بيان فضل القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 3078 )           »          ألم أكُ ناراً يصطَليها عدوّكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          كتاب(وصية أبي يوسف لهارون الرشيد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          قصة الطفل العنيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          شرح أذكار بعد السلام من الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          عداوة الكفار للمؤمنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          قبل أن تنتصر لنفسك من أخيك تذكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          من صور أكل الحرام ( المقامرة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أبشروا يا أهل الصبر والإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          لماذا لا يا أبي ؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-05-2024, 10:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,280
الدولة : Egypt
افتراضي بيان فضل القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان فضل القرآن *

عبد العزيز الداخل

الحمد لله الذي أنزل إلينا كتابه الكريم، وجعله أفضل الكتب وأعظمها، وأكثرها بركة وأكرمها، وجعل هذه الأمّة خير أمة أخرجت للناس وأعظمها هداية وأقومها، وأرسل إلينا أفضل رسله وأشرفهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وجعل شريعته أحسن الشرائع وأكملها، وأنزل إليه كتابه الكريم في خير ليلة وأشرف بقعة؛ وعلى خير أمّة، وبأحسن شرعة؛ فجمع الله لهذا القرآن العظيم محاسن الفضائل، وأشرف الخصائل.
أما بعد: فهذه وقفات ملخصة، وتأملات مستخلصة، في بيان فضائل القرآن الكريم جمعت فيها خلاصة كلام أهل العلم في أبواب فضائله أرجو أن يتبصر بها اللبيب ويعتبر، ويتأملها فيدكّر، فربَّ كلمة أورثت فكرة، وفكرة أحدثت تذكراً، وتذكر أثمر خشية وإيماناً ويقيناً وإخباتاً، {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَىٰ}، {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ}، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.

مدخل:
القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق أنزله الله على رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم منجماً على ثلاث وعشرين سنة.
- فأول فضائله أنه كلام الله جل وعلا ، وكلام الله صفة من صفاته، وقد قال جماعة من السلف: (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) وروي مرفوعاً من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ولا يصح.
- ومن فضائله أن أقسم الله تعالى به فقال: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} وقال: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وقال: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}
وفي الإقسام به دلالة بينة على تشريفه وتكريمه ورفعة مقامه.
- ومن فضائله أن وصفه الله بصفات جليلة جامعة لمعانٍ عظيمة، مَن تأملها حق التأمل، وتأمل آثارها ولوازمها في الخلق والأمر انفتحت أبواب عظيمة من العلم واليقين.
فوصفه الله بأنه عليٌّ حكيم، ومجيد وكريم، وعزيز وعظيم، ومبارك وقيم، وأنه حق اليقين، وذو الذكر، وأنه ذِكْرٌ وذكرى، وهدى وبشرى، وتذكرة وموعظة، وبصائر ورحمة، ونور وبيان، وشفاء وفرقان.
وكل هذه الصفات العظيمة اختص الله بها من آمن به واتبع هديه، وجعله على من كفر به وأعرض عن هديه حسرة وخساراً وجعل له معيشة ضنكاً ويحشره يوم القيامة أعمى.
وكل صفة من هذه الصفات باب عظيم يطلعك على ما وراءه من الكنوز العظيمة والمزايا الجليلة
- ومن فضائله: أن رتب الله على تلاوته الأجور العظيمة، والفضائل الكريمة.


فصل:

· فأما وصفه بأنه عليٌّ فقد قال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} وهذا الوصف يشمل علوَّ قدره ومنزلته، وعلو صفاته، وتنزهه عن الباطل والاختلاف والتناقض والضعف وسائر ما لايليق بكلام الله تعالى من أوصاف النقص، وهذا الوصف له ما يقتضيه قال ابن كثير: ( {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} بـيَّن شرفَه في الملأ الأعلى، ليشرِّفَه ويعظِّمَه ويطيعَه أهلُ الأرض ).

· وأما وصفه بأنه حكيم فيتضمن ثلاثة معانٍ:
أحدها: أنه مُحكم لا اختلاف فيه ولا تناقض كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
والثاني: أنه حكيم بمعنى حاكم على الناس في جميع شؤونهم شاؤوا أم أبوا، أما المنقادون لحكمه الشرعي فيجدون فيه بيان الحق فيما اختلفوا فيه، وأما المعرضون ففيه بيان ما يصيبهم من الجزاء النافذ فيهم في الدنيا والآخرة.
وهو كذلك حاكم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها وناسخ لها وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}
وهو حاكم فيما اختلف فيه أهل الكتاب قبلنا كما قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.
والمعنى الثالث: أنه ذو الحكمة البالغة، كما قال تعالى: {ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}، وقد جمع الله فيه من جوامع الكلم المبينة لأصول الدين وفروضه وآدابه ومحاسن الأخلاق والمواعظ والحقوق والواجبات والأمثال والقصص الحكيمة ما لا يوجد في كتاب غيره فمن أخذها وعمل بها فقد أخذ الحكمة من أعظم مصادرها وأقربها وأيسرها، وفي تفسير قول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}
قال أبو الدرداء في تفسير الحكمة: (قراءة القرآن والفكرة فيه) رواه ابن ابي حاتم.
وقال ابن عباس: (يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال قتادة: (الحكمة: الفقه في القرآن). رواه ابن جرير
وروي نحوه عن مجاهد وأبي العالية الرياحي ومقاتل بن حيان.
وروي عن غيرهم أوجهاً أخرى في تفسير الحكمة لا تعارض ما سبق لأن أصل الحكمة ومجامعها في القرآن الحكيم .

· وأما وصفه بأنه مجيد فيتضمن معنيين:
-أحدهما: أنه المُمَجَّد أي الذي له صفات المجد والعظمة والجلال التي لا يدانيها أي كلام ، المتنزه عما يقوله الجاهلون مما لا يليق به كدعوى بعض الكفار أنه سحر أو شعر أو من كلام البشر.
وذلك أن وصف المجد في اللغة يستلزم عدداً من صفات الكمال والجلال والعظمة التي يكون بها الموصوف مجيداً.
فكل صفة عظيمة يوصف بها القرآن هي من دلائل مجده.

- والمعنى الآخر: أنه الممجِّد لمن آمن به وعمل بهديه؛ فيكون لأصحاب القرآن من المجد والعظمة والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة ما لا ينالونه بغيره أبداً كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))
- قال الشافعي رحمه الله : (من قرأ القرآن عظمت قيمته).
- ولا تجد كتاباً يعظِّمُ تاليه كما يعظِّم القرآن أصحابَه ويشرفهم ويكرمهم ويعلي منزلتهم.
روى الإمام أحمد والنسائي وجماعة من أهل الحديث بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله عز وجل أهلين من الناس »
قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟
قال : « أهل القرآن ؛ أهل الله وخاصته ».
فأضافهم الله إلى كتابه وأضافه إلى نفسه جل وعلا، وسماهم أهله وهل شرف يداني هذا الشرف؟!، وهل مجد فوق هذا المجد؟!
وما ظنك بإكرام الله لأهله؟!.

· وأما وصفه بأنه عزيز فيتضمن عِزَّةَ القَدْرِ وَعِزَّة الغَلَبة وعزَّة الامتناع:
- فأما عزة القَدْرِ فلأنه أفضل الكلام وأحسنه، يعلو ولا يعلى عليه ، ويحكم ولا يحكم عليه، يغيِّر الدول والأحوال ولا يتغير.
قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد )).
وهو عزيز القدر عند الله وعند الملائكة وعند المؤمنين
قال أبو المظفر السمعاني: ({وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أي: كريم على الله ). وروي ذلك عن ابن عباس.
- وأما عزة قدره عند المؤمنين فبينة ظاهرة ، ولا توجد أمة من الأمم تعتني بكتابها وتجله كما يجل المسلمون القرآن حتى إنهم من إجلالهم للقرآن يجلون حامل القرآن كما في سنن أبي داوود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط )).
وهذا كله من عزة قدره.
وأما عزة غلبته فلأن حججه غالبة دامغة لكل باطل كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} وحجج القرآن أحسن الحجج وأبينها وأبعدها عن التكلف والتعقيد وأقربها إلى الفطرة الصحيحة والعقل الصريح وأعظمها ثمرة وفائدة، مَنْ عقلها تبين له الهدى، واستبانت له سبل الضالين، ومَنْ حاجَّ بها غَلَب ، ومن غَالبها غُلِب.
ومن عزة غلبته أنه غلب فصحاء العرب وأساطين البلاغة فلم يقدروا على أن يأتوا بمثله، ولا بمثل سورة واحدة منه، وقد تحدى الله المشركين الذين يزعمون أنه من أساطير الأولين وأنه قول البشر أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا حتى أقروا بذلك وهم صاغرون كما قال الوليد بن المغيرة على كفره : (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر ) رواه البيهقي في دلائل النبوة.

وأما عزة الامتناع فلأن الله تعالى أعزَّه وحفظه حفظاً تاماً من وقت نزوله إلى حين يقبضه في آخر الزمان كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا تستطيعه الشياطين، ولا يمكن لكائد مهما بلغ كيده أن يبدله أو يحرفه أو يزيد فيه أو ينقص منه شيئاً.
فهو محفوظ من الشياطين، محفوظ من كيد الكائدين، لا يصيبه تبديل ولا تغيير، يقرأ على مر السنين والقرون كما أنزل لا يخرم منه حرف، ولا يبدل منه شيء.

* وأما وصفه بأنه كريم ؛ فوصف له دلائله الباهرة ومعانيه الخفية والظاهرة فهو كريم على الله ، كريم على المؤمنين، كريم في لفظه، كريم في معانيه، مُكَرَّم عن كل سوء، مكرِّمٌ لأصحابه، كثير الخير والبركة، كريم لما يجري بسببه من الخير العظيم الذي لا يقدر قدره إلا الله.
وكلام المفسرين في معنى وصف القرآن بأنه كريم يدور حول هذه المعاني، وكل جملة من هذه الجمل لو تأمل الناظر دلائلها وآثارها لانفتح له من أبواب العلم والإيمان والفضل العظيم ما لا يكاد ينقضي منه العجب.
ولعل هذا يطلعك على بعض معاني القسم العظيم الجليل الذي أقسمه الله تعالى في سورة الواقعة إذ قال جل وعلا: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
فينبغي لكل مؤمن أن يستشعر عظمة هذا القسم، ويجتهد في إدراك نصيبه من هذا الكرم.


عظمة القرآن
وأما وصفه بأنه عظيم؛ فيتضمن عظمة قَدْرِهِ وَعَظَمَةَ صفاته.
وهذه العَظَمَة لها مظاهر ولوازم وآثار تجل عن الوصف والعد، وتفوت على الحصر والحد، ولا تحيط بها معرفة العبد، ولها أصول جامعة تدل اللبيب على ما تتضمنه من المعاني الكثيرة الجليلة:
- فمن عظمة قَدْرِه: أنه كلام الله تعالى؛ الذي لا أعظم من كلامه ولا أصدق ولا أحسن.
- ومن عظمة قَدْرِه: أنه فرقان بين الهدى والضلال، والحق والباطل؛ مَن قال به صدق، ومن حَكَم به عدل، ومن جاهد به نُصر، ومن حاجَّ به غَلب، ومن غَالبَه غُلِب، ومن اتبعه هدي إلى صراط مستقيم، ومن ابتغى الهدى في غيره ضل عن سواء السبيل.
- ومن عظمة قدره: أنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، وهو الفصل ليس بالهزل، فهو منزَّه عن الباطل والاختلاف والتناقض والضعف في الألفاظ والمعاني.
- ومن عظمة قدره: أنه يهدي للتي هي أقوم في كل ما يُحتاج إلى الهداية فيه، فهو شامل لجميع ما يحتاجه الفرد وتحتاجه الأمة من الهداية في كل شأن من الشؤون، فشريعته أحكم الشرائع، وهداه أحسن الهدى، وبيانه أحسن البيان.
- ومن عظمة قدره: أن من اعتصم به عُصِمَ من الضلالة، وخرج من الظلمات إلى النور بإذن ربه، وهدي إلى سبل السلام من كل شر يخشى منه، فهو في أمن وإيمان، وسلامة وإسلام، لا يضل ولا يشقى، ولا يخاف ولا يحزن، ثابت الجنان ، سائرٌ على بيّنة من ربه، حظيٌّ بما أولى من فضله، ذو سكينة وطمأنينة، له نوره الذي يمشي به في الناس سوياً على صراط مستقيم، {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}
- ومن عظمة قدره: كثرة أسمائه وأوصافه المتضمنة لمعان جليلة عظيمة تدل على عظمة المسمى بها والمتصف بها.
- ومن عظمة قدره: إقسام الله تعالى به في آيات كثيرة؛ فإن القسم به دليل على شرفه وعظمته، وما أخبر الله به عنه من الأخبار العظيمة ما يكفي المؤمن دليلاً على بيان عظمته.
ومن عظمة قدره: أنه أفضل الكتب المنزلة، قد اختار الله له أفضل رسله، وخير الأمم، وأفضل البقاع، وخير الليالي لنزوله، وفي ذلك من الإنباء عن عظمة قدره ما يكفي .
- ومن عظمة قدره: أن خصه الله بأحكام ترعى حرمته وتبين جلالة شأنه؛ فنُدِب إلى التطهر من الحدث عند تلاوته، وحرمت تلاوته في الأماكن النجسة ، وحرمت تلاوته في حال السجود والركوع، ومن حلف به انعقدت يمينه؛ ومن استهزأ به أو بشيء منه ولو بكلمة فقد كفر وخرج من الملة فإن مات ولم يتب حرمت عليه الجنة أبداً، وكان من الخالدين في عذاب النار.
بل جعل للمصحف الذي يكتب فيه القرآن أحكام تخصه؛ فالورق والمداد بعد أن يتضمنَّا كتابة آياته يكون لهما شأن في شريعة الإسلام؛ فحرم على الحائض والجنب مس المصحف، ونهي عن السفر به إلى أرض العدو، ومن تعمد إهانته فقد كفر كفراً عظيماً.
- ومن عظمة قدره: أن جعل الله له في قلوب المؤمنين مكانة عظيمة لا يساميها كتاب؛ فهو عزيز عليهم، عظيم القدر عندهم، يجلُّونه إجلالاً عظيماً ويؤمنون به، وينصتون عند تلاوته، ويتدبرون آياته، ويقفون عند مواعظه، بل إنهم من إجلالهم للقرآن يجلُّون قارئ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه.
- ومن عظمة قدره: أن تحدَّى الله تعالى المشركين أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا، ولو اجتمعت فصاحة الخلق كلهم على أفصح رجل منهم ثم طلب منهم أن يجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن العظيم لا يأتون بمثله، وكيف يضاهي كلام المخلوقين الضعفاء كلام خالقهم العظيم؟!!
كما أنه لا يضاهي علمهم علمه، ولا قدرتهم قدرته، ولا عظمتهم عظمته ولو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيراً.
فكلام الله صفة من صفاته اللائقة بعظمته ومجده، وهذا القرآن العظيم هو من كلامه جل وعلا، وكلام المخلوقين إنما يليق بمقدار علمهم وقدرتهم التي لا نسبة لها إلى علم الله وقدرته وعظمته.
فهذه إلماحة يسيرة تعرِّفك ببعض أنواع عظمة القرآن في الدنيا، وأما عظمته في الآخرة فأمر يجل عن الوصف، حين تنكشف الحجب وتتبين الحقائق وينتقل الناس من دار الامتحان والعمل إلى دار الجزاء والبقاء، يتبيّن لهم جلالة قدر هذا الكتاب العظيم، وأن أسعد الناس حظاً أوفرهم نصيباً من اتباعه وصحبته والاهتداء بهديه، ويكفي العبدَ أن يطلع على بعض ما ورد من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن في الآخرة؛ ليتبيّن هذه الحقيقة، ويقوم بما تقتضيه من تعظيم قدره واتباع ما أنزل الله فيه من البينات والهدى.
- فمن عظمة قدره في الآخرة: أنه يظلّ صاحبه في الموقف العظيم حين تدنو الشمس من الخلائق.
- ومن عظمة قدره: أنه يشفع لصاحبه، ويحاجّ عنه أحوج ما يكون إلى من يحاجّ عنه؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )).
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما )).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( القرآن شافع مشفَّع ومَاحِلٌ مصدَّق، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار )). رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وعن ابن مسعود نحوه موقوفاً وصححه الدارقطني.
والماحل في لسان العرب الذي يسعى بالشخص إلى ذي سلطان ليوبقه ويهلكه، يقال: محل فلان بفلان إذا مكر به وكاده وفعل به ذلك.
قال الخليل بن أحمد: (وفي الحديث: (( القرآن ماحل مصدَّق )) يمحل بصاحبه إذا ضيَّعه).
((مصدَّق)): أي أن ما يقوله فيمن أعرض عنه ولم يعمل به فهو مصدَّق فيه لا يَكْذِب ولا يُكَذَّب.
قال عبد الله بن مسعود: (من مَحَلَ به القرآن يوم القيامة كبَّه الله في النار على وجهه). رواه أحمد.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاباً قال فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدِ الله عمرَ إلى عبدِ اللهِ بن قيسِ ومَن معه من حملة القرآن، سلام عليكم، أما بعد:
فإنَّ هذا القرآن كائنٌ لكم أجراً وكائنٌ لكم شرفاً وذخراً، فاتبعوه ولا يتبعنَّكم، فإنه من اتبعه القرآنُ زج في قفاه حتى يقذفه في النار، ومن تَبع القرآنَ ورد به القرآنُ جنات الفردوس، فلْيكونن لكم شافعا إن استطعتم، ولا يكونن بكم ماحلا فإنه من شفع له القرآن دخل الجنة، ومن مَحل به القرآن دخل النار، واعلموا أن هذا القرآن ينابيع الهدى، وزهرة العلم، وهو أحدث الكتب عهدا بالرحمن، به يفتح الله أعينا عمياً، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا).
- ومن عظمة قدره: أنه كرامة ورفعة عظيمة لصاحبه يوم الجزاء إذ يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسند والسنن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وفي هذا الباب من الأحاديث والآثار ما يستدعي سفراً كبيراً، وشرحاً كثيراً، ولا يبلغ العبد بعد إدراك معاني تلك العظمة والإحاطة بمعرفة تفاصيلها.

فهذا في شأن عظمة القدر.

وأما عظمة صفاته؛ فشأن آخر يطلعك على أبواب من العلم عظيمة، من استفتحها وتأمل ماوراءها أفضى إلى مهيع واسع من التفكر والتأمل، ونزل به تفكره على حدائق ذات بهجة، لا يمل النظر إليها، ولا التربع في رياضها، بل يدرك أن أعظم نعيم في هذه الحياة إنما هو في تنعم الروح بما أنزل الله من روحه الذي يحيي به من يشاء من عباده {وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
فيكون للقلب حياة أخرى غير حياة الأبدان هي حياته الحقيقية التي من حرمها فهو ميت وإن عاش بجسده {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
فهو حياة القلوب وغذاؤها، ودواؤها من عللها وشفاؤها، وأنسها من وحشتها وبهاؤها، وميزانها الذي تزن به الأمور، وتدرك به حقائق الأمور، وعواقب الأمور.
ومن كان كذلك كان صاحب القرآن بحق، وكان القرآن العظيم ربيع قلبه، ونور صدره، وجلاء حزنه، وذهاب همه وغمه.

ذلك أن الله تعالى وصف القرآن بصفات عظيمة جليلة تنبئ عن عظمته؛ إذ عظمة الصفات تدل على عظمة الموصوف فوصفه الله بأنه عزيز وكريم، وعليٌّ وحكيم، ومبارك ومجيد، وهدى وبشرى، وذِكْرٌ وذكرى، وشفاء وفرقان، ونور وبيان إلى سائر ما وصفه الله تعالى به من صفات جليلة باهرة، تدل على عظمته دلالة ظاهرة.
فاجتماع هذه الصفات الجليلة في موصوف واحد دليل ظاهر على عظمته، ثم اتصافه في كل صفة من هذه الصفات بالعظمة فيها دليل آخر على عظمة تملأ قلب من يتأملها فيدرك أنه لا يحيط بمعرفة أوجه عظمة هذا القرآن العظيم لكنه يوقن أنه عظيم جد عظيم؛ فهو عظيم في عزته، عظيمٌ في علوّه، عظيم في إحكامه وحكمه، عظيم في مجده، عظيم في بركته، عظيم في كرمه، عظيم في بيانه، عظيم في ما تضمنه من الهدى والرحمة والنور والبشرى، والذكر والذكرى، والشفاء الفرقان، والحق والتبيان، وكذلك سائر صفاته الجليلة العظيمة، كل صفة منها قد حاز هذا القرآن العظمةَ فيها.
وهذه العظمة لها لوازم يقتضيها الإيمانُ بها في قلب العبد المؤمن؛ فيعرف له قدره ويعظّمه في قلبه، ويعظمه إذا تحدث عنه، ويعظمه إذا تلاه، ويعظمه إذا تلي عليه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.



* فكرة هذه المقالة تقوم على محاولة تلخيص ما أورده العلماء في بيان فضل القرآن الكريم من الأدلة الصحيحة والنقول المليحة والتأملات السديدة، وقد وجدت أن أفضل مدخل للحديث عن فضل القرآن الكريم هو وصف القرآن للقرآن فهو جامع لأصول فضائله، والأحاديث النبوية بعدُ مبينة لذلك ومفصلة، وأقوال الأئمة منارات يهتدى بها في تفسير تلك المعاني؛ فلا تكاد تجد معنى من المعاني الصحيحة التي دلت عليها هذه الأدلة إلا وجدت إماماً من الأئمة قد سبق إلى بيانه ، فبقي على المتأخر أن يتأمل ما كتبوه من المصنفات المفردة في فضائل القرآن وفي مقدمات التفاسير وفي تفسير الآيات الدالة على فضل القرآن الكريم، وما جمع أهل الحديث وصنفوا من الأحاديث في هذا الباب في دواوين السنة وشروحها، وما أفرده بعض الأئمة المحققين من المباحث الجليلة النافعة في كتبهم في هذا الباب العظيم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.74 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]