ليلة القدر: أغلى فرصة في العمر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ماذا يأكل المسلمون حول العالم؟ استكشف سفرة عيد الأضحى من مصر إلى كينيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          طريقة عمل الفتة بخطوات سريعة.. الطبق الرسمى على سفرة عيد الأضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          مقاصد الحج (ليشهدوا منافع لهم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          أحكام الأضحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          خطبة الأضحى 1445 هـ: الكلمة مغنم أو مغرم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          خطبة عيد الأضحى: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-04-2024, 05:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,519
الدولة : Egypt
افتراضي ليلة القدر: أغلى فرصة في العمر

ليلة القدر: أغلى فرصةٍ في العمر

الشيخ عبدالله محمد الطوالة

الحمد لله، ثمَّ الحمد لله.. ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام:1]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 78]. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى:25].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾، ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ﴾ [القصص: 70].

وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، اصطفاهُ اللهُ تَعَالَى واجتباهُ، وقربه إليه وأدْناهَ، وطهَّرَ قلبهُ وزكاه، وشرحَ صدْرهُ وهداهُ، ورفعَ ذِكرهُ وأعلاهُ، وآتاهُ الوسيلةَ والفضيلةَ والشّفاعةَ وأرضاهُ، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبهِ ومن والاهُ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا لا حدَّ لمنتهاه، أمَّا بعدُ:
فأوصيكم أيها الناسُ ونفسي بتقوى الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70].

معاشر الصائمين الكرام، مَضَت أَيَّامُ شهرِنا المباركِ سِرَاعًا، وتَصَرَّمَت لَيَالِيهِ تِبَاعًا، كَأَنَّمَا هِيَ سَاعَاتٌ أَو لَحَظَاتٌ، وَهَكَذَا هُوَ العُمرُ أَيُّهَا المُوَفَّقُونَ، يَمضِي حثيثًا وينقضي سريعًا، فالأعمارُ مَهمَا طَالَت فهي قَصِيرَةٌ، والحَيَاةُ مهما طابتْ فهي يسيرةٌ.

والحياةُ أيُّها الكرامُ فُرص، والفُرصُ حَقُّها أن تُقتنَص، ففواتها غَبنٌ وغُصص.
إذا هبَّت رِياحُك فاغتنِمْها
فإنَّ لكل عاصفةٍ سُكون
وبادِر فُرصةً سنَحت وهيَّا
فما تدري المماتُ متى يكون


ومن تذكرَ حلاوةَ العاقبة، نسيَ مرارةَ الصبر، ومن عرَفَ شرفَ ما يطلب هانَ عليهِ ما يبذل.

وَهَا نَحنُ نَتهيَّأُ لِدُخولِ العَشرِ الأواخِرِ من رمضان، ها نحنُ نَستعِدُّ لاغتنام أفضلِ لَيالي العام، مِسكُ الخِتامِ، ودُرَّةُ الليالي والأيَّامِ، لياليَ مُبارَكَاتٍ نيِّرَات، كَانَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يَحسِبُ لها حِسَابًا كَبِيرًا، ويَجتهِدُ فِيهَا اجتِهَادًا عظيمًا، حَتَّى لَقَد كَانَ يُحيِي اللَّيلَ كُلَّهُ، وَيَعتَكِفُ في مَسجِدِهِ طوالَ وقتهِ، يَتَفَرَّغَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، ففي صحيح مُسلم عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجتَهِدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا، وفي الصحيحين أنّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دَخلَ العشرُ شدَّ مِئزَرهُ، وَأَحيَا لَيلَهُ، وَأيقَظَ أَهلَهُ، فَطُوبَى لِعَبدٍ وفَّقه الله فشمَّرَ عن ساعد الجِد، وقامَ مع القائمين: ﴿ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]، والذين: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ﴾، والذين: ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون:61].

إنَّها يا عباد الله أيام وليالٍ معدودات، وأوقات فاضلة مباركات، موسمٌ لا يُقدَّرُ بثمنٍ، والعاقلُ من يُدركُ قيمةَ الموسم، وأنهُ فرصةٌ سَرعان ما تمضي، وأنَّها إذا فاتت فلا يُمكن تَعويضُها أبدًا، ومن يتأمَّلُ حالَ التُّجارِ في المواسم فسيتعلَّم منهم درسًا بليغًا، فهم يعرفون جيدًا كيف يربحون، ألا ترى الواحد منهم يأتي بأنواعٍ جديدة من البضاعةِ لم يكن يأتي بها في الأيام العادية، لعلمه أنها مرغوبةٌ في أيام الموسم، وتراهُ يوفرُ الأصناف بكمياتٍ أكبر مما كان يُوفره في الأيام العادية؛ لأنه يعلمُ شِدةَ الإقبالِ عليها في الموسم، وتراهُ أيضًا يُضاعِفُ أوقات عمله مرتين أو ثلاثًا، بل ربما واصلَ البقاءَ في المحل ليلًا ونهارًا حتى ينتهي الموسم، وعلى قدر اجتهادهِ في كل ذلك، ينجحُ في تجارته، وتتضاعفُ أرباحه ومكاسبه..

ألا وإن أعظمَ مواسِم المؤمنِ هو هذا الشهر المبارك، وأعظَمُ ما فيه عشرهُ الأخيرة، وبضاعةُ المؤمنِ إنما هي أعمالهُ الصالحة، وما يُقدمهُ من طاعاتٍ وقُربات، وقراءةٍ وصلوات، ودُعاءٍ وصدقات، وكلما كان الإنسانُ موفقًا في إدارة وقته، جادًّا في حُسن استثمارهِ وعمارته - تضاعفَت أرباحه، وازدادَت مكاسبه، وعلى قدرِ نيةِ العبدِ وهِمَّته، يكونُ توفيقُ اللهِ لهُ وإعانتهُ، وللإمام ابنُ قُدامة المقدسي وصِيَّةٌ بليغة، جاء فيها: "فاغْتنمْ يا رعاك الله فرصةَ الحياة، واعْلمْ أنَّ مُدَّتك فيها مُدَّةً محدودة، وأنَّ أنفاسَك فيها أنفاسًا معدودة، وأن كلُّ نَفَسٍ منها جوهرةٌ غاليةٌ لا تُقدرُ بثمن، فهي تعدِلُ خلودَ الأبدِ، وخلودَ الأبدِ يعدِلُ أكثرَ من مليار مليار عام، بل وأكثر من ذلك بكثير، فلا تضيِّعْ جواهرَ عُمرِك الغاليةِ بغيرِ عملٍ، ولا تُذهبها بغير عِوضٍ، واجتهدْ ألا يذهبَ نَفَسٌ من أنفاسِك إلا في عملٍ وطاعة، تتقرَّبُ بها إلى مولاك، وتخيَّل لو كان معك جوهرةٌ من أغلى جواهرِ الدنيا ثم ضاعت، ألا يسوؤك ذلك، فكيف لا يسوؤك ذهابُ الأوقاتِ بغير عِوضٍ، وهي أغلى من الجواهر بكثير، وصدق من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ).. فحري بالمسلم الموفق أن يبادر الفرص السانحة، وأن يُحسنَ الاستفادة من الأزمان الفاضلة، والمواسم المباركة، فيخصَّها بمزيدٍ من الاجتهاد في العبادة، فمن مِنَّا نوَّع بضاعته، ومن مِنَّا أكثرَ من الأصنافِ القيِّمة التي يحبها ربه، ومن منا زادَ في وقت العمل ليزداد ربحهُ وتعظُمَ تجارتهُ ومكاسبه، فالله جلَّ وعلا يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور ﴾ [فاطر: 29، 30].

وتأمّل معي هذا التوجيه النبويَّ العجيب، ففي حديثٍ صحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: "إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةً، فإنِ استَطاعَ ألا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها"، والمعنى: إذا تيسرت لك فرصةُ خيرٍ، فبادر وإياك أن تُفرط فيها، وشاعرُ الحكمة يقول:
وعاجزُ الرأيِ مِضياعٌ لفرصته
حتى إذا فاتهُ خيرٌ أظهرَ الأسفَ




والمتنبي يقول:
ولم أرَ في عيوب الناسِ عيبًا
كعجز القادرينَ على التمامِ




فإياكَ والعجزِ والتسويف، فإنه أكبرُ جنودِ إبليس، ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].

فهَيَّا يَا عِبَادَ اللهِ، فمَن كَانَ مُحسِنًا فليزداد، وَمَن كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَلْيُبادر بالأَوبَةَ والتعويض؛ فإِنَّمَا الأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ، وَالتَّوبَةُ تَجُبُّ مَا قَبلَهَا، وَالرَّبُّ غَفُورٌ شَكُورٌ، وَلَيسِ لِفَضلهِ حُدُودٌ، خزائنهُ ملئا، ويدهُ سحاء، ولا يتعاظمهُ عطاء، ينفقُ سبحانهُ كيف يشاء..

وجدوا يا عباد الله واجتهدوا، وَاستَعِينُوا بِاللهِ ولا تعجِزوا، واصبروا وصابروا ورابطوا واصطبروا، وادعوا ربكم بصدق وأَلِحُّوا، وأبشروا وأمَّلِوا، فرَّبُّكم كَرِيمٌ جِدُّ كريم، وَفَضلَه عَظِيمٌ جِدُّ عظيم، وَمَن جَاهَدَ وَصبرَ وَصَدَقَ، أُعِينَ وهُدِيَ وَوُفِّقَ: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].. ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية
الحمد لله كثيرًا، والصلاة والسلام على المبعوث بالحق بشيرًا ونذيرًا؛ أمَّا بعد:
فـ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾[المائدة:35]، ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون ﴾ [البقرة:281]..

معاشر المؤمنين الكرام، جاء في صحيح مُسلم أنَّ ربيعةَ بن كعبٍ الأسلمي رضي الله عنه، عندما كان غلامًا صغيرًا، كان يبيتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأتيه بوَضوئه وحاجته، فأرادَ صلى الله عليه وسلم أن يكافئه، فقال له: سلني يا ربيعة، فقال ربيعة: أسألك مُرافقتكَ في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك يا ربيعة، قال ربيعة: هو ذاك، قال صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة السجود، لله درُّك يا ربيعة، ما أحلى موقفك، وما أرفعَ هِمَتك، وما أروعَ كلمتك، وما أمضى عزيمتك، (أسألُك مرافقتك في الجنة)، حقًّا فالحياة فرص، وحقُّ الفرصِ أن تُقتنص، ففواتها غبنٌ وغُصص، وبحمد الله فلا يزالُ بين أيدينا الكثيرُ من الفرص الغالية، ليلةُ القدرِ فرصةٌ، بل هيَ أغلى فرصةٍ في العمر، ولذا كَانَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يتركُ كلَّ شيءٍ من أجلها، ويظلُ مُعتَكِفًا في المسجد طولَ العَشرِ كُلها، ويُحيي ليلهُ كُلهُ ما بين صلاةٍ وذكرٍ ومدارسةٍ للقرآن، ولمَ لا؟ فهي ليلةٌ السَّعدِ والهنا، والفوزِ والرضا، والدرجاتِ العلا، ليلةٌ عظيمةُ القدر، عاليةُ الذِّكر، كثيرةُ الأجر، ليلةٌ مباركةٌ لها ما بعدها، ولذا فهي تستحقُّ النَّصَبَ والتعبَ من أجلها، فمَن قَامَهَا، فَكَأَنَّمَا قامَ ثَلاثةً وثَمانِينَ عامًا مُتواصِلة، مَن قامَها فكأنما قامَ العُمرَ كُله، إنها دُرَّةُ ليالي الدهر، وهيَ بنصِّ القرآنِ خيرٌ من ألف شهر، العَمَلِ القَلِيلُ فِيهَا كَثِيرٌ، وَالكَثِيرُ فيها لا يصِفهُ تعبير.

ليلةٌ مباركة، مَن اجتهدَ فيها فقد أفلحَ وربِح، ومن فرَّط فيها فقد غُبِن غبنًا بينًا، فطُوبَى لِمَن أحيا هَذِهِ اللَّياليَ المباركة كُلَّها، وقامَ معَ إِمامِهِ حَتى يَنصرِفَ؛ ليُكتبَ لهُ قِيامُ ليلةٍ بتمامِها، ففي الحديث الصحيح: قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَن قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ". هذه فرصة.

وخلوةٌ مع كتابِ اللهِ فرصة، فأهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصته، والقرآنُ يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه، وركعةٌ في ظلام الليلِ فرصة، فالصَّلاة ُنور، وفي الحديث الصحيح: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".

وعمرةٌ في رمضانَ فرصة، ومن لك بحجةٍ مع الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وكثرةُ الذكرِ فرصة، ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]. والدعاءُ في مظانه فرصة، فاللهُ جلَّ جلاله هو الذي يقول لي لك: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، هل من سائلٍ فأُعطيه؟ وتفطيرُ الصائمينَ فرصة، فمن فطَّر صائمًا فله مثل أجره.

وصحتكَ قبل مرضك فرصة، فكم من مريضٍ يتمنى عافيةَ يومٍ من أيامك، وفراغكَ قبل شغلك فرصة، فاللهُ جلَّ وعلا يقول: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنبياء: 1، 2].

وشبابكَ قبل هرمك، فرصة، واسألوا أبناءَ الثمانين والتسعين، فلسان حالهم
بَكيتُ على الشَبابِ بِدمعِ عيني
فلَم يُغنِ البُكاءُ ولا النَّحيبُ
ألا ليت الشبابَ يعود يومًا
فأُخبرهُ بما فعلَ المشيبُ


وغِناك قبل فقرك فرصة، واسأل من تقلَّبت بهم الأحوال، وذاقوا الفقر بعد الغنى، يقول قائلهم:
مَن باتَ بَعدكَ في عزٍّ يُسَرُّ بِهِ
فَإِنَّما باتَ بِالأَحلامِ مَغرورَا




وحياتك قبل موتك، فرصة بل فرص، وإن لك في المقابر لموعظةً وعبرة، فوالله ما من صاحب قبرٍ إلا وهو يتمنى يومًا من أيامك، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون:99].

وفي القرآن العظيم والسنة المطهرة حثٌّ متكررٌ على اغتنام الفرصِ والمناسبات، واستثمارِ الطاقاتِ والأوقات، كقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة:148]، و﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ [آل عمران:133]، و﴿ انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ [التوبة:41]، ومن أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال"، و«اغتَنِم خَمسًا قبلَ خَمسٍ»، و"التؤدةُ في كلِّ شيءٍ إلا في عمل الآخرة"، و«لا يَزال قَومٌ يتأخَّرُون حتى يُؤخِّرهم اللهُ في النار»، و"من خافَ أدلَج، ومن أدلجَ بلغَ المنزل"، وغيرها من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة.

وكذلك فإن للسلف أقوالٌ جميلة في ذلك؛ قال وهيب بن الورد: "إن استطعتَ ألا يسبقكَ إلى الله أحدٌ فافعل"، وقال خالد بن معدان: "إذ فُتِح لأحدكم بابُ خيرٍ فليُسرع إليه، فإنه لا يدري متى يُغلقُ دونه"، وقال الحسن البصري: "الليل والنهار يعملان فيك، فاعمَل فيهما"، وهكذا:
لكلِّ امرئ من دهره ما تعوَّدا
فتعود الخيرَات ترقى وتسعدا
وإن كنت في قومٍ فصاحِب خيارَهم
ولا تصحَب الأردى فتَردى مع الرَّدي


فيا أيُّها العقلاء، الحياةُ فرص، والفرصُ حقُّها أن تُقتنص، وفواتها غبنٌ وغُصص، فكلُّ نفسٍ من انفاسك فُرصة، أليسَ كلُّ تسبيحةٍ صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، والكلمةُ الطيبةُ صدقة، وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة، والحياة كلها فرص، وفواتُ الفرصِ غبنٌ وغصص، ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِين * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُون * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُون ﴾ [الشعراء:205]..

فيا بن آدم عشْ ما شئت فإنك ميِّت، واحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يَبلى والذنب لا يُنسى والديان لا يموت، وكما تدين تُدان..

اللهم صلِّ على محمد...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.85 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]