|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (1) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فتحقيق العبودية هي الغاية الكبرى التي خلق الله -عز وجل- الخلق من أجلها كما قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والعبودية المنشودة التي خلقنا الله من أجلها هي الرسالة الأم التي من أجلها يجب أن يعيش كل مؤمن صادق يسعى في نجاة نفسه وأهله والناس من حوله من عذاب الله، والفوز برضوانه ونعيمه الدائم؛ فرسالة الحياة باختصار هي: "تحقيق العبودية"، هكذا بكل وضوح شرعي، وفهم عقلي، وبذل حركي لذلك. هذه الرسالة بشمولها تحتاج في تحقيقها إلى رؤية هادفة يُبنى على أساسها مسار إستراتيجي واضح يتبعه خطوات تنفيذية دافعة لإنجاح هذا المسار. هذه الرؤية الهادفة ترتسم معالمها في مواجهة طبائع تلك النفوس البشرية التي وصفها الله -تعالى- في كتابه قائلًا: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف: 53)، والتي تغرق بطبيعتها في حب الشهوات والبعد عن التزامات العبودية، وإيثار حب الدنيا العاجلة على الآخرة الباقية، كما قال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران: 14). لذلك تُبنى تلك الرؤية دائمًا عند أصحاب الهمم الصادقة على حمل مشاعل التغيير للنفس أولًا ثم التغيير في باقي دوائر التأثير المحيطة، وذلك بالسعي الدؤوب للعمل على إيجاد الشخصية المسلمة، وبناء الطائفة المؤمنة التي تعمل على تغيير المجتمع لتحقيق العبودية الجماعية المنشودة، أو بمعنى أوضح على رؤية الصلاح والإصلاح؛ فالرؤية ليست قاصرة على إصلاح النفس فقط، بل تتعدى إلى إصلاح الغير أيضا ليكون غالب المجموع محققًا لعبوديته -تعالى-، وهذا يستلزم بذل الجهد والطاقة والعمل ليلًا ونهارًا لإحداث هذا التغيير الإيجابي المنشود؛ لأن القاعدة الثابتة التي قررها الرب -تعالى- هي: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، وعلى هذه القاعدة كان مسار الأنبياء والمصلحين عبر الزمان والمكان كما بين الله -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) (نوح: 5-9). وكما وصف الله -سبحانه وتعالى- حال نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف: 6)، (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 3)، وكما بين الله -تعالى- في كتابه ذلك على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108). فجاءت البصيرة التي نوهت إليها الآية لتمثل في جوهرها ذلك المسار الإستراتيجي اللازم للدعاة والمصلحين في أي مكان وزمان، والضروري لتحقيق تلك الرؤية الهادفة التي تخدم الرسالة الأم -أقصد تلك العبودية- التي من أجلها خُلقنا كما أشار لذلك الألوسي -رحمه الله- في تفسيره لتلك الآية حين قال: "وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي للداعي إلى الله -تعالى- أن يكون عارفًا بطريق الإيصال إليه -سبحانه-، عالمًا بما يجب له -تعالى-". وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-05-2024 الساعة 05:32 AM. |
#2
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (2) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فيجب الانتباه إلى أن رؤية التغيير ليست مقصودة لذاتها، بل مقصودة لغيرها؛ أعني بذلك أن الرؤية المقصودة الهادفة، هي: تلك الرؤية المبنية على بصيرة أو مسار واضح له مقومات رئيسة تدفع في زيادة تحقيق العبودية في المجتمع بجميع مكوناته لله رب العالمين، وإلا فكل تغيير لا يؤدي إلى ذلك، لا يصح أن يطلق عليه رؤية هادفة. كما أنه من البدهي: إدراك أن عدم التحرك على مسار إستراتيجي واضح المعالم يحقق تلك الرؤية الهادفة والرسالة الشاملة، أو عدم وضوح هذا المسار بتفاصيل محاوره الرئيسية ومقوماته اللازمة عند الأفراد والكيانات التي تنشد الإصلاح، يتسبب بلا شك في تبديد الجهود وضياع الأعمار، واضطراب الأحوال، وتنازع الأفراد، والانحراف عن تحقيق الغايات. كما أنه من البدهي أيضًا أن نعترف: أن هناك الكثير ممن قد يتفق على الرؤية والرسالة قد يختلفون فيما بينهم في تحديد المسار المناسب طبقًا للأيدولوجيات أو القناعات العقلية، والتي تؤدي إلى التفرق والبعد عن تحقيق الغايات. فالنظر للمسار الإصلاحي المناسب ضروري جدًّا لتنفيذ رؤية التغيير الهادف الناجح واللازم لتحقيق رسالة العبودية التي هي الغاية الكبرى للحياة الدنيوية، وهو ما يحتاج منا إلى بسط وبيان للطريقة المناسبة للقيام بالمهمة المنوطة بنا في تحقيق العبودية على أتم صورة، تساعد في إيجاد مجتمع صالح يرضي رب البرية، ويحقق السعادة البشرية. ولهذا فسنستعرض معًا -بإذن الله- هنا في هذه الضوابط والتوجيهات الإصلاحية المحاور الآتية: - بيان أنواع الأعمال الإصلاحية الموجودة حاليًا على الساحة من حيث طبيعة كل نوع. - تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المراد لتحقيق الإصلاح المنشود، وأسباب الحاجة إليه (شرعًا وعقلًا) في واقعنا الحالي. - الرد على الشبهات التي تُلقى بين حين وآخر في وجه العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المنشود من أجل تنفير المصلحين منه. - مرتكزات وعوامل نجاح أي عمل تعاوني مؤسسي إصلاحي. أولًا: أنواع الأعمال الإصلاحية: تنقسم الأعمال الإصلاحية الدعوية طبقًا للواقع الحالي إلى ثلاثة أنواع: 1- عمل إصلاحي فردي. 2-عمل إصلاحي عبر ما يسمى بالمجموعات الوسيطة. 3- عمل إصلاحي تعاوني جماعي مؤسسي عبر كيان. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-05-2024 الساعة 05:33 AM. |
#3
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (3) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ من أنواع الأعمال الإصلاحية: أ- العمل الإصلاحي الفردي: نموذج من نماذج الأعمال الإصلاحية الذي قد يرفع عن صاحبه العذر في دفعه للفساد من حوله، فصاحبه يبذل فيه جهده الذي يتاح له في دائرته الضيقة، والذي يتوقف أثره الناتج على قدرات الشخص الفردية ومدى توفيقه في عمله، ولكن يا للأسف: فإن هذا العمل الإصلاحي الفردي له سلبيات عديدة تجعله ليس هو النموذج الأمثل المطلوب لتحقيق الإصلاح المنشود. فمن هذه السلبيات المعروفة والمشاهدة في الواقع الحالي: 1- سهولة الانقطاع والتوقف؛ فالعمل متوقف على الحالة النفسية أو الصحية أو الحياتية للشخص؛ فيفتر بفتوره ويمرض بمرضه، ويتوقف بسفره أو حتى ينحرف بانحرافه. 2- تحديد الأولويات الإصلاحية المطلوبة للمجتمع تتوقف على الرؤى الشخصية للفرد، والتي قد تتغافل مصالح الأمة الحقيقية وحاجاتها. 3- ضعف الأثر الإصلاحي الشمولي للعمل الفردي في المجتمع، حيث يتم الاقتصار على جانب واحد من الجوانب طبقًا لاهتمام القائم على العمل الفردي وإمكاناته. 4- العمل الفردي بيئة غير مهيئة لاكتشاف الكفاءات المختلفة في المجالات المتنوعة؛ نظرًا للاقتصار على نوع معين من الأعمال والأنشطة عند القائمين على هذا العمل الفردي، والذي يا للأسف ينبني عليه التقييم للأفراد من حيث الكفاءة أو القرب والبعد. 5- كثرة التنازع بين رؤوس العمل الفردي وأتباعهم والتراشق المستمر بينهم تحت دعوى من أحق بالصدارة بين الناس والإذعان لرأيه وطريقته، مما يتسبب في نفرة الكثيرين من المستهدفين بالإصلاح من هذه النماذج الإصلاحية المتراشقة فيما بينها. 6- يسهل وقوع التأثير الإيديولوجي أو الانحراف الفكري لصاحب العمل الفردي طبقًا لقوة الضغط عليه من الاتجاهات الفكرية المنحرفة المحيطة به وقدرتهم على استغلال نقاط ضعفه أو فهمهم لمفاتيح شخصيته. 7- سهولة محاصرة العمل الفردي والتضييق عليه ومنعه. ب- العمل الإصلاحي عبر المجموعات الوسيطة: المجموعات الوسيطة هي نموذج جديد ما بين العمل الفردي والعمل المؤسسي الشامل أو إن شئنا لقلنا هي فكرة أُوجدت لجذب الأفراد والانتقال بهم من العمل المؤسسي الإصلاحي الشمولي المؤثر إلى العمل الفردي ضعيف التأثير تحت شعار التخصصية عبر مجموعة وسيطة -مع العلم أن البعض ممن يمارس العمل فيها قد يدعي العكس من أنها محاولة للانتقال بالأفراد من الرؤية الفردية إلى المؤسسية، إلا أن النوايا وحدها لا تكفي مع ما ظهر بوضوح واقعيا-؛ ففكرة المجموعات الوسيطة تعتمد على اجتماع مجموعة من أصحاب الفن أو التخصص الواحد أو المتفقين على فكرة ما في مجال ما، معا في تجمع واحد حتى لو اختلفت مشاربهم الفكرية أو رؤيتهم الإصلاحية بغرض خدمة هذا الفن والتخصص أو تحقيق هذه الفكرة الجزئية. وهذا النموذج قد ينجذب إليه عدد كبير من الشباب والفتيات تحت دعوى البحث عن التميز والتخصص؛ إلا أن سلبياته كبيرة جدًّا؛ حيث إنه يؤدي إلى: 1- التعصب للتخصص أو الفكرة الجامعة للمجموعة وتحقير كل المجهودات المبذولة من أي أحد خارج هذا الإطار، بل ومهاجمته وتسفيهه. 2- التنازع الفردي الذي يحدث بين رموز التخصص الواحد المختلفين فيما بينهم في أمور عدة أخرى والتنافس فيما بينهم على مقدار التأثير فيمن حولهم أو فيمن منهم أحق بالصدارة في هذا التخصص مما يزكي الحالة التنازعية أو التنافسية التراشقية داخل تلك المجموعة الوسيطة مع مرور الزمن مما يسهل هدمها. 3- الجمع بين رموز تيارات فكرية مختلفة كثيرة جدًّا داخل المجموعة الواحدة مما جمعهم التخصص أو الفكرة الجزئية يؤثر بشدة على تشوش الرؤية الإصلاحية عند الأفراد والشباب المتأثرين برموز هذه المجموعات، حيث إن الإعجاب بالحالة التخصصية يؤدي إلى الانبهار والتأثر ثم المتابعة والموالاة لتلك الرموز باختلاف مشاربهم الفكرية والتي تظهر آثارها بوضوح عند وقوع الفتن والمدلهمات في المجتمع؛ مما يؤدي إلى تحويل المجموعة الوسيطة إلى قنبلة موقوته أفرادها متنازعين فيما بينهم يتبع بعضهم رمز ما برؤيته الفكرية المختلفة، ويتبع آخرين رمز آخر برؤيته الأخرى المتباينة، ومن ثم يؤول الأمر إلى نموذج الفردية لكن بعد فترة من الزمن. والجدير بالذكر هنا: أن ننبه على أن فكرة التخصصية هي فكرة رائعة -بلا شك- نافعة للأمة تُسد بها الثغور المطلوبة بلا شك، لكنها لا تحقق غرضها الكامل المراد إلا في إطار من الاصلاح المؤسسي المتكامل المبني على وضوح الرؤية الأيديولوجية الإصلاحية المتفق عليها عند الجميع، بعيدًا عن الفردية. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (4) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمن أنواع الأعمال الإصلاحية: ج- العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي في كيان: ونقصد بمصطلح (العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي)؛ تلك التعبيرات الشمولية التي تشمل معنى العمل في كيان تطوعي منظم يعمل بطريقة مؤسسية بغرض تحقيق الإصلاح الشامل في المجتمع، أيًّا كان التعبير الشائع في الاستخدام طبقًا للواقع الزماني والمكاني؛ سواء كان المسمى لهذا الكيان مسمى خيري اجتماعي خدمي أو حزبي إصلاحي تشريعي. المحور الثاني: العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي: نتعرف معًا -بإذن الله- في هذا المحور على: - تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المراد لتحقيق الإصلاح المنشود. - أسباب الحاجة إليه (شرعًا وعقلًا) في واقعنا الحالي. - حكم العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي. - الشبهات التي تُلقى بين حين وآخر في وجه العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المنشود من أجل تنفير المصلحين منه، والرد عليها. - بعض الآفات التي تقع في هذا النوع من العمل الإصلاحي. أولًا: تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي: تعريف عام: هو تعاون مجموعة من الأفراد لتحقيق أهداف إصلاحية مشروعة لا يمكن للفرد تحقيقها بمفردِه، طبقًا لرؤية ومنهجية صحيحة واضحة. تعريف اصطلاحي: هو تعاون مجموعة من المسلمين فيما بينهم على القيام بما يستطيعون من فروض الكفايات اللازمة لتحقيق الإصلاح المنشود حال شغور الزمان عن الإمام أو حال تقصير الإمام عن القيام بفروض الكفايات، بل أيضًا في حال وجود الإمام وكفاءته وعدم تقصيره ما دام أن هذا التعاون يؤدي إلى تحقيق مصالح، ولا يؤدي إلى مفاسد -كما حدث ذلك في عصر الخلافة الراشدة من تصدي الصحابة رضوان الله عليهم لفروض الكفاية دون إذن ودون أن يأمرهم أحد-، مع الأخذ في الاعتبار أنه هذه الصورة الثالثة قد يُنهي عنها إذا أدي ذلك إلي وجود مفسدة. ثانيًا: لماذا يجب علينا أن نعمل عملًا إصلاحيًّا مؤسسيًّا جماعيًّا؟ هذا ما نتناوله في المقال القادم -بإذن الله-.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (5) كتبه/ سامح بسيوني ثانيًا: لماذا يجب علينا أن نعمل عملًا إصلاحيًّا مؤسسيًّا جماعيًّا؟ فلا شك أنه طبقًا لما ذكر -في المقالات السابقة- من آفات ومخاطر للعمل الإصلاحي الفردي، وكذلك العمل عبر المجموعات الوسيطة، فإن العمل الإصلاحي المؤسسي التعاوني عبر كيان يأخذ أهمية قصوى في خضم تلك الظروف والأحوال الإسلامية العالمية، وذلك لأسباب عقلية ظاهرة وشرعية موجبة: أولًا: من الأسباب الشرعية: 1- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد وجَّه الله -تعالى- عباده المؤمنين في كتابه لذلك في غير موضع، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2). قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: "أي: ليعن بعضكم بعضًا على البر، وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين" (تفسير السعدي). والعمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي هو في حقيقته نوع من أنواع التعاون على البر والتقوى. وقوله -تعالى- أيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: 77)، والخطاب هنا للأمة وعموم المسلمين -وهو واجب شرعي- ليس مُعلقًا على الإمام كشخص، وإنما كنائب عن الأمة؛ لأن الإمامة شُرعت لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، فإذا كثرت فروض الكفايات أو غابت، فالناس يجب عليهم أن يقوموا بها، والواجبات لا تُقام إلا بالتعاون ولا يتم التعاون والاجتماع إلا بقيادة وترتيب وجماعية، وهذا ما نسميه: العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي. ونحن بلا شك لا ننكر إمكانية القيام ببعض هذه الصور بدون مؤسسية أو ترتيب جماعي: كتغسيل ميت وتكفينه، ولكن هل يتصور إقامة الفروض والواجبات الكفائية الكبرى -كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس، ومدافعة أهل البدع والضلال، إلخ- بدون ذلك؟! وقد حث الله -عز وجل- المسلمين بالعمل ضمن طائفة متعاونة تعمل على نشر الخير وتحقيق المعروف، وتنهى عن المنكر كما في قوله -تعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104). قال الآلوسي في تفسيره: "والأمة: الجماعة والطائفة". وقال الطبري في تفسيره: "يعني بذلك جل ثناؤه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) أيها المؤمنون (أُمَّةٌ) يقول: جماعة". وقال السعدي في تفسير هذه الآية: "وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه... كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في تحقيق فروض الكفايات، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، فكل ما يتوقف تحقيق فروض الكفايات عليه فهو مأمور به" (انتهى). ولا شك أن هذه الأمور لا توجد في الأمة بين يوم وليلة، بل هي من أشق الأمور التي لا بد من السير على مبادئها للوصول إلى غاياتها. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (6) كتبه/ سامح بسيوني فمن الأسباب الشرعية الداعية لإقامة العمل الجماعي: 2- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر النبي --صلى الله عليه وسلم--؛ فقد وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك كما في حديث: (إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الحديث، وكذلك الإمام الشوكاني على أن إمارة العشرات أو المئات أو الآلاف من الدعاة المجتمعين على عمل دعوي أولى وأعظم شأنًا من إمارة ثلاثة في سفر؛ فهذا الحديث في أقل جمع لمصالحهم الخاصة، فمصالح الأمة المتعددة الأفراد أولى وأولى. كما أن الأمر هنا أوسع أيضـًا من مجرد التأمير، بل هو توجيه للترتيب والتنظيم والتطاوع اللازم لتحقيق المصالح، ويشهد لذلك خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- لما أرسلهما لليمن لدعوة الناس -وهما أقل من ثلاثة- حيث قال لهما: (تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا) (متفق عليه). 3- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو اقتداء بفعل الأنبياء؛ فقد طلب موسى -عليه السلام- وهو من أولى العزم من الرسل من ربه أن يدعمه بأخيه هارون كما جاء ذلك في كتاب الله: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) (طه: 29-34). 4- أن العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو سلوك الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فقد كان هذا مرتكزًا في حسهم وديدنهم لحفظ مصالح الأمة، كما حدث ذلك منهم في غزوة مؤتة، وهي من أوضح الأدلة على مشروعية هذا الأمر، فالصورة في هذه الغزوة: جماعة من المسلمين يقومون بفرض من فروض الكفايات، وهو قتال العدو، والاتصال بينهم وبين الإمام العام منقطع، وقد قُتِل القادة الثلاثة؛ فهذه الحالة كحالة غياب الإمام، فماذا فعلوا؟ اصطلحوا على أن يؤمروا عليهم أحدهم، ويتعاملوا مع هذا الموقف بصورة مؤسسية، فأمروا خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وقام خالد بتنظيمهم ليتمكن من مدافعة الروم والانسحاب بما تبقى من المسلمين حفاظًا عليهم، ولم يقوموا بالقتال أو الانسحاب فرادى بعد موت القادة الثلاثة، وقد أقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، بل وسمَّى ذلك فتحًا. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (7) كتبه/ سامح بسيوني فمن الأسباب الشرعية الداعية لإقامة العمل الجماعي: 5- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو سلوك أهل الصلاح والإصلاح عبر القرون والأزمنة، مهما تميزت القدرات أو تفاوتت الإمكانات، كـما جاء ذلك في بيان قصة ذي القرنين عند بنائه للسد حين أراد أن يمنع فساد يأجوج ومأجوج عن الناس إصلاحًا منه في الأرض، وقصدًا منه للخير، ولقد سجل القرآن له هذه الكلمات التي قالها؛ لما في هذا الموقف من تأصيل للعمل الإصلاحي الجماعي اللازم لتحقيق الإصلاح المنشود ودفع الظلم والفساد الموجود، حيث قال الله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا . قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا . قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا . آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا . فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) (الكهف: 93-97). فقد جاءت تلك الكلمات: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) على لسان ذي القرنين؛ وهو مَن هو في قدرته وقوته وتمكنه من النفوذ في أقطار الأرض وقيادة الناس، كما قال الله -تعالى- واصفًا إياه: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) (الكهف: 84)، أي: أنه قد حاز كلَّ أسباب القدرة والقوة الفردية لبسط نفوذه وسلطانه وامتداد تأثيره فيمن حوله، كما بيَّن ذلك السعدي في تفسيره: "مكَّنه من النفوذ في أقطار الأرض، وانقيادهم له، وأعطاه الله من الأسباب الموصلة له لما وصل إليه، ما به يستعين على قهر البلدان، وسهولة الوصول إلى أقاصي العمران"، لكنه مع كل هذا قد أصَّل لقاعدة تأسيسية في أهمية العمل الإصلاحي الجماعي بطلبه التعاون مع قوم أقل منه بكثير في القدرات والمهارات والإمكانيات كما وصفهم الله -تعالى- بقوله: (قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) أي: استعجمت ألسنتهم وأذهانهم وقلوبهم. فجاءت هذه الكلمة لتتحدى وتواجه بعض مَن يتبنون المنهج الفردي في الإصلاح، بل ويدعون غيرهم إليه! متعللين في ذلك بالمحافظة على التميز للشخص في مجال من المجالات التي يعمل بها، لا سيما مع وجود تفاوتٍ في القدرات بينه وبين غيره من الأفراد، وظنه أن المحافظة على التميز لا بد فيها من الانفرادية وعدم الارتباط بكيان جماعي يقيد حركته، أو مع شعوره -كما يظن هو- أنه لا يوجد في أفراد هذا الكيان من يتميز عنه في هذا المجال أو يستطيع أن يحل محله، أو اعتقادًا منه أن انفراديته تتيح له مساحات عمل أكبر تحقق نتائج أعلى من كونه مرتبطًا بكيان إصلاحي جماعي، مما يُكوِّن عنده قناعة غير صحيحة ومبررًا واهيًا للانسلاخ من العمل الإصلاحي الجماعي. والحقيقة: أننا لو تأملنا الآية -كما بيناها عاليه-؛ لوجدنا أنها تدحض هذه الشبهة من أصلها؛ فها هو ذو القرنين -والذي أوتي من كل شيء سببًا ومُكِّن له في الأرض- يضع قدراته ومهاراته وما أوتي من أسباب جنبًا إلى جنب مع قدرات من هم أقل منه شأنًا وفهمًا وقدرة ليحدثوا ذلك التكامل المنشود في بناء السد، بغرض إحداث الإصلاح المنشود، ومنع الفساد المحظور من يأجوج ومأجوج. فهم: يجمعون قِطَعَ الحديد، وهو: يساويها. هم: يوقدون النار وينفخون عليها، وهو: يفرغ النحاس على الحديد ليصنع السبيكة. وهكذا في مشهد تعاوني إصلاحي جماعي رائع مستغلًا لهذه القدرات المتفاوتة، محقِّقًا للهدف المنشود بنتيجة أعلى مما كان يتصور صاحبها حين سعى لبناء هذا السد؛ حيث منع هذا البناء -بفضل الله- ثم ببركة هذا العمل الجماعي الإصلاحي الرائع فساد قوم يأجوج ومأجوج عن البشرية جمعاء، وسيظل كذلك حتى يأذن الله -تعالى- في خروجهم مرة أخرى كعلامة من علامات الساعة. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (8) كتبه/ سامح بسيوني ثانيًا: الأسباب العقلية: سيجد المتأمل أن جلَّ سلبيات العمل الفردي أو العمل عبر المجموعات الوسيطة، يعالجها العمل المؤسسي الإصلاحي الجماعي، فالعمل المؤسسي من أهم مميزاته أنه: 1- أدعى لاستمرارية الأعمال التطوعية الكفائية؛ لأن العمل وقتها لا يتوقف على فرد؛ فيموت بموته، أو يمرض بمرض، أو يسافر بسفره. 2- العمل المؤسسي يمكننا من القيام بأعمال لا يستطيع الفرد وحده أن يقوم بها (كإقامة صلوات الجمع والأعياد، وجمع الصدقات وتوزيعها على الفقراء، وتعليم الصبيان والشباب والنساء، والمدافعة التشريعية عبر العمل البرلماني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل هموم الناس في تحسين الأحوال المعيشية، إلخ). 3- العمل المؤسسي يفجر الطاقات ويوجه إلى حسن استغلال الإمكانيات؛ لأنه يتطلب تأثيرًا في مساحات متعددة، فيجد كل واحد له دور يخدم فيه دينه ووطنه وأمته. 4- العمل المؤسسي يهذب سلوك الأفراد ويعلمهم التنازل عن آرائهم لرأي المجموع. 5- العمل المؤسسي يتيح للفرد فرصة التعامل مع أنماط مختلفة من الشخصيات داخل فِرَق العمل المختلفة مما يكسبك القدرة على التعامل مع أنماط المجتمع المختلفة، والتأثير الإيجابي في أصناف كثيرة من الناس، فتزيد دائرة التأثير الإصلاحي المطلوب. 6- العمل المؤسسي يعين الفرد على اكتساب صحبة الخير، ويحميه من الفتور والإحباط و الانتكاس. ثالثًا: حكم العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني: بناءً على ما سبق ذكره من الأدلة العقلية والشرعية، فحكم العمل المؤسسي الإصلاحي الجماعي أنه مشروع، ودرجة المشروعية هي طبقًا للتفصيل الآتي: - إذا كان الأمر واجبًا، ومتى تُرك التعاون على إقامته ضاع؛ فالتعاون عليه واجب. - متى كان مستحبًا فالتعاون عليه مستحب؛ إلا إذا كان في ضياع هذا المستحب ضياع لواجب آخر، فيكون التعاون عليه واجب (كأن يتسبب القائمين على المسجد في ترك الناس لصلاة العشاء -مثلًا- في رمضان؛ لعدم تعاونهم في ضبط صلاة التراويح). - بل قال بعض أهل العلم بوجوب العمل المؤسسي الجماعي انطلاقًا من القاعدة الفقهية: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وقالوا: رقعة العالم الاسلامي قد اتسعت، والواجبات الكفائية قد كثرت (كنشر العلم ودحض الشبهات، ومعالجة الأمراض والبدع التي أُصيبت بها الأمة، والعمل على مدافعة الأعداء والماكرين بالأمة بكلِّ صور الممانعة العلمية والمجتمعية، والتشريعية والسياسية المتاحة، إلخ)، وكل هذه الأغراض والواجبات لا يقدر -ولن يقدر- على القيام بها فرد أو مجموعة أفراد متناثرة، أو حتى الحكام المسلمين بوضع البلاد الإسلامية الحالية، وبالموازنات السياسية العديدة التي يتم مراعاتها طبقًا للضغوطات الدولية؛ لذلك لا بد أن يجتمع الدعاة والعلماء في كيان واحد إصلاحي أو كيانات إصلاحية متعددة تقوم على سد تلك الثغور، والقيام بتلك الواجبات. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (9) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ رابعًا: شبهات وردود حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني: العجيب أنه بالرغم مما ذكرناه من الأدلة العقلية والشرعية على مشروعية وأهمية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني؛ إلا أننا نجد البعض ممن يريد أن يصرف العاملين في الحقل الإصلاحي عن هذا المسار المؤسسي الذي قد يتعارض مع ميوله أو توجهاته أو قناعاته يطرح العديد من الشبهات الشرعية التي قد تؤثر في قناعات المتحمسين لهذا المسار الإصلاحي المؤثر. ومن هذه الشبهات التي تحتاج إلى رد: الشبهة الأولى: استدلالهم بظاهر النصوص التي تنهى عن الفُرقة، كقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء) (الأنعام: 159)، وقوله -تعالى-: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: 31، 32)، وقوله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103). ولبيان الرد على هذه الشبهة نقول: بالرجوع إلى كتب التفاسير المعتمدة لن نجد أحدًا من المفسرين قال: إن هذه الآيات تنهى عن اجتماع بعض المسلمين، وتعاونهم على طاعة من الطاعات: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تعلم العلم أو قضاء حوائج المسلمين، إلخ، وإنما نزلت هذه الآيات في التحذير من الابتداع في الدين أو التعاون على البدع والمنكرات مما يفرق المسلمين ويجعلهم شيعًا وأحزابًا كاليهود والنصارى أو كالروافض والقدرية والخوارج، وغيرهم من الفرق الضالة. قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) (الأنعام: 159)، فقال بعضهم: عني بذلك اليهود والنصارى. وقال آخرون: عني بذلك أهلَ البدع من هذه الأمة، الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه" (تفسير الطبري). وقال الإمام الطبري أيضًا: "وقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا) ولا تكونوا من المشركين الذين بدّلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه، (وكانوا شِيَعًا) يقول: وكانوا أحزابًا فرقًا كاليهود والنصارى" (تفسير الطبري). وقال أيضًا في قوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا): "(وَلا تَفَرَّقُوا) أي: ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه، من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والانتهاء إلى أمره" (تفسير الطبري). وقال الإمام ابن كثير في تفسيره لقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء): "والظاهر: أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه (وَكَانُوا شِيَعًا) أي: فرقا كأهل الملل والنحل -وهي الأهواء والضلالات-، فالله قد برأ رسوله مما هم فيه". وقال ابن كثير أيضًا: "وقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي: لا تكونوا من المشركين الذين قد فرَّقوا دينهم؛ أي: بدلوه وغيروه، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقرأ بعضهم: "فَارَقُوا دِينَهُم"؛ أي: تركوه وراء ظهورهم، وهؤلاء كاليهود والنصارى، والمجوس، وعبدة الأوثان، وسائر أهل الأديان الباطلة، مما عدا أهل الإسلام". وقال الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره: "(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) أي: اختلفوا فيه، مع وحدته في نفسه، فجعلوه أهواء متفرقة (وَكانُوا شِيَعًا) أي: فرقا تشيع كل فرقة إمامًا لها بحسب غلبة تلك الأهواء، فلم يتعبدوا إلا بعادات وبدع، ولم ينقادوا إلا لأهواء وخدع". وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "(الذين فرقوا دينهم) أي: شتتوه وتفرقوا فيه، وكلٌّ أخذ لنفسه نصيبًا من الأسماء التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئًا، كاليهودية والنصرانية والمجوسية، أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئًا ويجعله دينه، ويدع مثله، أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة". فهذا هو فهم السلف الصالح لهذه النصوص، ونحن مأمورون بفهم القرآن والسنة كما فهمه سلف الأمة؛ فأين هؤلاء الملقون لهذه الشبهة الواهية من فهم السلف الصالح لهذه النصوص؟! وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (10) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمن الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني: الشبهة الثانية: استدلال المخالفين بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الإسلام) (رواه مسلم)، وقالوا: لا يجوز الانتماء لأي كيانات أو جماعات في الإسلام؛ لأن الحديث ينهى عن أي حلف. ولبيان الرد على هذه الشبهة نقول: يجب أولًا توضيح الحلف المقصود في الحديث؟ فالمراد بالحلف في الحديث: هو ما كان يتحالف عليه أهل الجاهلية من إيصال الحقوق لأصحابها، حيث كان المتحالفون في الجاهلية تجمعهم الأخوة في الحلف، ويترتب على ذلك الحلف بعض الحقوق: كالميراث والقرابة، والزواج، وبعض الالتزامات مما اختصتها شريعة الإسلام بأحوال خاصة بالقربى والنسب، كما جاء بيان ذلك في شروحات الحديث المختلفة: فقد جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرح الحديث: "والمعنى أنهم لا يتعاهدون في الإسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية"، وقال أيضا -رحمه الله-: "وقد جاء الإسلام فمنع الميراث ولم يُبقِ إلا النصر والرفادة والنصيحة والوصية بعد الميراث كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-" (فتح الباري). ويدل على ذلك: ما رواه الشيخان عن عاصم بن سليمان الأحول قال: قُلْتُ لِأَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ)؟ فَقَالَ: "قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي" (متفق عليه). فقد فهم عاصم -رحمه الله- أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ) بمعنى: أن كل حلف في الإسلام منهي عنه؛ فصحح له أنس بن مالك -رضي الله عنه- فهم القضية قائلًا: "قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي". وعلى هذا؛ فالنهي عن الحلف لم يكن من أجل أنه حلف؛ بل من أجل المحرمات التي قد تنتج عن هذا الحلف، فإذا اجتُنبت هذه المحرمات رجع الحلف إلى الأصل وهو الجواز، والذي يدل عليه حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه- حيث قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً) (رواه مسلم). فهذا الحديث ورد فيه نفي الحلف وإثباته، والجمع بينهما كما قال الإمام النووي -رحمه الله- في بيان ذلك: "والمنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم، والمؤاخاة في الله -تعالى-؛ فهو أمر مرغَّب فيه". وقال أيضًا -رحمه الله-: "وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ)، فالمراد به حلف التوارث، والحلف على ما منع الشرع منه. والله أعلم" (شرح مسلم للنووي). وقال الإمام السيوطي في شرح الحديث: "لا حلف في الإسلام؛ أراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه" (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج). وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الأدب في ذلك بابًا بعنوان: "الإخاء والحلف"؛ فهذا هو فهم الصحابة والسلف للحديث؛ فأين هؤلاء الملقون لهذه الشبهة من فهم الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم لهذه النصوص؟! وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |