|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مع دخول موسم الصيف والسفر – الترفيه والسياحة – في ميزان الشريعة الإسلامية
من أعظم الدلائل على عظمة دين الإسلام، أن تشريعاته قامت على جلب المصالح ودرء المفاسد، المبنية على رفع الحرج، ومراعاة التيسير، ومجافاة العنت والتشديد، وهي بذلك تراعي الفطرة البشرية ومتطلباتها، ويتفق علماء النفس على أن الإسراف في الكد والعمل وطلب العلم من دون راحة إفراط مهلك، ومن رحمة الله بنا ونعمته علينا أن جعل دين الإسلام دينا شاملاً، يأخذ الإنسان بهذا الشمول، ليصل به إلى التوازن والانسجام، فالنفس تحتاج إلى شيء من الترويح، والفسحة في بعض المباحات، -وهي في الشريعة كثيرة ولله الحمد- وإلى إراحتها من كد الدنيا، ومن جد العمل للآخرة ؛ لئلا تضجر النفوس، ولتقوى على المسير، والجد فيما ينفعها من أمر الدنيا والآخرة. الإسلام دين الحياة وقد راعى الإسلام مناحي الإنسان الفكرية والنفسية والعقلية والجمسانية والروحية، ونهى عن الإفراط والتفريط، سواء في الراحة أم الجد والعمل، وجعلها «ساعة وساعة»، وعن قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، قَالَ: «رَوِّحُوا الْقُلُوبَ تَعِ الذِّكْر». ومن دلائل إباحة الترويح واللعب المباح، ما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة لعب الحبشة في المسجد يوم العيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ في دِينِنَا فُسْحَةٌ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ»، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمارس بعض الأنشطة الترفيهية مع أصحابه -رضوان الله عليهم-، مثل: الرماية، والسباحة، والمصارعة، فهذا الأصل في الدين، أنه دين ترغيب ورفق وسماحة وتيسير وليس مقتصرا على الترهيب وأخذ النفس بالعزيمة. أحسن الناسِ تَعليمًا وتربيةً وهكذا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ الناسِ تَعليمًا وتربيةً، وقد أُرْسِلَ مُيسِّرًا، وبيَّن أنَّ الإسلامَ دِينُ يُسرٍ، رَفَع اللهُ به الحَرجَ والضِّيقَ عن النَّاسِ، ووسَّع عليهم دُون تَجاوزٍ، وقد أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قول سلمان الفارسي: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، وقال: صدق سلمان». فالإنسان -بطبعه- قد تمر به لحظات من الفتور والملل من تكاليف الحياة ومشاغلها، ويشعر بحاجة إلى شيء من الترفيه واللهو المباح، فيمزح مع أحد من أهل بيته، أو أصحابه، وهذا ما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمل المسلم الذي يجمع مع الجد روح الدعابة، ويأسر النفوس بلطيف معشره! ذلك لأن الإسلام يأمر المسلم أن يكون إلفًا مألوفًا، بسّامًا مرحًا خلوقًا حسن المعشر، حتى إذا خالط الناس رغبوا به، والتفوا حوله ولم ينفروا منه. ![]() مقاصد السياحة والترفيه في الإسلام
السفر وسيلة وليس غاية ولابد أن نعلم أنَّ السفر وسيلة وليس غاية؛ ولذلك فإنه يأخذ حكم الغاية منه، فقد يكون السفر واجبًا، إذا كان لفعل واجب، كحج الفريضة إلى بيت الله الحرام، وقد يكون مندوبًا، كالسفر لحج النافلة أو العمرة، أو الاتعاظ والتفكر في آيات الله الكونية، كما قال -تعالى-: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقد يكون مكروهًا، إذا كان لغير حاجة، وفيه تضييع للأوقات دون فائدة، وقد يكون حرامًا، كالسفر لمعصية، أو لمشاركة الكفار في أعيادهم واحتفالاتهم الدينية، أو كان فيها تفريط بالمال وتأخير لسداد دين في الذمة، أو مزاحمة لحقوق العباد، أو عصيان لأمر الوالدين، وقد يكون مباحًا، كالسفر للتجارة من أجل تكثير المال، وقد ورد في ذلك قول الله -تعالى-: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، أما قول الله -تعالى- في مدح المؤمنين: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ}، فأكثر المفسرين على أن المقصود بهم الصائمون (تفسير الطبري)، وذهب بعض المفسرين إلى أن السياحة في الآية تعني الهجرة المشروعة. الترفيه وموسم الصيف مع بداية فصل الصيف يبدأ موسم السياحة والسفر، ويتجهز كثير من المسلمين إلى الذهاب للمنتجعات الصيفية، طلبا للاستجمام والراحة أو لازدياد الثقافة والعلم، ولكن كثيرا منهم يقعون في مخالفات شرعية لذهابهم إلى البلاد غير الإسلامية، الأمر الذي يجعل السياحة معصية بدلا أن تكون عادة أو استجماماً. وسائل الترفيه لذلك على المسلم أن يحرص على وسائل الترفيه المباحة المعروفة مثل: الخروج للصيد، والسباحة، والخروج إلى المتنزهات، والقيام بالرحلات التي تشتمل برامجها على الترفيه مع مراعاة الضوابط الشرعية، ومع الرفقة الصالحة، والرياضة بأنواعها، وبرامج الترفيه العقلي بالكمبيوتر، إلى غير ذلك من الوسائل التي يصعب حصرها، وتُعدّ الرياضة من أفضل أنواع الترفيه، فهي تُساعد على تقوية الجسم وتحسين صحته، كما تُساعد على التخلّص من التوتر والقلق، كما أن القراءة من أنواع الترفيه والرياضة الفكرية المُفيدة، فهي تُثري العقل وتُوسّع مدارك الإنسان، كما تُساعد على الاسترخاء والتخلّص من التوتر. ضوابط السياحة والترفيه
تحريم السياحة في أماكن الفساد الشريعة الإسلامية تنهى عن السياحة في أماكن الفساد؛ حيث تُشرب الخمور وتَقَع الفاحشة، وتُرتكب المعصية، مثل شواطئ العري وحفلات المجون وأماكن الفسق، أو السفر لإقامة الاحتفالات في الأعياد المبتدعة، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «إذا كانت هذه السياحة مشتملة على تسهيل وتيسير فعل المعاصي والمنكرات والدعوة إليها: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون عوناً على معصية الله ومخالفة أمره». ![]() آثار الأمم السابقة وأماكنهم أما زيارة آثار الأمم السابقة وأماكنهم، فإن كانت أماكن عذاب، وقع فيها من الخسف أو المسخ أو الإهلاك لهم بسبب كفرهم بالله - سبحانه - فلا يجوز حينئذ اتخاذ هذه الأماكن للسياحة والاستجمام، قال ابن القيم - رحمه الله -: «إن من مرَّ بديار المغضوب عليهم والمعذبين لا ينبغي له أن يدخلها، ولا يقيم بها، بل يسرع السير، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يدخل عليهم إلا باكياً معتبراً، ومن هذا إسراع النبي -صلى الله عليه وسلم - السير في وادي محسر بين منى ومزدلفة، فإنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل وأصحابه». الحذر من تضييع الأوقات والحقوق! ولعل من أخطر الأمور في ممارسة الترفيه والترويح والسياحة، أن يستهلك الإنسان كل وقته أو معظمه في اللهو والترفيه؛ فهذه الأوقات يسأل عنها الإنسان يوم القيامة، كيف قضاها؟ كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»، كما وجه النبي -صلى الله عليه وسلم - أصحابه إلى مراعاة حقوق الآخرين، حينما استأذنوه في الجلوس في الطرقات، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ! قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ. قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ». الترفيه مسؤوليةٌ اجتماعية الترفيه في الإسلام مسؤوليةٌ اجتماعية؛ ولذلك يجب على المجتمع أن يهتمّ بتوفير وسائل الترفيه المُناسبة للشباب والأطفال؛ وذلك لحمايتهم من الانحراف والجريمة، كما ينبغي للمجتمع أن يهتمّ بتوفير وسائل الترفيه المُناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة؛ وذلك لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع، وكذا كبار السن؛ وذلك لمساعدتهم على قضاء أوقات فراغهم بنظام مُفيدٍ ومُمتع. السفر للتنزه المشهور عند العلماء أن السفر للتنزه من قبيل السفر المباح كما في البيان، والإنصاف، وشرح الزركشي، وقد ورد تحريم السفر بقصد تعظيم بقعة معينة إلا إلى ثلاثة مساجد: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى»، كزيارة الأضرحة والقبور وبعض الأماكن التي لها تاريخ في السيرة كجبل النور وجبل الرحمة، ومبرك الناقة ومسجد القبلتين، ومسجد الغمامة والمساجد السبعة، يكثر زوارها ومرتادوها للبدع، وهي أماكن لم يرد في الشرع تخصيصها بصلاة ولا زيارة. استحضار النية في المباحات النية الصالحة تحول المباحات والعادات إلى عبادات وقربات، وقد كان السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- يحرصون على ذلك ويتعاهدون نياتهم في جميع أعمالهم، فعن معاذ - رضي الله عنه - قال: «لكني أنام ثم أقوم فأقرأ، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي»، وعن زبيد اليامي -رحمه الله- قال: «إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء، حتى في الطعام والشراب»، فلا ينبغي للمسلم أن يغفل عن تلك اللحظات، فإنه يُسأل عنها يوم القيامة، لم فعله؟ وما الذي قصد به؟ الخاتمة والتوصيات
اعداد: ذياب أبو سارة
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |