوامع الكَلِم - -. والحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-03-2010, 09:45 PM
شاجيزا شاجيزا غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: مصر اسكندريه
الجنس :
المشاركات: 118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى 00دعاء الاستفتاح رقم6

سلسلة رائعة جدا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-08-2012, 01:16 PM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احسن الله اليك ونفع بك وجعل نقلك المبارك في ميزان حسناتك
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-03-2010, 10:32 PM
الصورة الرمزية غفساوية
غفساوية غفساوية غير متصل
أستغفر الله
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا أختي الكريمة
على مجهودك القيم
بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك
وفقك الله
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-03-2010, 04:23 PM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23-03-2010, 04:48 PM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم5

5- اللهم أنت الملك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيقول النبي في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
واستكمالا لما بدأناه من شرح دعاء الاستفتاح، نذكر قول النبي - -: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)، وهذه الجملة تتضمن أموراً عظيمة الأهمية والقدر، وبيان ذلك أن الصراع بين الحق والباطن مستمر والمؤمنون يمثلون في هذا الزمان حلقة من حلقات هذا الصراع، والقضية الأساسية في هذا الصراع هي قضية توحيد الله عز وجل، والخصومة في التوحيد مع أهل الشرك والكفر هي أنهم يريدون أن يُعبد غير الله، ونحن نريد أن يُعبد الله وحده لا شريك له.
وقد قضى الله بعلمه وحكمته أن تكون قوة المؤمنين المادية غالباً -وربما دائماً- ضعيفة خصوصاً في ابتداء كل حلقة من حلقات الصراع، وأن يكون الملك والسلطان الظاهر في الأرض فيما يبدو للناس لأعداء الله سبحانه، وذلك ليستعين المؤمنون بالله وليتوكلوا عليه لا على أنفسهم وليتعبدوا له بأنواع العبودية المتعددة والتي من أهمها شهود ملكه -عز وجل- في السموات والأرض.
فالمؤمن يشهد كل لحظة أن الملك لله، يستحضر هذا كل ليلة من الليالي حينما يقول (اللهم أنت الملك)، كما في الدعاء الآخر في استفتاح قيام الليل أيضاً (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيـَّام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) رواه مسلم، إن شهود ملك الله عز وجل هو من أعظم أنواع العبودية الذي اختص به أهل الإيمان، لأن الكفرة يظنون أن الملك لهم، وأما المؤمن فإنه رغم وجود الملك والسلطان الظاهر للكفار فإنه يستحضر أن الملك الكامل لله عز وجل، ويشهد ملك الله للسموات والأرض وما فيهن، والمؤمنون جند الله، جند الملك الذي لا يُغلب والذي لا يمانع ولا يُغالب، والتوسل إلى الله بهذا الاسم في الدعاء، اسم "الملك" من أعظم ما يستنزل به النصر وتثبت به الأقدام والقلوب، ويتذكر به المؤمن حقيقة الميزان في هذا الصراع، ولا تغره زينة الدنيا.
وقد روي في الأثر عظيم النفع - برغم كونه من الإسرائيليات- فيما أورده ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أن الله - عز وجل- قال لموسى - -: (انطلق برسالتي، فإنك بسمعي وعيني، إن معك يدي وبصري، وإني قد ألبستك جُنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري، وعثَّرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني، فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشه جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرَّقَته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي، فبلِّغْه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي، وذَكّْره أيامي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يردعنـَّك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة، وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة تسبه، وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب، ولو شاء الله أن يعجل لك العٍقوبة لفعل، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني. ولا تعجبنكما زينته، ولا ما متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما جرت عادتي في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة، وما ذاك لهوانهم عليًّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالماً موفوراً لم تَكْلُمْه -لم تجرحه- الدنيا، واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، وسيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وبادأني وعرَّض لي نفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أَكِلُ -لا أترك- نصرتهم لغيري).
فالله يؤيده بنصره، وقد ألبسه جُنَّة أي وقاية من العدو من عند الله -عز وجل-، والله يعصم من اعتصم به وليس فقط موسى - -. والكفرة في أيديهم من القوة والسلطان ما يستطيعوا أن يدمروا به قوة المسلمين ومع ذلك فقد كف أيديهم عنهم، جعلهم يتركونهم في أنواع من العبودية لله عز وجل رغم ما يريدون من الكيد للإسلام، فهذه من آيات الله، وفي قصة موسى - عليه السلام- أمر من أجلى الأمور وأوضحها، وهو أن فرعون مهما يملك من القوة المادية الظاهرة يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)(غافر: 26).
ففي كل مرة فرعون ممنوع من قتل موسى، وإلا ما الذي يقيده حتى يقول (ذَرُونِي) سوى شعوره بأنه لا يقدر، وفي كل مرة يغرونه بموسى يبحث عن غيره (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)(الأعراف: 127)، فالمؤمن كذلك عنده جُنَّة من سلطان الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(المائدة: 11)، فهناك من يريدون أن يصلوا بأيديهم إلى المسلمين والله يكف أيديهم، فالله يصرف المؤمنين عن الدنيا لعلمه بأن القلوب تتعلق بها إذا وقعت فيها، ولذا كان من دعاء النبي - -: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) رواه مسلم، الذي يكفيه دون أن يحتاج إلى الناس ودون أن يزداد عن حاجته فيتعلق قلبه عن الدنيا، وكل نصيب يستمتع به المؤمن في الدنيا ينقص من نصيبه في الآخرة.
كل هذه المعاني يشعر بها المؤمن في قلبه عند قوله (اللهم أنت الملك)، يشهد بهذه المعاني وغيرها كثير فيحيي بها قلبه، ويثني على ربه هذا الثناء العظيم الذي يتكرر في الفاتحة، في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(الفاتحة: 4)، وهو ملك كل الأيام ولكن ذكر يوم الدين لأن الملك الكامل لله وحده ظاهر يومئذ للخلق جميعا، المؤمن والكافر، دون منازعة ولا حتى في الاسم، يوم الدين يوم يظهر فيه للكل، للمؤمن والكافر، أن الملك لله.
وإن للمؤمن حاجة، بل ضرورة إلى تمرير هذا المعنى على قلبه، بل وترسيخه وثبوته حتى يستحضر أن ما يفعله الأعداء أنما هو بأمر مليكه المقتدر ليختبره في ذلك، فلو شاء الله لتغيرت هذه الموازين كلها في لحظة ولكنه يختبرنا، أنفرده بالألوهية والعبودية والحب والخضوع والطاعة لا إله إلا هو، أم نغفل ونظن أن الكفرة والظلمة يملكون فنتابعهم على الباطل؟
فاللهم إنا نعوذ بك من ذلك، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، والحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-03-2010, 06:06 PM
الصورة الرمزية ريحانة دار الشفاء
ريحانة دار الشفاء ريحانة دار الشفاء غير متصل
مراقبة قسم المرأة والأسرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 17,017
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم5

السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة
جزاكِ الله خيرا اختى فى الله
أم خديجه
مشاركه قيمه
جعلها الله بميزان حسناتك
بالتوفيق
__________________

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23-03-2010, 04:52 PM
الصورة الرمزية ام خديجه
ام خديجه ام خديجه غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مكان الإقامة: الاسكندريه مصر
الجنس :
المشاركات: 1,316
افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض 00دعاء الاستفتاح رقم6

6- اللهم أنت ربي وأنا عبدك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - -، أما بعد،
يقول النبي - -: )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفركوأتوب إليك).
تكلمنا في المقالات السابقة عن الجملة الأولى (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين)،والثانية (إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين).
ونستكمل اليوم كلامنا عن الجملة الثالثة (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت) حيث يشهد العبد فيها ملك الله عز وجل وألوهيته، ثم أتبعها النبي - - بقوله (أنت ربي وأنا عبدك) ففيها شهود الألوهية بعد شهود الملك والربوبية، فجمع أنواع التوحيد، ثم تجد هذه الأنواع تتكرر في أجزاء الدعاء، واحدة تلو الأخرى، فيعود ليشهد كل نوع بطريقة أخرى، وتكرار هذه الحقائق الإيمانية لكي تستقر قضية التوحيد في النفس، فمعاني الإيمان تتضح أكثر وأكثر مع كل كلمة من كلمات الأدعية النبوية.
ونجد الثناء على الله تعالى باسم (الرب) مضافا إلى ضمير المتكلم المفرد، حيث لم يقل أنت ربنا بل قال أنت ربي، فهذا له مذاق خاص وجميل في استشعار الإصلاح الخاص، فمعنى الرب: المصلح شأن غيره، كما في الحديث (قال هل لك عنده من نعمة تربُها ؟)(رواه مسلم) يعني: تقوم عليها وتصلحها، فإذا قال العبد (اللهم أنت ربي) يستشعر فيها أن الله عز وجل هو الذي يدبر أمره، والله رب العالم كله، ولكن هناك ربوبية خاصة لعبده المؤمن، يصلحه إصلاحا غير الذي أصلح به شأن الآخرين، أصلح للآخرين شأن دنياهم وشأن حياتهم وأصلح للمؤمن كل أمره - دينه ودنياه-، فهو يتوسل إلى الله عز وجل بأنه عبده الذي يحتاج إليه، فهو يفتقر إلى الله عز وجل و يتوسل إليه بأعظم عمل صالح يعمله عبد، وهو العبودية له سبحانه.
هذا التوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، والتوسل إليه بالملك والألوهية والربوبية، كأن العبد يقول "أنا فقير إليك بكلي، وأتوسل إليك بكل ذرَّاتي، فتول أمري وإصلاحي".
وفي قول النبي - -: (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت) ما يوضح ذلك، فإن وقوف القلب ذليلا منكسرًا بين يدي ربه من أعظم أسباب أن يُجبر وأن يعطى ما يزيل نقصه وكسرته، وأعظم أسباب محبته لربه، لأن الذل والحب قرينان في العبودية فإذا انكسر الإنسان لله أحبه، وإذا أحبه ذل لربه وخضع له، وهذا الذل يحدث للعبد من عدة جهات كلها مطلوبة:
أولا: ذل الفقر والحاجة، فالله هو الرب الغني الحميد، والعبد مربوب فقير بمقتضى كونه مخلوقا، أي أن العبد فقير ليس بيده من وجوده شيء، فقير في نبض قلبه وجريان الدم في عروقه، فقير في سمعه وفي بصره وفي مخه وفي كل جزء من أجزائه وفي كل شأن من شؤونه، (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)(فاطر:15)، هذه الحقيقة يشترك فيها المؤمن والكافر، ولكن يشهدها المؤمن فحسب، فيحصل له بذلك ذل الفقر والحاجة إلى الله سبحانه إذا شهد ذلك، فهذا النوع الأول من أنواع الذل إذا شهده العبد فإنه ينكسر لله عز وجل.
ثانيا: ذل العبادة، تذلل العبد فعليا بالعبادة، كونه يمارس العبادة، كونه يركع و يسجد ويقف، فهذا ذل يحدث به للإنسان الانكسار، كذلك الهيئات التي تكون للإنسان في الصلاة يحصل بها أنواع عظيمة من الحب لله عز وجل، هيئته نفسها تقربه إلى الله كما قال النبي - -: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)(رواه مسلم)، والركوع لله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)(الحج:77)، هذا افتقار إلى الألوهية، لأن الإنسان محتاج إلى أن يتعبد وينكسر لله، وإن لم ينكسر ويذل لله ذل لغيره لأنه فُطر على كونه عبدا، فأكثر الخلق يعبدون غير الله، فلماذا يذلون لغير الله من منصب وجاه وكبير ورئيس؟ يحصل هذا لأن العباد فطروا على أن يكونوا عبيدا محتاجين إلى التأله وتعلق القلب بإله، فنسأل الله تعالى ألا يذلنا لغيره.
فالأول ذل الفقر والحاجة، ذل إلى الربوبية، والثاني ذل العبادة الذي يتحقق للعبد بقوله (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهو يتوجه إلى الله بأعماله وبقوله (أنت ربي وأنا عبدك)، فإن العبادة و هيئات القيام والركوع والسجود - بخاصة- تجلب للعبد ذلا وانكسارا لا يحصل للعبد بغيرها، ولذلك لا يمكن أن تتحقق عبودية أحد بدون الصلاة، فالذين يقولون: "الصلاة وسيلة لا غاية"، أناس كفرة والعياذ بالله.
ثالثا: ذل الابتلاء والمحنة التي لا يملك العبد لها دفعا إلا بالله، ولا يجد قوة لدفع الضرر عن نفسه وأهله ولا تحويله إلا أن يكشفه الله ويحوله، وذلك يحصل للإنسان أثناء المحن وأثناء الألم وأثناء المرض والتعب، ويتعجب الإنسان فعلا إذا أصابه ابتلاء فيظل منكسرا ذليلا فيُفتح له أبواب من الخير فيحمد الله عز وجل على أن قدّر هذا المرض أو هذا الألم أو الابتلاء، لأنه من خلاله وصل إلى نوع من الذل والانكسار. أما الرخاء الدائم يجعل الإنسان مترفا، ويشعره أنه ليس محتاجا والعياذ بالله، وهو محتاج تمام الاحتياج، كما قال عز وجل (وأترفناهم في الحياة الدنيا)(المؤمنون:33).
وهذا الأمر من فوائد الاعتكاف حين تبعد عن الأهل فيحصل نوع من الألم يورث انكسارا، كما ورد عن قوم يونس - عليه السلام- أنهم ندموا عندما فارقهم يونس، فجأروا إلى الله عز وجل بالدعاء وفرقوا بين الوالدة وولدها، لأن الشعور بالألم والحاجة والمحنة والشعور بالغربة، تورث الإنسان فقرا وذلا لله عز وجل ليس له نظير، فقد نقول في بعض الأحيان أن من نعم الله العظيمة ما يقع للمسلمين من آلام ومحن، لأنها تفتح أبواب تضرع عظيم جدا وشعور بالانكسار وشعور بالذل والحاجة والافتقار إلى الله، وليس لهذه الأبواب بديل وليس لها نظير، فيستشعر الإنسان آلام المسلمين ومحنهم ويتضرع لله عز وجل أن يفرج ذلك الأمر، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)(الأنعام:43).
ابحث عن نوع الألم الذي في حياتك واستحضره واستحضر أنه لا يكشفه إلا الله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)(الإسراء:56)، ولا يوجد بشر إلا وعنده ضر وعنده ألم، ولكن كثيرا من الناس يتعاطى مُسكرا فينسى ذلك وهو عنده آلام مستكنة لكنه يحاول أن يغطيها، أما المؤمن لا يحاول تغطيتها بل يحاول أن يدفعها بالله عز وجل، ويستحضرها لينكسر لله سبحانه وتعالى.
رابعا: ذل الحب المتضمن في معنى الإله، فهو المحبوب لذاته، الذي يذل له العبد، فالحب أصلا يجلب الذل، تلقى الحبيب يمشي وراء محبوبه ذليلا له، لأنه لا يقدر على الاستغناء عنه، فالحب نوع آخر من الذل، مع أنه في الدنيا لو أحب الإنسان أحدًا فمن الممكن أن يستغني عنه، فهذا الحب لله عز وجل يجلب نوعا خاصا من الحب لأنه لا يُحب لذاته إلا الله فالحب يؤدي إلى الذل، والذل يؤدي إلى الحب ويزيد كل منهما في الآخر فيظل العبد في ارتفاع وسمو.
يبقى ذل آخر: وهو ذل الذنب وانكساره وشعور العبد بظلمه لنفسه، ثم إقراره واعترافه بقلبه ولسانه أنه قد أذنب وشعوره بأنه لا ينجيه ولا يخلصه من ذنبه ولا يغفره له إلا الله، فيتوسل إليه بهذا الذل، فيقول: "ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فيحصل له بذلك نوع خاص من العبودية، لا يشبهه شيء آخر، ومن أجل هذا الذل قدر الله الذنوب على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين بل على أنبيائه المرسلين، وإن كانت ذنوبهم تختلف عن ذنوبنا، إلا أن النوع البشري قدر الله عليه هذه الذنوب لتتحقق أنواع من العبودية لا يوجد لها نظير، يرتفعون بها فوق منزلة الملائكة في نهاية الأمر، رغم أن الملائكة لا يعصون الله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(البينة:7)، لذلك وقع ما سُمي ذنوبا في حق الأنبياء، والرسول - - هو الذي يقول (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهذا ذل الذنب وانكساره.
ثم نتذكر أن هذه الكلمة (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) كان بها نجاة الأبوين وتوبة الله عليهما (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(الأعراف:23)، فالإنسان إذا ظلم واعترف بذنبه كأنه لم يظلم، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فشعور الإنسان أنه ظلم واعترف بذنبه يرفعه مقامات عالية، كما ذكرنا لا يصل إليها بغير هذا النوع من العبودية وهذه الكلمة "إني كنت من الظالمين" مع كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هما كلمة النجاة من كل غم لكل مؤمن، كدعوة يونس - عليه السلام- (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(الأنبياء87-88).
ففوائد عظيمة جدا تتحقق بأن يقول العبد (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعـا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فهذا الاستفتاح يفتح الطريق إلى القلب للدخول إلى الصلاة، لأن الإنسان قد يدخل قلبه في الصلاة بعد دخوله فيها بمدة طويلة جدا، وقد لا يدخل قلبه في الصلاة أصلا، ولكن أدعية الاستفتاح إذا استحضرها العبد أعانه الله بها إعانة عظيمة جدا، خصوصا هذه الأدعية المعجزة، وأقسم بالله العظيم أنها معجزة ظاهرة جدًا، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قلب بشر تكتمل فيه هذه المعاني بهذا الوضوح لمن تأملها، ولا يمكن أن تكون في كلام بشر آخر وإنما أوتي جوامع الكَلِم - -. والحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23-03-2010, 06:10 PM
الصورة الرمزية ريحانة دار الشفاء
ريحانة دار الشفاء ريحانة دار الشفاء غير متصل
مراقبة قسم المرأة والأسرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 17,017
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض 00دعاء الاستفتاح رقم6

السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة
جزاكِ الله خيرا اختى فى الله
أم خديجه
مشاركه قيمه
جعلها الله بميزان حسناتك
بالتوفيق
__________________

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23-03-2010, 06:12 PM
الصورة الرمزية ريحانة دار الشفاء
ريحانة دار الشفاء ريحانة دار الشفاء غير متصل
مراقبة قسم المرأة والأسرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 17,017
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة
جزاكِ الله خيرا اختى فى الله
أم خديجه
مشاركه قيمه
جعلها الله بميزان حسناتك
بالتوفيق
__________________

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 120.47 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (4.60%)]