|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 11 ) باب: النهي عن أن تنشد الضالة في المسجد اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 254 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ سمعَ رجلاً يَنْشدُ ضالةً في المسجد، فليَقلْ: لا ردَّها اللهُ عليك؛ فإنّ المساجدَ لم تُبنَ لهذا». الشرح: قال المنذري باب: النهي عن أن تنشد الضالة في المسجد. وأخرجه مسلم في المساجد ( 1/397 ) وبوب عليه النووي (5/54 ) باب: النهي عن نشد الضالة في المسجد، وما يقوله من سمع الناشد. قوله: النهي عن نشد الضالة، من: نشدت الضالة أي طلبتها، وأنشدتها إذا عرّفتها، والضالة: هي الضائعة من كل ما يقتنى من الأموال، من الحيوان وغيره، يقال: ضل الشيء إذا ضاع، وتطلق على الذكر والأنثى والمفرد والجمع. قال ابن الأثير: وقد تطلق على المعاني، ومنه الحديث: «الحكمة ضالة المؤمن» أي: لا يزال يتطلبها كما يتطلب الرجل ضالته. اهـ. وحديث: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن» حديث ضعيف لا يصح، رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، لكن معناه صحيح؛ فإنّ الحق أحقّ أن يتبع ولو جاء من العدو. قوله: «منْ سمعَ رجلاً يَنْشدُ ضالةً في المسجد» أي: من سمع من يطلب ضالته، ويسأل الناس بصوت مرتفع في المسجد عن ضالته. وفي رواية لمسلم (1/397): «أن رجلا نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر» أي: من وجد ضالتي وهو جملي الأحمر، فدعاني إليه. قوله: «لا ردَّها اللهُ عليك» وفي رواية: «لا وَجدتَ» وهذا دعاءٌ عليه، وعقوبة له على مخالفته وعصيانه للشرع. قوله: «فإنّ المساجدَ لم تُبنَ لهذا» وفي رواية: «إنما بُنيتْ المساجد لما ُبنيت له» أي: لم تبنَ المساجد للدنيا وأعمالها ونشد الضوال وما فقد من الأموال، إنما بنيت المساجد لذكر الله تعالى، والصلاة وقراءة القرآن، ودراسة الحديث، وتعليم العلوم الشرعية النافعة، ومذاكرة أحكام الحلال والحرام. قال النووي: ويلحق به ما في معناه من: البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد. قال القاضي عياض: فيه دليل على منع عمل الصانع في المسجد كالخياطة وشبهها، قال: وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد! قال: قال بعض شيوخنا: إنما يُمنع في المسجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس، ويكتسب به فلا يتخذ المسجد متجرا، فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كإصلاح آلات الجهاد مما لا امتهان للمسجد في عمله، فلا بأس به. انتهى. باب: النهي أن تُتخذ القبور مساجد 255 – عن عائشة وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نُزِل برسول الله[ طَفِق يَطرح خَميصةً له على وجهه، فإذا اغتنمّ كَشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: «لعنةُ اللهِ على اليهود والنّصارى، اتخذوا قُبور أنبيائهم» يُحذّر مثلَ ما صنعوا. الشرح: قال المنذري: باب: النهي أن تتخذ القبور مساجد. والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/ 377) وبوب عليه النووي: باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد. وأخرجه البخاري في الصلاة (435، 436 ) وغيرها. قوله: «لما نزل برسول الله» نزل بضم النون وكسر الزاي، أي نزل به الموت، أو ملك الموت والملائكة الذين معه. قوله « طفق» أي جعل «يطرح خميصة» هي كساء له أعلام، أي خطوط. قوله: «فإذا اغتم بها» أي: كان إذا ضاق بها نَفَسه، أخّرها عن وجهه. قوله: «فقال وهو كذلك» أي: وهو في تلك الحال، قال الحافظ ابن حجر: وكأنه صلى الله عليه وسلم عَلِم أنه مرتحلٌ من ذلك المرض، فخاف أن يُعظّم قبره كما فعل من مضى، فلعنُ اليهود والنصارى إشارةٌ إلى ذم من يفعل فعلهم. قوله: «لعنةُ اللهِ على اليهود والنّصارى، اتخذوا قُبور أنبيائهم» واللعنة هي الطرد من رحمة الله تعالى، وهي دليل على قبح الشيء وشناعته وخبثه شرعا. وفي رواية له: «قاتل الله اليهود» وهي بمعناها،كقوله تعالى: {قُتِل الإنسانُ ما أَكفره} (عبس: 17). قوله: «يحذّر مثلَ ما صنعوا» جملة مستأنفة من كلام الرواي، وكأنه سُئل عن حكمة ذكر ذلك، فأجاب السائل. وفي رواية لمسلم (1/376 ): «قالت: فلولا ذاك أُبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدا»، وخشي: ضبط بضم الخاء وفتحها، قاله النووي. قال في فتح المجيد: الظاهر أن قوله «يحذّر مثلَ ما صنعوا» من كلام عائشة رضي الله عنها؛ لأنها فهمت من قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذير أمته من هذا الصنيع، الذي كانت تفعله اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم، فإنه من الغلو في الأنبياء، ومن أعظم الوسائل إلى الشرك. قال: ومن غربة الإسلام: أن هذا الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعليه، تحذيرا لأمته أن يفعلوه معه صلى الله عليه وسلم ومع الصالحين من أمته، فعله الخلق الكثير من متأخري هذه الأمة، واعتقدوه قربة من القربات!! وهو من أعظم السيئات والمنكرات. وما شعروا أن ذلك محادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟! قال القرطبي: وكل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة منْ فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام. انتهى. إذ لا فرق بين عبادة القبور ومن فيها وعبادة الأصنام. قوله: «فلولا ذاك أبرز قبره» أي: لولا ما يخشى من اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجداً لأُبرز قبره، وجعل مع قبور الصحابة الذين كانت قبورهم في البقيع. قوله: «غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدا» وخشي: كما ذكرنا ضبط بضم الخاء وفتحها، قال في «فتح المجيد»: فعلى الفتح يكون هو الذي خشي ذلك صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم أن يدفنوه في المكان الذي قُبض فيه. وعلى رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الأمة، فلم يبرزوا قبره، خشية أن يقع ذلك من بعض الأمة غلوا وتعظيماً، بما أبدى وأعاد من النهي والتحذير منه، ولعن فاعله. قال القرطبي: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأغلقوا حيطان تُربته وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم ، ثم خافوا أن يُتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين، فتصوّر الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال، حتى لا يتمكّن أحدٌ من استقبال قبره. انتهى. ويأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الحديث التالي.
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 12 ) باب: النهي عن بناء المساجد على القبور اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام عن أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 256 – عن عائشةَ أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهن: ذكرتا كنيسةً رأينها بالحبشة، فيها تصاوير، لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أولئك إذا كان فيهم الرجلُ الصالحُ فماتَ، بَنوا على قَبره مسجداً، وَصَوّروا فيه تلك الصُّور، أولئك شِرارُ الخلقِ عند الله عزّ وجل يومَ القيامة». الشرح: قال المنذري: باب: النهي عن بناء المساجد على القبور. والحديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (1/375 -376) في الباب السابق. قوله: «أن أم حبيبة» هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموي، مشهورة بكنيتها مات سنة اثنتين أو أربع، وقيل: تسع وأربعين، وقيل: وخمسين، روى لها الجماعة. قوله: «وأم سلمة» هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي سلمة سنة أربع، وقيل: ثلاث، وكانت قد هاجرت مع أبي سلمة إلى الحبشة، ماتت سنة اثنتين وستين، روى لها الجماعة. قوله «ذكرتا كنيسة» هي معبد النصارى. قوله: «رأينها بالحبشة» رأتاها مع من معها من المهاجرات إليها، وذلك لما كانتا بالحبشة، زمن هجرة من هاجر من الصحابة إليها، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإشارته. قوله: «فيها تصاوير» أي: فيها صور وتماثيل للأنبياء والصالحين. قوله: «إنّ أولئك إذا كان فيهم الرجلُ الصالحُ فمات، بنوا على قبره مسجداً، وصوّروا فيه تلك الصُّور» الإشارة إلى ما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة من التصاوير في الكنيسة. قال القرطبي: وإنما صوّر أوائلهم الصور ليتأسوا بها، ويتذكروا أعمالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم، ويعبدوا الله عند قبورهم، ثم خلفهم قومٌ جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك؛ سداً للذريعة المؤدية إلى ذلك. انتهى. قوله «أولئك شرارُ الخلقِ عند الله عزّ وجل يومَ القيامة» وهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يقتضي تحريم بناء المساجد على القبور، وقد لعن صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، كما مر معنا في الحديث السابق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل. قال: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور، هي التي أوقعت كثيرا من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإنّ النفوس قد أشركت بتماثيل الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك، فإنّ الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد بصلاحه، أقربُ إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر. قال: ولهذا تجد أهل الشرك يتضرّعون عندها ويخشعون ويخضعون، ويعبدون بقلوبهم عبادةً لا يفعلونها في بيوت الله، ولا وقت السَّحَر؟! ومنهم من يسجد لها؟! وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء، ما لا يرجونه في المساجد؟! فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا، وإنْ لم يَقصد المصلي بركة البقعة بصلاته، كما يَقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت شروق الشمس وغروبها؛ لأنها أوقات يَقصد فيها المشركون الصلاة للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ، وإنْ لم يقصد ما قصده المشركون؛ سداً للذريعة. قال: وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركاً بالصلاة في تلك البقعة، فهذا عين المحادّة لله ولرسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله؛ فإنّ المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة عند القبور منهيٌ عنها، وأنه صلى الله عليه وسلم لعنَ من اتخذها مساجد، فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك: الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه. قال: وقد صرّح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة، وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهة، التي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم؛ إحسانا للظن بالعلماء، وألا يظن بهم أن يُجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله من لعن فاعله والنهي عنه. انتهى (فتح المجيد: باب ما جاء من التغليظ فيمن عَبَد الله عند قبر رجلٍ صالح، فكيف إذا عبده؟!). وقال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا، لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. والعجب بعد ذلك من كثير ممن يدعي العلم بالقرآن والسنة النبوية، ثم لا ينكر هذا المنكر العظيم، بل ربما يحسّنه للناس؟! ويُفتي لهم بمشروعيته؟! وقد رأينا بعضهم يقيم الدروس العلمية في التفسير وغيره عند القبور والأضرحة؟؟ من غير أن ينكر هذا المنكر العظيم، ولا يحذر منه عوام المسلمين؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون من غربة الإسلام وأهله!! وبناء المساجد على القبور، أمرٌ محرم يجب على ولاة الأمور السعي في إزالته وهدمه. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ويجب هدم القباب التي على القبور؛ لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم. انتهى. وأما إذا كان القبر طارئا على المسجد، فيجب إخراج القبر من المسجد، ولا يجب هدم المسجد. باب: جُعلتْ لي الأرضُ مسجداً وطهورا 257 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فُضلّت على الأنبياء بستٍ: أُعطيتُ جَوامعَ الكَلم، ونُصرتُ بالرُّعب، وأُحلتْ لي الغنائم، وجُعلتْ لي الأرضُ طَهوراً ومسجدا، وأُرسلتُ إلى الخَلقِ كافةً، وخُتم بي النبيون». الشرح: قال المنذري: باب: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. والحديث أخرجه مسلم في أول كتاب المساجد (1/371). وأخرجه البخاري في التيمم وفي الجهاد (2977) وفي (7013) وفي الاعتصام (7273) قوله: «فُضلّت على الأنبياء بستٍ» وفي الرواية الأخرى «بعثت بجوامع الكلم». وجوامع الكلم هي القرآن العظيم، الذي يحوي المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم باللفظ الموجز، القليل اللفظ الكثير المعنى، قال الحافظ: والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ واتساع المعاني. وقوله: «ونُصرتُ بالرُّعب»، وفي رواية: «مسيرة شهر» قال الحافظ ابن حجر: وظهر لي أن الحكمة في الاقتصار على الشهر، أنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله أكثر من ذلك، كالشام والعراق واليمن ومصر، ليس بين المدينة النبوية للواحدة منها إلا شهر فما دونه. قال: وليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب، بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو. (الفتح 6/128). قوله: «وأُحلتْ لي الغنائم» وفي رواية «ولم تحل لأحد قبلي» كما قال الله تعالى: {فكُلوا مما غَنمتم حَلالاً طيباً} (الأنفال: 69)، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة الإسلامية، حيث أحل لها الغنائم وجعلها لهم حلالا، وكانت على الأمم السابقة حراما؛ ولهذا قال في ختام الآية {إنّ الله غفورٌ رحيم}. وكانت الغنائم من قبلنا تُجمع ثم تأتي نارٌ من السماء فتأكلها، كما جاء مبينا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين في حديث يوشع بن نون عليه السلام. قوله «وجُعلتْ لي الأرضُ طَهوراً ومسجدا», وهذا موضع الشاهد من الحديث في الباب؛ فإن التيمم هو من خصائص هذه الأمة المسلمة وحدها دون بقية الأمم، وهو من نعمة الله عليها، ورحمته لها، وتيسيره لها أمور دينها، فلم يجعل عليها حرجا ولا ضيقا ولا عسرا، كما قال الله تعالى: {فلم تَجدوا ماءً فتيّمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يُريد الله ليَجعل عليكم منْ حَرجٍ ولكن يُريد ليطهركم وليُتمّ نعمته عليكم لعلكم تشكرون} (المائدة: 6)، وهو مما يستوجب شكر الله عز وجل وحمده ومحبته. وقد جاء في الرواية الأخرى: «وجعلت تربتها لنا طهورا». وقد احتج بالرواية الأولى مالك وأبوحنيفة رحمهما الله وغيرهما ممن يرى جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض. واحتج بالرواية الثانية الشافعي وأحمد رحمهما الله وغيرهما ممن لا يرى جواز التيمم إلا بالتراب خاصة، وحملوا الرواية المطلقة وهي: «جعلت الأرض» على المقيدة وهي «تربتها» فلا يصح التيمم إلا بالتراب. وفي الرواية الأخرى: «وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء». كما يجوز التيمم عند عدم القدرة على الوصول للماء؛ لكونه في أرض بعيدة، أو في بئر عميقة ولا يستطيع الوصول إليه، أو لا يجد ثمنه. كما يجوز التيمم إذا لم يقدر على استعمال الماء بسبب المرض. وقوله «مسجدا»، معناه: أن من كان قبلنا من الأمم، إنما أبيح لهم الصلاة في مواضع مخصوصة، كالبِيَع والكنائس والصوامع. قال القاضي عياض: وقيل: إن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا فيما تيقنوا طهارته من الأرض، وخصصنا نحن بجواز الصلاة في جميع الأرض، إلا ما تيقنا نجاسته. انتهى. قوله «وأُرسلتُ إلى الخَلقِ كافةً» كما قال تعالى: {قلْ يأيها الناسُ إني رسولُ الله إليكم جميعا} (الأعراف:8)، وقال سبحانه: {وما أَرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً} وقال سبحانه {وما أَرسلناك إلا رحمةً للعالمين} وغيرها من الآيات الكريمة الدالة على عموم رسالته للناس كافة. وفي الرواية الأخرى: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود»، قيل الأحمر: البيض من العجم، والأسود: العرب لغلبة السمرة عليهم، وقيل: الأسود: السودان، وبالأحمر من عداهم من العرب وغيرهم، وقيل: الأحمر: الإنس، والأسود الجن، قال النووي: والجميع صحيح، فقد بعث إلى جميعهم. وقوله: «وخُتم بي النبيون» فهو خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، كما قال الله تعالى {ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكنْ رسولَ الله وخاتم النبيين} (الأحزاب: 40). وإذا كان هو خاتم الأنبياء، فهو خاتم الرسل من باب أولى؛ لأن النبوة أعم من الرسالة، فإذا انتفت، انتفت الرسالة من باب أولى لأنها أخص، فكل نبي رسول، وليس العكس (انظر شرحنا على الطحاوية). والله تعالى أعلم .
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 13 ) باب: قدْرُ ما يَسترُ المصلّي اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 258 – عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قامَ أحدُكم يُصلّي، فإنه يَسترُه إذا كان بين يديه مثلُ آخرةِ الرّحل، فإذا لم يكنْ بين يديه مثلُ آخرة الرّحل، فإنه يَقطعُ صلاته: الحمارُ، والمرأةُ، والكلب الأسودُ» قلت: يا أبا ذر، ما بالُ الكلبِ الأسودِ من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال: يابن أخي، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: «الكلبُ الأسود شيطانٌ». الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب: قدر ما يستر المصلي. والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/365) وبوب عليه النووي: باب قدر ما يستر المصلي. ورواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: «يقطعُ الصلاةَ: المرأةُ والحمار والكلب، ويقي منْ ذلك مثلُ مُؤْخِرة الرحل». قوله: «فإنه يَستره إذا كان بين يديه مثلُ آخرةِ الرّحل» آخرة الرحل هي العود الذي في آخر الرحل الذي على ظهر البعير، وهو قدر عظم الذراع وهو ثلثي الذراع، ويتكئ عليه الراكب. وفي رواية: «مثل مُؤخرة الرحل» بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة. ويقال بفتح الخاء مع فتح الهمزة وتشديد الخاء، ومع إسكان الهمزة، وتخفيف الخاء. وفيه: استحباب الصلاة إلى السترة بين يدي المصلي، وهو قول جمهور العلماء، وأنه إذا صلى إلى غير سترة فإنه لا يأثم، كما في المجموع للنووي (2/209) والمغني (2/237) وغيرها. وقيل: إنها واجبة. وقد احتج الجمهور على الاستحباب بأحاديث، منها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أتى منى والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها بأصحابه إلى غير جدار. رواه البخاري (1/76) ومسلم (504). واستحباب السترة هو للمنفرد والإمام، وأما المأموم فلا يسن له اتخاذ السترة؛ لأن الصحابة كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتخذون خلفه سترة. وفيه: بيان أقل السترة، وهو مؤخرة الرحل. وتحصل السترة بأي شيء أقامه المصلي بين يديه مثلها أو أكثر. والحكمة فيها: كفّ البصر عما وراءه، ومنع من يجتاز بقربه، واستدل عياض بهذا الحديث على أن الخط بين يدي المصلي لا يكفي، وإن كان قد جاء به الحديث، وأخذ به أحمد بن حنبل فهو ضعيف. قلت: حديث الخط رواه أبو داود (689) وابن ماجة (943) عن أبي هريرة مرفوعا: «إذا صلى أحدُكم فليجعلْ تلقاء وجهه شيئا، فإنْ لم يجد فلينصبْ عصا، فإنْ لم يكن معه عصاً فليخطُط خطّا، ثم لا يضره ما مرّ أمامه». وهو كما نقل العلامة حسن خان أنه حديث ضعيف، وقد أعله سفيان بن عيينة وابن الصلاح والنووي والبغوي وغيرهم بالاختلاف والاضطراب، وكذا الألباني في ضعيف أبي داود (134). ولم يصب الحافظ ابن حجر رحمه في البلوغ في قوله: «ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن» وانظر تلخيص الحبير (1/305). ولم ير مالك ولا عامة الفقهاء الخط، وحديث الباب حجة في رد الخط. قال النووي (4/217): قال أصحابنا: ينبغي له أنْ يدنو من السترة ولا يزيد ما بينهما – أي بين المصلي والسُترة – على ثلاث أذرع، فإنْ لم يجد عصا ونحوها، جمع أحجارا أو ترابا أو متاعه، وإلا فليبسط مصلى، وإلا فليخط الخط ! وإذا صلى إلى سترة منع غيره من المرور بينه وبينها، وكذا يمنع من المرور بينه وبين الخط. قال: ويحرم المرور بينه وبينها، فلو لم يكن سترة، أو تباعد عنها، فقيل: له منعه، والأصح: أنه ليس له؛ لتقصيره، ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه لكن يكره. قال: ولو وجد الداخل فرجة في الصف الأول، فله أن يمر يدي الصف الثاني، ويقف فيها لتقصير أهل الصف الثاني بتركها. قال: والمستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله، ولا يصمد لها، والله أعلم. انتهى. وقول النووي «والمستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله» لا يثبت فيه الدليل، وهو ما رواه أبوداود (693) عن ضباعة بنت المقداد عن أبيها مرفوعا: «ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عُود ولا عمود ولا شجرة، إلا جعله على حاجبة الأيمن، أو الأيسر، ولا يَصمد له صَمْدا». وفيه: المهلب بن حجر البهراني، مجهول. وضعفه الألباني في السنن (136). قوله: «فإذا لم يكنْ بين يديه مثلُ آخرة الرّحل، فإنه يَقطعُ صلاته: الحمارُ، والمرأةُ، والكلب الأسودُ» أي: إذا لم يكن له سترةٌ يقي بها صلاته من مرور هذه الأشياء، فإنها تقطع عليه صلاته. وقال الإمام أحمد: يقطعها الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء! وهو مذهب أصحاب الإمام أحمد، كما في زاد المستقنع فيما يبطل الصلاة، قال: وتبطل بمرور كلب أسود بهيم فقط. انتهى. قال النووي: ووجه قوله: أن الكلب لم يجئ في الترخيص فيه شيء يعارض، وأما المرأة ففيها حديث عائشة المذكور بعد هذا، وفي «الحمار» حديث ابن عباس عند مسلم، وقال الجمهور من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم. وتأولوا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة؛ لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد إبطالها! وقال بعضهم: إنه منسوخ ! بالحديث الآخر، وهو: «لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان». قال صديق حسن: وهذا غير مرض؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها، وليس هنا تاريخ، ولا تعذر الجمع والتأويل، بل يتأول على ما ذكرناه، مع أن حديث «لا يقطع صلاة المرء شيء» ضعيف، والله أعلم. انتهى. قلت: وقد بوب البخاري في الصلاة (105): باب من قال يقطع الصلاة شيء. وهو حديث ضعيف كما قال، رواه أبوداود (719) وفيه: مجالد بن سعيد، ليس بالقوي. وضعفه الحافظ في الفتح تحت حديث (515) والألباني. قال الحافظ: ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بأن المراد منه نقص الخشوع، لا الخروج من الصلاة. ويؤيد ذلك أن الصحابي سأل عن الحكمة في التقييد بالأسود فأجيب بأنه شيطان، وقد علم أن الشيطان لو مرّ بين يدي المصلي لم تفسد صلاته،كما سيأتي في الصحيح: «إذا ثوّب بالصلاة أدبرَ الشيطانُ، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه...» الحديث. انتهى. وكل ما سبق لا يدل على عدم القطع وبطلان الصلاة المصرح به في هذا الحديث، ولا يصح أيضا حصر القطع بالكلب فقط، كما سيأتي بيانه في حديث عائشة رضي الله عنها، والله تعالى أعلم. قوله: «قلت: يا أبا ذر، ما بالُ الكلبِ الأسودِ من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يابن أخي، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: «الكلبُ الأسود شيطانٌ»، وقوله «شيطان» هل المقصود به شيطان جن أم شيطان كلاب ؟ هو محتمل». قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: الصحيح أنه شيطان كلاب، لا شيطان جن، والشيطان ليس خاصا بالجن، قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍ عدواً شياطينَ الإنسِ والجنَ} (الأنعام: 112). فالشيطان كما يكون في الجن يكون في الإنس، ويكون في الحيوان، فمعنى شيطان في الحديث أي شيطان الكلاب؛ لأنه أخبثها؛ ولذلك يقتل على كل حال، ولا يحل صيده بخلاف غيره. انتهى.
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 14 ) باب : الدّنو من السترة اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 259- عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: «كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجِدار ممرُّ الشّاة». الشرح : قال المنذري رحمه الله: باب: الدنو من السترة . والحديث أخرجه مسلم في الصلاة، وبوب عليه النووي (4/ 216) باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة سترة، والنهي عن المرور بين يدي المصلي وحكم المرور ودفع المار، وجواز الاعتراض بين يدي المصلي والصلاة إلى الراحلة، والأمر بالدنو من السترة، وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك . ورواه البخاري في الصلاة (496) باب: قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة . قوله: «بين مصلى رسول الله» يعني «بالمصلى»: موضع السجود . قوله «وبين الجدار» أي: جدار المسجد مما يلي القبلة، وجاء ذلك صريحا في رواية البخاري في الاعتصام، أي: المسافة ما بين المنبر والجدار، لأن مسجده لم يكن به محراب . قال ابن بطال: هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته، يعني قدر ممر الشاة . قال الحافظ: وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع كما سيأتي قريبا بعد خمسة أبواب . وجمع الداودي: بأن أقله ممر الشاة، وأكثره ثلاثة أذرع . وحمع بعضهم: بأن الأول في حال القيام والقعود، والثاني في حال الركوع والسجود . وقال البغوي: استحب أهل العلم الدنو من السترة، بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك الصفوف، وقد ورد الأمر بالدنو منها، وفيه بيان الحكمة في ذلك، وهو ما رواه أبوداود وغيره: من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته» ( الفتح: 1/575 ) . وحديث سهل رواه أبوداود (692) وإسناده على شرط الشيخين ، وصححه الألباني . ورواه أبو داود (695) عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: «إذا صلى أحدكم، فليصل إلى سترة، وليدن منها». وأخرجه ابن ماجة . وفيه أن من السنة: قرب المصلي من السترة . وفي رواية: «وكان بين المنبر، والقبلة قدر ممر الشاة ». قال النووي: المراد بالقبلة الجدار، وإنما أخر (المنبر) عن الجدار، لئلا ينقطع نظر أهل الصف الأول، بعضهم عن بعض. قال: وينبغي أن يدنو من السترة، فلا يزيد ما بينهما على ثلاث أذرع . فإن لم يجد عصاونحوها، جمع أحجارا أو ترابا أو متاعه . وإلا فليبسط مصلى، وإلا فليخط الخط! قال: وإذا صلى إلى سترة، منع غيره من المرور بينه وبينها ، وكذا يمنع المرور بينه وبين الخط، ويحرم المرور بينه وبينها، انتهى . قال الشوكاني في «السيل الجرار »: هذه السنة – يعني اتخاذ السترة – ثابتة بالأحاديث الصحيحة الكثيرة، ولا وجه لتخصيص مشروعيتها بالفضاء، فالأدلة أعم من ذلك . والكلام على مقدار السترة، ومقدار ما يكون بينها وبين المصلي، مستوفى من كتب الحديث، وشروحها، وأكثر الأحاديث مشتملة على الأمر بها . قال : وظاهر الأمر الوجوب، فإنْ وُجد ما يصرف هذه الأوامر عن الوجوب إلى الندب، فذاك. ولا يصلح للصرف قوله صلى الله عليه وسلم : «فإنه لا يضره ما مرّ بين يديه». لأن تجنب المصلي لما يضره في صلاته، ويذهب ببعض أجرها، واجبٌ عليه. انتهى . وأما خط الخط كسترة، فلم يثبت ، كما سبق بيانه في الحديث السابق . باب : الاعتراض بين يدي المصلي 260 - عن عائشة رضي الله عنها: وذُكر عندها ما يقطع الصلاة: «الكلبُ، والحمار، والمرأة، فقالت عائشة: قد شبّهتمونا بالحمير والكلاب! والله لقد رأيتُ رسول الله [ يُصلي، وإني على السّرير، وبينه وبين القبلة مضطجعةٌ، فتبدو لي الحاجةُ فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَنسلُّ من عند رجليه». الشرح : قال المنذري: باب: الاعتراض بين يدي المصلي . والحديث رواه مسلم في الصلاة ، وبوب عليه النووي ( 4 /229) الباب السابق . وراه البخاري في الصلاة (1/581). باب: الصلاة على السرير وفي رواية «كان يصلي من الليل ، وأنا معترضة، بينه وبين القبلة كأعتراض الجنازة» . وهذه أصرح وألصق بترجمة الباب. وفي رواية: «قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله [ ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح» . فاستدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بذلك، وبعض العلماء بعدها؛ على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل! وبه بوب أبو داود على الحديث: باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة . وفيه نظر؟! لأن عائشة رضي الله عنها لم تكن تمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانت تضطجع بين يديه، ثم تقوم للحاجة، وهذا واضح . وفي الحدي: جواز صلاته إليها . قال النووي: وكره العلماء أو جماعة منهم الصلاة إليها لغير النبي صلى الله عليه وسلم لخوف الفتنة بها، وتذكرها وإشغال القلب بها، وبالنظر إليها ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمنزه عن هذا كله، وصلاته مع أنه كان في الليل، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، انتهى. قولها: «فتبدو لي الحاجةُ فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأَنسلُّ من عند رجليه «قأنسل: أي أمضي وأخرج بتأن وتدريج. ومنه قول حسان رضي الله عنه: لأسلنّك منهم كما تُسل الشّعرة من العجين.
__________________
|
|
#5
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 16 ) باب: إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاةَ إلا المكتوبة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 263 – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أُقيمتْ الصلاةُ، فلا صلاةَ إلا المكتوبة». الشرح: قال المنذري: باب : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/493) وبوب عليه النووي (4 /221): باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة. وترجم به البخاري في الأذان حديث (663) وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبحَ أربعاً، آلصبح أربعاً؟!». قوله «إذا أقيمت الصلاة» أي: شرع في الصلاة. قوله «فلا صلاة» أي: صحيحة، أو كاملة. قال الحافظ ابن حجر: والتقدير الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي، واقتصر على الإنكار – يعني في حديث ابن عباس – دلّ على أن المراد نفي الكمال. قال: ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهي، أي: فلا تصلوا حينئذ. قوله «إلا المكتوبة» أي المفروضة، ففيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة أم غيرها. قال النووي: فيها النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة أم غيرها، وهذا مذهب الشافعي والجمهور. وقال أبو حنيفة: يصلي الصبح، ما لم يخش فوت الركعة الثانية! وهو خطأ! مخالفٌ لحديث الباب، كما أن فيه تقديما للسنة على الفريضة، والمحافظة عليها أولى! وفي إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على المتنفّل بقوله «آلصبح أربعا؟!» وإعادة ذلك عليه تأكيد للإنكار، والمعنى: هل تصلي الصبح أربعا؟! أي: حتى لا تلتبس صلاة الراتبة بالفريضة، أو تكون كالفريضة في الدرجة. واستدل بعضهم بالاستمرار في الصلاة بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم}! والصحيح: أنه لا حجة فيها؛لأن الآية فيمن يبطل عمله برياء أو شرك ونحوهما من مبطلات الأعمال، أو يقطعها بلا موجب. وقال عياض: وفيه حكمة أخرى، وهي: النهي عن الاختلاف على الأئمة. وقال ابن عبد االبر وغيره: الحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح، وترك التنفّل عند إقامة الصلاة، وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة: «حي على الصلاة» معناه: هلمّوا إلى الصلاة التي يقام لها، فأسعدُ الناس بامتثال هذا الأمر، منْ لم يتشاغل عنه بغيره، والله أعلم (الفتح). قال العلامة صديق حسن خان نقلا عن «السيل الجرار» للشوكاني: ظاهر الحديث الصحيح عند مسلم وأحمد وأهل السنن وغيرهم: أن الخروج – أي من الصلاة - واجبٌ إذا سمع إقامة الصلاة، وهي قول المؤذن: قد قامت الصلاة، هذا هو المراد. وإن كان المراد: القيام إلى الصلاة، كان الواجب عليه إذا عاين قيامهم إلى الصلاة، أن يخرج؛ لأن ظاهر قوله «فلا صلاة» نفي الصلاة الشرعية، فالمتنفّل عند إقامة الصلاة قد بطلت صلاته! فإذا استمر فيها فقد استمر في صلاة غير شرعية، وخالف ما جاء عن الشارع. وإن كان المراد: المعنى المجازي في قوله: «فلا صلاة»، فقد تقرر أن نفي الصحة هو أقرب المجازين إلى الحقيقة، فيجب عليه العمل؛ لأنه يستلزم نفي صحة الصلاة. وبهذا تعرف أنه لا وجه للتقييد بقولهم: لخشية فوتها، ولا لجعل الخروج منها مندوبا فقط. انتهى. باب: متى يقوم الناس للصلاة إذا أقيمت؟ 264- عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني». الشرح: قال المنذري: باب: متى يقوم الناس للصلاة إذا أقيمت؟ والحديث رواه مسلم في المساجد (1/422) وبوب عليه النووي: باب متى يقوم الناس للصلاة؟ ورواه البخاري في الأذان (637) باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟ ورواه في الباب الذي بعده (638) باب: لا يسعى إلى الصلاة مستعجلاً، وليقم بالسكينة والوقار، وفيه زيادة «وعليكم السّكينة». قوله «إذا أقيمت الصلاة» أي: أخذ المؤذن بالإقامة. قوله «فلا تقوموا حتى تروني» أي: لا تقوموا حتى تروا الإمام؛ لئلا يَطول عليهم القيام لأنه قد يَعرض له عارضٌ فيتأخر بسببه. وجاء عن جابر بن سمرة: أن بلالا كان لا يُقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. وقيل: يستحب ألا يقوم أحدٌ حتى يفرغ المؤذن من الإقامة. وقال مالك في الموطأ: لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحدٍ محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس؛ فإنّ منهم الثقيل والخفيف. قال الحافظ ابن حجر: وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة. وعن أنس: أنه كان يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. رواه ابن المنذر. لكن ورد عند البخاري (639) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة، وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه..». وفي رواية مسلم (1/422): «أقيمت الصلاةُ فقمنا فعدّلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام في مصلاه قبل أن يكبر، ذكر فانصرف، وقال لنا: مكانكم..». قال الحافظ: فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة – حديث الباب – بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز، وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النّهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة، ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن ذلك؛ لاحتمال أن يقع له شغلٌ يبطئ فيه عن الخروج، فيشقّ عليهم انتظاره، ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم؛ لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا، أو فعله لبيان الجواز. انتهى. وجمهور أهل العلم من السلف والخلف: على أنه لا يكبر الإمام حتى يفرغ المؤذن من الإقامة. والله تعالى أعلم. باب إقامة الصلاة إذا خرج الإمام 265- عن جابر بن سمرة: كان بلالٌ يؤذن إذا دَحَضت، فلا يُقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه. الشرح: جابر بن سمرة هو ابن جنادة السُّوائي، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة ومات بها بعد سنة سبعين. قال عياض: يجمع بين مختلف هذه الأحاديث: أن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يراه غيره، أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم، ولا يقوم الناس حتى يروه، ثم لا يقوم مقامه، حتى يعدلوا الصفوف. ولعل أخذ الناس مصافهم قبل خروجه كان مرة أو مرتين ونحوها لبيان الجواز أو لعذر. ولعل قوله صلى الله عليه وسلم: «فلا تقوموا حتى تروني» كان بعد ذلك، والله أعلم.
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر مسلم للمنذري (17) باب: خروج الإمام بعد الإقامة للغسل اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 266- عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع أبا هريرة يقول: أُقيمتْ الصلاة، فقُمنا فعدّلنا الصُّفوف، قبل أنْ يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قام في مُصلاّه قبل أنْ يُكبر، ذَكَر فانصرف، وقال لنا: «مكانكم» فلم نَزل قياماً ننتظرُه حتى خَرَج إلينا، وقد اغتسل، ينَطِف رأسُه ماءً، فكبّر فصلى بنا». الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب خروج الإمام بعد الإقامة للغسل. والحديث رواه مسلم في المساجد (1/ 422) وبوب عليه النووي: باب متى يقوم الناس للصلاة. قوله «أُقيمت الصلاة، فقمنا فعدّلنا الصُّفوف، قبل أنْ يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فيه إشارة إلى أن هذا كان من عادتهم، أنهم يصفون قبل خروجه, وقوله «فعدّلنا الصُّفوف» قال النووي: وقد أجمع العلماء على استحباب تعديل الصفوف، والتراص فيها. وقد كثر التنبيه منه عليه الصلاة والسلام على تسوية الصفوف وتعديلها. قوله «حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر» صريحٌ أنه لم يكن كبّر ودخل في الصلاة، ومثله في رواية البخاري: «وانتظرنا تكبيره». قوله: «ذَكَر فانصرف» أي تذكّر أنه كان جُنبا ولم يغتسل. قوله: «وقال لنا: مكانكم» أي: ابقوا مكانكم، وفيه: جواز الفصل بين الإقامة والتكبيرة بزمن للحاجة، فإنهم قالوا: فلم نَزل قياماً ننتظرُه حتى خَرَج إلينا، وقد اغتسل. وظاهر الحديث: أنهم لم يجددوا الإقامة مرة أخرى. وكذا قوله: «فكبّر فصلى بنا». قال النووي: إن طال الزمان، فلا بد من إعادة الإقامة. أي: إن طال كثيرا، والله أعلم. قوله: «حتى خَرَج إلينا، وقد اغتسل، ينَطِف رأسُه ماءً» ينطف ماء، أي: يقطر، وهو يدل على قرب اغتساله. كما يدل على سرعة فراغه من الاغتسال، وعدم تكلفه، وبعده عن الوسوسة والتكرار فيها. باب: في تَسوية الصّفوف 267- عن عمارة بن عمير التيمي، عن أبي معمر، عن أبي مسعود، قال: كان رسولًُ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ مَنَاكبنا في الصلاة، ويقول: «اسْتَوُوا، ولا تَخْتلفوا فتختلفَ قلوبُكم، ليَلني منكم أُولُو الأَحلامِ والنُّهى، ثم الذينَ يَلُونهم، ثم الذينَ يَلونهم». قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشدُّ اختلافاً. الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب في تسوية الصفوف. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/323) وبوب عليه النووي (4 /154): باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها. قوله: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ مَنَاكبنا في الصلاة» يمسح مناكبنا، أي: يسوي مناكبنا في الصفوف ويعدلنا فيها. وفي الرواية الأخرى عنده: «أَقيموا الصفَّ في الصلاة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصلاة»، وأَقيموا الصفَّ، أي: سووه وعدلوه وتراصّوا فيه. وفي الرواية الأخرى: «يُسوي صفوفنا كأنما يُسوي بها القداح» والقداح هي خشب السهام، ومعناه أنه يبالغ في تسويتها، حتى تصير كأنما يقوّم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها. قوله: «ولا تَخْتلفوا فتختلفَ قلوبُكم» فيه النهي عن الاختلاف، في الصلاة وغيرها، وأن اختلاف الظاهر يؤدي إلى اختلاف الباطن. وفي الرواية الأخرى عنده: «لتُسوُّنَّ صُفوفكم أو ليُخالفن بين وجوهكم» قيل معناه: يمسخها، والأظهر أن معناه: يُوقع بينكم العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب، كما يقال: تغيّر وجه فلان عليّ، أي: ظَهَر لي من وجهه كراهة، وتغير قلبه عليّ؛ لأنّ مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظاهر سببٌ لاختلاف البواطن، قاله النووي. قال صديق خان: وقد صارت هذه السُّنة الصحيحة، المحكمة الصريحة، في هذا العصر، بل منذ أعصار، خالية مهجورة! كأنها شريعة منسوخة ! لا يرى لها عينٌ ولا أثر، في صلاة ولا في مسجد، ودبّ من هذا الاختلاف الظاهر، الاختلاف في بواطن المسلمين {وكان أَمرُ الله قدراً مقدورا} (الأحزاب: 38)، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (السراج الوهاج 1/434). وفيه: جواز الكلام والتوجيه بين الإقامة والدخول في الصلاة، سواء كان الكلام لمصلحة الصلاة أم لغيرها. قوله: «ليَلني منكم» بكسر اللامين، «أُولُو الأَحلامِ والنُّهى» الأحلام هم العقلاء أو البالغون. والنهى: جمع نُهية بضم النون، وهي العقل، وسُميّ العقل نهية؛ لأنه ينتهي إلى ما أُمر به ولا يتجاوز. وقيل: لأنه ينهى عن القبائح. قوله: «ثم الذينَ يَلُونهم، ثم الذينَ يَلونهم» فيه تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف، فيكون هو الأولى. ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو ما لا يتفطن له غيره. وفي عهده صلى الله عليه وسلم أراد من أولي الأحلام أن يضبطوا صفة الصلاة عنه ويحفظوها وينقلوها ويعلموها للناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم؛ فإنه قد قال عليه الصلاة والسلام لهم: «صلُّوا كما رأيتُموني أُصلّي» متفق عليه. قال العلامة صديق خان رحمه الله: ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السُّنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس، كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك. قال أبو مسعود: «فأنتم اليوم أشد اختلافا» يريد في زمانه، فكيف بهذا الزمان الذي عاد الإسلام فيه غريبا، وأي غريب؟! دَرَست فيه معالم السنن كلها! قاله صديق خان.
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 18 ) باب فضل الصف المقدم اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 268 – عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يَعلمُ الناسُ ما في النّداء، والصّف الأولِ، ثم لم يَجدُوا إلا أنْ يَسْتَهمُوا عليه لاسْتهمُوا، ولو يَعلمون ما في التّهجير لاسْتبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العَتمََة والصُبح، لأَتوهُما ولو حَبْواً». الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب فضل الصّف المقدّم. الحديث رواه مسلم في الصلاة (1/325) وبوب عليه النووي الباب السابق. وأخرجه البخاري في الأذان (615) باب: الاستهام في الأذان، وفي باب: الصف الأول (721)، فهو متفق عليه. قوله «ما في النّداء» هو الأذان. قوله «إلا أنْ يَسْتَهمُوا» الاستهام هو الاقتراع، ومنه قوله تعالى: {فساهم فكان من المدحضين} (الصافات: 141). قال الخطابي وغيره: قيل له «الاستهام»؛ لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء، فمن خَرَج سهمه غلب. قال الحافظ ابن حجر: أي لم يجدوا شيئاً من وجوه الأولوية، أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت، وحُسن الصوت، ونحو ذلك من شرائط المؤذّن وتكملاته، وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة، ويستووا في الفضل فيُقرع بينهم، إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين. وقال النووي: ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها، وعظيم جزائه، ثم لم يجدوا طريقاً يُحصّلونه به، لضيق الوقت، عن أذان بعد أذان، أو كونه لا يُؤذن للمسجد إلا واحد، لاقترعوا في تحصيله. قوله: «والصّف الأولِ»، وفي الرواية الأخرى لمسلم: «لو تعلمون – أو يعلمون – ما في الصف المقدّم، لكانت قرعة»، أي: لو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة، وجاؤوا إليه دُفعة واحدة، وضاق عنهم، ثم لم يسمح بعضهم لبعض به، لاقترعوا عليه. وقوله: «عليه»، أي: على ما ذكر، فيشمل الأمرين: الأذان والصف الأول. قوله: «التهجير»: هو التبكير إلى الصلاة، أي صلاةٍ كانت. قال الحافظ: قال الهروي: وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا: المراد الإتيان إلى صلاة الظهر، في أول الوقت؛ لأن التهجير مشتقٌ من الهاجرة، وهي شدّة الحرّ نصف النهار، وهو أول الوقت، وإلى ذلك مال المصنف (يعني البخاري) كما سيأتي. قال: ولا يَرد على ذلك مشروعية الإبراد لأنه أُريد به الرفق، وأما منْ ترك قائلته، وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة، فلا يخفى ما له من الفضل (الفتح 2/97). قوله: «لاسْتبقوا إليه» قال ابن أبي جمرة: المراد الاستباق معنى لا حِساً، لأنّ المسابقة على الأقدام حِساً؛ تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه. انتهى. قوله: «العتمة» هي العشاء. قوله: «لأَتوهُما ولو حَبْواً»، الحبو: أن يمشي على يديه وركبتيه أو استه، وحبا البعير: إذا برك وزحف من الإعياء، وحبا الصبي: إذا زحف على استه. «النهاية». قال النووي: فيه الحثُّ العظيم على على حضور جماعة هاتين الصلاتين، والفضل الكثير في ذلك؛ لما فيهما من المشقة الزائدة على النفس، من تنغيص أول نومها وآخره. ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين. قال: وفي الحديث: تسمية العشاء «عَتَمة»، وقد ثبت النهي عنه، فكان بياناً للجواز، وأنّ النّهي ليس للتحريم. باب منه 269 – عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ صُفُوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صُفوف النساءِ آخرُها، وشَرُّها أَولها». الشرح: الحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/326) وهو في الباب السابق. قوله: «خيرُ صُفُوفِ الرجالِ أولُها» هذا على عمومه أبدا، وأفضلها الصف الأول وهو الذي يلي الإمام. قال العلماء: في الحضّ على الصفّ الأول: المسارعة إلى إخلاص الذّمة، والسّبق لدخول المسجد، والقُرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلّم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من ُرؤية من يكون قدّامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين. (الفتح 2/208). قوله: «وخيرُ صُفوف النساءِ آخرُها، وشَرُّها أَولها»، أي: النساء اللواتي يُصلين خلف الرجال بالمسجد، وأما إذا صلين مُتميّزات (أي: بمصلى وحدهن) ليس مع الرجال، فهنّ كالرجال: خيرُ صفوفهن أولها، وشرُّها آخرها. قوله: «وشرها آخرها»، المراد بشرّ الصّفوف فيهما: أقلُّها ثواباً وفضلاً، وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكس ذلك، قاله النووي. قال: وإنما فضّل آخرَ صفوف النّساء الحاضرات مع الرجال؛ لبُعدهن منْ مُخالطة الرجال ورؤيتهم، وتعلّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك. باب: السِّواك عند كلّ صلاة 270 – عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَولا أنْ أشقَّ على المُؤْمنين (وفي حديث زهير: على أُمتي) لأَمرتُهم بالسِّواكِ عند كلّ صلاةٍ». الشرح: قال المنذري: باب: السِّواك عند كلّ صلاة. والحديث أخرجه مسلم في الطهارة (1/220) وبوّب عليه النووي: باب السواك. وأخرجه البخاري في الجمعة (887) بلفظ: «لأَمرتُهم بالسّواك مع كلّ صُلاةٍ». السواك: هو العُود الذي يتسوَّك به، لتذهبَ به الرائحة عن الفم، ولتزول به الصفرة عن الأسنان. قوله: «لَولا أنْ أشقَّ على المُؤْمنين أو على أُمتي» الشك من الراوي، قال البيضاوي: «لولا» كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره. قوله: «لأمرتهم بالسواك» أي: باستعمال السواك. قوله: «عند كلّ صلاةٍ»، وهي رواية مالك في الموطأ، وفي رواية البخاري: «مع كل صلاة»، وهذا يفيد استحبابه وتأكده عند الصلاة، وهو شامل للفرائض والنوافل. قال الحافظ: وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين: - أحدهما: أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للنّدب لما جاز النفي. - ثانيهما: أنه جعل الأمر مشقة عليهم، وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب؛ إذْ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك. قال الشافعي: فيه دليلٌ على أن السّواك ليس بواجبٍ؛ لأنه لو كان واجباً لأمرهم، شَقّ عليهم به أو لم يشق. والقول بعدم وجوبه هو قول أكثر أهل العلم، وقال داود: هو واجبٌ لكن ليس بشرط. وقال المهلب: فيه أن المندوبات ترتفع إذا خُشي منها الحرج. ورواه مالك والشافعي بلفظ: «لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء». واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال؛ لعموم قوله: «عند كل صلاة» (الفتح 2/ 376). قال ابن دقيق العيد: الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالاً تقرب إلى الله، فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة؛ إظهاراً لشرف العبادة. وقد ورد أن الأمر يتعلق بالمَلََك الذي يستمع القرآن من المصلي، فعن علي رضي الله عنه: أنه أمرنا بالسواك وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ العبدَ إذا تسوّك ثم قام يُصلي، قام الملك خلفه فَيَستمع لقراءته فيدْنو منه - أو كلمة نحوها - حتى يَضعَ فاهُ على فيه، وما يَخرج منْ فيه شيءٌ من القرآن، إلا صارَ في جَوف الملَك، فطهّروا أفواهَكم للقُرآن». رواه البزار والبيهقي والضياء في «المختارة»، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3 / 214). وفي الحديث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشّفقة والرحمة بأمته.
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 20 ) باب ما يفتتح به الصلاة ويختم اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 273- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَستفتح الصلاة، بالتكبير، والقراءة بـ: {الحمدُ لله ربّ العالمين}، وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصَوّبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رَفعَ رأسه من الركوع ، لم يَسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يقولُ في كل ركعتين: التحيّةَ، وكان يَفْرشُ رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عُقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع، وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم». الشرح: قال المنذري : باب ما يفتتح به الصلاة ويختم . والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/359) وبوب عليه النووي (4/213): باب ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع، والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، والتشهد بعد كل ركعتين من الرباعية، وصفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول. قولها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَستفتح الصلاة بالتكبير» أي: يبتدئ صلاته بتكبيرة الإحرام. والقراءة بـ : {الحمدُ لله ربّ العالمين} أي: يبتدئ قراءة القرآن بسورة الفاتحة، لا بسورة غيرها. - وقد استدل بهذا : على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجهر بـ:{بسم الله الرحمن الرحيم} سواء قلنا إنها آية من سورة الفاتحة، أم ليست منها على الراجح من أقوال أهل العلم. - قولها: «وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصَوّبه» لم يشخص أي لم يرفع رأسه، ولم يصوبه أي: لم يخفضه خفضا بليغا «ولكن بين ذلك» بين الإشخاص والتصويب. - قولها: «وكان إذا رَفعَ رأسه من الركوع، لم يَسجد حتى يستوي قائماً» فيه: وجوب الاعتدال والطمأنينة فيه، إذا رفع رأسه من الركوع، وهو من أركان الصلاة التي لا تصح دونه. - قولها: «وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسا» فيه وجوب الجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيه. - قولها: «وكان يقولُ في كل ركعتين: التحيّة» فيه حجةٌ للإمام أحمد ومن وافقه من الفقهاء والمحدثين، أن التشهد الأول والأخير واجبان. - وقال مالك وأبو حنيفة : هما سنتان! - وقال الشافعي: الأول سنة! والثاني واجب. واحتج أحمد بهذا الحديث، مع قوله صلى الله عليه وسلم : «صلوا كما رأيتموني أصلي» وبقوله: «كان يُعلّمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن» وبقوله: «إذا صلى أحدُكم فليقل: التحياتُ لله..» الحديث، والأمر للوجوب ، ولم تفرق الأحاديث بين التشهد الأول والأخير . وإذا نسيه المصلي جبره بسجود السهو. - قولها: «وكان يَفْرشُ رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى» أي: يجلس مفترشا، بأن يبسط قدمه اليسرى ويجلس عليها ، وينصب قدمه اليمنى. وكان ينهى عن عُقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع، وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم. - قال الشافعي: السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشا، إلا التي يعقبها السلام. واحتج بحديث أبي حميد الساعدي في البخاري، وفيه تصريح بالافتراش في الجلوس الأول، والتورك في آخر الصلاة، قاله النووي. وقال: وجلوس المرأة كجلوس الرجل، وصلاة النفل كصلاة الفرض في الجلوس. - هذا مذهب الشافعي ومالك والجمهور، وحكى عياض عن بعض السلف: أن سُنّة المرأة التربّع ، والصواب الأول. - قولها: «وكان ينهى عن عُقبة الشيطان» وفي رواية: «وكان يَنهى عنْ عَقِبِ الشيطان» والعقب: هو مؤخر القدم. - وفسره أبو عبيدة وغيره: بالإقعاء، وهو أن يلصق إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع . - والحكمة في النهي عنه: أنه يشعر بالتهاون بالصلاة ، وقلة الاعتناء بها. وهو غير الإقعاء ذكره الإمام مسلم بعد هذا الحديث، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أن يجعل إليتيه على عقبيه بين السجدتين ، وقال عنه: هو سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم . - قولها: «وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع» والافتراش أن تجعل الذراع كاملا على الأرض، والصحيح: أن ترفع مؤخر الذراع - وهو المرفق - عن الأرض، وتضع الكفين فقط؛ لأن التصاق الذراع بالأرض هي صفة السباع، وقد نهي المصلي عن ذلك، كما نهي عن أن يتشبه في صلاته بالحيوانات، فنهي عن افتراش السبع، وإقعاء الكلب، ونقر الديك والغراب، والتفات الثعلب، كما ورد في الأحاديث الصحيحة . - وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم فيه دليل على وجوب التسليم، مع قوله صلى الله عليه وسلم : «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله: «وتحليلها التسليم». - وقد قال جمهور العلماء من السلف والخلف: بأن السلام فرضٌ، ولا تصح الصلاة إلا به. - وقال أبوحنيفة والثوري والأوزاعي: هو سنة؟! وما سبق من الأحاديث ترد قولهم. - ثم المشروع عند جمهور العلماء: تسليمتان، كما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، يقول فيهما: السلام عليكم ورحمة الله . - ففي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عند النسائي (3/63) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكبّر كل خفضٍ ورفع وقيام وقعود، ويُسلّم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يُرى بياض خديه، ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك. ورواه الترمذي . - وفي صحيح مسلم: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى أرى بياض خده. وورد عنه صلى الله عليه وسلم : أنه كان أحيانا يسلم تسليمة واحدة في النفل وصلاة الجنازة. - فروى الترمذي (2/90) وابن ماجة وصححه ابن حبان : من حديث عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسلّم في الصلاة تسليمةً واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئا». - وجاء في مسند أحمد وابن حبان: أن ذلك كان في صلاة الليل . وقد ضعفه غير واحد كالعقيلي والنووي وابن القيم، ورجحوا أحاديث التسليمتين، في حين حسنه جماعة من المحدثين كابن حبان والحاكم، ومن المعاصرين العلامتان أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، والألباني في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم » رحم الله الجميع. - وقال العلامة أحمد شاكر: والذي أراه أن حديث عائشة حديث صحيح، وأن التسليمة الواحدة كانت منه في بعض الأحيان في صلاة الليل، وأن الذين رووا عنه التسليمين إنما يحكون التسليم الذي رأوه في صلاة المسجد وفي الجماعة، وبهذا نجمع بين الروايتين. (سنن الترمذي 2/92) . وقد ورد ما يدل على أن من مقصود التسليم: أن يكون على من عن يمينه وشماله من إخوانه المصلين: فروى مسلم: عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «علام تؤمنون بأيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمس، إنما يكفي أحدكم أنْ يضعَ يده على فخذه، ثم يُسلم على أخيه من على يمينه وشماله». - وفي الحديث هذا: النهي عن رفع اليد عند التسليم من الصلاة. وورد في سنن أبي داود زيادة «وبركاته» في التسليمتين، وقد ضعفها كثير من العلماء، كالنووي. وصحح بعضهم ثبوتها قي التسليمة الأولى لا الثانية، وهو الصواب، ويكون الإتيان بها أحيانا. والله تعالى أعلم.
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 21 ) بــاب التكــبير فــي الصــلاة اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 274- عن أبي بكر بن عبد الرحمن، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يُكبّر حين يقوم، ثم يُكبر حين يركع، ثم يقول: «سَمِع اللهُ لمنْ حَمِده» حين يرفع صُلْبه منْ الركوع، ثم يقول وهو قائمٌ: «ربّنا ولك الحمد» ثم يُكبر حين يَهوي ساجداً، ثم يُكبّر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يَقضيها، ويُكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس. ثم يقول أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم». الشرح: قال المنذري: باب التكبير في الصلاة. والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 293 - 294) وبوب النووي: باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة، إلا رفعه من الركوع فيقول فيه: سمع الله لمن حمده. قوله «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يُكبّر حين يقوم، ثم يُكبر حين يركع... ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها» فيه إثبات التكبير في كل خفض ورفع إلا في رفعه من الركوع فإنه يقول: سمع لمن حمده. قال النووي: وهذا مجمع عليه اليوم ومن الأعصار المتقدمة، وقد كان فيه خلاف في زمن أبي هريرة رضي الله عنه، وكان بعضهم لا يرى التكبير إلا للإحرام، وبعضهم يزيد عليه بعض ما جاء في حديث أبي هريرة. قال: وكأنّ هؤلاء لم يَبلغهم فعلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا كان أبو هريرة يقول: إني لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقرّ العمل على ما في حديث أبي هريرة هذا. انتهى. وقد ذهب الإمام أحمد ومن وافقه إلى أن هذه التكبيرات واجبة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وذهب الجمهور إلى أنها سنةٌ مستحبة! فلو تركها صحت صلاته، لكن فاتته الفضيلة، وأن الواجب تكبيرة الإحرام فقط! واحتجوا بحديث الأعرابي حين علمه الصلاة ولم يذكر منها هذا. وعلى هذا: ففي كل ركعة خمس تكبيرات، وتسمى عند الفقهاء بتكبيرات الانتقال. قوله «يكبر حين يهوي ساجدا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه» هذا دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات، ويجوز أن يكون التكبير قبلها أو بعدها، وسبق الحديث عن ذلك. ونقل النووي عن الشافعية وكثير من الفقهاء قولهم: يمد التكبير ويبسطه حين يشرع في الانتقال من الركن، حتى يصل للركن الذي يليه، فيبدأ مثلاً بالتكبير حين يشرع في الهوي إلى السجود، ويمدّه حتى يضع جبهته على الأرض! ولكن تعقبه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» بقوله: «ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة» انتهى. وقال الصنعاني رحمه الله: «وظاهر قوله: (يكبر حين كذا وحين كذا) أن التكبير يقارن هذه الحركات فيشرع في التكبير عند ابتدائه للركن. وأما القول بأنه يمد التكبير حتى يتم الحركة، فلا وجه له، بل يأتي باللفظ من غير زيادة على أدائه ولا نقصان منه». انتهى. «سبل السلام» (1/367). وقد روى الترمذي (297) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «حَذْفُ السّلام سُنّةٌ». ورواه أبوداود وأحمد (2/522). قال ابن المبارك: يعني ألّا يمدَّه مدّاً. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسن صحيح، وهو الذي استحبّه أهلُ العلم. قال: وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: التكبير جَزْمٌ، والسلام جزمٌ. قوله «ثم يقول: سَمِع اللهُ لمنْ حَمِده، حين يرفع صُلْبه منْ الركوع، ثم يقول وهو قائمٌ: ربّنا ولك الحمد» دليلٌ لمذهب الشافعي وطائفة: أنه يُستحب لكلّ مصلٍّ من إمامٍ ومأمومٍ ومنفرد، أنْ يجمع بين قوله «سمع الله لمن حمده» و«ربنا ولك الحمد» فيقول: «سمع الله لمن حمده» في حال رفعه من الركوع، و«ربنا ولك الحمد» عند استوائه وانتصابه؛ لثبوت فعلهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد: إن المأموم يكتفي بقوله «ربنا ولك الحمد»؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا رفعَ فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد...» متفق عليه. والراجح قول الشافعي – والله أعلم - لأننا إذا قلنا: إنّ المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، صار رفعه من الركوع، خالياً من الذكر! قوله «ويُكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس» أي: يكبر حين قيامه من التشهد الأول، وبه قال الجمهور. وقال مالك: لا يكبر حتى يستوي قائما. قال الشيخ الألباني رحمه الله في تلخيص صفة الصلاة: ثم يكبر وجوباً، والسّنة أن يكبر وهو جالس، ويرفع يديه أحيانا. وفي الصحيحة (604): «كان إذا أراد أن يسجد كبر ثم يسجد، وإذا قام من القعدة كبر ثم قام». أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (284 / 2). قال: والحديث نص صريحٌ في أن السّنة التكبير ثم السجود، وأنه يكبر وهو قاعدٌ ثم ينهض. وفي معناه ما أخرجه البخاري (825): «صلى لنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين قام من الركعتين، وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم». فقوله «وحين قام من الركعتين» أي: عند ابتداء القيام، وبه فسّره الحافظ. وقد قال الحافظ (2 / 304): «فالمشهور عن أبي هريرة أنه كان يكبر حين يقوم، ولا يؤخره حتى يستوي قائما كما تقدم عن «الموطأ»، وأما ما تقدم من حديثه بلفظ: «وإذا قام من السجدتين قال: الله أكبر»، فيحمل على أن المعنى: إذا شرع في القيام».
__________________
|
|
#10
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 22 ) باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره اعداد: الفرقان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء. 275 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا: يقول: «لا تُبادِروا الإمامَ، إذا كبّر فكبروا، وإذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سَمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد». الشرح:قال المنذري: باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره. والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/310) وبوب عليه النووي : باب ائتمام المأموم بالإمام. قوله: «لا تُبادِروا الإمامَ» تبادروا من البِدار والمبادرة وهو الاستعجال، أي: لا تسابقوه في الأفعال، بل اقتدوا به وتابعوه. قوله: «إذا كبّر فكبروا» أي: يكون تكبيركم بعد تكبيره من غير مسابقة، فهو دليل على وجوب متابعته في التكبير وغيره، ولقوله في الحديث الآتي: «وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا..» وأنه يفعلها بعد الإمام. وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: «فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف». وتكبيرة الإحرام إن فعلها قبل الإمام لم تنعقد صلاته عند الأكثر، وإن قارنه فقد أساء ولا تبطل. وهكذا الركوع والرفع منه والسجود والرفع منه، يكون بعد الإمام، فإن قارنه فقد أساء. وأما إن سبقه فقال كثير من الفقهاء ببطلان صلاته، ومنع من ذلك بعضهم لعدم الدليل القاضي بالبطلان. قوله: «وإذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين» يدل على تأخر تأمين المأموم عن تأمين الإمام؛ لأنه رتّب عليه بالفاء. وأجاز بعض الفقهاء المقارنة للإمام فيه، واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين». قال ابن الملقِّن: فظاهره الأمر بوقوع الجميع في حالة واحدة. اهـ. لكن قد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمّنَ الإمام فأمّنوا» كما يأتي، وهو يدل على المتابعة للإمام. واستُدل أيضا بقوله «إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين» على أن الإمام لا يُؤمّن! وهذا غير صحيح، فقد ثبت من حديث أبي هريرة في البخاري (780): قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمّنَ الإمام فأمّنوا؛ فإنه مَنْ وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه»، وهو ظاهرٌ في أن الإمام يؤمن جهرا، وأن تأمين المأموم يكون بعده. وبوب عليه الإمام البخاري: باب جهر الإمام بالتأمين، قال: وقال عطاء: آمين دعاء. أمَّنَ ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد لَلَجَّـة. وكان أبو هريرة يُنادي الإمام: لا تَفُتْنِي بـ «آمين». وقال نافع: كان ابن عمر لا يَدَعَـه، ويحضهم، وسمعت منه في ذلك خيراً. اهـ. وقد روى أبو داود بإسناده: عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين، ورفع بها صوته. وصححه الألباني. ويدل على الجهر من الإمام في التأمين، كما قال الزين بن المنير – كما في شرح الحافظ على حديث أبي هريرة السابق -: مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول: آمين، والقول «إذا وقع به الخطاب مطلقا، ُحمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك». وقال ابن رشيد: تؤخذ المناسبة منه من جهات: منها أنه قال: «إذا قال الإمام فقولوا» فقابل القول بالقول، والإمام إنما قال ذلك جهرا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة. ومنها أنه قال: «فقولوا» ولم يقيده بجهر ولا غيره، وهو مطلق في سياق الإثبات، وقد عمل به في الجهر بدليل ما تقدم، يعني في مسألة الإمام، والمطلق إذا عمل به في صورة لم يكن حجة في غيرها باتفاق. ومنها أنه تقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء بالإمام، وقد تقدم أن الإمام يجهر فلزم جهره بجهره. اهـ. وقد روى البيهقي: عن عطاء قال: «أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد، إذا قال الإمام {ولا الضالين} سمعت لهم رجة بآمين». والجهر للمأموم ذهب إليه الشافعي في القديم وعليه الفتوى، وقال الرافعي: قال الأكثر: في المسألة قولان أصحهما أنه يجهر. قوله: «وإذا قال: سَمع الله لمن حمده، فقولوا: «اللهم ربنا لك الحمد».سبق الكلام عليه في الحديث السابق. وفيه زيادة «اللهم» قبل قوله: «ربنا لك الحمد» . باب ائتمام المأموم بالإمام 276 - عن الزهري قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا، فصلينا وراءه قعودا، فما قضى الصلاة قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين». الشرح: قال المنذري: باب ائتمام المأموم بالإمام. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وهو في الباب السابق. وأخرجه البخاري في الأذان (689) باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به. قوله: «سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس» وفي رواية له: «خرّ» وفي أخرى «صُرع»، «فجُحش ساقه» جحش أي: خُدش. قوله: «فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلّى بنا قاعداً فصلينا وراءه قعودا» ظاهره أنه صلى بهم صلاة مكتوبة قاعداً، فصلوا خلفه قاعدين. ففيه الائتمام بالإمام والمتابعة له في الأفعال الظاهرة. يؤيده قوله لهم هاهنا: «وإذا صلى قاعدا، فصلوا قعودا أجمعين»، قال به أحمد والأوزاعي. وقال مالك: لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد، لا قائما ولا قاعدا! وقال أبو حنيفة والشافعي وكثيرون: لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائما، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض وفاته بعد هذا قاعدا، وأبو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قياما. وعقد له النووي بابا قال في ترجمته: من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام، لزمه القيام إذا قدر عليه. وذهبوا إلى نسخ ما كان سابقا. وإنْ كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر رضي الله عنه كان هو الإمام والنبي صلى الله عليه وسلم مقتد به! لكن الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام، وقد ذكره مسلم بعد هذا الباب صريحا أو كالصريح، فروى بإسناده: عن عائشة رضي الله عنها قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر، وكان يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. (النووي 4/ 133 - 134). وحديث عائشة أخرجه البخاري أيضا (687) باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به. وروى مسلم في الباب من حديث جابر رضي الله عنه نحوه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقد أنكر أحمد نسخ الأمر المذكور، وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين: - إحداهما: إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه، فحينئذ يصلون خلفه قعودا. - ثانيهما: إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما، سواء طرأ عليه ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أو لا، كما في الأحاديث التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنّ تقريره لهم على القيام، دلّ على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة؛ لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائماً وصلوا معه قياما، بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا، فلما صلوا خلفه قياما، أنكر عليهم. قال: ويقوي هذا الجمع: أن الأصل عدم الجمع.. (الفتح 2/ 176) ويمكن مراجعته للاستزادة.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |